المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌89 - باب في الجنب يؤخر الغسل - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٣

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌النوم مظنة للحدث

- ‌80 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله

- ‌81 - باب من يحدث في الصلاة

- ‌82 - باب في المذي

- ‌83 - باب في الإكسال

- ‌84 - باب في الجنب يعود

- ‌85 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

- ‌86 - باب في الجنب ينام

- ‌87 - باب الجنب يأكل

- ‌88 - باب من قال: يتوضأ الجنب

- ‌89 - باب في الجنب يؤخِّر الغسل

- ‌90 - باب في الجنب يقرأ القرآن

- ‌قراءة الجنب والحائض للقرآن

- ‌91 - باب في الجنب يصافح

- ‌92 - باب في الجنب يدخل المسجد

- ‌لبث الحائض في المسجد

- ‌93 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ

- ‌94 - باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه

- ‌95 - باب في المرأة ترى ما يرى الرجل

- ‌ 990).***96 -باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل

- ‌97 - باب في الغسل من الجنابة

- ‌98 - باب في الوضوء بعد الغسل

- ‌99 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌100 - باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك

- ‌(1/ 446).***101 -باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

- ‌(1/ 274).***102 -باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

- ‌103 - باب في الحائض تُناوِل من المسجد

- ‌(1/ 419).***104 -باب في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌105 - باب في إتيان الحائض

- ‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

- ‌107 - باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌108 - باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

- ‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌110 - باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

- ‌111 - باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا

- ‌(1/ 241/ 906).***112 -باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر

الفصل: ‌89 - باب في الجنب يؤخر الغسل

• وأما فقه المسألة: فقد تقدم تحت الحديث رقم (221).

• وأما وجه الجمع بين حديث ابن المبارك: "وإذا أراد أن يأكل غسل يديه"، وبين حديث شعبة:"إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ":

بأن يقال: هما حديثان لعائشة لاختلاف المخرج فالأول: يرويه عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن، والثاني: يرويه الأسود بن يزيد، وعلى هذا تكون عائشة رضي الله عنها حدثت كل واحد منهما بما كان يقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حين دون حين، وأن الفعلين قد صدرا منه صلى الله عليه وسلم، فمرة توضأ لما أراد أن يأكل، ومرة اكتفى بغسل يديه، والله أعلم.

• وبالقولين جميعًا قال الإمام أحمد:

ففي مسائل أبي داود (130): سئل أحمد عن الجنب يأكل؟ قال: "إذا توضأ".

وفي مسائل ابنه صالح (433): سأله عن الجنب يأكل ويشرب؟ قال: "هو أسهل من النوم، والنوم يتوضأ".

وفي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (58)، قال: "الجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام؟ قال [أحمد]: أما إذا أراد أن يأكل أو يشرب: يغسل يده وفمه، ولا ينام إلا متوضئًا. قال إسحاق: كما قال، [وانظر: الأوسط (2/ 93)].

قال ابن المنذر: "أحب إذا أراد أن يطعم أن يتوضأ، فإن اقتصر على غسل فرجه وتمضمض طعم، وأحب إليَّ أن يغسل كفيه إن كان بهما أذى".

***

‌89 - باب في الجنب يؤخِّر الغسل

226 -

. . . بُرْد بن سنان، عن عُبادة بن نُسي، عن غُضيف بن الحارث، قال: قلت لعائشة: أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل، أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

قلت: أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل، أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في آخره. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

قلت: أرأيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن، أم يَخْفِت به؟ قالت: ربما جهر به، وربما خَفَت. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

• حديث صحيح.

أخرجه النسائي في المجبتى (1/ 125 و 125 - 126 و 199/ 222 و 223 و 504)، وفي الكبرى (1/ 161/ 221 و 222)، وابن ماجه (1354)، وابن حبان (6/ 200/ 2447)

ص: 100

و (6/ 319/ 2582)، والحاكم (1/ 153)، وأحمد (6/ 47 و 138)، وابن أبي شيبة (1/ 63/ 679)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (3/ 1050)، وابن المنذر (2/ 87/ 595)، والطبراني في الأوسط (3/ 61/ 2479)، وفي مسند الشاميين (1/ 219 و 220/ 391 - 393) و (3/ 272/ 2239)، وابن شاهين في الناسخ (132)، والبيهقي (1/ 199).

وهذا إسناد شامي، رجاله ثقات، غير برد بن سنان أبي العلاء، فقد وثقه الجمهور، وضعفه ابن المديني، وقال أبو حاتم مرة:"ليس بالمتين"[كذا في الميزان (1/ 303)، التهذيب (1/ 217)]، لكن في الجرح والتعديل (2/ 422):"كان صدوقًا، وكان قدريًّا".

• ولم ينفرد به برد بن سنان عن عبادة بن نسي:

فقد تابعه عليه عن عبادة بن نسى: عتبة بن أبي حكيم [صدوق يخطئ كثيرًا]، وعبد الرحمن بن مرزوق [روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبان في الثقات، تهذيب (2/ 552)].

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (1/ 427/ 750)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (35/ 400).

وعبادة بن نسي: لا يعرف له سماع من غضيف بن الحارث، وهو كثير الإرسال [انظر: التاريخ الكبير (6/ 95)، تحفة التحصيل (168)].

• ووجدت له متابعة عند الطبراني في مسند الشاميين (3/ 108/ 1890)، قال الطبراني: حدثنا عمرو بن إسحاق: ثنا أبي: ثنا عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن عبد الرحمن بن أبي عوف: أن غضيف بن الحارث حدثه: أنه سأل عائشة فقال:

فذكر الحديث، دون قصة الاغتسال.

وهذا إسناد حمصي لا يثبت مثله، فإن رجاله من لدن عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي إلى عائشة: ثقات مشهورون، ثم تفرد عن عبد الله بن سالم بهذا الإسناد: عمرو بن الحارث بن الضحاك الزبيدي الحمصي: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في الميزان (3/ 251):"عن عبد الله بن سالم الأشعري فقط، وله عنه نسخة، تفرد بالرواية عنه: إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، ومولاة له اسمها علوة، فهو غير معروف العدالة، وابن زبريق: ضعيف".

قلت: وابن زبريق: إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: ضعيف، لا سيما لو روى عن عمرو بن الحارث الحمصي، قال النسائي:"ليس بثقة، إذا روى عن عمرو بن الحارث"[تهذيب تاريخ دمشق (2/ 410)]، والذي في التاريخ (8/ 109) نصه:"ليس بثقة، عن عمرو بن الحارث".

وابنه: عمرو بن إسحاق بن زبريق: لم أر من ترجم له، ولا حتى في تاريخ دمشق.

وعلى هذا فهي متابعة غير معتبرة، لعدم صحة الإسناد إلى المتابع، وهو عبد الرحمن بن أبي عوف.

ص: 101

• وعليه يكون قد تفرد بهذا الحديث: عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث، عن عائشة به.

ولا يضر تفرد عبادة به، لكن لا يعرف له سماع من غضيف بن الحارث، وهو كثير الإرسال.

لكنه مع هذا حديث صحيح: لا يضره الإرسال بين عبادة وغضيف.

• فقد روى هذا الحديث عن عائشة بنحوه: عبد الله بن أبي قيس، ويحيى بن يعمر:

1 -

أما حديث عبد الله بن أبي قيس: فقد رواه: معاوية بن صالح، عن عبد الله بن أبي قيس، قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف كان يوتر، من أول الليل، أو آخره؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، ربما أوتر أول الليل، وربما أوتر آخره. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

قلت: كيف كانت قراءته من الليل، أكان يُسِرُّ بالقراءة من الليل، أم يجهر؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما أسر، وربما جهر. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

قلت: كيف كان يصنع في الجنابة، أكان يغتسل قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.

أخرجه مسلم (307) فاختصره، وذكر قصة الغسل وحدها، وأبو عوانة (1/ 234/ 790)، وأبو نعيم في مستخرجه (1/ 362/ 701)، والبخاري في خلق أفعال العباد (45)، وأبو داود (1437)، والترمذي في الجامع (449 و 2924)، وفي الشمائل (317)، والنسائي في المجتبى (1/ 199/ 404) و (3/ 224/ 1662)، وفي الكبرى (2/ 146/ 1377)، وابن خزيمة (1/ 128/ 259) و (2/ 144 و 189/ 1081 و 1160)، والحاكم (1/ 153 و 310)، وأحمد (6/ 73 و 149)، وإسحاق (3/ 961/ 1676 و 1677)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (171)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 156/ 2582)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 122/ 1917)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 153/ 560)، والبيهقي في السنن (1/ 200) و (3/ 12 و 35)، وفي الشعب (2/ 128/ 2384).

مطولًا ومختصرًا.

قال الترمذي في الموضع الأول: "هذا حديث حسن صحيح غريب".

وفي الموضع الثاني: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه".

وهو كما قال في الموضع الأول، فإنه يستغرب لتفرد معاوية بن صالح الحمصي به، لكنه صحيح، فإن شيخه عبد الله بن أبي قيس: حمصي مثله، ولم يكن واسع الرواية كثير الأصحاب حتى يقال فيه: تفرد عنه معاوية بن صالح دون أصحابه، ومعاوية بن صالح: صدوق، إمام واسع الرواية، يحتمل منه هذا التفرد هنا.

ص: 102

والحديث مروي من طرق أخرى؛ مما يؤكد أن معاوية بن صالح قد حفظه وضبطه عن شيخه.

ويكفي تصحيح مسلم لهذا الحديث، وصححه أيضًا: ابن خزيمة والحاكم، واحتج به أبو داود والنسائي.

2 -

وروى عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عائشة، قال: سألها رجل: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته من الليل إذا قرأ؟ قالت: ربما رفع، وربما خفض. قال: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة.

قال: فهل كان يوتر من أول الليل؟ قالت: نعم، ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره. قال: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة.

قال: فهل كان ينام وهو جنب؟ قالت: ربما اغتسل قبل أن ينام، وربما نام قبل أن يغتسل، ولكنه يتوضأ قبل أن ينام. قال: الحمد لله الذي جعل في الدين سعة.

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (1/ 279/ 1076) و (2/ 494 - 495/ 4208). ومن طريقه: أحمد (6/ 166 و 167)، وإسحاق (3/ 741 و 742/ 1350 و 1351).

لكن عبد الرزاق قال مرة: "عن يحمص بن يعمر، قال: سألت عائشة".

والروايتان عند أحمد وإسحاق.

والذي يظهر لي -والله أعلم- أنه ليس ثمة انقطاع بين عائشة ويحيى بن يعمر، وأنه سمع منها هذا الحديث، وتُحمَل رواية:"سألها رجل" على أنه كنى عن نفسه، ومما يؤكد هذا الاحتمال:

1 -

أن عبد الله بن المبارك روى هذا الحديث عن معمر، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عائشة، قال: قلت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقراءة؟ قالت: ربما رفع، وربما خفض.

وابن المبارك: من أثبت الناس في معمر بن راشد، وروايته هذه تؤكد أن يحيى هو السائل.

أخرجه أحمد (6/ 153).

2 -

أن يحيى بن يعمر: سمع عائشة رضي الله عنها، وصرح بذلك عند البخاري (6619)، وأحمد (6/ 64 و 154): في حديث الطاعون، فلا وجه لإعلاله إذن بالانقطاع، بل هو متصل، ولا واسطة بينهما.

وعلى هذا فإن هذا الإسناد: إسناد حسن، رجاله ثقات؛ غير عطاء بن أبي مسلم الخراساني، فإنه: صدوق تكلم في حفظه، والجمهور على توثيقه، قال أبو حاتم إمام أئمة الجرح والتعديل -وهو معروف بتشدده في هذا الباب- قال:"ثقة صدوق"، فسأله ابنه: يحتج به؟ قال: "نعم"، ووثقه أيضا: أحمد، وابن معين، والنسائي، والترمذي، ويعقوب بن شيبة، والدارقطني، والعجلي، وابن سعد.

ص: 103

وممن تكلم فيه: شعبة، والبخاري، وابن حبان، وانظر كلام الحافظ الذهبي في ذلك في: الميزان (3/ 74)، وقال في المغني (2/ 59):"صدوق مشهور"، وانظر: التهذيب (3/ 108).

ولا يستبعد عقلًا أن يتفق ثلاثة: غضيف بن الحارث، وعبد الله بن أبي قيس، ويحيى بن يعمر: أن يسألوا عائشة نفس الأسئلة، وتجيب عليهم بنفس الإجابة.

وهو حديث صحيح ثابت عن عائشة من وجوه.

وفي رواية عبد الله بن أبي قيس، ويحيى بن يعمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينام وهو جنب حتى يتوضأ، وعليه تحمل رواية غضيف بن الحارث، فإنه ليس فيها نفي الوضوء قبل النوم.

وعلى هذا فإن تأخير الغسل مرخص فيه للجنب؛ إذا أراد أن ينام، لكن إذا توضأ.

***

227 -

. . . شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب".

• حديث ضعيف.

أخرجه أبو داود في موضعين (227 و 4152)، والنسائي في المجتبى (1/ 141/ 261) و (7/ 185/ 4281)، وفي الكبرى (1/ 172/ 253) و (4/ 465 - 466/ 4774)، وابن ماجه (3650)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 121)، وابن حبان (4/ 5/ 1205)، والحاكم (1/ 171)، والضياء في المختارة (2/ 372 و 373/ 755 و 756)، وأحمد (1/ 83 و 104 و 139)، والطيالسي (1/ 106/ 112)، وابن أبي شيبة (4/ 265/ 19953) و (5/ 198/ 25192)، والبزار (3/ 99/ 880)، وأبو يعلى (1/ 265 و 461/ 313 و 626)، والطحاوي (4/ 282)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 677/ 1353 و 1354)، والبيهقي (1/ 201).

تنبيه: سقط من مطبوعة البزار: "عن أبيه"، ورواه الطيالسي عن شعبة بدونها، وهو وهم، والمحفوظ إثبات هذه الزيادة في حديث شعبة، هكذا رواه عنه ثقات أصحابه المقدمين فيه، مثل: يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر غندر، وتابعهما عليها: جماعة من الثقات مثل: أبي الوليد الطيالسي، ووهب بن جرير، وآدم بن أبي إياس، وحفص بن عمر النمري، وعبد الله بن رجاء، ويعقوب بن إسحاق، وحبان بن هلال، وغيرهم.

• تابع عليَّ بن مدرك النخعي الكوفي [وهو ثقة] على زيادة والد عبد الله بن نجي في

ص: 104

الإسناد: شرحبيلُ بن مدرك الجعفي الكوفي [وهو ثقة أيضًا]، لكن بلفظ مطول: فقد رواه شرحبيل بن مدرك الجعفي، عن عبد الله بن نجي الحضرمي، عن أبيه، قال: قال لي علي: كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة لم تكن لأحد من الخلائق، إني كنت آتيه كل سَحَر فأسلم عليه حتى يتنحنح، وإني جئت ذات ليلة فسلمت عليه، فقلت: السلام عليك يا نبي الله، فقال:"على رسلك يا أبا حسن حتى أخرج إليك"، فلما خرج إليَّ، قلت: يا نبي الله! أغضبك أحد؟ قال: "لا"، قلت: فما لك لا تكلمني فيما مضى حتى كلمتني الليلة؟ قال: "سمعت في الحجرة حركة، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا جبريل، قلت: ادخل، قال: لا، اخرج إليَّ، فلما خرجت، قال: إن في بيتك شيئًا لا يدخل ملك ما دام فيه، قلت: ما أعلمه يا جبريل! قال: اذهب فانظر، ففتحت البيت فلم أجد فيه شيئًا غير جرو كلب كان يلعب به الحسن، قلت: ما وجدت إلا جروًا، قال: إنها ثلاث لن يلج ملك ما دام فيها أبدًا واحد منها: كلب، أو جنابة، أو صورة روح".

أخرجه مطولًا ومختصرًا: النسائي في المجتبى (3/ 1213/12)، وفي خصائص علي (118)، وابن خزيمة (2/ 54/ 952)، والضياء في المختارة (2/ 757/374)، وأحمد (1/ 85)، وهذا لفظه، والبزار (3/ 98/ 879).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن شرحبيل إلا محمد بن عبيد".

قلت: لم ينفرد به محمد بن عبيد، بل تابعه أبو أسامة.

وقال ابن خزيمة: "قد اختلفوا في هذا الخبر عن عبد الله بن نجي، فلست أحفظ أحدًا قال: "عن أبيه" غير شرحبيل بن مدرك هذا".

قلت: قد تابعه علي بن مدرك، عن أبي زرعة به.

• وقد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلافًا شديدًا، فقد رواه عبد الواحد بن زياد واختلف عليه:

1 -

فرواه محمد بن عبيد بن حساب، وأبو كامل فضيل بن حسين، ومعلى بن أسد، وأبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي، وأبو سعيد مولى بني هاشم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، والعلاء بن عبد الجبار:

رواه ستتهم [وهم ثقات]: عن عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عمارة بن القعقاع، عن الحارث العكلي، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي، قال: قال علي: كانت لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان في صلاته سبح، فكان ذلك إذنه لي، وإن لم يكن في صلاته أذن لي.

وفي رواية أبي النعمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة ولا جنب".

وفي رواية لأبي كامل: "قال لي علي".

أخرجه النسائي في خصائص علي (115)، والدارمي (2/ 369/ 2663)، وابن خزيمة

ص: 105

(2/ 54/ 903 و 904)، وأحمد (1/ 77)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 240/ 1577)، والطحاوي في المشكل (2/ 312/ 958 - ترتيبه)، والبيهقي (2/ 247)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 292 - 293/ 995).

تنبيه: روى البزار هذا الحديث في مسنده، وفرقه حديثين (3/ 100/ 881 و 882)، لكنه أخطأ في إسناده.

قال البزار: حدثنا أبو كامل، قال: نا عبد الواحد بن زياد، قال: نا عمارة بن القعقاع، قال: سمعت أبا زرعة، يحدث عن عبد الله بن نجي، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

يعني: بنحو حديث شعبة المتقدم.

ثم قال: حدثنا أبو كامل، قال: نا عبد الواحد بن زياد، قال: نا عمارة -يعني: ابن القعقاع-، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن نجي، عن علي، قال: كانت لي ساعة من الليل من رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه فيها؛ فإن كان يصلي تنحنح، وإلا أذن لي.

أخطأ البزار على أبي كامل الجحدري في إسناد هذا الحديث، فأسقط منه الحارث العكلي بين عمارة وأبي زرعة.

والمحفوظ عن أبي كامل بإثباته كما رواه الجماعة.

فقد رواه: ابن أبي عاصم، وهو: أحمد بن عمرو بن الضحاك، وزكريا بن يحيى بن إياس السجزي المعروف بخياط السُّنَّة، ويزيد بن سنان القزاز البصري نزيل مصر، وهم: ثقات أثبات حفاظ، لا سيما ابن أبي عاصم الحافظ الكبير والإمام الثبت:

رواه ثلاثتهم: عن أبي كامل، عن عبد الواحد، عن عمارة، عن الحارث، عن أبي زرعة، عن ابن نجي، عن علي.

وأما البزار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق: فقال فيه الدارقطني: "ثقة، يخطئ كثيرًا، ويتكل على حفظه"، وقال أيضًا:"يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظًا، ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة، يتكلمون فيه، جرحه أبو عبد الرحمن النسائي"[سؤالات السهمي (116)، سؤالات الحاكم (23)]، وقد أثنى عليه جماعة [انظر: اللسان (1/ 257)].

2 -

ورواه مسدد بن مسرهد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد: ثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن نجي، قال: قال علي منه: كانت لي ساعة من السحر أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان في صلاة سبح، وكان في ذلك إذنه، وإن كان في غير صلاة أذن لي.

أخرجه البيهقي (2/ 247).

ومسدد: ثقة حافظ، إلا أنه أسقط الحارث من الإسناد.

3 -

ورواه أبو هشام المخزومي، المغيرة بن سلمة البصري [ثقة ثبت]، قال: نا

ص: 106

عبد الواحد بن زياد، قال: نا سالم بن أبي حفصة، قال: نا عبد الله بن نجي، قال: سمعت عليًّا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سمعت صوتًا في الدار؛ فخرجت فإذا جبريل عليه السلام، فقلت: ما منعك أن تدخل؟ فقال: الملك لا يدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة ولا جنب، وكان في البيت جرو يلعب به الحسن بن علي".

أخرجه البزار (3/ 100 - 101/ 883).

وحاصل هذا الاختلاف عندي:

أنه إما أن يكون المحفوظ: هو ما رواه الجماعة عن عبد الواحد.

وإما أن يكون اضطرب فيه عبد الواحد نفسه.

وإما أن يكون الوهم من مسدد والمغيرة، أو: يكون الوهم من البزار -في طريق المغيرة-، ومن مسدد، فالله أعلم.

والنفس تميل إلى ترجيح رواية الجماعة، لما سيأتي بعد ذلك.

• وقد اختلف في إسناده أيضًا على المغيرة بن مقسم [وهو: ثقة متقن]:

1 -

فرواه أبو بكر بن عياش [صدوق، ثقة ربما غلط] قال: حدثنا مغيرة بن مقسم: حدثنا الحارث العكلي، عن عبد الله بن نجي، قال: قال علي: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان بالليل والنهار، وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح، فأتيته ذات ليلة، فقال:"أتدري ما أحدث الملك الليلة؟ كنت أصلي، فسمعت خشفة في الدار، فخرجت فإذا جبريل عليه السلام، فقال: ما زلت هذه الليلة أنتظرك، إن في بيتك كلبًا، فلم أستطع الدخول؛ وإنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا جنب ولا تمثال".

أخرجه النسائي في الخصائص (117)، وفي المجتبى (3/ 12/ 1212)، وابن ماجه (3708)، وابن خزيمة (2/ 54/ 903 و 904)، وأحمد (1/ 80)، وابن أبي شيبة (2/ 126/ 7264) و (5/ 242/ 25676)، والطحاوي في شرح المعاني (4/ 282)، وفي المشكل (2/ 311/ 956 و 957 - ترتيبه)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 870/ 1814)، وابن عدي في الكامل (4/ 234)، والبيهقي (2/ 247).

2 -

وخالفه فزاد في الإسناد أبا زرعة بن عمرو بن جرير:

جرير بن عبد الحميد [ثقة، صحيح الكتاب، قال أبو الوليد الطيالسي بأنه لم ير أحدًا أروى عن مغيرة من جرير. التهذيب (1/ 297)، الجرح (2/ 507)]، فرواه عن المغيرة، عن الحارث، عن أبي زرعة بن عمرو، قال: حدثنا عبد الله بن نجي، عن علي، قال: كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة من السحر آتيه فيها، إذا أتيته استأذنت فإن وجدته يصلي سبح؛ فدخلت، وإن وجدته فارغًا أذن لي.

كذا قال: "سبح"، بدل:"تنحنح"، وزاد أبا زرعة.

أخرجه النسائي في الخصائص (116)، وفي المجتبى (3/ 12/ 1211)، وابن خزيمة (2/ 54/ 903 و 904)، وأبو يعلى (1/ 444/ 592).

ص: 107

ورواية جرير بن عبد الحميد: أولى بالصواب، فإنه أحفظ وأثبت من أبي بكر بن عياش، ولأنه قد توبع عليها.

فقد رواه زيد بن أبي أنيسة [ثقة]، عن الحارث، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نجي: سمع عليًّا يقول: كنت أدخل على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان يصلي سبح؛ فدخلت، وإن لم يكن يصلي أذن لي فدخلت.

أخرجه النسائي في الخصائص (114).

• والحديث رواه أيضًا:

جابر بن يزيد الجعفي [متروك يكذب، كان يؤمن بالرجعة، وهي بدعة مكفرة، لكن هذا الحديث مما رواه عنه شعبة وسفيان الثوري، والأقرب أنهما رويا عنه قبل أن يُظهر سوء معتقده، فعندئذ: فما صرح فيه بالسماع فيعتبر به، دون غيره]، قال: سمعت عبد الله بن نجي، عن علي، قال: كنت آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غداة، فإذا تنحنح دخلت، وإذا سكت لم أدخل، قال: فخرج إليَّ فقال: "حدث البارحة أمر، سمعت خشخشة في الدار، فإذا أنا بجبريل فقلت: ما منعك من دخول البيت؟ فقال: في البيت كلب، قال: فدخلت، فإذا جرو للحسن تحت كرسي لنا، قال: فقال: إن الملائكة لا يدخلون البيت إذا كان فيه ثلاث: كلب أو صورة أو جنب".

أخرجه أحمد (7/ 107 و 150)، والدارقطني في العلل (3/ 259 و 260).

• وبعد هذا العرض المفصل للنظر فيما هو صواب وراجح من هذه الأسانيد، يمكن تلخيص ذلك فيما يلي مما هو محفوظ، أو أراه صوابًا:

1 -

شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي.

2 -

شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي.

3 -

عبد الواحد بن زياد، عن عمارة بن القعقاع، عن الحارث العكلي، عن أبي زرعة، عن عبد الله بن نجي، عن علي.

4 -

المغيرة بن مقسم، عن الحارث، عن أبي زرعة، عن ابن نجي، عن علي.

5 -

زيد بن أبي أنيسة، عن الحارث، عن أبي زرعة، عن ابن نجي، عن علي.

6 -

جابر الجعفي، عن ابن نجي، عن علي.

ويتبين من هذا العرض: أن أبا زرعة بن عمرو بن جرير قد اختلف عليه:

1 -

فرواه علي بن مدرك عنه، عن ابن نجي، عن أبيه، عن علي.

2 -

ورواه الحارث بن يزيد العكلي عنه، عن ابن نجي، عن علي.

وعلي والحارث: ثقتان، أما علي: فوثقه ابن معين، والنسائي، وأبو حاتم، والعجلي، وابن حبان.

وأما الحارث: فوثقه ابن معين، وأبو داود، والعجلي، وابن سعد، وابن حبان، وقال الدارقطني:"ليس به بأس".

ص: 108

وعلى هذا فلا يظهر سبب واضح للترجيح بين روايتهما، لا سيما وهما كوفيان يرويان عن شيخ كوفي.

فإذا بحثنا عن سبب خارجي يصلح للترجيح، وجدنا أن رواية علي بن مدرك عن أبي زرعة، قد تابعه عليها: شرحبيل بن مدرك [وهو: ثقة]، فرواه عن ابن نجي، عن أبيه، عن علي.

بينما رواية الحارث العكلي عن أبي زرعة لم يتابعه عليها سوى جابر الجعفي، وهو: متروك.

وعلى هذا فإن رواية من قال: عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي: هي المحفوظة، ووهم من أسقط نجيًا من الإسناد، وكذا من صرح بسماع عبد الله بن نجي من علي.

وقد اغتر بهذه الطرق التي فيها التصريح بالسماع: البزار حيث قال في مسنده (3/ 102): "عبد الله بن نجي وأبوه: سمعا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه".

ومما يؤكد أن رواية من زاد أباه نجيًا في الإسناد هي المحفوظة:

1 -

قول ابن معين: "لم يسمع من علي، بينه وبينه أبوه"[التهذيب].

2 -

قول البخاري في ترجمة عبد الله بن نجي من التاريخ الكبير (5/ 214): "عبد الله بن نجي الحضرمي، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه. قاله شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة: فيه نظر".

فلو كان قد صح عنده سماع لعبد الله بن نجي من علي لما أهمل ذكره، ومعلوم اهتمام البخاري بذكر سماع الراوي من شيوخه الذين سمع منهم، ففي هذا إشارة إلى أن طريق شعبة ومن وافقه هو المحفوظ.

3 -

قول الدارقطني في العلل (3/ 258): "ويقال: إن عبد الله بن نجي لم يسمع هذا من علي، وإنما رواه عن أبيه عن علي، وليس بقوي في الحديث".

• وعلى هذا: فإن هذا الحديث ضعيف، لا يصح:

عبد الله بن نجي: قال البخاري: "فيه نظر"، وقال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث هذا منها:"وأخباره فيها نظر"، وقال الدارقطني:"وليس بقوي في الحديث"، وقال الشافعي في مناظرته مع محمد بن الحسن في الشاهد واليمين:"إنما رواه عن علي رجل مجهول، يقال له: عبد الله بن نجي"، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال النسائي والعجلي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات.

[التاريخ الكبير (5/ 214)، الكامل (4/ 234)، علل الدارقطني (3/ 258)، تاريخ بغداد (2/ 178)، الثقات (5/ 30)، معرفة الثقات (984)، ضعفاء العقيلي (2/ 312)، التهذيب (2/ 445)، الميزان (2/ 514)، التقريب (346)، وقال: "صدوق"، قلت: بل الأكثر على تضعيفه].

ص: 109

وأما أبوه نجي: فمجهول، لم يرو عنه سوى ابنه عبد الله، وثقه العجلي على عادته في توثيق مجاهيل التابعين، وقال ابن سعد:"وكان قليل الحديث"، وأما ابن حبان فذكره في الثقات؛ إلا أنه قال:"لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد"، قلت: فكيف إذا خالف، وقال الذهبي:"ولا يدرى من هو"، وقال مرة:"ليِّن"، وقال أخرى:"لا يعرف"[التهذيب (4/ 215)، الميزان (4/ 248)، الكاشف (2/ 317)، المغني (2/ 453)].

وليِّن البزار هذا الإسناد، فقال بأنه ليس بالقوي [المسند (2/ 138)].

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح، فإن عبد الله بن نجي: من ثقات الكوفيين، ولم يخرجا فيه ذكر الجنب".

قلت: بل هو إسناد ضعيف، ولا تقوم به حجة.

• ولهذا الحديث عن علي أسانيد أخرى، منها ما رواه:

1 -

يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن علي، قال: كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأستأذن فإن كان في الصلاة تنحنح، وإن لم يكن في صلاة أذن لي. وفي رواية أحمد: سبح.

أخرجه أحمد (1/ 112)، والبزار (2/ 137 - 138/ 498).

وقال: "وهذا الحديث يروى عن علي من هذا الوجه، ومن حديث عبد الله بن نجي عن علي.

وهذا الإسناد والإسناد الآخر الذي في ذلك: ليسا بالقويين، وهذا الإسناد أحسن اتصالًا؛ لأنه عن صحابي عن علي، وإن كان عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن:[متكلم] فيهم".

قلت: لأجل هؤلاء الثلائة: هو إسناد واهي، قال ابن حبان بأنه إذا اجتمع هؤلاء الثلاثة في إسناد حديث فهو مما عملته أيديهم [انظر: المجروحين (2/ 63)]، وقد ضعف هذه السلسلة جماعة من الأئمة منهم: ابن معين، وأبو حاتم، والجوزجاني.

2 -

عبد الوارث بن سعيد: حدثنا الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"أتاني جبريل عليه السلام فلم يدخل عليَّ"، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ما منعك أن تدخل؟ قال: إنا لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا بول" وفي رواية: "فيه صورة أو كلب"، وكان الكلب للحسن في البيت.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 146 و 148)، وابن عدي في الكامل (5/ 126).

ورواه عبد الوارث مرة أخرى، عن حسين بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبة بن أبي حبة، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرجه عبد الله في زيادات المسند (1/ 146)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 863).

ص: 110

قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد: "وكان أبي لا يحدث عن عمرو بن خالد، يعني: كان حديثه لا يسوي عنده شيئًا".

وقال ابن عدي: "وهذه الأحاديث التي يرويها عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت: ليس هي بمحفوظة، ولا يرويها غيره، وهو المتهم فيها".

ثم قال: "ولعمرو بن خالد غير ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه موضوعات".

قلت: عمرو بن خالد هذا هو الواسطي: متروك، متهم، كذبه أحمد وابن معين وأبو داود ووكيع وابن البرقي، وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة:"كان يضع الحديث"[التهذيب (3/ 267)].

3 -

هشام، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن علي، قال: صنعت طعامًا فدعوت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فدخل فرأى سترًا فيه تصاوير، فخرج وقال:"إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تصاوير".

أسنده وكيع وحده عن هشام الدستوائي.

وأخرجه من طريقه: النسائي في المجتبى (8/ 213/ 535)، وفي الكبرى (8/ 455/ 9688)، وابن ماجه (3359)، والضياء في المختارة (2/ 99/ 473)، والبزار (2/ 157/ 523)، وأبو يعلى (1/ 342 و 399/ 436 و 521)، والدارقطني في الأفراد (1/ 209 - 210 - أطرافه).

وخالفه فأرسله: معاذ بن هشام، وروح بن عبادة، ومسلم بن إبراهيم:

رواه ثلاثتهم [وهم ثقات]، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن عليًّا رضي الله عنه صنع طعامًا

فذكره.

أخرجه الضياء في المختارة (2/ 100/ 474)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 113/ 1983)، وأحمد بن عصام في جزئه (5)، وأبو يعلى (1/ 421/ 556)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 281).

ورواية الجماعة هى الصواب.

قال الدارقطني في الأفراد (1/ 210) عن رواية وكيع: "تفرد به وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عنه".

وقال في العلل (3/ 221/ 373): "أسنده وكيع، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن علي، وخالفه أصحاب هشام: فرواه [كذا والصواب: فرووه] عن هشام مرسلًا، وهو أصوب".

ومثل هذا المرسل أقوى من إسناد عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي، فإن رواية ابن المسيب عن علي في الصحيحين [البخاري (1569)، مسلم (1223)]؛ إلا أنه لم يبين سماعًا من علي، وقد تابعه على روايته عندهما: مروان بن الحكم.

وقد قيل بأن ابن المسيب أصلح بين عثمان وعلي [انظر: التاريخ الكبير (3/ 511)،

ص: 111

تاريخ الدوري (2/ 208)، المراسيل (249)]، واختلف في سماعه من عمر بن الخطاب، فأثبته أحمد بن حنبل ونفاه غيره [انظر: الجرح والتعديل (4/ 61)، تاريخ الدوري (2/ 207)، المراسيل (247 و 248 و 249 و 255)].

وأيًّا كان فإن هذا الإسناد رجاله ثقات أئمة، ورواية ابن المسيب عندي: أولى بالصواب من رواية ابن نجي عن أبيه عن علي، فقد اشتملت رواية الأخير على زيادات منكرة لا سيما زيادة الجنب.

قال البزار بعد حديث وكيع عن هشام (2/ 158): "وهذا الحديث من أحسن إسناد يروى عن علي رضي الله عنه في ذلك، ولا نعلم أحدًا وصل هذا الحديث عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي رضي الله عنه إلا وكيع عن هشام. وقد روي عن أبي طلحة، وعن عائشة، وعن زيد بن خالد، وعن أبي هريرة، فذكرناه عن علي رضي الله عنه إذ كان إسناده صحيحًا".

• ومما يؤكد نكارة هذه الزيادة التي أتى بها ابن نجي عن أبيه، وهي زيادة الجنب، أن هذا الحديث "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة": مروي في الصحيحين وغيرهما عن عدد من الصحابة، ليس في حديث أحد منهم هذه الزيادة، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ما رواه:

1 -

أبو طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة"، وفي رواية:"كلب ولا تماثيل".

أخرجه البخاري في الصحيح (3225 و 3226 و 3322 و 4002 و 5949 و 5958)،

وفي التاريخ الكبير (3/ 520)، ومسلم (2106)، وأبو داود (4153 - 4155)، والترمذي (1750 و 2804)، والنسائي (7/ 185 - 186/ 4282) و (8/ 212/ 5347 - 5350)، وابن ماجه (3649)، وابن حبان (12/ 281 - 282/ 5468) و (13/ 161/ 5850 و 5851) و (13/ 165/ 5855)، ومالك في الموطأ (2/ 555 - 556/ 2772)، وأحمد (3/ 486) و (4/ 28 و 29 و 30)، والطيالسي (1228)، وعبد الرزاق (10/ 397/ 19483)، والحميدي (431)، وابن أبي شيبة (4/ 265/ 19950 و 19952) و (5/ 198/ 25191)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 446 و 447/ 1893 و 1894 و 1895)، وأبو يعلى (3/ 9 و 20 و 22/ 1414 و 1430 و 1432)، و (8/ 4736/180) و (11/ 360/ 6474)، والروياني (2/ 153 - 154 و 157 و 162/ 976 و 977 و 982 و 994)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2455 و 2880)، والطحاوي (4/ 282 و 285)، والهيثم بن كليب في مسنده (2/ 8 - 10/ 1045 - 1049) و (3/ 21 - 23/ 1067 - 1069)، والطبراني في الكبير (5/ 93 - 95/ 4686 - 4690 و 4692 و 4695 - 4698)، وفي الأوسط (2/ 90/ 1344) و (9/ 63/ 9174)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (532 و 558)، وتمام في الفوائد (1342 و 1469)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 251) و (7/ 268 و 271 و 272). وفي الشعب (5/ 187/ 6308 و 6310). وابن عبد البر في التمهيد (21/ 194)، والخطيب في

ص: 112

الموضع (1/ 222)، وفي تاريخ بغداد (13/ 522)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 391) و (51/ 63 و 106).

وانظر: علل الدارقطني (6/ 7 و 8)، أطراف الغرائب والأفراد (5/ 108).

من طرق عن أبي طلحة به.

2 -

عائشة، قالت: واعد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جبريلُ عليه السلام، في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم ياته، وفي يده عصا فألقاها من يده، وقال:"ما يخلف الله وعده، ولا رسله"، ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال:"يا عائشة! متى دخل هذا الكلب ههنا؟ " فقالت: والله ما دريت، فأمر به فأُخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"واعدتني، فجلست لك، فلم تأت"، فقال:"منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة".

أخرجه البخاري (2105 و 3224 و 5181 و 5957 و 5961 و 7557)، ومسلم (2104 و 2107)، ومالك في الموطأ (2/ 558/ 2773)، وابن ماجه (3651)، وأحمد (6/ 142 و 246)، وإسحاق (2/ 496/ 1081)، وابن أبي شيبة (5/ 198/ 25193)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (194)، وأبو يعلى (8/ 4508/7)، والطحاوي (4/ 54 و 282)، والطبراني في الأوسط (4/ 122/ 3770)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 257)، والبيهقي (7/ 267)، والخطيب في التاريخ (5/ 286).

وانظر: علل ابن أبي حاشم (2/ 237/ 2199).

3 -

ابن عمر، قال: وعد جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فراث عليه، حتى اشتد على النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه، فشكا إليه ما وجد، فقال له:"إنا لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب".

أخرجه البخاري (3227 و 5965)، وأبو عوانة (3/ 367/ 5340)، وابن أبي شيبة (5/ 199/ 25199)، والطحاوي (4/ 283)، وابن عبد البر في التمهيد (14/ 220 - 221).

4 -

ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يومًا واجمًا، فقالت ميمونة: يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلة، فلم يلقني، أم والله، ما أخلفني" قال: فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا، فأمر به فأخرج، ثم أخذ بيده ماءً فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له:"قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة"، قال:"أجل، ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة"، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب؛ حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير.

أخرجه مسلم (2105)، وأبو داود (4157)، والنسائي (7/ 184 و 186/ 4276 و 4283)، وابن خزيمة (1/ 150/ 299)، وابن حبان (12/ 465/ 5649)، و (13/ 167/ 5856)، وأحمد (6/ 330)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 435/ 3102)، وأبو

ص: 113

يعلى (13/ 8 و 29/ 7093 و 7112)، والطحاوي (4/ 283)، والطبراني في الكبير (23/ 430 و 431/ 1046 - 1048) و (24/ 17/ 32)، وفي الأوسط (4/ 12/ 3487) و (9/ 75/ 9171)، وفي الصغير (1/ 241/ 394)، والبيهقي (1/ 242) و (2/ 429)، وابن عبد البر (14/ 221).

وانظر: علل الدارقطني (15/ 262/ 4012).

5 -

أبو هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير".

أخرجه مسلم (2112)، وأبو داود (4158)، والترمذي (2806)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي (8/ 216/ 5365)، وابن حبان (13/ 164 و 165/ 5853 و 5854)، وأحمد (2/ 308)، وعبد الرزاق (10/ 399/ 19488)، والطحاوي (4/ 287)، والبيهقي (7/ 270).

وانظر: علل الدارقطني (8/ 229).

• هذا ما جاء في الصحيحين أو أحدهما من مرويات هذا الحديث، ورواه خارج الصحيح أيضًا:

أبو سعيد الخدري، وأسامة بن زيد، وابن عباس، وأبو رافع، وأبو أيوب، وزيد بن خالد الجهني، وجابر، وعبد الله بن بريدة، وأبو أمامة، وثوبان، وغيرهم.

• ولم يأت في حديث أحد منهم هذه الزيادة: "أو جنب"، فهي زيادة منكرة من حديث علي بن أبي طالب.

• وقد روي نحو ذلك من حديث عمار بن ياسر، والشاهد منه:"إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتضمخ بالزعفران، ولا الجنب".

وهو حديث ضعيف، سبق تخريجه برقم (225).

• وأما حديث: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة

فذكر فيهم: الجنب".

فقد رواه:

1 -

سعيد بن سليمان: ثنا أبو بكر عبد الله بن حكيم، قال: سمعت يوسف بن صهيب، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة: المتخلق، والسكران، والجنب".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 74)، وفي التاريخ الأوسط (2/ 209)، ومن طريقه: العقيلي في الضعفاء (2/ 241)، وابن عدي في الكامل (4/ 140)، ورواه أيضًا: ابن أبي شيبة في المسند (3/ 14/ 2247 - المطالب العالية)، والبزار (1/ 628/ 1127 - مختصر الزوائد)، والطبراني في الأوسط (5/ 252/ 5233)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 184).

قال البخاري: "ولا يصح هذا".

وقال البزار: "لا نعلم رواه عن يوسف إلا عبد الله".

ص: 114

وقال العقيلي: "وأبو بكر هذا حدث بأحاديث لا أصل لها، ويحيل على الثقات".

وقال ابن عدي: "والذي رويتُ للداهري من هذه الأحاديث التي ذكرتها، فكلها لا يتابع أحدٌ الداهري عليه".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يوسف بن صهيب إلا عبد الله بن حكيم، وهو أبو بكر الداهري، تفرد به سعيد بن سليمان".

وقال ابن عبد البر: "عبد الله بن حكيم هو: أبو بكر الداهري: مدني، مجتمع على ضعفه".

قلت: إسناده واهي، أبو بكر الداهري: متروك، وقد خولف في إسناده:

فرواه أبان، عن قتادة، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والسكران، والمتضمخ بالخلوق".

أخرجه البزار (1/ 628/ 1128 - مختصر الزوائد).

قال: حدثنا العباس بن أبي طالب: ثنا أبو سلمة: ثنا أبان به.

ثم قال: "رواه غير العباس بن أبي طالب مرسلًا، ولا نعلمه يُروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وروي عن عمار نحوه".

قلت: وهذا كافٍ في إعلال هذه الرواية، فإن العباس بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان، أبا محمد بن أبي طالب: بغدادي صدوق، وفي تفرده بهذا عن أبي سلمة التبوذكي موسى بن إسماعيل: نظر، فإن أبا سلمة واسع الرواية، كثير الحديث والأصحاب، وأبو سلمة: بصري، وذاك: بغدادي.

هذا إذا كان قد تفرد به، لكنه قد خولف فيه فرواه غيره مرسلًا، كما قال البزار.

• ووجه آخر يُعَلُّ به هذا الحديث:

فقد رواه أبو عوانة [الوضاح بن عبد الله اليشكري: ثقة ثبت]، عن قتادة، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس، بهذا موقوفًا.

أخرجه البخاري في التاريخ الأوسط (2/ 209)، وفي التاريخ الكبير (5/ 74)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 634 - ط حمدي السلفي)، وابن عدي في الكامل (4/ 140).

قال العقيلي: "حديث أبي عوانة أولى"، يعني: من حديث الداهري.

وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس؛ فهو موقوف بإسناد صحيح.

• وقد خولف فيه عبد الله بن بريدة:

فرواه عطاء بن أبي مسلم الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر، مرفوعًا بمعناه.

ورواه عمر بن عطاء بن أبي الخوار، عن يحيى بن يعمر، عن رجل، عن عمار بن ياسر، مرفوعًا وليس فيه موضع الشاهد.

تقدم تخريجه برقم (225)، فالله أعلم.

ص: 115

• ولحديث ابن عباس هذا إسنادان آخران:

الأول: يرويه شبابة بن سوار، قال: نا المغيرة بن مسلم، عن هشام بن حسان، عن كثير مولى سمرة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والكافر، والمتضمخ بالزعفران".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 311/ 5405).

وقال: "لم يرو هذا الحديث عن كثير مولى سمرة إلا هشام، ولا عن هشام إلا المغيرة بن مسلم، تفرد به شبابة".

قلت: خالف المغيرة بن مسلم [وهو صدوق] عن هو أوثق منه:

فقد رواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]، قال أخبرنا هشام بن حسان، عن كثير بن أبي كثير، عن ابن عباس قال: ثلاثة لا تقربهم الملائكة: نائم جنب، ومتضمخ بخلوق، وجنازة كافر.

أخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 634 - ط حمدي السلفي)، وعلقه عباس الدوري في تاريخه (4/ 386). وهو موقوف.

قلت: ورواية يزيد بن هارون أولى بالصواب.

وكثير مولى سمرة: هو كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة، وهو كثير بن أبي كثير، قال عباس الدوري لابن معين: من كثير بن أبي كثير هذا؟ فقال: "لا أدري".

قلت: قد بيَّنَت رواية المغيرة بن مسلم أنه مولى سمرة، يعني: عبد الرحمن بن سمرة، وعلى هذا فهو تابعي معروف من أهل البصرة، روى عنه جماعة ممن لا يروون إلا عن ثقة، مثل: محمد بن سيرين، وأيوب السختياني، ومنصور بن المعتمر، وروى عنه أيضًا: قتادة، وهشام بن حسان، وعبد الله بن القاسم.

وقال العجلي: "بصري، تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، فقال:"كثير بن أبي كثير: مولى بني سمرة، يروي عن عبد الرحمن بن سمرة، روى عنه قتادة والبصريون"[التهذيب (3/ 465)، الثقات (5/ 332)].

قلت: فمثله يقال فيه: صدوق.

وعلى هذا، فإن هذا الإسناد: إسناد حسن، لكنه موقوف على ابن عباس.

وبهذا يتبين أنه محفوظ من كلام ابن عباس، موقوف عليه، وأن يحيى بن يعمر كان عنده هذا الحديث عن ابن عباس، وعن رجل عن عمار بن ياسر، يحدث بهما جميعًا، ومثله يحتمل منه هذا التعدد في الأسانيد.

• وأما الإسناد الثاني:

فيرويه اليمان بن سعيد: ثنا خالد بن يزيد القسري: ثنا عمرو بن ميمون بن مهران، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا تقربهم الملائكة: السكران حتى يفيق من سكره، والجنب حتى يغتسل ويصلي، والمتخلق بالزعفران حتى يغسل عنه".

ص: 116

أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 97).

ولا يصح هذا؛ اليمان بن سعيد، وخالد بن يزيد القسري: ضعيفان [اللسان (2/ 478) و (6/ 387)]، وإسناده غريب.

• وحاصل ما تقدم: أن هذا الحديث لا يصح مرفوعًا، وإنما يروى موقوفًا على ابن عباس قوله، بإسناد صحيح.

[وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (4/ 417/ 1804)].

• والخلاصة:

أن الجنب إذا أراد ينام توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه.

وأما كون الملائكة لا تقربه حال الجنابة، أو أنها لا تدخل بيتًا فيه جنب، فيحتاج إثبات مثل هذا إلى إسناد قوي مرفوع.

وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أبي هريرة وحذيفة لما لقياه وهما جنبان فحادا عن الطريق حتى لا يصافحاه أو لا يجالساه وهما على هذه الحال، فلما أتياه بعدما اغتسلا قال لهما:"إن المؤمن لا ينجس".

وحديث أبي هريرة: متفق عليه [البخاري (283 و 285)، مسلم (371)]، وحديث حذيفة: انفرد به مسلم (372)، وسيأتي تخريجهما -إن شاء الله- قريبًا برقم (230 و 231).

• ومما روي أيضًا في الترهيب من عدم الاغتسال، وذكر الوعيد في ذلك، ولا يصح فيه شيء:

1 -

شيبان بن فروخ: حدثنا يزيد بن عياض بن جعدبة: حدثنا الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحب أن يبيت المسلم جنبًا، أخشى أن يموت فلا تحضر الملائكة جنازته".

أخرجه أبو يعلى (11/ 231/ 6348)، وابن عدي (7/ 265)، وابن شاهين في الناسخ (133 و 656)، والذهبي في الميزان (4/ 437 - 438).

وهذا حديث باطل، تفرد به عن الأعرج دون بقية أصحابه الثقات على كثرتهم وجمعهم لحديثه: يزيد بن عياض بن جعدبة: وهو متروك، منكر الحديث، كذبه مالك وابن معين والنسائي [التهذيب (4/ 425)].

وحري بمثله أن يقال فيه: موضوع.

2 -

إسحاق بن زريق الراسبي: ثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن يزيد، عن آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، عن ميمونة بنت سعد، قالت: قلت: يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب؟ قال: "لا يأكل حتى يتوضأ"، قالت: قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: "ما أحب أن يرفد وهو جنب، حتى يتوضأ ويحسن وضوءه، وإني أخشى أن يُتوفى فلا يحضره جبريل عليه السلام.

أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 36/ 65).

ص: 117

وهذا الحديث من نسخة رواها: إسحاق بن زريق الرسعني، عن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، عن عبد الحميد بن يزيد الخشني، عن آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، عن ميمونة بنت سعد [انظر: تاريخ دمشق (69/ 42)].

وآمنة بنت عمر بن عبد العزيز: مجهولة، لم يرو عنها سوى عبد الحميد بن يزيد الخشني، ترجمتها في تاريخ دمشق (69/ 41).

وعبد الحميد بن يزيد الخشني هذا: مجهول، قاله العراقي [نيل الأوطار (3/ 141)].

وعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي: صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضُعِّف بسبب ذلك، حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين [التقريب (420)].

وإسحاق بن زريق [بتقديم الزاي] الرسعني: كان راويًا لإبراهيم بن خالد الصنعاني، روى عنه عن سفيان الثوري الجامع الكبير [المؤتلف للدارقطني (2/ 1020)، الإكمال (4/ 57)، الأنساب (3/ 64)، التوضيح (4/ 180)] وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 121).

فهو إسناد فرد غريب، على ما فيه من مجاهيل فهو حديث ضعيف جدًّا.

***

228 -

. . . سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب، من غير أن يمس ماءً.

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي الواسطي، قال: سمعت يزيد بن هارون، يقول: هذا الحديث وهمٌ، يعني: حديث أبي إسحاق.

اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، وأنه وهم فيه على الأسود، والمحفوظ عنه: ما رواه عبد الرحمن بن الأسود وإبراهيم النخعي.

وقال ابن حجر في النكت الظراف (11/ 380): "قال أبو الحسن بن العبد في روايته عن أبي داود بعد أن أخرجه: هذا الحديث: ليس بصحيح".

وقال في التلخيص (1/ 245): "وقال أبو داود: هو وهم".

قلت: رواه عن أبي إسحاق هكذا مختصرًا: سفيان الثوري، والأعمش، وزاد الأعمش في رواية:"ولا يمس ماءً حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل".

أخرجه أبو داود (228)، والترمذي (118 و 1119)، والطوسي في مستخرجه عليه (89)، والنسائي في الكبرى (8/ 212/ 9003)، وابن ماجه (581 و 583)، وأحمد (6/ 43 و 106 - 107)، وإسحاق (3/ 851 و 855/ 1512 و 1518)، والطيالسي (3/ 25/ 1500)، وعبد الرزاق (1/ 280/ 1082)، والسري بن يحيى في حديث سفيان (31)، وابن الباغندي في ستة مجالس من أماليه (62 و 63)، وأبو يعلى (8/ 4729/174)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1764 و 1765)، وابن المنذر (2/ 91/ 605)، والطحاوي (1/ 124 و 125)، وابن السماك في التاسع من فوائده (71)، والدارقطني في الأفراد (5/ 417 -

ص: 118

أطرافه)، وابن شاهين في الناسخ (127)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (125)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 53)، وابن حزم في المحلى (1/ 87) و (2/ 221)، والبيهقي (1/ 201)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 268/356)، والذهبي في السير (12/ 483) و (20/ 493).

قال أبو داود: "هذا الحديث ليس بصحيح".

وفي رواية: "هو وهم".

ونقل عن يزيد بن هارون قوله: "هذا الحديث وهم".

وقال الترمذي: "وقد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتوضأ قبل أن ينام. وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود. وقد روي عن أبي إسحاق هذا الحديث: شعبة والثوري وغير واحد، ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق"، ونقله أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام.

ونقل ابن ماجه بعد حديث الثوري: "قال سفيان: فذكرت الحديث يومًا، فقال لي إسماعيل [يعني: ابن أبي خالد]: يا فتى يُشَدُّ هذا الحديث بشيء".

وقال أبو القاسم البغوي: "وكان في كتاب لعلي بن الجعد: أنا سفيان، عن أبي إسحاق

[فذكر الحديث ثم قال:] فسألنا عليًّا عنه، فلم يحدثنا به، وقال: ليس العمل عليه"، ثم رواه متصلًا عن أبي أحمد بن عبدوس عن علي.

وقال ابن المنذر بعد حديث الثوري: "قال ابن مهدي: سألت سفيان عن هذا الحديث؟ فأبى أن يحدثني، وقال: هو وهم".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 187): "قال سفيان: وهذا الحديث خطأ، ونحن نقول به. قال أبو عمر: يقولون: إن الخطأ فيه من قبل أبي إسحاق؛ لأن إبراهيم النخعي روى عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة. وزاد فيه الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: إذا أراد أن يأكل أو ينام".

وقال الطحاوي: "وقالوا: هذا الحديث غلط".

• وممن روى هذا الحديث مختصرًا بغير هذه السياقة أو مطولًا، عن أبي إسحاق السبيعي:

1 -

شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق، قال: سمعت الأسود يقول: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: كان ينام أول الليل، فإذا كان السحر أوتر، ثم يأتي فراشه، فإن كان له حاجة إلى أهله ألم بهم، ثم ينام، فإذا سمع النداء -وربما قالت: الأذان- وثب -وما قالت: قام- فإن كان جنبًا أفاض عليه الماء، -وما قالت: اغتسل-، وإن لم يكن جنبًا توضأ، ثم خرج إلى الصلاة.

أخرجه البخاري (1146)، والنسائي (3/ 230/ 1680)، والترمذي في الشمائل

ص: 119

264 -

، وابن حبان (6/ 328/ 2593) و (6/ 364 - 365/ 2638)، وأبو عوانة (2/ 42/ 2246)، وأحمد (6/ 176)، وإسحاق (3/ 825 و 853/ 1513 و 1514)، والطيالسي (3/ 16/ 1483)، واللفظ له، وابن عبد البر (6/ 188).

وقد حذف شعبة عمدًا هذه الجملة التي وهم فيها أبو إسحاق وهي قوله: "ولم يمس ماءً"، لذا أخرج البخاري الحديث من طريقه لعدم اشتمالها على وهم أبي إسحاق.

والدليل على أن شعبة حذفها عمدًا، ولم يكن يحدث بهذه الزيادة التي أخطأ فيها أبو إسحاق: قول أبي حاتم الرازي: "سمعت نصر بن علي يقول: قال أبي: قال شعبة: قد سمعت حديث أبي إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام جنبًا، ولكني أنقيه"[العلل (1/ 49/ 115)].

2 -

إسرائيل بن أبي إسحاق، عن جده أبي إسحاق، عن الأسود، قال: قلت لعائشة: أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أوله ويقوم آخره، فإذا قام توضأ وصلى ما قضى الله عز وجل له، فإن كان به حاجة إلى أهله أتى أهله، وإلا مال إلى فراشه، فإن كان أتى أهله نام كهيئته لم يمس ماءً، حنى إذا كان عند أول الأذان وثب -والله ما قالت: قام، وإن كان جنبًا أفاض عليه. الماء- والله ما قالت: اغتسل-، وإلا توضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى ركعتين، ثم خرج إلى المسجد.

أخرجه مطولًا ومختصرًا: ابن ماجه (1365)، وابن حبان (6/ 324/ 2589)، وأحمد (6/ 63 و 109 و 214 و 253)، وإسحاق (3/ 854/ 1517)، وابن الباغندي في ستة مجالس من أماليه (62)، وابن عبد البر (6/ 187)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 221).

وإسرائيل أحسنهم سياقة لهذا الحديث عن أبي إسحاق، وهو مقدم في جده على غيره.

3 -

زهير بن معاوية، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: أتيت الأسود بن يزيد، وكان لي أخًا أو صديقًا، فقلت: أبا عمرو! حدثني ما حدثتك أم المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قالت: كان ينام أول الليل ويحيي آخره، فربما كانت له حاجة إلى أهله، ثم ينام قبل أن يمس ماءً، فإذا كان عند النداء الأول وثب -وما قالت: قام-، فأفاض عليه الماء -وما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد-، وإن لم يكن جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة.

أخرجه مسلم في الصحيح (739)، لكنه تعمد حذف هذه الزيادة التي وهم فيها أبو إسحاق:"قبل أن يمس ماءً"، وقد أخرجه بإثباتها في كتابه التمييز (40) ليبين أنها معلولة.

وأخرجه أيضًا: أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 335/ 1680)، والنسائي (3/ 218/ 1640)، وأحمد (6/ 102)، وإسحاق (3/ 853 و 854/ 1515 و 1516)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (46)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2563)، والبيهقي (1/ 201 - 202).

هكذا روى هذا الحديث بهذا السياق عن أبي خيثمة زهير بن معاوية أصحابه الثقات

ص: 120

المتقنون الأثبات: أبو كامل مظفر بن مدرك، وعمرو بن خالد الحراني، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأحمد بن عبد الله بن يونس، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو نعيم الفضل بن دكين الملائي، وعلي بن الجعد، ويحيى بن آدم، والحسن بن موسى الأشيب.

وهؤلاء تسعة من الثقات الأثبات المتقنين.

• خالفهم أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، فرواه عن فهد بن سليمان بن يحيى أبي محمد الكوفي نزيل مصر، قال: ثنا أبو غسان [يعني: مالك بن إسماعيل النهدي]، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، قال: أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخًا وصديقًا، فقلت: يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين

، فساق الحديث بمثل رواية الجماعة إلى أن قال في آخره: وإن كان جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة.

قال أبو جعفر "فهذا الأسود بن يزيد قد أبان في حديثه لما ذكرناه بطوله أنه كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة، وأما قولها: فإن كانت له حاجة قضاها، ثم ينام قبل أن يمس ماءً: فيحتمل أن يكون قدر ذلك على الماء الذي يغتسل به لا على الوضوء".

وكان قال قبل ذلك: "وقالوا: هذا الحديث غلط" لأنه حديث مختصر، اختصره أبو إسحاق من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه" [شرح معاني الآثار (1/ 125)].

ولا أدري على من العهدة في هذا الخطأ: أما مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي، فإنه: ثقة متقن، صحيح الكتاب.

وأما فهد بن سليمان بن يحيى أبو محمد المصري: قال عنه ابن يونس: "وكان ثقة ثبتًا"[تاريخ دمشق (48/ 460)، الجرح والتعديل (7/ 89)، وقال: "كتبت فوائده، ولم يقض لنا السماع منه". مغاني الأخيار (2/ 830)].

وأما أبو جعفر الطحاوي: فقال عنه ابن يونس: "كان ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا، لم يخلف مثله"، وقال سلمة بن قاسم: "كان ثقة، جليل القدر، فقيه البدن

" [اللسان (1/ 300)، السير (15/ 27)، ونعته بقوله: "الإمام العلامة الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيهها"].

لكن قوله في حديث زهير: "وإن كان جنبًا توضأ" وهم بلا شك ولا ريب، والمحفوظ ما رواه واتفق عليه جماعة الحفاظ المتقنين:"وإن لم يكن جنبًا توضأ".

لكن يبدو أن ابن حزم اعتمد في رواية زهير على هذه الرواية الخاطئة المحرفة فاعتبرها مخالفة لرواية سفيان الثوري، وهما متفقتان، فقال في المحلى (1/ 87):"فإن قيل: إن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان لأن زهير بن معاوية خالفه فيه، قلنا: بل أخطأ بلا شك مَن خطَّأ سفيان بالدعوى بلا دليل، وسفيان أحفظ من زهير بلا شك، وبالله تعالى التوفيق".

ص: 121

وقال في موضع آخر (2/ 221): "ومن ادعى أن سفيان أخطأ في هذا الحديث فهو المخطئ بدعواه ما لا دليل عليه، فإن قيل: قد خالفه زهير بن معاوية، قلنا: سفيان أحفظ من زهير، ولو لم يكن لما كان في خلاف بعض الرواة لبعض دليل على خطأ أحدهم، بل الثقة مصدق في كل ما يروي، وبالله تعالى التوفيق".

وقد رد على ابن حزم في هذا: ابن مفوز فقال: "وهذا كله: تصحيح للخطأ الفاسد بالخطأ البين.

أما حديث أبي إسحاق من رواية الثوري وغيره: فأجمع من تقدم من المحدثين ومن تأخر منهم أنه خطأ؛ منذ زمان أبي إسحاق إلى اليوم، وعلى ذلك تلقوه منه وحملوه عنه، وهو أول حديث أو ثان مما ذكره مسلم في كتاب التمييز له، مما حمل من الحديث على الخطأ، وذلك أن عبد الرحمن بن يزيد وإبراهيم النخعي -وأين يقع أبو إسحاق من أحدهما، فكيف باجتماعهما على مخالفته- رويا الحديث بعينه عن الأسود بن يزيد عن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة، فحكم الأئمة برواية هذين الفقيهين الجليلين عن الأسود على رواية أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة: أنه كان ينام ولا يمس ماءً، ثم عضدوا ذلك برواية عروة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن أبي قيس، عن عائشة، وبفتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بذلك حين استفتاه.

وبعض المتأخرين من الفقهاء الذين لا يعتبرون الأسانيد ولا ينظرون الطرق يجمعون بينهما بالتأويل، فيقولون: لا يمس ماءً للغسل، ولا يصح هذا، وفقهاء المحدثين وحفاظهم على ما أعلمتك.

وأما الحديث الذي نسبه إلى رواية زهير عن أبي إسحاق، فقال فيه:"وإن نام جنبًا توضأ"، وحكى أن قومًا ادعوا فيه الخطأ والاختصار، ثم صححه هو، فإنما عنى بذلك أحمد بن محمد الأزدي [يعني: أبا جعفر الطحاوي]، فهو الذي رواه بهذا اللفظ، وهو الذي ادعى فيه الاختصار، وروايته خطأ، ودعواه سهو وغفلة، ورواية زهير عن أبي إسحاق: كرواية الثوري وغيره عن أبي إسحاق في هذا المعنى، وحديث زهير أتم سياقة، وقد روى مسلم الحديث بكماله في كتاب الصلاة، وقال فيه:"وإن لم يكن جنبًا توضأ للصلاة"، وأسقط منه وهم أبي إسحاق، وهو قوله:"ثم بنام قبل أن يمس ماءً"، فأخطأ فيه بعض النقلة، فقال:"وإن نام جنبًا توضأ للصلاة"، فعمد ابن حزم إلى هذا الخطأ الحادث على زهير فصححه.

وقد كان صحح خطأ أبي إسحاق القديم، فصحح خطأين متضادين، وجمع بين غلطين متنافرين" انتهى كلام ابن مفوز، نقلًا من تهذيب السنن لابن القيم (1/ 154 و 155).

وقال البيهقي: "أخرجه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى، وأحمد بن يونس، دون قوله: قبل أن يمس ماءً، وذلك لأن الحفاظ طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة من غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك

ص: 122

برواية إبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود عن الأسود، بخلاف رواية أبي إسحاق

ثم قال: وحديث أبي إسحاق السبيعي: صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا إسحاق بين سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية عنه، والمدلس إذا بين سماعه ممن روى عنه وكان ثقة، فلا وجه لرده.

ووجه الجمع بين الروايتين على وجه يحتمل، وقد جمع بينهما أبو العباس بن سريج

، قال: الحكم بهما جميعًا، أما حديث عائشة: فإنما أرادت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمس ماءً للغسل، وأما حديث عمر: فمفسر، ذكر فيه الوضوء، وبه نأخذ".

وهذه الحكاية رواها من طريق الحاكم، عن أبي الوليد الفقيه، عن أبي العباس بن سريج، وفيها تصحيح الحاكم لحديث الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماءً.

وصححه الحاكم أيضًا في معرفة علوم الحديث (125).

وتعقب ابن القيم البيهقي بعد أن ساق كلامه هذا فقال: "والصواب: ما قاله أئمة الحديث الكبار، مثل: يزيد بن هارون، ومسلم، والترمذي، وغيرهم: من أن هذه اللفظة وهم وغلط، والله أعلم"[تهذيب السنن (1/ 155)].

قال الإمام مسلم في التمييز (40): "ذكر الأحاديث التي نقلت على الغلط في متونها"، ثم أسند هذا الحديث من طريق أحمد بن يونس عن زهير بلفظ:"كان ينام أول الليل ويحيي آخره، وإن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ولم يمس ماءً حتى ينام"، ثم قال الإمام مسلم:"فهذه الرواية عن أبي إسحاق: خاطئة؛ وذلك أن النخعي وعبد الرحمن بن الأسود جاءا بخلاف ما روى أبو إسحاق"، ثم أسند حديث شعبة عن الحكم، والذي تقدم معنا برقم (224)، ثم حديث عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، وقد تقدم أيضًا تحت الحديث رقم (224)، ثم حديث الليث عن ابن شهاب، وقد تقدم تحت الحديث رقم (223).

وكلام الإمام مسلم وابن مفوز في غاية الظهور والبيان في إيضاح علة هذا الحديث الذي أخطأ فيه أبو إسحاق، وهذه اللفظة التي وهم فيها أبو إسحاق وغلط وهي قوله:"ثم ينام قبل أن يمس ماءً"، لا تعني أن الحديث كله مردود، فقد صحح البخاري ومسلم هذا الحديث لكن بدون هذه اللفظة.

أما البخاري فقد أخرج حديث شعبة، والذي حذفها عمدًا لضعفها عنده، وأما مسلم فقد أخرج حديث زهير وحذف منه هذه اللفظة.

4 -

أبو عوانة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، قال: سألت عائشة عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت

فذكر الحديث بنحو رواية إسرائيل.

أخرجه أبو يعلى (8/ 226/ 4794)، والحاكم في المعرفة (125).

5 -

أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة به، نحو حديث إسرائيل.

ص: 123

أخرجه مطولًا ومختصرًا: ابن ماجه (582)، والطيالسي (1489)، وابن أبي شيبة (1/ 64/ 682)، والطحاوي (1/ 125)، وابن شاهين في الناسخ (658)، وابن حزم في المحلى (2/ 221).

6 -

زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة به، روي عنه مختصرًا بنحو حديث الثوري، ومطولًا بنحو حديث زهير ومعناه.

أخرجه ابن شاهين في الناسخ (129) مختصرًا، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 329 - 330) مطولًا.

7 -

إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق به.

رواه هشيم عن إسماعيل به، مثل حديث الثوري.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 213/ 9005)، وأحمد (6/ 146 و 171)، والطحاوي (1/ 125)، وأبو بكر ابن المقرئ في المعجم (1139)، وابن شاهين في الناسخ (128).

ورواه أبو أسامة، وزفر بن الهذيل، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: حدثني أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله، قال: أخبرني الأسود بن يزيد: أن عائشة أخبرته، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاته من الليل أوتر، ثم جاء إلى فراشه، فإذا نادى المنادي بالصلاة وثب من فراشه، فإن كان جنبًا أفاض عليه الماء، وإن لم يكلن جنبًا توضأ وضوءه للصلاة، ثم جاء فصلى.

هذا لفظ أبي أسامة، وأما لفظ زفر فهو بمعناه، وزاد:"فإن كانت له حاجة إلى أهله أتاها، ثم ينام ولا يغتسل، وإن لم يمكن له إليهن حاجة نام"، وزفر: ثقة.

أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 345/ 2182)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 329 - 330).

8 -

عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى يكون آخر صلاته الوتر.

أخرجه مسلم (740)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 336/ 1681)، وأحمد (6/ 253).

9 -

مطرف بن طريف الحارثي [ثقة]، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، ثم ينام، ثم يفيض عليه الماء.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 212 - 213/ 9004)، والدارقطني في العلل (14/ 248/ 3598)، وابن بشران في الأمالي (1525).

هذا جملة ما وقفت عليه من أسانيد مما صح عن أبي إسحاق السبيعي.

• وأما ما لم يصح عنه: إما لشذوذ في المتن، أو لضعف الراوي عنه، فإن ذلك ما رواه:

1 -

حمزة بن حبيب الزيات [صدوق]، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجامع نساءه، ثم لا يمس ماءً، فإن أصبح فأراد أن يعاود عاود، وإن لم يرد اغتسل.

ص: 124

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 311/ 7589)، وعنه: أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 375).

روى الطبراني عدة أحاديث بنفس الإسناد، وهذا منها ثم قال:"لم يرو هذه الأحاديث عن حمزة الزيات إلا زياد أبو حمزة، تفرد بها عامر بن إبراهيم".

وهذا المتن مع كونه منكرًا، لم يروه الثقات عن أبي إسحاق، فإن الإسناد لا يصح إلى حمزة بن حبيب الزيات؛ فهو بريء من عهدته، لتفرد زياد أبي حمزة به عنه، وزياد هذا في عداد المجاهيل، لم يرو عنه سوى عامر بن إبراهيم بن واقد الأصبهاني [وهو ثقة]، ترجم له أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 78)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 374)، ولم يذكرا له راويًا سوى عامر بن إبراهيم، وله غرائب عن حمزة الزيات لا يتابع عليها.

2 -

شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت له حاجة إلى أهله أتاهم، ثم يعود ولا يمس ماءً.

أخرجه أحمد (6/ 109).

وهذا منكر أيضًا لزيادة: "ثم يعود".

3 -

أبو حنيفة النعمان بن ثابت الإمام [ضعيف في الحديث]، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة [بألفاظ مختلفة، منها]، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله من أول الليل ولا يصيب ماءً، فإذا استيقظ آخر الليل عاد واغتسل.

أخرجه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (157 و 158)، وأبو يوسف في كتاب الآثار (120)، وابن بشران في الأمالي (1525).

4 -

معاذ بن فضالة، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة، وأبي حنيفة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود ين يزيد، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ، وينام ولا يغتسل.

أخرجه الطحاوي (1/ 127)، وابن شاهين في الناسخ (147)، والدارقطني في الأفراد (5/ 416/ 5899 - أطرافه).

قال الدارقطني: "تفرد به معاذ بن فضالة، عن يحيى بن أيوب، عن موسى بن أيوب [كذا وفي شرح المعاني والناسخ: موسى بن عقبة]، وأبي حنيفة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود".

قلت: الحديث مشهور من حديث أبي حنيفة النعمان بن ثابت، لكنه غريب من حديث موسى بن عقبة المدني، تفرد به عنه يحيى بن أيوب الغافقي المصري [وهو صدوق، سيئ الحفظ].

وهو منكر بهذا السياق؛ لمخالفته لرواية الثقات الحفاظ الذين رووا الحديث عن أبي إسحاق بغير هذه السياقة، فلم يذكروا فيه العود.

ص: 125

فإن قيل: روى الإمام أحمد في مسنده (6/ 106 - 107)، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، عن سفيان، وذكر رجلًا آخر عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيب من أهله من أول الليل، ثم ينام ولا يمس ماءً، فإذا استيقظ من آخر الليل عاد إلى أهله واغتسل.

قلت: هو شاذ عن سفيان الثوري بهذا اللفظ، تفرد به عنه عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن المقرئ [وهو ثقة فاضل]، ولا ندري من هذا الذي تابعه، وهل تابعه عليه بلفظه أم لا؟.

والحديث رواه عن سفيان الثوري بلفظ أبي داود أو نحوه: جماعة من الحفاظ من أصحاب الثوري، مثل: وكيع بن الجراح [وهو من أثبت الناس فيه]، ومحمد بن كثير العبدي، وأبو داود الطيالسي، وأبو عامر العقدي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وعبد الرزاق بن همام، وعلي بن الجعد [وهو آخر من روى عنه من الثقات]، وقبيصة بن عقبة.

وعلى هذا فإن ذكر العود في حديث أبي إسحاق شاذ لا يصح عنه، والمحفوظ ما رواه جماعة الحفاظ عن أبي إسحاق بدونه، والله أعلم.

5 -

مفضل بن صدقة [ضعيف. اللسان (6/ 94)]، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام جنبًا ولا يمس ماءً.

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 409).

فوافق الثقات في روايته.

• وبعد سرد ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي، نذكر أقوال أهل العلم الذين ضعفوا حديثه هذا ممن لم نذكرهم:

قال الإمام أحمد: "إنه ليس بصحيح".

وقال مهنأ عن أحمد بن صالح: "لا يحل أن يروى هذا الحديث".

وفي علل الأثرم: "لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى، فكيف وقد وافقه عبد الرحمن بن الأسود، وكذلك روى عروة وأبو سلمة عن عائشة".

وقال الدارقطني في العلل: "ويقال: إن أبا إسحاق وهم في هذا عن الأسود؛ لأن عبد الرحمن بن الأسود، والحكم بن عتيبة: روياه، فخالفا أبا إسحاق

، [ثم قال بعد ذكر الخلاف:] والصحيح من ذلك: ما رواه عبد الرحمن بن الأسود، وإبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة.

وقال بعض أهل العلم: يشبه أن يكون الخبران صحيحين، وأن عائشة قالت: ربما كان النبي صلى الله عليه وسلم قدم الغسل، وربما أخره، كما حكى ذلك غضيف بن الحارث، وعبد الله بن أبي فيس، وغيرهما، عن عائشة، وأن الأسود حفظ ذلك عنها، فحفظ عنه أبو إسحاق تأخير الوضوء والغسل، وحفظ عبد الرحمن بن الأسود وإبراهيم تقديم الوضوء على

ص: 126

الغسل" [علل الدارقطني (14/ 247/ 3598)، البدر المنير (2/ 568)، التلخيص الحبير (1/ 245)].

وقال ابن رجب في فتح الباري (1/ 362): "وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، ومسلم بن الحجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدارقطني

، وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ: لا يحل أن يروى هذا الحديث، يعني: أنه خطأ مقطوع به، فلا تحل روايته من دون بيان علته، وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث، ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي".

وانظر فيمن وهم على الثوري في إسناده: الناسخ لابن شاهين (657)، علل الدارقطني (3/ 164) و (14/ 249/ 3598).

• وقد روى معناه من طرق أخرى، منها:

1 -

عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني محمد بن محرز التميمي، قال: حدثنا عيسى بن يزيد، عن ابن أبي ذئب، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب من الليل فما يمس ماءً حتى يصبح.

أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 391)، وتمام في الفوائد (1/ 286/ 707)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 287)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 274).

قال العقيلي: "ولا يحفظ من حديث ابن أبي ذئب، ولا من حديث يزيد بن رومان؛ إلا عن ابن داب [يعني: عيسى بن يزيد]، وما لا يتابع عليه من حديثه أكثر مما يتابع عليه".

وهذا حديث باطل، تفرد به عن ابن أبي ذئب عيسى بن يزيد بن بكر بن داب الليثي المدني، وهو منكر الحديث، اتهمه خلف الأحمر بوضع الحديث [اللسان (4/ 472)].

والراوي عنه: محمد بن محرز التميمي: ليس بالمشهور، ولم يوثقه معتبر [تاريخ بغداد (3/ 286)].

2 -

وروى شريك بن عبد الله النخعي، في هذا المعنى حديثًا اضطرب في إسناده:

أ- فرواه أسود بن عامر شاذان، عن شريك، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن غريب، عن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجنب ثم ينام، ثم ينتبه، ثم ينام، ولا يمس ماءً.

أخرجه أحمد (6/ 111)، والطبراني في الأوسط (6/ 164/ 6088).

ب- ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم، عن شريك، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن غريب، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب ثم ينام، ثم ينتبه، ثم ينام.

ص: 127