المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إهداءٌ إلى شيخي الحبيب العالم الجليل، ذي الفضل البار، والإفضال الشائع، والمحْتِد - فضائل البيت المقدس - الواسطي

[أبو بكر الواسطي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداءٌ

- ‌مقدِّمةُ المحقِّقِ

- ‌الفصل الأولترجمةُ المؤلِّفِ

- ‌الفصل الثانينسبةُ الكتابِ للمؤلِّفِ

- ‌الفصل الثالثترجمةُ رواةِ الكِتَابِ

- ‌الفصل الرابعالقدسُ في زَمَنِ المُصَنِّفِ

- ‌الفصل الخامسموضوعُ الكِتَابِ

- ‌«فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌‌‌فصلٌ

- ‌فصلٌ

- ‌الفصل السادسالأسبابُ التِي أدّت إِلى تأخُّر الكتابةِ المُتخِصّصةِ في فَضائِلِ القُدسِ، وردُّ بعضِ شُبَهِ المُستَشرِقينَ حولَ قُدسيَّةِ بيتِ المقدِسِ

- ‌الفصل السابعالكُتبُ المُؤلَّفةُ في هَذَا المَوضُوعِ

- ‌ا ـ الكُتبُ المَطبُوعَةُ:

- ‌ب ـ الكُتبُ المَخطُوطَةُ:

- ‌جـ ـ الكُتبُ المَفقُودَةُ:

- ‌الفصل الثامنتَقِييمُ الطَّبعَاتِ السَّابِقَةِ لِلكِتَابِ

- ‌الفصل التاسعوَصفُ المَخطُوطَةِ

- ‌صورٌ منَ الأصلِ

- ‌1 - بَابٌ في وَادِي جَهَنَّمٍ

- ‌2 - بَابُ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلاً

- ‌3 - بَابُ مَن أَتَى بَيتَ المَقدِسِ

- ‌4 - بابُ الحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ في بَيْتِ المَقْدِسِ

- ‌5 - بابُ فَضْلِ بَيْتِ المَقْدِسِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ

- ‌6 - بابُ مَا رُوِيَ عن ذِي الأَصَابِعِ وَخَبَرِهِ

- ‌7 - بَابُ حَدِيثِ طَاطَرَى، وَما حُمِلَ مِن بَيتِ المَقدِسِ

- ‌8 - بَابُ فَضلِ مَسجِدِ بَيتِ المَقدِسِ

- ‌9 - بَابُ كَانَت اليَهُودُ تَسرُجُ مَصَابِيحَ بَيتِ المَقدِسِ

- ‌10 - بَابُ فَضلِ عَينِ سُلوَانَ(1)وَزَمزَمَ

- ‌11 - بَابُ قولِ عُمَرَ رضي الله عنه: «أَينَ نَضَعُ المَسجِدَ

- ‌12 - بَابُ مَن مَاتَ في بَيتِ المَقدِسِ

- ‌13 - بَابُ طُورِ زَيتَا

- ‌14 - بَابٌ في المِحرَابِ

- ‌15 - بَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيتِ المَقدِسِ

- ‌16 - بَابُ فَتحِ بَيتِ المَقدِسِ

- ‌17 - بَابُ عُمرَانِ بَيتِ المَقدِسِ

- ‌18 - بَابُ ذِكرِ الجِبَالِ

- ‌19 - بابُ مَن أَهَلَّ مِن بَيتِ المَقدِسِ

- ‌20 - بَابُ بَيتِ المَقدِسِ كَأسٌ مِن ذَهَبٍ

- ‌21 - بَابٌ في بَيتِ لَحمٍ وَفَضلِ الصَّلاةِ فِيهِ

- ‌حَدِيثُ الدَّجَّالِ

- ‌حَدِيثُ قَيصَر

- ‌مَن ذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ مِن بَيتِ المقدِسِ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم والتَّابِعِينَ وَمَاتَ بِهَا

- ‌ذِكرُ فَتحِ بَيتِ المَقدِسِ عَلَى الصُّلحِ

- ‌22 - بَابُ فَضلِ الصَّخرَةِ وَالمَاءِ الَّذِي يَخرُجُ مِن أَصلِهَا

- ‌23 - بَابُ مِعرَاج الصَّخرَةِ

- ‌25 - بَابُ قَبرِ آدَمَ عليها السلام

- ‌26 - بَابُ فَضلِ الصَّخرَةِ لَيلَةَ الرَّجفَةِ

- ‌27 - بَابُ بِنَاءِ عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروَانَ الصَّخرَةَ

- ‌28 - بَابُ يُنَادِي المُنَادِي مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ

- ‌29 - بَابُ يَومَ يُنادِي المُنَادِي مِن مَكَانٍ قَرِيبٍ

- ‌30 - بَابٌ في فَضلِ البَلاطَةِ السَّودَاءِ

- ‌31 - بَابُ مَسكَنِ الخَضِرِ صلى الله عليه وسلم

- ‌32 - بَابُ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُزَفَّ الكَعبَةُ إِلَى الصَّخرَةِ

- ‌33 - بَابُ حَدِيثِ الوَرَقَاتِ

- ‌34 - بَابٌ مِن حَدِيثِ الإِسرَاءِ: الَّذِي أَسرَي بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌إهداءٌ إلى شيخي الحبيب العالم الجليل، ذي الفضل البار، والإفضال الشائع، والمحْتِد

‌إهداءٌ

إلى شيخي الحبيب

العالم الجليل، ذي الفضل البار، والإفضال الشائع، والمحْتِد الأصيل، والمجد الأثيل، والعزة القَعْسَاء، والرُّتبة الشماء، الفائز من المكارم بالقِدْح المُعَلَّى، المتقلد من المكارم بالصارم المُحَلَّى، إمام الفضلاء، العالم المحدث الأثري، فضيلة الشيخ/أبي إسحاق الحويني، حرس الله مجده، وأسبغ ظله، وأهلَك نِدَّهُ

إذا نحن أثنينا عليك بصالح

فأنت كما نثني وفوق الذي نثني

وإن جرت الألفاظ يوما بمِدحَةٍ

لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني

ص: 5

على سبيل التصدير

حكاية مخطوطة فريدة، في عَكَّا الأسيرة

بقلم: عصام محمد الشَّنْطِي

(1)

شارَكَت فلسطينُ العربيةُ المنطقةَ في النشاطِ الثقافيِّ، الذِي انبعثَ في

القرنِ التاسعَ عشرَ الميلاديِّ، ومَا قبلَهُ. فنشأَت ثلاثُ مكتباتٍ كبرَى للمخطوطاتِ في البلادِ. أوَّلُهَا: المكتبةُ الأحمديةُ، في جامعِ أحمدَ باشَا الَجزَّارِ، في مدينةِ عَكَّا، عامَ 1196 هـ /1781 م. والثانيةُ: مكتبةُ يافَا الإسلاميةُ، في جامعِ يافَا الكبيرِ، عامَ 1227 هـ / 1812 م. والثالثةُ: المكتبةُ الخالديَّةُ، في بيتِ المقدسِ، عامَ 1318 هـ / 1900 م.

وحِينَ أنشأَ أحمدُ باشَا الَجزَّارُ

(2)

جامعَهُ، الذِي حملَ اسمَهُ، في عَكَّا، اهتمَّ في عمارتِهِ اهتمامًا بالغًا، وألحَقَ بِهِ مدرسةً للتعليمِ، جَمع لَهَا كثيرًا مِنَ المخطوطاتِ، حملَ بعضُهَا تواقيعَ الَجزَّارِ نفسِهِ.

ومِن مخطوطاتِ هذِهِ المكتبةِ مجموعٌ نفيسٌ، لا ندرِي، علَى وجهِ التحديدِ، متَى أُضيفَ إليهَا. إلّا أنَّ الخاتَمَ الذِي خُتمَت بِهِ إحدَى مخطوطاتِ المجموعِ جاءَ فِيهِ العبارةُ التاليةُ:«وقفُ مكتبةِ المدرسةِ الأحمديَّةِ، في جامعِ أحمدَ باشَا الَجزَّارِ، في عَكَّا المجدَّدةِ» ، وفِي داخِلِ إطارِ الخاتَمِ، في آخرِ هذِهِ العبارةِ، كُتبَت سنةُ الوقفِ، وهيَ غيرُ واضحةٍ، ويُمكنُ قراءتُهَا، تخمينًا، 1323 هـ، وهِي تقابلُ عامَ 1905 م.

(1)

خبير معهد المخطوطات العربية (جامعة الدول العربية)، مدير سابقا.

(2)

من أُمراء الدولة العثمانية، تُوفي 1219 هـ / 1804 م.

ص: 7

ونعلمُ علمَ اليقينِ، أنَّ المجموعَ كانَ عامَ 1930 م، في المكتبةِ المذكورةِ. ذلكَ؛ لأنَّ عبدَ اللهِ مُخْلِصَ (ت: 1367 هـ / 1947 م) العلَّامةَ

الفلسطينيَّ، المشتغلَ بالتراثِ العربيِّ المخطوطِ، اطَّلعَ علَيهِ وهوَ في المكتبةِ، وقلَّبَهُ بيدَيهِ وعينَيهِ، وكشفَ عن وجودِهِ، في مقالةٍ نشرَهَا في مجلةِ المَجمَعِ العلميِّ العربيِّ بدمشقَ، بعُنوانِ:«مجموعٌ نادرٌ» ، في عددِهَا الصادرِ في ذلكَ العامِ

(1)

.

واهتمَّت دارُ الكتبِ المصريةُ، آنذاكَ، بهذَا المجموعِ، بعدَ أن لفتَ

عبدُ اللهِ مُخْلِصُ الأنظارَ إلَيهِ. وكانَت الصِّلةُ الثَّقافيَّةُ في فلسطينَ وثيقةً وقويةً بمصرَ، كمَا كانَت منفتحةً علَى دمشقَ مِن بلادِ الشامِ. فحملَ الشيخُ محمدُ عبدُ الحافظِ التيجانيُّ

(2)

هذَا المجموعَ من مُستقَرِّهِ في عَكَّا إلى القاهرةِ، عامَ 1932 م، متحمِّلًا الَمشَقَّةَ على بُعدِ الشُّقَّةِ، في ذلكَ الوقتِ المبكِّرِ، فصوَّرَتهُ الدارُ

(3)

. ومِن ثَمَّ أُعيدَ إلَى مكانِهِ في المكتبةِ الأحمديَّةِ في عَكَّا.

والطريفُ، أنَّ معهدَ المخطوطاتِ العربيةِ، الذِي أُنشئَ عامَ 1946 م، في ظلِّ جامعةِ الدولِ العربيةِ بالقاهرةِ، حرصَ علَى اقتناءِ صورةٍ مِن هذَا المجموعِ النادرِ، فصوَّرَ لمكتبتِهِ صورةً

(4)

مِن مصوَّرَةِ دارِ الكتبِ المصريةِ.

(1)

المجلد العاشر، ص 577.

(2)

هو محمد بن عبد الحافظ بن عبد اللطيف بن سالم التيجاني. محدِّث صوفي على الطريقة التيجانية. وُلد بمصر، بمحافظة المنوفية، عام 1315 هـ / 1897 م. كان رَّحالةً للتدريس والوعظ، بين محافظات مصر، والأقطار العربية، جمَّاعة للمخطوطات، ينسخها أو يصوِّرها. زار القدس وعكَّا بفلسطين عام 1352 هـ. واطَّلع في عَكَّا على مخطوطة مكتبة جامع الجزَّار، وأذِنَ له مفتيها وقاضيها الشرعي أن يأخذ المجموع النادر المتضمن (فضائل البيت المُقدَّس) للواسطي، لينسخه ويعيده. وفي مصر، قدَّمه لدار الكتب المصرية، فصوَّرته، وأعاده لعَكَّا سليما معافى. توفي عام 1398 هـ / صيف 1978 م [انظر كتاب: محمد الحافظ التيجاني، تأليف ابنه أحمد، دار غريب للنشر، القاهرة، 2004 م].

(3)

حفظت المصورة فيها برقم: 781 مجاميع.

(4)

حفظت المصورة فيه برقم: 751 تاريخ.

ص: 8

وظلَّ هذَا المجموعُ قابعًا في مكانِه الطبيعيِّ منَ المكتبةِ الأحمديةِ، هادئًا هانئًا؛ لأنَّهُ بينَ أهلِهِ، ومعَ أقرانِهِ منَ المخطوطاتِ العربيةِ، إلَى أَن سمحَت السلطاتُ الإسرائيليةُ بزيارةِ المستعربِ الأمريكيِّ جيمز أ. بِلَمِي James A. Bellamy مدينةَ عَكَّا، بهدفِ الاطَّلاعِ علَى مخطوطةٍ مِن هذَا المجموعِ. وكانَ الشيخُ محمدُ عبدُ الحافظِ التيجانيُّ، الذِي زارَهُ المستعربُ في القاهرةِ، قَد نصحَهُ بالسفرِ إلَى عَكَّا، ورؤيةِ المخطوطةِ الأصليَّةِ، دونَ الاكتفاءِ بالاطلاعِ علَى مصوَّرَتِها في دارِ الكتبِ المصريةِ.

وسافرَ المستعربُ المذكورُ عامَ 1963، أو بعدَهُ بقليلٍ، وأقامَ في عَكَّا يومينِ، مكَّنَهُ فيهِمَا أحمدُ إدْلِبي، أمينُ اللجنةِ الإسلاميةِ في المدينةِ، مِن تفحُّصِ المجموعِ، وتسجيلِ ملاحظاتِهِ علَيهِ، خاصةً مخطوطةَ (مكارمُ الأخلاقِ)، لابنِ أبِي الدنيَا (281 هـ / 894 م)؛ لأنَّ المستعربَ كانَ مشغولًا بتحقيقِهَا.

وبعدَ زيارتِهِ هذِهِ لعَكَّا ببضعِ سنينَ، وقبلَ عامِ 1970 م، وهوَ تاريخُ كتابتِهِ مقدِّمةَ (مكارمُ الأخلاقِ)، الذِي قُلنَا إنَّهُ كانَ معنيًّا بتحقيقِهِ ونشرِهِ، زُوِّدَ المستعربُ المذكورُ بصورةٍ كاملةٍ مِن أصلِ هذَا المجموعِ، إِذ كانَ قَد نُقلَ إلَى الجامعةِ العِبريةِ، علَى نحوِ مَا سيأتِي.

لَم يُترك هذَا المجموعُ في مكانِهِ المعتادِ، فقَد امتدَّت إليهِ يدُ الجامعةِ العِبْريةِ، فأخذَهُ، بالقوَّةِ والاستيلاءِ، الأستاذُ في الجامعةِ مِئِير ي. قِسْطر Meir J. Kister ، ومكَّنَ تلميذَهُ إسحاقَ حسونَ Isaac Hasson ، وهوَ يهوديٌّ أيضًا، بالاطلاعِ علَيهِ، بل وضعَهُ تحتَ تصرفِهِ لتحقيقِ إحدَى مخطوطاتِ هذَا

ص: 9

المجموعِ، وهوَ كتابُ (فضائلُ البيتِ المُقَدَّسِ) لأبِي بكرٍ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ محمدٍ الواسطيِّ المَقْدِسيِّ، لنيلِ درجةِ الماجستير M. A. ، بإشرافِهِ، مِن قِسمِ اللغةِ العربيةِ وآدابِهَا، بمعهدِ الدراساتِ الآسيويةِ والإفريقيةِ بالجامعةِ.

وتقعُ هذِهِ المخطوطةُ الرابعةَ في ترتيبِهَا مِن بينِ هذَا المجموعِ. وجاءَت في 25 ورقةً، أو 49 صفحةً، علَى وجهِ الدِّقَّةِ. وقَد كُتبَت في دمشقَ، في أواخرِ القرنِ السادسِ الهجريِّ (الثالثَ عشرَ الميلاديِّ).

وواضحٌ أنَّ هذِهِ المخطوطةَ، بَل المجموعَ كلَّهُ، قد نُقلَ مِن عَكَّا إلَى الجامعةِ العِبريةِ قُبيلَ اشتغالِ إسحاقَ حَسُّون بِهَا، في حدودِ عامِ 1967 م، أَو 1968 م. وطبيعيٌّ ألَّا يذكُرَهَا المفهرِسُ محمودُ عليُّ عطَا اللهِ مِن بينِ مخطوطاتِ المكتبةِ الأحمديَّةِ في عَكَّا، في فهرسِهِ الذِي نشرَهُ مجمعُ اللغةِ العربيةِ الأُرْدنيُّ، في عَمَّانَ (الأُردنِ)، عامَ 1403 هـ / 1983 م. وكانَ هذَا المفهرِسُ قَد وصفَ فِيهِ ثمانينَ مخطوطةً، ليسَت مِنهَا مخطوطةُ الواسطيِّ، ولَا مخطوطاتُ المجموعِ كلِّهِ. وقَد أشارَ المفهرِسُ، في مقدِّمةِ فهرسِهِ، إشارةً خفيةً إلَى أنَّ بعضًا مِن مخطوطاتِ المكتبةِ قَد فُقدَ لسببٍ أو لآخَرَ، وأنَّ هذَا العددَ المحدودَ مِنَ المخطوطاتِ لا يُشكِّلُ المكتبةَ الحقيقيةَ التِي عُرفتَ أيَّامَ الجَزَّارِ.

أمَّا الواسطيُّ المقدسيُّ، مُؤلِّفُ كتابِ (فضائلُ البيتِ الُمقَدَّسِ)، الذِي نحنُ بصددِهِ، فقَد كانَ مِن خطباءِ المسجدِ الأقصَى، وكانَ حيًّا عامَ 410 هـ، لأنَّهُ قرأَ في هذِهِ السَّنةِ كتابَهُ هذَا علَى تلاميذِهِ، في منزلِهِ ببَيتِ المقدِسِ.

ص: 10

وتعودُ أهميَّةُ هذَا الكتابِ إلَى أنَّهُ أقدمُ كتابٍ مستقلٍّ، وصلَ إلَينَا، تختصُّ مباحثُهُ بأكملِهَا في فضائلِ هذِهِ المدينةِ

(1)

. أمَّا مصادرُ مادتِهِ الرئيسةِ، فهيَ القرآنُ الكريمُ، والأحاديثُ النبويةُ، والأحداثُ التاريخيَّةُ في عهودِ الإسلامِ.

ولا شكَّ في أنَّ افتتاحَ الواسطيِّ كتابَهُ بالحديثِ النبويِّ المشهورِ (شدُّ الرِّحَالِ) الُمجمَعِ علَيهِ، واختتامَهُ إيَّاهُ بالآيةِ الكريمةِ (الإسراء) أكسبَاهُ معنًى إسلاميًّا كبيرًا متَّصلًا بقُدسيَّةِ هذِهِ المدينةِ. فقَد وُضعَت في الكتابِ في مكانِهَا الصحيحِ، بعدَ قُدسيَّةِ المسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الرسولِ. بالإضافةِ إلَى أنَّهَا مدينةُ الإسراءِ والمعراجِ، وهَذَا حَسْبُ المسلمينَ.

علَى أنَّ مِن مصادرِ الكتابِ أيضًا ما يُسمَّى في التراثِ العربيِّ الإسلاميِّ بالإسرائيلياتِ، التِي أفضَت بطبيعَتِهَا إلَى القَصصِ الشعبيِّ، وهَذَا هوَ السرُّ في اهتمامِ الجامعةِ العِبْريةِ بالاستيلاءِ علَى المخطوطةِ الوحيدَةِ في العالمِ، وحفظِهَا لدَيهَا، ثمَّ نشرِهَا محقَّقةً معَ ملخَّصٍ باللغةِ الفرنسيةِ

(2)

؛ ليطّلعَ علَيهَا مَن لَا يعرفُ العربيةَ. وفي الظَّنِّ أنَّ مثلَ هذِهِ الإسرائيلياتِ، ومَا أفضَت إلَيهِ مِن قَصصٍ شعبيٍّ، يُكسِبُ اليهودَ حَقًّا في هذِهِ المدينةِ العربيةِ. وما دَرَوا أنَّ دخولَ هذِهِ الإسرائيلياتِ في التراثِ العربيِّ الإسلاميِّ مَا هُوَ إلَّا شاهدٌ علَى سماحَةِ هذَا الدِّينِ الحنيفِ.

ونعنِي بالإسرائيلياتِ رواياتٍ دخَلَت الإسلامَ مِن مصادرَ يهوديَّةٍ، مِنَ التَّورَاةِ والتَّلمُودِ والزَّبُورِ. وأشهَرُ مَن روَاهَا وأشاعَهَا أبُو إسحاقَ كَعبُ

(1)

أشار محقق النص، الذي بين يدَي القارئ، أن الذهبي، في سِيَر أعلام النبلاء (14/ 78)، ذكر أن الوليد بن حمَّاد الرَّملي، الذي تُوفي قبل 300 هـ، له مُصنَّف في (فضائل بيت المقدس). قلت: لم يصل إلينا الكتاب. وهي إشارة دقيقة من المحقِّق تُحسَب له.

(2)

صدرت عام 1979 م.

ص: 11

الأَحبَارِ، المتوفَّى 32 هـ / 652 م، ووَهبُ بنُ مُنَبِّهٍ، المتوفَّى 114 هـ/732 م، وكانَا يهوديَّينِ فأسلَمَا

(1)

. كانَ الأوَّلُ مِن كبارِ علماءِ يهودِ اليمنِ في الجاهليَّةِ، وأسلَمَ في زمنِ أبِي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وقدمَ مدينةَ الرَّسولِ في عهدِ عمرَ بنِ الخَطَّابِ، فأخذَ عَنهُ الصحابةُ وغيرُهم كثيرًا مِن أخبارِ الأُممِ الغابرةِ. أمَّا وَهبُ بنُ مُنَبِّهٍ، فإليهِ يرجعُ أكثرُ الإسرائيلياتِ المنتشرةِ في المؤلَّفاتِ العربيَّةِ. وكانَت أخبارُهُ ممزوجةً بالقَصصِ والأساطيرِ.

ولَا نشكُّ في أنَّ هذينِ المصدَرَين الأخيرَينِ، الإسرائيلياتِ والقَصصَ الشعبيَّ، علَى وجهِ الخصوصِ، قَد نالَا مِن أصالةِ كتابِ الواسطيِّ وقيمتِهِ. وبهذَا أصبَحَ مِنَ الضروريِّ التَّصدِّي لهذِهِ الإسرائيلياتِ، وكشفُ مَا تنطوِي علَيهِ مِن خرافاتٍ وأساطيرَ، وما تُخفِيهِ مِن أكاذيبَ، لا تصمُدُ أمامَ حقائقِ التاريخِ.

أمَّا المحقِّقُ والدَّارسُ إسحاقُ حَسُّونُ، فلم يخلُ في دراستِهِ مِن هوًى في نفسِهِ، الأمرُ الذِي أبعدَهُ، في كثيرٍ مِنَ الأحايينِ، عن النهجِ العلميِّ، وأقصَاهُ عن الطريقِ الأكاديميِّ الذي يسلكُهُ العلماءُ في بحوثِهِم الرَّصينةِ، إذَا مَا خلَت نفوسُهُم مِن أهواءٍ وأغراضٍ.

وهكَذَا يتَّضحُ لماذَا سطَا الصهاينةُ علَى هذِهِ المخطوطةِ العربيةِ، فأَسَرُوهَا، كما أَسَرُوا، مِن قَبلِهَا، مدينةَ عَكَّا التِي ضمَّتها بينَ حنايَاهَا أزمانًا طويلةً.

وبعدُ،،

فقَد مضَت سِنونَ، وظهرَت طبعةٌ أخرَى في القاهرةِ. والاثنتانِ غيرُ مُقنِعَتَينِ تحقيقًا ودَرسًا. فقامَ الشابُّ الطُّلَعةُ، عمرُو عبدُ العظيمِ نيازِي

(1)

انظر في ذلك: (ضحى الإسلام)، أحمد أمين، (1/ 331 - 332، وما بعدهما)، الطبعة السابعة، القاهرة، النهضة المصرية، 1964 م. ولم يرد فيما وقفنا عليه من مصادر ترجمة وهب بن منبّه أنه كان يهوديًّا.

ص: 12

ـ وهُوَ أحدُ تلاميذِي المتميِّزينَ في الدراساتِ العُليَا، ومِنَ الذينَ تربَّوا في رعايةِ جَدِّهِ الإمامِ العالِمِ أبِي إسحاقَ الحُوَينِيِّ، وشربَ مِن مَعينِ علمِهِ وفكرِهِ، في الحديثِ وعلومِهِ خاصةً ـ بإخراجِ الكتابِ تحقيقًا ودرسًا، وأقبَلَ علَى العملِ بجِدٍّ واجتهادٍ، وجَمعَ لَهُ كلَّ مَا يتَّصلُ بالموضوعِ، من قريبٍ أو بعيدٍ.

لقَد تصفَّحتُ العمَلَ بعدَ إنجازِهِ، فوجدتُ الجهدَ فيه باديًا، وأُعطيَ العملُ حقَّهُ مِنَ التدقيقِ والتنقيرِ. واتَّصفَ تحقيقُ النصِّ، والتعليقُ علَيهِ، ودراستُهُ، بالاستقصاءِ والشموليَّةِ، ولم يَترُك المحقِّقُ شاردةً ولا واردةً إلَّا أتَى علَى ذكرِهَا في موضِعِهَا اللائقِ. وأدَّت بِهِ الدِّقَّةُ إلَى تخريجِ الأحاديثِ والحكمِ علَيهَا بصورةٍ كافيةٍ مَرضِيَّةٍ، وكذلِكَ الإشارةِ إلَى مسائلَ كثيرةٍ مفيدةٍ.

والحقُّ أنَّ هذَا العملَ قد تميَّز عَمَّا سبقَهُ ممَّا طُبعَ، بأمورٍ يجدُهَا القارئُ مبثوثةً في ثنايَاهُ. وفِي يقينِي أنَّهُ سيُثبِتُ وجودَهُ. والبقاءُ، في كلِّ الأحوالِ، للأصلحِ.

واللهُ الموفِّقُ في الأوَّلِ والآخِرِ.

القاهرة، الأربعاء 4 جمادى الأُولى 1430 هـ عصام محمد الشَّنْطيّ

29 أبريل (نيسان) 2009 م

ص: 13

تقديم فضيلة الشيخ / طارق عوض الله - حفظه الله تعالى -

فِي زمانٍ صارَت العنايةُ بكتبِ التراثِ فيه عملًا تِجاريًّا، يتنافسُ فِيهِ الباحثونَ عن المالِ، ومِن ثَمَّ تكثُرُ النشراتُ للكتابِ الواحدِ، وكلُّ نشرةٍ لا تمتازُ من سابقتِهَا إلَّا بمزيدٍ مِنَ التصحيفَاتِ والتحريفَاتِ، والزيادَةِ والنُّقصانِ، حتَّى صارَ الرُّجوعُ إلَى الأصولِ الخطيَّةِ للكتُبِ المحقَّقةِ أمرًا يتفاخرُ بِهِ تِجَّارُ الكُتبِ (ناشرُونَ، أَو زاعِمُو التحقيقِ)، ولَا تلمسُ لَهُ واقعًا في الأعمالِ المَنشورةِ، فهذَا يكتُبُ علَى طُرَّةِ الكتابِ:«مُحقَّقٌ علَى كذَا وكذَا نسخةً خطِّيَّةً» ، أَو «يُطبعُ علَى كذَا نسخةً خطِّيَّةً لأولِ مرَّةٍ» ، ونحوَ هذِهِ العباراتِ التِي تخلُو منَ الصِّدقِ، وليسَ الغرضُ مِنهَا إلَّا إبهارُ القارئِ ليُقدِمَ علَى شراءِ الكتابِ، وتمتلئَ خزائنُ هؤلاءِ التجارِ.

وآخرُونَ يتنافسُونَ في تصغيرِ حجمِ الكتابِ ليُسهِّلَ علَيهِم ذلكَ المنافسةَ علَى السعرِ، فتجدُ الكتابَ الواحدَ في عِدَّةِ طبعاتٍ، بعضُهَا كبيرُ الحجمِ في عِدَّةِ مجلداتٍ، وبعضُهَا الآخرُ صغيرُ الحجمِ جدًّا يكادُ يكونُ في مُجَلَّدةٍ، ومَا غرضُ هؤلاءِ التجارِ بهذَا الصنيعِ إلَّا تصغيرُ حجمِ الكتابِ لمزيدٍ مِنَ المكاسبِ الماديَّةِ، حتَّى ولو كانَ الكتابُ في صورتِهِ هذَه لا يصلحُ للقراءةِ ولَا المطالَعةِ، ولَيتَهم إِذ صنعُوا ذلكَ وجَّهُوا عنايتَهُم بخدمةِ هذِهِ الكتبِ مِن حيثُ التصحيحِ والضبطِ والتحقيقِ، لكِن للأسفِ! فمِثلُ هذِهِ الطبعاتِ لَا تمتازُ عن غيرِهَا إلَّا بمزيدٍ مِن سوءِ التصحيحِ والتحقيقِ.

وآخرونَ عَمِدُوا إلى أسالِيبَ أخرَى لإخراجِ الكتبِ وإبهارِ القارئِ، حتَّى يُخرجَ مَا في جَيبِهِ من المالِ بنَفسٍ راضيةٍ، وشغفٍ شديدٍ، حيثُ ملئُوا حواشِي

ص: 14

هذِهِ الكتبِ بتخريجِ الأحاديثِ التِي اشتملَ علَيهَا الكتابُ، والحكمِ علَيهَا تصحيحًا وتضعيفًا، وتِلكَ خُطَّةٌ جيِّدةٌ، وطريقةٌ سويَّةٌ، لَو أنَّ سالِكِيهَا اتَّبعُوا الأُصولَ العلميَّةَ في التخريجِ والحُكمِ علَى الأحاديثِ، لكنَّ الباحثَ الفاهِمَ يعلمُ أنَّ كثيرًا مِن هذِهِ الأعمالِ بعيدةٌ كلُّ البعدِ عن الطرقِ العلميَّةِ التِي بيَّنَهَا أهلُ العلمِ، واتبعُوهَا في أعمالِهم. فصارَ عملُ هؤلاءِ أشبَه بعزوٍ وملءٍ للحواشِي بأسماءِ الكتبِ، وأرقامِ الأجزاءِ والصَّفحاتِ؛ هُروبًا مِن مشقَّةِ التصحيحِ والضبطِ، وإخفاءً للعيوبِ التِي تعتَرِي أعمالَهُم، فالحواشِي منفوخةٌ بالتخريجَاتِ والأرقامِ، والكتابُ يكادُ يكونُ أعجميًّا مِن كثرةِ مَا فِيهِ مِن تصحيفاتٍ وتحريفاتٍ، وحذفٍ وسقطٍ، وزيادةٍ وإقحامٍ، وتقديمٍ وتأخيرٍ، وتصرُّفٍ غيرِ محمودٍ.

فِي خِضَمِّ هذِهِ الأحوالِ المؤسفَةِ، فاجئَنِي أخِي وحبِيبِي: عمرُو

عبدُ العظِيمِ نيازِي شريفُ، بعملٍ، هوَ عبارةٌ عن تحقيقٍ علميٍّ لكتابِ

(فضائلُ البيتِ المقدَّسِ) لأبِي بكرٍ محمدِ بنِ أحمدَ بنِ محمدٍ الواسطيِّ المقدسيِّ، اعتمادًا علَى أصلِهِ الخطّيِّ الوحيدِ، والذِي لا يوجدُ فيما يُعلمُ سواهُ. وهو عملٌ قَد جمَعَ فِيهِ صانعُهُ كلَّ مُقوِّماتِ العملِ العلميِّ مِن حيثُ التصحيحِ والضَّبطِ، والرُّجوعِ إلَى مادَّةِ الكتابِ، والفروعِ التِي أُخذَت عَنهُ؛ لضبطِ مَا يحتاجُ إلَى ضبطِهِ مِنَ الأسانيدِ والمتونِ وأسماءِ الرِّجالِ، وتخريجِ الأحاديثِ والآثارِ الواردةِ فِيهِ، والحكمِ علَيهَا تصحيحًا وتضعيفًا، مُترجِمًا لرواةِ الأسانيدِ، وأيضًا لرواةِ الكتابِ إلَى مؤلِّفِهِ، فضلًا عن تلكَ الترجمةِ التِي أثبتَها لمؤلِّفِ الكتابِ ـ وقد ذَكَر أنَّه استفادَهَا منَ الأستاذِ / عصامِ محمدِ الشَّنْطيِّ ـ حفظَهُ اللهُ تعالَى ـ، كلُّ ذلكَ بأسلوبٍ ليسَ فِيهِ تطويلٌ مملٌّ، ولا اختصارٌ مخلٌّ.

ص: 15

وهذَا بطبيعةِ الحالِ عملٌ جيِّدٌ، قَد وُفّقَ فِيهِ المحقِّقُ الفاضلُ إلَى حدٍّ بعيدٍ، لاسيَّما إذَا قُورِنَ عملُه هذَا بأعمالِ مَن سبقَهُ إلَى إخراجِ ذلكَ الكتابِ؛ فإنَّها أعمالٌ قَد انتابَهَا قُصورٌ شديدٌ في جوانبَ عِدَّةٍ، فمِنهَا جانبُ ضبطِ النَّصِّ وتصحيحِهِ، فلَم يكُن بالدرجةِ المطلوبةِ والمرجُوَّةِ، ومِنهَا ما يتعلقُ بتحقيقِ الأحاديثِ والحكمِ علَيهَا، وهذَا لم يُعنَ بِهِ مَن سبقُوهُ إلَى نشرِ هذَا الكتابِ، فهُو ممَّا تميَّزَ به عملُهُ.

فضلًا عن اعتنائِهِ بنصِّ الكتابِ أسماءً وأسانيدَ ومتونًا ، بالضبطِ بالشَّكلِ، ووضعِ علاماتِ الترقيمِ في مواضِعهَا المناسبةِ، وعملِ فهارسَ علميَّةٍ للكتابِ، وكلُّ ذلكَ، بلا شكٍّ، يُعينُ علَى الاستفادةِ مِنَ الكتابِ علَى أكملِ وجهٍ.

فأسألُ اللهَ تعالَى أن يُوفِّقَ أخِي إلَى مزيدٍ مِن مثلِ هذِهِ الأعمالِ الجيِّدةِ، وأَن يُسدِّدَ خطاهُ، وأَن يُعينَهُ علَى الثباتِ علَى هذَا النَّهجِ الذِي قلّ سالكُوهُ في هذَا الزمانِ.

واللهُ سبحانه وتعالى يأجُرُهُ خيرًا، ويجعلُ ذلكَ في ميزانِ حسناتِهِ، إنَّهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ علَيهِ.

وصلَّى اللهُ علَى نبيِّنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ.

وكتبه

أبو معاذ طارق بن عوض الله

الخميس: 19 من جمادى الأولى 1430 هـ

14 من مايو 2009 م

ص: 16