الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2/ 81 و 89/ 792 و 809)، وابن خزيمة (3/ 62/ 1628)، وابن حبان (6/ 7/ 2236)، وأحمد (2/ 237 و 259 و 283 و 338 - 339 و 518)، وأبو أمية الطرسوسي في مسنده (13)، وأبو العباس السراج في مسنده (918 - 921)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (704 - 708)، وابن المنذر (4/ 211/ 2049)، والطحاوي في المشكل (2/ 170 و 171/ 787 - 790 - ترتيبه)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 29/ 1741)، وابن حزم في المحلى (3/ 147) و (4/ 114)، والبيهقي (2/ 398)، وابن عبد البر (1/ 141).
رواه عن الزهري: يونس بن يزيد الأيلي، ومحمد بن الوليد الزبيدي، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، وصالح بن كيسان، والنعمان بن راشد.
• وانظر فيه تفصيلًا آخر عند الحديث الآتي برقم (541).
• وفيه من الفوائد غير ما نقدم:
1 -
جواز الكلام بعد الإقامة لحاجة.
2 -
جواز الفضل بين الإقامة والصلاة لحاجة.
3 -
جواز انتظار المأمومين مجيء الإمام قيامًا.
***
94 - باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه
236 -
. . . عبد الله العمري، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلامًا؟ قال:"يغتسل".
وعن الرجل يُرى أنْ قدِ احتلم، ولا يجد البلل؟ قال:"لا غسل عليه".
فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك أعليها غسل؟ قال: "نعم، إنما النساء شقائق الرجال".
• حديث منكر
أخرجه من طريق حماد بن خالد الخياط، عن عبد الله بن عمر العمري به:
أبو داود (236)، والترمذي (113)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (96)، وابن ماجه (612)، وابن الجارود (89 و 90)، وأحمد (6/ 256)، وإسحاق بن راهويه (3/ 984/ 1706)، وابن أبي شيبة (1/ 78/ 863)، وأبو يعلى (8/ 149/ 4694)، والدارقطني (1/ 133)، وابن بشران في الأمالي (82)، والبيهقي (1/ 167 و 168)، وابن عبد البر (3/ 510).
• ورواه عبد الرزاق، عن عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرجل يستيقظ فيرى بللًا ولم يذكر احتلامًا؟ قال: "ليغتسل، فإن رأى احتلامًا ولم ير بللًا فلا غسل عليه".
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (1/ 254/ 974)، ومن طريقه: الدارمي (1/ 215/ 765).
• ورواه ابن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل، فقال: إن أحدنا يرى أنه قد أصاب امرأته في النوم، ولا يجد بللًا؟ قال:"لا يغتسل" وقال: "إن وجد ماءً ولم ير شيئًا، فليغتسل".
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 86/ 594).
قال الترمذي: "وإنما روى هذا الحديث: عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر: حديث عائشة، في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا.
وعبد الله بن عمر: ضعفه يحيى بن سعيد من قِبل حفظه في الحديث".
وقال ابن المنذر: "عبد الله: كان يحيى القطان يضعفه"، وقال قبلُ:"وقد تكلم في إسناده"، يعني: هذا الحديث.
وقال الخطابي في شرحه لهذا الحديث في معالم السنن (1/ 68): "وعبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي عند أهل الحديث".
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 192): "هذا يرويه عبد الله بن عمر العمري، وليس بقوي في الحديث، مرة وثقه يحيى بن معين، ومرة قال فيه: لا بأس به، وضعفه غير يحيى.
وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، يكنى أبا عبد الرحمن.
وهذا اللفظ: "إنما النساء شقائق الرجال" قد روي فيما أعلم من حديث أنس بن مالك: بإسناد صحيح".
وأقره على ذلك ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/ 288/299) و (4/ 198/ 1686) و (5/ 467/ 2270).
وقال في الموضع الثاني متعقبًا عبد الحق في تضعيفه لأحاديث لأجل العمري، ثم سكوته عن أحاديث أخرى هي من رواية العمري، قال ابن القطان: "وهذا الذي عمل به في هذه الأحاديث، من تضعيفها من أجل العمري [وهذا منها]: هو الأقرب إلى الصواب، وأصوب منه أن يقال، فيما لا عيب له إلا العمري: إنه حسن، فإنه رجل مختلف فيه، فإن الناس من يوثقه ويثني عليه، ومنهم من يضعفه
…
".
وبذا تعلم خطأ ما نقله العجلوني في كشف الخفاء (649) بقوله: "قال ابن القطان: هو من طريق عائشة: ضعيف، ومن طريق أنس: صحيح"، وانظر أيضًا: رقم (2857)، ثم وجدته بنصه في فيض القدير (2/ 563).
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 281): "فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري المذكور، والثانية: التفرد وعدم المتابعات، فقصُر عن درجة الحسن والصحة، والله أعلم".
قلت: هو حديث منكر، لتفرد عبد الله بن عمر العمري به عن أخيه الثقة الثبت المتقن المكثر: عبيد الله بن عمر العمري، فلم يتابعه عليه أحد من أصحاب أخيه على كثرتهم وجمعهم لحديثه، ومثل عبد الله بن عمر لا يحتمل تفرده بمثل هذا.
والراجح في عبد الله بن عمر العمري أنه ليس بالقوي يكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج به عند التفرد، وقد وثقه وأثنى عليه جماعة من الأئمة، وضعفه آخرون وأجمع ما قيل فيه عندي، قول العلامة المعلمي اليماني في التنكيل (2/ 69):"كثير الخطأ، حتى قال البخاري: "ذاهب لا أروي عنه شيئًا"، ومن أثنى عليه فلصلاحه وصدقه، وأنه ليس بالساقط".
• ثم إنه لم يتفرد فقط بهذا الحديث عن عبيد الله بن عمر العمري، بل إنه خولف فيه:
فقد رواه عروة عن عائشة، فلم يذكر فيه شأن الرجل والاحتلام، وإنما ذكر فيه قصة أم سليم في سؤالها النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وليس فيه قوله:"إنما النساء شقائق الرجال" على ما يأتي تفصيله في طرق حديث عروة عن عائشة في الحديث الآتي برقم (237)، وهو في مسلم برقم (314).
وعلى هذا فقد حصلت مخالفته لحديث الثقات في أول الحديث وآخره، حيث انفرد بما لم يتابع عليه من حديث عائشة.
قال ابن رجب في الفتح (1/ 343): "وقد استنكر أحمد هذا الحديث في رواية مهنا، وقال في رواية الفضل بن زياد: أذهب إليه".
ومع كون الحفاظ قد جزموا بأن هذا الحديث إنما يعرف بعبد الله بن عمر العمري؛ أي: أنه هو المتفرد به:
فقد وجدت الطبراني قد رواه في الأوسط (9/ 10/ 8966)، قال: حدثنا مقدام: ثنا أبو الأسود: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة والقاسم بن محمد، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يرى في منامه شيئًا ولا يرى بللًا، ويرى بللًا ثم لا يرى شيئًا؟ قال:"إذا وجد أحدكم بللًا، ولم ير شيئًا فليغتسل، وإذا رأى شيئًا ولم ير بللًا فلا يغتسل".
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن القاسم بن محمد إلا عبيد الله بن عمر وأبو الأسود، تفرد به عن عبيد الله بن عمر: أخوه عبد الله بن عمر، وتفرد به عن أبي الأسود: ابن لهيعة".
قلت: لا أراه يصح عن ابن لهيعة، ولا عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة، ولا عن عروة، إنما هو حديث عبد الله العمري عن أخيه عن القاسم.
وشيخ الطبراني: مقدام بن داود بن عيسى بن تليد الرعيني أبو عمرو المصري: ضعيف، بل قد اتهمه الذهبي في تلخيص المستدرك (1/ 569) بوضع حديث أبي هريرة في
الحال المرتحل، حيث قال:"وهو موضوع على سند الصحيحين، والمقدام: متكلم فيه، والآفة منه".
وقد اتهم بحديث: "طعام البخيل داء، وطعام السخي شفاء"، وهو حديث باطل، واختلف فيمن عليه تبعته، المقدام هذا، أم محمد بن نوح الأصبهاني، فإنه لا يعرف، وقد قال فيه ابن القطان (2/ 332/ 325):"وإنهم لمشاهير ثقات إلا مقدام بن داود، فإن أهل مصر تكلموا فيه، وقال فيه الدارقطني: ضعيف"، إلا أن القاضي عياض وابن حجر حملا التبعة فيه على محمد بن نوح الأصبهاني [انظر: اللسان (5/ 463) و (6/ 98)].
وانظر ترجمة المقدام بن داود في: الجرح والتعديل (8/ 303)، سير أعلام النبلاء (13/ 345)، الكشف الحثيث (782)، اللسان (6/ 98)، وقد ضعفه الهيثمي في مواضع كثيرة من مجمع الزوائد (2/ 243) و (3/ 129) و (4/ 89 و 291 و 328) و (5/ 54 و 76 و 114 و 102 و 130 و 167 و 341) و (1/ 146 و 298 و 300) و (7/ 168) و (8/ 20 و 25 و 67 و 84 و 94 و 95 و 116 و 251 و 233 و 256) و (9/ 53 و 74 و 80 و 86 و 254 و 292) و (10/ 33 و 47 و 106 و 125 و 238 و 323).
فإن سلم المقدام من عهدته، فابن لهيعة: ضعيف مدلس، وقد عنعنه.
• وحديث العمري هذا قد روي بعضه من حديث خولة بنت حكيم الأنصارية، ومن حديث أنس بن مالك، والذي أشار إليه عبد الحق وصحح إسناده.
1 -
أما حديث خولة:
فيرويه علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن خولة بنت حكيم: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: "ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أنه ليس على الرجل غسل حتى ينزل".
أخرجه ابن ماجه (602)، وأحمد (6/ 409)، وإسحاق (5/ 44/ 2147)، وابن سعد (8/ 158)، وابن أبي شيبة (1/ 80/ 880)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 59/ 3266)، والطبراني في الكبير (24/ 240 و 241/ 612 و 613)، وفي الأوسط (1/ 204/ 652)، وابن شاهين في الناسخ (25).
• خالفه في متنه فلم يذكر شأن الرجل:
عطاء بن أبي مسلم الخراساني، فرواه عن سعيد بن المسيب، عن خولة بنت حكيم، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم في منامها؟ فقال: "إذا رأت الماء فلتغتسل".
أخرجه النسائي (1/ 115/ 198)، والدارمي (1/ 214/ 762)، وأحمد (6/ 409)، وابن أبي عاصم من الآحاد والمثاني (6/ 58/ 3264 و 3265)، والطبراني في الكبير (24/ 240/ 610 و 611)، وفي مسند الشاميين (3/ 323/ 2405 و 2406)، وابن عدي في الكامل (5/ 360)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 206)، وفي معرفة، الصحابة (8/ 3306/ 7597)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 202).
رواه عن عطاء: شعبة، وإسماعيل بن عياش، واللفظ لشعبة، والمعنى واحد.
وعلى هذا فإن زيادة ابن جدعان: "كما أنه ليس على الرجل غسل حتى ينزل": زيادة منكرة، لم يأت بها عطاء في حديثه، وعطاء الخراساني أثبت وأضبط من علي بن زيد، فإن عطاء: صدوق، تكلم في حفظه، والجمهور على توثيقه [راجع الحديث المتقدم برقم (226)]، بخلاف علي بن زيد بن جدعان، فإنه: ضعيف، ضعفه الجمهور، والواقع هنا يؤيد ذلك فإن رواية عطاء الخراساني موافقة لرواية الثقات من حديث: أنس، وأم سلمة، وعائشة، بخلاف رواية ابن جدعان.
وحديث خولة بنت حكيم -من رواية عطاء الخراساني-: حديث حسن.
وعلى هذا فلا يقال إذن بأن حديث خولة بنت حكيم شاهد لحديث عائشة من رواية العمري، لنكارة الزيادة موضع الشاهد، والله أعلم.
وانظر في الاختلاف في حديث خولة: علل الدارقطني (15/ 430/ 4124).
2 -
وأما حديث أنس بن مالك:
الذي عناه عبد الحق الإشبيلي وابن القطان:
فهو ما رواه محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم، وعنده أم سلمة، فقالت: المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم، فضحكت النساء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم منتصرًا لأم سليم:"بل أنت تربت يداك، إن خيركن التي تسأل عما يعنيها، إذا رأت [المرأة] الماء فلتغتسل"، قالت أم سلمة: و [هل] للنساء [من] ماء؟ يا رسول الله! قال: "نعم، فأنى يشبههن الولد، إنما من شقائق الرجال".
أخرجه الدارمي (1/ 215/ 764)، وأبو عوانة في صحيحه (1/ 244/ 832)، والبزار في مسنده (13/ 74/ 6418).
قال البزار: "وهذا الحديث قد رواه جماعة عن أنس، ولا نعلم أحدًا جاء بلفظ إسحاق".
قلت: محمد بن كثير هذا: صاحب الأوزاعي إلا أنه لم يكن يفهم الحديث، وهو صدوق كثير الغلط، وهو ضعيف الحديث في معمر خاصة [التهذيب (3/ 682)، الميزان (8/ 14)، الجامع في الجرح والتعديل (3/ 71)، السير (10/ 380)، تاريخ دمشق (55/ 118)، الجرح (8/ 69)، الثقات (9/ 70)، الكامل (6/ 254)، ضعفاء العقيلي (4/ 128)، العلل ومعرفة الرجال (5109)، سؤالات البرذعي (499)].
• خالفه: أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [ثقة]، والوليد بن مسلم [ثقة ثبت في الأوزاعي]، ويحيى بن عبد الله [البابلتي، وهو: ضعيف]:
رووه عن الأوزاعي، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن
جدته أم سليم، قالت: وكانت مجاورة أم سلمة زوج النبي يأكل صلى الله عليه وسلم فكانت تدخل عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سليم: يا رسول الله أرأيت إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام، أتغتسل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم، فضحكت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سليم: إن الله لا يستحي من الحق، وإنا إن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل علينا خير من أن نكون منه على عمياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة:"بل أنت تربت يداك، نعم يا أم سليم! عليها الغسل إذا وجدت الماء"، فقالت أم سلمة: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فأنى يشبهها ولدها، من شقائق الرجال". لفظ أبي المغيرة.
هكذا لم يذكروا في إسناده أنس بن مالك.
أخرجه أحمد (6/ 377)، وذكره الدارقطني في العلل (12/ 9/ 2342).
وهذا هو المحفوظ عن الأوزاعي: مرسل [انظر: المراسيل (36)، جامع التحصيل (170)، تحفة التحصيل (25)].
• وقد اختلف فيه على إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة:
أ- فرواه الأوزاعي في المحفوظ عنه: عن إسحاق، عن جدته أم سليم به هكذا مرسلًا، وتقدم.
• وتابعه على إرساله: يحيى بن أبي كثير، وحسين المعلم، وهمام بن يحيى [وهم: ثقات، لا سيما يحيى بن أبي كثير، فإنه: ثقة ثبت إمام]:
فرووه عن إسحاق، أن أم سليم [أو: عن جدته] به.
أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (121)، وذكره الدارقطني في العلل (12/ 9/ 2342).
قال أبو نعيم: حدثنا شيبان النحوي، عن يحيى بن أبي كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: قالت أم سلمة [كذا، وإنما هي أم سليم]: يا رسول الله ما تقول في المرأة ترى في المنام ما يرى الرجل؟ قال: "إذا رأت الماء فلتغتسل".
وهذا إسناد صحيح إلى إسحاق.
ب- خالف الجماعة فوصله: عكرمة بن عمار، قال: قال إسحاق بن أبي طلحة: حدثني أنس بن مالك، قال: جاءت أم سليم [وهي جدة إسحاق] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له، وعائشة عنده: يا رسول الله! المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه؟ فقالت عائشة: يا أم سليم! فضحكت النساء، تربت يمينك، فقال لعائشة:"بل أنت، فتربت يمينك، نعم، فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك".
أخرجه مسلم (310)، وأبو عوانة (1/ 243/ 831)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 363/ 704)، والدارقطني في العلل (9/ 12 - 10/ 2342).
من طريق: عمر بن يونس الحنفي، قال: حدثنا عكرمة به.
وهذا إسناد صحيح متصل، لا مطعن فيه، وعكرمة بن عمار، إنما تكلم في روايته عن يحيى بن أبي كثير خاصة، فإن روايته عنه مضطربة، وهو ثقة في غيره، وإن كان ثمة شيء أخطأ فيه في هذه الرواية فإنما هو جعله الرادة على أم سليم: عائشة رضي الله عنها، والمحفوظ من حديث أنس أنها: أم سلمة، لا سيما وفي رواية الأوزاعي ما يرجح ذلك لقوله عن أم سليم: وكانت مجاورة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تدخل عليها.
فإن قيل بأن عكرمة بن عمار لم يسمع من إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة هذا الحديث [مع كونه قد صرح بالسماع منه في أحاديث أخرى. انظر مثلًا: صحيح مسلم (285 و 2507 و 2603 و 2747)] وعكرمة موصوف بالتدليس فلعله دلسه، حيث قال: قال إسحاق.
فيقال: لم يظهر من طرق الحديث أنه دلس هذا الحديث عن إسحاق، ثم هو قد صرح بالسماع في بعض طرق هذا الحديث بعينه، كما عند أبي عوانة في صحيحه:"قال: ثنا إسحاق"، فانتفت شبهة تدليسه.
• لكن أبا حاتم والدارقطني ذهبا إلى خلاف ما ذهب إليه مسلم، فقد رجحا رواية الجماعة المرسلة على رواية عكرمة بن عمار الموصولة:
قال أبو حاتم في العلل (1/ 62/ 163): "إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أم سليم: مرسل، وعكرمة بن عمار روى عن إسحاق عن أنس: أن أم سليم، وحديث الأوزاعي: أشبه مرسل من الموصَّل" كذا في نسخة التيمورية، وفي نسخة دار الكتب المصرية:"أشبه مرسل من الموصول".
قال ابن عبد الهادي في شرح العلل ص (210): "وحديث الأوزاعي أشبه مرسل من الموصل، كذا قال، والصواب أن يقال: أشبه من الموصول، وحديث الأوزاعي عن إسحاق: لم يخرجه أحد من الأئمة السنة، وحديث عكرمة: انفرد به مسلم عن الجماعة، والله أعلم".
كذلك فقد ذهب الدارقطني في العلل (12/ 9/ 2342) إلى ترجيح الرواية المرسلة على الموصولة، فقال:"والمرسل أشبه بالصواب".
وبناء على ما تقدم، فإن حديث:"هن شقائق الرجال" يعنى: النساء: محفوظ من حديث الأوزاعي عن إسحاق عن جدته أم سليم مرفوعًا، وفي سنده انقطاع، وهو منكر من حديث العمري.
• ولحديث أنس طرق أخرى، منها ما رواه:
1 -
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: أن أنس بن مالك حدثهم: أن أم سليم حدثت: أنها سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم[كذا في رواية عن يزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان، وجاء عنهما أيضًا، وعن عبد الأعلى، وابن أبي عدي، ويزيد بن هارون، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن بكر: سبعتهم عن سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن أمه أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا
من مسند أنس، وهي رواية الجماعة. وانظر: تحفة الأشراف (1/ 310) و (13/ 84)، النكت الظراف (1/ 311)]، عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل"، فقالت أم سليم [كذا عند مسلم، والصواب: أم سلمة، وسيأتي بيانه، واستحييتُ من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فمن أين يكون الشبه، إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فإن أيهما علا -أو: سبق- يكون منه الشبه".
أخرجه مسلم (311)، وأبو عوانة (1/ 243/ 829 و 835)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 363 - 364/ 705)، والنسائي في المجتبى (1/ 112 و 115 - 116/ 951 و 200)، وفي الكبرى (1/ 153 و 154 - 155/ 200 و 204) و (8/ 9028/221 و 9029)، وابن ماجه (601)، وابن حبان (3/ 439 - 440/ 1164) و (14/ 62 و 63/ 6184 و 6185)، وأحمد (3/ 121 و 199 و 282)، وإسحاق (5/ 54/ 2159)، وابن أبي شيبة (1/ 80/ 879)، والبزار (13/ 389/ 7076)، وأبو يعلى (5/ 299 و 426 و 451/ 2920 و 3116 و 3164)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3506/ 7942)، وابن حزم (2/ 5)، والبيهقي (1/ 169)، وابن عبد البر في التمهيد (3/ 511)، وفي الاستذكار (1/ 292).
• تنبيهات:
الأول: كذا وقع عند مسلم، وفي بعض المصادر:"قالت أم سليم"، فكانت هي الرادة على نفسها، المنكرة على قولها، فلا يستقيم بذلك المعنى.
قال المازري: "قال بعضهم: كذا وقع في أكثر النسخ [يعني: نسخ مسلم]: "فقالت أم سليم"، وغُيِّر في بعض النسخ فجُعل: "فقالت أم سلمة" مكان أم سليم، والمحفوظ من طرق شتى: "فقالت أم سلمة".
قال القاضي عياض: وهو الصواب؛ لأن السائلة هي أم سليم، والرادة عليها هي أم سلمة في هذا الحديث، أو عائشة في الحديث الآخر، ويحتمل أن عائشة وأم سلمة كلتاهما أنكرتا عليها، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم كل واحدة بما أجابها، وإن كان أهل الحديث يقولون: إن الصحيح هنا: أم سلمة، لا عائشة" [إكمال المعلم (2/ 149 - 150)، ونقله النووي في المنهاج (3/ 221)].
قلت: قد رواه البيهقي من نفس طريق مسلم من طريق العباس بن الوليد النرسي، عن يزيد بن زريع به، فقال:"فقالت أم سلمة".
وكذا قال الجماعة: عبدة بن سليمان، وعبد الأعلى، وابن أبي عدي، ويزيد بن هارون، ومحمد بن بكر، ومحمد بن جعفر، وقال الأخير: "فقالت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
فلا شك أن رواية مسلم: "فقالت أم سليم": وهم.
وأما ما وقع من ذلك في مسند أبي يعلى فما أراه إلا من الناسخ أو من الطابع.
التنبيه الثاني: قوله: "فمن أيهما علا -أو: سبق- يكون منه الشبه" الشك فيه من سعيد بن أبي عروبة، رواه عنه الجماعة هكذا بالشك، وفي رواية عبد الأعلى عند أحمد (3/ 199): قال سعيد: نحن نشك.
التنبيه الثالث: قال يحيى بن سعيد القطان: كان شعبة يقول في حديث قتادة عن أنس: حديث أم سليم: في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل: ليس بصحيح، وينكره، وفي رواية: كأنه يرى أنه عن عطاء الخراساني.
أسنده عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 222/ 4966)، وابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (1/ 157 - 158).
قلت: لم تظهر لي علة لهذا الحديث، ولم أر عطاء بن مسلم الخراساني رواه فيما وقفت عليه من مصادر، وقد روى هذا الحديث عن ابن أبي عروبة جماعة ممن روى عنه قبل الاختلاط، مثل: يزيد بن زريع، وعبدة بن سليمان، ويزيد بن هارون، وعبد الأعلى السامي، وغيرهم، وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين، ما أعلم له علة.
ويكفي في الاحتجاج به: تصحيح الإمام مسلم له، وتابعه على تصحيحه: أبو عوانة، وابن حبان، واحتج به النسائي في صحاحه، ولم يذكر فيه اختلافًا.
وأما إن أراد شعبة ما رواه هو عن عطاء الخراساني عن ابن المسيب عن خولة بنت حكيم، فلا يُعلُّ هذا بهذا.
2 -
صالح بن عمر، قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أنس بن مالك، قال: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه؟ فقال: "إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل".
أخرجه مسلم (312)، وأبو عوانة (1/ 244/ 833 و 834)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 364/ 706)، والبزار (14/ 49/ 7484)، والبيهقي (1/ 168).
• هذا ما صح عن أنس، وله أسانيد أخرى لا تصح، انظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 283/ 1093)، مسند البزار (14/ 75/ 7536)، المعجم الأوسط للطبراني (8/ 187/ 8355)، الكامل (3/ 384)، جزء أبي الطاهر (20)، الموضع (2/ 129)، الفقيه والمتفقه (1/ 177).
• والخلاصة: فإن حديث أنس: حديث صحيح، لكن بطريقيه الأخيرين في شأن ماء المرأة، وقياسها على الرجل في الغسل من الاحتلام، وأما حديث عبد الله العمري، فإنه وإن كان ضعيفًا؛ إلا أن ما دل عليه صحيح.
أما سؤال أم سليم: فقد صح من حديث أنس.
وأما السؤال عن الرجل يجد البلل، ولا يذكر احتلامًا، أو: الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ فهذا الذي انفرد به العمري من حديث عائشة، ولم يرو أيضًا من حديث أنس، ولا من حديث أم سلمة، صريحًا.
لكن دلت الأحاديث الصحيحة: حديث أنس وأم سلمة وعائشة، على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاس المرأة على الرجل، ففي سؤال أم سليم: المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، أتغتسل؟ ثم جواب النبي صلى الله عليه وسلم لها بأنها تغتسل إذا رأت الماء فقط، فهذا هو معنى كون الرجل يجد البلة في ثيابه إذا استيقظ من النوم، فإن كان ذكر احتلامًا فالأحاديث قاضية بوجوب اغتساله، وأما إذا لم يذكر احتلامًا ففيه تفصيل يأتي ذكره.
ثم تعليق النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الغسل برؤية الماء؛ دليل على أن الرجل والمرأة كلاهما إذا ذكرا احتلامًا ولم يريا أثرًا في ثيابهما فلا غسل عليهما.
ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس -الرواية الثانية-: "إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل": ظاهر في قياس المرأة على الرجل في هذا الباب، وأن كلًّا منهما إذا رأى الماء مع ذكر الاحتلام فقد وجب عليه الغسل، وإذا ذكر احتلامًا ولم ير أثرًا فلا غسل عليه.
ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: "هن شقائق الرجال"[أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع، فكأنهن شُققن من الرجال. معالم السنن (1/ 68)]: ظاهر أيضًا في التسوية بين الرجل والمرأة في حكم هذه المسألة، لكن هذا يبنى على ثبوت الحديث، وفي ثبوته نظر، لكونه لا يحفظ إلا من حديث أم سليم، وفي سنده انقطاع.
وأما ما جاء في حديث العمري: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا؟ قال: "يغتسل"، فلو صح هذا لكان فصلًا في المسألة، وإنما نقول بإيجاب الغسل عليه إذا ذكر احتلامًا لما دل عليه ما صح من الأحاديث، مثل: حديث أم سلمة [الآتي ذكره]: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: "نعم؛ إذا رأت الماء"؛ فحصل تعليق الحكم هنا بوقوع أمرين معًا، وهما ذكر الاحتلام، ورؤية الماء، فإذا تخلف أحدهما لم يلزم الحكم حينئذ كما هو مقرر في الأصول.
لكن يمكن أن نقول: إذا لم يكن ثم سبب لنزول هذا الماء قبل النوم، فلا يمكن وجوده إذًا إلا في حال النوم بالاحتلام، ولو استدل مستدل حينئذ بأثر عمر وعثمان، لكان جيدًا، فإن أحدًا منهما لم يذكر أنه احتلم، ففي قول عمر:"احتلمت وما شعرت، وصليت وما اغتسلت" ما يدل على أنه لم يذكر احتلامًا، ثم رأى في ثيابه أثر الماء الدافق، ولم يعلم وجود سبب قبل النوم يقتضي نزوله، فقام واغتسل وغسل أثر الماء من ثيابه، وأعاد الصلاة.
قال الترمذي بعد حديث العمري في الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين: إذا استيقظ الرجل فرأى بلة: أنه يغتسل، وهو قول سفيان الثوري وأحمد.
وقال بعض أهل العلم من التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول الشافعي وإسحاق.
وإذا رأى احتلامًا، ولم ير بلة: فلا غسل عليه عند عامة أهل العلم".
وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 83): "أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على: أن الرجل إذا رأى في نومه أنه احتلم أو جامع ولم يجد بللًا أنه لا غسل عليه"، وقال نحوه في الإجماع (35).
ثم قال بعد ذكر مذاهب العلماء فيمن وجد بلة (2/ 86): "فإن رأى بللًا، فإن أيقن أنه بلة نطفة اغتسل، وإن علم أنه مذي أو غيره بعد أن يعلم أن البلة ليست ببلة نطفة، لم يجب عليه الاغتسال، والأحوط له إذا شك فلم يدر بلة نطفة أو مذي: أن يغتسل، فإن أمكنه التمييز بينها بشم كما قال قتادة فعل، فإن رائحة نطفة الرجل يشبه رائحة الطلع".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 68): "ظاهر هذا الحديث يوجب الاغتسال إذا رأى البلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق.
وروي هذا القول عن جماعة من التابعين، منهم: عطاء والشعبي والنخعي، وقال أحمد بن حنبل: أعجب إلي أن يغتسل إلا رجلًا به إِبرِدة.
وقال أكثر أهل العلم: لا يجب عليه الاغتسال حتى يعلم أنه بلل الماء الدافق، واستحبوا أن يغتسل من طريق الاحتياط.
ولم يختلفوا: أنه إذا لم ير الماء وإن كان رأى في النوم أنه قد احتلم فإنه لا يجب عليه الاغتسال".
وقال البغوي نحوه في شرح السُّنَّة (1/ 340).
وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 510): "وفي إجماع العلماء على: أن المحتلم رجلًا كان أو امرأة إذا لم ينزل، ولم يجد بللًا، ولا أثر للإنزال: أنه لا غسل عليه، وإن رأى الوطء والجماع الصحيح في نومه، وأنه إذا أنزل فعليه الغسل، امرأة كان أو رجلًا، وأن الغسل لا يجب في الاحتلام إلا بالإنزال: ما يغني عن كل تأويل وتفسير، وبالله التوفيق".
وقال مالك: "من انتبه من نومه فرأى بللًا على فخذيه أو في فراشه.
قال: ينظر فإن وإن مذيًا توضأ، ولم يكن عليه الغسل، وإن كان منيًّا اغتسل.
قال: والمذي في هذا يعرف من المني.
قال: وهو بمنزلة الرجل في اليقظة إذا لاعب امرأته إن أمذى توضأ، وإن أمنى اغتسل.
قال: وقد يكون الرجل يرى في منامه أنه يجامع فلا يمني ولكنه يمذي، وهو في النوم مثل من لاعب امرأته في اليقظة.
قال: وقد يكون الرجل يرى في منامه أنه يجامع في منامه فلا ينزل، وليس الغسل إلا من المني.
وقال: والمرأة في هذا بمنزلة الرجل في المنام في الذي يرى" [المدونة (1/ 31)].
وقال الشافعي: "ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل، لم يجب عليه الغسل حتى يستيقن بالإنزال، والاحتياط أن يغتسل"[الأم (2/ 82)].
وقال أبو يوسف: "لا غسل عليه حتى يستيقن أنه قد احتلم"[المبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني (1/ 49)].
وقال ابن رجب في شرح حديث أم سلمة في صحيح البخاري [فتح الباري (1/ 341)]: "فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن للمرأة ماء كما للرجل، وأنها إذا رأت الماء في نومها باحتلام فإنه يجب عليها الغسل منه، وفي ذلك تنبيه على أن الرجل كذلك، وأنه إذا رأى حلمًا ورأى الماء أنه يلزمه الغسل، وهذا مما لا اختلاف فيه بين العلماء
…
قال: ولو رأى الرجل والمرأة بللًا ولم يذكرا احتلامًا، فإن كانت أوصاف المني موجودة فيه لزمه الغسل، وإن احتمل أن يكون منيًّا وأن يكون مذيًا وغير ذلك ففيه قولان:
أحدهما: عليه الغسل، حكاه الترمذي في كتابه عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وعن سفيان وأحمد.
وممن روي عنه أنه قال: يغتسل: ابن عباس، وعطاء، والشعبي، والنخعي، وهو قول أبي حنيفة، وظاهر مذهب أحمد؛ إلا أنه استثنى من ذلك: أن يكون ثم سبب يقتضي خروج غير المني، مثل أن يكون قد سبق منه ملاعبته لأهله، أو فكر قبل نومه، أو يكون به إبردة فخرج منه بلل بسببها، فلم يوجب الغسل في هذه الصور؛ لأن إحالة البلل الخارج على السبب الموجود المعلوم أولى من إحالته على سبب موهوم.
فإن لم يوجد شيء من هذه الأسباب لزمه الغسل؛ لأن خروج المني من النائم بالاحتلام هو الأغلب، فيحال البلل عند الشك عليه دون المذي وغيره؛ لأن خروج ذلك في النوم أندر، ولأن ذمته قد اشتغلت بطهارة قطعًا ولا يتيقن، بل ولا يغلب على الظن صحة صلاته بدون الإتيان بطهارة الوضوء والغسل، فلزمه ذلك.
والقول الثاني: لا غسل عليه بذلك حتى يتيقن أنه مني، وهو قول: مجاهد، وقتادة، والحكم، وحماد، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي يوسف؛ لأن الأصل الطهارة، فلا يجب الغسل بالشك.
والقول الأول أصح.
…
ورجح هذا القول طائفة من محققي الشافعية أيضًا.
وأما إن رأى الرجل والمرأة احتلامًا، ولم ير بللًا فلا غسل عليه، كما دل عليه هذا الحديث الصحيح [يعني: حديث أم سلمة الآتي]، وحكاه الترمذي عن عامة أهل العلم، وحكاه ابن المنذر إجماعًا عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم،
…
".
وانظر أيضًا: بدائع الفوائد (520)، وفيه كلام جيد فليراجع، المغني (1/ 201)، الإنصاف (1/ 222)، شرح السُّنَّة (1/ 340).
***