المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(510) باب فضيلة الأمير العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٧

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأقضية

- ‌(454) باب اليمين

- ‌(455) باب حكم الحاكم لا يغير الباطن

- ‌(456) باب قضية هند

- ‌(457) باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات

- ‌(458) باب بيان أجر الحاكم إذا أخطأ

- ‌(459) باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان

- ‌(460) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور

- ‌(461) باب بيان خير الشهود

- ‌(462) باب اختلاف المجتهدين

- ‌(463) باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين

- ‌كتاب اللقطة

- ‌(464) باب اللقطة

- ‌(465) باب تحريم حلب الماشية بدون إذن صاحبها

- ‌(466) باب الضيافة ونحوها

- ‌(467) باب استحباب المواساة بفضول المال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت

- ‌كتاب الجهاد والسير

- ‌(468) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام

- ‌(469) باب تأمير الأمراء على البعوث ووصاياهم

- ‌(470) باب تحريم الغدر

- ‌(471) باب جواز الخداع في الحرب

- ‌(472) باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء واستحباب الدعاء بالنصر عند اللقاء

- ‌(473) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وفي البيات

- ‌(474) باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها

- ‌(475) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة

- ‌(476) باب الأنفال

- ‌(477) باب استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌(478) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى

- ‌(479) باب حكم الفيء

- ‌(480) باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين

- ‌(481) باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم

- ‌(482) باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه

- ‌(483) باب إجلاء اليهود من الحجاز

- ‌(484) باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم وجواز المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين

- ‌(485) باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح

- ‌(486) باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

- ‌(487) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الشام وإلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الإسلام

- ‌(488) باب غزوة حنين

- ‌(489) باب غزوة الطائف

- ‌(490) باب غزوة بدر

- ‌(491) باب فتح مكة

- ‌(492) باب صلح الحديبية

- ‌(493) باب الوفاء بالعهد

- ‌(494) باب غزوة الأحزاب

- ‌(495) باب غزوة أحد

- ‌(496) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين

- ‌(497) باب قتل أبي جهل

- ‌(498) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود

- ‌(499) باب غزوة خيبر

- ‌(500) باب غزوة الأحزاب وهي الخندق

- ‌(501) باب غزوة ذي قرد وغيرها

- ‌(502) باب قول الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم

- ‌(503) باب غزوة النساء مع الرجال، والرضخ لهن

- ‌(504) باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(505) باب غزوة ذات الرقاع

- ‌(506) باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر

- ‌كتاب الإمارة

- ‌(507) باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش

- ‌(508) باب الاستخلاف وتركه

- ‌(509) باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها وكراهة الإمارة بغير ضرورة

- ‌(510) باب فضيلة الأمير العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم

- ‌(511) باب غلظ تحريم الغلول

- ‌(512) باب تحريم هدايا العمال

- ‌(513) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية والإمام جنة

- ‌(514) باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول

- ‌(515) باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم، ووجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة، وحكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، والحكم إذا بويع لخليفتين، ووجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع

- ‌(516) باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة

- ‌(517) باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه والمبايعة بعد الفتح على الإسلام والجهاد والخير

- ‌(518) باب كيفية بيعة النساء

- ‌(519) باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع وبيان سن البلوغ

- ‌(520) باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم

- ‌(521) باب الخيل: تضميرها، والمسابقة بينها وفضلها، وما يكره من صفاتها

- ‌(522) باب فضل الجهاد والخروج والرباط في سبيل الله، وفضل الشهادة، وفضل الغدوة والروحة في سبيل الله، وما أعده الله للمجاهد في الجنة

- ‌(523) باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ولا يجتمع كافر وقاتله في النار

- ‌(524) باب فضل الصدقة في سبيل الله، وإعانة الغازي، وخلافة أهله بخير، وإثم من خانه فيهم

- ‌(525) باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين وثبوت الجنة للشهيد

- ‌(526) باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ومن قاتل للرياء والسمعة استحق النار

- ‌(527) باب ثواب من غزا فغنم، ومن لم يغنم

- ‌(528) باب إنما الأعمال بالنية

- ‌(529) باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله

- ‌(530) باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو

- ‌(531) باب ثواب من حبسه العذر عن الغزو

- ‌(532) باب فضل الغزو في البحر

- ‌(533) باب فضل الرباط في سبيل الله

- ‌(534) باب بيان الشهداء

- ‌(535) باب فضل الرمي، وذم من علمه ثم نسيه

- ‌(536) باب "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

- ‌(537) باب مراعاة مصلحة الدواب والسير

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌(538) باب الصيد بالكلاب المعلمة

الفصل: ‌(510) باب فضيلة الأمير العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم

(510) باب فضيلة الأمير العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم

4153 -

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال ابن نمير وأبو بكر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث زهير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل. وكلتا يديه يمين. الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".

4154 -

عن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء. فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا، إن كان ليموت للرجل منا البعير، فيعطيه البعير والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة. فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي، أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه. ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به".

4155 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته. والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم. والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم. والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه. ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

ص: 430

4156 -

وفي رواية عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بمعنى حديث نافع عن ابن عمر، وزاد في حديث الزهري قال: وحسبت أنه قد قال: "الرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته.

4157 -

عن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه، فقال معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياة ما حدثتك. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".

4158 -

-/- وفي رواية عن الحسن قال: دخل ابن زياد على معقل بن يسار وهو وجع بمثل حديث أبي الأشهب وزاد قال: ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم؟ قال: ما حدثتك أو لم أكن لأحدثك.

4159 -

عن أبي المليح، أن عبيد الله بن زياد دخل على معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: إني محدثك بحديث لولا أني في الموت لم أحدثك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة".

4160 -

-/- وفي رواية أن معقل بن يسار مرض فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده نحو حديث الحسن عن معقل.

ص: 431

4161 -

عن الحسن أن عائذ بن عمرو، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد، فقال: أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم" فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نخالة. إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم.

-[المعنى العام]-

يقول الله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 159] دستور إلهي للراعي مع الرعية، أساسه رفقه بهم، وعفوه عن مسيئهم، وإحسانه لمحسنهم، والسهر على رعاية مصالحهم.

إن الحكم مسئولية، صغر أو كبر، وكل من له ولاية على غيره له حكم عليه، ولو كانت الولاية على واحد، فكلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته، فالحاكم الأعلى راع، وهو مسئول عن رعيته، مسئول في الدنيا من الرعية، تحاسبه بالمعروف، ويذكره العلماء بحقوق شعبه، وينصحونه بالرفق، والدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله، ولخاصة المؤمنين وعامتهم، ومسئول في الآخرة عند ربه، وإن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، فإن كان قد أطاع الله في رعيته، وحكم فيهم بعدل الله، كرمه ربه أمام الخلائق، وأجلسه على منبر من نور على يمين الرحمن، وأظله الله في الموقف العظيم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

والرجل في بيته راع وهو مسئول دنيا وأخرى عن زوجه وأولاده وأحفاده والأقربين، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن حقوق زوجها وأولادها، والخادم في بيت سيده راع ومسئول عن حقوق سيده، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.

وقد شاءت حكمة الله تعالى أن تمنح بعض الجزاء عن الخير في الدنيا للمحسن، وما عند الله خير وأبقى، وأن تصيب العاصي المسيء بعض البلايا في الدنيا، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، والجزاء من جنس العمل، فمن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن أعان مسلما أعانه الله في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ولي من أمر الأمة شيئا فرفق بهم رفق الله به في الدنيا والآخرة، وفي المقابل من شاق على رعيته شاق الله عليه، ومن عسر أمور رعيته عسر الله أموره، وما من عبد يسترعيه الله رعية، فيهملها [كما يهمل راعي الغنم غنمه، لا يوردها طعامها وشرابها وصالحها] ويظلمها ويستولى على أموالها ومواردها ويستغلها لمصالحه، ولا يقيم حدود الله فيها، ولا يجتهد جهده في إدارة شئونها إلا جاء يوم القيامة، يريد دخول الجنة معها، فيمنع من دخولها بل يمنع عنها من بعيد حتى لا يجد ريحها الطيب ونسيمها العليل.

ص: 432

إن واجب الأمر بالمعروف في الدنيا على عامة الناس وخاصتهم، لكن واجب النصح للحكام على العلماء، فصلاح الحكام بصلاح العلماء، وإذا فسد العلماء فسد الحكام. ولقد كان الحكام في الصدر الأول يخافون العلماء ونقدهم، ويتأثرون بتوجيهاتهم، وكان العلماء يخشون ربهم، ويؤدون واجب النصيحة للحكام، وإن تعرضوا لبطشهم، وما أكثر من وقع منهم ضحية هذا الواجب، فسطر لهم التاريخ مواقفهم المجيدة بحروف من نور.

وقرأ لهم الخلوف ما سطره التاريخ، فعاشوا في ضمير شعوبهم على مر الزمان.

-[المباحث العربية]-

(إن المقسطين) يقال: أقسط إقساطا فهو مقسط، إذا عدل، قال الله تعالى {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} [الحجرات: 9] ويقال: قسط، بفتح القاف وكسر السين قسوطا وقسطا بفتح القاف، فهو قاسط، وهم قاسطون، إذا جاروا، قال الله تعالى {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} [الجن: 15] فالمقسطون هنا العادلون، وقد فسره في آخر الحديث بقوله "الذين يعدلون".

(عند الله) أي في الآخرة، وشبه الجملة خبر، والعندية عندية مكانة، أي مقامهم ومكانتهم عند الله عظيمة.

(على منابر من نور) جمع منبر، قيل: سمي منبرا لارتفاعه، قال القاضي: يحتمل أن يكونوا على منابر حقيقة، على ظاهر الحديث، ويحتمل أن يكون كناية عن المنازل الرفيعة، قال النووي: الظاهر الأول، ويكون متضمنا للمنازل الرفيعة، فهم على منابر حقيقة، ومنازلهم رفيعة. اهـ. وحمل اللفظ على معناه الحقيقي، حيث لا قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي أولى من المجاز، وشبه الجملة خبر بعد خبر.

(عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين) قال النووي: هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق في أول هذا الشرح بيان اختلاف العلماء فيها، وأن منهم من قال: نؤمن بها، ولا نتكلم في تأويله، ولا نعرف معناه، لكن نعتقد أن ظاهرها غير مراد، وأن لها معنى يليق بالله تعالى، وهذا مذهب جماهير السلف، وطوائف من المتكلمين، والثاني أنها تؤول على ما يليق بها، وهذا قول أكثر المتكلمين، وعلى هذا قال القاضي عياض: المراد بكونهم عن اليمين الحالة الحسنة، والمنزلة الرفيعة، قال: قال ابن عرفة: يقال: أتاه عن يمينه إذا جاءه من الجهة المحمودة، والعرب تنسب الفعل المحمود والإحسان إلى اليمين، وضده إلى اليسار، قالوا: اليمين مأخوذ من اليمين، وأما قوله صلى الله عليه وسلم "وكلتا يديه يمين" فتنبيه على أنه ليس المراد باليمين جارحة، تعالى الله عن ذلك، فإنها مستحيلة في حقه سبحانه وتعالى.

ص: 433

(الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا) بفتح الواو، وضم اللام مخففة، أي وما كان لهم عليه ولاية، أي يعدلون قولا وفعلا.

(ممن أنت؟ ) أي من أهل أي البلاد أنت؟

(كيف كان صاحبكم لكم) أي كيف كانت معاملة أميركم لكم؟

(ما نقمنا منه شيئا) بفتح القاف وكسرها، أي ما كرهنا منه شيئا.

(إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير)"إن" بكسر الهمزة وسكون النون مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف ضمير الشأن والحال، واللام في "ليموت" الداخلة على الخبر، هي الفارقة بين المخففة والنافية، و"البعير" الأول مرفوع فاعل "يموت" والثاني منصوب، مفعول، أي كان يموت البعير للرجل منا فيعطيه بعيرا بدله.

(والعبد فيعطيه العبد)"العبد" الأولى مرفوع، عطفا على البعير، والثانية مفعول.

(ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة) فاعل يحتاج يعود إلى "الرجل منا".

(إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك) عائد الصلة محذوف، أي لا يمنعني ما فعله في أخي أن أشكر فعله الحسن ورفقه بكم. قال النووي: اختلفوا في صفة قتل محمد بن أبي بكر، فقيل: قتل في المعركة، وقيل: قتل أسيرا بعدها، وقيل: وجد بعدها في خربة، في جوف حمار ميت، فأحرقوه.

(كلكم راع) قال العلماء: الراعي هنا هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام به، وما هو تحت نظره.

(ألا فكلكم راع)"ألا" حرف استفتاح، والفاء فصيحة، في جواب شرط مقدر، أي إذا كان الأمر كذلك فكلكم راع.

(عن الحسن) البصري.

(عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه) في ملحق الرواية "دخل ابن زياد على معقل بن يسار، وهو وجع" وفي الرواية السادسة أن عبيد الله بن زياد دخل على معقل بن يسار في مرضه" وعبيد الله بن زياد كان أميرا على البصرة من قبل معاوية بن أبي سفيان، ثم من قبل ابنه يزيد بن معاوية، وكانت هذه الزيارة في زمن يزيد، وقد أخرج الطبراني عن الحسن البصري قوله: لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا، أمره علينا معاوية، غلاما سفيها، يسفك الدماء سفكا شديدا .... " الحديث. ويبدو أن الحسن حضر هذه الزيارة لمعقل، وكانت وفاته بالبصرة ما بين الستين والسبعين من الهجرة، في خلافة يزيد، أسلم قبل الحديبية، وشهد بيعة

ص: 434

الرضوان، وهو الذي حفر نهر معقل بالبصرة، بأمر عمر، فنسب إليه، ونزل البصرة، وبنى بها دارا، ومات بها.

وقد روى الطبراني عن الحسن أيضا أن واعظ عبيد الله بن زياد كان عبد الله بن مغفل المزني، ولفظه "لما قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا، وفينا عبد الله بن مغفل المزني، فدخل عليه ذات يوم، فقال له: انته عما أراك تصنع، فقال له: وما أنت وذاك؟ قال: ثم خرج إلى المسجد، فقلنا له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رءوس الناس؟ فقال: إنه كان عندي علم، فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رءوس الناس، ثم قام، فما لبث أن مرض مرضه الذي توفي فيه، فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده .... فذكر نحو الحديث السابق. قال الحافظ ابن حجر: فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين.

(إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياة ما حدثتك) أي ما حدثتك به، وفي الرواية السادسة "لولا أني في الموت لم أحدثك به" قال العلماء: كأنه كان يخشى بطشه، فلما نزل به الموت أراد أن يكف بذلك بعض شره عن المسلمين، ورأى وجوب تبليغ العلم الذي عنده قبل موته، لئلا يكون مضيعا له، وقد أمرنا كلنا بالتبليغ.

(وهو غاش لرعيته) يحصل غش الراعي لرعيته بظلمه لهم، بأخذ أموالهم، أو سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، أو حبس حقوقهم، أو ترك تعريفهم ما يجب عليهم في أمر دينهم ودنياهم، أو بإهمال إقامة الحدود فيهم، وعدم ردع المفسدين منهم، وترك حمايتهم ونحو ذلك، وفي الرواية السادسة "ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة" وفي رواية البخاري "ما من وال" وفيها "ثم لا يجد" بفتح الياء وكسر الجيم وتشديد الدال من الجد ضد الهزل، ومعنى "ثم لا يجهد لهم وينصح" أي ثم لا يبذل جهده في مصالحهم، ولا ينصحهم لما ينفعهم.

(ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم؟ ) أي لو كنت فعلت لأخذت عقابك، فهو تهديد له ولغيره يثير الرعب في نفس من تسول له نفسه أن يرفع رأسه.

(أن عائذ بن عمرو) بن هلال بن عبيد بن يزيد المزني، أبو هبيرة، كان ممن بايع تحت الشجرة، وسكن البصرة، ومات في إمارة ابن زياد، كان تقيا ورعا، روى البغوي أنه كان لا يخرج من داره ماء الغسل إلى الطريق، فسئل، فقال: لأن أصب طستي في حجرتي أحب إلي من أن أصبه في طريق المسلمين.

(فقال: أي بني)"أي" حرف نداء، والتصغير هنا من عائذ للتصغير، فقد كان عبيد الله شابا، وكان عائذ كهلا.

(إن شر الرعاء الحطمة)"الرعاء" بكسر الراء، كما في قراءة الجمهور في قوله تعالى {قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء} [القصص: 23] وقرئ "الرعاء" بضم الراء، والمعروف في صيغ الجمع فعال

ص: 435

بكسر الفاء فالضم على خلاف القياس، وهو جمع راع، و"الحطمة" الراعي العسوف العنيف في إبله وغنمه، لا يرفق بها في سوقها ومرعاها، بل يحطمها ويؤذيها في ذلك، وفي سقيها وغيره، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها، يقال: حطم الشيء بفتح الطاء يحطم بكسرها إذا كسره، وحطم الناس بعضهم بعضا إذا تزاحموا حتى آذى بعضهم بعضا. وهذا المثل قصد به أن شر الولاة والأمراء من يشق على الرعية، ولا يرفق بهم.

(فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم النخالة ما تبقى من المنخل من القشر، يعني لست من صفوتهم ولا من فضلائهم ولا من علمائهم، ولا من أهل المراتب منهم، بل من سقطهم، والنخالة هنا استعارة من نخالة الدقيق، وهي قشوره والنخالة والحقالة والحثالة بمعنى واحد.

(وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) قال النووي: هذا من جزل الكلام وفصيحه، وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة رضي الله عنهم هم صفوة الناس، وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول، قدوة، لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم، وفي من بعدهم كانت النخالة.

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من الأحاديث]-

1 -

فضيلة الأمير العادل.

2 -

زجر الولاة عن المشقة على الرعية.

3 -

من قول عائشة رضي الله عنها في الرواية الثانية أنه ينبغي أن يذكر فضل أهل الفضل، ولا يمتنع منه لسبب عداوة ونحوها.

4 -

وجوب النصيحة على الوالي لرعيته، والاجتهاد في مصالحهم.

5 -

وجوب تبليغ العلم.

6 -

فيه منقبة وفضيلة لمعقل بن يسار، وجرأته في قول الحق عند سلطان جائر.

7 -

فيه منقبة كذلك لعائذ بن عمرو رضي الله عنه.

8 -

وفي قوله "يموت يوم يموت وهو غاش" دليل على أن التوبة قبل حالة الموت نافعة.

9 -

تحريم الجنة على المستحل لغش الرعية، وتأخير دخولها لغير المستحل ممن يغش الرعية. وتفصيل هذا الحكم سبق في كتاب الإيمان.

والله أعلم.

ص: 436