الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و 450)، بابي: نوم المرأة في المسجد، ونوم الرجال في المسجد، وأيضًا (2/ 560) باب: دخول المشرك المسجد.
***
93 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسٍ
233 -
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده أن: مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم.
• حديث صحيح.
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في السنن الصغرى (537)، والكبرى (2/ 397)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 142).
تابع موسى بن إسماعيل أبا سلمة التبوذكي على روايته بنحوه عن حماد بن سلمة:
عفان بن مسلم، وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين، وحبان بن هلال، وأبو عمر حفص بن عمر الضرير، وأبو صالح الحراني عبد الغفار بن داود، ويحيى بن عباد الضبعي.
فهؤلاء سبعة من الثقات، أثبتهم: أبو سلمة، وعفان، وأبو كامل، وحبان بن هلال.
أخرجه ابن خزيمة (3/ 62/ 1629)، وأحمد (5/ 41 و 45)، وابن المنذر (4/ 212/ 2550)، والطحاوي في المشكل (2/ 169/ 785 - ترتيبه)، وابن عبد البر (1/ 142).
***
234 -
. . . يزيد بن هارون: أخبرنا حماد بن سلمة، بإسناده ومعناه، وقال في أوله:"فكبر"، وقال في آخره: فلما قضى الصلاة قال: "إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا".
• حديث صحيح.
أخرجه ابن خزيمة (3/ 1629/62)، وأحمد (5/ 41)، وابن حزم في المحلى (4/ 216)، والبيهقي في السنن الصغرى (538)، وفي الكبرى (2/ 397)، وابن عبد البر (1/ 143).
ولفظه عند أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبَّر، ثم أومأ إليهم أن: مكانكم، ثم دخل فخرج ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال:"إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا".
• ورواه أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك [ثقة ثبت]، قال: حدثنا حماد بن
سلمة، عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في صلاة الفجر يومًا، ثم أومأ إليهم، ثم انطلق فاغتسل فجاء ورأسه يقطر، فصلى بهم.
أخرجه ابن حبان (6/ 5/ 2235)، وابن عساكر (37/ 391).
تابع أبو الوليد: يزيدَ بن هارون في ذكر التكبير، إلا أنه لم يذكر المرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا بشر".
• ورواه ابن أبي عائشة [وهو: عبيد الله بن محمد بن حفص: ثقة جواد، وهو مكثر عن حماد بن سلمة، كان عنده عنه تسعه آلاف]، عن حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة ثم أومى إليهم أن: مكانكم، ثم دخل بيته، ثم خرج ورأسه يقطر، فدخل في الصلاة فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال:"إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا".
أخرجه البيهقي (3/ 94).
• وقال الشافعي في الأم (2/ 329/ 329): أخبرنا الثقة، عن حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
يعني: بنحو حديث مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم الآتي ذكره، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كبَّر.
وانظر: الأم (8/ 402/ 3293)، وفيه سقط في إسناده.
• وحاصل هذه الروايات: أن رواية يزيد بن هارون وأبي الوليد الطيالسي [وكلاهما: ثقة ثبت، تقبل زيادته]: مفسرة لرواية جماعة الثقات عن حماد بن سلمة، بأن انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة إنما كان بعد شروعه فيها، بعدما كبَّر للصلاة وأحرم بها، وعليه تحمل رواية الجماعة، حيث قالوا:"دخل في الصلاة [أو: دخل في صلاة الفجر] [وفي رواية: افتتح الصلاة]، ثم أومأ اليهم أن: مكانكم"، يعني: أنه صلى الله عليه وسلم إنما انصرف بعد شروعه في الصلاة، والله أعلم.
وهذا حديث صحيح، توافق ابن خزيمة وابن حبان على تصحيحه.
فإن زيادًا الأعلم، وهو: ابن حسان بن قرة الباهلي: ثقة ثقة، من أثبت أصحاب الحسن البصري.
وسماع الحسن البصري من أبي بكرة: ثابت صحيح، في صحيح البخاري (2704 و 3746 و 7109) وغيره، فلا يطلب سماعه في كل حديث حديث؛ لأن تدليس الحسن البصري الذي وصف به إنما هو من قبيل الإرسال الخفي، وهو رواية المعاصر عمن لم يلقه ولم يسمع منه بصيغة موهمة، وهذا النوع من التدليس لا ترد عنعنته طالما ثبت سماعه من شيخه ولو مرة.
وعلى فرض صحة كلام الدارقطني: "لم يسمع الحسن من أبي بكرة"، الذي علَّله بأن الحسن لا يروي إلا عن الأحنف عن أبي بكرة [انظر: علل الدارقطني (7/ 153). التتبع (88 - 91)]، فيقال: إذا علمنا الواسطة وكان ثقة، فقد صح الإسناد والحمد لله، والأحنف بن قيس: مخضرم ثقة، وعليه يحمل أيضًا قول ابن معين: "لم يسمع الحسن من
أبي بكرة" [تاريخ الدوري (4/ 322)]، لكنا نقول بأن سماع الحسن من أبي بكرة: ثابت صحيح، أثبته: بهز بن أسد، والبخاري، وعلي بن المديني، ومع المثبت زيادة علم، فقوله مقدم على النافي [انظر: صحيح البخاري (2704)، التاريخ الأوسط (1/ 96)، التاريخ الكبير (2/ 56)، هدي الساري (367)، التعديل والتجريح للباجي (1/ 303) و (2/ 486)، المراسيل (152)، تحفة التحصيل (68)، جامع التحصيل (135)، نصب الراية (1/ 90)].
وهذه المسألة سبق تحقيق الكلام فيها عند الحديث رقم (27) فلتراجع.
وعلى هذا فإن هذا الإسناد: إسناد بصري صحيح، رجاله أئمة ثقات، ثبت سماع بعضهم من بعض.
قال الزيلعي في نصب الراية (2/ 59): "قال البيهقي في المعرفة: إسناده صحيح".
***
قال أبو داود: رواه الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، قال: فلما قام في مصلاه، وانتظرْنا أن يكبر، انصرف، ثم قال:"كما أنتم".
يأتي تخريجه برقم (235) موصولًا.
والحق أنهما واقعتان منفصلتان، في الأولى: انصرف بعدما أحرم بالصلاة وكبَّر ودخل فيها، وفي الثانية: انصرف بعدما قام في مصلاه قبل أن يكبر.
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 143): "ففي هذا الحديث [يعني: حديث أبي بكرة]، وحديث مالك [ويأتي قريبا]: أنه [صلى الله عليه وسلم]، ذكر بعد دخوله في الصلاة، وفي حديث ابن شهاب: أنه ذكر قبل أن يدخل في الصلاة".
وقال ابن حبان في صحيحه (6/ 7): "هذان فعلان في موضعين متباينين: خرج صلى الله عليه وسلم مرة فكبَّر ثم ذكر أنه جنب، فانصرف فاغتسل، ثم جاء فاستأنف بهم الصلاة، وجاء مرة أخرى فلما وقف ليكبر ذكر أنه جنب قبل أن يكبر، فذهب فاغتسل، ثم رجع فأقام بهم الصلاة، من غير أن يكون بين الخبرين تضاد ولا تهاتر".
***
قال أبو داود: ورواه أيوب، وابن عون، وهشام، عن محمد- مرسلًا- عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فكبَّر، ثم أومأ بيده إلى القوم أن: اجلسوا، فذهب فاغتسل.
وكذلك رواه مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّر في صلاة.
أما مرسل ابن سيرين: فلم أجده موصولًا؛ إلا ما رواه الشافعي في الأم (2/ 328 / 328)، قال: أخبرنا الثقة، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه، وقال:"إني كنت جنبًا فنسيت".
ثم رواه مرة أخرى في موضع آخر من كتابه الأم، في اختلاف علي وعبد الله بن مسعود (8/ 402/ 3294)، قال الشافعي: أخبرنا ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال:"إني كنت جنبًا فنسيت".
فعرفنا بذلك الثقة الذي أبهمه في الموضع الأول، وأنه إسماعيل ابن علية: الثقة الثبت.
وعلقه أيضًا: البيهقي في السنن الكبرى (2/ 398)، قال: "ورواه إسماعيل ابن علية وغيره، عن ابن عون، عن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا.
وكذلك رواه أيوب وهشام، عن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا".
وعليه: فإنه مرسل بإسناد بصري صحيح.
• وقد رواه متصلًا فزاد في الإسناد أبا هريرة:
أبو الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي، قال: نا الحسن بن عبد الرحمن بن العريان الحارثي، قال: نا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبَّر بهم في صلاة الصبح، فأومأ إليهم، ثم انطلق ورجع ورأسه يقطر، فصلى بهم، ثم قال:"إنما أنا بشر، وإني كنت جنبًا، فنسيت".
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 317 - 318/ 5420)، وفى الصغير (2/ 74 - 75/ 806)، والبيهقي (2/ 398).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن عون: إلا الحسن بن عبد الرحمن، تفرد به أبو الربيع".
وقال البيهقي: "تفرد به الحسن بن عبد الرحمن الحارثي، ورواه اسماعيل ابن علية وغيره، عن ابن عون، عن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا، وكذلك رواه أيوب وهشام، عن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا، وهو المحفوظ، وكل ذلك شاهد لحديث أبي بكرة".
قلت: عبيد الله بن محمد بن يحيى، أبو الربيع الحارثي، من أهل الأهواز، سكن تستر، يروي عن أهل البصرة، وروى عنه جماعة، قال ابن حبان في الثقات (8/ 407):"مستقيم الحديث".
والحسن بن عبد الرحمن بن العريان الحارثي: ذكره البخاري في التاريخ الكبير (2/ 296)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (3/ 24)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 168)، وروى عنه جماعة، وهو معروف بالرواية عن ابن عون، لكن أين هو من إسماعيل ابن علية في ضبطه وإتقانه وتثبته وتقدمه في هذا العلم على نظرائه وأقرانه وفي صحبته لابن عون.
فلا شك ولا ريب أن رواية ابن علية هي: الصواب، ورواية الحارثي هذا خطأ.
هذا لو كان المخالف له ابن علية وحده، فكيف وقد توبع عليه ابن علية، ثم إن أثبت أصحاب ابن سيرين رووه هكذا كما رواه ابن علية عن ابن عون مرسلًا: أيوب السختياني، وهشام بن حسان.
فالمرسل هو المحفوظ، كما قال البيهقي.
وهو مرسل بإسناد بصري صحيح، ومراسيل محمد بن سيرين: من أقوى المراسيل، فإنه لم يكن يأخذ إلا عن ثقة.
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 30): "وكل من عُرف أنه لا يأخذ إلا عن ثقة: فتدليسه ومرسله مقبول، فمراسل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي: عندهم صحاح".
يعني: إذا جاء ما يعضدها ويشهد لها، وإلا فالجمهور على عدم الاحتجاج بالمرسل.
• والحاصل: أن مرسل ابن سيرين هذا شاهد لحديث أبي بكرة، كما قال البيهقي.
• وأما حديث مالك الذي علقه أبو داود:
فقد رواه مالك في الموطأ [(1/ 93/ 121 - رواية يحيى بن يحيى الليثي)، (71 - رواية القعنبي) (133 - رواية أبي مصعب الزهري)]، عن إسماعيل بن أبي حكيم: أن عطاء بن يسار أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبَّر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم بيده أن: امكثوا، فذهب، ثم رجع، وعلى جلده أثر الماء.
رواه عن مالك: الشافعي في الأم (2/ 327 و 351/ 326 و 360) و (8/ 401/ 3291)، وهو في مسند الشافعي (57)، ومن طريق الشافعي: أخرجه البيهقي (2/ 397)، ومن طريق أبي مصعب الزهري: أخرجه البغوي في شرح السُّنَّة (2/ 414/ 855).
وهذا مرسل بإسناد مدني صحيح، وعطاء بن يسار: من كبار التابعين.
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 141): "وهذا منقطع، وقد روي متصلًا مسندًا، من حديث أبي هريرة وحديث أبي بكرة"، وقال نحوه في الاستذكار (1/ 281).
وقال البغوي: "هكذا رواه مالك مرسلًا، وروي موصولًا عن أبي هريرة، وأبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".
أما حديث أبي بكرة فهو: حديث صحيح، وتقدم.
وأما حديث أبي هريرة: فسيأتي قريبًا.
***
قال أبو داود: وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم: حدثنا أبان، عن يحيى، عن الربيع بن محمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كبَّر.
• مرسل بإسناد حسن، وهو شاهد لحديث أبي بكرة
وهذا الإسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الربيع بن محمد، قال في التقريب (194):"تابعي، أرسل حديثًا، مجهول".
ومما يقوي أمر الربيع هذا أن الراوي عنه: وهو يحيى بن أبي كثير: لا يحدث إلا عن
ثقة، قال أبو حاتم:"يحيى بن أبي كثير: إمام لا يحدث إلا عن ثقة"[الجرح (9/ 142)].
فهذه المراسيل الثلاثة تعضد وتقوي حديث أى بكرة الصحيح، وتبعد احتمال التأويل عنه، فقد حمل بعضهم قوله:"كبَّر" على إرادة التكبير، وأنه انصرف قبل الدخول في الصلاة لما أراد أن يكبر، وهو احتمال ضعيف مخالف للنص الصريح: أنه صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبَّر، ثم أومأ إليهم أن مكانكم.
• ومما روي في معنى حديث أبي بكرة:
1 -
ما رواه وكيع بن الجراح، وعبد الله بن موسى التيمي، عن أسامة بن زيد الليثي المدني، عن عبد الله بن يزيد -مولى الأسود بن سفيان-، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصلاة، فلما كبر انصرف، -وأومأ إليهم- أي: كما أنتم-، ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما صلى قال:"إني كنت جنبًا، فنسيت أن أغتسل".
أخرجه ابن ماجه (1220)، والشافعي في الأم (2/ 328 و 351/ 327 و 361) و (8/ 402/ 3292)، وأحمد (2/ 448)، والدارقطني (1/ 361)، والبيهقي (2/ 397 و 397 - 398).
قلت: وهذا إسناد مدني حسن، رجاله رجال مسلم؛ إلا أنه أخرج لابن ثوبان وأسامة بن زيد في الشواهد والمتابعات، لا في الأصول.
وفي تفرد أسامة بن زيد -وهو الليثي مولاهم، وهو: صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث- في تفرده بهذه اللفظة:"فلما كبَّر انصرف" من حديث أبي هريرة: نظر.
ولا ننكر عليه تفرده بهذا الإسناد لأمرين:
الأول: أنه تفرد به عن أهل بلده، ولا حرج في ذلك، إذ ليس هو من الغرباء.
الثاني: أن أبا حاتم الرازي سئل عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان؟ فقال: "ثقة، لا بأس به"، قيل له: حجة؟ قال: "إذا روى عنه يحيى بن أبي كثير، ومالك بن أنس، وأسامة بن زيد: فهو حجة"[الجرح والتعديل (5/ 198)].
وعلى هذا فلا يضره تفرده عن عبد الله بن يزيد، بل هو فيه ثبت.
وإنما قلنا بنكارة هذه اللفظة: "فلما كبَّر انصرف، من حديث أبي هريرة، ولا يحتمل تفرد أسامة بها؛ لأن ابن شهاب الزهري قد روى هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف، قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر، ذكر فانصرف، وقال لنا: "مكانكم"، فلم نزل قيامًا ننتظره، حتى خرج إلينا وقد اغتسل، ينطف رأسه ماءً، فكبَّر فصلى بنا.
وهذا إسناد صحيح كالشمس لا غبار عليه، أخرجه به الشيخان [البخاري (639) بنحوه، مسلم (605) بلفظه]، وفيه أنه انصرف قبل أن يكبر، وهو المحفوظ من حديث أبي هريرة، وسيأتي تخريجه لاحقًا برقم (235).
ولهذا قال ابن حجر في التلخيص (2/ 71) على حديث أسامة بن زيد هذا: "وفي إسناده نظر، وأصله في الصحيحين بغير هذا السياق
…
".
2 -
وروى عبيد الله بن معاذ، قال: ثنا أبي: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس، قال: دخل رسول صلى الله عليه وسلم في صلاته فكبَّر وكبرنا معه، ثم أشار إلى القوم أن: كما أنتم، فلم نزل قيامًا حتى أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اغتسل، ورأسه يقطر ماءً.
أخرجه الطحاوي في المشكل (2/ 169/ 786 - ترتيبه)، والطبراني في الأوسط (4/ 192/ 3947)، والدارقطني (1/ 362)، والبيهقي (2/ 399).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن قتادة إلا سعيد، ولا عن سعيد إلا معاذ، تفرد به عبيد الله بن معاذ".
قلت: لا يضره تفرده عن أبيه، فإنه ثقة حافظ، وأبوه: معاذ بن معاذ العنبري: ثقة ثبت متقن.
وهذا إسناد بصري صحيح.
• فإن قيل: قال الدارقطني والبيهقي: "خالفه عبد الوهاب [بن عطاء] الخفاف".
فرواه عبد الوهاب الخفاف: ثنا سعيد، عن قتادة، عن بكر بن عبد الله المزني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاته فكبَّر وكبَّر من خلفه
…
الحديث، هكذا مرسلًا.
أخرجه الدارقطني (1/ 362).
وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف: كان قد لزم سعيد بن أبي عروبة، وعرف بصحبته، وكتب كتبه، وكان عالمًا بسعيد.
قلت: معاذ بن معاذ: أثبت وأحفظ وأتقن من الخفاف، وسماعه من ابن أبي عروبة قديم قبل الاختلاط، وذلك لأن معاذًا العنبري أقدم من عبد الوهاب بن عطاء فإن بين وفاتيهما (8) ثمان سنين تقريبًا (196، 204).
ومعاذ بن معاذ: قرين ليحيى بن سعيد القطان وخالد بن الحارث في السن والطلب، قال القطان:"طلبت الحديث مع رجلين: خالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ، وأنا مولى، فوالله ما استبقاني إلى محدث قط فكتبا شيئًا حتى أحضر، وما أبالي إذا تابعاني من خالفني من الناس"[التهذيب (4/ 101)].
ومعلوم أن يحيى بن سعيد القطان وخالد بن الحارث: من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، وسماعهما منه قديم قبل الاختلاط [الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح علل الترمذي (2/ 743)].
فكذلك معاذ العنبري له حكمهما، فلا تعل روايته بمثل رواية الخفاف.
فإن قيل: معاذ سلك الجادة والطريق السهل، والخفاف أتى به على الوجه.
قلت: مثل هذا لا يروج على معاذ العنبري في ضبطه وإتقانه وتثبته، والخفاف في حفظه شيء وقد أنكروا عليه أحاديث، كذلك فإن الخفاف قد شهد على نفسه أنه سمع من ابن أبي
عروبة في الاختلاط وغيره، ولم يكن يميز هذا من هذا، وحكى ابن نمير عن أصحاب الحديث أنهم قالوا عنه: إنه سمع من سعيد بآخره [شرح علل الترمذي (2/ 747)].
قال العلامة الألباني -رحمه الله تعالى- في صحيح أبي داود (1/ 419 - 420): "عبد الوهاب: تكلم فيه من قبل حفظه، فإن كان حفظ هذا، فهو إسناد آخر لقتادة مرسل، وإلا فرواية معاذ والد عبيد الله: أصح لأنه ثقة حجة اتفاقًا،
…
".
وعلى هذا: فإن حديث أنس: حديث صحيح.
وهو شاهد لحديث أبي بكرة.
3 -
وروى ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، وابن هبيرة، عن عبد الله بن زرير
الغافقي، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائمًا يصلي بهم إذ انصرف، ثم
جاء ورأسه يقطر ماءً، فقال:"إني قمت بكم، ثم ذكرت أني كنت جنبًا ولم أغتسل، فانصرفت فاغتسلت، فمن أصابه منكم مثل هذا الذي أصابني، أو وجد في بطنه رزًا: فلينصرف وليغتسل، ثم ليأت فليستقبل صلاته"، وفي رواية:"فلينصرف، فليغتسل أو يتوضأ"، وفي ثالثة:"فليصنع مثل ما صنعت"، وفي رابعة:"فلينصرف حتى يفرغ من حاجته، أو غسله، ثم يعود إلى صلاته".
[الرز: القرقرة، غريب أبي عبيد (2/ 133)، النهاية (2/ 219)].
أخرجه أحمد (1/ 88 و 99)، والبزار (3/ 105/ 890)، والطبراني في الأوسط (6/ 272/ 6390).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نحفظه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن لهيعة".
وابن لهيعة: ضعيف، وإنما يعرف هذا من كلام علي رضي الله عنه.
قال أبو حاتم: "أنا أرضى أن يكون هذا من كلام علي موقوف، وابن لهيعة قد خلط في حديثه
…
" [العلل (1/ 31 - 32/ 59)].
• وقد روي نحو هذا عن علي من قوله:
1 -
رواه سفيان الثوري، وإسرائيل، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أنه قال: أيما رجل دخل في الصلاة فأصابه رز في بطنه، أو قيء، أو رعاف، فخشي أن يحدث قبل أن يسلم الإمام: فليجعل يده على أنفه، فإن كان يريد أن يعتد بما قد مضى، فلا يتكلم حتى يتوضأ، ثم يتم ما بقي، فإن تكلم فليستقبل، وإن كان قد تشهد وخاف أن يحدث قبل أن يسلم الإمام: فليسلم فقد تمت صلاته. لفظ إسرائيل.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 338/ 3606)، وابن المنذر (1/ 184/ 77)، والبيهقي (2/ 256).
قال البيهقي بعد أن أخرجه من طريق إسرائيل: "ورواه الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ببعض معناه، والحارث الأعور: ضعيف،
…
".
وروى حجاج بن أرطاة [فيه لين، وهو مدلس، وقد عنعنه]، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة، آمره أن يغتسل ويعيد، ولا آمرهم أن يعيدوا.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 398/ 4575)، والشافعي في الأم (8/ 401/ 3290)، وابن المنذر (4/ 213/ 2054).
2 -
ثم رواه أيضًا حجاج بن أرطاة، وتابعه: شعبة، ومعمر:
ثلاثتهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: إذا وجد أحدكم في صلاته في بطنه رزًا، أو قيئًا، أو رعافًا، فلينصرف فليتوضأ، فإن تكلم استقبل الصلاة، وإن لم يتكلم احتسب بما صلى.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 339/ 3607)، والشافعي في الأم (8/ 397/ 3276)، وابن المنذر (1/ 169/ 60)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 256)، وفي المعرفة (2/ 109/ 1025).
وعلى هذا فيحتمل أن يكون عند أبي إسحاق على الوجهين: عن الحارث، وعن عاصم بن ضمرة.
قال البيهقي في السنن: "والحارث الأعور: ضعيف، وعاصم بن ضمرة: غير قوي، وروي من وجه ثالث عن علي رضي الله عنه وفيه أيضًا ضعف، والله أعلم".
3 -
ثم أخرجه (2/ 257) من طريق إسرائيل: ثنا يزيد بن سعيد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: من وجد في بطنه رزًا، أو كان في بطنه بول، فليجعل ثوبه على أنفه، ثم لينفتل وليتوضأ ولا يكلم أحدًا، فإن تكلم استأنف.
ولم أعرف مَن يزيد بن سعيد ولا أبوه بعد طول بحث، وقد ضعفه البيهقي كما ترى.
4 -
وروى إبراهيم بن يزيد الخوزي [متروك]، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر: أن عليًّا صلى بالناس وهو جنب -أو: على غير وضوء-، فأعاد وأمرهم أن يعيدوا.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 351/ 3663).
ثم رواه مرة أخرى: عن عمرو بن دينار، عن علي، قال: يعيد ويعيدون.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 398/ 4571)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 266).
وهذا إسناد واهٍ بمرة، الخوزي: متروك.
5 -
وروى عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه أنه صلى بالقوم وهو جنب، فأعاد، ثم أمرهم فأعادوا.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 350/ 3661)، والدارقطني (1/ 364)، والبيهقي (2/ 401).
قال الدارقطني: "عمرو بن خالد، هو: أبو خالد الواسطي، وهو: متروك الحديث، رماه أحمد بن حنبل بالكذب".
وقال البيهقي: "فهذا إنما يرويه عمرو بن خالد أبو مخلد الواسطي، وهو: متروك، رماه الحفاظ بالكذب
…
، ثم أسند إلى وكيع قوله:"كان كذابًا، فلما عرفناه بالكذب تحول إلى مكان آخر، حدث عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه أنه صلى بهم وهو على غير طهارة، فأعاد، وأمرهم بالإعادة".
ثم أسند إلى الثوري قوله: "إن حبيب بن أبي ثابت لم يرو عن عاصم بن ضمرة شيئًا قط".
وقال الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 246/ 330): "عمرو بن خالد -يعني: الذي يحدث عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي: أنه صلى بالقوم وهو جنب، فاعاد وأمرهم فأعادوا- قال: عمرو بن خالد هذا: ليس بشيء، متروك الحديث"، قاله ابنه عبد الله، والتفسير منه.
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 79): نا صالح: نا علي، قال: سمعت عبد الرحمن -يعني: ابن مهدي-، يقول: قال سفيان: يحدثون عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي: أنه صلى وهو على غير وضوء، قال: يعيد ولا يعيدون.
ما سمعت حبيبًا يحدث عن عاصم بن ضمرة حديثًا قط".
• والحاصل: أنه لا يثبت عن علي بن أبي طالب في هذا الباب شيء، أعني: فيمن صلى بالناس وهو جنب، هل يعيد المأمومون أم لا؟
إلا أن رواية حجاج بن أرطاة: "ولا آمرهم أن يعيدوا"، على ما فيها من ضعف، أصلح من رواية الأمر بالإعادة.
لذا قال الشافعي بعد رواية حجاج هذه: "وهذا قولنا، وهو موافق للسُّنَّة، وما رويناه عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن عمر رضي الله عنه[الأم (8/ 401/ 3290)].
وقال ابن المنذر: "وبالروايتين جميعًا مقال"[الأوسط (4/ 213)].
4 -
وقد روي حديث في الباب -أعني: فيمن صلى بالناس وهو جنب-، قال فيه ابن حجر في الدراية (1/ 174):"فلو صح لكان نصًّا في المسالة".
مداره على جويبر بن سعيد، عن الضحاك بن مزاحم، عن البراء بن عازب، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم، وليس هو على وضوء، فتمت للقوم، وأعاد النبي صلى الله عليه وسلم.
زاد في رواية: وقال -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى الإمام بالقوم وهو على غير وضوء أجزأت صلاة القوم، ويعيد هو".
وفي رواية أخرى: عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب، فقد مضت صلاتهم، ثم ليغتسل هو، ثم ليعيد صلاته، وإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك".
وفي رواية رابعة: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على غير وضوء فأعاد، ولم يعيدوا.
أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 253)، وابن شاهين في الناسخ (225)، والدارقطني (1/ 363 و 364)، والبيهقي (2/ 400)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 487 - 488/ 750 و 751)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (47/ 322).
تنبيه: سقط من إسناد ابن عدي: "جويبر بن سعيد"، فلا أدري أكان من النساخ، أم من ابن المصفى، أم من بقية، فإنهما كانا يسويان الأسانيد.
وهذا حديث باطل.
الضحاك لم يلق البراء [التحقيق (1/ 488)، التنقيح (2/ 36)، نصب الراية (2/ 60)، فيض القدير (3/ 136)، قال ابن حبان في الثقات (6/ 480):"لقي جماعة من التابعين، ولم يشافه أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أنه لقي ابن عباس فقد وهم".
وانظر: تحفة التحصيل (155)، جامع التحصيل (199)، المراسيل (94)].
وجويبر بن سعيد: متروك، روى عن الضحاك أشياء مناكير [التهذيب (1/ 320)].
والحديث يرويه بقية بن الوليد، وهو ممن يدلس ويسوي، ولم يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند.
ثم إن رواه مرة عن عيسى بن عبد الله بن الحكم الأنصاري: روى عنه بقية أحاديث مناكير، قاله ابن عدي، وقال أيضًا:"وعامة ما يرويه لا يتابع عليه"[الكامل (5/ 253 و 254)، اللسان (4/ 462)].
ورواه أخرى: عن عيسى بن إبراهيم بن طهمان الهاشمي: وهو متروك [اللسان (4/ 452)].
والحديث ضعفه ابن عدي، والبيهقي، وقال:"وهذا غير قوي"، وابن الجوزي، وقال:"هذان حديثان لا يصحان، بقية: مدلس، وعيسى: ضعيف، وجويبر: متروك، والضحاك: لم يلق البراء"، وابن حجر، وقال:"أخرجه الدارقطني بإسناد فيه ضعف وانقطاع"[الدراية (1/ 174)].
• ومما روي في معارضة ما تقدم:
ما رواه أبو جابر البياضي، عن سعيد بن المسيب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس وهو جنب، فأعاد وأعادوا.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 350/ 3660)، وابن أبي شيبة (1/ 397/ 4568)، والدارقطني (1/ 364)، والبيهقي (2/ 400)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 488/ 752).
قال الدارقطني: "هذا مرسل، وأبو جابر البياضي: متروك الحديث".
وقال البيهقي: "وهذا مرسل، وأبو جابر البياضي: متروك الحديث، كان مالك بن أنس لا يرتضيه، وكان يحيى بن معين يقول: أبو جابر البياضي: كذاب".
وقال ابن عبد البر في الاستغناء (1/ 547/ 524): "أجمعوا على أنه: ضعيف، متروك الحديث، ونسبه مالك إلى الكذب على سعيد بن المسيب
…
" [وانظر: الجرح
والتعديل (7/ 325)، التاريخ الكبير (1/ 163)، المجروحين (2/ 258)، اللسان (5/ 276)، وغيرها].
فهو باطل أيضًا.
• وحاصل ما تقدم أنه قد صح في الباب، في صلاة الجنب بالناس وهو ناسي: حديث أبي بكرة، وحديث أنس بن مالك، يعضدهما: مرسل محمد بن سيرين بإسناد بصري صحيح، ومرسل عطاء بن يسار بإسناد مدني صحيح.
• وصح ذلك أيضًا عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وابن عمر:
1 -
أما أثر عمر بن الخطاب، فله عنه أسانيد:
أ- روى مالك، وزائدة بن قدامة، ووكيع بن الجراح، وأنس بن عياض، وعلي بن مسهر، ومعمر بن راشد:
كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زييد بن الصلت [بياءين، تصغير زيد. راجع: الإكمال (4/ 171)، توضيح المشتبه (4/ 270)، مشارق الأنوار (1/ 315)، تالي تلخيص المتشابه (1/ 338)، تصحيفات المحدثين (1/ 70)، طبقات ابن سعد (5/ 13)، الجرح والتعديل (3/ 622)، قال ابن معين: "ثقة"]، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت، وصليت وما اغتسلت، قال: فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم ير، وأذن وأقام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنًا.
أخرجه مالك في الموطأ [(1/ 94/ 122 - رواية يحيى بن يحيى الليثي) و (71 م- رواية القعنبي) و (134 - رواية أبي مصعب الزهري) و (54 - رواية سويد بن سعيد)]. وعنه: الشافعي في الأم (2/ 82/ 88)، وفي المسند (18)، وعبد الرزاق (2/ 347 و 348/ 3644 و 3645 و 3648)، وابن أبي شيبة (1/ 82 و 345/ 901 و 3971) و (7/ 320/ 36482)، والطحاوي (1/ 52 و 411)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 170 و 405)، وفي المعرفة (1/ 265/ 264)، والخطيب في تالي التلخيص (1/ 338/ 203)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 414 - 415/ 856).
وهذا إسناد صحيح إلى عمر.
زاد معمر بن راشد: "أعاد الصلاة، ولم يبلغنا أن الناس أعادوا".
• تنبيهان:
الأول: أخطأ يحيى بن يحيى الليثي على مالك، فأسقط عروة بن الزبير من الإسناد، وقد رواه الشافعي، وابن وهب، وابن بكير، والقعنبي، وأبو مصعب الزهري، وسويد بن سعيد، وعبد الرزاق، وغيرهم، عن مالك، عن هشام، عن أبيه، عن زييد، عن عمر به، مثل الجماعة.
قال القاضي عياض في مشارق الأنوار (2/ 333): "وفي باب: إعادة الجنب:
هشام بن عروة، عن زييد بن الصلت، كذا رواه يحيى، وسائر الرواة يقولون فيه: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زييد".
الثاني: أخطأ معمر فيه على هشام، فأسقط من الإسناد زييد بن الصلت، والجماعة على إثباته، وهو المحفوظ.
• وروى سليمان بن يسار هذه القصة عن عمر، من طريقين عنه، وفي أحدهما: أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح، ثم إذا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلامًا، فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل، وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته.
أخرجه مالك في الموطأ [(123 و 124 - رواية يحيى)، و (72 - رواية القعنبي)، و (135 و 136 - رواية أبي مصعب)، و (55 - رواية سويد بن سعيد)، و (284 - رواية محمد بن الحسن الشيباني)]، وعبد الرزاق (2/ 347/ 3646)، وابن أبي شيبة (1/ 345/ 3972)، والبيهقي (1/ 170).
وسليمان بن يسار: حديثه عن عمر: مرسل، قاله أبو زرعة [المراسيل (295)، جامع التحصيل (190)، تحفة التحصيل (138)].
وثبته فيه: الشريد بن سويد الثقفي، وهو صحابي.
قال سليمان بن يسار: حدثني الشريد، قال: كنت أنا وعمر جالسين بيننا جدول
…
، فذكر القصة.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 347/ 3646).
ب- وروى الدارقطني في سننه (1/ 364). ومن طريقه: البيهقي (2/ 399 - 400).
بإسناد صحيح إلى ابن مهدي، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن ابن المنكدر، عن الشريد الثقفي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى بالناس وهو جنب، فأعاد، ولم يأمرهم أن يعيدوا.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين غير الشريد بن سويد الثقفي، فإنه صحابي، أخرج له مسلم والبخاري في الأدب المفرد.
• وله إسناد آخر عن الشريد، وهو صحيح أيضًا، بدون ذكر: ولم يأمرهم بالإعادة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 212/ 2051).
ج- روى ابن المنذر في الأوسط (4/ 212/ 2052)، قال: حدثنا علان بن المغيرة، قال: ثنا عمرو بن الربيع، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن عمر، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، قال: كنت مع عمر بن الخطاب بين مكة والمدينة فصلى بنا، ثم انصرف فرأى في ثوبه احتلامًا، فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه، وأعاد صلاته، ولم نعد صلاتنا.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ عدا علان بن المغيرة، وهو: علي بن
عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة المخزومي مولاهم المصري: ثقة، ويحيى بن أيوب هو: المصري.
• وقد روي من طرقٍ أخرى: عن إبراهيم بن يزيد النخعي: أن عمر بن الخطاب، هكذا مرسلًا.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 398/ 4570)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (189 و 373).
وانظر: تحفة التحصيل (19).
• فهذه ثلاثة أسانيد صحيحة عن عمر بن الخطاب، الخليفة الراشد الثاني: أنه صلى بالناس وهو جنب ولم يشعر، فلما علم أعاد الصلاة وحده، ولم يأمرهم بالإعادة.
• وله إسنادان آخران نذكرهما للفائدة:
الأول: يرويه ابن وهب، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، عن عمه عيسى بن طلحة، عن مطيع بن الأسود، قال: صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالناس الصبح
…
، فذكر القصة مطولة، وفي آخرها: واغتسل، ثم أعاد صلاة الصبح، ولم يأمر أحدًا، بإعادة الصلاة.
أخرجه البيهقي (2/ 399).
وهذا إسناد ضعيف، يصلح في المتابعات، فإن إسحاق بن يحيى بن طلحة: ضعيف يعتبر به، وقد وافق الثقات.
ومطيع بن الأسود: صحابي، من مسلمة الفتح، مات في خلافة عثمان.
الثاني: رواه عبد الرزاق في المصنف (2/ 351/ 3662)، عن حسين بن مهران، عن المطرح أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: صلى عمر بالناس وهو جنب، فأعاد، ولم يعد الناس، فقال له علي: قد كان ينبغي لمن صلى معك أن يعيدوا، قال: فنزلوا إلى قول علي، قال: قلت: ما نزلوا؟ قال: رجعوا. قال القاسم: وقال ابن مسعود مثل قول علي.
وهذا باطل، إسناده مسلسل بالضعفاء، قال ابن حبان:"إذا اجتمع في إسناد خبر. عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن، لم يكن متن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم"[التهذيب (3/ 10)].
ومطرح أبو المهلب: ضعيف، ويجانَب روايته عن ابن زحر.
قال ابن حجر في الدراية (1/ 173): "وإسناده واهٍ".
2 -
وأما أثر عثمان بن عفان:
فيرويه هشيم، عن خالد بن سلمة المخزومي، قال: حدثني محمد بن عمرو بن الحارث بن المصطلق [بن أبي ضرار]: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى بالناس وهو جنب، فلما أصبح نظر في ثوبه احتلامًا، فقال: كبرت والله، إني لأراني أجنب ثم لا أعلم، ثم أعاد، ولم يأمرهم بالإعادة.
أخرجه أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 110/ 1728)، وابن المنذر (4/ 212/ 2053)، والدارقطني (1/ 364 - 365)، والبيهقي (2/ 400).
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون؛ غير محمد بن عمرو بن الحارث: فقد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحًا ولا تعديلًا [الثقات (7/ 368)، التاريخ الكبير (1/ 190)، الجرح (8/ 29 و 31)]، فمثله يعد في كبار التابعين، وقد أدرك عثمان، فقد ذكر البخاري في التاريخ، أنه قال: سافرت مع ابن مسعود، ووفاة ابن مسعود متقدمة على وفاة عثمان بسنتين أو ثلاث، وكما قال الذهبي: فإن الرجل إذا كان من كبار التابعين، أو أوساطهم: احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن؛ إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ [انظر: الديوان (374)].
3 -
وأما أثر ابن عمر، فمروي من طريقين:
أ- معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: في رجل صلى بقوم وهو على غير وضوء؟ قال: يعيد ولا يعيدون.
وفي رواية: أن ابن عمر صلى بأصحابه صلاة العصر وهو على غير وضوء، فأعاد، ولم يعد أصحابه.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 348/ 3650)، وابن أبي شيبة (1/ 397/ 4569)، وابن المنذر (4/ 213/ 2055)، والدارقطني (1/ 365)، والبيهقي (2/ 400).
وهذا إسناد صحيح.
ب- عبد الله بن عمر العمري [ضعيف]، عن نافع: أن ابن عمر صلى بأصحابه، ثم ذكر أنه مس ذكره، فتوضأ، ولم يامرهم أن يعيدوا.
أخرجه أحمد في مسائل صالح (987)، والدارقطني (1/ 365).
وهذا إسناد صالح في المتابعات.
• وبعد هذا العرض لما ورد من أحاديث وآثار في هذا الباب، نلخص الأدلة ودلالتها:
وأما الأدلة فقد صح منها: حديث أبي بكرة، وحديث أنس، وأثر عمر، وعثمان، وابن عمر.
وأما ما روي عن علي في هذا الباب: فلا يصح منه شيء، إلا أن الرواية الموافقة للسُّنَّة، ولفعل صاحبيه عمر وعثمان: أصلح من الرواية الأخرى فمنها واهية.
وأما ما دلت عليه هذه الأدلة:
1 -
أن صلاة المأموم لا تفسد بفساد صلاة الإمام:
أ- وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في الصلاة، وكبَّر، وكبَّر الناس معه، ثم تذكر الجنابة فانصرف، وأشار إليهم أن: امكثوا كما أنتم، فبقي الناس قيامًا منتظرين، إلى أن رجع إليهم فاستأنف صلاته، وبنى القوم على ما مضى من إحرامهم؛ حيث لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم -
بأن يستأنفوا صلاتهم، وألا يعتدوا بما مضى منها، ولو أمرهم بذلك، بأن يكبروا للإحرام ثانية لنُقل، فلما لم ينقل علمنا أنهم بنوا على ما مضى من إحرامهم وصلاتهم معه صلى الله عليه وسلم وهو جنب، فثبت بهذا: صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي إذا تذكر في أثنائها، وأن الإمام مخيَّر بين أن يستخلف كما استخلف عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف لما طُعن [البخاري (3700)]، وكان ذلك بمحضر الصحابة فلم ينكر عليه، وإما أن يأمر الإمام القوم أن ينتظروه إن ظن رجوعه سريعًا.
وانظر: الأم (2/ 352)، ورجح الانتظار على الاستخلاف.
فإن قيل: لم ينقل في هذا الحديث أنه كبَّر لما رجع وصلى بهم، فيكون قد بنى على التكبيرة التي كبَّرها وهو جنب.
قلنا: قد حصل الإجماع على عدم صحة بناء المحدث على ما صلاه غير طاهر، لفقدان الشرط المصحح لهذه الصلاة التي يبني عليها وهو الطهارة، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المتفق عليه:"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"، ولحديث ابن عمر عند مسلم:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، وإنما وقع الاختلاف بينهم في بناء المحدث على ما صلى وهو طاهر قبل حدثه [انظر: التمهيد (1/ 144)].
وإن قيل: حديث أبي هريرة في الصحيحين صرح فيه أنه انصرف قبل أن يكبر، وما في الصحيحين أو أحدهما مقدم على غيرهما عند التعارض.
قلنا: هذا إذا اتحد المخرج، فأما وهما حديثان متغايران: هذا عن أبي بكرة وأنس، وهذا عن أبي هريرة، والكل صحيح ثابت من جهة السند، فهما إذًا فعلان في موضعين متباينين، وواقعتان مختلفتان، ليس بينهما تضاد أو تعارض، وبهذا قال ابن حبان [الصحيح (6/ 7)].
• فإن قيل: هذا معارض لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة من خلفه".
قلنا: هذا إنما يرويه أحمد بن نصر بن أشكاب [هو أحمد بن نصر بن محمد بن أشكاب أبو نصر القاضي الزعفراني البخاري: قال الخطيب: "وكان ثقة". تاريخ بغداد (5/ 183)]، قال: حدثنا محمد بن خلف بن رجاء، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسن بن صالح، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة من خلفه".
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (222)، قال: حدثنا أحمد بن نصر به. والخطيب في المتفق والمفترق (1/ 667/ 383)، قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر: أخبرنا القاضي أبو النصر أحمد بن أشكاب البخاري به، وفي سند المطبوع سقط ظاهر، وعزاه صاحب كنز العمال (20410)، وصاحب جامع الأحاديث والمراسيل (1/ 327/ 2405): للخطيب وحده في المتفق والمفترق.
قال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 488) بأن هذا الحديث: لا يعرف، وأقره ابن عبد الهادي في التنقيح (2/ 37).
قلت: هذا حديث باطل، باطل، باطل.
قال الخطيب: "لم أكتبه إلا من هذا الوجه".
قلت: ومحمد بن خلف بن رجاء، وأبوه خلف بن رجاء، وشيخه الحسن بن صالح: لم أجد من ترجم لهم سوى الأخير الذي ترجم له الخطيب في المتفق، وأخرج له هذا الحديث في ترجمته، وهو الحسن بن صالح أبو علي البيكندي: حدث عن سفيان بن عيينة، ووكيع، وأبي معاوية، ومحمد بن عبيد، وحفص بن غياث، ومروان بن معاوية.
وروى عنه: السري بن عصام، وقيس بن أنيف، وخلف بن رجاء: البخاريون. اهـ.
وبِيكَنْد: بالكسر وفتح الكاف وسكون النون: من بلاد ما وراء النهر، على مرحلة من بخارى إذا عبرت النهر، بين بخارى وجيحون، لها ذكر في الفتوح، وكانت بلدة حسنة كبيرة كثيرة العلماء [الأنساب (1/ 434)، معجم البلدان (1/ 632)]، قال السمعاني:"خربت الساعة".
فكيف لمثل هذا أن يتفرد عن أهل الكوفة بحديث كهذا من أحاديث الأحكام، وهو فصلٌ في كثير من مسائل الإمامة.
وأبو معاوية الكوفي، وهو: محمد بن خازم الضرير، قد روي عنه خلق كثير، فكيف يتفرد عنه أحد الغرباء غير المشاهير، الذي لم يترجم له أئمة الجرح والتعديل، مثل: البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان وغيرهم؛ إلا لكونه من المغمورين غير المعروفين بالطلب.
ثم إنه قد تفرد عنه خلف بن رجاء، ولم يروه عنه سوى ابنه محمد، وهما لا يُعرفان.
فمثل هذا يجزم ببطلانه؛ لا سيما وسياقه يشبه كلام الفقهاء، فإن الحكم على الصلاة بالفساد: هو مصطلح اصطلح عليه الفقهاء والأصوليون، وإنما الذي جاء على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك إنما هو نفي الصلاة، سواء أريد به الصحة أو الكمال، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس
…
" الحديث، وقوله: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وقوله: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو يدافعه الأخبثان"، وقوله: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
أو نفي القبول: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة"، وقوله:"من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".
أو نفي الإجزاء: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب".
والدليل على أن هذا إنما هو عين كلام الفقهاء، فنسبه بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (2/ 350/ 3659)، عن الثوري، قال: سمعت حمادًا، يقول: إذا فسدت صلاة الإمام؛ فسدت صلاة القوم.
وحماد: هو ابن أبي سليمان: الفقيه الكوفي المشهور، شيخ أبي حنيفة، ومنه أخذ الأحناف هذه القاعدة وساروا عليها، وهي داخلة عندهم تحت قاعدة:"إذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه"، أو:"إذا بطل المتضمِّن بطل المتضمَّن"[انظر: الحجة (1/ 266)، المبسوط (1/ 185 و 397)، كلاهما لمحمد بن الحسن الشيباني، الآثار لأبي يوسف (144)، شرح القواعد الفقهية للزرقا (51)].
فإن قيل: فهل يستدل بهذا الحديث على جواز إحرام المأموم قبل إمامه؟
قلنا: ليس في الحديث ما يدل على ذلك؛ لأن المأموم هنا إنما كبَّر مقتديًا بإمام يصح الاقتداء به، ثم بطلت صلاته بذكره، فاستأنفت صلاته، فلم يخرج المأموم عن كونه مقتديًا بإمام يصح الاقتداء به، فهو كمن صلى خلف إمام متطهر ثم سبقه الحدث في أثناء صلاته في المعنى [انظر: التمهيد (1/ 144)، فتح الباري لابن رجب (3/ 601)].
ونختم الكلام على هذه الجملة بقول الإمام أحمد، فقد روى ابن عبد البر في التمهيد (1/ 141)، بسنده إلى أبي بكر الأثرم: أنه سأل الإمام أحمد عن حديث أبي بكرة؟ وفيه: "قيل له: فلو فعل هذا إنسان اليوم هكذا، أكنت تذهب إليه؟ قال: نعم".
وانظر كلام الإمام الشافعي في الأم (2/ 352)، وقد رجح الانتظار على الاستخلاف، وكذلك رجح إتمامهم فرادى.
هله هي الحالة الأولى: وهي صحة صلاة المأمومين خلف الإمام الجنب الناسي، إذا تذكر في أثناء الصلاة.
ب- وأما الحالة الثانية، وهي: إذا تذكر الإمام بعدما يفرغ من الصلاة:
فنقول: بأن صلاتهم صحيحة، ولا إعادة عليهم، وإنما تجب الإعادة على الإمام وحده.
ودليل ذلك: حديث أبي بكرة، وحديث أنس، وفعل عمر، وعثمان، وابن عمر.
قال ابن عبد البر (1/ 145): "وحسبك بحديث عمر في ذلك، فإنه صلى بجماعة من الصحابة صلاة الصبح، ثم غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلامًا فغسله واغتسل، وأعاد صلاته وحده، ولم يأمرهم بإعادة، وهذا في جماعتهم من غير نكير
…
".
وصح ذلك أيضًا عن عثمان وابن عمر.
وانظر إلى جواهر العلم في كلام هذا الإمام المطلبي بعد أن ذكر أدلته من مرسل عطاء بن يسار، ومرسل ابن سيرين، ومسند أبي هريرة [وقلنا بأنه: شاذ]، ومسند أبي بكرة:
قال الإمام الجليل الشافعي في الأم (2/ 329): "وبهذا نأخذ، وهذا يشبه أحكام الإسلام؛ لأن الناس إنما كلفوا في غيرهم الأغلب فيما يظهر لهم، وأن مسلمًا لا يصلي إلا على طهارة، فمن صلى خلف رجل، ثم علم أن إمامه كان جنبًا، أو على غير وضوء، وإن كانت امرأته أمت نساءً، ثم علمن أنها كانت حائضًا، أجزأت المأمومين من الرجال والنساء صلاتهم، وأعاد الإمام صلاته.
ولو علم المأمومون من قبل أن يدخلوا في صلاته أنه على غير وضوء، ثم صلوا معه، لم تجزهم صلاتهم؛ لأنهم صلوا بصلاة من لا تجوز له الصلاة عالمين.
ولو دخلوا معه في الصلاة غير عالمين أنه على غير طهارة، وعلموا قبل أن يكملوا الصلاة أنه على غير طهارة، كان عليهم أن يتموا لأنفسهم، وينوون الخروج من إمامته مع علمهم، فتجوز صلاتهم؛ فإن لم يفعلوا، فأقاموا مؤتمين به بعد العلم، أو غير ناوين الخروج من إمامته، فسدت صلاتهم، وكان عليهم استئنافها؛ لأنهم قد ائتموا بصلاة من لا تجوز لهم الصلاة خلفه عالمين.
وإذا اختلف علمهم، فعلمت طائفة، وطائفة لم تعلم، فصلاة الذين لم يعلموا أنه على غير طهارة جائزة، وصلاة الذين علموا أنه على غير طهارة فأقاموا مؤتمين به غير جائزة.
ولو افتتح الإمام طاهرًا، ثم انتقضت طهارته فمضى على صلاته عامدًا أو ناسيًا، كان هكذا، وعمد الإمام ونسيانه سواء، إلا أنه يأثم بالعمد، ولا يأثم بالنسيان إن شاء الله تعالى".
وانظر أيضًا: الأم (2/ 351)، في الصلاة بإمامين أحدهما بعد الآخر، ففيه فوائد جمة في أحكام الإمامة والاستخلاف.
ج- الحالة الثالثة: في الإمام يتمادى في صلاته ذاكرًا لجنابته، أو ذاكرًا أنه على غير وضوء، أو مبتدئًا صلاته كذلك، وهو مع ذلك معروف بالإسلام.
والحكم في هذا هو ما ذكره الإمام الشافعي في الفقرة الثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة.
ودليل ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه (694)، وأحمد (2/ 355 و 536 - 537)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 14)، وابن حزم في المحلى (4/ 215)، والبيهقي (2/ 396) و (3/ 126)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 405/ 839).
من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يصلون لكم [وفي رواية: يصلون بكم]، فإن أصابوا فلكم [ولهم]، وإن أخطؤوا فلكم وعليهم".
قال ابن حجر في الفتح (2/ 220): "قال ابن المنذر: هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت، فسدت صلاة من خلفه".
وقال البغوي: "هذا حديث صحيح، قلت: فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم وكان جنبًا أو محدثًا أن صلاة القوم صحيحة، وعلى الإمام الإعادة سواء كان الإمام عالمًا بحدثه متعمد الإمامة أو كان جاهلًا".
وروي معناه من حديث عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة، فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئًا فعليه ولا عليهم"، وهو حديث حسن.
أخرجه أبو داود (580)، وابن ماجه (983)، وابن خزيمة (3/ 7 - 8/ 1513)، وابن حبان (5/ 599/ 2221)، والحاكم (1/ 210)، وأحمد (4/ 145 و 201)، وابن وهب في الجامع (382)، وسمويه في فوائده (39)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 289)، وأبو يعلى (3/ 297/ 1761)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 163/ 1953)، والطحاوي في المشكل (5/ 439)، والطبراني في الكبير (17/ 329/ 910)، والبيهقي (3/ 127)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 499).
ويأتي الكلام عليه في موضعه من السنن، وانظر: فيض القدير (6/ 87)، فتح الباري لابن رجب (4/ 179)، بيان الوهم (4/ 149/ 1592).
ترجم ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: "باب: التغليظ على الأئمة في تركهم إتمام الصلاة، وتأخيرهم الصلاة، والدليل على أن صلاة الإمام قد تكون ناقصة، وصلاة المأموم تامة، ضد قول من زعم: أن صلاة المأموم متصلة بصلاة إمامه، إذا فسدت صلاة الإمام، فسدت صلاة المأموم، زعم".
وقال ابن المنذر: "يدل هذا الحديث على أن المأموم لا يضره تقصير الإمام في صلاته، إذا أتى هو بما يجب عليه فيها، إذ كلٌّ مؤدٍّ فرضًا عن نفسه ولا يضره تقصير غيره، وهذا الحديث يدل على إغفال من زعم: أن صلاة الإمام إذا فسدت فسدت صلاة من خلفه".
وبنحو كلام الإمام الشافعي قال ابن حزم، وننقله بتمامه للفائدة، قال في المحلى (4/ 214 - 215): "ومن صلى جنبًا أو على غير وضوء، عمدًا أو نسيانًا، فصلاة من ائتم به صحيحة تامة، إلا أن يكون علم ذلك يقينًا فلا صلاة له؛ لأنه ليس مصليًا، فإذا لم يكن مصليًا فالمؤتم بمن لا يصلي عابثٌ عاصٍ مخالف لما أمر به، ومن هذه صفته في صلاته فلا صلاة له.
وقال أبو حنيفة: لا تجزئ صلاة من ائتم بمن ليس على طهارة، عامدًا كان الإمام أو ناسيًا.
وقال مالك: إن كان ناسيًا فصلاة من خلفه تامة، وإن كان عامدًا فلا صلاة لمن خلفه.
وقال الشافعي وأبو سليمان كما قلنا.
قال ابن حزم: برهان صحة قولنا: قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]: وليس في وسعنا علم الغيب من طهارته، وكل إمام يصلى وراءه في العالم ففي الممكن أن يكون على غير طهارة عامدًا أو ناسيًا، فصح أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم، وكل أحد يصلي لنفسه، ولا يبطل صلاة المأموم إن صحت، بطلان صلاة الإمام، ولا يصح صلاة المأموم إن بطلت، صحة صلاة الإمام ....
ثم مثل على ذلك، واستدل له بحديث البخاري الآنف الذكر، وبحديث أبي بكرة، ثم قال: فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو عليه السلام جنب".
ذكر ابن حزم مذاهب الأئمة الثلاثة، وأما الإمام أحمد: فمذهبه مثل مذهب مالك،
فيما إذا علم الإمام بعد فراغه، أو تذكر، أما لو علم أثناء الصلاة أو تذكر: فعنه روايتان.
وانظر: فتح الباري لابن رجب (3/ 597)، التمهيد (1/ 141)، مسائل صالح (90 و 987 و 1078 و 1278)، مسائل أبي داود (312).
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "وهذا المجمع عليه: الجنب يعيد، ولا يعيدون، ما أعلم فيه اختلافًا"[البيهقي (2/ 401)].
وقال ابن المبارك: "ليس في الحديث قوة لمن يقول: إذا الإمام بغير وضوء أن أصحابه يعيدون، والحديث الآخر: أثبت، أن لا يعيد القوم، هذا لمن أراد الإنصاف بالحديث"[البيهقي (2/ 401)].
وبهذا قال الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وغيرهم.
وقال حماد بن أبي سليمان، وعطاء: يعيدون [انظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 348 - 350)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 398)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 401)، تاريخ الدوري (3/ 476)، الأوسط (4/ 212 - 215)، مختصر الخلافيات (2/ 232)].
قال أبو بكر بن المنذر (4/ 214): "ومن حجة بعض من رأى أن لا إعادة على من صلى خلف جنب: خبر أبي هريرة، وخبر أبي بكرة.
قال: وفي خبر أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر، وفي ذلك في ليل على أن لا إعادة على المأموم؛ لأن حكم القليل من الصلاة كحكم الكثير فيمن صلى خلف جنب.
قال: ولو لم يكن في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، لكان فيما روي عن الخلفاء الراشدين في هذا الباب كفاية، وقد ثبت عن ابن عمر مثل قولهم، ولا نعلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولهم.
فأما ما حُدِّث عن علي: ففي الإسنادين جميعًا مقال، فكأن عليًّا لم يأتنا عنه في هذا الباب شيء؛ لضعف الروايتين وتضادهما، واللازم لمن يرى اتباع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخالف ما رويناه عن عمر وعثمان وابن عمر في هذا الباب.
والنظر مع ذلك دال على ذلك؛ لأن القوم لما صلوا كما أمروا، وأدوا فرضهم، ثم اختلف في وجوب الإعادة عليهم، لم يجز أن يلزموا إعادة ما صلوا على ظاهر ما أمروا به بغير حجة".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 179) معلقًا على تصرف البخاري إذ ترجم لحديث أبي هريرة (694) بقوله: "باب: إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه"، قال ابن رجب: "وقد استدل البخاري بهذا الحديث على أن من صلى خلف من لا يتم صلاته فأتم صلاته، فإن صلاته صحيحة، ودخل في هذا: من صلى خلف محدث، يعلم حدث نفسه أو لا يعلمه
…
، ومن صلى خلف إمام يؤخر الصلاة عن مواقيتها،
…
، ومن صلى خلف من ترك ركنًا أو شرطًا، في صلاته متأولًا، والمأموم يخالف تأويله،
…
".
2 -
وفيه: جواز الخروج من المسجد لعلة.
3 -
وفيه: جواز عبور الجنب في المسجد لحاجة.
4 -
وفيه: أن الجنب إذا ذكر في المسجد فيخرج كما هو، ولا يتيمم.
5 -
وفيه: جواز النسيان على الأنبياء في أمر العبادة لأجل التشريع.
6 -
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الصلاة ولم يمسك بأنفه موهمًا أنه رعف، فلما قضى الصلاة أخبرهم بأنه كان جنبًا، فلا ينبغي للمؤمن أن يستحيي من ذلك، فإن النسيان وارد على البشر جميعًا حتى الأنبياء؛ لذا قال صلى الله عليه وسلم:"إنما أنا بشر"، ومقام البشرية لا ينفك عن مثل ذلك.
وحديث أبي بكرة وأنس، وكذا حديث أبي هريرة المتفق عليه الآتي، هذه الأحاديث الثلاثة الثابتة، لا سيما ما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة: أثبت من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف"، فإنه مختلف في وصله وإرساله، وسيأتي تحقيق القول فيه إن شاء الله تعالى في تخريج السنن برقم (1114).
7 -
وفيه: دليل على جواز تأخير الاغتسال عن وقت الحدث.
***
235 -
. . . الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس:"مكانكم"، ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينطف رأسه، وقد اغتسل، ونحن صفوف.
وفي رواية: فلم نزل قيامًا ننتظره حتى خرج علينا، وقد اغتسل.
• حديث متفق على صحته
وفي رواية يونس عند مسلم: أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف، قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر، ذكر فانصرف، وقال لنا:"مكانكم" فلم نزل قيامًا ننتظره حتى خرج إلينا، وقد اغتسل، ينطف رأسه ماءً، فكبر فصلى بنا.
وفي رواية صالح عند البخاري (639): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وقد أقيمت الصلاة، وعُدِّلت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف، قال:"على مكانكم"، فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماءً، وقد اغتسل.
أخرجه البخاري (275 و 639 و 640)، ومسلم (605)، وأبو عوانة (1/ 370 و 371/ 1342 - 1345)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 202/ 1343 - 1345)، والنسائي