الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق: ستة عشر رطلًا، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ.
قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثًا فقد أوفى، قيل: الصَّيْحاني ثقيل! قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري.
• حديث صحيح.
تقدم تحت الحديث رقم (77).
***
97 - باب في الغسل من الجنابة
239 -
. . . أبو إسحاق: أخبرني سليمان بن صرد، عن جبير بن مطعم: أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا" وأشار بيديه كلتيهما.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري (254)، ومسلم (327)، وأبو عوانة (1/ 248 و 249/ 855 و 856)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 373 و 374/ 731 و 732)، وفي المعرفة (8/ 512/ 1450)، والنسائي (1/ 135 و 207/ 250 و 425)، وابن ماجه (575)، وأحمد (4/ 81 و 84 و 85)، والطيالسي (2/ 256/ 990)، وعبد الرزاق (1/ 260/ 995)، وابن أبي شيبة (1/ 65/ 695)، والبزار (8/ 327/ 3400 و 3401)، وأبو يعلى (13/ 392 و 413/ 7397 و 7417)، وابن المنذر (2/ 128/ 669)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 87/ 50 و 51)، والطبراني في الكبير (2/ 112 و 113 و 114/ 1480 - 1489)، والبيهقي في السنن (1/ 176 و 177)، وفي الخلافيات (2/ 433/ 777)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 224/ 257).
وفي رواية لمسلم: قال جبير بن مطعم: تماروا في الغسل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القوم: أما أنا فإني أغسل رأسي كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما أنا فإني أفيض على رأسي ثلاث أكف".
هكذا روى الحديث عن أبي إسحاق السبيعي: سفيان الثوري، وشعبة، وزائدة بن قدامة، وزهير بن معاوية، وأبو الأحوص، وزكريا بن أبي زائدة، ورقبة بن مصقلة، وشريك بن عبد الله النخعي.
وأما إسرائيل فقال في روايته: "أما أنا فآخذ ملء كفي ثلاثًا فأصب على رأسي، ثم أفيضه بعدُ على سائر جسدي"[أحمد (4/ 81)].
وأما ورقاء بن عمر، فقال:"أما أنا فأتوضأ وضوئي للصلاة، ثم أخذ ملء كفي ثلاث مرات، فأصبه على رأسي، ثم أغتسل"[المعجم الكبير للطبراني (1488)].
قلت: رواية الجماعة أولى بالصواب، لا سيما وفيهم: سفيان وشعبة، وهما أثبت في أبي إسحاق وأقدم، رويا عنه قبل التغير، وإسرائيل وإن كان ثبتًا في جده أبي إسحاق؛ إلا أنه خالف ثمانية من أصحاب أبي إسحاق، ولا يقال تابعه ورقاء، فإنه ليس من أصحاب أبي إسحاق، وهو فيه دون هؤلاء الثمانية.
والحديث إنما ورد لبيان ما يكفي من الماء لغسل شعر الرأس، حسب، وليس لبيان صفة الغسل، كما بيَّنه نص الحديث وسياقه عند مسلم، من أن الصحابة كانوا لا يكتفون بهذا المقدار البسيط من الماء.
وعلى هذا فليس فيه مستدل لمن لم يوجب الدلك ولا المضمضة والاستنشاق، كما قال المجد ابن تيمية في المنتقى [(1/ 378) نيل].
• ولهذا الحديث شواهد وردت نفس مورده، وتؤيد ما ذكرناه من أن الغرفات الثلاث كافية لغسل شعر الرأس مع وفرته وكثرته، ولا ينافي هذا ما سيأتي في بيان صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة وميمونة وغيرهما.
1 -
فقد روى أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، قال: قال لي جابر: أتاني ابن عمك -يعرض بالحسن بن محمد ابن الحنفية- قال: كيف الغسل من الجنابة؟ فقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده.
فقال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر؟ فقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منك شعرًا. [البخاري (256)].
وفي رواية: قال أبو جعفر: تمارينا في الغسل عند جابر بن عبد الله، فقال جابر: يكفي من الغسل من الجنابة صاع من ماء، قلنا: ما يكفي صاع ولا صاعان. قال جابر: قد كان يكفى من كان خيرًا منكم، وأكثر شعرًا. [النسائي (230)].
أخرجه البخاري في الصحيح (252 و 255 و 256)، وفي الأدب المفرد (959)، ومسلم (329)، وأبو عوانة (1/ 196 - 197 و 197/ 625 و 626)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 375/ 735)، وفي الحلية (3/ 200)، والنسائي (1/ 127 و 207/ 230 و 426)، وابن ماجه (577)، وابن خزيمة (243)، وأحمد (3/ 298 و 319 و 370 و 371)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (73)، وابن أبي شيبة (1/ 65/ 697)، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ (187)، وابن حزم (1/ 188)، والبيهقي (1/ 176 و 177 و 195)، وابن عساكر (54/ 274).
2 -
وروى أبو سفيان، عن جابر بن عبد الله: أن وفد ثقيف سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أرضنا أرضٌ باردة، فكيف بالغسل؟ فقال:"أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا".
أخرجه مسلم (328)، وأبو عوانة (1/ 249/ 857)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 374/ 733)، وأحمد (3/ 304)، والطيالسي (3/ 329/ 1887)، وأبو يعلى (4/ 11/ 2011)، والسهمي في تاريخ جرجان (237)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 661)، والبيهقي في السنن (1/ 178)، وفي الخلافيات (2/ 778/434 - 780).
3 -
وروى معتمر بن سليمان التيمي، عن حميد الطويل، عن أنس: أن وفد ثقيف قالوا: يا رسول الله! إن أرضنا أرض باردة، فما يكفينا من غسل الجنابة؟ قال:"أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا".
أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (2/ 453/ 170 - مطالب)، وأبو يعلى (6/ 392/ 3739)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (9/ 56/ 2035).
وهذا إسناد بصري صحيح.
قال الحافظ في المطالب: "صحيح".
4 -
وروى ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال رجل [وفي رواية: سأله رجل]: كم يكفي رأسي في الغسل من الجنابة؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب بيده على رأسه ثلاثًا.
قال: إن شعري كثير؟ قال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر وأطيب.
أخرجه ابن ماجه (578)، وأحمد (2/ 251)، والحميدي (977)، وابن أبي شيبة (1/ 65/ 696)، والبزار (1/ 159 - كشف)، وأبو يعلى (11/ 413/ 6538)، وابن المنذر (2/ 128/ 670)، وابن عبد البر (6/ 81).
وهذا إسناد مدني حسن.
وفي الباب أيضًا: عن أبي سعيد الخدري، وسنده ضعيف [عند: ابن ماجه (576)، وأحمد (3/ 54 و 73)، وابن أبي شيبة (705)، وأبي القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2042)].
• وأما ما يصح الاستدلال به على جواز تعميم البدن بالماء فحسب دون إيجاب المضمضة والاستنشاق في فرض الغسل:
فهو حديث عمران بن حصين:
الذي رواه عوف بن أبي جميلة، عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران، قال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكر الحديث.
وفيه: ثم نزل فدعا بالوضوء ليتوضأ، ونودي بالصلاة فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، فقال:"ما يمنعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ " قال: يا رسول الله! أصابتني جنابة ولا ماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك بالصعيد
فإنه يكفيك"، ثم ذكر الحديث
…
إلى أن قال: كان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناءً من ماءٍ، قال:"اذهب فأفرغه عليك".
أخرجه البخاري (344)، ومسلم (682)، وأبو عوانة (1/ 257/ 889)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 278/ 1535)، وابن خزيمة (271) و (987)، وابن حبان (4/ 122 و 125/ 1301 و 1302)، وأحمد (4/ 434 - 435)، وعبد الرزاق (20537)، وابن أبي شيبة (1/ 156)، والبزار (9/ 59/ 3584)، والروياني (87 و 88)، وأبو العباس السراج في مسنده (1375)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1779)، والطبراني في الكبير (18/ 133 و 134/ 276 و 277)، والدارقطني (1/ 202)، وابن حزم (2/ 28 و 123)، والبيهقي في السنن (1/ 32 و 178 و 218)، وفي الخلافيات (2/ 435 و 469/ 781 و 814)، وفي الدلائل (4/ 277 - 278)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 468)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (319).
وكذا حديث أم سلمة الآتي برقم (251).
***
240 -
. . . أبو عاصم، عن حنظلة، عن القاسم، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب، فأخذ بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه، فقال بهما على رأسه.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري (258)، ومسلم (318)، وأبو عوانة (1/ 248/ 853 و 854)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 369/ 716)، والنسائي (1/ 206/ 424)، وابن خزيمة (1/ 122/ 245)، وابن حبان (3/ 197/ 1469)، وابن عدي في الكامل (2/ 420)، والقطيعي في جزء الألف دينار (309)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 162)، والبيهقي (1/ 184)، والخطيب في الموضع (2/ 185)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 16/ 250)، وابن عساكر (24/ 357) و (49/ 159).
والحلاب: هو الإناء الذي يحلب فيه، وقال الخطابي:"إناء يسع حلبة ناقة".
وفيه: الاقتصار على ثلاث حفنات.
وفيه: استحباب البداءة باليمين.
وفيه: عدم التحديد فيما يكفي للغسل من الماء.
***
241 -
. . . صدقة: حدثنا جميع بن عمير -أحد بني تيم الله بن ثعلبة-، قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند
الغسل؟ فقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث مرات، ونحن نفيض على رؤوسنا خمسًا من أجل الضَّفْر.
• حديث منكر.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 168/ 242)[وانظر: تحفة الأشراف (16053)]، وابن ماجه (574)، والدارمي (1/ 278/ 1149)، وأحمد (6/ 188)، وإسحاق (3/ 927/ 1622)، وأبو يعلى (8/ 279/ 4865)، والدارقطني في السنن (1/ 114)، وفي الأفراد (5/ 421/ 5921 - أطرافه)، والبيهقي (1/ 180).
وهذا حديث منكر.
جميع بن عمير التيمي: خفي أمره على أبي حاتم الرازي فقال فيه: "من عُتُق الشيعة، ومحله الصدق، صالح الحديث، كوفي، من التابعين"، ومثله العجلي حيث قال:"تابعي ثقة".
وظهر أمره لغيرهما، قال البخاري:"فيه نظر"، وقال ابن عدي:"هو كما قاله البخاري، في أحاديثه نظر، وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد"، وقال ابن نمير:"كان من أكذب الناس، كان يقول: إن الكراكي تفرخ من السماء، ولا يقع فراخها"، وذكره ابن حبان في الثقات، ثم رجع وقال في المجروحين:"كان رافضيًّا، يضع الحديث"، وقال الساجي:"له أحاديث مناكير، وفيه نظر، وهو صدوق"[التاريخ الكبير (2/ 242)، الجرح والتعديل (2/ 532)، معرفة الثقات (229)، الكامل (2/ 166)، الثقات (4/ 115)، المجروحين (1/ 218)، بيان الوهم (5/ 327)، الميزان (1/ 421)، إكمال مغلطاي (3/ 238)، التهذيب (1/ 315)، وقال ابن حجر في التقريب (121) فلم يصب: "صدوق يخطئ، ويتشيع"، وأصاب الذهبي حيث قال في الكاشف (1/ 501): "واهٍ، قال البخاري: فيه نظر"، قلت: وهو كما قال؛ ضعيف جدًّا، منكر الحديث].
وصدقة بن سعيد الحنفي: قال أبو حاتم: "شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال البخاري:"عنده عجائب"، وقال ابن وضاح:"ضعيف"، وقال الساجي:"ليس بشيء"، وقال ابن القطان الفاسي: "وهو علة الخبر،
…
[وقال بعد أن ذكر أقوال الأئمة فيه:] وبالجملة فلم تثبت عدالته، ولم يثبت فيه جرح مفسر" [الميزان (2/ 310)، إكمال مغلطاي (6/ 361)، بيان الوهم (5/ 19/ 2254)، التهذيب (2/ 206)، فتح الباري لابن رجب (1/ 260)].
قلت: قد خولف فيه: خالفه: العلاء بن صالح التيمي [صدوق، له أوهام]، قال: حدثنا جميع بن عمير -رجل من بني تيم الله-، قال: دخلت مع خالتي على عائشة، فسألتها -أو قال: ذكرت الجنابة-: الرجل يكفيه ثلاث مرات على رأسه، والمرأة خمس لقرونها. موقوف على عائشة.
أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (78)، قال: حدثنا العلاء بن صالح به.
• وهذا مع كون إسناء واهيًا؛ فقد ثبت في الصحيح عن عائشة وغيرها ما يخالفه، ويُظهر عواره:
1 -
فقد روى عبيد بن عمير، قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجبًا لابن عمرو هذا! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن؛ أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات.
وزاد في رواية: ما أنقض لي شعرًا.
أخرجه مسلم (331)، والنسائي (416)، وابن خزيمة (247)، وغيرهم، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (77).
2 -
وفي حديث أم سلمة الآتي برقم (251)، وهو عند مسلم برقم (330) مرفوعًا:"إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين".
3 -
وفي حديث شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة؟ فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت وبيننا وبينها ستر، وأفرغت على رأسها ثلاثًا، قال: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة.
أخرجه البخاري (251)، ومسلم (320)، واللفظ له، وأبو عوانة (1/ 247 و 248/ 849 - 851)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 370/ 720)، والنسائي (1/ 227/127)، وأحمد (6/ 71 - 72 و 143)، والبيهقي (1/ 195).
وانظر: فتح الباري لابن رجب (1/ 260). وقال ببطلان حديث جميع بن عمير هذا: الألباني في ضعيف سنن أبي داود (1/ 94) المجلد التاسع، وقال بعدما ذكر الصحيح:"فهذا كله يدل على بطلان حديث عمير هذا"، يعني: جميع بن عمير.
***
242 -
قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب الواشحي، ومسدد قالا: حدثنا حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة -قال سليمان: يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد:- غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى -ثم اتفقا -، فيغسل فرجه -وقال مسدد: يُفرغ على شماله، وربما كَنَتْ عن الفرج-، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يُدخل يديه
في الإناء فيخلِّل شعره، حتى إذا رأى أنه قد أصاب البَشَرة -أو: أنقى البشرة- أفرغ على رأسه ثلاثًا، فإذا فضل فضلة صبَّها عليه.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه من طريق حماد بن زيد:
البخاري (262) مختصرًا، وابن خزيمة (242)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 367/ 711).
• وهذا الحديث قد رواه عن هشام بن عروة بألفاظ متقاربة:
مالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وزائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة، وعبدة بن سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن نمير، وعلي بن مسهر، وابن جريج، وجعفر بن عون، وحفص بن غياث، ومعمر بن راشد، ومحمد بن عبد الله بن عبد الأعلى الأسدي أبو يحيى بن كناسة، ويحيى بن عبد الله بن سالم، وعمر بن علي المقدمي، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعيسى بن يونس، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي.
ولفظ مالك فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله.
ولفظ سفيان بن عيينة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة: بدأ فغسل يديه قبل أن بدخلهما في الإناء، ثم غسل فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يُشرب شعره الماء، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات.
أخرجه البخاري (248 و 272)، ومسلم (316)، وأبو عوانة (1/ 249 و 250/ 859 - 861)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 366/ 711)، ومالك في الموطأ (1/ 88 109)، والترمذي (104)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي (87)، والنسائي (1/ 134 و 135 و 205 و 206/ 247 و 248 و 249 و 420 و 423)، والدارمي (1/ 209/ 748)، وابن حبان (3/ 468/ 1196)، وابن الجارود (99)، وأحمد (6/ 52)، والشافعي في الأم (1/ 40 و 41)، وفي المسند (19)، والحميدي (163)، وعبد الرزاق (1/ 260 - 261 و 261/ 997 و 999)، وإسحاق بن راهويه (2/ 94/ 561)، والحسن بن سفيان النسوي في الأربعين (21)، وأبو يعلى (7/ 405 - 406/ 4430)، وأبو بكر بن أبي داود في مسند عائشة (12 و 77)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 125 و 126 و 127/ 662 و 665 و 667)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 87/ 52)، والجوهري في مسند الموطأ (739)، والدارقطني (1/ 113 - 114)، وابن بشران في الأمالي (897)، وابن حزم (2/ 44)، والبيهقي في السنن (1/ 172 و 173 و 175 و 176)،
وفي المعرفة (1/ 268/ 270)، وفي الخلافيات (2/ 425 - 427/ 771 و 772)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 340 و 341/ 246 و 247)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 225/ 260).
وانظر: التنقيح (1/ 206).
هكذا روى الناس هذا الحديث عن هشام بن عروة، وقد عددت منهم -ممن رواه على الوجه الصحيح-: عشرين نفسًا، فيهم أثبت أصحاب هشام: مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن نمير [انظر: شرح علل الترمذي (2/ 680)، وسؤالات ابن بكير (40)].
• وشذ عن هؤلاء:
1 -
أبو معاوية الضرير محمد بن خازم، رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء، فيدخل أصابعه في أصول الشعر؛ حتى إذا رأى أن قد استبرأ، حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه.
أخرجه مسلم (316)، وأبو نعيم في المستخرج (711)، وإسحاق (2/ 95/ 562)، والبيهقي في السنن (1/ 174)، وفي الخلافيات (2/ 427/ 773).
شذ أبو معاوية عن الجماعة، بزيادة:"ثم غسل رجليه" في آخره، ودخل له حديث في حديث.
قال البيهقي: "غريب صحيح، رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى، وقوله في آخر هذا الحديث: "ثم غسل رجليه": غريب صحيح، حفظه أبو معاوية دون غيره من أصحاب هشام من الثقات، وذلك للتنظيف إن شاء الله تعالى".
قلت: هذه الزيادة وهي تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل: ثابتة صحيحة من حديث ميمونة المتفق عليه، وسيأتي معنا برقم (245)، وهي صحيحة أيضًا من حديث عائشة من غير هذا الطريق، كما سيأتي بيانه، وأما من حديث هشام بن عروة فلا، بل هي زيادة شاذة، شذ بها أبو معاوية، وليس بذاك الحافظ -في غير حديث الأعمش-، عن بقية أصحاب هشام، لا سيما وفيهم أثبتهم: الإمام مالك الذي تابعه على ترك هذه الزيادة ما يربو على عشرين نفسًا من الثقات؛ فكيف يقال بعدُ: حفظه أبو معاوية، وقد سأل الأثرمُ الإمامَ أحمد، فقال له: أبو معاوية صحيح الحديث عن هشام؟ فقال الإمام: "لا، ما هو بصحيح الحديث عنه"، وقال أبو داود: قلت لأحمد: كيف حديث أبي معاوية عن هشام بن عروة؟ قال: "فيها أحاديث مضطربة، يرفع منها أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم[شرح علل الترمذي (2/ 680)، التعديل والتجريح (2/ 631)، التهذيب (3/ 552)].
قال ابن رجب في فتح الباري (1/ 235): "ويدل على أنها غير محفوظة عن هشام:
أن أيوب روى هذا الحديث عن هشام، وقال فيه:"فقلت لهشام: يغسل رجليه بعد ذلك؟ فقال: وضوءه للصلاة، وضوءه للصلاة" أي: أن وضوءه في الأول كافٍ، ذكره ابن عبد البر"، انظره في التمهيد (8/ 174).
وقال أبو الفضل بن عمار الجارودي الشهيد في العلل (9): "ووجدت فيه حديث: أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: في الاغتسال من الجنابة، وفيه: "ثم غسل رجليه"، قال أبو الفضل: وهذا الحديث رواه جماعة من الأئمة عن هشام، منهم: زائدة، وحماد بن زيد، وجرير، ووكيع، وعلي بن مسهر، وغيرهم: فلم يذكر أحد منهم غسل الرجلين إلا أبو معاوية.
ولم يذكر غسل اليدين ثلاثًا من ابتداء الوضوء غير وكيع.
وليس زيادتهما عندنا بالمحفوظة.
وسمعت أبا جعفر الحضرمي يقول: سمعت ابن نمير يقول: "كان أبو معاوية يضطرب فيما كان عن غير الأعمش".
وسمعت الحسين بن إدريس يقول: سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: "أبو معاوية في حديث الأعمش حجة وفي غيره لا". اهـ كلامه.
قلت: كلامه في نفسه صحيح، وأما الاعتراض به على مسلم فليس بجيد؛ فإنه -فيما يبدو لي- أن مسلمًا قد أعل هذه الزيادة، وزيادة وكيع الآتية.
فإن مسلمًا بدأ برواية أبي معاوية عن هشام فذكر نصها، ثم أتبعها برواية: جرير بن عبد الحميد، وعلي بن مسهر، وعبد الله بن نمير، فقال:"وليس في حديثهم غسل الرجلين".
ثم أتبع ذلك برواية وكيع، فذكر أولها إلى قوله:"فبدأ فغسل كفيه ثلاثًا"، فقال:"ثم ذكر نحو حديث أبي معاوية، ولم يذكر غسل الرجلين".
ثم ختم برواية زائدة بن قدامة، وليس فيها شيء من ذلك: لا تأخير غسل الرجلين، ولا تثليث غسل الكفين.
وليس يخفى على كل ممارس لهذا الفن، عالم بقواعد الأئمة في التعليل، لا سيما الإمام مسلم نفسه في كتاب التمييز، ليس يخفى عليه أن هؤلاء الخمسة أثبت في هشام من أبي معاوية.
فكيف يخفى مثله على الإمام مسلم، ولا أراه ذكر ذلك إلا تعليلًا لهاتين الروايتين، والله أعلم.
وفي هذا كفاية.
والذي يظهر لي -والله أعلم-: أن أبا معاوية قد دخل له حديث في حديث، فإن أبا معاوية يروي حديث ميمونة أيضا، وهو المشتمل على هذه الزيادة، فأدرجها في حديث عائشة، وانظر: حديث ميمونة الآتي برقم (245).
2 -
وكيع بن الجراح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل من الجنابة، فبدأ فغسل كفيه ثلاثًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أدخل يده، فخلل بها أصول شعره، حتى خيل إليه أنه استبرأ البشرة، ثم صب على رأسه الماء، ثم أفاض على سائر جسده الماء.
أخرجه مسلم (316)، وأبو نعيم في المستخرج (711)، وأحمد (6/ 52)، وإسحاق (2/ 94/ 560)، وابن أبي شيبة (1/ 64 و 65/ 685 و 698)، والبيهقي (1/ 172).
قال ابن عمار الشهيد بأن هذه الزيادة "فغسل كفيه ثلاثًا" ليست بالمحفوظة.
وهو كما قال، ويقال فيها ما قيل في زيادة أبي معاوية، وانظر: شرح العلل (2/ 681).
ولم يتابعه على هذه الزيادة سوى:
3 -
مبارك بن فضالة، رواه عن هشام بنحو رواية أبي معاوية، دون آخره:"ثم غسل رجليه".
أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 124/ 9311).
ومبارك بن فضالة: بصري، صدوق، يدلس، وقد عنعنه.
ووكيع بن الجراح: كوفي، ثقة حافظ.
وحديث أهل المدينة عن هشام: أصح من حديث أهل العراق، لا سيما وقد تفردا بهذه الزيادة دون بقية من روى الحديث عن هشام من الثقات المدنيين والعراقيين.
4 -
حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ من الجنابة، ثم يدخل يده اليمنى في الماء، ثم يخلل بها شق رأسه الأيمن، فيتبع بها أصول الشعر، ثم يفعل بشق رأسه الأيسر بيده البسرى كذلك، حتى يستبرئ البشرة، ثم يصب على رأسه ثلاثًا.
أخرجه أحمد (6/ 101)، وأبو يعلى (7/ 457/ 4482)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 88/ 53)، والبيهقي (1/ 175)، واللفظ له.
وقد اختلف في لفظه على حماد، وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد بدون هذا التفصيل في غسل الرأس [عند أحمد]، وليس هذا بمحفوظ من حديث هشام بن عروة، وإن كان يحفظ من حديث غيره، مثل: حديث حنظلة بن أبي سفيان، عن القاسم، عن عائشة، والذي تقدم برقم (240).
• وأما الطرق التي فيها تأخير غسل القدمين، فمنها:
1 -
ما رواه عطاء بن السائب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، بدأ فغسل يديه، ثم أخذ بيمينه فصب على شماله، فغسل فرجه حتى ينقيه، ثم مضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثم صب على رأسه وجسده الماء، فإذا فرغ غسل قدميه.
أخرجه الطيالسي (3/ 81/ 1577)، وأحمد (6/ 96)، والحسن بن سفيان النسوي في الأربعين (22)، وأبو يعلى (7/ 456/ 4481)، وابن المنذر (2/ 327/ 666)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 88/ 54)، والبيهقي (1/ 174).
كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عطاء به هكذا، بذكر غسل القدمين في آخره.
ورواه شعبة بن الحجاج، وزائدة بن قدامة، وعمر بن عبيد الطنافسي، عن عطاء بن السائب به نحوه؛ إلا أنهم لم يذكروا في آخره: غسل القدمين.
أخرجه النسائي (1/ 132 - 133 و 133 و 134/ 243 - 246)، وابن حبان (3/ 465 1191)، وأحمد (5/ 116 و 143 و 161 و 173 - 174)، وابن أبي شيبة (1/ 64 و 68/ 686 و 740).
وأشبههم رواية برواية حماد بن سلمة: زائدة بن قدامة، رواه عن عطاء بن السائب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجنب؛ فيوضع له الإناء فيه الماء، فيفرغ على يديه فيغسلها قبل أن يدخلهما في الإناء، ثم يدخل بده اليمنى في الإناء، فيفرغ بها على بده اليسرى فيغسل فرجه، ثم يمضمض ويستنشق ثلاثًا، ويغسل وجهه وذراعيه، ثم يغرف ثلاث غرفات فيصبها على رأسه، ثم يغتسل [أحمد (6/ 161)].
وعلى هذا فإن رواية زائدة، وكذا شعبة، وعمر بن عبيد، وإن لم يكن فيها ذكر غسل القدمين، فإنه داخل في قوله:"ثم يغتسل"، أو قوله:"ثم يفيض على سائر جسده"؛ لأنهم ذكروا الوضوء كاملًا، أو بعضه دون غسل القدمين، مما يقتضي تأخير غسلهما إلا آخر الغسل وصب الماء.
وحماد بن سلمة: ثقة حافظ تقبل زيادته مع هذه القرينة، ولو أن شعبة وزائدة والطنافسي قالوا في روايتهم:"ثم توضأ وضوءه للصلاة" لكان غسل القدمين داخلًا فيه، ولرددنا بذلك رواية حماد.
وأما عطاء بن السائب، فإن اختلاطه مشهور، وممن سمع منه قبل الاختلاط: شعبة، وزائدة، وحماد بن سلمة.
قال ابن معين: "حديث سفيان وشعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة عن عطاء بن السائب: مستقيم"[تاريخ الدوري (2/ 403)، الكامل (5/ 361 - 362)، شرح علل الترمذي (2/ 735). وانظر: فوائد التقريب (428)، لحسان عبد المنان فقد جمع المتفرق].
فهو إسناد حسن.
وصححه الحافظ في الفتح (1/ 429).
2 -
وروى الطبراني في الأوسط (8/ 274/ 8619)، قال: حدثنا مسعود بن محمد الرملي: ثنا عمران بن هارون: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن
عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فأفرغ على يديه، ثم يدخلها في الإناء، ثم يغسل فرجه وما مس النكاح، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على رأسه ثلاث حثيات، يخلل بين أصول شعره، ثم يفيض على جسده، ثم يغسل قدميه حين ينصرف.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي الأسود إلا ابن لهيعة".
فإن كان كما قال: أعني: توبع عليه عمران بن هارون، وهو حديث معروف عن ابن لهيعة، فحينئذ يكون مثله صالحًا للاستشهاد، وإلا فلا.
فإن إسناد الطبراني هذا مسلسل بالضعفاء:
ابن لهيعة: ضعيف، وعمران بن هارون الرملي الصوفي: قال أبو زرعة: "صدوق"، وروى عنه، وقال ابن حبان في الثقات:"يخطئ ويخالف"، وقال ابن يونس:"في حديثه لين"[الجرح والتعديل (6/ 307)، الثقات (8/ 498)، تاريخ الإسلام (16/ 308)، اللسان (4/ 404)]، ومسعود بن محمد الرملي: قال الهيثمي في المجمع (5/ 31): "وهو ضعيف"، وقد ذهب العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- في الضعيفة (8/ 291/ 3826) إلى توهيم الهيثمي في حكمه هذا، بناءً على أنه التبس عليه بأبي سعيد مسعود بن محمد الجرجاني المترجم له في الميزان (4/ 100)، وذيله (418)، وإنما هذا آخر غيره، وهو أبو الجارود مسعود بن محمد بن مسعود الرملي: شيخ روى عنه الطبراني أحاديث، وهو شيخ مقل، ليس بالمكثر، وله أفراد [انظر: أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني (5/ 139/ 4930)].
• وللحديث أسانيد أخرى، وألفاظ أخرى:
انظر: صحيح مسلم (321/ 43)، صحيح أبي عوانة (1/ 249/ 858)، مسند أحمد (6/ 252)، المعجم الأوسط للطبراني (8/ 356/ 8862)، الناسخ لابن شاهين (46)، سنن البيهقي (1/ 172).
قال ابن عبد البر في أول شرحه لحديث عائشة في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة: "في هذا الحديث كيفية غسل المغتسل من الجنابة، وهو من أحسن حديث روي في ذلك، وفيه فرض وسُّنَّة، فأما السُّنَّة: فالوضوء قبل الاغتسال من الجنابة، ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك.
إلا أن المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ، وعم جميع جسده ورأسه ويديه ورجليه وسائر بدنه بالماء، وأسبغ ذلك وأكمله بالغسل، ومرر يديه؛ فقد أدى ما عليه -إذا قصد الغسل ونواه-، وتم غسله.
لأن الله عز وجل إنما فرض على الجنب الغسل دون الوضوء بقوله عز وجل: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، وقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
وهذا إجماع لا خلاف فيه بين العلماء.
إلا أنهم مجمعون أيضًا على استحباب الوضوء قبل الغسل للجنب تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أعون على الغسل، وأهذب فيه.
وأما بعد الغسل فلا" اهـ كلامه من التمهيد (8/ 174 - ط إحياء التراث).
***
243 -
. . . محمد بن أبي عدي: حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة: بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مراففه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى الحائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه.
• حديث ضعيف.
أخرجه أبو يعلى (8/ 268/ 4855)، من طريق ابن أبي عدي.
وأخرجه أحمد (6/ 171)، من طريق غندر محمد بن جعفر، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف: كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة به.
خالفهم: عبدة بن سليمان، فرواه عن ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ فغسل يمينه، ثم غسل ما هناك بشماله، وأفرغ بيمينه، ثم أهوى بيده إلى الحائط فدلكها، ثم أفاض عليه الماء. قال إبراهيم: والاستنشاق ثلاث.
أخرجه إسحاق (3/ 936/ 1638).
هكذا رواه عبدة بن سليمان بدون ذكر الأسود في إسناده، وهو الصواب.
وذلك لأن عبدة بن سليمان: ثقة ثبت، وهو أثبت الناس سماعًا من ابن أبي عروبة، وممن سمع منه قبل الاختلاط.
وأما الثلاثة: ابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهاب الخفاف: فإنهم سمعوا منه بعد الاختلاط، نعم الخفاف سمع منه قبل الاختلاط وبعده، إلا أنه لم يكن يميز هذا من هذا، فالتحق بالآخرين [انظر: الكواكب النيرات (25)، شرح العلل (2/ 743)].
وأما عبدة بن سليمان: فإنه سمع منه في الحالين لكنه ميز بينهما، ولم يحدث عن ابن أبي عروبة بما سمعه منه في الاختلاط.
وعلى هذا فإن هذا الإسناد رجاله ثقات، إلا أنه منقطع؛ فإن إبراهيم بن يزيد النخعي: دخل على عائشة وهو صغير، ولم يسمع منها شيئًا [المراسيل (1)، جامع التحصيل (13)، تحفة التحصيل (19)].
قال علي بن المديني: "إبراهيم النخعي: لم يلق أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: فعائشة؟ قال: "هذا شيء لم يروه غير سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم، وهو ضعيف"، وقد أثبت له اللقي أبو حاتم إلا أنه جزم بأنه لم يسمع منها شيئًا لصغره.
وأبو معشر هو زياد بن كليب: ثقة، من قدماء أصحاب إبراهيم [التهذيب (1/ 652)، مسائل الإمام أحمد لأبي داود (2010 و 2511)].
وسعيد بن أبي عروبة قد سمع من أبي معشر، وقال الإمام أحمد:"أروى الناس عن أبي معشر: ابنُ أبي عروبة"[العلل ومعرفة الرجال (5248)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 444/ 27835)، مسند علي من تهذيب الآثار (436)]، فلا يعلُّ إذًا بتدليس ابن أبي عروبة، أو بعدم سماعه من أبي معشر [وانظر: المراسيل (278)، جامع التحصيل (182)، تحفة التحصيل (125)]، وقد تقدم معنا مثل هذا الإسناد، وتكلمنا عليه فيما سبق، فليراجع ففيه فوائد، الحديث رقم (33 و 34).
• وقد تابع ابنَ أبي عروبة على هذا الوجه المحفوظ عنه:
قتادة، فرواه عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عائشة، مرسلًا.
ذكره الدارقطني في العلل (14/ 261/ 3612).
فهو حديث ضعيف؛ لانقطاعه، والله أعلم.
***
244 -
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن شوكر: حدثنا هشيم، عن عروة الهمداني: حدثنا الشعبي، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط حيث كان يغتسل من الجنابة.
• حديث ضعيف.
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (1/ 173).
ورواه أحمد في مسنده (6/ 236 - 237)، قال: حدثنا يزيد [يعني: ابن هارون]: أخبرنا عروة أبو عبد الله البزاز، عن الشعبي، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فتوضأ وضوءه للصلاة، وغسل فرجه وقدميه، ومسح يده بالحائط، ثم أناض عليه الماء، فكأني أرى أثر يده في الحائط.
ثم وجدت بحشلًا أخرجه في تاريخ واسط (120)، من طريق: هشيم، عن عروة بن عبد الله البزاز، عن الشعبي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن شئتم أريتكم المكان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك يده إذا توضأ.
ثم قال: "هذا عروة بن عبد الله الهمداني، يكنى أبا عبد الله".
وبهذا يظهر جليًّا أن عروة هذا ليس هو عروة بن الحارث أبا فروة الهمداني، وإنما هو غيره، وهذا إنما يؤكد ما ذهب إليه البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان إلى التفرقة بينهما [التاريخ الكبير (7/ 34)، الجرح والتعديل (6/ 398)، الثقات (5/ 197) و (7/ 287 و 288)، وقال في الأخير هذا: "يروي المقاطيع"].
وعروة أبو عبد الله البزاز هذا: ذكر ابن أبي حاتم في ترجمته قول ابن معين: "عروة أبو عبد الله الهمداني: ثقة".
وعلى هذا فإن رجال هذا الإسناد ثقات؛ إلا أنه منقطع، فقد قال ابن معين وأبو حاتم:"الشعبي عن عائشة: مرسل"، زاد أبو حاتم:"إنما يحدث عن مسروق عن عائشة"[المراسيل (589 و 591)، جامع التحصيل (204)، تحفة التحصيل (163)].
فهو حديث ضعيف.
***
245 -
. . . الأعمش، عن سالم، عن كريب: حدثنا ابن عباس، عن خالته ميمونة، قالت: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين -أو: ثلاثًا-، ثم صب على فرجه، فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحيةً فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده.
فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأسًا، ولكن كانوا يكرهون العادة.
قال مسدد [شيخ أبي داود في الحديث]: قلت لعبد الله بن داود [راويه عن الأعمش]: كانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري (249 و 257 و 259 و 265 و 265 و 266 و 274 و 276 و 281)، ومسلم (317) و (337)، وأبو عوانة (1/ 250 و 251/ 864 - 866)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 367 و 368 و 385/ 712 - 715 و 762)، والترمذي (103)، وقال:"حسن صحيح". وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه (85 و 86)، والنسائي (1/ 137 - 138 و 138 و 200 و 254 و 208/ 253 و 254 و 408 و 418 و 419 و 428)، وابن ماجه (467) و (573)، والدارمي (1/ 208/ 747)، وابن خزيمة (1/ 120/ 241)، وابن حبان (3/ 463/ 1190)، وابن الجارود (97 و 100)، وأحمد (6/ 329 - 330 و 330 و 335 و 336)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (6/ 330)، والطيالسي (3/ 198 و 199/ 1733 و 1734)، والحميدي (316)، وعبد الرزاق (1/ 261/ 998)، وابن أبي شيبة (1/ 64 و 70/ 684 و 755)، وابن سعد في الطبقات (1/ 386)، وإسحاق بن راهويه (4/ 216 و 217 و 231 - 232/ 2021 - 2024 و 2040)، وأبو يعلى (13/ 17 و 25/ 7101
و 7108)، وابن المنذر (1/ 357 و 419/ 322 و 430) و (2/ 119 و 126 و 130/ 647 و 664 و 675)، والطحاوي في أحكام القرآن (55)، والطبراني في الكبير (23/ 422 - 424/ 1023 - 1026) و (24/ 18/ 35 و 38)، والدارقطني (1/ 114)، وابن حزم (2/ 29 و 47)، والبيهقي (1/ 173 و 174 و 176 و 177 و 184 و 185 و 197 و 236)، وابن عبد البر (8/ 175)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 248/342)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته". وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 341)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 224 - 258/ 225)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 107).
رواه عن الأعمش جمع كبير من الثقات، منهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبو معاوية، وعبد الواحد بن زياد، وحفص بن غياث، وأبو عوانة، والفضل بن موسى، وأبو حمزة السكري، وعيسى بن يونس، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن إدريس، وزائدة بن قدامة، وعبد الله بن داود، وعبيدة بن حميد، وجرير بن عبد الحميد، ومحمد بن فضيل، وعبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحماني، ومحاضر بن المورع (18).
وفي إحدى روايات البخاري [رواية أبي حمزة السكري] قالت ميمونة: وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلًا، فسترته بثوب، وصب على يديه فغسلهما، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه، فضرب بيده الأرض فمسحها، ثم غسلها فمضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم صب على رأسه، وأفاض على جسده، ثم تنحى فغسل قدميه، فناولته ثوبًا فلم يأخذه، فانطلق وهو ينفض يديه [البخاري (276)].
وفي رواية: ثم مسح بيده على الحائط أو الأرض [البخاري (281)].
وفي رواية مسلم [رواية عيسى بن يونس]: أدنيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين -أو: ثلاثًا- ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه، وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض، فدلكها دلكًا شديدًا، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك، فغسل رجليه، ثم أتيته بالمنديل فرده.
وقد زاد حديث ميمونة على حديث عائشة المتفق علىه بأمور:
منها: أنها سترته بثوب.
ومنها: دلك يده اليسرى بالأرض أو بالحائط.
ومنها: تأخير غسل الرجلين.
ومنها: ترك التنشيف.
• فإن قيل: أيهما أفضل إتمام الوضوء، أم تأخير غسل الرجلين؟
فنقول: حديث عائشة في إتمام الوضوء أولى بالعمل، وذلك لأن حديث عائشة حكاية عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم الدائم في غسله للجنابة، وأما حديث ميمونة الذي روت فيه تأخير غسل الرجلين؛ فإنه واقعة عين لا عموم لهما.
وأيًّا كان فكلاهما جائز لفعله صلى الله عليه وسلم، لكن ما داوم عليه أفضل، وهو إتمام الوضوء.
انظر: فتح الباري لابن رجب (1/ 239)، وشرحه لحديث ميمونة في مواضعه من الصحيح.
ولحديث ميمونة طريق أخرى: عن كريب، عن ابن عباس، عن ميمونة به نحوه.
أخرجه الدارمي (1/ 194/ 712)، وعبد بن حميد (1550)، والطبراني في الكبير (23/ 424/ 1027).
***
246 -
. . . ابن أبي ذئب، عن شعبة، قال: إن ابن عباس كان إذا اغتسل من الجنابة: يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أمَّ لك، وما يمنعك أن تدري؟ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر.
• حديث منكر.
أخرجه أحمد (1/ 307)، والطيالسي (4/ 448/ 2851)، والطبراني في الكبير (11/ 430/ 12221)، والمزي في التهذيب (12/ 550).
قلت: هذا حديث منكر، مخالف للأحاديث الصحيحة المروية في الصحيحين وغيرهما في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا سيما: حديث عائشة، وحديث ميمونة الذي يرويه ابن عباس نفسه.
وغاية ما في حديث ميمونة الذي يرويه ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل يديه في أول الغسل ثلاث مرات لم يزد عليها، بخلاف ما يرويه شعبة هذا فإنه جعله سبع مرار.
وشعبة هذا هو: ابن دينار المديني، مولى ابن عباس، قال فيه مالك -وهو الحكم في أهل المدينة، ولا قول لأحد فيهم بعده- قال:"ليس بثقة"، وهذا جرح شديد، موافق لقول ابن حبان فيه:"يروي عن ابن عباس ما لا أصل له، كأنه ابن عباس آخر"، والجمهور على تليينه، وأنه ليس بقوي [انظر: التهذيب (2/ 170)، الميزان (2/ 274)، بيان الوهم (5/ 2498/324 و 2499) ولم يعمل شيئًا].
والحديث ضعفه عبد الحق الإشبيلي في أحكامه الوسطى (1/ 198)، وتعقبه ابن القطان فلم يعمل شيئًا.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 175) بعد حديث ميمونة المتفق عليه: "هذا الحديث لصحته يرد: ما رواه شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس: أنه كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه سبعًا، وفرجه سبعًا، وشعبة هذا: ليس بالقوي".
***
247 -
. . . أيوب بن جابر، عن عبد الله بن عُصْم، عن عبد الله بن عمر، قال: كانت الصلاة خمسين، والغُسل من الجنابة سبعَ مرار، وغَسل البول من الثوب سبع مرار، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جُعلت الصلاة خمسًا، والغُسل من الجنابة مرة، وغَسل البول من الثوب مرة.
• حديث منكر.
أخرجه أحمد (1/ 109)، وابن حبان في المجروحين (2/ 5)، والطبراني في الصغير (1/ 123/ 182)، وابن شاهين في الناسخ (45)، والبيهقي (1/ 179 و 244)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 43/ 5332)، وفي التحقيق (1/ 58/75).
قال الطبراني: "لم يروه عن ابن عمر: إلا عبد الله بن عصم أبو علوان الكوفي، تفرد به اْيوب بن جابر، وقد قيل: عبد الله بن عصمة، والصواب: عبد الله بن عصم".
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 175): "وإسناد هذا الحديث أيضًا عن ابن عمر: فيه ضعف ولين".
وضعفه ابن حبان جدًّا فأفحش القول في عبد الله بن عصم، وأفرط فيه فقال:"منكر الحديث جدًّا على قلة روايته، يروي عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم، حتى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة".
ثم ذكر حديثه هذا، ثم قال:"على أن أيوب بن جابر: أيضًا لا شيء".
قلت: قوله في الثقات (5/ 57) عنه: "يخطئ كثيرًا" أقرب إلى الاعتدال، فقد قال فيه ابن معين:"ثقة"، وقال أبو زرعة:"ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وقال البخاري:"مقارب الحديث"[الجرح والتعديل (5/ 126)، ترتيب علل الترمذي (342)، التهذيب (2/ 386)، الميزان (2/ 460)].
فمثله يقال فيه كما قال ابن حجر في التقريب (330): "صدوق يخطئ".
فلا ينبغي إذًا الحمل عليه في هذا الحديث، وإنما علة الخبر: أيوب بن جابر؛ فإنه: ضعيف، بل قد خالف فيه من هو أقوى منه: شريك بن عبد الله النخعي، فشريك وإن كان سيء الحفظ؛ إلا أنه أقوى من أيوب بن جابر بلا شك.
• رواه شريك، عن عبد الله بن عصم أبي علوان، عن ابن عباس، قال: أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم بخمسين صلاة، فنازل ربكم [وفي رواية: فسأل ربه] أن يجعلها خمس صلوات.
أخرجه ابن ماجه (1400)، وأحمد (1/ 315)، والطبراني في الأوسط (6/ 172/ 6109)، والخطيب في الموضح (6/ 202)، وفي تالي تلخيص المتشابه (2/ 530/ 323) والمزي في التهذيب (15/ 307 - 308).
قال المزي في تحفة الأشراف (5/ 47): "كذا قال، والصواب: عن ابن عمر".
وكذا قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 12).
لكن تعقب المزيَّ، ابنُ حجر فقال في النكت الظراف:"رواه كذلك عن عبد الله بن عصم: أيوب بن جابر، وشريك أقوى منه"، صححت ما فيه من تحريف.
وهذا ظاهر.
• وعليه فإن حديث ابن عمر هذا: حديث منكر، زاد فيه أيوب بن جابر، عن عبد الله بن عصم، ما ليس منه وجعله من مسند حديث ابن عمر.
والصواب ما رواه شريك فجعله من مسند ابن عباس، ولم يذكر التخفيف إلا في الصلاة، فلم يذكر التخفيف في غُسل الجنابة، ولا في غَسل البول.
وما رواه شريك من التخفيف في الصلاة من خمسين إلى خمس: قد صح من حديث مالك بن صعصعة وغيره في الصحيح.
[انظر: حديث أبي ذر: "هي خمس وهي خمسون"، عند: البخاري (349 و 1636 و 3342)، ومسلم (163)].
[حديث مالك بن صعصعة: جعلها خمسًا
…
"قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي"، عند: البخاري (3207 و 3393 و 3430 و 3887)، ومسلم (164)].
***
248 -
. . . الحارث بن وجيه: حدثنا مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تحت كلِّ شعرة جنابة، فاغسلوا الشَّعر، وأنقوا البَشَر".
قال أبو داود: الحارث بن وجيه: حديثه منكر، وهو ضعيف.
• حديث منكر.
أخرجه الترمذي (106)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (92)، وابن ماجه (597)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 216)، وابن جرير الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار (3/ 428/ 278)، والسهمي في تاريخ جرجان (102)، وابن عدي في الكامل (2/ 192)، والدارقطني في الأفراد (5/ 251/ 5326 - أطرافه)، وابن الغطريف في جزئه (76)، وتمام في الفوائد (1/ 341/ 867 - 869)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 387)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 175 و 179)، وفي الخلافيات (2/ 441/ 789 و 790)، وفي المعرفة (1/ 270/ 276)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 178 - 179 و 179)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 357 و 358)، وابن الجوزي في التحقيق (261)، وفي العلل المتناهية (1/ 373/ 621)، والذهبي في التذكرة (3/ 942).
وهذا حديث منكر، تفرد به الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، والحارث بن وجيه هذا: ضعيف، قليل الحديث، ما له شيخ سوى مالك بن دينار.
قال أبو داود: "الحارث بن وجيه: حديثه منكر، وهو ضعيف".
وقال الترمذي: "حديث الحارث بن وجيه: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار، ويقال: الحارث بن وجيه، ويقال: ابن وجبة".
وقال العقيلي: "لا يتابع عليه، وله غير حديث منكر، وله إسناد غيرهما فيه لين أيضًا".
وقال ابن جرير الطبري بأنه واهي الإسناد.
وقال ابن عدي بعد أن روى له حديثين هذا أحدهما: "وهذان الحديثان بأسانيدهما عن مالك بن دينار، لا يحدث [بهما]، عن مالك بن دينار، غير الحارث بن وجيه، وللحارث بن وجيه غير ما ذكرت من الروايات شيء يسير، ولا أعلم له رواية إلا عن مالك بن دينار".
وقال الدارقطني: "غريب من حديث محمد عنه، تفرد به مالك بن دينار، وعنه الحارث بن وجيه"[أطراف الغرائب والأفراد (2/ 320/ 5410)].
وقال أبو نعيم: "تفرد به الحارث عن مالك".
وقال البيهقي في السنن: "تفرد به موصولًا: الحارث بن وجيه، والحارث بن وجيه: تكلموا فيه".
وقال أيضًا: "قال الشافعي فيما حُكي عنه: فأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحت كل شعرة جنابة، فبلُّوا الشعر، وأنقوا البشر": فإنه ليس بثابت"
…
، ثم قال البيهقي: "تفرد به هكذا الحارث بن وجيه
…
"، ثم أسند إلى عباس الدوري قوله: سألت يحيى بن معين عن الحارث بن وجيه؟ فقال: "ليس حديثه بشيء"، ثم قال البيهقي: "وأنكره غيره أيضًا من أهل العلم بالحديث: البخاري، وأبو داود السجستاني، وغيرهما، وإنما يروى عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا، وعن الحسن، عن أبي هريرة: موقوفًا، وعن النخعي: كان يقال".
وذكر نحوه في المعرفة والخلافيات، وزاد:"والحسن لم يسمع من أبي هريرة".
وقال ابن عبد البر: "وحديث: "فأبلوا الشعر، وأنقوا البشرة": يدور على الحارث بن وجيه، وهو ضعيف".
وقال ابن الجوزي في العلل: "تفرد به الحارث عن مالك مرفوعًا، وإنما يروى هذا عن أبي هريرة قوله.
قال يحيى: الحارث ليس بشيء. وقال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير".
هذا ما وقفت عليه من كلام المصنفين الذين أخرجوا الحديث، وضعفوه.
• وقد ضعفه غيرهم:
فقال أبو حاتم الرازي: "هذا حديث منكر، والحارث: ضعيف الحديث"[العلل (1/ 29/ 53)].
وقال الخطابي: "والحديث ضعيف، والحارث بن وجيه: مجهول"[المعالم (1/ 69)].
وقال البزار: "ولا نعلم رواه عن مالك إلا الحارث بن وجيه".
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (2/ 18): "هو غريب الإسناد".
ونقل ابن عبد الهادي والنووي عن ابن معين أنه ضعفه [التنقيح (1/ 207)، المجموع (2/ 213)].
وقال الدارقطني في العلل (8/ 103): "يرويه الحارث بن وجيه، عن مالك بن دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وغيره يرويه عن مالك بن دينار، عن الحسن: مرسلًا.
ورواه أبان العطار، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة.
ولا يصح مسندًا، والحارث بن وجيه: من أهل البصرة، ضعيف".
قال ابن حزم في المحلى (2/ 32): "فإنه من رواية الحارث بن وجيه، وهو ضعيف".
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 201): "هذا يرويه الحارث بن وجيه، وهو: ضعيف عندهم، ويقال: ابن وجبة".
وقال النووي في المجموع (2/ 213): "ضعيف".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 575): "وهو حديث ضعيف".
وقال ابن حجر في هداية الرواة (1/ 235): "ضعيف".
وقال في التلخيص (1/ 248): "ومداره على الحارث بن وجيه، وهو ضعيف جدًّا".
ومما نقله مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (3/ 789 و 970) من كلام الأئمة زيادة على ما تقدم ذكره قال: "هذا حديث لما رواه أبو داود، أتبعه: الحارث: حديثه منكر، وهو ضعيف، كذا في كتاب اللؤلؤي وابن العبد، وعند ابن داسة: هذا الحديث ضعيف"، وما عند ابن داسة نقله البيهقي أيضًا في المعرفة (1/ 271).
وقال مغلطاي: "وفي علل الخلال: قال أبو عبد الله: الحارث بن وجيه: لا أعرفه، وهذا حديث منكر، إنما يروى عن الحسن: مرسلًا، وأما من حديث ابن سيرين فلا أعلمه".
"وفي كتاب الساجي: إنما يروى هذا عن الحسن، عن أبي هريرة: من قوله".
وقال البزار: "لا نعلم أسند مالك عن ابن سيرين إلا هذا الحديث، ولا نعلم رواه عن مالك إلا ابن وجيه".
وضعفه أيضًا: الألباني في مصنفاته، ومنها ضعيف سنن أبي داود (9/ 100) رقم (37).
• وقد خالف الحارث بن وجيه:
عبد الله بن الوليد [أظنه: المزني الكوفي، وهو: ثقة] فرواه عن مالك بن دينار، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحت كل شعرة جنابة، بلوا الشعر، وأنقوا البشرة".
أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 444/ 792).
وهذا هو المحفوظ عن مالك بن دينار: عن الحسن مرسلًا.
• وتابعه على هذا الوجه فرواه عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا هكذا بمثله:
يونس بن عبيد بن دينار العبدي البصري: ثقة ثبت فاضل ورع، من أثبت أصحاب الحسن البصري.
أخرجه من طريق يونس بإسناد صحيح إليه: عبد الرزاق (1/ 262/ 1002)، وأبو نعيم الفضل بن دكين في الصلاة (93)، وابن البختري في الجزء الحادي عشر من فوائده (169)[مجموع مصنفاته برقم (665)].
• ورواه سعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد العطار: كلاهما عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: تحت كل شعرة جنابة، فبلوا الشعر، وأنقوا البشر.
أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 444/ 793)، من طريق سعيد. وذكره الدارقطني في العلل (8/ 104)، من طريق أبان.
وهذا موقوف على أبي هريرة قوله، بإسناد رجاله ثقات، وهو منقطع، فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، كما قال البيهقي قريبًا.
• وتابع قتادة:
قرة بن خالد السدوسي البصري [ثقة ضابط]، فرواه عن الحسن البصري، قال: تحث كل شعرة جنابة، قال: وقال أبو هريرة: أما أنا فأبل الشعر وأنقي البشر.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 96/ 1068)، وابن جرير الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار (3/ 281/ 432)، وجعله كله من قول أبي هريرة مثل قتادة.
• وقد روي هذا الحديث أيضًا ببعضه أو بمعناه من حديث: أبي أيوب الأنصاري، ومن حديث أنس بن مالك، ومن حديث عائشة، ولا يصح من ذلك شيء:
1 -
أما حديث أبي أيوب:
فيرويه يحيى بن حمزة: حدثني عتبة بن أبي حكيم: حدثني طلحة بن نافع: حدثني أبو أيوب الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، وأداء الأمانة: كفارة لما بينها"، قلت: وما أداء الأمانة؟ قال: "غسل الجنابة، فإن تحت كل شعرة جنابة".
أخرجه ابن ماجه (598)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (511)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (3/ 280/ 430)، وأبو العباس السراج في مسنده (535 و 1083)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1840)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده
(3/ 98 / 1157)، والمحاملي في الأمالي (520)، والطبراني في الكبير (4/ 155/ 3989)، وفي مسند الشاميين (1/ 416/ 732)، والبيهقي في الشعب (3/ 19/ 2748)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 229) و (53/ 266).
وهو حديث ضعيف، رجاله ثقات، غير عتبة بن أبي حكيم؛ فإن فيه مقالًا لا ينزل بحديثه عن رتبة الحسن، إذا لم يتبين لنا خطؤه، ولم ينفرد بأصل وسُنَّة.
وقد أشبعت الكلام عليه وذكرت كلام الأئمة فيه في الحديث المتقدم برقم (44) فليراجع.
وأما علة هذا الحديث: فهو الانقطاع فيه بين أبي سفيان طلحة بن نافع وأبي أيوب فإنه لم يسمع منه، وإن وقع التصريح بالسماع في هذه الرواية فإنه لا يغني شيئًا.
فإثبات السماع لا بد له من سند قوي لا سيما مع تصريح الأئمة بنفي هذا السماع، ولا يقوى عتبة على مثل هذا المقام.
قال ابن أبي حاتم في المراسيل (359): "سمعت أبي يقول: وذكر حديثًا رواه عتبة بن أبي حكيم، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، قال: حدثني أبو أيوب، وأنس وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين.
قال أبي: لم يسمع أبو سفيان من أبي أيوب شيئًا. فأما جابر: فإن شعبة يقول: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث.
قال أبي: وأما أنس فإنه يحتمل.
ويقال: إن أبا سفيان أخذ صحيفة جابر عن سليمان اليشكري".
وهذا الحديث وهَّى إسناده ابن جرير الطبري.
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 249): "وإسناده ضعيف".
وضعفه الألباني في الضعيفة برقم (3801)(8/ 272).
وإذا علمت ما تقدم فلا تغتر بكلام البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 82)، ولا بقول مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (3/ 791):"إسناده صحيح".
2 -
وأما حديث أنس: فهو حديث طويل مروي بأسانيد كثيرة منكرة، لا يصح منها شيء، ولا يصلح في الشواهد، خرجته في أحاديث الدعاء برقم (63)(1/ 120).
والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: "يا بني بالغ في الغسل من الجنابة؛ [فإن تحت كل شعرة جنابة]، تخرج من مغتسلك ليس عليك ذنب ولا خطيئة"، قلت: بأبي وأمي! ما المبالغة في الغسل؟ قال: "تبل أصول شعرك، وتنقي البشرة".
3 -
وأما حديث عائشة، فله طرق:
أ- شريك، عن خصيف، قال: حدثني رجل منذ ثلاثين سنة [وفي رواية: منذ ستين سنة]، عن عائشة، قالت: أجمرت شعري إجمارًا شديدًا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عائشة أما علمت أن على كل شعرة جنابة".
أخرجه أحمد (6/ 110 - 111 و 254)، وإسحاق (3/ 964/ 1680).
وإسناده ضعيف، شريك بن عبد الله النخعي، وشيخه: خصيف بن عبد الرحمن: صدوقان، سيئا الحفظ جدًّا، وفيه رجل مبهم.
ب- قال ابن عدي في الكامل (7/ 96): ثنا الخضر بن أحمد بن أمية: ثنا أحمد بن بكار بن أبي ميمونة: ثنا مسكين -هو: ابن بكير-، عن الوازع، عن أبي سلمة، عن عائشة: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أضفر شعري، قال:"وما تصنعين يا عائشة -وجعل يطعن بمخصرة في رأسي- إن تحت كل شعرة جنابة".
وهذا باطل منكر.
تفرد به الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، والوازع: متروك، منكر الحديث، وقد أنكره عليه ابن عدي [اللسان (6/ 259)].
ج- أبو عبيدة شاذ بن الفياض: حدثنا الحارث بن شبل، عن أم النعمان، عن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة؟ فقال: "بلوا الشعر، وأنقوا البشر".
رواه عن شاذ: سمويه في فوائده (80)، ومن طريقه: أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 255)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 127/ 668).
وهذا منكر أيضًا.
قال البخاري: "الحارث بن شبل، عن أم النعمان، سمع منه هلال بن فياض: ليس بمعروف الحديث"[التاريخ الكبير (2/ 270)، الأوسط (2/ 146)، الصغير (59)].
وقال أبو حاتم في الحارث بن شبل: "هو منكر الحديث، ليس بالمعروف"، وقال ابن معين:"ليس بشيء"، وقال الدارقطني:"الحارث بن شبل: بصري، عن أم النعمان: مقل، وليست بمعروفة"، وقال أبو داود:"ليس بشيء"، وقال يعقوب بن سفيان:"مهجور، لا يعرف"، وضعفه أيضًا: ابن الجارود، والعقيلي، والساجي، وخالف الجميع: ابن حبان، فذكره في الثقات [الجرح والتعديل (3/ 77)، تاريخ الدوري (2/ 93)، تالي تلخيص المتشابه (2/ 586)، أسامي الضعفاء (56)، سؤالات الآجري (4/ ق 15)، المعرفة والتاريخ (3/ 141)، الضعفاء للدارقطني (156)، التهذيب (1/ 330)، اللسان (2/ 193)].
قال الحاكم في المعرفة (57): "وأوهى أسانيد عائشة: نسخة عند البصريين، عن الحارث بن شبل، عن أم النعمان الكندية، عن عائشة".
وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 445): "وقد كتبناه من حديث عائشة، وأنس رضي الله عنهما مرفوعًا: بإسنادين ضعيفين، لا يسويان ذكرهما".
• وروي معناه أيضًا من حديث ميمونة بنت سعد:
أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 36/ 64)، بإسناد مجهول، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (227).
***
249 -
. . . حماد: أخبرنا عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها، فُعل به كذا وكذا من النار".
قال علي: فمِن ثَمَّ عاديتُ شعرَ رأسي، فمِن ثَمَّ عاديتُ رأسي، ثلاثًا، وكان يجز شعره رضي الله عنه.
• حديث ضعيف، والصحيح: موقوف على عليّ.
أخرجه ابن ماجه (599)، والدارمي (1/ 210/ 751)، والضياء في المختارة (2/ 74 و 75/ 451 - 453)، وأحمد (1/ 94 و 151)، وابنه في زيادات المسند (1/ 133)، والطيالسي (1/ 145/ 170)، وابن أبي شيبة (1/ 96/ 1067)، والبزار (3/ 55 - 56/ 813)، وابن جرير الطبري في مسند علي من تهذيب الآثار (3/ 276 و 277/ 41 و 42)، وابن عدي في الكامل (5/ 364)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 200)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 175 و 227)، وفي الخلافيات (2/ 446/ 795 و 796)، وابن عبد البر (8/ 178)، وابن الجوزي في التحقيق (262).
وهذا الحديث إنما يعرف عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، وهو مشهور عنه، رواه عنه جماعة من الثقات، مثل: موسى بن إسماعيل، وأسود بن عامر، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو داود الطيالسي، وعفان بن مسلم، وحسن بن موسى، وأبو الوليد الطيالسي، وحجاج بن منهال، وعبيد الله بن محمد العيشي، وابراهيم بن الحجاج الناجي، ومحمد بن أبان بن عمران الواسطي، وأبو النعمان محمد بن الفضل عارم (12).
واختلف من بين هؤلاء على عفان بن مسلم:
1 -
فرواه الإمام أحمد بن حنبل، وأبو جعفر محمد بن علي بن عبد الله بن مهران الوراق [ثقة حافظ. سؤالات السلمي (0 33)، تاريخ بغداد (3/ 62)، السير (13/ 50)، التذكرة (2/ 590)]:
كلاهما عن عفان، عن حماد، عن عطاء، عن زاذان، عن علي، به مرفوعًا [عند: أحمد (1/ 101)، والبيهقي (1/ 175)].
2 -
وخالفهما:
علي بن سهل بن المغيرة [ثقة، وكان ملازمًا لعفان بن مسلم حتى نسب إليه، وكان وراقه]، وعيسى بن جعفر أبو موسى الوراق [أثنى عليه ابن المنادي خيرًا ووصفه بالصدق والفضل. تاريخ بغداد (11/ 168)]:
قالا: ثنا عفان بن مسلم: ثنا حماد بن سلمة، وشعبة، قالا: أنا عطاء بن السائب به.
أخرجه ابن المظفر في حديث شعبة (24)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (453).
والذي يظهر لي -والله أعلم- أن كلمة: "شعبة" قد أقحمت في السند وليست منه، أو تصحفت كما قال الدارقطني، إذ كيف يروي شعبة هذا الحديث ثم لا يشتهر عنه، ولا عن أصحابه؛ حتى يأتينا من إسناد يرويه الضياء وهو متأخر جدًّا، وليست العهدة فيه على هذين الراويين -والله أعلم-، وإنما العمدة في هذا على ما رواه الإمام أحمد عن عفان، وتابعه عليه أحد الثقات الحفاظ، وليس فيه ذكر شعبة.
قال الدارقطني في العلل (3/ 208): "والمحفوظ عن عفان، عن حماد، قال: سمعته يذكر عن عطاء بن السائب، فصحفه الراوي فقال: شعبة".
فلا تغتر بعد ذلك بمن اعتمد على هذه المتابعة الساقطة التي لا وجود لها في الحقيقة، فصحح بها الحديث [انظر: شرح مغلطاي (3/ 794)].
• روى الطبراني في الاوسط (7/ 120/ 7034)، وفي الصغير (2/ 179/ 987)، قال: حدثنا محمد بن الأعجم الصنعاني بصنعاء: حدثنا حريز بن المسلم الصنعاني: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من ترك شعرة من جسده لم يغسلها في غسل الجنابة فعل بها [به] كذا وكذا في النار"، قال علي: فمن ثم عاديت شعري، وكان يجز شعره.
قال الطبراني في الصغير: "لم يروه عن عبد العزيز إلا ابنه، تفرد به حريز بن المسلم، والمشهور من حديث حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب".
قلت: لا تصح هذه المتابعة، ولا تثبت عن عبد المجيد بن أبي رواد المكي، حيث تفرد بها عنه أحد الغرباء من أهل اليمن.
فهو حديث منكر، لتفرد حريز [بالحاء والزاي] بن المسَلَّم [بالتضعيف] به عن عبد المجيد.
وحريز هذا: رجل مجهول من أهل صنعاء، ترجم له ابن حبان في الثقات، فقال:"حريز بن مسلم بن حريز الصنعاني: يروي عن سفيان بن عيينة، روى عنه أهل اليمن"[الثقات (8/ 213)]، وترجم له ابن ماكولا في الإكمال (7/ 244) فقال:"يروي عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وغيره، روى عنه الفاكهي"، وله ترجمة في المؤتلف والمختلف للدراقطني (4/ 2002)، وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين الدمشقي (2/ 291) و (8/ 148)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 175) و (7/ 281):"لم أعرفه".
ثم إن الراوي عنه: محمد بن الأعجم الصنعاني، شيخ الطبراني: لم أعثر له على ترجمة.
• وفي الجملة: فإن هذا الحديث إنما يعرف بحماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، تفرد به عنه، ولم يتابع عليه.
• وقد اختلفت أقوال العلماء في هذا الحديث بين مصحح ومضعف:
قال الطبري في التهذيب (3/ 277): "وهذا خبر عندنا: صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين: سقيمًا غير صحيح لعلل:
إحداها: أنه خبر لا يعرف له مخرج يصح عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه.
والثانية: أن راويه عن زاذان: عطاء بن السائب، وعطاء بن السائب عندهم كان قد تغير حفظه أخيرًا فاضطرب عليه حديثه، فغير جائز الاحتجاج عندهم بحديثه.
والثالثة: أن حماد بن سلمة كان قد استنكر حديثه أصحابه أخيرًا حتى هموا بترك حديثه.
والرابعة: أن المعروف عن علي أنه كان يقول: إذا اغتسلت من الجنابة أجزأك أن تصب على رأسك مرتين"، ثم رواه بإسناد ضعيف.
وذكر ابن عدي حديثه هذا في جملة ما أنكر على عطاء بن السائب.
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
وقال أبو نعيم في الحلية: "هذا حديث غريب، تفرد به حماد عن عطاء".
وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل (3/ 208) ولم يقض فيه بشيء، بل قال:"وعطاء تغير حفظه".
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 200): "هذا يروى موقوفًا على علي، وهو الأكثر"[تصحفت في المطبوع إلى "مرفوعًا"، والتصحيح من بيان الوهم (3/ 272)، وشرح ابن ماجه لمغلطاي (3/ 793)].
وتعقبه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم بقوله: "وهذا الحديث قد أعرض أبو محمد منه عما هو في الحقيقة علته، وهي أنه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي، وحماد بن سلمة إنما سمع من عطاء بعد اختلاطه، وإنما يقبل من حديث عطاء ما كان قبل أن يختلط،
…
، وإنما ينبغي أن يقبل من حديثه ما روى عنه مثل شعبة وسفيان، فأما جرير، وخالد بن عبد الله، وابن علية، وعلي بن عاصم، وحماد بن سلمة، وبالجملة أهل البصرة، فأحاديثهم عنه مما سمع منه بعد الاختلاط؛ لأنه إنما قدم عليهم في آخر عمره، وقد نص العقيلي على حماد بن سلمة أنه ممن سمع منه بعد الاختلاط، وأما أبو عوانة فسمع منه في الحالين، ولما أورد أبو أحمد [يعني: ابن عدي] في بابه ما أنكر عليه من الحديث، أو ما خلط فيه، أو ما رُوي عنه بعد اختلاطه، أورد في جملة ذلك هذا الحديث" [بيان الوهم (3/ 272 و 273)].
وصححه مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (3/ 793).
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 249): "وإسناده صحيح، فإنه من رواية عطاء بن السائب، وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل الاختلاط
…
، لكن قيل: إن الصواب وقفه على علي"، وسكت عنه في هداية الرواة (1/ 235) مصححًا له.
وضعفه النووي في المجموع (2/ 213)، فقال:"فهو ضعيف أيضًا".
وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (9/ 103).
• قلت: حديث عطاء بن السائب قبل اختلاطه صحيح، وأما بعد اختلاطه. فليس بشيء.
قال يحيى بن سعيد القطان: "من سمع من عطاء بن السائب قديمًا فسماعه صحيح"[جامع الترمذي (2816)، شرح العلل (2/ 734)].
وقال أيضًا: "ما سمعت أحدًا من الناس يقول في عطاء بن السائب شيئًا في حديثه القديم"[التاريخ الكبير (6/ 465)، الجرح والتعديل (6/ 333)، الضعفاء الكبير (3/ 399)].
وقال أحمد بن حنبل: "من سمع منه قديمًا كان صحيحًا، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء"[الجرح والتعديل (6/ 333)، التهذيب (3/ 104)].
وكذا قال ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، والنسائي، والساجي، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم [انظر: التهذيب (3/ 104) وغيره].
أما من سمع منه قديمًا: فشعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني، وسفيان بن عيينة، وهشام الدستوائي، وزهير، وزائدة.
وسمع منه في الحالين في الصحة والاختلاط، فلم يفصل هذا من هذا، ولم يميز بينهما: أبو عوانة، قال:"كتبت عن عطاء قبلُ وبعدُ فاختلط عليَّ".
وسمع منه بأخرة بعد الاختلاط: جرير بن عبد الحميد، وإسماعيل ابن علية، وخالد بن عبد الله الواسطي، وعلي بن عاصم، ووهيب بن خالد، وعبد الوارث، ومحمد بن فضيل، وهشيم، وجعفر بن سليمان الضبعي، وروح بن القاسم، وعبد العزيز بن عبد الصمد، وابن جريج، وبالجملة: أهل البصرة، قال أبو حاتم:"وفي حديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة لأنه قدم عليهم في آخر عمره"، وقال أبو داود:"قال غير أحمد: قدم عطاء البصرة قدمتين: فالقدمة الأولى سماعهم صحيح، وسمع منه في القدمة الأولى: حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وهشام الدستوائي، والقدمة الثانية كان متغيرًا فيها، سمع منه: وهيب، وإسماعيل، وعبد الوارث، سماعهم منه فيه ضعيف"، وقال الدارقطني:"دخل عطاء البصرة مرتين، فسماع أيوب، وحماد بن سلمة، في الرحلة الأولى: صحيح"، وقال به النسائي أيضًا في عمل اليوم والليلة (224)، إلا أنه لم يسمِّ [انظر: تاريخ ابن معين للدوري (2/ 403)، الجرح والتعديل (6/ 334)، المعرفة والتاريخ (3/ 84)، الكواكب النيرات (39)، مسائل أحمد لأبي داود (1847 - 1853)، الضعفاء الكبير (3/ 399)، الكامل (5/ 361)، التقييد والإيضاح (423)، التاريخ الكبير (3/ 160)، شرح علل الترمذي (735)، التهذيب (3/ 104)، هدي الساري (446)].
وأما حماد بن سلمة: راوي هذا الحديث عن عطاء والمتفرد به: فتقدم قول أبي داود فيما نقله عن غير أحمد أنه سمع من عطاء في القدمة الأولى قبل الاختلاط.
وقال به أيضًا: الدارقطني كما تقدم.
وقال ابن معين: "حديث سفيان، وشعبة الحجاج، وحماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب: مستقيم، وحديث جرير بن عبد الحميد، وأشباه جرير: ليس بذاك لتغير عطاء في آخر عمره"[تاريخ الدوري (2/ 403)، الكامل (5/ 362)، التمهيد (1/ 109)].
وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: "ثقة، حديثه حجة، ما روى عنه سفيان، وشعبة، وحماد بن سلمة، وسماع هؤلاء سماع قديم، وكان عطاء تغير بآخرة، فرواية جرير وابن فضيل وطبقتهم: ضعيفة"[المعرفة والتاريخ (3/ 84)].
وقال ابن معين أيضًا: "وحماد بن سلمة سمع من عطاء بن السائب قديمًا قبل الاختلاط"[سؤالات ابن الجنيد (882)، شرح العلل (2/ 735)].
وقال الطحاوي: "وإنما حديث عطاء الَّذي كان منه قبل تغيره: يؤخذ من أربعة لا من سواهم: وهم شعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد"[التقييد والإيضاح (423)، الكواكب النيرات (72)].
وقال حمزة بن محمد الكناني في أماليه: "حماد بن سلمة: قديم السماع من عطاء"[نفس المصدرين].
وقال ابن الجارود في الضعفاء: "حديث سفيان، وشعبة، وحماد بن سلمة، عنه: جيد [يعني: قبل الاختلاط]، وحديث جرير وأشباه جرير: ليس بذاك"[التهذيب].
• والحاصل: أن ابن معين، وأبا داود، والطحاوي، والدارقطني، وحمزة الكناني، ويعقوب بن سفيان، وابن الجارود: ذكروا أن حماد بن سلمة قديم السماع من عطاء بن السائب، وأن سماعه منه كان قبل الاختلاط؛ فحديثه عنه إذًا صحيح، مثل سفيان، وشعبة.
لكن نقل العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 339)، بإسناد صحيح إلى علي بن المديني قال: قلت ليحيى [يعني: ابن سعيد القطان]: وكان أبو عوانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط؟ فقال: كان لا يفصل هذا من هذا، وكذلك حماد بن سلمة، وكان يحيى لا يروي حديث عطاء بن السائب إلا عن شعبة وسفيان، قال يحيى: قلت لأبي عوانة، فقال: كتبت عن عطاء قبل وبعد فاختلط علي".
ونقله ابن رجب في شرح العلل (2/ 735) فقال: "ونقل ابن المديني عن يحيى بن سعيد: أن أبا عوانة، وحماد بن سلمة، سمعا منه قبل الاختلاط وبعده، وكانا لا يفصلان هذا من هذا، خرجه العقيلي".
وقال ابن القطان الفاسي فيما تقدم نقله قريبًا في بيان الوهم والإيهام (3/ 272) اعتمادًا على هذا النقل عند العقيلي: "وحماد بن سلمة إنما سمع من عطاء بعد اختلاطه"، وقال أيضًا:"وقد نص العقيلي على حماد بن سلمة أنَّه ممن سمع منه بعد الاختلاط، وأما أبو عوانة فسمع منه في الحالين".
قلت: ليس هذا كلام العقيلي، وإما نقله عن يحيى بن سعيد القطان في التسوية بين حماد وأبي عوانة.
فهل نأخذ بقول الجمهور؟ أم نأخذ بقول يحيى بن سعيد القطان؟
الَّذي يظهر لي - والله أعلم - هو الأخذ بقول القطان فإن معه زيادة علم.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإنه باستقراء مناهج الأئمة في حديث عطاء بن السائب فيما يرويه عنه حماد بن سلمة: يتبين في أنهم يعاملونه معاملة من روى عنه بعد الاختلاط.
1 -
فمثلًا: ذكر الدارقطني في العلل (11/ 143/ 2179)، الاختلاف في حديث: "قالت الجنّة: لا يدخلني إلا الضعفاء
…
" على عطاء بن السائب، فرواه عنه ابن فضيل بإسنادٍ، ورواه حماد بن سلمة عنه بإسناد آخر، فلم يقض فيه لحماد، بل سوى بينهما فقال: "وعطاء اختلط، ولم يخرجوا عن عطاء، ولا يحتج من حديثه إلا بما رواه الأكابر: شعبة، والثوري، ووهيب، ونظراؤهم.
وأما ابن علية والمتأخرون ففي حديثهم عنه نظر".
2 -
سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث اختلف فيه على عطاء بن السائب فقضى فيه لشعبة على عبد الوارث وجرير، فقال:"شعبة أقدم سماعًا من هؤلاء، وعطاء تغير بأخرة"[العلل (1/ 442/ 1327)].
فلو كان حماد بن سلمة عنده مثل شعبة في قدم السماع الَّذي لم يختلط عنده بما رواه عنه بعد الاختلاط، لقضى لحماد بن سلمة مثل ما قضي لشعبة لكنه لما سأله ابنه عن حديث رواه أبو كدينة [يحيى بن المهلب]، وعمران بن عيينة، وشعيب بن صفوان، عن عطاء بن السائب، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن جده، قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم . . . ، وذكر الحديث، قال أبو حاتم:"رواه حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن القاسم، قال: جاء حبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابنه: قلت لأبي: أيهما أصح من حديث عطاء بن السائب؟ فقال: اتفق ثلاثة أنفس على التوصيل"[العلل (2/ 391/ 2684)].
فلم يقض لحماد، ولم يرجح روايته.
3 -
رجح أبو زرعة رواية جرير على رواية حماد بن سلمة، فقال:"حديث جرير أصح"، وهذا مع كون جرير لم يسمع من عطاء قبل الاختلاط مثل حماد [العلل (2/ 1746/84)].
4 -
روى سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وورقاء بن عمر، وموسى بن أعين، وعبيدة بن حميد، وابن فضيل، وقيس بن الربيع:
عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حفص، عن يعلى بن مرة، قال: أبصرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي ردع خلوق
…
الحديث.
أخرجه النسائي (8/ 153/ 5124 و 5125)، وأحمد (4/ 172 و 173)، وابنه في زيادات المسند (4/ 172)، والحميدي (822)، وعبد الرزاق (4/ 321/ 7937)، وابن أبي شيبة (4/ 50/ 17674)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 212/ 1569)، وابن
قانع في المعجم (3/ 216)، والطبراني في الكبير (22/ 267 و 268/ 684 و 686 - 688).
هكذا قالوا جميعًا، عبد الله بن حفص.
ورواه شعبة فقال: "أبو حفص بن عمرو"، فوهم.
أخرجه النسائي (8/ 152/ 5121 - 5123)، والترمذي (2816)، وأحمد (4/ 171 و 174)، والطبراني في الكبير (22/ 267/ 683).
وخالفهم: حماد بن سلمة، فقال:"حفص بن عبد الله".
أخرجه أحمد (4/ 171)، والطبراني (685).
قال أبو زرعة: "عبد الله بن حفص أصح"[العلل (1/ 478/ 1493). وانظر: (2/ 319/ 2472)].
وعلى هذا فيكون حماد أخذ هذا الحديث عن عطاء بعد الاختلاط، أو أخذه في الحالين ثم حدث بالأخير، والله أعلم.
• ومع هذا فقد رجحوا في بعض الأحوال رواية حماد بن سلمة على غيره لسبب ما:
1 -
روى أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان: فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنَّه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} " الآية [البقرة: 268].
أخرجه الترمذي في الجامع (2988)، وفي العلل (654)، والنسائي في الكبرى (10/ 37/ 10985)، وابن حبان (3/ 278/ 997)، والبزار (5/ 394/ 2527)، وأبو يعلى (8/ 417/ 4999)، وابن جرير الطبري في تفسيره (3/ 88/ 6169)، وابن أبي حاتم في التفسير (2/ 529/ 2810)، والبيهقي في الشعب (4/ 120/ 4506).
قال الترمذي في الجامع: "هذا حديث حسن غريب، وهو حديث أبي الأحوص، لا نعلمه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص".
وقال في العلل: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن السائب وأوقفه، وأرى أنَّه قد رفعه غير أبي الأحوص عن عطاء بن السائب، وهو حديث أبي الأحوص".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وقد رواه غير أبي الأحوص موقوفًا".
وقال ابن أبي حاتم: "وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الأحوص عن عطاء بن السائب
…
فذكره؟ فقال أبو زرعة: الناس يوقفونه عن عبد الله وهو الصحيح.
فقال أبي: رواه حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله، موقوفًا.
قلت: فأيهما الصحيح؟
قال: هذا من عطاء بن السائب كان يرفع الحديث مرة، ويوقفه أخرى، والناس يحدثون من وجوه عن عبد الله، موقوف، ورواه الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن مسعود، موقوف، وذكر أشياء من هذا النحو موقوف" [العلل (2/ 244/ 2224)].
والذي أراه - والله أعلم - أن حماد بن سلمة سمع هذا الحديث من عطاء قبل الاختلاط، وحدث به على الوجه المحفوظ، ولم ينفرد حماد بذلك، فقد تابعه على وقفه عن عطاء، عن مرة، عن ابن مسعود: حماد بن زيد، وابن علية، وجرير، وغيرهم.
أخرجه ابن جرير الطبري (3/ 88 و 89/ 6170 و 6171 و 6173 و 6175)، والطبراني في الكبير (9/ 101/ 8532).
وحماد بن زيد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط: قاله يحيى بن سعيد القطان، وعلي بن المديني، والنسائي.
ثم إن للحديث طرقًا أخرى موقوفة تؤيد ذلك.
• والخلاصة: أنَّه لم تُرجَّح رواية حماد بن سلمة هنا إلا لأمر خارج عنها، وهو متابعته لمن روى عن عطاء قبل الاختلاط مثل حماد بن زبد، ولموافقته في ذلك طرق الحديث الأخرى، والله أعلم.
• والحاصل: أن حماد بن سلمة شأنه شأن أبي عوانة: سمع من عطاء بن السائب في حال الصحة والاختلاط، ولم يفصل هذا من هذا، كما قال الإمام الناقد يحيى بن سعيد القطان، وله عنه أحاديث مستقيمة كما قال ابن معين وغيره، والأصل في هذه الأحاديث أنَّه لم ينفرد بها دون من روى عن عطاء قبل الاختلاط، أو قامت القرائن على أنَّه حمله عنه حال الصحة دون الاختلاط.
وهذا هو الَّذي ذهب اليه ابن حجر في التهذيب (3/ 105)، فقال:"فيحصل لنا من مجموع كلامهم: أن سفيان الثوري، وشعبة، وزهيرًا، وزائدة، وحماد بن زيد، وأيوب، عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيه إلا حماد بن سلمة، فاختلف قولهم، والظاهر: أنَّه سمع منه مرتين، مرة مع أيوب، كما يومع إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة، وسمع منه مع جرير وذويه، والله أعلم".
وعليه فهذا الحديث ليس عندنا ما يرجح أنَّه سمعه من عطاء بن السائب قبل الاختلاط في حال الصحة، فهو ضعيف.
وعلى هذا: فالراجح في هذا الحديث أنَّه موقوف.
فقد رواه حماد بن زيد -وهو ممن سمع من عطاء في حال الصحة- عن عطاء، عن زاذان، عن علي، موقوفًا.
ذكره الدارقطني في العلل (3/ 208).
وقال عبد الحق الإشبيلي: "هذا يروى موقوفًا على علي، وهو الأكثر".