الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدِّمةُ المحقِّقِ
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفرُهُ. ونعوذُ باللهِ منِ شُرورِ أنفُسِنَا، ومِن سيِّئاتِ أعمالِنَا. مَن يهدِهِ اللهُ فلَا مُضلَّ لَهُ، ومَن يُضلِل فَلَا هادِيَ لَهُ. وأشهَدُ أَن لا إلَهَ إلَّا اللهُ، وحدَهُ لَا شريكَ لهُ، وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ..
أمَّا بعدُ،،
فلَقَد شهِدَ القرنانِ، الثالثُ والرَّابعُ الهجريَّانِ، نهضةً عِلميَّةً كبيرةً في جميعِ بُلدانِ المسلِمينَ، حيثُ انتَشَر التَّألِيفُ والتَّصنيفُ في جميعِ مناحِي العُلومِ والمَعرِفةِ، مِن تفسيرٍ، وفِقهٍ، وحديثٍ، ولُغةٍ، وأدَبٍ، وجُغرافِيَّةٍ، وغيرِهَا.
ومِن ضِمنِ هذِهِ العُلومِ الَّتِي كانَت مَوضِعَ اهتمامٍ، وبَحثٍ، ونَظَرٍ لدَى العُلمَاءِ في تِلكَ الحِقبةِ التَّاريخيَّةِ، علمُ التَّارِيخِ، فكَثُرَ التَّأليفُ فيهِ، فألَّفَ الوَاقديُّ (فُتوحُ الشَّامِ)، والبِلَاذُرِيُّ (فتوحُ البُلدانِ)، وألَّفَ بحشَلُ
…
(تاريخُ وَاسِط)، والخطيبُ البغداديُّ (تاريخُ بَغدادَ)، وغيرُهَا. ومِن كُتبِ التَّارِيخِ تأتِي كُتبُ الفَضَائلِ، فضائلِ البُلدانِ، فرَأَينَا (فَضائلَ الشَّامِ
…
ودِمَشقَ) و (فضَائِلَ مِصرَ)، وغيرَهَا.
وانطِلاقًا مِن الحديثِ، المتَّفَقِ عَليهِ مِن حديثِ أبِي هُريرَةَ رضي الله عنه مرفُوعًا:«لَا تُشدُّ الرِّحالُ إلَّا إلَى ثلاثةِ مساجِدَ: المسجدِ الحرَامِ، ومَسجِدِي هذَا، والمسجدِ الأَقصَى» ، فقَد أولَى العُلماءُ المُهتمُّونَ بهَذَا الجانبِ مِنَ العُلومِ هذِهِ الأَماكِنَ الثَّلاثةَ: مكَّةَ، والمَدِينَةَ، والقُدسَ اهتمَامًا خاصًّا، وكَانَت أكثرُ المؤَلَّفاتِ في كُتبِ الفَضائِلِ عن هذِهِ المُدنِ الثَّلاثِ.
ومِنَ الكُتبِ المُؤلَّفةِ في هذَا، كِتابُ (فَضائِلُ البَيتِ المُقدَّسِ) لأَبِي بكرٍ الخطيبِ الواسطيِّ، والَّذِي أملَاهُ علَى تلامِذتِهِ في منزِلِهِ ببيتِ المَقدِسِ عامَ 410 هـ. جمَعَ فِيهِ مِن فضائلِ هذِهِ المدينةِ المُبارَكةِ شيئًا غيرَ قلِيلٍ مِن نُصوصٍ مرفُوعةٍ، ومَوقُوفَةٍ، وحتَّى بعضَ الأَقوَالِ المأثُورَةِ عن بعضِ أهلِ الكِتابِ، والَّتِي يروِيهَا بعضُ أَفاضِلِ التَّابِعينَ، مِن أمثالِ: كعبِ الأحبَارِ، ووَهبِ بنِ مُنبِّهٍ، وأبِي عِمرَانَ الجُونيِّ، وسَعِيدِ بنِ المُسيَّبِ، وقتادةَ، وخالدِ بنِ مَعدَانَ، وغيرِهِم مِنَ التَّابعِينَ الأخيارِ، رحمَهُم اللهُ تعالَى.
أمَّا النُّصوصُ في فضَائلِ القُدسِ، إسلاميَّةً أَو إسرَائِيليَّةً، فقَد ذَكَرَ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ في كتابِهِ (المنارُ المُنِيفُ) أنَّهُ لَم يَصحّ في فضائِلِ بيتِ المقدِسِ، مِن قسمِ المَرفُوعِ، إلَّا أربَعةُ أحادِيثَ. وأمَّا مَا ذكرَهُ الواسطيُّ في هذَا المؤلَّفِ مِن هذِهِ النُّصوصِ، فبالنَّظرِ فيهِ نجِدُ أنَّهُ روَى جُلَّهَا، إِن لَم يكُن كلَّهَا، بأسانيدَ تدُورُ بَينَ الضَّعفِ، والضَّعفِ الشَّديدِ، بَل وحتَّى الوَضعِ في بعضِ الأحَايِينِ.
وتتجلَّى أهميَّةُ هذَا الكتابِ في أنَّهُ مِن أوائِلِ المؤَلَّفاتِ في هذَا الموضُوعِ، لذَا، جعلَهُ العُلماءُ اللَّاحقونَ الَّذينَ كتَبُوا في هذَا الموضُوعِ عُمدةً لهُم، فأخذُوا عَنهُ، ورَوَوا مِن طريقِهِ جُلَّ الكِتابِ، كمَا فعلَ الضِّياءُ المقدسيُّ في (فضائلُ بيتِ المقدسِ)، وابنُ عساكرَ في (تاريخُ دمشقَ)، وابنُهُ في (الجامعُ المستَقصَى
بِفضائِلِ المسجِدِ الأقصَى)، وغيرُهُم ممَّن وصلَنَا، أَو لَم يصِلنَا وعرَفنَا ما نقلَهُ مِن كُتبٍ لغيرِهِ.
ولَيسَ لهذَا الكتابِ في مكتباتِ المَخطُوطاتِ، فِيمَا يُعلَمُ، إلَّا أصلٌ خطِّيٌ وحِيدٌ، وعَلَيهِ حقَّقتُ هذَا الكتابَ، واتَّبعتُ فِيهِ الطَّريقَ الآتِي:
ا. نَسختُ الكِتابَ عن أصلِهِ الخطِّيِّ.
ب. قابلتُهُ علَى الطَّبعتَينِ السَّابِقتينِ لَهُ.
جـ. خَرَّجتُ نُصوصَ الكِتابِ، وحَكَمتُ علَيهَا حَسبَمَا تقتضِيهِ قواعِدُ علمِ الحديثِ مَا استطَعتُ.
د. قدَّمتُ للنَّصِ بدراسةٍ، اشتَمَلَت علَى تِسعةِ فصُولٍ:
1 -
ترجمةِ المؤلِّفِ.
2 -
نِسبةِ الكتابِ للمؤلِّفِ.
3 -
ترجمَةُ رُواةِ الكتابِ.
4 -
القُدسُ في زمانِ المؤلِّفِ.
5 -
موضُوعِ الكتابِ.
6 -
ردِّ بعضِ شُبهِ المُستشرقِينَ حولَ قُدسيَّةِ القُدسِ.
7 -
الكُتبِ المؤلَّفةِ في هذَا الموضُوعِ.
8 -
تَقيِيمِ الطَّبعتَينِ السَّابقتَينِ.
9 -
وصفِ المخطُوطِ.
هـ. أردَفتُ النَّصَّ بفهارِسَ علميَّةٍ متنوِّعةٍ، اشتَمَلَت علَى:
1 -
فهرسِ الآياتِ القُرآنيَّةِ.
2 -
فهرسِ الأحاديثِ والآثارِ.
3 -
معجَمِ شُيوخِ المصنِّفِ.
4 -
فهرسِ الأعلامِ ما عدَا الصَّحابةِ.
5 -
فهرسِ أسماءِ الصَّحابةِ.
6 -
فهرسِ الأمَاكنِ والبُلدانِ.
7 -
فهرسِ المصادِرِ والمَرَاجعِ.
8 -
فهرسِ الموضُوعاتِ.
وممَّا يجدُرُ بِي ذكرُهُ في هذَا المقامِ، أنَّ فصُولَ الدِّراسَةِ، وكذِلكَ الفَهارِسِ العامَّةِ، منها مَا قد لَا يهُمُّ إلَّا قِطاعًا خاصًّا مِن البَاحِثِينِ، ذَكرتُ ذلِكَ؛ لأنَّ بعضَ إِخوانِنَا اقترَحَ أَن تُحذَفَ بعضُ أنواعِ الفهارسِ، وكذلِكَ بعضُ فُصولِ الدِّراسةِ، الَّتِي رأَى أنَّهَا قَد لا تهُمُّ القارِئَ.
ولكِن، الأمرُ كمَا يقُولُ ياقوتُ الحَمَوِيُّ:«رُبَّ راغبٍ عن كلِمةٍ، غيرُهُ مُتهالِكٌ علَيهَا، وزاهدٍ عن نُكتةٍ، غيرُهُ مَشغُوفٌ بِهَا يُنضِي الرِّكابَ إِلَيهَا» .
ومِن حُسنِ الطَّالِعِ، أَن وفَّقنِي اللهُ عز وجل بَعدَ إِتمامِ الكِتابِ إِلَى عرضِهِ علَى فضيلةِ الشَّيخِ الدُّكتورِ / أحمدَ معبدِ عبدِ الكريمِ، وفضيلةِ الشَّيخِ / أبِي إِسحاقَ الحُوينيِّ، حفِظهُمَا اللهُ تعالَى، فنظرَا فِيهِ، وأَثنَيَا علَيهِ خَيرًا، مَعَ إِبدائِهِمَا بعضَ المُلاحظَاتِ.
وكذلِكَ عرضتُهُ علَى سماحةِ الأُستاذِ / عصامِ مُحمَّدٍ الشَّنْطيِّ، وفضيلةِ الشَّيخِ / طارقِ عوضِ اللهِ مُحمَّدٍ، حفظهُمَا اللهُ تعَالَى، فنظرَا فِيهِ، ونبَّهَا علَى بعضِ النِّقاطِ، ثُمَّ زيَّنَا هذَا العمَلَ بالتَّصدِيرِ لَهُ.
فإِليهِم جميعًا أتقدَّمُ بخالِصِ شُكرِي وامتِنانِي.
ولَا يفوتُنِي أَن أشكُرَ كلَّ مَن أعانَنِي علَى إِخراجِ هذَا العَملِ علَى هذِهِ الصُّورةِ، الَّتِي أرجُو أَن تكُونَ مُرضيَةً، وأخُصُّ بالذِّكرِ مِنهُم: الأخَ الأكبرَ عبدَ السَّلامِ عبدَ المُعطِي إمامَ، والأخَ / عمرَو شريفَ مُحمَّدَ شريفَ،
وشقِيقِيَ الأصغرَ / خالِدَ عبدَ العَظِيمَ، وكلًّا منَ الأُستاذَينِ / أحمدَ
…
عبدَ الباسِطِ، وأحمدَ عبدَ السَّتَّارِ، الباحثَينِ في قِسمِ تحقيقِ التُّراثِ، بدارِ الكُتبِ المِصريَّةِ، ومُحقِّقَي كتابِ (الجامعُ المستقصَى) لبَهاءِ الدِّينِ ابنِ عساكرَ.
وختامًا،،
أسألُ المولَى عز وجل أَن يَهَبَ لنَا رحمةً مِن لدُنهُ يَستُرُ بِهَا نقائِصنَا، وتوفِيقًا يَرأَبُ بِهِ مَا تشعَّبَ مِن قُصورِنَا، فإِنَّهُ تعالَى أقربُ مدعوٍّ، وأكرمُ مرجُوٍّ ..
وصلَّى اللهُ علَى نبيِّنَا محمَّدٍ، وعلَى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ.
وَكَتبَ
أبُو المُنذِر الحُوينيُّ
عَمرُو بنُ عبدِ العظيمِ بنِ نيازِي شريفُ
حُويَن/كفرالشيخ 5 مِن رجبِ الفردِ 1430 هـ
28 مِن يُونيَه 2009 م