المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(498) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٧

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الأقضية

- ‌(454) باب اليمين

- ‌(455) باب حكم الحاكم لا يغير الباطن

- ‌(456) باب قضية هند

- ‌(457) باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات

- ‌(458) باب بيان أجر الحاكم إذا أخطأ

- ‌(459) باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان

- ‌(460) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور

- ‌(461) باب بيان خير الشهود

- ‌(462) باب اختلاف المجتهدين

- ‌(463) باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين

- ‌كتاب اللقطة

- ‌(464) باب اللقطة

- ‌(465) باب تحريم حلب الماشية بدون إذن صاحبها

- ‌(466) باب الضيافة ونحوها

- ‌(467) باب استحباب المواساة بفضول المال واستحباب خلط الأزواد إذا قلت

- ‌كتاب الجهاد والسير

- ‌(468) باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام

- ‌(469) باب تأمير الأمراء على البعوث ووصاياهم

- ‌(470) باب تحريم الغدر

- ‌(471) باب جواز الخداع في الحرب

- ‌(472) باب كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء واستحباب الدعاء بالنصر عند اللقاء

- ‌(473) باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب وفي البيات

- ‌(474) باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها

- ‌(475) باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة

- ‌(476) باب الأنفال

- ‌(477) باب استحقاق القاتل سلب القتيل

- ‌(478) باب التنفيل وفداء المسلمين بالأسارى

- ‌(479) باب حكم الفيء

- ‌(480) باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين

- ‌(481) باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم

- ‌(482) باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه

- ‌(483) باب إجلاء اليهود من الحجاز

- ‌(484) باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال أهل الحصن على حكم حاكم عدل أهل للحكم وجواز المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين

- ‌(485) باب رد المهاجرين إلى الأنصار منائحهم من الشجر والثمر حين استغنوا عنها بالفتوح

- ‌(486) باب جواز الأكل من طعام الغنيمة في دار الحرب

- ‌(487) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الشام وإلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الإسلام

- ‌(488) باب غزوة حنين

- ‌(489) باب غزوة الطائف

- ‌(490) باب غزوة بدر

- ‌(491) باب فتح مكة

- ‌(492) باب صلح الحديبية

- ‌(493) باب الوفاء بالعهد

- ‌(494) باب غزوة الأحزاب

- ‌(495) باب غزوة أحد

- ‌(496) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين

- ‌(497) باب قتل أبي جهل

- ‌(498) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود

- ‌(499) باب غزوة خيبر

- ‌(500) باب غزوة الأحزاب وهي الخندق

- ‌(501) باب غزوة ذي قرد وغيرها

- ‌(502) باب قول الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم

- ‌(503) باب غزوة النساء مع الرجال، والرضخ لهن

- ‌(504) باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(505) باب غزوة ذات الرقاع

- ‌(506) باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر

- ‌كتاب الإمارة

- ‌(507) باب الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش

- ‌(508) باب الاستخلاف وتركه

- ‌(509) باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها وكراهة الإمارة بغير ضرورة

- ‌(510) باب فضيلة الأمير العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم

- ‌(511) باب غلظ تحريم الغلول

- ‌(512) باب تحريم هدايا العمال

- ‌(513) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية والإمام جنة

- ‌(514) باب وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأول فالأول

- ‌(515) باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم، ووجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة، وحكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، والحكم إذا بويع لخليفتين، ووجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع

- ‌(516) باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال، وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة

- ‌(517) باب تحريم رجوع المهاجر إلى استيطان وطنه والمبايعة بعد الفتح على الإسلام والجهاد والخير

- ‌(518) باب كيفية بيعة النساء

- ‌(519) باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع وبيان سن البلوغ

- ‌(520) باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم

- ‌(521) باب الخيل: تضميرها، والمسابقة بينها وفضلها، وما يكره من صفاتها

- ‌(522) باب فضل الجهاد والخروج والرباط في سبيل الله، وفضل الشهادة، وفضل الغدوة والروحة في سبيل الله، وما أعده الله للمجاهد في الجنة

- ‌(523) باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ولا يجتمع كافر وقاتله في النار

- ‌(524) باب فضل الصدقة في سبيل الله، وإعانة الغازي، وخلافة أهله بخير، وإثم من خانه فيهم

- ‌(525) باب سقوط فرض الجهاد عن المعذورين وثبوت الجنة للشهيد

- ‌(526) باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ومن قاتل للرياء والسمعة استحق النار

- ‌(527) باب ثواب من غزا فغنم، ومن لم يغنم

- ‌(528) باب إنما الأعمال بالنية

- ‌(529) باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله

- ‌(530) باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو

- ‌(531) باب ثواب من حبسه العذر عن الغزو

- ‌(532) باب فضل الغزو في البحر

- ‌(533) باب فضل الرباط في سبيل الله

- ‌(534) باب بيان الشهداء

- ‌(535) باب فضل الرمي، وذم من علمه ثم نسيه

- ‌(536) باب "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

- ‌(537) باب مراعاة مصلحة الدواب والسير

- ‌كتاب الصيد والذبائح

- ‌(538) باب الصيد بالكلاب المعلمة

الفصل: ‌(498) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود

(498) باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود

4101 -

عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله" فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال "نعم" قال: ائذن لي فلأقل قال "قل" فأتاه فقال له وذكر ما بينهما وقال إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا فلما سمعه قال وأيضا والله لتملنه. قال إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره. قال: وقد أردت أن تسلفني سلفا قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد قال: ترهنني نساءكم قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم قال: يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللأمة (يعني السلاح) قال: فنعم وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال: فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم. قال سفيان: قال غير عمرو قالت له امرأته: إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم قال: إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة. إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب. قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال: فلما نزل نزل وهو متوشح. فقالوا: نجد منك ريح الطيب. قال: نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم فشم فتناول فشم ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ قال: فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم قال: فقتلوه.

-[المعنى العام]-

لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقف اليهود منه موقف العداء لكنهم من طبعهم الجبن والإيقاع والغدر عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم عهد موادعه فخانوه وأخذوا في الدس سرا للإيقاع به وتحزيب الكفار ضده وإثارة قريش على حربه وكان من زعمائهم كعب بن الأشرف القرظي وكان بنو قريظة وبنو النضير يقيمون في قرى حول المدينة فلما انتصر المسلمون على قريش في بدر عز على اليهود ذلك فبدءوا ينفخون نار قريش لقتال محمد صلى الله عليه وسلم فذهب كعب بن الأشرف إلى مكة والتقى بزعمائها ووعدهم النصرة وأخذ يعيب محمدا صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويهجوهم بشعره وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره وهجاؤه وكان كعب قد حاول اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحماه الله حينئذ ومعاملة بالمثل

ص: 326

طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه أن يتخلصوا من كعب بن الأشرف لكنه كالثعلب في جحره لا يستمكن منه إلا بالحيلة فتطوع لهذه المهمة محمد بن مسلمة صديق قديم لكعب وأخ له من الرضاع وهو يثق فيه وعرض على رضيعه الثاني أبي نائلة أن يشاركه المهمة فقبل ووافقهما على مشاركتهما ثلاثة من الصحابة استأذن محمد بن مسلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يتناوله بالعيب وأن يكذب للحيلة فأذن له ذهب هو وأبو نائلة وشكيا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يكلف المسلمين صدقات لا يستطيعونها وأنه جعل العرب يعادونهم عن يمين وشمال ثم طلبا منه أن يسلفهما تمرا فطلب رهنا فواعده برهن أسلحتهما وتواعدا المساء على أن يكون معهما ثلاثة وافق عليهم فجاءوه ليلا ومعهم السلاح ونادوه فنزل إليهم من حصنه مصمخا بالطيب قالوا له: ما هذا الطيب الجميل؟ قال: طيب امرأتي فلانه أعطر نساء العرب فاستأذنوه أن يقربوا رأسه ليشموا شعره فأذن لهم فأمسك محمد بن مسلمه برأسه من ضفائره بقوة وقال لأصحابه: اقتلوا عدو الله فقتلوه بسيوفهم وقطعوا رأسه صرخ صرخة

واحدة وصرخت امرأته: يا بني قريظة يا بني النضير وخرج اليهود واتخذوا طريقا غير طريقهم ووصلوا آمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وشكرهم وجاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون المسلمين أن قتلوا زعيمهم غيلة فذكر لهم عداءه للمسلمين وإيذاءه لهم فخافوا وجبنوا وسكتوا وهكذا تخلص المسلمون من شوكة يهودية كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

-[المباحث العربية]-

(كعب بن الأشرف) اليهودي القرظي قال ابن إسحق وغيره: كان الأشرف عربيا من بني نبهان وهم بطن من طيئ وكان قد أصاب دما في الجاهلية فأتى المدينة فحالف بني النضير فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة.

(من لكعب بن الأشرف) أي من الذي يقدر على قتله؟ فنفوضه له؟ ففي الكلام مضاف محذوف تقديره: من لقتل كعب بن الأشرف؟

(فإنه قد آذى الله ورسوله) إيذاء الله كناية عن مخالفة الله جل شأنه وإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم معصية لله وإغضاب له ويحتمل أن "آذى الله" تمهيد والمقصود آذى رسول الله وفي رواية عند الحاكم في الإكليل "فقد آذانا بشعره وقوي المشركين" وعند ابن عائذ "أن كعب بن الأشرف قدم على مشركي قريش فحالفهم عند أستار الكعبة على قتال المسلمين" وفي رواية "أنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض قريشا عليهم وأنه لما قدم على قريش قالوا له: أديننا أهدي أم دين محمد؟ قال: دينكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لنا بابن الأشرف فإنه قد استعلن بعداوتنا وفي رواية مرسلة "أنه صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود على أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوليمة فإذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل بما أضمروه بعد أن جالسه فقام فخرج فلما فقدوه تفرقوا فقال صلى الله عليه وسلم حينئذ: من لكعب بن الأشرف؟

ص: 327

(فقال محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أوس حليف لبني عبد الأشهل شهد بدرا والمشاهد كلها ومات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على أرجح الأقوال وصلى عليه مروان بن الحكم أمير المدينة آنذاك وكان من فضلاء الصحابة واعتزل الفتنة وأقام بالربذة.

(أتحب أن أقتله)؟ الهمزة للاستفهام الحقيقي.

(قال: نعم) في رواية "فقال: أنت له" وفي رواية "قال: فافعل إن قدرت على ذلك" وفي رواية "فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال محمد بن مسلمة: أقر صامت" قال الحافظ ابن حجر: فإن ثبتت هذه الرواية احتمل أن يكون سكت أولا ثم أذن له وفي رواية "قال له: إن كنت فاعلا فلا تعجل حتى تشاور سعد بن معاذ قال: فشاوره فقال له: توجه إليه واشك إليه الحاجة وسله أن يسلفكم طعاما".

(قال: ائذن لي فلأقل. قال: قل) كأنه استأذنه أن يفتعل شيئا يحتال به عليه وقد بوب البخاري للحديث "باب الكذب في الحرب" وعند ابن سعد أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويعيبوا رأيه".

وعند ابن إسحق "فقال: يا رسول الله لا بد لنا أن نقول؟ فقال: قولوا ما بدا لكم فأنت في حل من ذلك".

وفي مرسل عكرمة "وائذن لنا أن نصيب منك فيطمئن إلينا قال: قولوا ما شئتم".

(فأتاه) أي فأتى محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف وظاهر الرواية أنه أتاه وحده لكن الروايات الأخرى تبين أن أبا نائلة وهو أخو كعب من الرضاع كان مع محمد بن مسلمة وكان نديمه في الجاهلية وكان يركن إليه ومحمد بن مسلمة ابن أخت أبي نائلة وهو أخو كعب من الرضاع أيضا فعند ابن إسحق أن الذي عرض التسليف أبو نائلة. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون كل منهما كلمه في ذلك.

(فقال له: وذكر ما بينهما) المقول محذوف أشار إليه بقوله: وذكر ما بينهما أي من المودة والحرص على مصالح بعضهما البعض ونحو ذلك مما يؤكد الثقة فيه وفي كلامه.

(إن هذا الرجل قد أراد صدقة) يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه طلب منهم التصدق من أموالهم وفي رواية البخاري "إن هذا الرجل قد سألنا صدقة" وفي رواية "سألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكله".

(وقد عنانا) بتشديد النون الأولى أي أتعبنا وكلفنا المشقة قال الجوهري: عني بكسر النون يعني بفتحها عناء أي تعب ونصب وعنيته بتشديد النون أتعبته. قال النووي: وهذا من التعريض الجائز بل المستحب لأن معناه في الباطن أنه أدبنا بآداب الشرع

ص: 328

التي فيها تعب لكنه تعب في مرضاة الله تعالى فهو محبوب لنا والذي فهم المخاطب منه العناء الذي ليس بمحبوب.

(قال: وأيضا) أي قال كعب: وأيضا أي وزيادة على ذلك وقد فسره بعد ذلك بقوله:

(والله لتملنه) بفتح التاء والميم وتشديد اللام من مل بمعنى ضجر والمعنى والله لتزيدن ملالتكم له أكثر من هذا.

وعند الواقدي "أن كعبا قال لأبي نائلة: أخبرني ما في نفسك ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتخلي عنه قال: سررتني".

(قال: إنا قد اتبعناه الآن) أي وقعنا في إعلان الإسلام واتباعه.

(ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره) زاد ابن إسحق "قال محمد: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا فقال كعب بن الأشرف: أما والله لقد أخبرتكم أن الأمر يصير إلى هذا".

(قال: وقد أردت أن تسلفني سلفا) وفي رواية "قال كعب: أما مالي فليس عندي اليوم ولكن عندي التمر" وفي رواية البخاري "وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين" وقوله "أو وسقين" شك من الراوي والوسق بفتح الواو وكسرها مكيلة معلومة للعرب سعتها ستون صاعا والصاع خمسة أرطال وثلث زاد في رواية "قال كعب: وأين ذهب طعامكم؟ قالوا: أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه قال: ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل؟ "

(قال: فما ترهنني؟ ) بفتح التاء أي فماذا تضع عندي رهنا مقابل التمر؟ وفي رواية البخاري "فقال: نعم ارهنوني".

(قال: ما تريد؟ ) في رواية البخاري "أي شيء تريد"؟

(قال: ترهنني نساءكم) في رواية البخاري "ارهنوني نساءكم".

(قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟ ) في رواية البخاري "كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ " زاد ابن سعد "ولا نأمنك وأي امرأة تمنع منك؟ وفي رواية "وأنت رجل حسان -بضم الحاء وتشديد السين- تعجب النساء" ولعلهم قالوا ذلك تهكما أو خداعا وترضية وإثارة للعجب والزهو وكان فعلا جميلا.

(قال: ترهنوني أولادكم قال: يسب ابن أحدنا فيقال: رهن في وسقين من تمر) في رواية البخاري "كيف نرهنك أبناءنا؟ فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار

ص: 329

علينا" "يسب" بضم الياء وفتح السين بالبناء للمجهول من السب وعند بعض رواة مسلم "يشب" بفتح الياء وكسر الشين من الشباب قال النووي: والصواب الأول.

(ولكن نرهنك اللأمة) بتشديد اللام وسكون الهمزة وفسرها سفيان الراوي عن عمرو الراوي عن جابر بالسلاح قال النووي: وهو كما قال اهـ. وقال بعض أهل اللغة: اللأمة الدرع فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض وفي رواية "ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه قال: نعم" وفي رواية للواقدي "وإنما قالوا ذلك - وعرضوا عليه رهن السلاح- لئلا ينكر مجيئهم بالسلاح".

(وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر) أي أخذ إذنه وموافقته على أن يستصحب معه في الليل هؤلاء الثلاثة وفي رواية البخاري "فجاءه ليلا ومعه أبو نائلة" فعلى هذا كانوا خمسة. أما الحارث فهو الحارث بن أوس بن أخي سعد بن عبادة وأما أبو عبس -بالباء- فاسمه عبد الرحمن وقيل: عبد الله والصحيح الأول وهو ابن جبر بإسكان الباء ويقال: ابن جابر وهو أنصاري من كبار الصحابة شهد بدرا وسائر المشاهد وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى قال النووي: ووقع في بعض نسخ مسلم "وأبو عبس" بالواو وهو صحيح ويكون معطوفا على الضمير المستتر في "يأتيه".

(فجاءوا فدعوه ليلا) وعند الخرساني في مرسل عكرمة "فلما كان في القائلة أتوه ومعهم السلاح" والصحيح أن إتيانهم كان ليلا والذي دعاه وناداه منهم أبو نائلة فعند ابن إسحق "فهتف به أبو نائلة".

(فنزل إليهم) فيه مجاز المشارفة ليصح ترتيب الأحداث أي فأراد النزول إليهم فقالت له امرأته

وعند ابن إسحق "لما انتهى هؤلاء إلى حصن كعب هتف به أبو نائلة -وكان حديث عهد بعرس فوثب في ملحفة له فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إلى أين في مثل هذه الساعة؟ أنت امرؤ محارب لا تنزل في هذه الساعة.

(إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم) كناية عن صوت طالب الشر وفي رواية البخاري "أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم"

(قال: إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب)

قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ قال القاضي رحمه الله تعالى: قال لنا شيخنا القاضي الشهيد: صوابه أن يقال: إنما هو محمد ورضيعه أبو نائلة وكذا ذكر أهل السير أن أبا نائلة كان رضيعا لمحمد بن مسلمة ووقع في صحيح البخاري "ورضيعي أبو نائلة" اهـ.

وعند ابن إسحق "إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني -أي لحرصه على راحتي- فقالت: والله إني لأعرف من صوته الشر فقال لها: لو دعي الفتى إلى طعنة لأجاب".

ص: 330

(قال محمد) بن مسلمة لأصحابه في الفترة التي بين ندائهم له وبين نزوله.

(إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم) في رواية البخاري "إني إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت منه فدونكم فاضربوه" ومعنى "إني قائل بشعره" إني جاذب وممسك بشعره وقد استعملت العرب لفظ القول في موضع الفعل كقولهم: قال بيده هكذا وهكذا ومعنى "فدونكم" أي خذوه بأسيافكم.

(لما نزل نزل وهو متوشح) أي متلبس بثوبه وسلاحه وفي رواية البخاري "فنزل إليهم متوشحا وهو ينفح منه ريح الطيب".

(فقالوا: نجد منك ريح الطيب) وكانوا يضعونه في شعورهم وفي رواية الواقدي "وكان كعب يدهن بالمسك المفتت والعنبر حتى يتلبد الشعر في صدغيه" والمراد بهذا القول شغله عن التفكير في الأمر وفي رواية البخاري "فقال: ما رأيت كاليوم ريحا" أي قال محمد: ما أطيب هذه الريح.

(قال: نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب) في رواية البخاري "عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب" وفي رواية "وأجمل العرب" وهذه الرواية أقرب إلى المراد من رواية "أكمل".

(قال: فتأذن لي أن أشم منه؟ قال: نعم فشم) محمد بن مسلمة رأس كعب ثم قال: (أتأذن لي أن أعود) فأشم في الكلام طي صرحت به رواية البخاري ولفظها "أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم فشمه ثم أشم أصحابه" أي أعطاهم يشمون ثم قال: أتأذن لي أن أعود؟ فأمسك برأسك؟ فأشم ثانية؟

(قال: فقتلوه) في رواية ابن سعد أن محمد بن مسلمة لما أخذ بقرون شعره قال لأصحابه: اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم قال محمد: فذكرت معولا أي حديدة تشبه المعول في قبضة السيف كان في سيفي فوضعته في سرته ثم تحاملت عليه فغططته -أي كبسته وغطسته- حتى انتهى إلى عانته فصاح وصاحت امرأته: يا آل قريظة والنضير. مرتين.

-[فقه الحديث]-

-[يؤخذ من الحديث]-

1 -

قال النووي: استدل بهذا الحديث بعضهم على جواز اغتيال من بلغته الدعوة من الكفار من غير دعاء إلى الإسلام أي جواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كانت الدعوة العامة قد بلغته.

2 -

قال: وفيه دليل على جواز التعريض وهو أن يأتي بكلام باطنه صحيح ويفهم منه المخاطب غير ذلك فهذا جائز في الحرب وغيرها ما لم يمنع به حقا شرعيا.

ص: 331

3 -

وفيه جواز الكلام الذي يحتاج إليه في الحرب ولو لم يقصد قائله إلى حقيقته فهم لم يقصدوا تأمينه.

وقد وضعه البخاري تحت باب الكذب في الحرب قال النووي: هذا ليس في الحرب وإنما في القتل على غرة ووجهه الحافظ ابن حجر بأن البخاري لم يرد الإذن بالكذب في الحرب بل معنى الترجمة باب الكذب في الحرب هل يسوغ مطلقا؟ أو يجوز منه الإيماء دون التصريح.

لكن يستدل بإقراره وتصريحه صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة حين قال: ائذن لي أن أقول قال: قل" على دخول الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا وقد جاء التصريح بالكذب في الحرب فيما أخرجه الترمذي "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: تحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس" قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه.

4 -

قال الحافظ ابن حجر: وفيه دلالة على قوة فطنة امرأته المذكورة وفي صحة حديثها وبلاغتها في إطلاقها أن الصوت يقطر منه الدم. اهـ.

وفي إثبات قولها هذا نظر فمن الذي سمعه منها ونقله إلينا؟ إن كان كعبا فنقله غير معتبر وإن كانت هي ذكرته لآخرين فكذلك ولم يثبت شيء من ذلك في طريق صحيح.

والله أعلم.

ص: 332