المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٣

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌النوم مظنة للحدث

- ‌80 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله

- ‌81 - باب من يحدث في الصلاة

- ‌82 - باب في المذي

- ‌83 - باب في الإكسال

- ‌84 - باب في الجنب يعود

- ‌85 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود

- ‌86 - باب في الجنب ينام

- ‌87 - باب الجنب يأكل

- ‌88 - باب من قال: يتوضأ الجنب

- ‌89 - باب في الجنب يؤخِّر الغسل

- ‌90 - باب في الجنب يقرأ القرآن

- ‌قراءة الجنب والحائض للقرآن

- ‌91 - باب في الجنب يصافح

- ‌92 - باب في الجنب يدخل المسجد

- ‌لبث الحائض في المسجد

- ‌93 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ

- ‌94 - باب في الرجل يجد البِلَّة في منامه

- ‌95 - باب في المرأة ترى ما يرى الرجل

- ‌ 990).***96 -باب في مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل

- ‌97 - باب في الغسل من الجنابة

- ‌98 - باب في الوضوء بعد الغسل

- ‌99 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

- ‌100 - باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك

- ‌(1/ 446).***101 -باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء

- ‌(1/ 274).***102 -باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها

- ‌103 - باب في الحائض تُناوِل من المسجد

- ‌(1/ 419).***104 -باب في الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌105 - باب في إتيان الحائض

- ‌106 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع

- ‌107 - باب في المرأة تستحاض ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض

- ‌108 - باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة

- ‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

- ‌110 - باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة

- ‌111 - باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلًا

- ‌(1/ 241/ 906).***112 -باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر

الفصل: ‌(14/ 137 - 143/ 3484).***109 -باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

• وأما رواية أبي عوانة، فقد روى مثلها موقوفًا على عائشة:

أبو جعفر الرازي [ليس بالقوي] عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، أنها قالت في المستحاضة:"تقعد أيام أقرائها، ثم تغتسل غسلًا واحدًا، ثم توضأ لكل صلاة".

أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (2999).

• والحاصل: أنَّه قد اتفق على رواية هذا الحديث بهذا الإسناد تسعة وثلاثون نفسًا (39):

وخالفهم يحيى بن سعيد الأنصاري [المدني: ثقة ثبت]، قال: أخبرني هشام بن عروة، عن عروة: أن فاطمة بنت قيس - من بني أسد قريش -: أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت أنها تستحاض، فزعمت أنَّه قال لها: "إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي، واغسلي عنك الدم، ثم صلي].

أخرجه النسائي (1/ 116 - 117 و 181/ 201 و 349)، والطبراني في الكبير (24/ 362/ 900)، وفي الأوسط (3/ 214/ 1952)، وفي الصغير (1/ 150/ 230).

قال الطبراني في الأوسط: "لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن سماعة، ولا رواه عنه إلا عمران، وفاطمة بنت قيس، هي: فاطمة بنت أبي حبيش".

وقال في الصغير: "لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن سماعة، تفرد به عمران بن أبي جميل، وفاطمة بنت أبي حبيش، واسم أبي حبيش: قيس، وليست بفاطمة بنت قيس الفهرية التي روت قصة طلاقها".

قلت: إسناده صحيح؛ ابن سماعة هو: إسماعيل بن عبد الله بن سماعة: ثقة فاضل، من أجل أصحاب الأوزاعي وأقدمهم وأثبتهم [التهذيب (1/ 157)].

وعمران بن أبي جميل؛ هو: عمران بن خالد بن يزيد: دمشقي، ثقة.

لكنه شاذ، بإسقاط عائشة من الإسناد، والصحيح رواية الجماعة.

وقال الدارقطني في العلل (14/ 139/ 3484): "ولم يذكر عائشة، ووهم في قوله: بنت قيس، وإنما هي: بنت أبي حبيش"، وقال في موضع آخر (15/ 378/ 4086) عن رواية الأوزاعي هذه:"ووهم فيه، والصحيح: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: أن فاطمة بنت أبي حبيش".

وانظر في الاختلاف على هشام، وعلى عروة: علل الدارقطني ‌

(14/ 137 - 143/ 3484).

***

109 -

باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة

284 -

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عقيل عن بُهيَّة، قالت: سمعت امرأة تسأل عائشة، عن امرأة فسد حيضها وأُهريقت دمًا، فأمرني

ص: 320

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضُها مستقيم، فلتعتدَّ بقدر ذلك من الأيام، ثم لتدع الصلاة فيهن وبقدرهن [وفي نسخة: أو بقدرهن]، ثم لتغتسل، ثم لتستثفر [وفي نسخة: ثم لتستثفر] بثوب، ثم لتصل [وفي نسخة: ثم تصلي].

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (1/ 343)، لكنه رام إصلاح خلل؛ فقال: "سمعت امرأة تسأل عائشة -يعني: عن حيضها، أظنه قال: فقالت عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة فسد حيضها

".

ورواه أبو يعلى (8/ 89/ 4625)، قال: حدثنا بشر بن الوليد: حدثنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل، عن بهية: أنها سمعت امرأة تسأل عائشة، عن امرأة فسد حيضها فلا تدري كيف تصلي؟ فقالت لها عائشة: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة فسد حيضها، وأهريقت دمًا فلا تدري كيف تصلي؟ فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آمرها:"فلتنظر قدر ما كانت تحيض في كل شهر مرة، وحيضها مستقيم، فلتقعد مثل ذلك من الليالي والأيام، ثم لتدع الصلاة فيهن، وتقدرهن، ثم لتغتسل طهرها، ثم تستثفر بثوب، ثم تصلي، فإني أرجو أن هذا من الشيطان، وأن يذهبه الله عنها إن شاء الله" قالت: فأمرتها بفعله فأذهب الله عنها، فمري صاحبتك بذلك.

فظهر بهذه الرواية ما وقع من اختصار مخل في رواية أبي داود، وبشر بن الوليد وإن كان قد تكلم فيه [اللسان (2/ 43)]، فقد تابعه على هذه الرواية بنحوها: يحيى بن يحيى النيسابوري [وهو ثقة ثبت إمام]:

أخرجه البيهقي من طريقه في السنن الكبرى (1/ 332).

وهذا حديث ضعيف؛ أبو عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية: ضعيف.

وبهية: لا تعرف، لم يرو عنها سوى أبي عقيل يحيى بن المتوكل، وقال ابن عمار:"ليست بحجة"، وقال الجوزجاني:"جهدنا أن نعرف بهية الَّذي يروي عنه يحيى بن المتوكل أبو عقيل، فلا نهتدي له"، وهذا يعني أنَّه كان يراها رجلًا، وإنما هي امرأة [أحوال الرجال (138)]، وقال ابن معين:"بهية: ليس يروي عنها غير يحيى بن المتوكل، وليست بمنكرة الحديث"، وقال ابن عدي:"وأحاديثها ليست منكرة"[الكامل (2/ 71)][وانظر: التهذيب (4/ 666)، الميزان (4/ 605)].

• وحديثها هذا ليس بمنكر، فهو معروف من حديث أم سلمة صحيح عنها، لكنه ضعيف بهذا السياق عن عائشة.

***

ص: 321

285 -

. . . عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، وعمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش - ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت عبد الرحمن بن عوف - استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فاغتسلي وصلي".

قال أبو داود: زاد الأوزاعي في هذا الحديث: عن الزهري، عن عروة، وعمرة، عن عائشة، قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش -وهي تحت عبد الرحمن بن عوف- سبع سنين، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت، فاغتسلي، وصلي".

قال أبو داود: ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي، ورواه عن الزهري: عمرو بن الحارث، والليث، ويونس، وابن أبي ذئب، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، وسليمان بن كثير، وابن إسحاق، وسفيان بن عيينة: لم يذكروا هذا الكلام.

قال أبو داود: وإنما هذا لفظ حديث: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

قال أبو داود: وزاد ابن عيينة فيه أيضًا: أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها، وهو: وهمٌ من ابن عيينة.

وحديث محمد بن عمرو، عن الزهري، فيه شيء يقرب من الَّذي زاد الأوزاعي في حديثه.

• حديث متفق على صحته.

أعاده أبو داود برقم (288)، بإسناده ومتنه وزاد في آخره: قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتَّى تعلو حمرة الدم الماء.

أخرجه مسلم (334/ 64)، وأبو عوانة (1/ 268 - 269/ 935)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 380/ 750)، والنسائي (1/ 119/ 205)، وابن حبان (4/ 185/ 1352)، والحاكم (1/ 173)، وابن حزم (2/ 164)، والبيهقي (1/ 348)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 456)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 303).

ومضى قول أبي داود قبل ذلك بعد الحديث رقم (281)، وأحلناه إلى هذا الموضع قال: "وزاد ابن عيينة في حديث الزهري، عن عمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها.

قال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة، ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري،

ص: 322

إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح، وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه:"تدع الصلاة أيام أقرائها"".

وقال أبو داود بعد أن أخرج الحديث من طريق عمرو بن الحارث ويونس والليث برقم (288 و 289 و 290)، قال: "قال القاسم بن مبرور: عن يونس، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة، عن أم حبيبة بنت جحش.

وكذلك روى معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة.

وربما قال معمر: عن عمرة، عن أم حبيبة بمعناه.

وكذلك رواه إبراهيم بن سعد، وابن عيينة، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة.

وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل".

وقال أبو داود بعد أن أخرج الحديث من طريق ابن أبي ذئب برقم (291): "وكذلك رواه الأوزاعي أيضًا؛ قال فيه: قالت عائشة: وكانت تغتسل لكل صلاة".

وقال أبو داود بعد أن أخرجه من طريق ابن إسحاق برقم (292) وفيه: فأمرها بالغسل لكل صلاة، قال:"ورواه أبو الوليد الطيالسي - ولم أسمعه منه -، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: استحيضت زينب بنت جحش، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "اغتسلي لكل صلاة"، وساق الحديث.

قال أبو داود: ورواه عبد الصمد، عن سليمان بن كثير، قال:"توضئي لكل صلاة".

قال أبو داود: وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه: قول أبي الوليد".

• قلت: تابع عمرو بن الحارث على هذا الحديث:

1 -

إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنها سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: جاءت أم حبيبة بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت استحيضت سبع سنين - فاشتكت ذلك إليه، واستفتته فيه؟ فقال لها:"إن هذا ليس بالحيضة، إنما هذا عرق، فاغتسلي ثم صلي".

قالت عائشة: وكانت أم حبيبة تغتسل لكل صلاة وتصلي، وكانت تجلس في المركن فتعلو حمرة الدم الماء، ثم تصلي.

أخرجه مسلم (334/ 64)، وأبو عوانة (1/ 267/ 930)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 381/ 751)، وفي الحلية (9/ 14)، والدارمي (1/ 221/ 782)، وابن حبان (4/ 184/ 1351)، وأحمد (6/ 187)، والشافعي في الأم (2/ 138/ 126)، وفي السنن (1/ 240/ 134)، وأبو يعلى (7/ 381/ 4410)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (111)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 99)، والبيهقي في المعرفة (1/ 376/ 481).

2 -

الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أستحاض؟ فقال: "إنما ذلك عرق، فاغتسلي، ثم صلي".

ص: 323

فكانت تغتسل عند كل صلاة.

قال الليث بن سعد: لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي.

أخرجه مسلم (334/ 63)، وأبو نعيم في المستخرج (1/ 380/ 749)، وأبو داود (290)، والترمذي (129)، والطوسي في مختصر الأحكام (110)، والنسائي (1/ 119 و 181 - 182/ 206 و 351)، وابن حبان (4/ 187/ 1353)، وأحمد (6/ 82)، والطحاوي في المشكل (1/ 362/ 342 - ترتيبه)، وفي شرح المعاني (1/ 99)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 331 و 349)، وفي المعرفة (1/ 376/ 482)، وابن عبد البر (6/ 34)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 300 - 301).

3 -

ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة، وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين - وكانت امرأة عبد الرحمن بن عوف -، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما هذا عرق، وليست بحيضة، فاغتسلي وصلي".

قال: فكانت تغتسل عند كل صلاة.

أخرجه البخاري (327)، وأبو عوانة (1/ 268/ 933)، وأبو داود (291)، والدارمي (1/ 221/ 781)، وأحمد (6/ 141)، واللفظ له، والطيالسي (3/ 54 - 55 و 159/ 1542 و 1688)، وابن سعد (8/ 242)، والطحاوي في المشكل (1/ 361/ 341 - ترتيبه)، وفي شرح المعاني (1/ 99)، والبيهقي (1/ 170)، والخطيب في المبهمات (61).

هكذا رواه عن ابن أبي ذئب جماعة من أصحابه، منهم: معن بن عيسى [مدني، ثقة ثبت]، وابن أبي فديك [مدني، صدوق]، ويزيد بن هارون [ثقة ثبت متقن]، وحسين بن محمد المروذي [ثقة]، وأسد بن موسى [صدوق]، وإسحاق بن محمد بن عبد الرحمن المسيبي [صدوق فيه لين](6).

وخالفهم في إسناده فوهم: عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي البصري [صدوق]، فقال:"عن أم حبيبة"، فجعله من مسند أم حبيبة لا من مسند عائشة [الدارمي].

وخالفهم في متنه، فجعل المستحاضة: زينب بنت جحش، بدل أختها أم حبيبة: أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ، غلط في أحاديث]، وهو بصري، وقد وهم في ذلك؛ قاله الدارقطني في العلل [انظر: فتح الباري لابن رجب (1/ 525)].

والمحفوظ رواية الجماعة؛ لا سيما فيهم أهل المدينة، مثل: معن بن عيسى، وابن أبي فديك، فإن رواية الحجازيين وسماعهم من ابن أبي ذئب: صحيح؛ وفي حديث العراقيين عنه: وهم كبير، ذكره مسلم في كتاب التمييز (191)[شرح علل الترمذي (2/ 780)].

4 -

صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت سبع سنين

فذكره بنحو رواية إبراهيم بن سعد.

ص: 324

أخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 101 / 568).

5 -

عثمان بن عمر بن موسى التيمي المدني قاضيها [يوافق الثقات من أصحاب الزهري في حديثه عن الزهري، وقلما يخالفهم. انظر: صحيح البخاري (5576)، علل الدارقطني (4/ 368) و (7/ 284) و (8/ 96) و (10/ 76). وهو صدوق حسن الحديث، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وأما قول ابن معين بأنه لا يعرفه، وإقرار ابن عدي له عليه فلا يقدح فيه، إذ قد عرفه غيره. انظر؛ التهذيب (3/ 74)، الثقات (7/ 200) و (8/ 441)، التاريخ الكبير (6/ 178 و 239)، الجرح والتعديل (6/ 124/ 159)]، عن ابن شهاب: أخبرني عروة: أن عائشة أخبرته: أن أم حبيبة بنت جحش

فذكره بنحو رواية عمرو بن الحارث.

أخرجه الحاكم (4/ 62).

فهؤلاء ستة من أصحاب الزهري تتابعوا على هذه الرواية: عمرو بن الحارث، وإبراهيم بن سعد، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، وصالح بن أبي الأخضر، وعثمان بن عمر بن موسى التيمي.

لكن منهم من قال: "عن عروة"، ومنهم من قال:"عن عمرة"، ومنهم من جمعهما، وكله صحيح عن الزهري، والحديث صحيح، عن عروة، وعن عمرة جميعًا، كما قال الدارقطني والبيهقي [سنن البيهقي (1/ 349)].

• والحديث رواه أيضًا عن الزهري: سفيان بن عيينة، ويونس بن يزيد الأيلي، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، ومحمد بن إسحاق، وسليمان بن كثير.

ولكن اختلفوا، فمنهم من تابع عمرو بن الحارث ومن معه على الإسناد دون المتن، ومنهم من تابعهم على المتن دون الإسناد.

1 -

أما سفيان بن عيبنة: فقد اختلف عليه في متنه:

أ - فرواه إسحاق بن راهويه، وأبو موسى محمد بن المثنى، ومحمد بن الصباح الدولابي:

ثلاثتهم [وهم ثقات حفاظ]، عن سفيان، عن الزهري، عن عمرة - وقال إسحاق:"عن عروة" مرة، وفي موضع آخر قال:"عن عمرة أو غيرها" -، عن عائشة: أن ابنة جحش كانت تستحاض سبع سنين، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: [ليست بالحيضة، إنما هو عرق"، فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضتها، وتغتسل وتصلي.

فكانت تغتسل عند كل صلاة.

لفظ أبي موسى محمد بن المثنى، زاد ابن راهويه والدولابي: وكانت تجلس في المركن فيه الماء حتَّى يعلو الدم.

وزاد ابن راهويه: ولم تقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك، وهي في رواية الدولابي بلفظ: لم يأمرها أن تغتسل لكل صلاة، [في المطبوع: ثم يأمرها، وهو غلط].

ص: 325

أخرجه مسلم (334/ 64) ولم يسق لفظه، وأبو عوانة (1/ 269/ 936)، والنسائي (1/ 121 و 183/ 210 و 357)، وإسحاق بن راهويه (2/ 100 / 567) و (4/ 245/ 2062)، وابن دقيق العيد في الإمام (3/ 303).

ب - وخالفهم: الإمام محمد بن إدريس الشافعي، والحميدي - راوية ابن عيينة -، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [ثقة ثبت].

ثلاثتهم [وهم ثقات حفاظ، والحميدي والشافعي من أثبت الناس في ابن عيينة]، عن سفيان، قال: أخبرني الزهري، عن عمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة استحيضت، فكانت لا تصلي سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنما هو عرق، وليست بالحيضة"، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي.

فكانت تغتسل لكل صلاة، وتجلس في المركن فيعلوه الدم.

لفظ الشافعي والحميدي سواء.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 138/ 127)، وفي السنن (1/ 239/ 132)، وفي المسند (311)، ومن طريقه: الطحاوي في المشكل (1/ 359 / 338 - ترتيبه)، وفي شرح المعاني (1/ 99)، والبيهقي في المعرفة (1/ 375/ 480).

وأخرجه الحميدي في مسنده (160)، ومن طريقه: أبو نعيم في المستخرج (1/ 381/ 752)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 70)، والخطيب في الكفاية (225).

ومن طريق القعنبي: رواه أبو نعيم في المستخرج (752) مقرونًا بالحميدي، ولم يسق لفظه، ولم يشر إلى وجود اختلاف بين لفظ الحميدي والقعنبي.

• والحاصل من هذا الاختلاف: أن ابن عيينة كان يروي الحديث مرة مثل الجماعة [عمرو بن الحارث ومن معه]، روى ذلك عنه أثبت أصحابه: الإمام الشافعي [وكفى به]، والإمام الحميدي [قال فيه أبو حاتم:"أثبت الناس في ابن عيينة: الحميدي، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة"، وقال:"ثقة إمام". الجرح والتعديل (5/ 57)].

ومرة أخرى يرويه فيزيد فيه: فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها، ولم تقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك، يعني: الغسل لكل صلاة.

روى ذلك عنه أئمة ثقات حفاظ متقنون، مثل: إسحاق بن راهويه الإمام، وأبي موسى محمد بن المثنى [قال فيه ابن حبان:"كان صاحب كتاب، لا يقرأ إلا من كتابه". التهذيب (3/ 687)]، وليس عنده الزيادة الثانية.

فهذه الرواية المشتملة على الزيادة إنما هي وهم من ابن عيينة نفسه، كما صرح بذلك أبو داود في موضعين، وتقدم نقل كلامه.

• وعلى هذا فالصحيح من جهة الرواية: ما وافق فيه ابن عيينة: الجماعة من أصحاب الزهري، ورواه عنه أثبت أصحابه: الشافعي والحميدي.

ص: 326

وعلى هذا فإن رواية سفيان بن عيينة، من حيث الجملة هي موافقة لرواية الجماعة: عمرو بن الحارث ومن معه، مع حذف ما وهم فيه ابن عيينة؛ والاعتداد فقط برواية أثبت أصحابه عنه.

وبهذا يكون عدد من اتفقوا على الرواية الصحيحة عن الزهري: سبعة؛ سندًا ومتنًا.

2 -

وأما يونس بن يزيد: فقد اختلف عليه في إسناده:

أ - فرواه عنبسة بن خالد الأيلي [صدوق، أنكرت عليه أحاديث تفرد بها عن عمه يونس. التهذيب (3/ 330)، علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 460)]، قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن، عن أم حبيبة، بهذا الحديث، قالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة.

أخرجه أبو داود (289)، بعد حديث عمرو بن الحارث، ولم يسق لفظه، وإنما أحال على حديث عمرو.

ب - وخالفه: القاسم بن مبرور [صدوق فقيه، أثنى عليه مالك، وهو أيلي أيضًا]، فرواه عن يونس، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة، عن أم حبيبة بنت جحش به.

علقه أبو داود هكذا بعد الحديث رقم (290)، ولم أجد من وصله.

ورواية القاسم بن مبرور: أولى بالصواب، لكنه جعله من مسند أم حبيبة بنت جحش، والصواب: أنَّه من مسند عائشة، كما رواه الجماعة عن الزهري.

وظاهر صنيع أبي داود هنا، وكلامه الَّذي سبق إيراده: يدل على أن لفظ حديث يونس بن يزيد موافق لما رواه الجماعة من أصحاب الزهري، وإنما شذ عنهم في الإسناد فقط؛ حيث زاد أم حبيبة في الإسناد.

وبهذا يكون عدد الذين اتفقوا على متن هذا الحديث: ثمانية من أصحاب الزهري.

3 -

وأما الأوزاعي: فقد اختلف عليه في متنه، ووافق الجماعة في إسناده:

أ - فرواه الوليد بن مزيد [بيروتي؛ ثقة ثبت، قدمه النسائي في الأوزاعي على الوليد بن مسلم]، وهقل بن زياد [دمشقي، نزل بيروت، ثقة، وكان كاتب الأوزاعي ومن أثبت أصحابه]، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج [حمصي، ثقة]، وسهل بن هاشم [واسطي، نزل الشام، لا بأس به]، ومحمد بن كثير [الصنعاني، صدوق كثير الغلط، ضعيف في معمر خاصة]، ومحمد بن يوسف [الفريابي؛ ثقة فاضل أخطأ في شيء من حديث الثوري]، وعمرو بن أبي سلمة [دمشقي، صدوق له أوهام، يقول فيما سمعه من الأوزاعي: حدثنا، وفي الباقي عن، وقد صرح هنا بالتحديث]، والهيثم بن حميد الغساني [صدوق، ضعفه أبو مسهر]:

رواه ثمانيتهم عن الأوزاعي، قال: حدثني ابن شهاب: حدثني عروة بن الزبير، وعمرة ابنة عبد الرحمن بن سعد بن زرارة: أن عائشة قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش -وهي تحت عبد الرحمن بن عوف- سبع سنين، فاشتكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،

ص: 327

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي ثم صلي".

فقالت عائشة رضي الله عنها: فكانت تغتسل لكل صلاة ثم تصلي، وكانت تقعد في مركن لأختها زينب ابنة جحش، حتَّى إن حمرة الدم لتعلو الماء.

أخرجه النسائي (1/ 117 و 118 و 181/ 202 و 204 و 350)، وابن ماجة (626)، والدارمي (1/ 216 - 217 و 220/ 768 و 778)، وأبو عوانة (1/ 268/ 931 و 932)، والحاكم (1/ 173 - 174)، وأحمد (6/ 83)، والشافعي في السنن (1/ 239 - / 240 133)، وأبو يعلى (7/ 371 - 372/ 4405)، والطحاوي في المشكل (1/ 360/ 339 - ترتيبه)، وفي شرح المعاني (1/ 99)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 392/ 1560)، وابن حزم (2/ 163)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 170 و 327)، وفي المعرفة (1/ 371/ 475).

قال الفريابي وسهل بن هاشم: "عن عروة" فقط، وهو صحيح عنهما معًا.

سقط حرف الواو في بعض الروايات فكان السند هكذا: "عن عروة عن عمرة"، وهو خطأ بيِّن، والصواب إثبات الواو بينهما:"عن عروة وعن عمرة".

قال الهيثم بن حميد في روايته: أخبرني النعمان والأوزاعي وأبو معيد -وهو حفص بن غيلان-، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش

الحديث.

وفي آخر كلام عائشة: حتَّى أن حمرة الدم لتعلو الماء، وتخرج فتصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يمنعها ذلك من الصلاة. [النسائي، أبو عوانة، مشكل الآثار، شرح المعاني، مسند الشاميين].

فقرن الهيثم مع الأوزاعي: النعمان بن المنذر الغساني الدمشقي [صدوق، ضرب أبو مسهر على حديثه، وقال النسائي بعد حديثه في الحيض: اليس بذاك القوي"]، وأبا معيد حفص بن غيلان الدمشقي [صدوق، ضعفه غير واحد].

والثلاثة: قدرية، أعني: الهيثم والنعمان وأبا معيد.

والهيثم بن حميد: ليس بذاك الحافظ، لا يقبل منه مثل ذلك الجمع بين الشيوخ مع الاتفاق بينهم في السياق، إذ إنه في الغالب يكون ثمة اختلاف بينهم، إما في الإسناد، وإما في المتن، ولا يفصل هذا إلا الحفاظ.

قال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي (2/ 816): "إن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقة واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق، فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك وغيره".

وعلى هذا فلا ينبغي أن يقال بأن هذه الزيادة التي انفرد بها الأوزاعي في متن حديث

ص: 328

الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة، في شأن أم حبيبة بنت جحش وهي قوله:"فإذا أقبلت الحيضة تدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي"، فإن هذه الجملة إنما تعرف من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، لا ينبغي أن يقال بأن الأوزاعي قد توبع عليها، تابعه النعمان بن المنذر، وأبو معيد حفص بن غيلان؛ لأنَّه لم تأت لهما رواية مستقلة تبين لفظ كل واحد منهما، وهل اتفقا مع الأوزاعي في لفظه أم اختلفا؟ هذا فضلًا عن ثبوت الحديث عنهما أصلًا.

فكما قلنا؛ الهيثم بن حميد: ليس بذاك الحافظ الَّذي يقبل منه هذا الجمع بين الشيوخ، لا سيما وقد قال فيه بلديه الحافظ أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي قال:"حدثنا الهيثم بن حميد، وكان صاحب كتب، ولم يكن من الأثبات، ولا من أهل الحفظ، وكنت أمسكت عن الحديث عنه، استضعفته"، وقال أيضًا:"كان ضعيفًا قدريًّا"[التهذيب (4/ 295)].

• ومما يؤكد عدم ثبوت هاتين المتابعتين: قول أبي داود والذي سبق نقله بتمامه، والشاهد منه قوله:"ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري، غير الأوزاعي، ورواه عن الزهري: عمرو بن الحارث، والليث، ويونس، وابن أبي ذئب، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، وسليمان بن كثير، وابن إسحاق، وسفيان بن عيينة، ولم يذكروا هذا الكلام"، ثم قال:"وإنما هذا لفظ حديث: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة".

فلو كان ثابتًا عنده من حديث هذين: النعمان وأبي معيد لذكر ذلك، والله أعلم.

وكذا فعل البيهقي حيث قال: "قوله: "فإذا أقبلت الحيضة" في هذا الحديث: لم يذكره أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي"[السنن (1/ 170)].

وقال في موضع آخر (1/ 328): "وقوله: "فإذا أقبلت الحيضة، وإذا أدبرت": تفرد به الأوزاعي من بين ثقات أصحاب الزهري، والصحيح: أن أم حبيبة كانت معتادة، وأن هذه اللفظة إنما ذكرها هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي، كما رواه غيره من الثقات".

ب - وهذا يقودنا إلى ذكر الرواية الأخرى عن الأوزاعي؛ فقد خالفهم فلم يذكر هذه الزيادة، ورواه كما رواه الجماعة من أصحاب الزهري:

الوليد بن مسلم [ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي، إذا صرح بالتحديث، وقد صرح]، وإسماعيل بن عبد الله بن سماعة [ثقة فاضل، من أجلِّ أصحاب الأوزاعي وأقدمهم وأثبتهم]، وبشر بن بكر [تنيسي دمشقي الأصل، ثقة، يروي عن الأوزاعي، مكثر عنه]:

رواه ثلاثتهم عن الأوزاعي، قال: نا الزهري، قال: حدثني عروة وعمرة: أن عائشة قالت: استحيضت أم حبيبة بنت جحش -وهي تحت عبد الرحمن بن عوف- سبع سنين، فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذه عرق، فاغتسلي وصلي".

ص: 329

قالت عائشة: فكانت تغتسل لكل صلاة، وكانت تقعد في مركن لأختها زينب بنت جحش، حتَّى أن حمرة الدم لتعلو الماء.

أخرجه النسائي (1/ 117/ 203)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه على الترمذي (109)، وهذا لفظه، وابن حبان (4/ 187/ 1353)، وأبو عوانة (1/ 268/ 931)، والطحاوي في المشكل (1/ 361/ 340 - ترتيبه)، والبيهقي (1/ 328).

وقد وهم بعضهم فحمل لفظ بشر بن بكر على لفظ الجماعة من أصحاب الأوزاعي، وليس بصحيح.

• وحاصل هذا الاختلاف على الأوزاعي: أن الأوزاعي نفسه كان يروي الحديث مرة بالزيادة، ومرة بدونها، رواه عنه على الوجهين ثقات أصحابه.

والذي يظهر لي - والله أعلم - في سبب ورود هذه الزيادة ودخولها في حديث الأوزاعي، هو أن الأوزاعي يروي حديث هشام بن عروة: عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن هشام، عن أبيه، عروة، أن فاطمة بنت قيس - من بني أسد قريش - أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أنها تستحاض، فزعمت أنَّه قال لها:"إنما ذلك عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي، واغسلي عنك الدم، ثم صلي".

تقدم تخريجه تحت الحديث (284).

لهذا أقول بأن الأوزاعي دخل له حديث في حديث، فأدخل هذه الجملة من حديث هشام بن عروة في حديث الزهري، والله أعلم.

• والحاصل: أن الأوزاعي اتفق مع جماعة أصحاب الزهري: في الإسناد، وخالفهم في المتن مرة، فزاد جملة من حديث هشام بن عروة فأدخلها في حديث الزهري، ورواه مرة أخرى بدون هذه الزيادة موافقًا لجماعة أصحاب الزهري في المتن.

4 -

وأما معمر بن راشد: فقد وافق الجماعة في متن الحديث، واختلف عليه في إسناده:

أ - فرواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن أم حبيبة بنت جحش، قالت: استحضت سبع سنين، فاشتكيت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليست تلك بالحيضة، ولكن عرق، فاغتسلي".

فكانت تغتسل عند كل صلاة، فكانت تغتسل في المركن، فترى صفرة الدم في المركن.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 303/ 1164).

وعنه: أحمد (6/ 434)، وإسحاق (4/ 245/ 2061)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (24/ 216/ 550).

ب - قال أبو داود: رواه معمر، عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة. ذكره بعد الحديث رقم (290).

ص: 330

ولم أر من وصل هذه الرواية المعلقة؛ ولا أعلم من رواها هكذا عن معمر.

• والمحفوظ في هذا الإسناد: ما رواه الجماعة عن الزهري، عن عروة، وعمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش.

فهو من مسند عائشة لا من مسند أم حبيبة.

5 -

وأما ابن إسحاق: فقد خالف الجماعة في متن الحديث - وغلط في ذلك -، واختلف عليه في إسناده، لاضطرابه فيه:

أ - فرواه عبدة بن سليمان [ثقة ثبت]، وأحمد بن خالد الوهبي [صدوق]: كلاهما عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش كانت استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل لكل صلاة، فإن كانت لتنغمس في المركن، وإنه لمملوء ماءً ثم تخرج منه، وإن الدم لعاليه، فتصلي.

أخرجه أبو داود (292)، والدارمي (1/ 222/ 783)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 98)، وفيه:"عن أم حبيبة"، وابن حزم (2/ 212)، والبيهقي (1/ 350).

ب - وخالفهما في اسم المستحاضة: يزيد بن هارون [ثقة متقن]، فرواه عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن زينب بنت جحش استحيضت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل لكل صلاة

الحديث بنحوه.

أخرجه أحمد (6/ 237)، والدارمي (1/ 219/ 775).

ج - وخالفهم في الإسناد؛ فجعله من مسند أم حبيبة ولم يذكر عائشة في الإسناد: محمد بن سلمة الحراني [ثقة فاضل]، رواه عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن أم حبيبة بنت جحش، أنها استحيضت، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأمرها بالغسل عند كل صلاة

وساق الحديث بنحوه.

أخرجه أحمد (6/ 434)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3484/ 7901)، وابن حزم (2/ 212).

وهذا اضطراب في الإسناد من محمد بن إسحاق، فلم يحفظ متن الحديث، فغلط فيه، واضطرب عليه إسناده.

قال البيهقي: "ورواية محمد بن إسحاق عن الزهري: غلط؛ لمخالفتها سائر الروايات عن الزهري، ومخالفتها الرواية الصحيحة: عن عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة

[ثم ساقه بإسناده ثم قال:] ففي هاتين الروايتين الصحيحتين بيان: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بالغسل عند كل صلاة، وأنها كانت تفعل ذلك من عند نفسها، فكيف يكون الأمر بالغسل عند كل صلاة ثابتًا من حديث عروة".

وقال ابن حجر في الفتح (1/ 427): "وأما ما وقع عند أبي داود من رواية سليمان بن كثير وابن إسحاق، عن الزهري في هذا الحديث: فأمرها بالغسل لكل صلاة: فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة؛ لأنَّ الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها.

ص: 331

وقد خالف ابن إسحاق ما جاء صريحًا في رواية الأثبات عن الزهري:

فقد تقدم في رواية الليث بن سعد أنَّه قال: "لم يذكر ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي".

وتقدم في رواية سفيان بن عيينة: "ولم تقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بذلك".

وقال ابن رجب في الفتح (1/ 530): "وابن إسحاق وسليمان بن كثير: في روايتهما عن الزهري اضطراب كثير، فلا يحكم بروايتهما عنه، مع مخالفة حفاظ أصحابه".

• والحاصل: أن رواية ابن إسحاق هذه مردودة شاذة، قد اضطرب في إسنادها، ولم يحفظ متنها؛ فأتى فيه بما يخالف رواية الحفاظ من أصحاب الزهري.

6 -

وأما سليمان بن كثير [ليس به بأس، إلا في الزهري فإنه يخطئ عليه. التهذيب (2/ 106)، الميزان (2/ 220)]: فقد اضطرب فيه أيضًا:

أ - فرواه أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي [ثقة ثبت]، عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: استحيضت زينب بنت جحش، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"اغتسلي لكلِّ صلاة" وساق الحديث.

علقه أبو داود بعد الحديث رقم (292)، وتقدم نقله.

ج - وخالفه: عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة ثبت]، فرواه عن سليمان بن كثير به؛ إلا أنَّه قال:"توضئي لكلِّ صلاة".

علقه أبو داود بعد (292).

قال أبو داود: "وهذا وهم من عبد الصمد، والقول فيه: قول أبي الوليد".

وقال البيهقي (1/ 350): "ورواية أبي الوليد أيضًا: غير محفوظة، فقد رواه مسلم بن إبراهيم عن سليمان بن كثير كما رواه سائر الناس عن الزهري".

ج - وخالفهم مسلم بن إبراهيم [الفراهيدي: ثقة مأمون]، فرواه عن سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: استحيضت أخت زينب بنت جحش سبع سنين، فكانت تملأ مركنًا لها ماءً ثم تدخله حتَّى تعلو الماء حمرة الدم، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها:"إنه ليس بحيضة، ولكنه عرق، فاغتسلي وصلي".

أخرجه البيهقي (1/ 350).

ثم قال: "ليس فيه الأمر بالغسل لكل صلاة، وهذا أولى لموافقته سائر الروايات عن الزهري".

قلت: الذين اختلفوا على سليمان بن كثير كلهم ثقات حفاظ متقنون، وسليمان بن كثير: مضطرب الحديث عن الزهري، فإن لم يكن هذا هو الاضطراب بعينه، فما هو الاضطراب؟!

نعم سليمان بن كثير كان مرة يخطئ ومرة يصيب، وفي رواية هذا الحديث، وهذا لا يعني توهيم الثقة الَّذي روى عنه الغلط، ولكن كل روى على الوجه الَّذي تحمله به عن ابن

ص: 332

كثير هذا، فالحمل فيه عليه، لا على من روى عنه من الثقات.

وسليمان بن كثير وإن كان قد اضطرب في متن هذا الحديث فلم يحفظه، إلا أنَّه حفظ الإسناد وأقامه على الوجه الصحيح، فوافق فيه بذلك حفاظ أصحاب الزهري.

وقد تقدم نقل كلام أبن حجر وابن رجب في هذه الرواية قريبًا فلا حاجة لإعادته.

• وأخيرًا: فحديث الزهري هذا تتابع على رواية متنه على الوجه المحفوظ عن الزهري:

عمرو بن الحارث، وأبراهيم بن سعد، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، وصالح بن أبي الأخضر، وعثمان بن عمر بن موسى التيمي، وسفيان بن عيينة - في رواية -، ويونس بن يزيد الأيلي، والأوزاعي - في رواية -، ومعمر بن راشد [(10) وهم عشرة في مجموعهم].

وتتابع على روايته عن الزهري بالإسناد المحفوظ: عمرو بن الحارث، وإبراهيم بن سعد، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، وصالح بن أبي الأخضر، وعثمان بن عمر التيمي، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي، وسليمان بن كثير [(9) وهم تسعة].

• وممن وهم أيضًا في متن هذا الحديث:

يزيد بن عبد الله بن الهاد، رواه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها استحيضت فلا تطهر؛ فذُكر شأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إنها ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم، فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض له، فلتترك الصلاة، ثم لتنظر ما بعد ذلك، فلتغتسل عند كل صلاة، ولتصل".

أخرجه النسائي (1/ 0 12 - 121 و 183/ 209 و 356)، وأبو عوانة (1/ 270/ 940)، وأحمد (6/ 128 - 129)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 98)، وفي أحكام القرآن (1931)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 341)، وفي المعرفة (1/ 377/ 484).

قال الإمام الشافعي في الأم (2/ 139): "وقد روى غير الزهري هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكن رواه عن عمرة بهذا الإسناد والسياق، والزهري أحفظ منه، وقد روى فيه شيئًا يدل على أن الحديث غلط، قال: "تترك الصلاة قدر أقرائها"، وعائشة تقول: الأقراء: الأطهار".

ونقله البيهقي، وقال بأن الشافعي إنما أراد بكلامه هذا حديث ابن الهاد [السنن. المعرفة].

ونقل البيهقي عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الفقيه قوله: "قال بعض مشائخنا: خبر ابن الهاد: غير محفوظ".

وقال الإمام أحمد: "كل من روى عن عائشة: الأقراء: الحيض، فقد أخطأ، قال: وعائشة تقول: الأقراء: الأطهار"[فتح الباري لابن رجب (1/ 530)، شرح علل الترمذي (2/ 889)].

ص: 333

وقال الحافظ ابن رجب: "وهو مخالف لرواية الزهري عن عمرة، كما سبق، ورواية الزهري أصح".

قلت: وإن كان رجاله رجال الشيخين، فهو كما قال الإمام الشافعي، والقول فيه: قول الزهري، وخبر ابن الهاد غير محفوظ.

• وأما قول عائشة: "الأقراء الأطهار": فقد صح عنها:

من رواية مالك، وسفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد: ثلاثتهم عن الزهري، عن عمرة، عن عائشة به.

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 90/ 1684)، والشافعي في المسند (296)، وسعيد بن منصور في السنن (1/ 334/ 1231)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 70)، وابن جرير الطبري في تفسيره (2/ 442)، وابن أبي حاتم في التفسير (2/ 414/ 2187)، والطحاوي في شرح المعاني (3/ 61)، والبيهقي (7/ 415).

وانظر أيضًا: مصنف ابن أبي شيبة (4/ 143/ 18737)، وتفسير الطبري (2/ 442)، وسنن الدارقطني (1/ 214).

وصححه ابن عبد البر في التمهيد (15/ 95).

***

286 -

. . . محمد بن أبي عدي، عن محمد -يعني: ابن عمرو-، قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كان دم الحيضة: فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق".

قال أبو داود: وقال ابن المثنى: حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا.

ثم حدثنا به بعدُ حفظًا قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة كانت تستحاض

فذكر معناه.

• حديث منكر.

أما الوجه الأول: والذي حدث به ابن أبي عدي من كتابه:

فأخرجه أبو داود هنا (286)، وأعاده برقم (304).

وأخرجه: النسائي (1/ 123/ 215) و (1/ 185/ 362)، والحاكم (1/ 174)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 251/ 3483)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 220/ 806)، والدارقطني في السنن (1/ 206 - 207 و 207)، وفي العلل (14/ 143/ 13484، وابن حزم (1/ 251 - 252) و (2/ 164)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 325)، وفي المعرفة (1/ 369/ 472)، وفي الخلافيات (3/ 311 و 312/ 1009 و 1010)، وابن عبد البر

ص: 334

(6/ 33)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 41)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 255/ 300).

وأما الوجه الثاني: والذي حدث به ابن أبي عدي من حفظه:

فأخرجه أبو داود هنا (286 م)، وأعاده برقم (304 م).

وأخرجه النسائي (1/ 123 و 185/ 216 و 363)، وابن حبان (4/ 180/ 1348)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 251 / 3484)، والطحاوي في المشكل (1/ 353/ 330 - ترتيبه)، والدارقطني في السنن (1/ 207)، وفي العلل (14/ 144/ 3484)، والبيهقي في السنن (1/ 326)، وفي المعرفة (1/ 369/ 472)، وفي الخلافيات (3/ 311 و 312/ 1009 و 1010)، وابن عبد البر (6/ 33)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (2/ 41).

وهذا الحديث صححه ابن حبان والحاكم وابن حزم وابن القيم.

• لكن قد أعله جماعة من الأئمة:

1 -

قال أبو داود: "وحديث محمد بن عمرو عن الزهري: فيه شيء يقرب من الَّذي زاد الأوزاعي في حديثه"[تقدم تحت الحديث السابق].

قلت: يعني: كما أن الأوزاعي أدخل في حديث الزهري ما ليس منه فأتى بجملة من حديث هشام بن عروة فأدخلها في حديث الزهري، فادخل قصة فاطمة بنت أبي حبيش في قصة أم حبيبة، كذلك فعل محمد بن عمرو جعل حديث الزهري في شأن فاطمة بنت أبي حبيش، وإنما هو في شأن أم حبيبة بنت جحش.

2 -

وقال النسائي: "قد روى هذا الحديث غير واحد، لم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن أبي عدي، والله تعالى أعلم".

قلت: إما أن يقصد بذلك الحديث: حديث الزهري، وقد رواه جماعة أصحاب الزهري (10) في شأن أم حبيبة بنت جحش، وإما أن يقصد به حديث فاطمة بنت أبي حبيش الَّذي يرويه هشام بن عروة، وليس فيه هذه الألفاظ، وحمل فيه النسائي على ابن أبي عدي لأنَّه هو المتفرد بهذا الحديث عن محمد بن عمرو.

3 -

قال الإمام أحمد بعد أن روى هذا الحديث، عن ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن الزهري، عن عروة: أن فاطمة بنت أبي حبيش،

وساق الحديث، قال:"كان ابن أبي عدي حدثنا به عن عائشة، ثم تركه"[سنن البيهقي (1/ 325)].

وهذا يعني: أن ابن أبي عدي كان يحدث به من حفظه متصلًا فلما راجع كتابه وجده فيه مرسلًا ليس فيه ذكر عائشة، ولا يعرف لعروة سماع من فاطمة بنت أبي حبيش [أعني: سماعًا صحيحًا وإلا فقد روي التصريح بسماعه منها من طريق لا يصح، روي من طريق: المنذر بن المغيرة، عن عروة: أن فاطمة حدثته، والمنذر: مجهول؛ وروي من طريق: سهيل بن أبي صالح، عن الزهري، عن عروة: حدثتني فاطمة، والمحفوظ فيه: عن سهيل،

ص: 335

عن الزهري، عن عروة، عن أسماء بنت عميس، وتقدم تحقيق القول في هذين الإسنادين فيما تقدم برقم (280 و 281)].

ويبدو لي - والله أعلم - أن محمد بن المثنى كان يحدث به أولًا متصلًا بذكر عائشة في الإسناد فلما أنكر عليه، أظهر علَّته، وأخبر أن ابن أبي عدي كان يحدث به من حفظه متصلًا، ويحدث به من كتابه مرسلًا، ودليل ذلك ما قاله الطحاوي في المشكل (1/ 354 - ترتيبه) قال:"غير أنا كشفنا عن إسناد هذا الحديث، فلم نجد أحدًا يرويه عن عائشة إلا محمد بن المثنى، وذكر لنا أحمد بن شعيب [يعني: الإمام الحافظ الكبير أبا عبد الرحمن النسائي صاحب السنن، أنَّه أنكر عليه لما حدث به كذلك [يعني: محمد بن المثنى]، وقيل له: إن أحمد بن حنبل قد كان حدث به عن محمد بن أبي عدي فأوقفه على عروة، ولم يتجاوز به إلى عائشة [يعني: قال فيه: "عن عروة أن فاطمة"]، فقال: إنما سمعته من ابن أبي عدي من حفظه، فكان ذلك دليلًا على أنَّه لم يكن فيه بالقوي، وقوي في القلوب أن حقيقته عن ابن أبي عدي كما حدث به أحمد بن حنبل، لا كما حدث به هو".

وعلى هذا فالمنفرد بوصله هو محمد بن المثنى، على ما حدثه به ابن أبي عدي من حفظه.

ورواه عن ابن أبي عدي مرسلًا - ليس فيه ذكر عائشة -: أحمد بن حنبل [وذكر أن ابن أبي عدي رجع عن وصله]، ومحمد بن المثنى [وذكر أن هذا هو ما حدث به ابن أبي عدي من أصل كتابه]، وخلف بن سالم المخرمي [ثقة حافظ].

• وعلى هذا فإن الرواية التي حدث بها ابن أبي عدي من حفظه قد وهم فيها لأمرين:

الأول: أنَّه ثبت عنه أنَّه ترك التحديث بها، مما يدل على أنَّه تبين له خطؤه فيها.

والثاني: أنَّه كان يحدث بها من حفظه بخلاف ما كان في أصل كتابه، ومعلوم أن الحفظ يدخله الوهم والخطأ ما لا يدخل في التحديث من الكتاب؛ لا سيما إذا كان الكتاب مصونًا من التحريف والزيادة والنقصان.

يزاد على ذلك أنَّه قد انفرد برواية الوصل: محمد بن المثنى [وهو ثقة ثبت] ولم يتابع عليها، وأما الرواية المرسلة: فقد رواها هو أيضًا، وتابعه عليها: أحمد بن حنبل، وخلف بن سالم، مما يؤكد رجوع ابن أبي عدي عن الرواية الموصولة؛ لما تبين له خطؤه فيها.

• وعلى هذا فالمحفوظ في هذا الإسناد: عن ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة: أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض

الحديث؛ هكذا مرسلًا.

وبذا تعلم ضعف ما ذهب إليه ابن حزم في تصحيح هذا الحديث، وتبعه عليه ابن القيم.

ص: 336

4 -

قال أبو حاتم لما سأله ابنه عن رواية محمد بن أبي عدي المرسلة، قال:"لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر"[العلل (1/ 49 - 50/ 117)].

قلت: وهو كما قال: حديث منكر؛ فقد روى عشرة من أصحاب الزهري، منهم: عمرو بن الحارث، وإبراهيم بن سعد، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب، ويونس بن يزيد، وسفيان بن عيينة - في رواية -، والأوزاعي - في رواية -، ومعمر بن راشد: رووا هذا الحديث عن الزهري في قصة أم حبيبة بنت جحش، لا في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وبغير هذه الألفاظ التي تفرد بها محمد بن عمرو بن علقمة، عن الزهري. [راجع الحديث رقم (285)].

ومحمد بن عمرو بن علقمة [صدوق له أوهام]: ليس من أصحاب الزهري المعروفين بالرواية عنه، حتَّى إنه قال ابن السكن في كتاب الصحابة:"إنه لم يرو عن الزهري مسندًا غير هذا الحديث"[بيان الوهم (2/ 460)].

فكيف يقبل بعد هذا تفرده عنه بما لم يروه عنه أحد من أصحابه، هذا فضلًا عن المخالفة، فكيف وقد خولف فيه، خالفه فيه ثقات أصحاب الزهري المقدمين فيه، وانظر: علل الدارقطني (14/ 142/ 3484).

5 -

قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (2/ 457): "وهو فيما أرى منقطع؛ وذلك أنَّه حديث انفرد بلفظه: محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة، فرواه عن محمد بن عمرو: محمد بن أبي عدي مرتين: أحدهما من كتابه؛ فجعله عن محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة، عن فاطمة: أنها كانت تستحاض.

فهو على هذا منقطع؛ لأنَّه قد حدث به مرة أخرى من حفظه، فزادهم فيه:"عن عائشة"، فيما بين عروة وفاطمة، فاتصل، فلو كان بعكس هذا كان أبعد من الريبة، أعني: أن يحدث به من حفظه مرسلًا، ومن كتابه متصلًا، فأما هكذا فهو موضع نظر

"، ثم بيَّن ضعف الطرق التي ورد فيها التصريح بسماع عروة من فاطمة إلى أن قال: "وزعم أبو محمد بن حزم أن عروة أدرك فاطمة بنت أبي حبيش، ولم يستبعد أن يسمعه من خالته عائشة، ومن ابنة عمه فاطمة، وهذا عندي غير صحيح، ويجب أن يزاد في البحث عنه

[إلى أن قال:] ولا يعرف لها حديث غير هذا، ولم يتبين منه أن عروة أخذه عنها.

ومما ينبغي أن تعرفه من أمر هذا الحديث - وإن لم يكن مما نحن فيه - . . . أن محمد بن عمرو هذا هو ابن عمرو بن علقمة، وهو شيخ للزهري، قد روى عنه الزهري أحاديث، وتبين هذا في نفس هذا الإسناد في مواضع: منها كتاب سنن ابن السكن، وقال في كتاب الصحابة: إنه لم يرو عن الزهري مسندًا غير هذا الحديث؛ فاعلم ذلك".

وعدد ابن رجب في الفتح (1/ 532) من أخطأ في حديث أم حبيبة على الزهري، فذكر الأوزاعي، وابن عيينة، ومحمد بن عمرو، وسهيل؛ وقال في هذا الحديث:"ورواه محمد بن عمرو عن الزهري، وزاد فيه: "إذا كان دم الحيض: فإنه أسود يعرف"، وقيل:

ص: 337

إنه وهم منه، أيضًا، لكنه جعله عن عروة، عن فاطمة بنت أبي حبيش"، إلى أن قال: "المحفوظ عن الزهري في هذا الحديث: ما رواه عنه أصحابه الحفاظ، وليس فيه شيء من ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم".

وانظر أيضًا: الفتح لابن رجب (1/ 437).

• وقد روي حديث آخر - لا يصح - في التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

رواه حسان بن إبراهيم الكرماني: أخبرنا عبد الملك، عن العلاء، قال: سمعت مكحولًا، يقول: عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون الحيض للجارية والثَّيِّب التي قد أيست من الحيض: أقل من ثلاثة أيام، ولا أكثر من عشرة أيام، فإذا رأت الدم فوق عشرة أيام فهي مستحاضة، فما زاد على أيام إقرائها قضت، ودم الحيض: أسود خاثر [وفي رواية: لا يكون إلا دمًا أسود عبيطًا] تعلوه حمرة، ودم المستحاضة: أصفر رقيق، فإن غلبها فلتحتش كرسفًا، فإن غلبها فتعليها بأخرى، فإن غلبها في الصلاة فلا تقطع الصلاة وإن قطر، [وفي رواية: ويأتيها زوجها وتصوم] ".

أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 182)، وابن عدي في الكامل (2/ 373)، والطبراني في الكبير (8/ 129/ 7586)، وفي الأوسط (1/ 190/ 599)، وفي مسند الشاميين (2/ 370/ 1515) و (4/ 317 - 318/ 3420)، والدارقطني (1/ 218)، والبيهقي في السنن (6/ 321)، وفي المعرفة (1/ 383/ 494)، وفي الخلافيات (3/ 374/ 1040 و 1041)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 260/ 303)، وفي العلل المتناهية (1/ 383/ 642).

قال ابن حبان: "العلاء بن كثير: مولى بني أمية، من أهل الشام، يروي عن مكحول، وعمرو بن شعيب، روى عنه أهل الشام ومصر، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج بما رواه وإن وافق الثقات، ومن أصحابنا من زعم أن هذا هو العلاء بن الحارث، وليس كذلك؛ لأنَّ العلاء بن الحارث: حضرمي من اليمن، وهذا من موالي بني أمية، ذاك صدوق، وهذا ليس بشيء في الحديث، وهو الَّذي روى عن مكحول عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون الحيض

""، فذكره ثم أسنده، لكنه ذكر في إسناده، قال:: حدثنا عبد الملك بن عمير، قال: سمعت العلاء" [المجروحين (2/ 173 - ط الصميعي)].

فتعقبه الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (263) فقال: "قوله في هذا الإسناد: "عبد الملك بن عمير": وهم، حسان بن إبراهيم لم يسمع من عبد الملك بن عمير، وعبد الملك بن عمير لا يحدث عن العلاء بن كثير، وإنما هو عبد الملك: رجل مجهول؛ غير منسوب ولا معروف، وهو بلية الحديث".

وأورده ابن عدي في ترجمة حسان بن إبراهيم الكرماني، وقال في إسناده:"حدثني عبد الملك - رجل من أهل الكوفة -، قال: سمعت العلاء، قال: سمعت مكحولًا".

وأما الطبراني في الكبير، وفي مسند الشاميين، قال: حدثنا أحمد بن بشير الطيالسي:

ص: 338

ثنا الفضل بن غانم: ثنا حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء بن الحارث به مختصرًا.

وقال في الأوسط: حدثنا أحمد [يعني: ابن القاسم]، قال: نا محرز بن عون، والفضل بن غانم، قالا: نا حسان بن إبراهيم، عن عبد الملك، عن العلاء بن كثير به مختصرًا.

وهذه الرواية الأُولى هي التي اعترض بها ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 326) على الدارقطني لكون العلاء لم ينسب في رواية الدارقطني، وإنما نسبه الدارقطني نفسه فقال:"والعلاء: هو ابن كثير: ضعيف الحديث".

قلت: الحق مع الدارقطني فهو أعلم بالرجال، وطبقاتهم، وتراجمهم، ومن روى عنهم، ومن رووا عنه: من ابن التركماني.

ورواية الطبراني في الكبير ومسند الشاميين لا يعول عليها: فإن الفضل بن غانم: ضعيف [اللسان (4/ 520)، تاريخ بغداد (12/ 357)، الجرح والتعديل (7/ 66)]، وأحمد بن بشير الطيالسي، لينه الدارقطني [اللسان (1/ 145)]، وعلى هذا فلا يصح كونه العلاء بن الحارث، والرواية الأخرى في الأوسط والتي جاء فيها التصريح بأنه العلاء بن الكثير أولى منها، فإن الفضل بن غانم قد توبع عليها، تابعه محرز بن عون: وهو صدوق روى عنه مسلم [التقريب (581)]، وشيخ الطبراني: أحمد بن القاسم بن مساور: وثقه الخطيب [تاريخ بغداد (4/ 349)].

ويكفي جزم ابن حبان والدارقطني بأنه العلاء بن كثير، وقد تقدم في ذلك كلام ابن حبان بأبلغ البيان.

قال الدارقطني: "لا يثبت، عبد الملك والعلاء: ضعيفان، ومكحول: لا يثبت سماعه".

وقال بعدما أخرجه من طريق آخر عن حسان: "وعبد الملك هذا: رجل مجهول؛ والعلاء: هو ابن كثير؛ وهو ضعيف الحديث، ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئًا".

ونقله البيهقي في السنن والمعرفة والخلافيات، وزاد في المصدرين الأخيرين ما رواه بإسناده عن البخاري، قوله:"العلاء بن كثير عن مكحول: منكر الحديث".

وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 214): "وهذا إسناد ضعيف منقطع".

قلت: هو حديث منكر، باطل.

العلاء بن كثير: متروك، منكر الحديث، رواه ابن حبان بالوضع، وقال ابن عدي:"وللعلاء بن كثير عن مكحول عن الصحابة، نسخ كلها غير محفوظة، وهو منكر الحديث"[التهذيب (3/ 348)].

وعبد الملك: رجل مجهول؛ وحسان بن إبراهيم الكرماني - المتفرد بالحديث -: صدوق يخطئ.

ص: 339

• وبمناسبة اشتمال هذا الحديث على تقدير أقل مدة الحيض وأكثره:

فنقول: أجمع الأئمة على أنَّه لا يثبت فيه حديث.

قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 229): "ذكر الميموني أنَّه قال: قلت لأحمد بن حنبل: أيصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في أقل الحيض وأكثره؟ قال: لا.

قلت: أفيصح عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا.

قلت: فحديث أَنس؟ قال: ليس بشيء، أو قال: ليس يصح.

قلت: فأعلى شيء في هذا الباب؟ فذكر حديث معقل عن عطاء: "الحيض يوم وليلة"".

وقال البيهقي في السنن (1/ 323): "وقد روي في أقل الحيض وأكثره أحاديث ضعاف، قد بينت ضعفها في الخلافيات".

وانظر الخلافيات (3/ 349 - 397).

وقال ابن رجب في الفتح (1/ 517): "والمرفوع كلُّه: باطل لا يصح، وكذلك الموقوف: طرقه واهية، وقد طعن فيها غير واحد من أئمة الحفاظ"، وقال:"ولم يصح عند أكثر الأئمة في هذا الباب توقيت مرفوع، ولا موقوف".

وقال ابن تيمية في المجموع (21/ 623): "فهم يقولون [يعني: الأئمة]: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه: في هذا شيء، والمرجع في ذلك إلى العادة، كما قلنا"، وقال أيضًا (19/ 239):"وهي أحاديث مكذوبة عليه باتفاق أهل العلم بحديثه".

وقال ابن القيم في المنار المنيف ص (97): "وكذلك تقدير أقل الحيض بثلاثة أيام، وأكثره بعشرة: ليس فيها شيء صحيح، بل كلُّه باطل".

• ومن أحسن ما قيل في هذه المسألة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (19/ 237): من ذلك اسم الحيض، علَّق الله به أحكامًا متعددة في الكتاب والسُّنَّة، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين، مع عموم بلوى الأمة بذلك، واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر، فمن قدر في ذلك حدًّا فقد خالف الكتاب والسُّنَّة، والعلماء منهم من يحد أكثره وأقله، ثم يختلفون في التحديد، ومنهم من يحد أكثره دون أقله، والقول الثالث أصح: أنَّه لا حد له لأقله ولا لأكثره، بل ما رأته المرأة عادة مستمرة فهو حيض، وإن قدر أنَّه أقل من يوم استمر بها على ذلك، فهو حيض، وإن قدر أن أكثره سبعة عشر استمر بها على ذلك فهو حيض، وأما إذا استمر الدم بها دائمًا فهذا قد علم أنَّه ليس بحيض؛ لأنَّه قد علم من الشرع واللغة، أن المرأة تارة تكون طاهرًا، وتارة تكون حائضًا، ولطهرها أحكام، ولحيضها أحكام، والعادة الغالبة أنها تحيض ربع الزمان ستة أو سبعة، وإلى ذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز، والطهر بين الحيضتين لا حد لأكثره باتفاقهم؛ إذ من النسوة من لا تحيض بحال

، وكذلك أقله على الصحيح لا حد له؛ بل قد تحيض المرأة في الشهر ثلاث حيض

".

***

ص: 340

قال أبو داود: وروى أَنس بن سيرين، عن ابن عباس - في المستحاضة - قال:"إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة، فلتغتسل وتصلي".

• موقوف بإسناد صحيح.

وصله الدارمي (1/ 224 و 225/ 800 و 801)، وابن أبي شيبة (1/ 120/ 1367)، وعلقه البيهقي (1/ 340).

من طريق خالد الحذاء، عن ابن سيرين [أعني: أَنسًا]، قال: استحيضت امرأة من آل أَنس، فأمروني فسألت ابن عباس فقال:

فذكره.

وهذا إسناد صحيح؛ رجاله ثقات رجال الشيخين.

والدم البحراني: شديد الحمرة، كأنه قد نسب إلى البحر، وهو اسم قعر الرحم، وزادوه في النسب ألفًا ونونًا للمبالغة، يريد: الدم الغليظ الواسع، وقيل: نسب إلى البحر لكثرته وسعته [النهاية (1/ 99)].

***

قال أبو داود: وقال مكحول: النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك، وصارت صفرةً رقيقةً، فإنها مستحاضة، فلتغتسل ولتصل.

• لم أر من وصله.

وفي معناه: حديث مكحول، عن أبي أمامة مرفوعًا؛ وهو حديث منكر باطل، تقدم قريبًا.

***

قال أبو داود: وروى حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القعقاع بن حكيم، عن سعيد بن المسيب، - في المستحاضة -: إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت.

وروى سمى وغيره عن سعيد بن المسيب: تجلس أيام أقرائها.

وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب.

يأتي تخريج هذه الآثار تحت الأثر الآتي برقم (301).

***

قال أبو داود: وروى يونس، عن الحسن: الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يومًا أو يومين؛ فهي مستحاضة.

وقال التيمي، عن قتادة: إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصلي، قال

ص: 341

التيمي: فجعلت أنقص حتَّى بلغت يومين، فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها.

وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك.

أما أثر الحسن: فوصله الدارمي (1/ 230/ 838)، بإسناد صحيح.

وأما أثر قتادة: فوصله الدارمي (1/ 224/ 795)، بإسناد صحيح.

***

287 -

. . . عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش، قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله! إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم؟ قال: "أنعت لك الكرسف؛ فإنه يذهب الدم" قالت: هو أكثر من ذلك، قال:"فاتخذي ثوبًا، فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما فأنت أعلم، قال لها: "إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله تعالى ذكره، ثم اغتسلي، حتَّى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت، فصل ثلاثًا وعشرين ليلة، أو أربعًا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل شهر، كما تحيض [يحضن] النساء، وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن.

وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلي [فتغتسلين]، وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وتؤخرين المغرب، وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهذا أعجب الأمرين إليَّ".

قال أبو داود: ورواه عمرو بن ثابت، عن ابن عقيل، فقال: قالت حمنة: فقلت: هذا أعجب الأمرين إليَّ، لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، جعله كلام حمنة.

قال أبو داود: وعمرو بن ثابت: رافضي، رجل سوء، ولكنه كان صدوقًا في الحديث، وثابت بن المقدام: رجل ثقة، وذكره عن يحيى بن معين.

قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء.

• حديث حمنة لا يثبت.

أخرجه: البخاري في التاريخ الكبير (1/ 316)، وفي الأدب المفرد (797) مختصرًا، والترمذي (128)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (107 و 108)، وابن ماجة

ص: 342

(622 و 627)، والحاكم (1/ 172 - 173)، وأحمد (6/ 381 - 382 و 439 و 439 - 440)، والشافعي في الأم (2/ 133/ 124)، وفي المسند (310 - 311)، وعبد الرزاق (1/ 299 و 306 - 307/ 1149 و 1174)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (1/ 168)، وابن أبي شيبة (1/ 120/ 1364)، وإسحاق بن راهويه (5/ 82 - 83/ 2190)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 12 - 14/ 3189 و 3190)، وابن المنذر في الأوسط (2/ 222 - 223/ 810 و 811)، والطحاوي في المشكل (1/ 339 و 342 و 343/ 318 و 319 و 320)، والطبراني في الكبير (24/ 217 - 219/ 551 و 552 و 553)، والدارقطني (1/ 214 و 215)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3294/ 7567)، والبيهقي في السنن (1/ 338 و 339)، وفي المعرفة (1/ 373 و 374/ 478 و 479)، وفي الخلافيات (3/ 326 - 327)(1013 و 1014)، وابن عبد البر (6/ 32 و 33)، والبغوي في شرح السُّنَّة (1/ 422/ 327)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/ 504 - 506)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 256 - 257/ 301).

هكذا رواه عن ابن عقيل: زهير بن محمد التميمي [ثقة؛ رواية أهل العراق عنه مستقيمة، ورواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، وقد روى عنه هذا الحديث: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي البصري - ثقة مأمون -، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري - صدوق -؛ فهو من صحيح حديثه]، وعبيد الله بن عمرو الرقي [ثقة فقيه]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق سيئ الحفظ]، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى [متروك، كذبه يحيى القطان وابن معين وابن المديني وغيرهم](4):

وخالفهم: عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج [ثقة فقيه فاضل، مشهور بالتدليس، وكان قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح]:

1 -

فرواه كالجماعة: عن عبد الله بن محمد بن عقيل [ابن ماجة، عبد الرزاق، الآحاد والمثاني، ابن المنذر، الطبراني].

ورواه مرة فقلب اسمه، وقال: محمد بن عبد الله بن عقيل، قاله الإمام أحمد [العلل ومعرفة الرجال (4120 و 5271)].

2 -

وقال: "عمر بن طلحة"، بدل:"عمران بن طلحة".

3 -

وقال: "أم حبيبة بنت جحش"، بدل:"حمنة بنت جحش".

قال البخاري بعدما ذكر اتفاق شريك، وزهير، وعبيد الله، في رواية الحديث عن ابن عقيل، ومخالفة ابن جريج لهم، قال البخاري في رواية الجماعة:"والأول أصح".

وقال الترمذي بعدما أخرجه من طريق زهير بن محمد: "ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج، وشريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران، عن أمه حمنة، إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة، والصحيح: عمران بن طلحة".

ص: 343

ولا أرى أن ابن جريج أُتي في ذلك كلُّه إلا من قبل التدليس، فإن عبد الرزاق قد رواه عن ابن جريج، عن ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد، عن عمه عمر بن طلحة، عن أم حبيبة به هكذا.

قال البخاري: "وقال غيره: عن ابن جريج حُدثت عن ابن عقيل".

وقال أحمد بن حنبل في حديث حمنة بنت جحش: "قال ابن جريج: حُدثت عن ابن عقيل، محمد بن عبد الله بن عقيل، وهو خطأ، وقال: إنما هو عبد الله بن محمد بن عقيل، وقال: عن حبيبة بنت جحش، خالف الناس"[العلل (4120)].

وقال في موضع آخر: "ابن جريج يرويه -يعني: حديث حمنة- يقول: حُدثت عن ابن عقيل، لم يسمعه، ويقول: عن محمد بن عبد الله بن عقيل؛ قلب اسمه، قال: يقولون: وافقه النعمان بن راشد، قال: ابن جريج يروي عن النعمان بن راشد، وما أراه إلا سمعه منه، والنعمان بن راشد: ليس بقوي في الحديث، تعرف فيه الضعف"[العلل (3/ 286/ 5271)].

• قلت: فالحمل في هذه الأوهام الثلاثة ليس على ابن جريج نفسه، ولكن على الواسطة التي بينه وبين ابن عقيل، وذهب الإمام أحمد إلى أن الواسطة هو النعمان بن راشد: وهو سيئ الحفظ، ليس بالقوي.

والقول فيه: قول الجماعة: زهير بن محمد، وعبيد الله بن عمرو، وشريك.

• وممن خالفهم أيضًا: فجعل آخر الحديث "وهذا أعجب الأمرين إليَّ" المرفوع، جعله من كلام حمنة وأوقفه عليها: عمرو بن ثابت؛ وهو ضعيف؛ تركه بعضهم لغلوه في الرفض.

والقول فيه: قول الجماعة أيضًا.

وانظر: علل الدارقطني (15/ 363/ 4067).

• وأما كلام الأئمة في هذا الحديث:

فقال أبو داود هنا: "سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل: في نفسي منه شيء".

وقال في مسائله لأحمد (160): "سمعت أحمد قال: يروى في الحيض حديث ثالث: حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، في نفسي منه شيء".

ونقل ابن عبد البر في التمهيد (6/ 32) قول أبي داود من سننه، قال أبو داود:"سمعت أحمد بن حنبل يقول: في الحيض حديثان، والآخر في نفسي منه شيء [ونقله ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 339) بلفظ: "في هذا الباب حديثان، وثالث في النفس منه شيء"]، قال أبو داود: يعني: أن في الحيض ثلاثة أحاديث هي أصول هذا الباب، أحدها: حديث مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار، والآخر: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، والثالث؛ الَّذي في قلبه منه شيء: هو حديث حمنة بنت جحش، الَّذي يرويه ابن عقيل".

ص: 344

هكذا حكاه ابن عبد البر في التمهيد أوله كلام الإمام أحمد، وباقيه تفسير من أبي داود، ولكنه في الاستذكار (2/ 236) جعله كلّه من كلام الإمام أحمد، فقال:"وقال أحمد بن حنبل: في الحيض ثلاثة أحاديث: اثنان ليس في نفسي منها شيء: أحدهما: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، والثاني: حديث نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، والثالث: الَّذي في قلبي منه شيء: فحديث حمنة بنت جحش".

وقال ابن هانئ: "قيل له [يعني: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل]: حديث حمنة [يعني: في الاستحاضة] عندك قوي؟ قال: ليس هو عندي بذلك، حديث فاطمة أقوى عندي وأصح إسنادًا منه"[مسائل ابن هانئ (164)].

وقال ابن رجب في الفتح (1/ 443): "والمعروف عن الإمام أحمد أنَّه ضعفه ولم يأخذ به، وقال: ليس بشيء، وقال مرة: ليس عندي بذلك، وحديث فاطمة أصح منه، وأقوى إسنادًا، وقال مرة: في نفسي منه شيء، لكن ذكر أبو بكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بحديث حمنة والأخذ به، والله أعلم".

وقال قبل ذلك: "ونقل حرب عن أحمد أنَّه قال: "نذهب إليه، ما أحسنه من حديث" [وانظر: مسائل ابنه عبد الله (175)، مسائل ابنه صالح (1275)].

قلت: وهذا خلاف ما سبق نقله عن الإمام أحمد من تضعيف حديث ابن عقيل، وكذلك نقل عنه الترمذي تصحيحه:

قال الترمذي في الجامع (128): "هذا حديث حسن صحيح

قال: وسألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن صحيح، وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح".

وكلمة "صحيح" في كلام البخاري هي زيادة من بعض نسخ الجامع، وليست في جميع النسخ، ولا أراها تصح عنه، فإنها ليست في مخطوطة الكروخي (13/ أ)[وهي من أوثق نسخ الجامع]، وكذا نقل الترمذي عن البخاري تحسينه فقط في العلل، وأما أبو علي الطوسي فقد جرت عادته في مستخرجه على الترمذي أنَّه ينقل أحكام الترمذي، فقال أبو علي: "هذا حديث حسن،

، وحُكي عن أحمد بن حنبل، قال: هو حديث حسن صحيح"، كذا قال، ولم ينقل عنه قول البخاري، كذلك فإن قول الترمذي هذا قد نقله البيهقي في المعرفة (1/ 375) قال: "وقال البخاري: هو حديث حسن، وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح"، ونقله ابن دقيق العيد في الإمام (3/ 309 - 310) بتمامه بدون زيادة: "صحيح" في قول البخاري، وكذلك عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 217)، وابن القطان في بيان الوهم (4/ 98)، والنووي في المجموع (2/ 378)، ونقل عن الترمذي تحسينه فقط، وابن عبد الهادي في شرح العلل (123)، وفي التنقيح (1/ 405)، وأبو الفتح اليعمري في النفح الشذي (3/ 134)، وقال ابن الملقن في البدر المنير

ص: 345

(3/ 59): "قال الترمذي: هذا حديث حسن،

، قال: وسألت محمدًا [يعني: البخاري، عنه فقال: هو حديث حسن، قال: وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح".

وقال الترمذي في العلل (74): "قال محمد: حديث حمنة بنت جحش في المستحاضة: هو حديث حسن؛ إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟ وكان أحمد بن حنبل يقول: هو حديث صحيح".

ولعل ما قاله الترمذي في العلل أقرب إلى الصواب مما قاله في الجامع، لا سيما ولا يعهد من الإمام أحمد مثل هذا الإطلاق في حكمه على الأحاديث، لا سيما وقد خالف الترمذي في ذلك: أصحاب الإمام أحمد المعروفين بنقل كلامه وأحكامه على الأحاديث والرجال، مثل: ابن هانئ، وأي داود، وغيرهما.

ونقل البيهقي في سننه الكبرى (1/ 339)، قول الترمذي في العلل، وقال ابن القطان في بيان الوهم (4/ 98):"وإن كان البخاري لم يقل فيه إلا أنَّه: حسن، ذكر ذلك الترمذي عنه في علله".

والحديث قواه الحاكم، وحسنه البغوي في شرح السُّنَّة (1/ 422)، وابن القطان الفاسي في بيان الوهم (4/ 98).

• وممن تكلم أيضًا في هذا الحديث:

قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 51 / 123): "وسألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد، عن عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض؟ فوهَّنه، ولم يقوِّ إسناده".

وقال ابن منده: "وحديث حمنة: "تحيضي في علم الله ستًّا أو سبعًا": لا يصح عندهم من وجه من الوجوه؛ لأنَّه من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد أجمعوا على ترك حديثه"[الإمام (3/ 310)، الجوهر النقي (1/ 339)، تهذيب السنن (1/ 184). ولم يرتض الثلاثة قول ابن منده وتعقبوه فيه].

قلت: يعني بقوله: "أجمعوا" أي: أصحاب الصحيح. انظر: نيل الأوطار (1/ 412).

وقال ابن خزيمة: [لا يصح؛ لأنَّ ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل" [تهذيب السنن].

وقال البيهقي في المعرفة (1/ 375): "تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به".

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 77): "وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأنَّ ابن عقيل راويه ليس بذلك".

وضعفه أيضًا ابن حزم بكلام فيه مآخذ [المحلى (2/ 194 - 195)]، رده ابن القيم وغيره [تهذيب السنن، نيل الأوطار (1/ 413)].

وضعفه ابن المنذر فقال في الأوسط (2/ 224): "وأما حديث ابن عقيل عن

ص: 346

إبراهيم بن محمد بن طلحة في قصة حمنة: فليس يجوز الاحتجاج به من وجوه:

كان مالك بن أَنس لا يروي عن ابن عقيل.

قال الدافع لهذين الخبرين: وفي متن الحديث كلام مستنكر؛ زعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاختيار إليها، فقال لها:"تحيضي في علم الله ستًّا أو سبعًا"، قالوا: وليس يخلو اليوم السابع من أن تكون حائضًا أو طاهرًا، فإن كانت حائضًا فيه واختارت أن تكون طاهرًا؛ فقد ألزمت نفسها الصلاة في يوم هي فيه حائض، وصلت وصامت وهي حائض، وإن كانت طاهرًا واختارت أن تكون حائضًا فقد أسقطت عن نفسها فرض الله عليها في الصلاة والصوم، وحرمت نفسها على زوجها في ذلك اليوم، وهي في حكم الطاهر، وهذا غير جائز، وغير جائز أن تخير مرة بين أن تلزم نفسها الفرض في حال، وتسقط الفرض عن نفسها إن شاءت في تلك الحال".

وقد رد الطحاوي على صاحب هذا القول فقال: "إن الَّذي ظنه مما أمرت به هذه المرأة مما ذكر في هذا الحديث ليس كما ظن، ولم يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما توهم أنَّه أمرها به مما رد الخيار فيه إليها: أن تتحيض ستًّا أو سبعًا، ولكنه أمرها أن تتحيض في علم الله عز وجل ما أكبر ظنها أنها فيه حائض بالتحري منها لذلك، كما أمر من دخل عليه شك في صلاته فلم يدر أثلاثًا صلى منها أم أربعًا أن يتحرى أغلب ذلك في قلبه، فيعمل عليه، فمثل ذلك أمره هذه المرأة في حيضها بما أمرها به فيه، ولا يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم إلا وقد أعلمته أنَّه قد ذهب عنها علم أيامها التي تحيضهن أي أيام هي من كل شهر، فأمرها بتحريها، كما أمر المصلي في صلاته عند شكه كم صلى منها بالعمل على ما يؤديه إليه تحريه فيه، [أ] وكان ما في هذا الحديث من الستة أو السبعة: إنما هو شك دخل على بعض رواته، فقال ذلك على الشك، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأمرها إلا بستة أيام أو بسبعة أيام لا باختيار منها في ذلك لأحد العددين، ولكن لأنَّ أيامها كانت - والله أعلم - أحد العددين، وذهب عنها موضعها من كل شهر، وأعلمته صلى الله عليه وسلم ذلك، فأمرها بما أمرها به فيه، [شرح مشكل الآثار (1/ 343 - ترتيبه)].

وقال الخطابي في المعالم (1/ 76): "ويشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التخيير بين الستة والسبعة؛ لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها، وفي مثل سنها من نساء أهل إقليمها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستًّا قعدت ستًّا، وإن سبعًا فسبعًا.

وفيه وجه آخر؛ وذلك أنَّه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة، إلا أنها قد نسيتها فلا تدري أيتها كانت، فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها على ما تتيقنه من أحد العددين، ومن ذهب إلى هذا استدل بقوله:"في علم الله أي: فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة".

وانظر أيضًا في معنى هذا: الأم (2/ 137)، المجموع (2/ 406 و 425).

ص: 347

والحديث ضعفه أيضًا: الدارقطني؛ فيما نقله عنه ابن رجب في الفتح (1/ 443).

واحتج به إسحاق، وأبو عبيد، وأخذا به [الفتح لابن رجب (1/ 443)].

ورد ابن القيم على من ضعف هذا الحديث في تهذيب السنن (1/ 183 وما بعدها).

وقال النووي في المجموع (2/ 356 و 405): "إن أئمة الحديث صححوه، وهذا الراوي] أي: ابن عقيل] وإن كان مختلفًا في توثيقه وجرحه؛ فقد صحح الحفاظ حديثه هذا، وهم أهل هذا الفن".

وقال في موضع آخر (2/ 422): "حديث حمنة صحيح".

وصحح الحديث أيضًا: ابن العربي وغيره [نيل الأوطار (1/ 414)].

• وبعد سرد أقوال الأئمة في هذا الحديث أقول: عبد الله بن محمد بن عقيل: سيئ الحفظ، ليس بالقوي، وليس بالحافظ عندهم، وقد تفرد بهذا الحديث.

والجمهور على تضعيف ابن عقيل وتليينه، وممن ضعفه أو لينه: سفيان بن عيينة، وابن سعد، وابن المديني، وابن معين، وأحمد -في رواية-، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، وأبو داود، وابن حبان، وابن عدي، والعقيلي، والدارقطني، والحاكم، وابن خزيمة، والساجي، وأبو أحمد الحاكم، وابن شاهين، والخطيب، وغيرهم، ولم يرو عنه مالك، وهو الحكم في أهل المدينة.

وفي المقابل: فقد احتج بحديثه: أحمد، وإسحاق، والحميدي، وقال البخاري:"مقارب الحديث"، وقواه أيضًا: الترمذي، والعجلي، والحاكم.

راجع ترجمته فيما تقدم: الذكر والدعاء (2/ 823)، تخريج سنن أبي داود الحديث رقم (61 و 126).

• وقد تقدم لابن عقيل معنا ثلاثة أحاديث:

الأول: في "الذكر والدعاء" حديث جابر في الأضحية، وقد اضطرب ابن عقيل في إسناده [راجع الذكر والدعاء برقم (370 و 371) (2/ 823)].

الثاني: في "سنن أبي داود" الحديث رقم (61)، حديث علي بن أبي طالب مرفوعًا:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

وقد صححته من طريق ابن عقيل لأمور:

1 -

لأنَّه لم يختلف عليه في إسناده ولا في متنه.

2 -

أن إسناده مدني.

3 -

أن ابن عقيل يرويه عن خاله محمد ابن الحنفية، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه.

4 -

أن لحديثه شواهد بعضها صحيح؛ فلم ينفرد فيه ابن عقيل بأصل وسُنَّة بل قد توبع عليه.

الثالث: في "سنن أبي داود" الحديث رقم (126 - 131)، حديث ابن عقيل، عن الربيع بنت معوذ في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اضطرب ابن عقيل في متنه اضطرابًا

ص: 348

شديدًا، وخالف في حديثه هذا الأحاديث الصحيحة المروية في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، سواء ما اتفق عليه الشيخان من حديث عثمان وابن زيد، أو ما صح - مما ليس فيهما - عن علي وابن عمرو وغيرهم.

فإن قيل: فصَّل النووي القول في هذا الحديث بقوله رادًا على من ضعفه بابن عقيل: "هذا الَّذي قاله هذا القائل لا يقبل؛ فإن أئمة الحديث صححوه - كما سبق -، وهذا الراوي وإن كان مختلفًا في توثيقه وجرحه فقد صحح الحفاظ حديثه هذا، وهم أهل هذا الفن، وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح والحسن، أنَّه إذا كان في الراوي بعض الضعف أجيز حديثه بشواهد له أو متابعة، وهذا من ذلك"[المجموع (2/ 405)].

قلت: لو توبع ابن عقيل على حديث حمنة هذا، أو كان له شاهد، لا سيما في رد المستحاضة إلى عادة النساء لا إلى عادة نفسها التي كانت تعرفها من نفسها قبل أن تستحاض، لو وُجد ذلك لصح حديث ابن عقيل، هذه واحدة.

والثانية: أنَّه كما رُوي عن جماعة من الأئمة أنهم صححوا حديث ابن عقيل هذا، فقد عورض هذا التصحيح وقوبل بتضعيف أئمة آخرين لحديثه.

فكما رُوي تصحيحه عن أحمد، والبخاري، والترمذي، وغيرهم، فقد ضعفه أيضًا: أحمد في رواية أكثر أصحابه عنه، وأبو حاتم الرازي، وابن خزيمة، وابن المنذر، والدارقطني، وابن منده، وغيرهم.

• ثم إن تصحيح هؤلاء الأئمة يقال فيه:

أولًا: ما نقله الترمذي عن أحمد أنَّه قال: "هو حديث صحيح"، فإنه معارض بقول أبي داود -وهو أعلم وألصق بأحمد من الترمذي-، قال:"سمعت أحمد قال: يُروى في الحيض حديث ثالث؛ حديث عبد الله بن محمد بن عقيل: في نفسي منه شيء"، وقال ابن هانئ -وهو من أثبت أصحاب الإمام-:"قيل له: حديث حمنة عندك قوي؟ قال: ليس هو عندي بذلك، حديث فاطمة أقوى عندي وأصح إسنادًا منه"، بل قال ابن رجب:"والمعروف عن الإمام أحمد أنَّه ضعفه ولم يأخذ به"، فالذين رووا عنه التضعيف أكثر وأشهر وأكثر صحبة من الذين رووا عنه التصحيح.

ثانيًا: قول البخاري: "هو حديث حسن"، لا أراه أراد به الحسن الاصطلاحي، وذلك لأنَّه أعقبه بما يدل على إعلاله للحديث من جهة الاتصال؛ فاستدرك وقال:"إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟ ".

قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 412): "ويجاب على البخاري بأن إبراهيم بن محمد بن طلحة مات سنة عشر ومائة - فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام وعلي بن المديني وخليفة بن خياط -، وهو تابعي سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة، وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والربيع

ص: 349

بنت معوذ، فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد بن طلحة لقدمه؟ وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم، وهم نظراء شيوخه في الصحبة، وقريب منهم في الطبقة، فينظر في صحة هذا عن البخاري"، هكذا نقله الشوكاني من البدر المنير لابن الملقن (3/ 63)، ونقله ابن الملقن من النفح الشذي لشيخه أبي الفتح اليعمري (3/ 137)، وبنحوه قال ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 339).

قلت: هو صحيح عن البخاري، ولا يلزم من تعاصرهما سماع أحدهما من الآخر، وإلا فمراد البخاري - والله أعلم - أنَّه لا يعلم لابن عقيل سماعًا من إبراهيم بن محمد بن طلحة، لا سيما وإبراهيم: قليل الحديث [كما قال ابن سعد في الطبقات (93 - القسم المتمم). وانظر: تاريخ دمشق (7/ 149)]، ولا أظن أن لابن عقيل عن إبراهيم حديثًا غير هذا.

• وعلى هذا فالحديث معلول عند البخاري، ولا يقال حينئذ بأن البخاري قد صححه أو حسنه على اصطلاح المتأخرين!

وأما تصحيح الترمذي، فقد اختلف النقل عنه فيه، فمنهم من نقل عنه التحسين فقط دون التصحيح، ومنهم من نقل عنه التحسين والتصحيح معًا، فإن كان الثابت عنه التحسين فقط [كما نقله عنه جماعة، منهم أبو علي الطوسي في مستخرجه]، فإنه في ذلك على أصله في الحديث الحسن، والذي سبق أن قررناه مرارًا، من كونه معدود في قسم الضعيف المحتمل، وإلا فقد يقال إنه اعتمد في ذلك على ما نقله عن البخاري وأحمد، والله أعلم.

وأما الذين ضعفوه من الأئمة فلم يختلف عليهم، وقولهم أقرب إلى الصواب لحال ابن عقيل؛ فإنه لا يحتج به إذا انفرد بأصل وسُنة لم يتابع عليها، وهذا منها.

فهذا الحديث من أحاديث الأحكام التي انفرد بها ابن عقيل في رد المستحاضة إلى عادة النساء لا إلى عادة نفسها، كما صح من حديث أم سلمة، ومن حديث عائشة في قصة أم حبيبة، فقد رد النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة إلى عادة نفسها، فقال في حديث أم سلمة: "لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الَّذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر

"، وقال في حديث عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة؛ في قصة أم حبيبة: "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي".

ومعلوم أن أكثر الأئمة على التشديد في أحاديث الأحكام [سير أعلام النبلاء (8/ 520)]: قال سفيان الثوري: "خذوا هذه الرغائب، وهذه الفضائل من المشيخة، فأما الحلال والحرام فلا تأخذوه إلا عمن يعرف الزيادة فيه من النقص"، وفي رواية:"لا تأخذوا هذا العلم من الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان، فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ".

رواه بسنده إلى سفيان: الرامهرمزي في المحدث الفاصل (406 و 418)، والخطيب في الكفاية (162)، وفي الجامع لأخلاق الراوي (2/ 91 / 1266).

ص: 350

وقال عبد الرحمن بن مهدي: "إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال تساهلنا في الأسانيد والرجال، وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام تشددنا في الرجال".

رواه بسنده إلى ابن مهدي: الحاكم في المستدرك (1/ 490)، والخطيب في الجامع (2/ 91 / 1267).

وقال نحوه أحمد بن حنبل:

رواه الخطيب في الكفاية (163).

وقال ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل (1/ 6 و 10) في مراتب الرواة: "ومنهم: الصدوق الورع، المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام".

وقال البيهقي: "واللائق في أحاديث الأحكام أن يتحرى منها ما تقوم به الحجة"[فيض القدير (4/ 72)].

وقال الخطيب في الجامع (2/ 91): "وينبغي للمحدث أن يتشدد في أحاديث الأحكام التي يفصل بها بين الحلال والحرام؛ فلا يرويها إلا عن أهل المعرفة والحفظ وذوي الإتقان والضبط، وأما الأحاديث التي تتعلق بفضائل الأعمال وما في معناها فيحتمل روايتها عن عامة الشيوخ".

وانظر في هذا المعنى: تاريخ الدوري (3/ 60 و 247)، الجرح والتعديل (7/ 193)، التمهيد (1/ 127)، تذكرة الحفاظ (1/ 173)، شرح علل الترمذي (1/ 372).

وابن عقيل - كما تقدم - موصوف بسوء الحفظ، والجمهور على تضعيفه، وقد أعرض عن حديثه صاحبا الصحيح، فلم يخرجا له شيئًا من حديثه ولا حتَّى متابعة، والنسائي لشدة تحريه في الرجال؛ لم يخرج له شيئًا في سننه، فمثل هذا إذا انفرد بأصل وسنة لم يحتج به.

• فإن قيل: لم يخالف ابن عقيل في حديثه هذا:

ما رواه: نافع، عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة، في المستحاضة المعتادة.

ولا ما رواه الزهري، وعراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة، في قصة أم حبيبة، في المعتادة أيضًا.

ولا ما رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، في المستحاضة المميزة لدم الحيض من دم الاستحاضة.

وإنما حديث ابن عقيل هذا في المبتدأة التي لم تحض قبلُ، فابتدأها الدم، واستمر بها حتَّى صارت مستحاضة.

• فيجاب عن هذا بكلام الأئمة:

قال أبو داود: "قلت لأحمد: فحديث حمنة بنت جحش لا يكون للبكر حجة؟ قال: لا، وحمنة امرأة عجوز كبيرة، وهي تقول: إني أستحاض حيضة كثيرة، أثجه ثجًا"[مسائله (156)].

ص: 351

إلى هذا ذهب الشافعي أيضًا فقال في الأم (2/ 137): "فقد علمنا أن حمنة كانت عند طلحة، وولدت له، وأنها حكت حين استفتت: ذكرت أنها تثج الدم ثجًا، وكان العلم يحيط أن طلحة لا يقربها في هذه الحال، ولا تطيب هي نفسها بالدنو منه، وكان مسألتها بعدما كانت زينب [يعني: أم المؤمنين] عنده [يعني: النبي صلى الله عليه وسلم]، دليلًا محتملًا على أنَّه أول ما ابتليت بالاستحاضة، وذلك بعد بلوغها بزمان، فدل على أن حيضها كان يكون ستًّا أو سبعًا

".

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (3260): "كانت عند مصعب بن عمير وقتل عنها يوم أحد، فتزوجها طلحة بن عبيد الله

".

قلت: فإن قيل: لا تعارض بينه وبين حديث أم سلمة وعائشة في المعتادة؛ بل هو في معناهما، من جهة أن حمنة كانت عادتها ستًّا أو سبعًا، وكانت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأفتاها بما يوافق عادتها؟

فيقال: لم يوقف على رواية تدل على أنها أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بعادتها، وإنما حصل التراجع في الكلام بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم في وصف العلاج الَّذي يوقف الدم من القطن والثوب، ولم يقع الاستفصال منها عن عادتها، فدل ذلك على أن حكم النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو عام في المستحاضة، إذ إن:"ترك الاستفصال في مقام الأحوال يقوم مقام العموم في المقال".

هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فقد جاءت قرينة في النص تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحلها إلى عادتها، وإنما أحالها على الغالب من عادة النساء، وهي قوله صلى الله عليه وسلم:"كما تحيض النساء، وكما يطهرن؛ لميقات حيضهن وطهرهن" أي: تحيض ستًّا أو سبعًا كما تحيض النساء في الغالب من أحوالهن، والله أعلم.

فظهرت بذلك معارضة حديث حمنة لحديث أم سلمة، وحديث عائشة.

فإن قيل: هذا الحديث لم يختلف فيه على ابن عقيل: لا في متنه، ولا في إسناده، مما يدل على أنَّه حفظه.

فيقال: "وإن حفظه ابن عقيل، فيكفينا تفرده فيه بأصل وسُنَّة لم يتابع عليه فيها، ثم مخالفة حديثه هذا للأحاديث الصحيحة في رد المعتادة إلى عادة نفسها، لا إلى عادة النساء.

• وأخيرًا فإن حديث ابن عقيل هذا: لا يثبت - فيما أرى والله أعلم - ففي النفس منه شيء [كما قال الإمام أحمد]، ولا يصح؛ لتفرد ابن عقيل به، ولأنه لا يعرف لابن عقيل سماع من شيخه إبراهيم بن محمد بن طلحة [كما أشار إليه كلام البخاري]، وإسناده ليس بذاك القوي [كما أشار إليه كلام أبي حاتم]، والله أعلم.

***

ص: 352