المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌105 - باب في إتيان الحائض - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٣

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌النوم مظنة للحدث

- ‌80 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله

- ‌81 - باب من يحدث في الصلاة

- ‌82 - باب في المذي

- ‌83 - باب في الإكسال

- ‌84 - باب في الجنب يعود

- ‌85 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

- ‌86 - باب في الجنب ينام

- ‌87 - باب الجنب يأكل

- ‌88 - باب من قال: يتوضأ الجنب

- ‌89 - باب في الجنب يؤخِّر الغسل

- ‌90 - باب في الجنب يقرأ القرآن

- ‌قراءة الجنب والحائض للقرآن

- ‌91 - باب في الجنب يصافح

- ‌92 - باب في الجنب يدخل المسجد

- ‌لبث الحائض في المسجد

- ‌93 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ

- ‌94 - باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه

- ‌95 - باب في المرأة ترى ما يرى الرجل

- ‌ 990).***96 -باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل

- ‌97 - باب في الغسل من الجنابة

- ‌98 - باب في الوضوء بعد الغسل

- ‌99 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌100 - باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك

- ‌(1/ 446).***101 -باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

- ‌(1/ 274).***102 -باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

- ‌103 - باب في الحائض تُناوِل من المسجد

- ‌(1/ 419).***104 -باب في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌105 - باب في إتيان الحائض

- ‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

- ‌107 - باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌108 - باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

- ‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌110 - باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

- ‌111 - باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا

- ‌(1/ 241/ 906).***112 -باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر

الفصل: ‌105 - باب في إتيان الحائض

• وفي الباب:

1 -

عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا:

والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" متفق عليه [البخاري (304)، مسلم (80)]، راجع شرح مسلم.

2 -

عن عائشة:

أن فاطمة بنت أبي حبيش

حديث الاستحاضة وفيه: "فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة" متفق عليه [البخاري (228)، مسلم (333)]، ويأتي تخريجه برقم (282 و 283).

• فهذان الحديثان: نص في إسقاط فرض الصلاة عن الحائض حال حيضها.

وحديث الباب: نص في إسقاط القضاء.

• فائدة: من فوائد جمع الطرق لهذا الحديث: تبين أن المرأة التي سألت عائشة هي نفسها معاذة راوية الحديث؛ فقد صرحت بذلك في رواية عاصم الأحول، ويزيد الرشك عنها، وكَنَت عن نفسها في رواية أبي قلابة، وقتادة عنها.

***

‌105 - باب في إتيان الحائض

264 -

. . . شعبة: حدثني الحكم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض - قال:"يتصدق بدينار، أو نصف دينار".

قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة؛ قال: "دينار أو نصف دينار"، وربما لم يرفعه شعبة.

• هذه الرواية: وهم، والصواب: موقوف على بن عباس بإسناد صحيح.

أخرجه هكذا من طريق شعبة: أبو داود هكذا هنا في الطهارة (264). وأعاده في النِّكَاح (2168)[وانظر: حاشية عوامة (3/ 57/ 2161)]، والنسائي في المجتبى (1/ 153 و 188/ 289 و 370)، وفي الكبرى (1/ 181 - 182/ 278) و (8/ 229/ 9050)، وابن ماجة (640)، وابن الجارود (108)، والحاكم (1/ 171 - 172)، وأحمد (229/ 1 - 230 و 286)، وابن أبي شيبة (3/ 88/ 12373)، وابن المنذر (2/ 212/ 799)، والطبراني في الكبير (11/ 302/ 12066)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 314)، وفي المعرفة (5/ 327/ 4208)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 72)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 252/ 296).

قال الإمام أحمد: "ولم يرفعه عبد الرحمن ولا بهز".

وقال ابن المنذر: "وهذا خبر قد تكلم في إسناده، رواه بعضهم عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ص: 254

وقال الإمام الشافعي: "ولو أتى رجل امرأته حائضًا أو بعد تولية الدم، ولم تغتسل؛ فليستغفر الله، ولا يعد حتَّى تطهر وتحل لها الصلاة، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتًا أخذنا به، ولكنه لا يثبت مثله"[الأم (6/ 439 - ط دار الوفاء). السنن الكبرى للبيهقي (1/ 319)، وعزاه له في كتاب أحكام القرآن، المعرفة (5/ 327)، وقال بأن الشافعي إنما أراد هذا الحديث، أعني: حديث شعبة هذا].

وقال البيهقي في السنن الكبرى بعدما أخرجه من طريق النضر بن شميل، عن شعبة به مرفوعًا: "وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن شعبة، ورواه عفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، عن شعبة: موقوفًا على ابن عباس

[ثم أخرجه من طريقيهما ثم قال:] وكذلك رواه مسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمر الحوضي، وحجاج بن منهال، وجماعة، عن شعبة: موقوفًا على ابن عباس، وقد بيَّن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة أنَّه رجع عن رفعه بعدما كان يرفعه

[ثم أخرجه من طريقه ثم قال:] فقد رجع شعبة عن رفع الحديث، وجعله من قول ابن عباس".

وقال البيهقي في المعرفة بعدما أخرجه من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة، به مرفوعًا، وحكى قول أبي داود قال:"وهو كما قال، فقد رواه عفان وجماعة عن شعبة موقوفًا، ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة موقوفًا، ثم قال: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعه، قال: إني كنت مجنونًا فصححت، فرجع عن رفعه بعدما كان يرفعه".

• وقد ضعَّف الإمام أحمد هذا الحديث في رواية الخلال، وأبي داود:

أما رواية الخلال فقال فيها: الو صح الحديث كنا نرى عليه الكفارة، قيل له: في نفسك منه شيء؟ قال: نعم لأنَّه من حديث فلان، أظنه قال: عبد الحميد" [شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي (3/ 914)، حاشية ابن التركماني على سنن البيهقي (1/ 318 - 319)، المغني لابن قدامة (1/ 351)].

وأما رواية أبي داود فقال: "سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: ما أحسن حديث عبد الحميد فيه، قلت: فتذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة، قلت: فدينار أو نصف دينار؟ قال: كيف شئت"[مسائل أبي داود للإمام أحمد (177)، التمهيد (2/ 80)].

وقوله: "ما أحسن حديث عبد الحميد فيه": ليس تحسينًا للحديث أو تصحيحًا له، وإنما هو استغراب للحديث وتضعيف له، فقد قال الإمام أحمد لما سئل عن التسمية في الوضوء؟ قال: "أحسن شيء فيه حديث ربيح

"، وقال أيضًا: "أحسن ما يروى في هذا حديث كثير بن زيد"، ثم هو قد ضعفه فقال: "لا أعلم فيه حديثًا يثبت، أقوى شيء فيه: حديث كثير بن زيد عن ربيح، وربيح رجل ليس بمعروف" [راجع تخريج حديث التسمية على الوضوء برقم (55)، في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 103)].

وقال في العلل ومعرفة الرجال برواية المروذي (3): "ليس أحد أثبت ولا أعرف

ص: 255

بحديث ثابت من حماد، ثم قال: قلت: معمر؛ قال: ومعمر حسن الحديث عن ثابت".

ومن المعلوم أن معمر بن راشد: ضعيف في ثابت البناني، ضعفه فيه: ابن معين، وعلي بن المديني، والعقيلي [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 691 و 804)].

• ومعلوم أن المحدثين كانوا يعبرون عن المناكير بلفظ الحسن [انظر: الجامع لأخلاق الراوي (2/ 101/ 1295 و 1296) وغيره].

ويطلقون الحسن على الغريب والمنكر كثيرًا؛ وهذا منها بدليل ما رواه الخلال، وبذا تتفق الروايتان، وأن الإمام أحمد قد ضعف الحديث، ثم إن عمله به بعد ذلك لا يعني تصحيحه، فمعلوم من مذهبه أنَّه يعمل بالضعيف ويقدمه على القياس، وكذا يعمل بقول الصحابي إذا لم يجد ما يعارضه؛ وهذا منه فإن الحديث موقوف على ابن عباس، صحيح عنه من قوله.

ومما يؤكد هذا المعنى الَّذي ذهبتُ إليه في تفسير كلام الإمام أحمد في رواية أبي داود: أن أبا داود سأله بعد استحسانه للحديث، فقال: فتذهب إليه؟ قال: "نعم، إنما هو كفارة"، فهذا تعليل لعمله بالحديث مع ضعفه عنده، ولو كان صحيحًا لما احتاج إلى هذا التعليل، والله أعلم.

وقال أبو حاتم: "وأما من حديث شعبة: فإن يحيى بن سعيد أسنده، وحكى أن شعبة قال: أسنده في الحكم مرة، ووقفه مرة"[العلل (1/ 50/ 121)].

وقال عبد الحق الإشبيلي: "وهذا الحديث في الكفارة: لا يروي بإسناد يحتج به"[الأحكام الوسطى (1/ 210)].

وضعفه ابن حزم في المحلى (2/ 189) و (2/ 168).

• خالف هؤلاء الأئمة فصحح حديث شعبة هذا:

• الحاكم فقال: "هذا حديث صحيح، فقد احتجا جميعًا بمقسم بن نجدة، فأما عبد الحميد بن عبد الرحمن فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري: ثقة مأمونًا".

ثم أخرجه من طريق أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفًا، ثم قال:"قد أرسل هذا الحديث، وأوقف أيضًا، ونحن على أصلنا الَّذي أصلناه أن القول: قول الَّذي يسند ويصل إذا كان ثقة"، وسيأتي كان ما في حلامه من الوهم.

• وصححه ابن القطان، فقال في بيان الوهم (25/ 277/ 468): "فأما طريق أبي داود هذا فصحيح؛ فإن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: اعتمده أهل الصحيح، منهم البخاري ومسلم، ووثقه النسائي والكوفي [قلت: وابن خراش وابن أبي داود، وابن حبان، والحاكم. التهذيب (2/ 478)، ويحق له، فقد كان محمود السيرة في إمارته على الكوفة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، ضابطًا لما يرويه، ومن دونه في الإسناد لا يسأل عنهم.

ص: 256

وسيتكرر على سمعك من بعض المحدثين أن هذا الحديث في كفارة من أتى حائضًا: لا يصح، فلتعلم أنَّه لا عيب له عندهم إلا الاضطراب - زعموا -.

فممن صرح بذلك: أبو علي بن السكن، قال: هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه، ولا يصح مرفوعًا، لم يصححه البخاري، وهو صحيح من كلام ابن عباس. انتهى كلامه، فنقول له: الرجال الذين رووه مرفوعًا ثقات، وشعبة إمام أهل الحديث قد ثبت في رفعه إياه، فممن رواه عنه مرفوعًا: يحيى القطان - كما تقدم الآن، وناهيك به! -، ومحمد بن جعفر غندر -وهو أخص الناس بشعبة مع ثقته-.

ورواه سعيد بن عامر، عن شعبة، فقال فيه: عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس من قوله، ووقفه عليه.

ثم قال شعبة: أما حفظي فمرفوع، وقال فلان وفلان: إنه كان لا يرفعه، فقال له بعض القوم: يا أبا بسطام! حدثنا بحفظك ودعنا من فلان وفلان، فقال: والله ما أحب أنني حدثت بهذا، أو سكت، أو أني عمرت في الدنيا عمر نوح في قومه.

فهذا غاية التثبت منه، وهبك أن أوثق أهل الأرض خالفه فيه فوقفه على ابن عباس؛ كان ماذا؟ أليس إذا روى الصحابي حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له بل يجب عليه أن يتقلد مقتضاه، فيفتي به؟! هذا قوة للخبر، لا توهين له" انتهى كلام ابن القطان [وقد أكملت نقص المطبوع، وصححت بعض الكلمات من كتاب الإمام لابن دقيق العيد (3/ 263 و 264)، وشرح مغلطاي لسنن ابن ماجة (3/ 919)].

• وصححه أيضًا: ابن القيم، وابن دقيق العيد، وابن حجر، وأحمد شاكر، والألباني [انظر: الإمام (3/ 257)، الجوهر النقي (1/ 314)، شرح مغلطاي (3/ 914)، التلخيص الحبير (1/ 293)، تهذيب السنن (1/ 173)، جامع الترمذي بتحقيق أحمد شاكر (1/ 246)، صحيح سنن أبي داود للألباني (2/ 15)].

• قلت: قد اختلف في إسناد هذا الحديث على شعبة، وفي رفعه ووقفه:

1 -

فرواه يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر غندر، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، ووهب بن جرير، والنضر بن شميل، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف:

ستتهم [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب شعبة: يحيى بن سعيد القطان، وأطولهم له صحبة: غندر]، كلهم رواه عن شعبة به مرفوعًا. كما تقدم.

2 -

وخالفهم: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وسعيد بن عامر، وعفان بن مسلم، وسليمان بن حرب، وبهز بن أسد، وحجاج بن منهال، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وحفص بن عمر الحوضي:

تسعتهم [وهم ثقات، وفيهم من أثبت أصحاب شعبة: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو الوليد الطيالسي، وبهز بن أسد] كلهم: عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن

ص: 257

مقسم، عن ابن عباس - في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض - قال: يتصدق بدينار، أو بنصف دينار. هكذا موقوفًا على ابن عباس من قوله.

قال سعيد بن عامر [وهو ثقة مأمون]: قال شعبة: "أما حفظي فمرفوع، وقال فلان وفلان: إنه كان لا يرفعه، قال بعض القوم: يا أبا بسطام! حدثنا بحفظك، ودعنا من فلان، فقال: والله! ما أحب أني حدثت بهذا وسكت عن هذا، وأني عمرت في الدنيا عمر نوح في قومه".

وقال عبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت إمام حجة، من أثبت الناس في شعبة]: فقيل لشعبة: إنك كنت ترفعه! قال: "كنت مجنونًا فصححت".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 229/ 9051)، والدارمي (1/ 270/ 1106 و 1107)، وابن الجارود (109 و 110)، والطحاوي في المشكل (3/ 631 / 2226 - ترتيبه)، والبيهقي (1/ 314 - 315 و 315)، والخطيب في الكفاية (224).

قال البيهقي: "فقد رجع شعبة عن رفع الحديث".

• تنبيه: وقع الحديث من طريق سعيد بن عامر عند ابن الجارود (109) مرفوعًا وفيه: "عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وما أراها إلا وهمًا من أحد الرواة، والمحفوظ عن سعيد بن عامر: موقوف، كما عند النسائي والدارمي.

3 -

وخالف الجميع: يزيد بن زريع، فرواه عن شعبة: حدثنا الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم به مثله.

أخرجه الطحاوي في المشكل (3/ 630/ 2225 - ترتيبه)، قال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح: حدثنا بكر بن خلف: حدثنا يزيد بن زريع به.

قلت: وهذا الأخير وهم ظاهر، ولا أظنه من يزيد بن زريع، فإنه: ثقة ثبت، وبكر بن خلف: ثقة، لكن شيخ الطحاوي: يحيى بن عثمان بن صالح القرشي السهمي مولاهم أبو زكريا المصري: تكلموا فيه، كان يحدث من غير كتبه، فطعن فيه لأجل ذلك، وكان حافظًا للحديث [التهذيب (4/ 378)]، فالحمل فيه عليه في إسقاط عبد الحميد بن عبد الرحمن من الإسناد، والله أعلم.

• وأما الإسنادان الآخران، أعني المرفوع، والموقوف، فهما: محفوظان صحيحان عن شعبة، حدث بهما شعبة؛ إلا أنَّه أولًا كان يحدث بالمرفوع، ثم تبين له خطأ الرفع، فرجع عنه، وحدث به موقوفًا، كما بيّنت ذلك رواية سعيد بن عامر، ثم رواية عبد الرحمن بن مهدي.

وكلام أبي حاتم يفسر رواية سعيد بن عامر، وما قاله شعبة؛ إذ يقول أبو حاتم:"وأما من حديث شعبة: فإن يحيى بن سعيد أسنده، وحكى أن شعبة قال: أسنده لي الحكم مرة، ووقفه مرة".

وهذا يبين أن الوقف والرفع كان من قِبَل الحكم بن عتيبة نفسه؛ وقد تبين لشعبة خطأ الرفع فتركه، وتحول إلى الوقف.

ص: 258

قال البيهقي: "فقد رجع شعبة عن رفع الحديث، وجعله من قول ابن عباس".

• وعليه: فهو موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح؛ رجاله ثقات رجال الشيخين، غير مقسم بن بجرة، ويقال: ابن نجدة، لم يخرج له مسلم، وإنما أخرج له البخاري في صحيحه حديثًا واحدًا فقط في المغازي وفي التفسير، وهو من غرائب الصحيح [مقدمة الفتح ص (468)][الجرح والتعديل (2/ 750)].

ولا يعل به الحديث؛ كما قال ابن حزم في المحلى (2/ 189): "وأما حديث مقسم: فمقسم ليس بالقوي؛ فسقط الاحتجاج به"، وقال في موضع آخر (10/ 80):"ومقسم: ضعيف".

قلت: مقسم: وثقه أحمد بن صالح، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، والدارقطني، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث، لا بأس به"، وذكره البخاري في الضعفاء، وقال ابن سعد:"وكان كثير الحديث، ضعيفًا"، وقال الساجي:"تكلم الناس في بعض روايته"، وقال مهنا:"قلت لأحمد: من أصحاب ابن عباس؟ قال: ستة، فذكرهم، قلت: فمقسم؟ قال: دون هؤلاء"، فهو كما قال الذهبي وابن حجر: صدوق مشهور [التاريخ الكبير (8/ 33)، وقال: "سمع ابن عباس". الجرح والتعديل (8/ 414)، تاريخ أسماء الثقات (1418)، ثقات العجلي (1783)، طبقات ابن سعد (5/ 295 و 471)، التهذيب (4/ 147)، الميزان (4/ 176)، المغني (2/ 675)].

• فإن قيل: قد خالف ابن القطان الفاسي فيما نقول من رجوع شعبة عن رفعه فقال (5/ 279): "نظن أنَّه رضي الله عنه لما أكثر عليه في رفعه إياه، توقى رفعه؛ لا لأنَّه موقوف، ولكن إبعادًا للظنة عن نفسه.

وأبعد من هذا الاحتمال: أن يكون شك في رفعه في ثاني حال فوقفه؛ فإن كان هذا فلا نبالي بذلك أيضًا، بل لو نسي الحديث بعد أن حدث به لم يضره.

فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أن غيره من أهل الثقة والأمانة أيضًا قد رواه عن الحكم مرفوعًا - كما رواه شعبة فيما تقدم -؛ وهو عمرو بن قيس الملائي -وهو ثقة-؛ قال فيه عن الحكم ما قاله شعبة من رفعه إياه، إلا أن لفظه: فأمره أن يتصدق بنصف دينار، ولم يذكر: دينارًا، وذلك لا يضره، فإنه إنما حكى قضية معينة، قال فيه: واقع رجل امرأته وهي حائض؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بنصف دينار، ذكره النسائي رحمه الله تعالى، فهذه حال يجب فيها نصف دينار، وهو مؤكد لما قلناه: من أن دينارًا أو نصف دينار، إنما هو باعتبار حالين، لا تخيير ولا شك.

ورواه أيضًا مرفوعًا هكذا عن عبد الحميد بن عبد الرحمن المذكور: قتادة، وهو من هو، قال النسائي: أخبرنا خشيش بن أصرم، قال: حدثنا روح وعبد الله بن بكر، قالا: حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رجلًا غشي امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار.

ص: 259

إلا أن الأظهر في هذا أنَّه شك من الراوي في هذه القضية بعينها، فهذا شأن حديث مقسم، ولن نعدم عنه فيه وقفًا وإرسالًا؛ وألفاظًا أخر لا يصح منها شيء غير ما ذكرناه.

وأما ما روي فيه من خمس دينار، أو عتق نسمة: فما منها شيء يعول عليه، فلا يعتمد في نفسه، ولا يطعن به على حديث مقسم، فاعلم ذلك" انتهى كلام ابن القطان [وبعضه مكمل من الإمام (3/ 265 - 266)].

قلت: أما الاحتمال الأول: وهو أن شعبة فعل ذلك إبعادًا للظنة عن نفسه، لا لأنَّه موقوف في نفس الأمر، فقد رده ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 267)، فقال:"فهذا الفعل مختلف الحال، فإن اللفظ المحكي يقتضي أن ابن عباس قاله، فهذا عندي لا يجوز؛ لأنَّ الحديث إذا كان مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان ابن عباس راويًا له، وإذا وقف عليه بالصيغة التي ذكرناها [قلت: هو مروي مرفوعًا وموقوفًا بنفس الصيغة بدون أدنى اختلاف بينهما كما تقدم ذكره] انقلب المعنى إلى أن صار مفتيًا به، ولا يجوز أن ينسب إليه قول أو فتوى من غير تحقيق، إذ لا يلزم من الرواية لشيء وقوع الفتوى به، وإن كان اللفظ المحكي لا يصرح بنسبة القول إلى ابن عباس، فهذا محتمل، فعليك بتأمل ألفاظ رواية الوقف، وإجراء الأمر فيها على ما قلناه فيه، يظهر لك احتمال ما قاله ابن القطان أو الحكم بما قاله البيهقي".

قلت: لفظ الموقوف على ابن عباس كالمرفوع كلاهما فتوى؛ وعلى هذا فالقول ما قاله البيهقي من أن شعبة قد رجع عن الرفع إلى الوقف.

قال ابن دقيق العيد: "فإن ثبت أنَّه محكي عن ابن عباس قولًا وفتوى، فيتعين أن يكون رجوعًا كما ذكره البيهقي عن يقين، لا عن شك واحتياط على ما قدرناه

".

وأما الاحتمال الثاني: وهو أن شعبة شك بعدما كان متيقنًا من الرفع، فترده رواية عبد الرحمن بن مهدي، ويرده قول أبي حاتم: [وحكى أن شعبة قال: أسنده في الحكم مرة ووقفه مرة"، فلم يكن ذلك تحول من شعبة من حال اليقين إلى حال الشك.

وأما الاحتمال الثالث، فقد أبينا إلا أن يكون شعبة قد رجع عن رفعه:

• فمن رواه إذًا عن الحكم غير شعبة؟

1 -

رواه عمرو بن قيس الملائي [ثقة متقن، إلا أنَّه غريب عنه، قال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث عمرو بن قيس الملائي عن الحكم، تفرد به عمر بن شبيب، وروي عن إسماعيل بن زكريا، عن عمرو بن قيس" (3/ 328 / 2809 - أطرافه)، قلت: عمر بن شبيب: ضعيف؛ وإسماعيل بن زكريا الخلقاني: صدوق فيه لين، فهو غريب عن الملائي، كما قال الدارقطني]، وسفيان بن حسين [ثقة في غير الزهري]، ورقبة بن مصقلة [ثقة مأمون، إلا أن راويته: إبراهيم بن يزيد بن مردانبه: قال أبو حاتم: [شيخ يكتب حديثه، ولا يحتج به"، وروى له النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، التهذيب (1/ 93)، وهو مكثر عن رقبة كأنه راويته]، ومطر بن طهمان الوراق [صالح الحديث، ضعيف في

ص: 260

عطاء خاصة]، وليث بن أبي سليم [ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه، أو الراوي عنه: داود بن الزبرقان: متروك، كذبه الجورجاني]:

رواه خمستهم، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: واقع رجل امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بنصف دينار.

لفظ عمرو بن قيس، وقال سفيان بن حسين، ومطر الوراق، وليث:"يتصدق بدينار أو بنصف دينار"، ولفظ رقبة: "من أتى امرأته وهي حائض فليتصدق بدينار، أو بنصف دينار]، مرفوع كله.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 229 / 9052)، وابن طهمان في مشيخته (30)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1141 / 2459)، والطبراني في الكبير (11/ 317 / 12129 - 12133)، والدارقطني في الأفراد (3/ 328 - أطرافه)، والبيهقي (1/ 315)، والخطيب في التاريخ (5/ 34)، والرافعي في التدوين (1/ 465).

2 -

ورواه الأعمش [ثقة ثبت حافظ]، وأبو عوانة [ثقة ثبت متقن]، والأجلح [صدوق]، وأبو عبد الله الشقري سلمة بن تمام [صدوق]:

رواه أربعتهم، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، أنَّه سئل عن الَّذي يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: يتصدق بدينار، أو بنصف دينار. موقوف.

لفظ الأعمش، والشقري، وقال أبو عوانة:"يتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار"، وقال الأجلح:"يتصدق بنصف دينار"، وفي رواية:"إذا كان في فور الدم فدينار، وإذا كان في آخره فنصف دينار".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 229/ 9053)، والدارمي (1/ 271/ 1112)، وابن أبي شيبة (3/ 88/ 12375)، وابن المنذر (2/ 210/ 797)، والطحاوي في المشكل (3/ 631 و 632/ 2227 و 2228 - ترتيبه)، وابن عدي في الكامل (3/ 336)[وهو في التراجم الساقطة ص (101 - 102)]، والبيهقي (1/ 316).

3 -

ورواه الأشعث بن سوار [ضعيف]، عن الحكم، عن عكرمة، عن ابن عباس، في الرجل يقع على امرأته وهي حائض، قال:"يتصدق بدينار، أو بنصف دينار".

فوافق الثقات على وقفه، وخالفهم فجعل عكرمة بدل مقسم فوهم في ذلك.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 230/ 9054).

• والمحفوظ من هذا الاختلاف: ما رواه الأعمش وأبو عوانة، ومن تابعهما، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، موقوف.

وذلك لأنَّ الأعمش وأبا عوانة هما أحفظ من رواه عن الحكم بهذا الإسناد.

لكن هذه الرواية معلولة؛ فإن الحكم لم يسمع من مقسم هذا الحديث بعينه، بينهما فيه: عبد الحميد بن عبد الرحمن، بيَّن عوارها شعبة.

قال أبو حاتم: "لم يسمع الحكم من مقسم هذا الحديث"[العلل (1/ 50/ 121)].

ص: 261

وقال البيهقي: "هكذا رواه جماعة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم، وفي رواية شعبة، عن الحكم، دلالة على أن الحكم لم يسمعه من مقسم؛ إنما سمعه من عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مقسم".

وقال الطحاوي: "فوقفنا بذلك على أن الحكم لم يكن حدث شعبة بهذا الحديث عن مقسم سماعًا له منه، وعلى أنَّه إنما كان أخذه عن عبد الحميد عن مقسم، فدلس به".

• هذا هو الثابت في هذا الحديث على وجه الخصوص: أن الحكم لم يسمعه من مقسم، وإنما سمعه من عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس: موقوف.

وأما ما قاله الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/ 293): "إن هذا من جملة الأحاديث التي ثبت فيها سماع الحكم من مقسم"، اعتمادًا على ما رواه علي بن المديني، قال:"سمعت يحيى يقول: كان شعبة يقول: أحاديث الحكم عن مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث، قلت ليحيي: عدها شعبة؟ قال: نعم، قلت ليحيى: ما هي؟ قال: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزيمة الطلاق، وجزاء مثل ما قتل من النعم، والرجل يأتي امرأته وهي حائض، قال يحيى: والحجامة للصَّائم: ليس بصحيح".

رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 218/ 634)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (317)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 130).

بإسناد صحيح إلى ابن المديني.

فهذا النص؛ ظاهره أن الحكم سمع من مقسم هذا الحديث بعينه بلا واسطة بينهما.

لكن يعكر عليه ما رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 337) قال: "حدثني صاعقة محمد: قال علي بن المديني: قال يحيى: قال شعبة: سمع الحكم من مقسم أربع أحاديث: عزم الطلاق، والوتر، والصيد، وحديث القنوت قنوت عمر السورتين، وحديث الحائض، عن عبد الحميد، والباقي كتاب".

وصاعقة محمد بن عبد الرحيم: ثقة ثبت حافظ.

فهذا النص يبين أن الحكم إنما رواه عن عبد الحميد عن مقسم، فيوافق بذلك قول أبي حاتم والطحاوي والبيهقي.

ومما يؤكد هذا أن الإمام أحمد روى عنه ابنه عبد الله في العلل (1/ 536/ 1269)، قال: سمعت أبي يقول: "الَّذي يصحح الحكم [لعلها: للحكم] عن مقسم: أربعة أحاديث: حديث الوتر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر، وحديث عزيمة الطلاق: عن مقسم، عن ابن عباس، في عزيمة الطلاق

، والفيء الجماع، وعن مقسم، عن ابن عباس: أن عمر قنت في الفجر، هو حديث القنوت، وأيضًا: عن مقسم رأيه في محرم أصاب صيدًا، قال: عليه جزاؤه، فإن لم يكن عنده، قومٌ الجزاء دراهم، ثم تقوم الدراهم طعامًا".

قلت: فما روى غير هذا؟ قال: الله أعلم، يقولون: هي كتاب، أرى حجاجًا روى

ص: 262

عنه، عن مقسم، عن ابن عباس: نحوًا من خمسين حديثًا، وابن أبي ليلى يغلط في أحاديث من أحاديث الحكم".

وسمعت أبي مرة يقول: "قال شعبة: هذه الأربعة التي يصححها الحكم سماع من مقسم".

فلم يذكر الإمام أحمد فيما سمع الحكم من مقسم: حديث الَّذي يأتي امرأته وهي حائض، فهو عنده مما سمعه الحكم من عبد الحميد، عن مقسم، والله أعلم.

قال أبو داود: "وليس فيها مسند واحد"، قال ابن رجب:"يعني: كلها موقوفات"[شرح العلل (2/ 850)].

وانظر أيضًا في سماع الحكم من مقسم: التاريخ الأوسط (1/ 437 - 0 44)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 35/ 4052) و (3/ 93/ 4333)، جامع الترمذي (527 و 880)، الجرح والتعديل (1/ 139 و 158)، المعرفة والتاريخ (3/ 122)، مسند ابن الجعد (154 و 155 و 318 و 319 و 1917)، معرفة علوم الحديث (110)، السير (5/ 210)، شرح علل الترمذي (2/ 850)، جامع التحصيل (167)، تحفة التحصيل (81)].

• والخلاصة: أن المحفوظ: عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس: قوله، موقوف عليه.

والرواية الصحيحة فيه: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار"، كما قال أبو داود.

وبهذا يعلم أن مراد أبي داود ليس هو تصحيح الحديث مرفوعًا، كما زعم بعضهم لكن مراده كان أنَّه قد اختلف في متن هذا الحديث، والرواية الصحيحة هي هكذا، والله أعلم.

• وبما تقدم يظهر أن رواية عمرو بن قيس المرفوعة لا تصلح للاعتضاد بها لكونها شاذة، والمحفوظ: موقوف.

فسقط أيضًا هذا الوجه من كلام ابن القطان.

• وأما رواية قتادة: فيرويها عنه:

1 -

سعيد بن أبي عروبة، واختلف عليه:

أ - فرواه روح بن عبادة [ثقة، قدمه أبو حاتم على الخفاف وأبي زيد النحوي في ابن أبي عروبة، وقال أحمد: "وروح حديثه عنه صالح"، يعني: عن ابن أبي عروبة. التهذيب (1/ 615)، شرح العلل (2/ 744)]، وعبد الله بن بكر السهمي [ثقة، قدمه أحمد في ابن أبي عروبة على محمد بن بكر البرساني وغيره، وقال: "هو فوق هؤلاء". التهذيب (2/ 310)، شرح العلل (2/ 744)]، وعباد بن صهيب [متروك. اللسان (3/ 290)]:

رواه ثلاثتهم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رجلًا غشي امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار.

ص: 263

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 230/ 9055)، والطحاوي في المشكل (3/ 632/ 2230 - ترتيبه)، والبيهقي (1/ 315).

ج - خالفهم: عبدة بن سليمان [ثقة ثبت، أثبت الناس سماعًا من ابن أبي عروبة]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن، سمع من ابن أبي عروبة في الصحة والاختلاط، وقيل: سماعه كلُّه في الصحة إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة. شرح العلل]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة إلا أنَّه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا]، وأسباط بن محمد [ثقة، قدمه أحمد على الخفاف في ابن أبي عروبة، وقال: "لأنه سمع بالكوفة"]، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو أروى الناس عنه]، وغندر محمد بن جعفر [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد اختلاطه]:

رواه ستتهم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا غشي امرأته وهي حائض: أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار.

زاد عبد الأعلى السامي في روايته: "وكان قتادة يقول: إذا كان واجدًا فدينار، وإذا لم يجد فنصف دينار".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 230/ 9056)، والطوسي في مختصر الأحكام (118)، وأحمد (1/ 237 و 312 و 339)، والطحاوي في المشكل (3/ 632/ 2229 - ترتيبه)، والبيهقي (1/ 315).

وهذا هو المحفوظ عن ابن أبي عروبة: قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس: مرفوع.

حيث رواه عنه عبدة بن سليمان، وعبد الأعلى السامي، وهما ممن سمع منه قبل الاختلاط، وتابعهما: يزيد بن هارون، وعبد الوهاب الخفاف، وقد سمعا في الصحة والاختلاط، وتابعهم أيضًا: أسباط بن محمد، وغندر.

بخلاف الرواية الأُولى فرواتها ممن سمع بعد الاختلاط، والله أعلم.

2 -

عاصم بن هلال [ليس به بأس]، قال: حدثنا قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس بمثله، ولم يرفعه.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 230/ 9057).

فوافق ابن أبي عروبة في الإسناد والمتن؛ إلا أنَّه وقفه ولم يرفعه.

3 -

حماد بن الجعد الهذلي البصري [ضعيف]، عن قتادة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض؟ قال:"يتصدق بدينار، أو بنصف دينار".

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 218/ 635)، والطحاوي في المشكل (3/ 633/ 2231 - ترتيبه)، والطبراني في الكبير (11/ 302/ 12065)، وابن عدي في الكامل (2/ 245)، والبيهقي (1/ 315 - 316).

ص: 264

وهذه الزيادة في الإسناد: "عن الحكم، عن عبد الحميد": زيادة منكرة من حديث قتادة؛ خالف فيها حماد هذا سعيد بن أبي عروبة - في المحفوظ عنه -، وعاصم بن هلال.

وابن أبي عروبة من أثبت أصحاب قتادة، والقول قوله.

• وعليه: فالمحفوظ عن قتادة: عن مقسم، عن ابن عباس: مرفوع.

قال أبو زرعة الرازي: "حديث قتادة: عن مقسم، ولا أعلم قتادة روى عن عبد الحميد شيئًا، ولا عن الحكم"[العلل (1/ 51/ 122)].

يعني أبو زرعة: أن حديث قتادة إنما هو: عن مقسم، كما قال ابن أبي عروبة - في المحفوظ عنه -، وعاصم بن هلال، خلافًا لما ذهب إليه الطحاوي والبيهقي حيث رجحا رواية حماد بن الجعد - مع كونه ضعيفًا -، على رواية أثبت أصحاب قتادة: ابن أبي عروبة.

وهذا إسناد رجاله ثقات؛ إلا أن قتادة كثير الإرسال والتدليس، ولا يعرف له سماع من مقسم.

ولعله لذلك ختم النسائي الاختلاف عليه - أعني: على قتادة - بالرواية الموقوفة مرجحًا لها، والله أعلم.

***

265 -

قال أبو داود: حدثنا عبد السلام بن مُطهَّر: حدثنا جعفر -يعني: ابن سليمان-، عن علي بن الحكم البُنَاني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: إذا أصابها في أول الدم: فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم: فنصف دينار.

قال أبو داود: وكذلك قال ابن جريج، عن عبد الكريم، عن مقسم.

• إسناده ضعيف؛ وهو موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، بغير هذا اللفظ.

أعاده أبو داود بنفس إسناده في كتاب النِّكَاح برقم (2169).

وأخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في السنن الكبرى (1/ 318).

وأخرجه من طريق شيخ أبي داود عبد السلام بن مطهر: الحاكم (1/ 172)، وعنه: البيهقي في المعرفة (5/ 328/ 4209).

وكنت نقلت كلام الحاكم على حديث شعبة، وفيه: "فأما عبد الحميد بن الرحمن فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري: ثقة مأمون، وشاهده ودليله ما حدثنا علي بن حمشاذ العدل

[ثم ساق حديثنا هذا بإسناده ثم قال:] قد أُرسل هذا الحديث وأوقف أيضًا، ونحن على أصلنا الذي أصلناه: أن القول قول الَّذي يسند ويصل إذا كان ثقة".

قلت: جعلُه عبد الحميد بن عبد الرحمن هو أبا الحسن الجزري: وهم ظاهر.

ص: 265

وذلك لأنَّ عبد الحميد بن عبد الرحمن: هو ابن زيد بن الخطاب العدوي، أبو عمر المدني، ثقة، من الرابعة، توفي في خلافة هشام بحران.

فخالف المذكور في هذا الإسناد في كنيته وبلده.

ثم المذكور هذا قال فيه ابن المديني: "أبو الحسن الَّذي روى عنه عمرو بن مرة، وعنه علي بن الحكم: مجهول؛ ولا أدري سمع من عمرو بن مرة أم لا"[التهذيب (4/ 511). وانظر: الجرح والتعديل (6/ 257)، كنى مسلم (773)].

وقال ابن حجر في التقريب (699): "وأخطأ من سماه عبد الحميد".

وعليه فإن هذا الإسناد ضعيف؛ لأجل أبي الحسن الجزري؛ فإنه مجهول.

لكن روايته تصلح في الشواهد والمتابعات، فهي متابعة صالحة، لرواية: عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس، الموقوفة، لكن لفظ عبد الحميد هو الصحيح - كما قال أبو داود -:"يتصدق بدينار أو بنصف دينار".

• قال أبو داود: "وكذلك قال ابن جريج، عن عبد الكريم، عن مقسم".

قلت: اختلف في هذا على ابن جريج:

1 -

فرواه سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن رجل، عن ابن عباس، قال: إذا أتاها في دم فدينار، وإذا أتاها وقد انقطع الدم فنصف دينار. موقوف.

أخرجه الدارمي (1/ 270/ 1108).

والمبهم هذا هو مقسم كما سيأتي.

2 -

ورواه عبد الرزاق، قال: أخبرنا محمد بن راشد، وابن جريج، قالا: أخبرنا عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى امرأته في حيضتها: فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها فلم تغتسل: فنصف دينار"، كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هكذا رواه عبد الرزاق في المصنف، عن محمد بن راشد مقرونًا بابن جريج (1/ 328/ 1264).

ومن طريقه: ابن المنذر (2/ 211 - 212/ 798)، والطبراني في الكبير (11/ 318/ 12134).

ورواه عبد الرزاق في المصنف بعدُ، عن محمد بن راشد وحده (1/ 329/ 1265)، فلم يسق لفظه.

ثم رواه (1/ 329/ 1266)، فقال: أخبرنا ابن جريج: أخبرنا عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض نصاب دينار إذا أصابها قبل أن تغتسل.

ورواه أحمد في المسند (1/ 367)، قال: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عبد الكريم وغيره، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، أن ابن عباس

ص: 266

أخبره: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الحائض نصاب دينار، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها، ولم تغتسل، فنصف دينار، كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى ما تقدم فإن كلمة: "وغيره" التي وقعت في المسند بعد عبد الكريم إنما موقعها بعد ابن جريج؛ لأنَّ عبد الرزاق رواه عن ابن جريج ومحمد بن راشد عن عبد الكريم وحده، هكذا قرنهما ثم أفرد كل واحد بالرواية بعد ذلك، فالمبهم في رواية أحمد هو محمد بن راشد المقرون بابن جريج، والله أعلم.

• تابع عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج وحده؛ هكذا:

1 -

ابن لهيعة، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، عن عبد الكريم البصري أنَّه أخبره: أن مقسمًا مولى ابن عباس حدثه: أنَّه سمع ابن عباس، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الواطئ في العراك بصدقة دينار، وإن وطئها بعد أن تطهر ولم تغتسل بصدقة نصف دينار.

أخرجه الدارقطني (3/ 287).

وابن لهيعة: صالح في المتابعات.

2 -

نافع بن يزيد [هو الكلاعي أبو يزيد المصري: ثقة عابد]، عن ابن جريج، عن أبي أمية عبد الكريم البصري، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم امرأته في الدم، فليتصدق بدينار، وإذا وطيها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار".

أخرجه البيهقي (1/ 316).

والذي أراه أن الاختلاف على ابن جريج فيه في وقفه ورفعه إنما هو من عبد الكريم نفسه.

فإن عبد الكريم هذا هو: عبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري - كما وقع مصرحًا به في رواية نافع بن يزيد وابن لهيعة -، وليس بابن مالك الجزري، كما توهم المزي، وابن التركماني، وأحمد شاكر، وانظر: تحفة الأشراف مع النكت (5/ 247)، الإمام (3/ 252).

وعبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"[التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].

• وقد اختلفت الرواية عنه في رفعه ووقفه، وفي متن الحديث، وفي القائل بهذا التفصيل، والبلاء فيه منه:

1 -

فرواه ابن جريج [ثقة فقيه فاضل، يدلس ويرسل، وقد صرح بالسماع]، ومحمد بن راشد [صدوق]، عن عبد الكريم به كما تقدم.

ص: 267

2 -

ورواه سفيان بن عيينة [ثقة ثبت إمام حجة]، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: "إن كان الدم عبيطًا فدينار، وإن كان فيه صفرة فنصف دينار].

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 231/ 9058)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن سفيان به هكذا. والطحاوي في المشكل (3/ 634/ 2234 - ترتيبه)، عن محمد بن علي بن داود، عن داود بن مهران الدباغ: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس - قال سفيان: أراه -، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى الرجل امرأته وهي حائض

" فذكره بنحوه.

فوقعت نسبته في هذه الرواية: جزريًا، وشك سفيان في رفعه؛ ثم جعله كلُّه مرفوعًا.

• ويزيل الغمة في ذلك ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا سفيان [يعني: ابن عيينة]، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مقسم، عن ابن عباس: إذا أتى امرأته وهي حائض، قيل لسفيان: يا أبا محمد! هذا مرفوع، فأبى أن يرفعه، وقال: أنا أعلم به -يعني: أبا أمية-.

رواه عن الإمام أحمد: ابنه عبد الله في العلل (1/ 456/ 1036)، وعنه: العقيلي في الضعفاء (3/ 63).

فيعلم من ذلك أن ابن عيينة كان يرفعه أولًا، ثم شك في رفعه، ثم رأى أن الرفع إنما هو من تصرف عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، فترك رفعه ورجع عنه.

وأما نسبة عبد الكريم جزريًا، فوهمٌ محضٌ من الرواة، وإنما هو أبو أمية البصري كما في رواية الإمام أحمد.

3 -

أبو حمزة السكري [محمد بن ميمون المروزي: ثقة فاضل]، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[إذا كان دمًا أحمر: فدينار، وإذا كان دمًا أصفر: فنصف دينار].

أخرجه الترمذي (137)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 253/ 298).

قال الترمذي: "حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا".

4 -

أبو جعفر الرازي [ليس بالقوي]، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في رجل جامع امرأته وهي حائض؟ فقال:: إن كان دمًا عبيطًا: فليتصدق بدينار، وإن كان صفرة: فنصف دينار".

أخرجه الدارمي (1/ 271/ 1111)، وأبو يعلى (4/ 320 - 321/ 2432)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2976)، والطحاوي في المشكل (3/ 635/ 2235 - ترتيبه)، والدارقطني (3/ 287)، والطبراني في الكبير (11/ 318/ 12135)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(592)، والبيهقي (1/ 317)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (36/ 451).

ص: 268

• وهذا التصريح لا يحتمل التأويل ولا يبقى معه شك في أن يكون هو عبد الكريم بن مالك الجزري، لا سيما إذا انضم إلى رواية الثقات قبله مثل رواية ابن جريج وابن عيينة: وفيما سيأتي من رواية هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وليث بن أبي سليم.

5 -

سعيد بن أبي عروبة، واختلف عليه:

أ - فرواه روح بن عبادة [ثقة، سمع من سعيد بعد اختلاطه]: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم أبي أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار"، وفسره مقسم، فقال: إذا كان في إقبال الدم فدينار، وإذا كان في انقطاع الدم فنصف دينار، وإذا لم تغتسل فنصف دينار.

أخرجه البيهقي (1/ 317).

وقوله في هذا الإسناد: "عن عكرمة"، إنما هو من تخليط ابن أبي عروبة، وإنما هو مقسم بدليل التفسير في آخر الرواية، وبدليل:

ب - ما رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو أروى الناس عنه]، وعبد الله بن بكر السهمي [ثقة، قدمه أحمد في ابن أبي عروبة على محمد بن بكر البرساني وغيره]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [كان عالمًا بسعيد، وسمع منه في الصحة والاختلاط، ولم يميز هذا من هذا]:

رواه ثلاثتهم: عن سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رجلًا غشي امرأته وهي حائض، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمره أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار.

قال سعيد: وكان يفسر مقسم: إذا كان في الدم فدينار، وإن كان قد انقطع الدم فنصف دينار.

أخرجه ابن الجارود (111)، والطوسي في مختصر الأحكام (117)، والبيهقي (1/ 317).

وهذه الرواية هي الصواب عن ابن أبي عروبة.

6 -

سفيان الثوري، عن عبد الكريم، وعلي بن بذيمة، وخصيف، عن مقسم، عن ابن عباس به، مرفوعًا.

اختلف فيه على الثوري، ويأتي الكلام عليه عند حديث خصيف.

7 -

الحجاج بن أرطاة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يطأ امرأته وهي حائض؟ قال: "يتصدق بنصف دينار".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 231/ 9059)، وابن أبي شيبة (3/ 88/ 12372).

قال النسائي: "حجاج بن أرطاة، ضعيف؛ صاحب تدليس".

8 -

ليث بن أبي سليم [ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه]: حدثني الحكم بن

ص: 269

عتيبة، وعبد الكريم أبو أمية، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في رجل غشي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار، أو بنصف دينار".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 317 - 318/ 12313).

وإسناده واهي؛ فإن الراوي عن ليث: داود بن الزبرقان: متروك، كذبه الجوزجاني.

9 -

ورواه أحد المتروكين الهلكى: عبد الله بن محرر [متروك، هالك، منكر الحديث]، عن عبد الكريم بن مالك، وخصيف، وعلي بن بذيمة، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وقع على امرأته وهي حائض فليتصدق بدينار، أو بنصف دينار".

أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 135)، وفي إسناده خطأ وتصحيف. والدارقطني (3/ 287).

وعلى هذه الرواية الساقطة اعتمد بعضهم على أن عبد الكريم هذا هو ابن مالك الجزري الثقة، وإنما هو ابن أبي المخارق البصري الضعيف؛ كما تقدم بيانه.

10 -

أبو الأحوص سلام بن سليم [ثقة متقن]، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كان الرجل إذا وقع على امرأته وهي حائض: أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بنصف دينار.

أخرجه ابن ماجة (650).

11 -

هشام الدستوائي: ثنا عبد الكريم أبو أمية، عن مقسم، عن ابن عباس: في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار، أو نصف دينار.

أخرجه البيهقي (1/ 317).

وقال: "هذا أشبه بالصواب [يعني: الموقوف]، وعبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية غير محتج به".

وممن جزم بأنه أبو أمية البصري: الإمام أحمد، حيث قال في مسنده (1/ 237) بعدما أسند الحديث من طريقين عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس به مرفوعًا، قال:"ورواه عبد الكريم أبو أمية، مثله بإسناده".

• وخلاصة ما تقدم: أن عبد الكريم بن أبي المخارق أبا أمية البصري قد أضطرب في هذا الحديث اضطرابا شديدًا، فكان يرفعه مرة ويوقفه مرة، والذين رووا عنه الرفع والوقف ثقات، لكن النفس تميل إلى رواية الوقف؛ لرجوع سفيان بن عيينة إليها بعدما كان يرفعه، وقال:"أنا أعلم به"، يعني: أبا أمية، ووافقه على الوقف: سفيان الثوري في روايته عن ابن جريج، عن أبي أمية، وهشام الدستوائي.

ورجح الموقوف: البيهقي، فقال:"هذا أشبه بالصواب".

واضطرب عبد الكريم في متنه اضطرابًا شديدًا، فتارة يقول: يتصدق بدينار أو بنصف دينار، وتارة يقول: يتصدق بنصف دينار.

ص: 270

وتارة يفصِّل ويعلق الكفارة بالدم الأحمر، أو العبيط، وبالدم الأصفر.

أو يعلقها: بالحيض والطهر وانقطاع الدم قبل الاغتسال.

أو يعلقها بالواجد وغير الواجد، أو يجعل التفصيل من كلام مقسم.

• وفي النهاية فإن هذا الطريق ضعيف بكل تفاصيله؛ إلا ما وافق فيه عبد الكريم: عبد الحميد بن عبد الرحمن في روايته عن مقسم.

وهي رواية هشام الدستوائي، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس: في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار أو بنصف دينار. موقوف، والله أعلم.

***

266 -

. . . شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا وقع الرجل بأهله وهي حائض، فليتصدق بنصف دينار".

• حديث مضطرب.

أخرجه الترمذي (136)، والنسائي في الكبرى (8/ 232/ 9064)، والدارمي (1/ 270/ 1105)، وأحمد (1/ 272)، وابن أبي شيبة (3/ 88/ 12371)، والطحاوي في المشكل (3/ 633/ 2232 - ترتيبه)، وابن عدي في الكامل (3/ 72)، والبيهقي (1/ 316).

• واختلف فيه على شريك:

1 -

فرواه محمد بن الصباح البزاز، وعلي بن حجر، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وحسين بن محمد المروذي، والهيثم بن جميل الأنطاكي، ومحمد بن سعيد بن الأصبهاني، وأبو بكر بن أبي شيبة:

سبعتهم [وهم ثقات]، عن شريك به هكذا.

2 -

ورواه سهل بن صالح الأنطاكي [صدوق]، وعبد الرحمن بن شيبة الجدي [قال أبو حاتم:"لا أعرفه وحديثه صحاح"، وقال ابن حبان في الثقات:"ربما خالف"، وقال العجلي:"ثقة ثبت في الحديث". معرفة الثقات (1048)، الجرح والتعديل (5/ 243)، الثقات (8/ 375)]، وإسحاق بن كعب مولى بني هاشم [صدوق. الجرح والتعديل (2/ 232)، اللسان (1/ 410)]:

ثلاثتهم، عن شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس به، مرفوعًا.

فجعلوا عكرمة مكان مقسم، وهو خطأ.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 232/ 9065)، والطبراني في الكبير (11/ 215 و 698/ 11288 و 12025).

قال النسائي: "هذا خطأ، وشريك ليس بالحافظ".

• ورواه ابن جريج، واختلف عليه:

1 -

فرواه حجاج بن محمد المصيصي الأعور [ثقة ثبت]، عن ابن جريج، قال:

ص: 271

أخبرني خصيف، عن مقسم، أخبره: أن ابن عباس أخبره: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أصاب امرأته وهي حائض، فأمره بنصف دينار.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 231/ 9065).

2 -

ورواه عبد الرزاق بن همام الصنعاني [ثقة حافظ، أضر في آخر عمره فتغير]، عن ابن جريج، عن خصيف، عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، أخبره: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أصاب امرأته حائضًا، فأمره أن يتصدق بنصف دينار.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 328/ 1262).

ورواية حجاج أولى بالصواب، فإنه أثبت أصحاب ابن جريج [شرح العلل (2/ 682)].

• ورواه سفيان الثوري، واختلف عليه:

1 -

فرواه عبد الله بن يزيد بن الصلت [متروك، منكر الحديث]، عن سفيان، عن عبد الكريم بن مالك، وعلي بن بذيمة، وخصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى امرأته في الدم: فعليه دينار، وفي الصفرة: نصف دينار".

أخرجه الطبراني في حديثه لأهل البصرة، بانتقاء ابن مردويه (133)، الدارقطني (3/ 287)، ومن طريقه: الجوزقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 575/ 377)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 270).

وهذا حديث منكر؛ والمعروف عن الثوري هو ما رواه:

2 -

يحيى بن سعيد القطان [ثقة ثبت إمام حجة، وهو أثبت أصحاب الثوري]، وأبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الثوري]، ويحيى بن آدم [ثقة حافظ، وهو ثقة في الثوري]، وعبد الرزاق [ثقة حافظ، وهو ثقة في الثوري]، ومحمد بن يوسف الفريابي [ثقة فاضل، يخطئ في حديث الثوري، وقد أخطأ هنا فرواه مرة كالجماعة - عند النسائي -، مرسلًا، ورواه مرة أخرى فأخطأ بوصله وذكر ابن عباس فيه - عند الدارمي -]:

رواه خمستهم: عن الثوري، عن خصيف، - زاد يحيى بن سعيد، وأبو نعيم، وعبد الرزاق: وعلي بن بذيمة -، عن مقسم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الَّذي يقع على امرأته وهي حائض: "يتصدق بنصف دينار".

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 232/ 9062)، والدارمي (1/ 270/ 1109)، وأحمد (1/ 325)، وعبد الرزاق (1/ 328/ 1263)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (8 و 9)، وابن المنذر (2/ 212/ 800)، والبيهقي (1/ 316).

قال البيهقي: "خصيف الجزري: غير محتج به".

• والحديث كما ترى قد اختلف فيه على خصيف:

1 -

فرواه شريك بن عبد الله النخعي [صدوق سيئ الحفظ]، وابن جريج [ثقة حافظ]: كلاهما - في المحفوظ عنهما -: عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس به، مرفوعًا. وتقدم.

ص: 272

2 -

ورواه سفيان الثوري [ثقة ثبت إمام حجة]، وأبو خيثمة زهير بن معاوية [ثقة ثبت]: كلاهما عن خصيف، عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا.

تقدم ذكر من أخرج حديث الثوري، وأخرج حديث زهير: النسائي في الكبرى (8/ 231 - 232/ 9061). بنحو حديث الثوري.

3 -

ورواه حماد بن سلمة، وإسرائيل، ومعمر:

ثلاثتهم [وهم ثقات]: عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس: في الَّذي أتى امرأته وهي حائض؟ قال: "يتصدق بدينار، أو بنصف دينار". موقوف.

وهذا لفظ حماد وإسرائيل، ولفظ معمر:"إذا أصابها حائضًا تصدق بدينار"، وقال مقسم:"فإن أصابها بعدما ترى الطهر فنصف دينار ما لم تغتسل".

أخرجه النسائي (8/ 232/ 9063)، وعبد الرزاق (1/ 328/ 1261)، وابن المنذر (2/ 209/ 796)، والطحاوي في المشكل (3/ 634/ 2233 - ترتيبه).

4 -

ورواه حجاج، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: في الرجل يواقع امرأته وهي حائض؟ قال: "إذا واقع في الدم العبيط؛ نصدق بدينار، وإن كان في الصفرة؛ فنصف دينار". موقوفًا.

أخرجه النسائي (8/ 233/ 9066).

وحجاج هو ابن أرطاة: ضعيف مدلس.

• وهذا الاختلاف إنما هو من دلائل سوء حفظ خصيف بن عبد الرحمن الجزري، واضطرابه في حديثه.

فإن خصيفًا رواه مرة متصلًا مرفوعًا، ومرة موقوفًا، ومرة مرسلًا.

وهذا اضطراب شديد من خصيف؛ وليس هو بالقوي؛ هو سيئ الحفظ، قال ابن القطان الفاسي:"أما رواية خصيف: فضعيفة بضعف خصيف، فإنه كان يخلط في محفوظه"[بيان الوهم (5/ 274)].

***

قال أبو داود: وكذا قال علي بن بَذيمة، عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا.

• مرسل بإسناد صحيح.

رواه سفيان الثوري، عن علي بن بذيمة، وخصيف، عن مقسم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض: يتصدق بنصف دينار".

أخرجه عبد الرزاق (1263)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (8 و 9)، وابن المنذر (800)، والبيهقي (1/ 316).

وتقدم قريبًا.

وعلي بن بذيمة: ثقة؛ وعليه: فهو مرسل بإسناد صحيح.

ص: 273

• ويكون قد صح في هذا الحديث إسنادان:

أحدهما: موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.

والثاني: مرسل بإسناد صحيح.

لذا لما سئل أبو حاتم عن حديث مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض؟

قال: "اختلفت الرواية، فمنهم من يروي عن مقسم، عن ابن عباس: موقوف.

ومنهم من يروي عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، [العلل (1/ 50 - 51/ 21)].

• وحديث علي بن بذيمة له إسناد آخر لا يصح:

رواه الوليد بن مسلم واختلف عليه:

1 -

فرواه موسى بن أيوب [هو: ابن عيسى النصيبي أبو عمران الأنطاكي: صدوق]، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن رجلًا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه أصاب امرأته وهي حائض، فأمره أن يعتق نسمة.

أخرجه النسائي (8/ 233/ 9067).

وابن جابر: هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، أبو عتبة الشامي الداراني: ثقة، من السابعة.

2 -

وخالفه: محمود بن خالد السلمي الدمشقي [ثقة]، وأسد بن موسى [صدوق، يغرب]، وصفوان بن صالح الدمشقي [ثقة]، ودحيم عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو الدمشقي [ثقة حافظ متقن]، وهشام بن عمار [صدوق]:

رواه خمستهم: عن الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم السلمي، قال: حدثنا علي بن بذيمة: أنَّه سمع سعيد بن جبير، يقول: سمعت ابن عباس يقول: قال رجل: يا رسول الله! إني أصبت امرأتي وهي حائض؟ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق نسمة.

قال ابن عباس: وقيمة النسمة يومئذ: دينار.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 233/ 968)، والطحاوي في المشكل (3/ 636/ 2236 - ترتيبه)، وابن حبان في المجروحين (2/ 155)، والطبراني في الكبير (11/ 351/ 12256)، والجوزقاني في الأباطيل (1/ 574/ 376)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/ 274)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 384 - 385/ 644).

هذا هو الصواب: ابن تميم السلمي، وليس بابن جابر الأزدي.

والحديث ضعفه الطحاوي بابن تميم هذا، وكذا ابن حبان؛ حيث أورده في ترجمته، وكذا ابن الجوزي.

وقال الجوزقاني: "هذا حديث منكر، تفرد به عن علي: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم".

ص: 274

قلت: وهو كما قال: حديث منكر، وابن تميم هذا ضعيف؛ منكر الحديث.

والصواب: ما رواه سفيان الثوري عن علي بن بذيمة، عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.

ولا يصح لسعيد بن جبير في هذا الحديث إسناد.

• ومنه أيضًا: ما رواه أبو حريز: أن أيفع حدثه: أنَّه سأل سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان؟ قال: كان ابن عباس يقول: من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة، أو صوم شهر، أو إطعام ثلاثين مسكينًا.

قلت: ومن وقع على امرأته وهي حائض، أو سمع أذان الجمعة ولم يجمع ليس له عذر؟ قال: كذلك عتق رقبة.

أخرجه النسائي في الكبرى (8/ 234/ 9069)، ومن طريقه: ابن حزم في المحلى (10/ 80)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 170).

قال النسائي: "أبو حريز: ضعيف الحديث، وأيفع لا أعرفه".

قال حمزة الكناني: "أبو حريز: عبد الله بن الحسين قاضي سجستان".

قلت: ليس بالقوي، وأيفع: قال فيه البخاري: "منكر الحديث"، وقال البرديجي:"مجهول"، وذكره ابن عدي والعقيلي وابن الجارود في الضعفاء، وذكره ابن حبان في الثقات [التهذيب (1/ 197)، الأسماء المفردة (241)].

وسئل أبو حاتم عن حديث رواه أبو حريز عن أيفع عن ابن عمر؟ فقال: "هذا حديث منكر، وأرى أن أيفع هو نافع"[العلل (2/ 179/ 2032)].

فجعل التبعة فيه على أبي حريز.

والمعروف عن سعيد بن جبير في ذلك عدم الكفارة؛ قال: "يستغفر الله"[مصنف ابن أبي شيبة (13/ 88/ 2376)].

• وممن روى الحديث أيضًا عن مقسم:

1 -

يعقوب بن عطاء بن أبي رباح [ضعيف]، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الَّذي يقع على امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار، أو بنصف دينار".

أخرجه الطحاوي في المشكل (3/ 639/ 2240 - ترتيبه)، والدارقطني (3/ 286 - 287)، والبيهقي (1/ 318).

قال البيهقي: "ويعقوب بن عطاء: لا يحتج بحديثه".

2 -

ابن أبي ليلى [صدوق سيئ الحفظ جدًّا]، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار.

أخرجه الدارمي (1/ 272/ 1115).

• وحاصل ما تقدم من حديث مقسم؛ أنَّه قد صح فيه إسنادان:

الأول: عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس: موقوفًا، وتوبع عليه عبد الحميد.

ص: 275

الثاني: الثوري، عن علي بن بذيمة، عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا.

***

قال أبو داود: وروى الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"آمره أن يتصدق بخمُسَي دينار"، وهذا معضل.

• معضل.

وعلقه أيضًا البيهقي في سننه (1/ 316)، وقال:"وهو منقطع بين عبد الحميد وعمر".

ووصله الدارمي (1/ 271/ 1110)، وإسحاق بن راهويه (2/ 536/ 208 - مطالب)، والطحاوي في المشكل (3/ 638/ 2239 - ترتيبه).

من طرق عن الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن عبد الحميد بن زيد بن الخطاب، قال: كان لعمر بن الخطاب امرأة تكره الجماع، فكان إذا أراد أن يأتيها اعتلت عليه بالحيض، فوقع عليها فإذا هي صادقة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتصدق بخمس دينار.

وفي رواية: بخمسي دينار.

وعبد الحميد بن زيد هو: عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قاله الطحاوي.

ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك: شامي فقيه ثقة.

• خالفه في متنه: زيد بن عبد الحميد بن عبد الرحمن [مستور، روى عنه اثنان أو ثلاثة، ومروياته لا تصح، مع قلة روايته جدًّا، فحريٌّ به أن يضعَّف. انظر: التهذيب (1/ 667)، الميزان (2/ 104)]، فرواه عن أبيه: أن عمر أتى جارية له، فقالت: إني حائض، فوقع بها، فوجدها حائضًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال:"يغفر الله يا أبا حفص، تصدق بنصف دينار".

أخرجه إسحاق (2/ 536/ 208 - مطالب)، والحارث بن أبي أسامة (1/ 234/ 103 - زوائده).

ورواية ابن أبي مالك أولى بالصواب، والله أعلم.

وهو ضعيف لا يصح؛ لإعضاله، كما قال أبو داود والبيهقي.

• وللحديث إسنادان آخران لم يوردهما أبو داود:

الأول: يرويه عطاء العطار، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض قال:"يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار".

أخرجه أحمد (1/ 245 و 306 و 363)، والطحاوي في المشكل (3/ 637 و 638/ 2237 و 2238)، وابن الأعرابي في المعجم (1/ 90/ 133) و (3/ 992/ 2115)، والطبراني في الكبير (11/ 264/ 11921)، وابن عدي في الكامل (5/ 366)، والبيهقي (1/ 318)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 253/ 297).

ص: 276

قال البيهقي: "عطاء: هو ابن عجلان: ضعيف متروك، وقد قيل: عنه عن عطاء، وعكرمة، عن ابن عباس، وليس بشيء - وروي عن عطاء وعكرمة أنهما قالا: لا شيء عليه، يستغفر الله صلى الله عليه وسلم.

ووهم الطحاوي فادعى أن عطاء هذا هو عطاء البزاز، والد يزيد بن عطاء، وليس بشيء [انظر: التاريخ الكبير (6/ 467)، الجرح والتعديل (6/ 339)].

وهذا حديث باطل منكر؛ عطاء بن عجلان الحنفي، أبو محمد البصري العطار: متروك، منكر الحديث؛ كذبه ابن معين وعمرو بن علي الفلاس والجوزجاني، وكان يتلقن كلما لقن.

الثاني: أبو الجواب: ثنا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: في الَّذي يأتي امرأته وهي حائض، قال:"إن أتاها في الدم تصدق بدينار، وإن أتاها في غير الدم تصدق بنصف دينار".

أخرجه البيهقي (1/ 319).

ثم قال: "وروى عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء قال: ليس عليه إلا أن يستغفر الله تعالى، والمشهور عن ابن جريج، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مقسم، عن ابن عباس، كما تقدم، والله أعلم".

وقال قبلها: "وقد قيل: عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: موقوفًا، وإن كان محفوظًا فهو من قول ابن عباس يصح".

وتعقبه ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 255)، فقال:"قول البيهقي - رحمه الله تعالى -: "إن كان محفوظًا" تمريض عجيب، فإن رواته عن آخرهم ثقات عندهم.

وأبو الجواب الأحوص بن جواب: ضبي كوفي، قال أبو عمر:"هو عندهم ثقة، قاله ابن معين وغيره"، وقوله:"عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال: "ليس عليه إلا أن يستغفر الله عز وجل، لعله يشير به إلى الاستضعاف، لمخالفة الراوي، وذلك مفتقر إلى تصحيح الرواية عن عبد الرزاق، وبعد صحته، فقد عرف ما في مخالفة الراوي لروايته، وقوله: "والمشهور

" إلى آخره، كأنه يقصد به أيضًا الاستضعاف، وليس تتعارض هذه الرواية مع هذه" انتهى كلام ابن دقيق العيد.

وانظر: الجوهر النقي (1/ 319)، وشرح سنن ابن ماجة لمغلطاي (3/ 914).

• قلت: ما قاله البيهقي هو الصواب، فإن رواية: الفريابي، عن الثوري، عن ابن جريج، عن عبد الكريم، عن رجل، عن ابن عباس [تقدمت تحت الحديث السابق برقم (265)]: أولى من رواية الأحوص بن جواب عن الثوري:

فإن محمد بن يوسف الفريابي: ثقة، تكلموا في بعض حديثه عن الثوري، ومع ذلك فهو مقدم عندهم في الثوري على غيره، مثل: قبيصة، وعبد الرزاق، وأبي حذيفة، وغيرهم، وهو ممن صحب الثوري، وأكثر عنه.

ص: 277

وأما الأحوص: فقد اختلفت رواية ابن معين فيه فقال مرة: "ثقة"، وقال أخرى:"ليس بذاك القوي"، وقال أبو حاتم:"صدوق"، وذكره ابن حبان في الثقات وقال:"وكان متقنًا، وربما وهم"[التهذيب (1/ 99)، الميزان (1/ 167)، الثقات (6/ 89)]، فهو دون الفريابي في الحفظ والضبط، ثم إنه لم يعرف بصحبة الثوري مثل الفريابي، ولا يقاربه فيه، والله أعلم.

فرواية الفريابي مقدمة على رواية أبي الجواب؛ وهي أولى بالصواب؛ والله أعلم.

• وأما عطاء بن أبي رباح المكي؛ فقد اختلفت الرواية عنه؛ وكلاهما عنه صحيح:

1 -

فقد روى ابن جريج، والمثنى بن الصباح، عن عطاء، أنَّه قال:"يستغفر الله"، زاد ابن جريج:"لم أسمع فيه بكفارة معلومة".

- أخرجه عبد الرزاق (1/ 329/ 1269)، وابن أبي شيبة (3/ 89/ 12382).

وهو صحيح عن عطاء.

2 -

وروى ابن جريج أيضًا، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء، أنَّه قال:"يتصدق بدينار". رواية العرزمي، ورواية ابن جريج:"بنصف دينار".

أخرجه الدارمي (1/ 272/ 1114 و 1117).

وهو صحيح أيضًا عن عطاء.

وعلى هذا فلا يستبعد أن يكون عطاء بن أبي رباح قد أخذه من ابن عباس؛ فقد روى ابن أبي ليلى [وهو صدوق سيئ الحفظ جدًّا]، عن عطاء، قال: قلت لابن عباس: الرجل يقع على امرأته وهي حائض؟ قال: "يتصدق بدينار".

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 89/ 12383)، والدارمي (1/ 271 و 272/ 1113 و 1118).

وهذه الرواية نرجحها من جهة أنها نقل لفتوى ابن عباس في مسألة فقهية، تتوفر دواعي الفقيه على حفظها وضبطها؛ مثل: ابن أبي ليلى الفقيه الكوفي، عن عطاء بن أبي رباح الفقيه المكي، عن ابن عباس الصحابي الفقيه.

وقد قال أحمد بن حنبل: "كان سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، كان فقه ابن أبي ليلى أحب إلينا من حديثه".

وهذه الرواية مما تقوي القول بوقف هذا الحديث على ابن عباس.

وانظر قول أحمد بن إسحاق الفقيه: عند البيهقي (1/ 318)، ومن تعقبه مثل: ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 269)، وابن التركماني في الجوهر النقي، والعراقي في ذيل الميزان (507).

• وفي نهاية المطاف، وبعد استيعاب ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث: فإنه لا يصح مرفوعًا.

وإنما يصح موقوفًا على ابن عباس.

ص: 278

ويصح مرسلًا عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• وعليه: فذمة العباد بريئة حتَّى يثبت ما يشغلها، ولا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن المنذر: "فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه أوجب ما ذكرناه؛ وجب الأخذ به، ثم لم يكن بين قبول ذلك منه في هذا الباب، وبين قبولنا منه ما أوجب على الَّذي وقع على أهله في شهر رمضان فرق؛ لأنَّ الخبر إذا ثبت وجب التسليم له، وإن لم يثبت الخبر - ولا أحسبه يثبت - فالكفارة لا يجوز إيجابها إلا أن يوجبها الله عز وجل، أو يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه أوجبها، ولا نعلم إلى هذا الوقت حجة توجب ذلك، والله أعلم"[الأوسط (2/ 212)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 81): "وحجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة: اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس، وأن مثله لا تقوم به حجة، وأن الذمة على البراءة، ولا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره، إلا بدليل لا مدفع فيه، ولا مطعن عليه، وذلك معدوم في هذه المسألة".

وقال ابن حزم في المحلى (2/ 187 - 190): "ومن وطئ حائضًا فقد عصى الله تعالى، ولا كفارة عليه في ذلك"، ثم ذكر الأقوال في هذه المسألة، وما احتجوا به ثم قال:"كل ذلك لا يصح منه شيء"، فعاد عليها بالتضعيف والإبطال، ثم قال:"فلو صح شيء من هذه الآثار لأخذنا به، فإذا لم يصح في إيجاب شيء على واطئ الحائض فماله حرام، فلا يجوز أن يلزم حكمًا أكثر مما ألزمه الله من التوبة من المعصية التي عمل، والاستغفار، والتعزير؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده

"".

وقال أيضًا (10/ 80 - 81): "وأما نحن فلو صح شيء من كل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلنا به، فلما لم يصح فيه شيء لم يجب منه شيء؛ لأنَّه شرع لم يأمر الله تعالى به، وممن قال بقولنا: ابن سيرين؛ صح عنه أنَّه قال: "يستغفر الله، وليس عليه شيء"، وصح أيضًا مثل ذلك عن إبراهيم النخعي، وعطاء، ومكحول، وهو قول: مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان وأصحابهم".

وقال الخطابي في المعالم (1/ 72): "قد ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه غير واحد من العلماء، منهم: قتادة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وبه قال الشافعي قديمًا، ثم قال في الجديد: "لا شيء عليه".

قلت: ولا ينكر أن يكون فيه كفارة لأنَّه وطء محظور كالوطء في رمضان.

وقال أكثر العلماء: لا شيء عليه، ويستغفر الله، وزعموا أن هذا الحديث: مرسل؛ أو موقوف على ابن عباس، ولا يصح متصلًا مرفوعًا، والذمم برية إلا أن تقوم الحجة بشغلها

". انتهى كلامه.

وقال الترمذي: "حديث الكفارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفًا ومرفوعًا، وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق.

ص: 279