المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌82 - باب في المذي - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٣

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌النوم مظنة للحدث

- ‌80 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله

- ‌81 - باب من يحدث في الصلاة

- ‌82 - باب في المذي

- ‌83 - باب في الإكسال

- ‌84 - باب في الجنب يعود

- ‌85 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

- ‌86 - باب في الجنب ينام

- ‌87 - باب الجنب يأكل

- ‌88 - باب من قال: يتوضأ الجنب

- ‌89 - باب في الجنب يؤخِّر الغسل

- ‌90 - باب في الجنب يقرأ القرآن

- ‌قراءة الجنب والحائض للقرآن

- ‌91 - باب في الجنب يصافح

- ‌92 - باب في الجنب يدخل المسجد

- ‌لبث الحائض في المسجد

- ‌93 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ

- ‌94 - باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه

- ‌95 - باب في المرأة ترى ما يرى الرجل

- ‌ 990).***96 -باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل

- ‌97 - باب في الغسل من الجنابة

- ‌98 - باب في الوضوء بعد الغسل

- ‌99 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌100 - باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك

- ‌(1/ 446).***101 -باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

- ‌(1/ 274).***102 -باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

- ‌103 - باب في الحائض تُناوِل من المسجد

- ‌(1/ 419).***104 -باب في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌105 - باب في إتيان الحائض

- ‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

- ‌107 - باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌108 - باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

- ‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌110 - باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

- ‌111 - باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا

- ‌(1/ 241/ 906).***112 -باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر

الفصل: ‌82 - باب في المذي

البزار (3/ 105/ 890)، الأوسط (60 و 77)، المعجم الأوسط (6/ 272/ 6390)، سنن الدارقطني (1/ 156)، سنن البيهقي (2/ 256)، الخلافيات (2/ 353 - 355/ 665 - 667). وانظر: علل ابن أبي حاتم (59)].

وعن ابن عمر، وقد صح عنه في الرعاف، وليس بناقض للوضوء [موطأ مالك (1/ 80/ 88)، مسند الشافعي (227)، السنن المأثورة (391)، مصنف عبد الرزاق (2/ 339 و 340/ 3609 و 3610 و 3612)، الطهور لأبي عبيد (415 - 418)، مصنف ابن أبي شيبة (2/ 13/ 5902)، الأوسط (61 و 78)، سنن البيهقي (2/ 256)، الخلافيات (2/ 352/ 664)].

وعن ابن عباس، في الرعاف [موطأ مالك (1/ 89/80)، سنن البيهقي (2/ 257)].

• ويغني من هذا كله:

ما ثبت في الصحيحين: من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، وقد تقدم برقم (60).

• قال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 99): "فائدة جليلة: أحببت أن أذكرها هنا؛ لينتفع بها من يقع منه حدث"، ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحدث أحدكم وهو في الصلاة، فليأخذ على أنفه ثم لينصرف".

قلت: هو حديث مختلف في وصله وإرساله، يأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (1114)، إن شاء الله تعالى، وانظر في هذا المعنى: الحديث الآتي برقم (234).

***

‌82 - باب في المذي

206 -

. . . عَبيدة بن حُميد الحَذَّاء، عن الرُّكين بن الربيع، عن حُصين بن قَبيصة، عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً، فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم -أو: ذُكِر له-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل! إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل".

• حديث صحيح.

أخرجه النسائي (1/ 111/ 193)، وابن خزيمة (20)، وابن حبان (3/ 391/ 1107)، والضياء في المختارة (2/ 53 و 54/ 432 و 433)، وأحمد (1/ 109)، وابن أبي شيبة (1/ 89/ 986)، والبزار (3/ 48/ 802)، وابن الغطريف في جزئه (2)، والبيهقى (1/ 169)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (42/ 5).

• تابعه: زائدة بن قدامة، وسفيان الثوري، وشريك:

أما حديث زائدة فلفظه: عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إذا رأيت المذي فتوضأ، واغسل ذكرك، وإذا رأيتَ فضخَ الماءِ فاغتسل".

ص: 28

أخرجه النسائي (1/ 112/ 194)، وابن حبان (3/ 385/ 1102)، وأحمد (1/ 125)، والطيالسي (1/ 123/ 138)، وابن أبي شيبة (1/ 89/ 985)، والبزار (803)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 46)، وفي المشكل (7/ 131)، والبيهقي (1/ 167)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 513).

وأما حديث سفيان:

فأخرجه أحمد (1/ 125)، ولم يذكر لفظه.

وأما حديث شريك:

فأخرجه أحمد (1/ 145)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 127/114):

بلفظ: عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً؛ فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته، فأمرت المقداد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد المذي؟ فقال:"ذلك ماء الفحل، ولكل فحل ماء، فليغسل ذكره وأنثييه، وليتوضأ وضوءه للصلاة".

وهذه رواية منكرة؛ بذكر المقداد فيها، وبهذه الزيادات في المتن:"ماء الفحل"، و"أنثييه"، تفرد بها شريك، وهو سيئ الحفظ، والحديث قد رواه الثقات بدون هذه الزيادات، مثل: زائدة بن قدامة، وسفيان الثوري، وعبيدة بن حميد.

• والحديث صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والضياء، واحتج به أبو داود والنسائي.

لكن قال البزار: "ولا نعلم روى حصين بن قبيصة عن علي إلا هذا الحديث، ولا نعلم أحدًا روى هذا اللفظ عن علي غيره".

وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (5/ 18): "

حصين بن قبيصة، وهو كوفي يروي عن علي وابن مسعود، روى عنه الركين بن الربيع والقاسم بن عبد الرحمن، ولا تعرف حاله".

فتعقبه الحافظ العراقي في ذيل الميزان (297)، بقوله:"ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة".

قلت: وقال العجلي: "ثقة"[معرفة الثقات (269)]، وقال ابن حجر في التقريب (154):"ثقة".

ومما يقوي أمره تصحيح ابن خزيمة وابن حبان له، واحتجاج النسائي به في صحاحه.

وقد أثبت له البخاري السماع من علي، فقال في التاريخ الكبير (3/ 5):"سمع عليًّا".

فهو حديث حسن، والله أعلم.

وأما قول البزار بأنه لا يعلم أحدًا روى هذا اللفظ عن علي غير حصين بن قبيصة، فلم ينفرد به حصين بن قبيصة:

1 -

فقد روى حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي: ثنا حسن بن صالح [هو: ابن حي]،

ص: 29

عن بيان [هو: ابن بشر الأحمسى أبو بشر الكوفي]، عن حصين بن صفوان، عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء قد آذاني؛ قال: "إنما الغسل من الماء الدافق".

أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 113/ 126)، وأبو يعلى (1/ 298/ 362)، والبيهقي (1/ 167).

وهذا إسناد كوفي رجاله ثقات مشهورون، غير حصين بن صفوان؛ فإنه: شيخ مجهول [التقريب (153)].

2 -

وروى يزيد بن أبي زياد، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي، قال: كنت رجلًا مذاءً، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال:"في المذي الوضوء، وفي المني الغسل".

أخرجه الترمذي (114)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي (97 و 98)، وابن ماجه (504)، والضياء في المختارة (2/ 266/ 644 و 645)، وأحمد (1/ 87 و 109 - 110 و 111 و 121)، وابن أبي شيبة (1/ 87/ 966)، والبزار (2/ 234/ 629 و 630)، وأبو يعلى (1/ 266 و 354/ 314 و 457)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 46)، وفي المشكل (7/ 130)، والمحاملي في الأمالي (213)، وأبو جعفر ابن البختري في جزء من أماليه (7)[مجموع مصنفاته (139)]، والطبراني في الأوسط (6/ 133/ 6009)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 62)، وفي الاستذكار (1/ 243)، والخطيب في الموضح (2/ 175).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه: "من المذي الوضوء، ومن المني الغسل"، وهو قول عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين ومن بعدهم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق".

قلت: تصحيح الترمذي لهذا الحديث إنما هو بالنظر لتعدد طرقه، ومجيئه من غير وجه صحيح، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فله أسانيد صحيحة ليس لها مدفع، وأصله متفق على صحته، كما سيأتي، وليس يخفى على الترمذي أمر يزيد بن أبي زياد الكوفي وكلام أهل العلم فيه؛ فإنه في الأصل صدوق عالم إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن تلقن، فهو: ليس بالقوى؛ كما قال أكثر النقاد [انظر: التهذيب (9/ 344)، الميزان (4/ 423)، الجامع في الجرح والتعديل (3/ 315)]، وقد أمنا تدليسه؛ حيث صرح بالتحديث، وقد رواه جماعة من الحفاظ عن يزيد.

وعبد الرحمن بن أبي ليلى قد سمع من علي، وروايته عنه في الصحيحين [التاريخ الكبير (5/ 368)، التهذيب (5/ 167). أثبت سماعه: ابن معين والبخاري].

فهذه متابعة جيدة لحديث حصين بن قبيصة، وبها يصح الحديث؛ بهذا السياق؛ أعني زيادة:"فإذا فضخت الماء فاغتسل".

ص: 30

3 -

وروى رزام بن سعيد الضبي، قال: سألت جوابًا التيمي عن المذي؟ فقال: سألت عنه أبا إبراهيم يزيد بن شريك فألجأ الحديث إلى عليٍّ، وألجأ عليّ الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد شحبت، فقال لي:"يا علي لقد شحبت؟ " قلت: شحبت من اغتسالي بالماء، وأنا رجل مذاء، فإذا رأيت منه شيئًا اغتسلت منه، قال:"لا تغتسل منه يا علي؛ إلا من الحذف، فإن رأيت منه شيئًا فلا تعْدُ أن تغسل ذكرك، ولا تغتسل إلا من الحذف"، يعني: المني.

كذا رواه أبو نعيم عن رزام، ولفظ أبي أحمد الزبيري عنه عند أحمد: كنت رجلًا مذاءً" فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "إذا حذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل".

أخرجه أحمد (1/ 107)، والسهمي في تاريخ جرجان (173)، وابن عدي في الكامل (2/ 177)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (510).

وهذا إسناد صحيح متصل، رجاله ثقات كوفيون، وجواب بن عبيد الله التيمي: ثقة، وثقة ابن معين ويعقوب بن سفيان، وأما تضعيف ابن نمير له فإنه معتمد على كون الثوري رآه فلم يحمل عنه، وإنما لم يحمل عنه الثوري لأنه كان مرجئًا، كما بيَّن ذلك الثوري نفسه في رواية أبي نعيم عنه، فهو: ثقة لم تثبت فيه جرحة من قِبل الرواية، قال ابن عدي:"وجواب التيمي كان قاصًا، وكان بجرجان، وهو كوفي سكن جرجان، وليس له من الحديث المسند إلا القليل، وله مقاطيع في الزهد وغيره، ولم أر له حديثًا منكرًا في مقدار ما يرويه، وكان يرمى بالإرجاء"، وذكره ابن حبان في الثقات [انظر: الجرح والتعديل (2/ 535)، الكامل (2/ 177)، التهذيب (2/ 91)، الميزان (1/ 426)].

ويزيد بن شريك بن طارق التيمي والد إبراهيم: قد سمع علي بن أبي طالب، وروايته عنه في الصحيحين [البخاري (1870 و 3172 و 3179 و 6755 و 7300)، مسلم (1370)].

• وحاصل ما تقدم: فإن حديث حصين بن قبيصة عن علي حديث صحيح، بهذه المتابعات الثلاث.

• ثم وجدت متابعة رابعة:

فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (967/ 87/1) قال: حدثنا هشيم، عن منصور، عن الحسن، عن علي، قال: كنت أجد مذيًا؛ فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن ابنته عندي؛ فاستحييت أن أسأله، فقال:"إن كل فحل يمذي، فإذا كان المني ففيه الغسل، وإذا كان المذي ففيه الوضوء".

وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، الحسن بن أبي الحسن البصري: لا يعرف له سماع من علي، إنما رآه رؤية [المراسيل (31)، جامع التحصيل (162)، تحفة التحصيل (67)]، وهشيم مدلس، وقد عنعنه.

ص: 31

• والمحفوظ في حديث علي الذي فيه سؤال المقداد: "فيه الوضوء" أو: "توضأ، واغسل ذكرك"، وليس فيه هذه الزيادة:"فإذا كان المني فيه الغسل".

وقد رواه بدون هذه الزيادة: روح بن عبادة، قال: نا أشعث، عن الحسن، قال: قال علي رضي الله عنه: كنت رجلًا مذاءً؛ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "فيه الوضوء".

أخرجه البزار (2/ 177/ 552).

• فائدة: في هذا الحديث ومتابعاته: أن الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم هو علي نفسه، ليس بينها واسطة.

***

207 -

. . . مالك، عن أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل [له] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهل فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا أستحي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة".

• إسناده منقطع، إلا أنه حديث صحيح، لثبوته من طرق أخرى صحيحة رواه مالك في موطئه (1/ 82/ 95)، ومن طريقه: النسائي (1/ 97 و 215/ 156 و 440)، وابن ماجه (505)، وابن خزيمة (21)، وابن حبان (3/ 383 - 384 و 389/ 1101 و 1106)، وابن الجارود (5)، والشافعي في الأم (1/ 17)، وفي المسند (12)، وأحمد (6/ 4 و 5)، وعبد الرزاق (1/ 156/ 600)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 133/ 20)، والمحاملي في الأمالي (163)، والطبراني في الكبير (20/ 251/ 596)، والجوهري في مسند الموطأ (387)، وابن حزم في المحلى (1/ 106)، والبيهقي (1/ 115)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 514).

قال ابن حبان: "مات المقداد بن الأسود بالجرف، سنة ثلاث وثلاثين، ومات سليمان بن يسار سنة أربع وتسعين، وقد سمع سليمان بن يسار من المقداد وهو ابن دون عشر سنين".

قلت: قد خالف ابن حبان نفسه في تأريخ سنة وفاة سليمان بن يسار، فقال في الثقات (4/ 301):"مات سنة تسع ومائة، وكان له يوم توفي ست وسبعون سنة، وقد قيل: توفي سنة أربع ومائة، ويقال أيضًا: سنة عشر ومائة، وهذا أصح، وكان مولده سنة أربع وثلاثين".

ثم خالف نفسه مرة أخرى، فقال في مشاهير علماء الأمصار (432):"كان مولده سنة أربع وثلاثين، ومات سنة تسع ومائة".

ص: 32

وعلى هذا يكون لابن حبان ثلاثة أقوال في سنة وفاته: (94) و (109) و (110).

واعتمد على الأول في إثبات سماع سليمان بن يسار من المقداد؛ ولعل كلامه في الثقات أضبط منه في غيره، وذلك لكونه جمع الأقوال ونظر فيها، ثم رجح ما صح عنده، وعلى هذا فهو متضمن لنفي السماع والإدراك بالكلية، لكون سليمان ولد بعد سنة من وفاة المقداد، والله أعلم.

وقد ذكر الذهبي أن الجمهور على أن سليمان مات سنة سبع ومائة، وضعَّف بقية الأقوال، قال في السير (4/ 446 - 447):"وقال ابن سعد: كان ثقة عالمًا رفيعًا فقيهًا كثير الحديث، مات سنة سبع ومائة، وكذا أرَّخه مصعب بن عبد الله وابن معين والفلاس وعلي بن عبد الله التميمي والبخاري وطائفة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، قلت: فيكون مولده في أواخر أيام عثمان في سنة أربع وثلاثين، وقال يحيى بن بكير: توفي سنة تسع، وهذا وهم، لعله تصحف، وقال خليفة: مات سنة أربع، وقال الهيثم بن عدي: سنة مائة، وهذا شاذ، وأشذ منه: رواية البخاري عن هارون بن محمد عن رجل: أنه مات هو وابن المسيب وعلي بن الحسين وأبو بكر بن عبد الرحمن: سنة الفقهاء: سنة أربع وتسعين"[انظر: طبقات ابن سعد (5/ 174)، التاريخ الأوسط (1/ 235)، مولد العلماء ووفياتهم (1/ 239 و 257 و 261)، التعديل والتجريح (3/ 1121)، تذكرة الحفاظ (1/ 91)، التهذيب (3/ 513)].

هكذا نسب الذهبي للبخاري القول بأنه مات سنة (107)؛ كقول الجمهور، وقد يقال: إن هذا القول ذكره البخاري ولم يعتمده بل ضعفه؛ فقال في الأوسط (1/ 371): "وقد سمع أسامة بن زيد من سليمان مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال -ولم يصح عندي-: مات سنة سبع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة".

قلت: هذه الجملة نقلها مغلطاي في إكماله (6/ 103) هكذا: "وقد سمع أسامة من سليمان بن يسار، ويقال: لم يصح، مات سنة سبع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة".

فلعلها هي نفس النسخة التي وقعت للذهبي، وعليه: فالذهبي لم يخطئ في نسبة هذا القول إلى البخاري، لكن الذي يظهر لي -والله أعلم- أن البخاري ضعف هذا القول -كما جاء في المطبوع-، وذلك لأنه ترجم لسليمان بن يسار فيمن مات بين التسعين إلى المائة [انظر: التاريخ الأوسط (1/ 371 و 378)].

والحاصل: أن الجمهور على أن سليمان بن يسار مات سنة (107)، بعد أن عاش (73) سنة، وعليه: فيكون مولده سنة (34)؛ أي: بعد وفاة المقداد [ت (33)] بسنة واحدة، فلم يدركه.

وعليه: فالإسناد منقطع.

ولم أر أحدًا أثبت سماع سليمان من المقداد سوى ابن حبان في صحيحه، ولعله لذلك أثبته العلائي في جامع التحصيل (263).

ص: 33

وقد نفاه جماعة، منهم: ابن عبد البر، والقاضي عياض، وأبو زرعة العراقي، والذهبي.

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 59): "هذا إسناد ليس بمتصل؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد، ولا من علي، ولم ير واحدًا منهما، ومولد سليمان بن يسار سنة أربع وثلاثين، وقيل: سنة سبع وعشرين، ولا خلاف أن المقداد توفي سنة ثلاث وثلاثين".

وقال القاضي عياض في الإكمال (2/ 139): "وسليمان بن يسار: لم يسمع من علي، ولا من المقداد".

واعتمد على قوله أبو زرعة العراقي، فقال في تحفة التحصيل (139): "لا يمكن سماعه من المقداد؛ لأن الجمهور على أنه مات سنة سبع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، فيكون مولده سنة أربع وثلاثين أو نحوها، فلا يمكن سماعه من المقداد

".

وقال الذهبي في السير (4/ 445): "وما أراه لقيه"، وقد قال بقول الجمهور المقتضي لعدم الإدراك.

وقد نفى سماعه أيضًا: الإمام الشافعي، وتبعه البيهقي.

قال المنذري في مختصر السنن: "وقال الشافعي: حديث سليمان بن يسار عن المقداد: مرسل؛ لا نعلمه سمع منه شيئًا، قال البيهقي: هو كما قال".

ومع هذا فإن الحديث صحيح ثابث من طرقٍ عن علي، قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 239):"والحديث ثابت عند أهل العلم صحيح، له طرق شتى عن علي، وعن المقداد، وعن عمار أيضًا، كلها صحاح حسان".

قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 59): "وبين سليمان بن يسار وعلي في هذا الحديث: ابن عباس، وسماع سليمان بن يسار من ابن عباس غير مدفوع".

وقال البيهقي (1/ 115): "هكذا. رواه أبو النضر عن سليمان، ورواه بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان عن ابن عباس موصولًا".

قلت: حديث ابن عباس عن علي:

يرويه عبد الله بن وهب، قال: أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، قال: قال علي بن أبي طالب: أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن المذي، يخرج من الإنسان، كيف يفعل به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"توضأ وانضح فرجك".

أخرجه مسلم (19/ 303)، وأبو عوانة (1/ 229/ 763 و 764)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 359/ 694)، والنسائي (1/ 214/ 438)، وابن خزيمة (22)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 104)، والبزار (2/ 102/ 452)، وابن عدي في الكامل (6/ 428)، والدارقطني في الغرائب (1/ 222 - 223 - أطرافه)، والبيهقي (1/ 115)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 59).

ص: 34

كذا أخرجه مسلم في صحيحه خاتمًا به الباب الذي صدره بالرواية المتفق عليها، ويأتي تخريجها، وصححه ابن خزيمة، وأبو عوانة.

لكن قد أعلوه بعلل:

قال البزار: ولا نعلم روى سليمان بن يسار عن ابن عباس عن علي إلا هذا الحديث، ولا له إسناد إلا هذا الإسناد.

وقال الدارقطني في الأفراد: تفرد به مخرمة بن بكير عن أبيه بهذا الإسناد، ولا نعلم رواه عنه غير عبد الله بن وهب.

هذه علة.

وعلة ثانية: قال النسائي بعد حديث ابن وهب هذا: مخرمة لم يسمع من أبيه شيئًا.

وبهذا قال أحمد، وابن معين، وابن المديني، وحماد بن خالد الخياط، وموسى بن سلمة، وابن حبان [انظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء برقم (459)(3/ 999) و (529)(3/ 1081 - 1082)].

وروايته عن أبيه إنما هي من كتاب أبيه وجادة.

وعلة ثالثه: قال الدارقطني في التتبع (136): وأخرج مسلم حديث: ابن وهب، عن مخرمة، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، قال: قال على: أرسلت المقداد

في حديث المذي.

وقال حماد بن خالد: سألت مخرمة: سمعت من أبيك شيئًا؟ قال: لا.

وقد خالفه الليث عن بكير عن سليمان، فلم يذكر ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر أيضًا. [وانظر: الإمام (2/ 230)].

وأعله النسائي أيضًا، لما ذكر الاختلاف في هذا الحديث على بكير بن عبد الله بن الأشج، بحديث الليث عن بكير، وبحديث مالك عن أبي النضر.

قال النسائي (1/ 214/ 439): أخبرنا سويد بن نصر، قال: أنبأنا عبد الله، عن ليث بن سعد، عن بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، قال: أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الرجل يجد المذي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغسل ذكره ثم ليتوضأ".

والليث بن سعد: أثبت وأحفظ من مخرمة بن بكير بمراتب، والليث قد سمع من بكير بن الأشج نحوًا من ثلاثين حديثًا، وأما رواية مخرمة عن أبيه فإنما هي وجادة، ولم يسمع منه شيئًا [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 352)]، وكثيرًا ما يدخل الخلل والوهم والخطأ على المحدث إذا روى من صحيفة وجدها ولم يسمعها.

وقد تابعه مالك عن أبي النضر عن سليمان؛ فلم يذكر ابن عباس أيضًا.

وهذا هو المحفوظ في هذا الحديث، والله أعلم.

ص: 35

• وعلى هذا: فإن حديث سليمان بن يسار -من رواية مالك، ومن رواية الليث-: مرسل، إلا أنه حديث صحيح، لثبوته من طرق أخرى صحيحة؛ منها:

1 -

ما رواه الأعمش، قال: سمعت منذرًا الثوري [يعني: أبا يعلى منذر بن يعلى الثوري]، يحدث عن محمد ابن الحنفية، عن علي، قال: استحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله، فقال:"فيه الوضوء".

رواه عن الأعمش: الثوري، وشعبة، وأبو معاوية، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن داود الخريبي، ووكيع بن الجراح، وهشيم.

وهذا لفظ الثوري وشعبة وأبي معاوية وجرير وعبد الله بن داود.

ولفظ وكيع: "يغسل ذكره، ويتوضأ".

ولفظ هشيم: "إن كل فحل يمذي، فإذا كان المني ففيه الغسل، وإذا كان المذي ففيه الوضوء".

أخرجه البخاري (132 و 178)، من طريق جرير والخريبي، ومسلم (303/ 17 و 18)، من طريق شعبة لكن بلفظ:"منه الوضوء". ومن طريق وكيع وأبي معاوية وهشيم، لكن حمله على لفظ وكيع، ولعل هذا من ابن أبي شيبة الراوي عنهم، حيث جمعهم في إسناد واحد. وأبو عوانة (1/ 228 - 229/ 762)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 358 و 359/ 692 و 693)، والنسائي (1/ 97 و 214/ 157 و 437)، وابن خزيمة (19)، وأحمد (1/ 82 و 124 و 140)، وابنه في زيادات المسند (1/ 80)، والطيالسي (1/ 102/ 106)، وعبد الرزاق (1/ 157/ 604)، وابن أبي شيبة (1/ 87/ 968)، والبزار (2/ 248/ 651)، وأبو يعلى (1/ 458/354)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 46)، وفي المشكل (7/ 129)، وابن الأعرابي في المعجم (1010)، والطبراني في الكبير (20/ 237/ 561)، والبيهقي (1/ 115)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 62)، وفي الاستذكار (1/ 242)، والخطيب في الأسماء المبهمة (389)، والبغوي في شرح السنَّة (1/ 330/ 159)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 319)، وابن حجر في التغليق (2/ 121 - 122).

قال الدارقطني في الأفراد (1/ 262 - أطرافه): "صحيح من حديث الأعمش عن منذر الثوري عن ابن الحنفية".

وقال ابن عبد البر: "هذا حديث مجتمع على صحته، لا يختلف أهل العلم فيه، ولا في القول به، والمذي عند جميعهم يوجب الوضوء

".

• ومن الأوهام التي وقعت في هذا الإسناد:

ما رواه محمد بن معمر [هو: ابن ربعي القيسي البصري البحراني: صدوق]، قال: نا روح، قال: نا الثوري، عن هشام بن أبي يعلى، عن محمد ابن الحنفية، عن علي قال: كنت رجلًا مذاءً

الحديث.

ص: 36

أخرجه النسائي في مسند علي [تهذيب الكمال (30/ 265)، وتهذيبه (9/ 63)]، والبزار (2/ 252/ 659).

قال النسائي: "هذا خطأ"[التهذيبان].

وفي الخلاصة (410): "قال النسائي: الصواب: منذر أبو يعلى".

والصواب: ما رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، قال: حدثنا أبو يعلى، عن محمد بن الحنفية، أن عليًّا قال:

الحديث [المصنف (604)].

قال البزار: "ولا نعلم أسند الثوري عن هشام بن أبي يعلى إلا هذا الحديث".

قلت: الحق: أنه لا وجود في مشايخ الثوري من يدعى بهذا الاسم، وإنما هو خطأ من الرواة، وإنما يرويه الثوري، عن الأعمش، عن أبي يعلى، كما تقدم.

ومع هذا فقد ترجم له ابن حبان في الثقات (7/ 568)، وقال الذهبي وابن حجر:"مجهول"[الميز ان (4/ 305)، المغنى (2/ 712)، التقريب (642)].

وانظر في الأوهام أيضًا: علل ابن أبي حاتم (1/ 30/ 56).

• وقد تابع الأعمش على هذا الحديث:

حجاج بن أرطأة، عن منذر الثوري، عن ابن الحنفية، عن علي به.

أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 103)، والبزار (2/ 249/ 652).

• وله إسناد آخر عن ابن الحنفية لكن لا يصح [عند: البزار (2/ 247/ 650)].

• وقد وهم في إسناد هذا الحديث على الأعمش: عبيدة بن حميد:

فالحديث قد رواه جماعة من الحفاظ: الثوري، وشعبة، وأبو معاوية، وهشيم، ووكيع، وجرير، وعبد الله بن داود الخريبي:

سبعتهم: عن الأعمش، عن منذر أبي يعلى، عن ابن الحنفية، عن علي به، كما تقدم.

خالفهم ولم يتابع عليه:

عبيدة بن حميد الحذاء [وهو صدوق ربما أخطأ]، فرواه عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن علي، قال:

فذكره بنحو حديث الجماعة.

أخرجه النسائي (1/ 214/ 436)، وابن خزيمة (23)، وأحمد (1/ 110)، والبزار (2/ 101/ 451)، وأبو يعلى في المعجم (39)، والطحاوي (1/ 46)، والدارقطني في الأفراد (1/ 222 - أطرافه)، والمحاملي في الأمالي (142)، وابن الغطريف في جزئه (1)، والصيداوي في معجمه (337)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 288)، والسبكي في طبقات الشافعية (3/ 27).

أعله النسائي بحديث شعبة عن الأعمش.

وقال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن جبير عنه"، يعني: عن ابن عباس، عن علي.

ص: 37

وقال في العلل (4/ 118/ 460): "ولم يتابع على هذا القول، وحديث ابن الحنفية هو: الصحيح. قيل للدارقطني: هل ليس عبيدة بن حميد من الحفاظ؟ قال: بلى".

2 -

الطريق الثانية: يرويها زائدة بن قدامة، عن أبي حصين عثمان بن عاصم، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال: كنت رجلًا مذاءً، فأمرت رجلًا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فسأل فقال:"توضأ، واغسل ذكرك".

أخرجه البخاري (269)، وابن حبان (3/ 388/ 1104)، بلفظ:"إذا رأيت الماء فاغسل ذكرك وتوضأ، وإذا رأيت المني فاغتسل"، وأحمد (1/ 125)، والطيالسي (1/ 122 - 123/ 137)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 134/ 21) و (2/ 139 - 140/ 690)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 46)، وفي المشكل (7/ 129)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (234)، بنحو لفظ ابن حبان، وابن حزم في المحلى (1/ 106)، والبيهقي (1/ 356) و (2/ 410)، والخطيب في الأسماء المبهمة (388).

والنفس لا تطمئن إلى ثبوت هذه الزيادة من حديث زائدة عن أبي حصين، كما جاءت عند ابن حبان والرامهرمزي، ويظهر لي أنها إنما هي من حديث زائدة عن الركين بن الربيع، المتقدم برقم (206).

فإن الحديثين قد رواهما عن زائدة بالإسنادين: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو الوليد الطيالسي، وأبو داود الطيالسي، وعبد الله بن رجاء، ويحيى بن أبي بكير؛ فلم يأتوا بالزيادة من حديث زائدة عن الركين، فيجعلوها في حديث زائدة عن أبي حصين؛ مما يدل على عدم ثبوت هذه الزيادة في حديث أبي حصين، وإنما هي من حديث الركين، هكذا فرق بين الحديثين هؤلاء الحفاظ، وعلى رأسهم ابن مهدي.

وقد روى هذه الزيادة في الحديثين معًا: حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، إلا أنها وهمٌ منه.

ورواها أيضًا عمرو بن مرزوق من حديث أبي حصين، ولم أقف له على رواية لحديث الركين.

فالذي يظهر لي -والله أعلم-: أنه دخل لحسين بن علي، وعمرو بن مرزوق: حديث في حديث، أعني: حديث الركين في حديث أبي حصين، وقد روى الحفاظ الحديثين فلم يخلطا بينهما في المتن.

• والحديث قد رواه أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاءً؛ فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ابنته كانت عندي، فأمرت رجلًا فسأله، فقال:"منه الوضوء".

أخرجه النسائي (1/ 96/ 152)، وابن خزيمة (18)، وابن الجارود (6)، وأحمد (1/ 129)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 116/ 98)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 513).

ص: 38

• وروي عن الثوري:

رواه عنه بشر بن السري، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، بنحو حديث ابن عباس.

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في معجمه (3/ 741)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 301).

قال أبو نعيم: "غريب من حديث الثوري، تفرد به عنه بشر، وأبو حصين اسمه: عثمان بن عاصم: كوفي".

وبشر بن السري: ثقة متقن؛ لكن له غرائب عن الثوري.

• وقد روي أن السائل هو عمار بن ياسر، ولا يصح:

روى سفيان بن عيينة، قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني عطاء بن أبي رباح، قال: سمعت عائش بن أنس، يقول: سمعت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول: كنت أجد من المذي شدة، فأردت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت ابنته عندي، فاستحييت أن أسأله، فأمرت عمارًا فسأله، فقال:"إنما يكفي منه الوضوء".

أخرجه النسائي (1/ 97/ 154)، وأحمد (4/ 320)، والحميدي (39)، وأبو يعلى (1/ 354/ 456)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (99)، والطحاوي (1/ 47)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 34)، والبيهقي في المعرفة (1/ 266/ 266)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 60)، والخطيب في الأسماء المبهمة (389)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 514).

رواه عن ابن عيينة هكذا: الحميدي -وهو راويته-، والإمام أحمد بن حنبل، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وقتيبة بن سعيد، وأبو خيثمة، وعبيد الله بن موسى، وعبد الله بن محمد الزهري، ومحمد بن عبد الله المقري.

خالفهم: سعيد بن منصور، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس: أنه سمع علي بن أبي طالب بالكوفة

وذكر الحديث مثله.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 60).

وقد وهم فيه سعيد بن منصور، وسلك فيه الجادة والطريق السهل، وإنما هو عائش بن أنس، كما قال جماعة الحفاظ.

تابع ابن عيينة: معقل بن عبيد الله الجزري [صدوق يخطئ]، فرواه عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن عائش بن أنس، عن عمار بن ياسر، قال: أرسلني علي

الحديث.

أخرجه العقيلي (1/ 34).

ووهم فيه معقل إذ جعله من مسند عمار، وإنما هو من مسند علي.

خالف ابن عيينة ومعقل الجزري:

معمر بن راشد، فرواه عن عمرو بن دينار، به، إلا أنه جعل السائل هو المقداد، وقال في المتن:"ليغسل ذكره وليتوضأ، ثم لينضح في فرجه".

ص: 39

أخرجه عبد الرزاق (1/ 157/ 601)، ومن طريقه: العقيلي (1/ 34)، والطبراني في الكبير (20/ 238/ 562).

وهذا خطأ من معمر، والصواب: ما رواه سفيان بن عيينة؛ فإنه أثبت الناس في عمرو بن دينار، وأعلم الناس بحديثه، كما قال أحمد وابن معين وابن المديني وأبو حاتم والدارقطني [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 684)]، ومعمر بن راشد: ثبت في الزهري وابن طاووس خاصة، وحديثه عنهما مستقيم، وأما حديثه عن غيرهما فيقع فيه الوهم الشيء بعد الشيء، وهذا منه [انظر: شرح العلل (2/ 774 و 804)].

• وقد تابع عمرو بن دينار على هذا الحديث:

ابن جريج، قال: حدثنا عطاء، عن عائش بن أنس البكري، قال: تذاكر علي وعمار والمقداد المذي، فقال علي:

فذكر الحديث، إلا أنه لم يعين السائل: عمار أو المقداد، سماه عائش، ونسيه الراوي، وجعل متن الحديث المرفوع بنحو حديث معمر.

أخرجه أحمد (6/ 5)، وعبد الرزاق (1/ 155/ 597)، وابن المنذر في الأوسط (1/ 243 - 244/ 153) و (2/ 140/ 691)، والعقيلي (1/ 34 - 35)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 60)، والخطيب في الأسماء المبهمة (390).

رواه عن ابن جريج: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرزاق.

خالفهما: مخلد بن يزيد [وهو صدوق له أوهام]، فرواه عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: تذاكر علي والمقداد وعمار، فقال علي:

وذكر الحديث، ولم يعين السائل نسيه الراوي.

أخرجه النسائي (1/ 213 - 214/ 435).

وهذا وهم من مخلد بن يزيد؛ حيث جعل ابن عباس بدل عائش بن أنس، فسلك الجادة والطريق السهل.

والمحفوظ: ما رواه القطان وعبد الرزاق.

• وهكذا روى الحديث: عمرو بن دينار، وابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائش بن أنس، عن علي.

وخالفهم: ابن أبي نجيح، فرواه عن عطاء، عن إياس بن خليفة، عن رافع بن خديج: أن عليًّا أمر عمارًا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال:"يغسل مذاكيره ويتوضأ".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 437)، والنسائي (1/ 97/ 155)، وابن حبان (3/ 389/ 1105)، وأبو يعلى في المعجم (115)، والطحاوي (1/ 45)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 33)، والطبراني في الأوسط (1/ 219/ 717) و (8/ 246/ 8534)، وفي الكبير (4/ 285 و 286/ 4440 و 4441)، والخطيب في الأسماء المبهمة (390)، والمزي في التهذيب (3/ 401).

ص: 40

قلت: لم يخرجه النسائي احتجاجًا به، ولكن لبيان الاختلاف في هذا الحديث وبيان علته، فقد ختم الأحاديث التي ساقها بالصحيح، وبدأها بالمعلول، وهذا منها، وهذه عادة النسائي أنه يبدأ بالإسناد الذي وقع فيه الغلط، ويختم بما صح عنده.

وأما ابن حبان فهو معروف بتساهله في توثيق المجاهيل، وتصحيح أحاديثهم، ورجال هذا الإسناد ثقات خلا إياس بن خليفة الذي لم يرو عنه سوى عطاء بن أبي رباح، ومع هذا فهو قليل الحديث، كما قال عنه ابن سعد في الطبقات (5/ 477)، ومن قواه فإنما نظر إلى رواية عطاء عنه، وإلى متن حديثه المعروف، سوى أنه أخطأ في جعل السائل عمارًا بدلًا من المقداد.

لكن ما قاله فيه العقيلي أقرب إلى الصواب، حيث قال في الضعفاء:"مجهول في الرواية، في حديث وهم".

والحق أن ذكره في هذا الإسناد إنما هو وهم محض، فلسنا بحاجة إلى تحقيق القول فيه، إذ إن حديثه هذا غير محفوظ.

والمحفوظ: ما رواه ابن جريج وعمرو بن دينار [وهما أثبت وأكثر من ابن أبي نجيح]، روياه عن عطاء بن أبي رباح، عن عائش بن أنس، عن علي.

وابن جريج: أثبت الناس في عطاء [قاله أحمد]، وقد لزمه سبع عشرة سنة.

قال الدارقطني: "والصواب: ما قال عمرو بن دينار وابن جريج، عن عطاء، والله أعلم".

• عندئذ نقول: فما حال عائش بن أنس؟

نقول: فصل فيه ابن خراش، فقال:"مجهول"، وهو كذلك، إذ لم يرو عنه سوى عطاء، ولا يُعرف له غير هذا الحديث، وحديثه غير محفوظ؛ إذ جعل السائل هو عمار بدلًا عن المقداد [انظر: الميزان (2/ 364)، التهذيب (4/ 179)].

وقد جاء في الأحاديث الصحيحة: أن السائل هو المقداد، كما روى منذر الثوري عن ابن الحنفية عن علي [وهو في الصحيحين]، وكما في حديث سليمان بن يسار عن المقداد [الذي رواه مالك في الموطأ]؛ وغيرهما مما مضى، ومما سيأتي.

وعلى هذا: فإن ذكر عمار بن ياسر في هذا الحديث يعد منكرًا؛ لتفرد عائش بن أنس به، وهو مجهول، والله أعلم.

وللحديث أسانيد أخرى أعرضنا عن ذكرها اكتفاء بما تقدم من الصحيح المتفق عليه، لكن نكتفي بالإشارة إلى مصادرها وهي: مسند أحمد (1/ 108)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 89/ 987)، شرح المعاني (1/ 46)، الكامل (3/ 273).

***

208 -

. . . زهير، عن هشام بن عروة، عن عروة: أن علي بن أبي طالب قال للمقداد

، وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليغسل ذكره وأنثييه".

ص: 41

قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة: عن هشام، عن أبيه، عن المقداد، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

• إسناده منقطع، وهو شاذ بزيادة:"وأنثييه".

***

209 -

قال أبو داود: حدثنا [عبد الله بن مسلمة] القعنبي: حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حديثٍ حُدِّثه عن علي بن أبي طالب، قال: قلت: للمقداد، فذكر معناه.

قال أبو داود: ورواه المفضل بن فضالة، والثوري، وابن عيينة، عن هشام، عن أبيه، عن علي.

ورواه ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكر:"أنثييه".

• إسناده منقطع، وهو شاذ بزيادة:"وأنثييه".

قلت: حاصل هذا الاختلاف على هشام بن عروة:

أن منهم من رواه: عن هشام، عن أبيه، عن علي.

ومنهم من رواه: عن هشام، عن أبيه، عن المقداد.

ومنهم من رواه: عن هشام، عن أبيه، حُدِّثه عن علي.

أولًا: من رواه عن هشام، عن أبيه، عن علي:

رواه سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وزهير بن معاوية، وحماد بن زيد، وجرير بن عبد الحميد، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وابن جريج، ومعمر بن راشد، والمفضل بن فضالة:

عشرتهم [وهم: ثقات حفاظ]: رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عليًّا رضي الله عنه قال للمقداد: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يدنو من المرأة فيمذي؛ فإني أستحيي منه لأن ابنته عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ".

أخرجه أبو داود (208)، والنسائي (1/ 96/ 153)، وأحمد (1/ 124 و 126)، وعبد الرزاق (1/ 157/ 602 و 603)، والهيثم بن كليب في مسنده (3/ 425/ 1533)، وابن الأعرابي في المعجم (1438)، والطبراني في الكبير (20/ 238/ 563)، والبيهقي (2/ 410)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 299).

ثانيًا: من رواه عن هشام، عن أبيه، عن المقداد:

رواه الثوري [إن صح عنه، فلم أره موصولًا، وإنما ذكره أبو داود معلقًا]، ومحمد بن إسحاق:

ص: 42

كلاهما: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المقداد بن الأسود، قال: قال لي علي: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يلاعب امرأته فيخرج منه المذي، من غير ماء الحياة؟ قال:"يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة".

لم يذكر ابن إسحاق: "أنثييه".

أخرجه أحمد (4/ 79) و (6/ 2).

ثالثًا: من رواه عن هشام، عن أبيه، حُدِّثه عن علي:

رواه مسلمة بن قعنب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حديث حُدِّثه عن علي بن أبي طالب، قال: قلت للمقداد

فذكر معناه.

أخرجه أبو داود (209).

ورواية جماعة الحفاظ: أولى بالصواب.

وعلى هذا: فإن الإسناد رجاله ثقات؛ إلا أنه منقطع فيما بين عروة وعلي، فإنه لا يُعرف لعروة سماع من علي، وإن كان قد أدركه، بل إن هذه الرواية مشعرة بالانقطاع، ففيها:"عن عروة: أن عليًّا"، أو:"عن عروة قال: قال علي".

وأما قول مسلم في التمييز: "حج عروة مع عثمان، وحفظ عن أبيه الزبير، فمن دونهما من الصحابة"، فإنه عموم لا يلزم منه دخول علي بن أبي طالب فيه قطعًا إلا من علمنا بأنه سمع منه من الصحابة.

وأما رواية عروة عن علي خاصة فقد قطع الإمام أبو حاتم بأنها مرسلة، مما يعني وجوب التسليم له في ذلك، إذ لم يعارضه إمام مثله.

قال ابن أبي حاتم في المراسيل (541): "سمعت أبي يقول: عروة بن الزبير عن أبي بكر الصديق: مرسل، وعن علي: مرسل، وعن بشير بن النعمان: مرسل".

وقال في العلل (1/ 188/ 138): "وسألت أبي عن رواية عروة عن علي؟ فقال: مرسل"[وانظر أيضًا: جامع التحصيل (236)، تحفة التحصيل (226)، التهذيب (5/ 548)، إكمال مغلطاي (9/ 225)].

• ورُويت هذه الزيادة: "وأنثييه" من طريق آخر:

قال أبو عوانة في صحيحه (1/ 229/ 765): حدثنا موسى بن سهل، قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز، ويزيد بن خالد بن مُرشل، قالا: ثنا سليمان بن حيان، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن عَبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب، قال: كنت رجلًا مذاءً فاستحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسلت المقداد فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يغسل أنثييه وذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة".

قال ابن حجر في التلخيص (1/ 206): "وإسناده لا مطعن فيه".

قلت: في ثبوت هذا الإسناد إلى هشام بن حسان: نظر؛ فإن هذا الإسناد من لدن هشام فمن فوقه من أصح الأسانيد، وقد أخرج به الشيخان حديث: "ملأ الله بيوتهم

ص: 43

وقبورهم نارًا" [البخاري (2931 و 4111 و 4533 و 6396)، مسلم (627)]، فإن كان سليمان بن حيان [وهو أبو خالد الأحمر]، قد تفرد به عن هشام بن حسان، ففي تفرده نكارة، فإن هشام بن حسان قد روى عنه جماعات من الثقات المشاهير، وأبو خالد الأحمر: ليس بذاك الحافظ الذي يحتمل منه التفرد بمثل هذا، قال البزار: "ليس ممن يلزم بزيادته حجة، لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظًا، وأنه قد روى أحاديث عن الأعمش وغيره: لم يتابع عليها، [إكمال مغلطاي (6/ 50)، التهذيب (3/ 468)].

فلا يقبل تفرد مثله عن هشام بن حسان، لا سيما وهشام: بصري، وأبو خالد: كوفي.

ثم إن رواة هذا الإسناد بعد أبي خالد إلى أبي عوانة: كلهم رمليون، فأين الكوفيون من أبي خالد.

وعلى هذا؛ فإن هذا الإسناد: إسناد غريب.

• وقد خالفه: عيسى بن يونس، وروح بن عبادة، قالا: ثنا الأشعث، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن المذي؟ فقال:"كل فحل يمذي، فيغسل ذكره ويتوضأ". لفظ عيسى.

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده [نصب الراية (1/ 94)]، والبزار (2/ 178/ 553).

قلت: فهذا هو الإسناد الصحيح، الذي لا مطعن فيه، والأشعث هذا: هو ابن عبد الملك الحمراني البصري: ثقة فقيه، وكان ثبتًا في ابن سيرين، قال فيه يحيى بن سعيد القطان:"لم أدرك أحدًا من أصحابنا هو أثبت عندي من أشعث بن عبد الملك، لا أدركت أحدًا من أصحاب ابن سيرين -بعد ابن عون-: أثبت منه"[التهذيب للمزي (1/ 273)، تهذيبه (1/ 367)].

وعلى هذا فالحديث محفوظ عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي، لكن بدون هذه الزيادة:"وأنثييه".

وعلى هذا: فإن زيادة: "وأنثييه": زيادة شاذة، لا تحفظ إلا من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن علي، ولا تصح للانقطاع بين عروة وعلي.

والأسانيد الصحيحة لهذا الحديث كلها قد وردت بدون هذه الزيادة الشاذة.

ومما يؤكد عدم ثبوتها من حديث علي: قول أبي داود للإمام أحمد في مسائل (106): "قلت لأحمد: إذا أمذى يجب عليه غسل أنثييه؟ قال: ما قال غسل الأنثيين إلا هشام بن عروة -يعني: في حديث علي- فأما الأحاديث كلها فليس فيها ذا".

فهذا الإمام أحمد بعدما سبر طرق هذا الحديث لم ير أحدًا أتى بهذه الزيادة سوى هشام بن عروة عن أبيه، مما يدل على عدم ورودها -من طريق تثبت- عن ابن سيرين عن عبيدة، أو عن الركين عن حصين بن قبيصة.

ص: 44

ثم إن حديث هشام بن عروة: لا يصح لانقطاعه، فلم تثبت هذه الزيادة بوجه من الوجوه؛ والله أعلم.

***

210 -

. . . محمد بن إسحاق: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن حنيف، قال: كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال:"إنما يجزئك من ذلك الوضوء" قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك بأن تأخذ كفًّا من ماء، فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه".

• حديث حسن.

أخرج الترمذي (115)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي (100)، وابن ماجه (506)، والدارمي (1/ 199/ 723)، وابن خزيمة (1/ 147/ 291)، وابن حبان (3/ 388/ 1103)، وأحمد (3/ 485)، وابن أبي شيبة (1/ 82 و 88/ 909 و 972) و (7/ 320/ 36477)، وعبيد بن حميد (468)، وابن أبي عاصم (3/ 457/ 1913)، وابن المنذر (2/ 142/ 696)، والطحاوي (1/ 47)، والطبراني في الأوسط (4/ 279/ 4196)، وفي الكبير (6/ 93/ 5587 و 5595)، وابن حزم في المحلى (1/ 107)، والبيهقي (2/ 410)، وابن عبد البر (8/ 62).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا.

وقد اختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب: فقال بعضهم: لا يجزئ إلا الغسل، وهو قول الشافعي وإسحاق، وقال بعضهم: يجزئه النضح، وقال أحمد: أرجو أن يجزئه النضح بالماء" [انظر: نيل الأوطار (1/ 95)، الإنصاف (1/ 312)].

والحديث نص في إجزاء نضح الثوب بالماء مما أصابه من المذي.

والحديث قد صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، واحتج به أبو داود.

بل هو الحديث الذي احتج به الإمام أحمد في القول بإجزاء النضح.

قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 141): "وبهذا نقول: لا يجزي عندي في المذي إلا الغسل من الثوب الذي يصلي فيه، والبدن، وممن هذا مذهبه: مالك والشافعي وأبو ثور وإسحاق، وكثير ممن نحفظ عنه من أهل العلم؛ غير أحمد فإن إسحاق بن منصور حكى عنه في المذي أنه قال: أرجو أن النضح يجزيه، والغسل أعجب إليَّ، وحكى الأثرم عنه أنه قال: حديث سهل بن حنيف لا أعلم شيئًا يخالفه، وقال مرة: لو كان عن غير ابن إسحاق، محمد بن شداد عنه.

ص: 45

قال أبو بكر [ابن المنذر]: والحديث الذي احتج به أحمد

"، فأسند حديث سهل بن حنيف هذا.

قلت: قال إسحاق بن منصور في مسائله (92): "قلت: يفرك الثوب من المذي والودي؟ قال: الودي لا يكاد يصيب الثوب؛ لأنه إنما يكون على أثر البول، والمذي أرجو أن يجزئه النضح، والغسل أعجب إلي. قال إسحاق: لا بد للمذي من الغسل".

وهذه النقول عن الإمام أحمد تشير إلى أن الحديث لم يكن عنده في الدرجة العليا من الصحة والثبوت، لذا فإن ابنه صالحًا لما سأله عن المذي يصيب الثوب؟ قال:"حديث محمد بن إسحاق لا أعرفه عن غيره، ولا أحكم لمحمد بن إسحاق -يعني: حديث سهل بن حنيف-"[مسائل صالح (1034)].

وقال ابن رجب في الفتح (1/ 306): "وقال الإمام أحمد -في رواية الأثرم-: لا أعلم شيئًا يخالفه. ونقل عنه غيره أنه قال: لم يروه إلا ابن إسحاق، وأنا أتيهيبه. وقال مرة: إن كان ثابتًا أجزأه النضح".

لكن الحديث حسن؛ فإن رجاله ثقات؛ غير ابن إسحاق؛ فإنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، ولم يعنعن فهو مشهور بالتدليس؛ وقد صرح هنا بالتحديث.

***

211 -

. . . معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل؟ وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: "ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة".

• حديث صحيح بشواهده، دون زيادة:"وأنثييك"، فإنها لا تصح.

هذا حديث طويل اختصره بعض الرواة، وطوله بعضهم، وقد رواه عن معاوية بن صالح: عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن صالح، ولفظ الأخيرين المعلول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل؟ وعن الماء يكون بعد الماء؟ وعن الصلاة في بيتي؟ وعن الصلاة في المسجد؟ وعن مواكلة الحائض؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق -وعائشة إلى جنبه- فأما أنا؛ فإذا كان مني وطء جئت فتوضأت ثم اغتسلت، وأما الماء يكون بعد الماء، فذلك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة، وأما الصلاة في المسجد، والصلاة في بيتي، فقد ترى ما أقرب بيتي من المسجد، فلأن أصلي في بيتي أحب إليَّ من أن أصلي في المسجد؛ إلا أن تكون صلاة مكتوبة، وأما مواكلة الحائض، فواكلها".

أخرجه مطولًا ومختصرًا:

ص: 46

البخاري في التاريخ الكبير (5/ 29)، والترمذي في الجامع (133)، وفي الشمائل (297)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(1/ 357/ 115)، وابن ماجه (651 و 1378)، والدارمي (1/ 265/ 1073)، وابن خزيمة (2/ 210/ 1202)، وابن الجارود (7)، والضياء في المختارة (9/ 409 - 411/ 385 - 389)، وأحمد (4/ 342) و (5/ 293)، وابن سعد في الطبقات (7/ 501)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 145/ 865)، والطحاوي (1/ 339)، وابن قانع في المعجم (2/ 93 و 94)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 158 - 159/ 1989)، وأبو الفتح الأزدي في المخزون (113)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 51)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1670/ 4178)، والبيهقي (2/ 411)، والخطيب في الموضح (1/ 110 و 111)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 303) و (29/ 49 - 51).

وقد اختلف على عبد الرحمن بن مهدي في اسم أبي حرام، فمنهم من قال:"حرام بن حكيم"، مثل رواية ابن وهب وأبي صالح عن معاوية بن صالح، ومنهم من قال:"حرام بن معاوية".

1 -

فرواه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعبد الله بن هاشم الطوسي، وأبو بشر بكر بن خلف:

خمستهم: عن ابن مهدي به، فقالوا:"عن حرام بن حكيم".

2 -

ورواه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وعباس بن عبد العظيم العنبري، وأبو بشر بكر بن خلف، ومحمد بن إسماعيل ابن علية، والفضل بن موسى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن الوليد بن عبد الحميد القرشي البسري، وأحمد بن الحجاج البكري، وأبو وائل خالد بن محمد البصري:

[وهم ثلاثة عشر رجلًا] رووه كلهم: عن ابن مهدي، فقالوا:"عن حرام بن معاوية".

والذي يظهر لي -والله أعلم- أن الوهم فيه من الحافظ الثبت: عبد الرحمن بن مهدي، وذلك لأمور:

الأول: أنه قد رواه عن ابن مهدي على الوجهين جميعًا: أحمد بن حنبل، وبكر بن خلف، مما يعني أن ابن مهدي كان يرويه مرة هكذا، ومرة هكذا.

الثاني: أن في رواة الوجهين عن ابن مهدي: حفاظ متقنون.

الثالث: أنه لم يختلف في اسم "حرام بن حكيم" في رواية ابن وهب وأبي صالح، عن معاوية بن صالح، فالاختلاف إنما وقع في رواية ابن مهدي -دون غيره- عن معاوية بن صالح.

وعلى هذا فالمحفوظ أنه: "حرام بن حكيم"، ومن قال:"حرام بن معاوية" فقد وهِم، والله أعلم.

ص: 47

قال ابن قانع: "وهو الصحيح".

وصوبه الدارقطني وغيره [انظر: تاريخ دمشق (12/ 307)].

وقال أبو القاسم ابن عساكر: "والذي قاله ابن مهدي: هو وهم"[إكمال مغلطاي (4/ 21)، تاريخ دمشق (1/ 307)].

***

212 -

. . . الهيثم بن حميد: حدثنا العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن عمه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهى حائض؟ قال: "لك ما فوق الإزار"، وذكر مؤاكلة الحائض أيضًا، وساق الحديث.

• حديث صحح بشواهده، دون زيادة:"وأنثييك"، فإنها لا تصح.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 29)، والدارمي (1/ 265/ 1075)، والبيهقي (1/ 312)، والخطيب في الموضح (1/ 112)، والضياء في المختارة (9/ 412/ 390).

ولفظه عند الدارمي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بعض أهلي لحائض، وإنا لمتعشون إن شاء الله".

اختلف العلماء في حديث حرام بن حكيم هذا عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري؛ بين مصحح ومضعف:

قال الترمذي: "حديث عبد الله بن سعد: حديث حسن غريب".

وفي هذا تضعيف للحديث على ما عُرف من طريقة الترمذي في أحكامه.

وصححه ابن خزيمة وابن الجارود والضياء.

وقال النووي في المجموع (2/ 145): "رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح".

وقال البوصيري في الزوائد (2/ 9): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات".

إلا أن ابن حزم ضعفه في موضعين، قال في الموضع الأول من المحلى (2/ 180 - 181): "ثم نظرنا في حديث حرام بن حكيم عن عمه؛ فوجدناه لا يصح؛ لأن حرام بن حكيم: ضعيف؛ وهو الذي روى غسل الأنثيين من المذي

".

وقال في الموضع الثاني (10/ 77): "وهذا لا يصح؛ لأن حرام بن حكيم: ضعيف، وهو الذي روى غسل الأنثيين من المذي

".

وتبعه على هذا عبد الحق الإشبيلي في أحكامه الوسطى (1/ 138)، فقال في الحديث بروايته الأولى من طريق معاوية بن صالح:"لا يصح غسل الأنثيين، وليس يحتج بهذا الإسناد في ذلك".

وقال في رواية الهيثم بن حميد عن حرام بن حكيم (1/ 209): "وهو ضعيف".

لكن تعقبه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 310) في كلامه في الموضع الأول

ص: 48

فقال: "كذا قال، وهو كذلك، ولكنه بقي عليه أن يبين منه موضع العلة، وهو الجهل بحال حرام بن حكيم الدمشقي،

إلى أن قال: وإذا جعلت حرامًا هذا موضع علة الخبر على ما أراه، فإن كان ذلك أيضًا معنيَّ أبي محمد، فقد ناقض فيه، وذلك أنه لا يزال يقبل أحاديث المساتير الذين يروي عن أحدهم أكثر من واحد

".

ثم ذكر أن حرامًا هذا قد روى عنه جماعة.

ثم تعقبه في تضعيفه لحرام بقوله: "ولا أدري من أين جاءه تضعيفه، وإنما هو مجهول الحال، فاعلم ذلك"[بيان الوهم (3/ 312)].

قلت: خفي على ابن القطان أمر من ضعفه ومن وثقه، فهو الذي جهل حاله، ولم يعلم أقوال من تقدمه فيه، أما أبو محمد عبد الحق فقد تبع في تضعيفه ابن حزم.

وأما حرام بن حكيم: فليس بمستور، ولا مجهول الحال، فقد وثقه: دحيم، والعجلي [معرفة الثقات (279)، التهذيب (2/ 201)]، ولما ذكر الدارقطني في سننه حديثًا في إسناده حرام هذا، قال بعده:"هذا إسناد حسن، ورجاله ثقات كلهم"[السنن (1/ 320)].

ومنه أخذ الغساني قوله: "وقال الدارقطني: هو ثقة"[إكمال مغلطاي (4/ 20)، التهذيب (2/ 201)].

وعلى كلٍّ؛ فإن ابن القطان قد وافق عبد الحق في تضعيف الحديث كما تقدم.

وتعقب الذهبي أيضًا عبدَ الحق، فقال في الميزان (1/ 467):"قال أبو محمد عبد الحق: لا يصح هذا، وعليه مؤاخذة في ذلك، فإنه يقبل رواية المستور، وحرام فقد وُثق؛ وحدث عنه زيد بن واقد، وعبد الله بن العلاء أيضًا، وروى أيضًا عن أبي هريرة؛ فحديثه مع غرابته يقتضي أن يكون حسنًا، والله أعلم".

وأما ابن حجر فكأنه تأثر بأقوالهم فقال في التلخيص (1/ 207): "وفي إسناده ضعف"، وكأنه تراجع عن هذا في التهذيب والتقريب حين وثق حرام بن حكيم.

وهذا الحديث قد تفرد به عن عبد الله بن سعد الأنصاري: حرام بن حكيم، وتفرد به عنه: العلاء بن الحارث: وهو ثقة.

وهو حديث صحيح من حيث الجملة؛ روي معناه من أحاديث عدد من الصحابة، سواء فيما يوجب الغسل، أو في المذي، أو في الصلاة في البيت، أو في مؤاكلة الحائض، أو فيما يحل منها.

فهذه المسائل كلها قد صحت فيها أحاديث.

إلا أن زيادة: "وأنثييك" لا يشهد لها حديث صحيح.

فإن حديث علي بن أبي طالب في المذي، لا تصح فيه زيادة:"وأنثييه" وإنما هي شاذة، والمنكر أبدًا منكر، لا يشهد لغيره، لعدم ثبوته أصلًا.

وعليه فإنا لا نقبل مثل هذا الحكم الذي ينفرد به حرام بن حكيم فإنه ليس بحجة، وإن كان قد وُثق إلا أنه قليل الحديث، ولم يكن مشهورًا بالطلب، والله أعلم.

ص: 49

لذا فقد أنكر عليه هذه الزيادة: ابن حزم، وعبد الحق، وابن القطان، ولعله لذلك ضعف حديثه الترمذي، ولم يعرف الإمام أحمد حديثه هذا عندما سأله أبو داود، فقال:"إذا أمذى يجب عليه غسل أنثييه؟ قال أحمد: ما قال غسل الأنثيين إلا هشام بن عروة -يعني: في حديث علي-، فأما الأحاديث كلها فليس فيها ذا"[مسائل أبي داود (106)].

***

213 -

قال أبو داود: حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني: حدثنا بقية، عن سعد الأغطش -وهو ابن عبد الله-، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي -قال هشام: هو ابن قرط أمير حمص-، عن معاذ بن جبل، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: "ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل".

قال أبو داود: وليس بالقوي.

• حديث منكر.

ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 222 - 223)، قال: حدثني الوليد بن عتبة: حدثنا بقية بن الوليد: حدثني سعيد بن عبد الله الأغطش -قد روى عنه إسماعيل بن عياش وهو من رجال الشاميين، لا بأس به-، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن معاذ بن جبل: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ وعن الصلاة في الثوب الواحد؟ وما يوجب الغسل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحل لك من الحائض ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل، والصلاة في الثوب الواحد توشح به، وإذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل".

وهشام بن عبد الملك اليزني، والوليد بن عتبة الأشجعي الدمشقي: ثقتان، وإن كان تكلم في اليزني، قال فيه أبو داود:"شيخ ضعيف"، ووثقه غيره: أبو حاتم والنسائي وابن حبان.

وعلى هذا فإن بقية بن الوليد يكون قد صرح فيه بالتحديث من شيخه.

قال ابن حزم في المحلى (10/ 77): "وهذا خبر لا يصح؛ لأنه من طريق بقية، وهو: ضعيف، عن سعيد بن عبد الله الأغطش، وهو: مجهول لا يعرف".

وقال أيضًا (2/ 181): "لا يصح؛ لأنه عن بقية: وليس بالقوي، عن سعيد الأغطش: وهو مجهول".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 208): "في إسناده بقية عن سعد الأغطش، وهما: ضعيفان"، وقال مثله ابن القيم في حاشية السنن (6/ 149).

وقال الخطيب التبريزي في المشكاة (552): "وقال محيي السُّنَّة [يعني: البغوي]: إسناده ليس بقوي".

ص: 50

• قلت: له ثلاث علل:

الأولى: أن بقية كثير الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، وأكثرها مناكير، وهذا منها.

الثانية: سعد أو سعيد بن عبد الله الأغطش: قال ابن حزم: "مجهول لا يعرف"، وقال عبد الحق:"ضعيف"، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو معروف بتساهله في توثيق المجاهيل.

الثالثة: الإرسال [أعني: الانقطاع]؛ فإن عبد الرحمن بن عائذ: لم يدرك معاذ بن جبل.

قال ابن أبي حاتم في المراسيل (448): "سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن عائذ الأزدي: لم يدرك معاذًا"[وانظر: تحفة التحصيل (199)، جامع التحصيل (434)].

• ورواه إسماعيل بن عياش، قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن الخزاعي، عن عبد الرحمن بن عائذ: أن رجلًا سأل معاذ بن جبل عما يوجب الغسل من الجماع؟ وعن الصلاة في الثوب الواحد؟ وعما يحل للحائض من زوجها؟ فقال معاذ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال:"إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، وأما الصلاة في ثوب واحد فتوشح به، وأما ما يحل من الحائض: فإنه يحل منها ما فوق الإزار، واستعفاف عن ذلك أفضل".

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 100/ 194)، من طرقٍ عن إسماعيل بن عياش، قال: حدثني سعيد بن عبد الرحمن الخزاعي.

كذا وقع في المطبوع، وهو خطأ لعله من الناسخ أو من الطابع، صوابه: حدثني سعيد بن عبد الله الخزاعي.

رواه علي الصواب من طريق أبي القاسم الطبراني: المزي في تهذيب الكمال (10/ 284 - 285).

وذكره هكذا أيضًا: ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 242)، وابن حجر في التلخيص (1/ 294).

وبهذا الطريق، يكون بقية بن الوليد قد توبع، تابعه: إسماعيل بن عياش [فإنه روايته عن أهل الشام مستقيمة، وهذا منها]، وبهذا تزول العلة الأولى.

وتبقى الثانية: وهي جهالة سعيد بن عبد الله الخزاعي الأغطش، وضعْفُه أيضًا، فهو: ضعيف مجهول.

وتبقى أيضًا العلة الثالثة: وهي الانقطاع بين ابن عائذ ومعاذ.

• ووجدت للحديث طريقًا أخرى لكنها واهية:

يرويها داود بن الزبرقان، عن أبي عبد الله القسام، عن عطاء، عن معاذ بن جبل: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ فقال: "ما فوق سرتها أو مئزرها، والاستعفاف عن ذلك أفضل".

ص: 51