المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٣

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌النوم مظنة للحدث

- ‌80 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله

- ‌81 - باب من يحدث في الصلاة

- ‌82 - باب في المذي

- ‌83 - باب في الإكسال

- ‌84 - باب في الجنب يعود

- ‌85 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

- ‌86 - باب في الجنب ينام

- ‌87 - باب الجنب يأكل

- ‌88 - باب من قال: يتوضأ الجنب

- ‌89 - باب في الجنب يؤخِّر الغسل

- ‌90 - باب في الجنب يقرأ القرآن

- ‌قراءة الجنب والحائض للقرآن

- ‌91 - باب في الجنب يصافح

- ‌92 - باب في الجنب يدخل المسجد

- ‌لبث الحائض في المسجد

- ‌93 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ

- ‌94 - باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه

- ‌95 - باب في المرأة ترى ما يرى الرجل

- ‌ 990).***96 -باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل

- ‌97 - باب في الغسل من الجنابة

- ‌98 - باب في الوضوء بعد الغسل

- ‌99 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌100 - باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك

- ‌(1/ 446).***101 -باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

- ‌(1/ 274).***102 -باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

- ‌103 - باب في الحائض تُناوِل من المسجد

- ‌(1/ 419).***104 -باب في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌105 - باب في إتيان الحائض

- ‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

- ‌107 - باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌108 - باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

- ‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌110 - باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

- ‌111 - باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا

- ‌(1/ 241/ 906).***112 -باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر

الفصل: ‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

قال ابن المبارك: "يستغفر ربه، ولا كفارة عليه"، وقد روي نحو قول ابن المبارك عن بعض التابعين، منهم: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وهو قول عامة علماء الأمصار".

وقال الإمام الشافعي: "ولو أتى رجل امرأته حائضًا، أو بعد تولية الدم، ولم تغتسل، فليستغفر الله ولا يعد حتَّى تطهر، وتحل لها الصلاة، وقد روي فيه شيء لو كان ثابتًا أخذنا به، ولكنه لا يثبت مثله"[الأم (6/ 439)].

وممن روي عنه من التابعين والفقهاء أنَّه قال: "يستغفر الله صلى الله عليه وسلم، ولم يلزمه كفارةً: ابن سيرين، والقاسم بن محمد، ومكحول، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، والشعبي، والزهري، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي مليكة، وربيعة، وابن أبي الزناد، وأيوب السختياني، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة.

انظر: مصنف عبد الرزاق (9/ 321 و 330/ 1267 - 1271)، مصنف ابن أبي شيبة (3/ 88 و 89/ 12376 - 12386)، الأوسط لابن المنذر (2/ 209 - 212).

وروي عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب في ذلك شيء، ولا يصح عنهما. انظر: مصنف عبد الرزاق (1270)، ومصنف ابن أبي شيبة (12374 و 12386).

• وإنما لم نأخذ بقول ابن عباس في هذه المسألة؛ لأنَّها مسألة اجتهادية من باب التعازير، لا سيما وابن عباس كان واليًا على البصرة من قبل علي بن أبي طالب، ولا يقال في مثل ذلك إنه لا مجال للرأي فيه؛ فيحكم له بالرفع، والله أعلم.

وقد رد ابن حجر على دعوى النووي - في شرح المهذب والتنقيح والخلاصة - اتفاق الحفاظ على تضعيف هذا الحديث، وقال النووي في شرح مسلم (3/ 205):"وهو حديث ضعيف؛ باتفاق الحفاظ، فالصواب: ألا كفارة".

قلت: قد نقلت أقوال من صححوه فيما تقدم فليراجع، وانظر: التلخيص (1/ 293).

وقال ابن عبد الهادي في شرح علل ابن أبي حاتم ص (35): "وقد وهم من حكى الاتفاق على ضعفه".

***

‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

267 -

. . . عن ابن شهاب، عن حبيب مولى عروة، عن نُدْبة مولاة ميمونة، عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه، وهي حائض، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخدين - أو: الركبتين - تحتجز به.

ص: 280

في رواية ابن الأعرابي: قال أبو داود: يونس يقول: بُدَيَّة، وقال معمر: نُدْبة بالرفع والنصب.

• حديث صحيح بمتابعاته وشواهده.

وقد ساقه أبو داود من طريق: الليث، عن ابن شهاب.

أخرجه النسائي (1/ 151 - 152 و 189 - 190/ 287 و 376)، والدارمي (1/ 262/ 1057)، وابن حبان (4/ 200 - 201/ 1365)، وأحمد (32/ 6 و 335 - 336)، وعبد الرزاق (1/ 321/ 1234)، وابن أبي شيبة (3/ 531/ 16832)، وأبو يعلى (13/ 21/ 7104)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 221)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 36)، وفي أحكام القرآن (156)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ (205)، والطبراني في الكبير (24/ 12 و 12 - 13 و 23 و 25/ 18 - 21 و 63)، والبيهقي (1/ 313)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 76).

هكذا رواه الليث مختصرًا، ورواه يونس، وصالح بن كيسان، وابن إسحاق: مطولًا، وفيه قصة:

ولفظ صالح بن كيسان: عن حبيب الأعور مولى عروة، أن ندبة مولاة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلتها إلى ابن عباس -وهو ابن أختها- قالت: فجئت فوجدته قد تحول فراشه عن فراش امرأته بنت مشرح، فقلت: أين هو؟ أمغاضب هو امرأته؟ فقالوا: لا، ولكنها إذا حاضت اعتزلها، فرجعت إلى ميمونة فأخبرتها كيف وجدته، فقالت: ادعيه لي، فدعوته، فقالت له: أترغب عما كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فوالله إن كان يباشر المرأة من نسائه إذا كان عليها ثياب يبلغ أنصاف الفخدين، أو: الركبتين. [عند الطبراني (24/ 63)].

• وقد اختلف في هذا الحديث على ابن شهاب الزهري:

1 -

فرواه الليث بن سعد، ويونس بن يزيد الأيلي، وصالح بن كيسان، وشعيب بن أبي حمزة، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني:

رواه ستتهم [وهم ثقات من أصحاب الزهري]، عن الزهري، عن حبيب مولى عروة، عن ندبة - وقال بعضهم: بدية مولاة ميمونة -، عن ميمونة به.

قال ابن رجب في الفتح (1/ 418): "وهذا هو الصحيح".

2 -

ورواه محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن بدية، قالت: أرسلتني ميمونة بنت الحارث إلى امرأة عبد الله بن عباس فذكرت القصة، وفي آخرها: فقالت: أرغبة عن سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة من نسائه الحائض وما بينهما إلا ثوب ما يجاوز الركبتين.

أخرجه أحمد (6/ 332).

ص: 281

فوهم ابن إسحاق، وسلك الجادة؛ حيث قال:"عن عروة"، وإنما هو حبيب الأعور المدني مولى عروة بن الزبير، وابن إسحاق: لين في الزهري، وهو معدود في الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري، ممن لازموا الزهري وصحبوه، ولكن تكلم في حفظهم [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 614 و 675)].

قال ابن رجب في الفتح (1/ 418): "وقول ابن إسحاق: "عن عروة" خطأ، وإنما هو حبيب مولى عروة

".

3 -

ورواه سفيان بن حسين، ومعمر بن راشد، عن الزهري، عن ندبة مولاة لميمونة - ولم يسمها سفيان -، قالت: أرسلتني ميمونة إلى ابن عباس

فذكرا الحديث مطولًا بالقصة.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 321/ 1233)، وأحمد (6/ 336)، وإسحاق (4/ 219/ 2025)، وأبو يعلى (12/ 525/ 7089)، والطبراني في الكبير (24/ 11 و 16/ 12 و 17).

فوهم سفيان ومعمر في إسقاط حبيب مولى عروة من الإسناد، وهذا الحديث إنما يرويه الزهري: عن حبيب مولى عروة، عن ندبة، عن مولاتها ميمونة، كذا رواه جماعة من ثقات أصحاب الزهري عنه، وهو المحفوظ.

وسفيان بن حسين: ضعيف في الزهري خاصة، ومعمر بن راشد - وإن كان من أثبت أصحاب الزهري - إلا أنَّه يهم في بعض حديثه، وقد خالف هنا جماعة من ثقات أصحاب الزهري المقدَّمين فيه، مثل: يونس وشعيب والليث وصالح بن كيسان.

قال الدارقطني في العلل (15/ 270/ 4023): "والأول أصح"، يعني: حديث الجماعة.

وهذا الحديث قد صححه ابن حبان، واحتج به أبو داود والنسائي.

لكن ضعفه ابن حزم بندبة مولاة ميمونة، فقال:"وهي مجهولة لا تعرف"[المحلى (2/ 179) و (10/ 78)].

فتعقبه ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 309) بقوله: "فأما تعليله حديث ندبة بكونها مجهولة؛ فإنها مدنية روت عن مولاتها ميمونة، وروى عنها حبيب، ولم يعلم أحد جرحها، والراوي إذا كانت هذه حاله؛ إنما يخشى من تفرده بما لا يتابع عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس، وكانت لروايته شواهد ومتابعات، فإن أئمة الحديث يقبلون حديثًا مثل هذا، ولا يردونه ولا يعللونه بالجهالة، فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر؛ عللوه بمثل هذه الجهالة، وبالتفرد، ومَن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض منهم، وهو محض العلم، والذوق، والوزن المستقيم، فيجب التنبيه لهذه النكتة، فكثيرًا ما تمر بك من الأحاديث، ويقع الغلط بسببها".

قلت: وهو كما قال، وندبة مولاة ميمونة: لم يرو عنها سوى حبيب الأعور مولى عروة بن الزبير، وذكرها ابن حبان في الثقات؛ وصحح لها هذا الحديث.

ص: 282

وحبيب: روى عنه جماعة من الثقات، وكان قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يخطئ"، وروى له مسلم حديثًا واحدًا "أي العمل أفضل"[التهذيب (1/ 354)].

• وندبة لم تنفرد بهذا الحديث بل توبعت عليه، فالحديث له طريقان آخران، وشاهد:

1 -

أما الطريق الأول: فيرويه أبو إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان، عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، عن ميمونة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيَّض.

وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه، أمرها فاتزرت وهي حائض.

أخرجه البخاري (303)، ومسلم (294)، وأبو عوانة (1/ 259/ 895)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 352/ 678)، وفي تاريخ أصبهان (2/ 46)، وأبو داود (2167)، والدارمي (1/ 260/ 1046)، وأحمد (6/ 335 و 336)، وإسحاق (4/ 208/ 2511)، وابن أبي شيبة (3/ 530/ 16815)، وعبد بن حميد (1551)، وأبو يعلى (12/ 513/ 7082) و (13/ 7/ 7092)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 36)، وفي أحكام القرآن (157)، والمحاملي في الأمالي (92)، والطبراني في الكبير (7/ 24 و 8 و 22/ 3 و 8 و 49 و 50)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 311) و (7/ 191)، وفي المعرفة (5/ 325/ 4205)، وابن عبد البر (3/ 169) و (5/ 262).

• واختلف فيه على الشيباني:

1 -

فرواه سفيان الثوري، وخالد بن عبد الله، وأسباط بن محمد، وعبد الواحد بن زياد، وحفص بن غياث، وجرير بن عبد الحميد، وعلي بن مسهر، وعباد بن العوام:

رواه ثمانيتهم [وهم ثقات]: عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة به هكذا. وهو المحفوظ.

2 -

وخالفهم فوهم: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير [ثقة في الأعمش، وقد يهم في حديث غيره]، فرواه عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن عائشة بنحوه.

أخرجه ابن حبان (4/ 203 / 1368).

فجعله من مسند عائشة، وإنما هو من مسند ميمونة. قال ابن رجب:"وليس بصحيح"، وقال:"فمن رواه عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن عائشة: فقد وهم"[الفتح (1/ 411)].

2 -

الطريق الثاني: يرويه ابن وهب: أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن غريب مولى ابن عباس، قال: سمعت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب.

أخرجه مسلم (295)، وأبو عوانة (1/ 259/ 896)، وأبو نعيم في المستخرج

ص: 283

(1/ 353/ 679)، والطبراني في الكبير (24/ 24/ 60)، والبيهقي (1/ 311).

وقد أعل ابن حزم أيضًا هذا الطريق فقال (2/ 179): "أما حديثا ميمونة: فأحدهما عن مخرمة بن بكير عن أبيه، ولم يسمع من أبيه، وأيضًا فقد قال ابن معين: مخرمة: هو ضعيف؛ ليس حديثه بشيء".

قلت: إن ضعفه ابن معين فقد وثقه غيره، وثقه مالك، وأحمد، وابن المديني، وأحمد بن صالح، وابن سعد، وغيرهم، وقال النسائي:"ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث"، وهو كثيرًا ما يقولها في الثقات، وقال الساجي:"صدوق"، وانظر بقية أقوال من عدلوه في التهذيب (4/ 39).

• وأما روايته عن أبيه فإنما هي وجادة صحيحة، ولم يسمع من أبيه شيئًا [انظر: تخريج أحاديث الدعاء برقم (459)(3/ 999)، ورقم (529)(3/ 1081 - 1082)، وتخريج السنن: الحديث المتقدم برقم (207)].

والوجادة قد يدخلها شيء من الوهم بالتصحيف وغيره، لكن طرق الحديث هي التي تبين إن كان دخل في الرواية ما ليس منها أم لا، وهذا الحديث قد توبع عليه مخرمة بما يبين أنَّه قد رواه من كتاب أبيه على الوجه الصحيح، لم يخالطه فيه شيء من الخلل، والله أعلم.

فالإمام مسلم محق في تصحيح حديث مخرمة هذا.

• وأما الشاهد:

فقد أخرج ابن ماجة في سننه (638)، قال: حدثنا الخليل بن عمرو: حدثنا ابن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حديج، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألتها: كيف كنت تصنعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيضة؟ قالت: كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزارًا إلى أنصاف فخذيها، ثم تضطجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا إسناد غريب، رجاله ثقات؛ غير ابن إسحاق فإنه مدلس، وقد عنعنه.

قال ابن رجب في الفتح (1/ 413): "وإسناده حسن، وفي إسناده: ابن إسحاق".

***

268 -

. . . منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا أن تتزر، ثم يضاجعها زوجها - وقال مرة: يباشرها -.

• حديث متفق على صحته.

أخرجه البخاري (300 و 2030)، ومسلم (1/ 293)، وأبو عوانة (1/ 258/ 891 و 892)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 352/ 676)، وفي أخبار أصبهان

ص: 284

(1/ 238)، والترمذي (132)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (114)، والنسائي في المجتبى (1/ 151 و 189/ 286 و 374)، وفي الكبرى (1/ 179/ 274) و (8/ 234 و 237/ 9075 و 9079)، وابن ماجة (636)، والدارمي (1/ 259/ 1037)، وابن حبان (4/ 199 و 202/ 1364 و 1367)، وابن الجارود (106)، وأحمد (6/ 55 و 134 و 174 و 189 و 209)، والطيالسي (3/ 8/ 1472)، وعبد الرزاق (1/ 268 و 322 و 324/ 1531 و 1237 و 1248)، وابن أبي شيبة (3/ 530/ 16813)، وإسحاق بن راهويه (3/ 840 و 861/ 1493 و 1524)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 14)، وأبو يعلى (8/ 237/ 4810)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (879)، وابن المنذر (2/ 205/ 788)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 36)، وفي أحكام القرآن (154)، وابن عدي في الكامل (3/ 231 و 232)، وابن المقرئ في المعجم (716)، والبيهقي (1/ 310 و 189)، وابن عبد البر (2/ 76)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 411 / 318)، والذهبي في السير (11/ 494).

وانظر: أحكام القرآن (155)، علل الدارقطني (14/ 258 و 260/ 3656 و 3610). وله متابعة تأتي برقم (273).

***

269 -

. . . يحيى، عن جابر بن صُبْح، قال: سمعت خلاس الهجري، قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه، لم يَعْدُه، ثم صلى فيه، وإن أصاب - تعني: ثوبه - منه شيء غسل مكانه ولم يَعْدُه، ثم صلى فيه.

• حديث صحيح.

أخرجه أبو داود هنا (269)، ثم أعاده في النِّكَاح برقم (2166)، والنسائي (1/ 151 و 188 - 189/ 284 و 372) و (2/ 73/ 773)، والدارمي (1/ 255/ 1013)، وأحمد (6/ 44)، وأبو يعلى (8/ 230/ 4802)، وابن حزم (2/ 182)، والبيهقي (1/ 313).

وهذا إسناد صحيح متصل؛ رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير جابر بن صبح: وهو ثقة، وثقه النسائي، وابن معين، وابن حبان، ورفع أمره يحيى بن سعيد القطان، وروى عنه، وتكلم فيه الأزدي بلا حجة [التهذيب (1/ 281)، إكمال مغلطاي (3/ 128)، الميزان (1/ 377)].

وفي معنى هذا الحديث وبابه أحاديث تأتي عند أبي داود برقم (366 - 370) و (656)، وتخرج في مواضعها، وكذلك حديث أم سلمة لما حاضت، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (77).

***

ص: 285

270 -

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة: حدثنا عبد الله -يعني: ابن عمر بن غانم-، عن عبد الرحمن -يعني: ابن زياد-، عن عُمارة بن غراب، قال: إن عمة له حدثته: أنها سألت عائشة، قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد؛ قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخل فمضى إلى مسجده، -تعني: مسجد بيته- فلم ينصرف حتَّى غلبتني عيني، وأوجعه البرد، فقال:"ادني مني" فقلت: إني حائض، فقال:"وإنْ؛ اكشفي عن فخذيك" فكشفت فخذيَّ، فوضع خده وصدره على فخذي، وحنَيْت عليه حتَّى دفئ ونام.

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (1/ 313 - 314)، وابن عبد البر (2/ 79 - 80).

هكذا رواه عبد الله بن عمر بن غانم، عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، وابن غانم: ثقة.

ورواه عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ [ثقة فاضل]، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: حدثني عمارة بن غراب: أن عمة له حدثته: أنها سألت عائشة أم المؤمنين كما، فقالت: إن زوج إحدانا يريدها فتمنعه نفسها، إما أن تكون غضبى، أو لم تكن نشيطة، فهل علينا في ذلك من حرج؟ قالت: نعم؛ إن من حقه عليك أن لو أرادك وأنت على قتب لم تمنعيه.

قالت: قلت لها: إحدانا تحيض، وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد، أو لحاف واحد، فكيف تصنع.؟ قالت: لتشد عليها إزارها ثم تنام معه، فله ما فوق ذلك، مع أني سوف أخبرك ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم: إنه كان ليلتي منه، فطحنت شيئًا من شعير، فجعلت له قرصًا، فدخل فردَّ الباب، ودخل إلى المسجد - وكان إذا أراد أن ينام أغلق الباب -، وأوكأ القربة، وأكفأ القدح، وأطفأ المصباح، فانتظرته أن ينصرف فأطعمه القرص، فلم ينصرف حتَّى غلبني النوم، وأوجعه البرد، فأتاني فأقامني، ثم قال:"أدفئيني، أدفئيني" فقلت له: إني حائض، فقال:"وإنْ؛ اكشفي عن فخديك" فكشفت له عن فخذي، فوضع خده ورأسه على فخذي، حتَّى دفئ، فأقبلت شاة لجارنا داجنة، فدخلت، ثم عمدت إلى القرص فأخذته، ثم أدبرت به، قالت: وقلقت عنه، واستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فبادرتها إلى الباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذي ما أدركت من قرصك، ولا تؤذي جارك في شاته".

أخرجه بتمامه هكذا: البخاري في الأدب المفرد (120).

وأخرجه ابن أبي عمر العدني مفرقًا مختصرًا في مسنده (1/ 121/ 215 - مطالب) و (2/ 197 - 198/ 1683 - مطالب).

وقال الحافظ: "ضعيف".

ص: 286

قلت: هو حديث ضعيف.

عمة عمارة بن غراب: مجهولة لا تعرف، قال العلامة الألباني في ضعيف أبي داود (9/ 114):"وعمة ابن غراب لم أعرفها، - ولم يوردها الحافظ في فصل المبهمات من النسوة على ترتيب من روى عنهن رجالًا ونساءً - فهي مجهولة".

وعمارة بن غراب: قال أحمد: "ليس بشيء"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يعتبر حديثه من غير رواية الإفريقي عنه"[التهذيب (3/ 212)، الميزان (3/ 178)].

وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي: ضعيف.

• وأما ما روي في الاستدفاء بالجنب فهو ضعيف أيضًا:

فقد روى حريث بن أبي مطر، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ربما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة ثم جاء فاستدفأ بي، فضممته إليَّ ولم أغتسل.

أخرجه الترمذي (123)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(102 و 103)، وابن ماجة (580)، والحاكم (1/ 154)، وإسحاق (3/ 798/ 1431 و 1432)، وأبو يعلى (8/ 4846/ 265)، وابن عدي في الكامل (2/ 200)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 336)، والدارقطني (1/ 143)، والبيهقي (1/ 187).

قال الترمذي: "هذا حديث ليس بإسناده بأس".

وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".

وتعقبه الحافظ ابن حجر في الإتحاف (17/ 532) فقال: "حديث ضعيف، لم يخرجه مسلم أصلًا ولا شاهدًا، نعم استشهد به البخاري في موضع تعليقًا"، وهو كما قال.

والحديث منكر؛ فقد قال عمرو بن علي الفلاس في حريث هذا: "ضعيف الحديث، روى حديثين منكرين؛ أحدهما: عن الشعبي عن مسروق عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة ثم يضاجعها قبل أن تغتسل"[الكامل (2/ 200)].

وقال البيهقي: "تفرد به حريث بن أبي مطر، وفيه نظر، وروي من وجه آخر ضعيف عن علقمة عن عائشة مختصرًا"[وانظر: مختصر الخلافيات (1/ 266)].

قال الترمذي: "وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين: أن الرجل إذا اغتسل فلا بأس بأن يستدفيء بامرأته وينام معها قبل أن تغتسل المرأة، وبه يقول: سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد وإسحاق".

***

271 -

قال أبو داود: حدثنا سعيد بن عبد الجبار: حدثنا عبد العزيز - يعني: ابن محمد -، عن أبي اليمان، عن أم ذرة، عن عائشة، أنها قالت: كنت

ص: 287

إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نَدْنُ منه حتى نطهر.

• حديث منكر.

قال ابن حزم في المحلى (2/ 177): "أما هذا الخبر فإنه من طريق أبي اليمان كثير بن اليمان الرحال: وليس بالمشهور، عن أم ذرة: وهي مجهولة، فسقط".

• قلت: هو خبر منكر:

فقد اتفق الشيخان على إخراج حديث: منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض [تقدم برقم (268)].

واتفقا على إخراج حديث: الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها؛ أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها [ويأتي برقم (273)].

واتفقا على إخراج حديث الشيباني، عن عبد الله بن شداد، قال: سمعت ميمونة تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض [تقدم تحت الحديث رقم (267)].

وله طريقان آخران أحدهما في مسلم: عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن غريب مولى ابن عباس، قال: سمعت ميمونة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوب [تقدم تحت الحديث رقم (267)].

واتفقا على إخراج حديث أبي سلمة: أن زينب بنت أم سلمة حدثته: أن أم سلمة حدثتها: قالت: بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة، إذ حضت فانسللت، فأخذت ثياب حيضتي، فقال في رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنفست؟ " قلت: نعم، فدعاني فاضجعت معه في الخميلة [تقدم تحت الحديث رقم (77)].

وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتزل نساءه وهن حيض، وإنما يضطجع معهن في لحاف واحد، ويباشرهن إذا كن متزرات.

فجاء حديث أبي اليمان، عن أم ذرة، عن عائشة، بخلاف ما جاء به الأسود، عن عائشة، وأين أم ذرة، من الأسود في عائشة، وصحبتها، وكثرة الرواية عنها.

ثم بخلاف ما روت ميمونة، وأم سلمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاله معهن في حال الحيض.

• فهو حديث منكر، لمخالفته للأحاديث الصحيحة الكثيرة.

ثم إن أم ذرة راويته، عن عائشة: لم يُذكر من الرواة عنها سوى ثلاثة، وذكرها ابن حبان في الثقات، وقال العجلي:"تابعية، مدنية، ثقة"، وهما معروفان بتساهلهما في توثيق المجاهيل من التابعين [التهذيب (4/ 696)] فكيف تعارض روايتها برواية الأسود بن يزيد النخعي صاحب عائشة المكثر عنها، وهو ثقة جليل فقيه مخضرم.

ص: 288

وأبو اليمان؛ كثير بن اليمان: لم يُذكر في الرواة عنه سوى اثنين، ولم يوثقه معتبر، وإنما ذكره ابن حبان في ثقاته [التهذيب (4/ 610)].

فأنى لمثل هذا الحديث أن يعارض به الأحاديث الصحاح المتفق عليها على كثرتها.

قال ابن رجب في الفتح (1/ 419): "أبو اليمان وأم ذرة: ليسا بمشهورين، فلا يقبل تفردهما بما يخالف رواية الثقات الحفاظ الأثبات".

إذا علمت ذلك ظهر لك ضعف رد ابن القيم على كلام ابن حزم، وأن الحق مع ابن حزم في تضعيفه هذا الحديث، انظر: حاشية السنن (1/ 312).

• ومما يعارض به أيضًا هذه الأحاديث الصحيحة المتكاثرة:

ما رواه ابن لهيعة، وعمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سويد بن قيس، عن ابن قريط الصدفي [وفي رواية: ابن قرط، وفي أخرى: قرط بن عوف]، قال: قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاجعك وأنت حائض؟ قالت: نعم، إذا شددت عليَّ إزاري، ولم يكن لنا إذ ذاك إلا فراش واحد، فلما رزقني الله صلى الله عليه وسلم فراشًا آخر، اعتزلت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 444)، وأحمد (6/ 91)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 77).

وابن قريط هذا: مجهول؛ وحديثه منكر.

قال ابن رجب في الفتح (1/ 418): "وابن قرظ - أو: قرط - الصدفي: ليس بالمشهور، فلا تعارض روايته عن عائشة رواية الأسود بن يزيد النخعي

".

***

272 -

. . . حماد، عن أيوب، عن عكرمة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئًا ألقى على فرجها ثوبًا.

• حديث معلول.

أخرجه ابن حزم (2/ 182)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 314)، وفي المعرفة (5/ 326/ 4207)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 251/ 293).

عكرمة هو البربري مولى ابن عباس، وقد اختلف عليه:

1 -

فرواه أيوب السختياني عنه، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هكذا.

2 -

ورواه عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج، عن عكرمة مولى ابن عباس: أن أم سلمة قالت: حضت وأنا راقدة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلح عليها ثيابها، ثم أمرها أن ترقد معه على فراش واحد، وهي حائض على فرجها ثوب شقائق.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 322/ 1236).

ص: 289

3 -

ورواه خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أم سلمة: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحاف فأصابها الحيض، فقال:"قومي فاتزري، ثم عودي".

أخرجه أحمد (6/ 323)، والبيهقي (1/ 311)، والطبراني في الكبير (23/ 282/ 615).

من طريق يزيد بن زريع [ثقة ثبت]، عن خالد به.

4 -

ورواه الوليد بن مسلم [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الأوزاعي]، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر أم سلمة، وعلى قُبُلها ثوب -يعني: وهي حائض-، وهو صائم.

أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 245/ 719)(3/ 94/ 719 - ط سعد الحميد)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/ 78).

قال أبو حاتم: "حدثنا صفوان، قال: حدثني الوليد مرة فوصله، ومرة حدثنا به فأرسله"، ثم قال:"الناس يروونه عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، والمرسل: أصح".

خالف الوليد: بشر بن بكر [التنيسي: ثقة، من أصحاب الأوزاعي]، فرواه عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى -وهو ابن أبي كثير-، قال: حدثني عكرمة، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر وهو صائم، وعلى قبلها ثوب.

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (3/ 375/ 675).

5 -

ورواه أيوب السختياني، وخالد الحذاء [وهو محفوظ عنهما]، عن عكرمة، عن أم سلمة، قالت في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقة. موقوف.

أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 531/ 16817)، وابن جرير الطبري في تفسيره (2/ 383)، وابن المنذر (2/ 207/ 792).

• قلت: بمجموع هذه الروايات يُعلم أن زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي أبهمت في الرواية الأُولى إنما هي أم سلمة رضي الله عنها.

ولا يعرف لعكرمة سماع من أم سلمة، وهو داخل في عموم قول علي بن المديني:"لا أعلمه سمع من أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم"، فإن كنا قد استثنينا من هذا العموم سماعه من عائشة، لثبوت سماعه منها، فلا دليل لإخراج أم سلمة من هذا العموم [انظر: المراسيل (297)، جامع التحصيل (532)، تحفة التحصيل (232)، التاريخ الكبير (7/ 49)، الجرح والتعديل (7/ 7)].

فيبقى على الإرسال والانقطاع حتَّى يثبت سماعه منها، وقد رجح الدارقطني في العلل (15/ 227/ 3971) قول من أرسله، مثل أبي حاتم، وهو المحفوظ: مرسل.

هذا من جهة الإسناد، وأما من جهة المتن فالذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذا الحديث مختصر من حديث: أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن زينب بنت أم سلمة: أن أم سلمة حدثتها قالت: بينما أنا مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت،

ص: 290

فانسللت، فأخذت ثياب حيضتي، فقال في رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنفست"؟ قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة. متفق عليه [البخاري (298 و 322 و 323 و 1929)، مسلم (296)]، وتقدم ذكره قريبًا، وهو مخرج تحت الحديث رقم (77).

• وعلى هذا فحديث عكرمه هذا معلول سندًا ومتنًا، فلا معنى بعد ذلك لقول الحافظ في الفتح (1/ 404):"بإسناد قوي"، ولا لقول الحافظ ابن عبد الهادي في التنقيح (1/ 230):"وإسناده صحيح"، ولا لقول الحافظ ابن رجب في الفتح (1/ 414):"وإسناده جيد"، والله أعلم.

***

273 -

الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فَوح حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟!.

• حديث متفق على صحته.

أخرجه البخاري (302)، ومسلم (293/ 2)، وأبو عوانة (1/ 258/ 893 و 894)، وأبو نعيم في مستخرجه (1/ 352/ 677)، وابن ماجة (635)، والحاكم (1/ 172)، وأحمد (6/ 33)، وإسحاق (3/ 839/ 1492)، وابن أبي شيبة (3/ 530/ 16814)، وابن حزم (6/ 206)، والبيهقي (1/ 310 - 311)، وابن عبد البر (2/ 76)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 251 / 294)، وابن حجر في التغليق (2/ 169).

ورواه أحمد (6/ 143 و 235)، من طريق: حجاج، عن عبد الرحمن بن الأسود به.

• ولحديث عائشة هذا طرق أخرى كثيرة منها ما رواه:

1 -

المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، عن عائشة قالت: كنت أدني بالإناء فأضع فمي فأشرب وأنا حائض، فيضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمه على المكان الَّذي وضعت فيشرب، وأوتى بالعرق فأنتهس فيضع فاه على المكان الَّذي وضعت، فينتهس، ثم يأمرني فأتزر وأنا حائض، وكان يباشرني.

هذا لفظ الثوري عن المقدام، وله ألفاظ أخرى.

أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 316/ 11564)، والدارمي (1/ 363/ 1061)، واللفظ له، وأبو يعلى (8/ 355/ 4939)، والمحاملي في الأمالي (338 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والبيهقي (1/ 311).

والحديث أصله في مسلم بدون هذه الزيادة، وهي زيادة محفوظة اتفق عليها جماعة من الحفاظ مثل الثوري وإسرائيل وغيرهما، وقد تقدم معنا برقم (259) فليراجع.

2 -

أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، عن عائشة، قالت: كان

ص: 291

رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضًا: أن تشد إزارها، ثم يباشرها.

أخرجه النسائي (1/ 151 و 189/ 285 و 373)، والدارمي (1/ 260/ 1047 و 1048)، وأحمد (6/ 113/ 204 و 0 2 و 160 - 161 و 174 و 182)، وإسحاق (3/ 907/ 1593 و 1594)، والطيالسي (3/ 114/ 1624)، والدولابي في الكنى (3/ 1083/ 1897)، والطحاوي (3/ 37)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (615)، والبيهقي (1/ 314)، وابن عبد البر (2/ 77)، والخطيب في التاريخ (7/ 422).

وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين، وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل: ثقة عابد مخضرم، سمع عمر بن الخطاب وابن مسعود [التقريب (465)، التاريخ الكبير (6/ 341)].

3 -

أبو عمران الجوني عبد الملك بن حبيب الأزدي، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وأنا حائض، ويصيب من رأسي [القبلة] وبيني وبينه ثوب.

أخرجه الدارمي (1/ 261/ 1052)، وأحمد (6/ 72 و 187 و 219)، وإسحاق (3/ 727 و 991/ 1333 و 1718)، والطيالسي (3/ 111/ 1620)، وأبو يعلى (7/ 460/ 4487) و (8/ 368/ 4962)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 374)، والسهمي في تاريخ جرجان (237)، والبيهقي (1/ 307 و 312).

وإسناده لا بأس، يزيد بن بابنوس: قال الدارقطني: "لا بأس به"، سمع عائشة [التاريخ الكبير (8/ 323)، التهذيب (4/ 407)].

• وهناك طرق أخرى فيها ضعف؛ انظرها في: سنن النسائي (1/ 189/ 375)، مسند أحمد (6/ 123 و 188)، مسند أبي يعلى (8/ 279/ 4865)، معجم الطبراني الكبير (10/ 314/ 10765) و (23/ 302/ 679)، المعجم الأوسط (5/ 346/ 5508) و (7/ 69 و 71 و 323/ 6875 و 6885 و 7624)، الكامل (6/ 409)، تاريخ أصبهان (1/ 319)، سنن البيهقي (7/ 191)، تاريخ بغداد (5/ 155).

• وانظر في هذا الباب: حديث عبد الله بن سعد الأنصاري: تقدم برقم (212).

وحديث معاذ بن جبل: تقدم برقم (213).

• وأما فقه المسألة:

قال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 77): "هذه الآثار كلها في معنى حديث ربيعة عن عائشة؛ وظاهرها: أن الحائض لا يباشر منها إلا ما فوق الإزار.

واختلف الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها: فقال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأبو حنيفة وأبو يوسف: له منها ما فوق المئزر.

وممن روي عنه هذا المعنى: القاسم وسالم.

وحجتهم: ما ذكرنا في هذا الباب من الآثار عن عائشة، وميمونة، وأم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 292

وقال الثوري، ومحمد بن الحسن، وبعض أصحاب الشافعي: يجتنب مواضع الدم.

وممن روي عنه هذا المعنى: ابن عباس، ومسروق، والنخعي، وعكرمة، وهو قول داود بن علي.

ومن حجتهم: حديث ثابت عن أَنس: قوله صلى الله عليه وسلم: "جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء ما خلا النِّكَاح".

ومن حجتهم أيضًا: حديث عائشة: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن حيضتك ليست في يدك".

فدل ما في هذا الحديث أن كل عضو منها ليس فيه الحيضة في الطهارة، يعني: ما كان قبل الحيض، ودل على أن الحيض ليس يغير شيئًا من المرأة مما كان عليه قبل الحيض، غير موضع الحيض وحده

ثم عاد وقال: ومن حجة من قال بالقول الأول: ما رواه زيد بن أسلم: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل في من امرأتي وهي حائض؟ فقال: "لتشد عليها إزارها، ثم شأنك بأعلاها"، وحديث ميمونة، وأم سلمة، وعائشة، على ما ذكرنا في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه لم يكن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض إلا وهي متزرة، وهو المبين عن الله مراده قولًا وعملًا صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عمر: يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم بمباشرة الحائض وهي متزرة على الاحتياط والقطع للذريعة، ولو أنَّه أباح فخذها؛ كان ذلك ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجتماع، فنهى عن ذلك احتياطًا، والمحرم بعينه موضع الأذى، ويشهد لهذا ظاهر القرآن، وإجماع معاني الآثار لئلا يتضاد، وبالله التوفيق".

وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 208)، بعد أن ذكر أقوال الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذكر حجتهم؛ قال: "الأعلى والأفضل اتباع السُّنَّة واستعمالها، ثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رحمها الله أن تتزر ثم يباشرها وهي حائض.

ولا يحرم عندي أن يأتيها دون الفرج؛ إذا اتقى موضع الأذى والفرج، بالكتاب وباتفاق أهل العلم: محرم في حال الحيض، وسائر البدن، إذ اختلفوا فيه على الإباحة التي كانت قبل أن تحيض، وغير جائز تحريم غير الفرج إلا بحجة، ولا حجة مع من منع ذلك، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} إلى قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، فقال غير واحد من علماء الناس: من حيث أمركم الله أن تعتزلوهن في حال الحيض، والمباح منها بعد أن تطهر هو الممنوع منها قبل الطهارة، والفرج محرم في حال الحيض بالكتاب والإجماع، وسائر البدن على الإباحة التي كانت قبل الحيض".

• قلت: وهذا القول أعدل الأقوال عندي، والله أعلم.

وقال ابن رجب في الفتح (1/ 414 - 417): "الاستمتاع ببدن الحائض كلُّه جائز، لا منع فيه سوى الوطء في الفرج، وأنه يستحب أن يكون ذلك من فوق الإزار، خصوصًا في أول الحيض وفورته، وإن اكتفى بستر الفرج وحده جائز، وإن استمتع بها بغير ستر بالكلية

ص: 293