المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌138 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٩

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌130 - باب تخفيف الأخريين

- ‌15).***131 -باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌132 - باب قدر القراءة في المغرب

- ‌133 - باب من رأى التخفيف فيها

- ‌باب تكميلي

- ‌باب القراءة في صلاة العشاء

- ‌134 - باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

- ‌135 - باب القراءة في الفجر

- ‌136 - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب

- ‌137 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام

- ‌138 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته

- ‌139 - باب ما يجزئ الأُمِّيَّ والأعجميَّ من القراءة

- ‌140 - باب تمام التكبير

- ‌141 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌142 - باب النهوض في الفرد

- ‌143 - باب الإقعاء بين السجدتين

- ‌144 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌145 - باب الدعاء بين السجدتين

- ‌(14/ 407)].***146 -باب رفع النساء إذا كنَّ مع الرجال [وفي نسخة: مع الإمام] رؤوسهنَّ من السجدة

- ‌147 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌148 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌149 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يُتمُّها صاحبها تُتَمُّ من تطوُّعِه

- ‌150 - باب تفريع أبواب الركوع والسجود ووضع اليدين على الركبتين

- ‌151 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌152 - باب في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌153 - باب الدعاء في الصلاة

- ‌154 - باب مقدار الركوع والسجود

- ‌155 - باب أعضاء السجود

- ‌(1/ 236/ 2716).***156 -باب في الرجل يدرك الإمام ساجدًا كيف يصنع

- ‌157 - باب السجود على الأنف والجبهة

- ‌(1/ 306).158 -باب صفة السجود

الفصل: ‌138 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته

التكبير من القراءة إذا كان موصولًا بها، أو للاستراحة، والفصل بينها وبين الركوع، ومن قال: بعد الفاتحة؛ فقد وهِم، وإن ثبتت جدلًا فلا دلالة فيها على أنها بمقدار ما يقرأ فاتحة الكتاب، ولو كانت السكتتان كل واحدة منهما بمقدار قراءة فاتحة الكتاب لكان ذلك مستفيضًا، ونقلُه شائعًا ظاهرًا، كما قال الجصاص، وفي الجملة: فإن هاتين السكتتين: أولاهما لاستفتاح الصلاة، فلا يُقرأ فيها بالفاتحة، وأما الثانية فيسيرة جدًّا لا تكفي لقراءة الفاتحة، فإن تحين المأموم سكتة طويلة للإمام غير هاتين السكتتين فقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وأنصت حال الجهر، فهو حسن، والله الموفق للصواب، والهادي إلى سواء السبيل.

***

‌138 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته

828 -

قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: حدثنا شعبة. (ح)، وحدثنا محمد بن كثير العبدي: أخبرنا شعبة - المعنى -، عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فجاء رجل فقرأ خلفه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، فلما فرغ، قال:"أيكم قرأ؟ "، قالوا: رجل، قال:"قد عرفتُ أن بعضَكم خالجنيها".

قال أبو داود: قال أبو الوليد في حديثه: قال شعبة: فقلت لقتادة: أليس قول سعيد: أنصِتْ للقرآن؟ قال: ذاك إذا جهر به.

قال ابن كثير في حديثه: قال: قلت لقتادة: كأنه كرهه؟، قال: لو كرهه نهى عنه.

***

• حديث صحيح.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في السنن (2/ 162)، وفي القراءة (363)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 52).

وأخرجه من طريق أبي الوليد الطيالسي: البخاري في القراءة خلف الإمام (98)، وابن قانع في المعجم (2/ 253)، والطبراني في الكبير (18/ 211 / 520)، والبيهقي (2/ 162).

ولم أقف على من أخرجه من طريق محمد بن كثير العبدي غير ما تقدم.

• ورواه أيضًا عن شعبة بنحوه: محمد بن جعفر غندر، وأبو داود الطيالسي [وصرح قتادة في روايتهما بالسماع]، ويحيى بن سعيد القطان، وسليمان بن حرب، وبهز بن أسد، وعمرو بن مرزوق، وشبابة بن سوار [وهم ثقات]:

ص: 197

قال الطيالسي، وبهز، وشبابة، وعمرو بن مرزوق في حديثهم: قال شعبة: فقلت لقتادة: كأنه كرهه؟، فقال: لو كرهه لنهانا عنه [القراءة خلف الإمام للبخاري (88)، الطيالسي، الجعديات، سنن الدارقطني. القراءة للبيهقي (364)].

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (88 و 94 و 99)، ومسلم (398/ 48)، وأبو عوانة (1/ 457 / 1693)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 21 / 883)، والنسائي في المجتبى (2/ 140/ 917) و (3/ 247/ 1744)، وفي الكبرى (1/ 474/ 991)، وابن حبان (5/ 155/ 1847)، وأحمد (4/ 426 و 441)، والطيالسي (2/ 185/ 891)، والبزار (9/ 72/ 3601)، والروياني (106)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (953)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 249/ 498)[ووقع في إسناده خطأ، تصحيحه من سنن النسائي]، والطبراني في الكبير (18/ 211/ 520)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (315)، والدارقطني (1/ 405)، والبيهقي في السنن (2/ 162)، وفي القراءة (362 م و 364)، وفي المعرفة (2/ 48/ 913).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى إلا عن عمران بن حصين، ولا نعلم له طريقًا عن عمران إلا هذا الطريق، وإسناده جيد".

وانظر فيمن وهم فيه على شعبة: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 358/ 175).

***

829 -

. . . سعيد، عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فلما انفتل، قال:"أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ "، فقال رجل: أنا، فقال:"قد علمتُ أن بعضَكم خالجنيها".

• حديث صحيح.

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (100)، ومسلم (398/ 49)، وأبو عوانة (1/ 457/ 1694)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 21 / 884)، وأحمد (4/ 426 و 431)، وابن أبي شيبة (1/ 313/ 3582) و (1/ 330/ 3777)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2530 و 2531)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 207)، والطبراني في الكبير (18/ 212/ 525)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (992).

رواه عن سعيد بن أبي عروبة: يزيد بن زريع، وإسماعيل ابن علية، وعبدة بن سليمان، وابن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن عبد الله الأنصاري.

• ورواه أيضًا عن قتادة:

أبو عوانة، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، ومعمر بن راشد [وهم ثقات]، وأيوب بن أبي مسكين أبو العلاء القصاب [لا بأس به]، وإسماعيل بن مسلم المكي [وهو ضعيف]:

ص: 198

عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر أو العصر، فقال:"أيكم قرأ خلفي بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ "، فقال رجل: أنا، ولم أُرِد بها إلا الخير، قال:"قد علمتُ أن بعضَكم خالجنيها". لفظ أبي عوانة.

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (96 و 97 و 106 و 253 و 254 و 293)، ومسلم (398/ 47)، وأبو عوانة (1/ 457/ 1695)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 21/ 882)، والنسائي في المجتبى (2/ 140/ 918)، وفي الكبرى (1/ 474/ 992)، وابن حبان (5/ 154 و 155/ 1845 و 1846)، وعبد الرزاق (2/ 136/ 2799)، والحميدي (2/ 83/ 857)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (1893 و 2529)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 207)، وفي أحكام القرآن (1/ 249/ 499)، والطبراني في الكبير (18/ 210 - 212/ 519 و 521 - 524)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (118).

• خالف أصحاب قتادة، فوهم فيه وهمًا قبيحًا:

الحجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين]، فرواه عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ، قال:"من ذا الَّذي يخالجني سورتي؟ "، فنهاهم عن القراءة خلف الإمام.

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 228)، والدارقطني (1/ 326 و 405)، والبيهقي في السنن (2/ 162)، وفي القراءة (360 و 362).

من طريق: سلمة بن الفضل: ثنا الحجاج به.

قال ابن صاعد: "قوله: فنهى عن القراءة خلف الإمام: تفرد بروايته حجاج، وقد رواه عن قتادة: شعبة، وابن أبي عروبة، ومعمر، وإسماعيل بن مسلم، وحجاج بن حجاج، وأيوب بن أبي مسكين، وهمام، وأبان، وسعيد بن بشير، فلم يقل أحد منهم ما تفرد به حجاج، بل قد قال شعبة: سألت قتادة: كأنه كرهه، فقال: لو كرهه لنهى عنه"[الكامل، القراءة للبيهقي (0 36)، السنن، مختصر الخلافيات (2/ 127)].

وقال الدارقطني: "ولم يقل هكذا غير حجاج، وخالفه أصحاب قتادة، منهم: شعبة وسعيد وغيرهما، فلم يذكروا أنَّه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به".

وقال أيضًا: "قوله: فنهاهم عن القراءة خلف الإمام، وهمٌ من حجاج، والصواب: ما رواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما عن قتادة".

وقال البيهقي في القراءة (166): "وفي هذا دلالة على أن قوله: فنهى عن القراءة خلف الإمام، توهمٌ من الحجاج بن أرطاة؛ لا أنَّه سمعه من قتادة، وللحجاج من أمثال ذلك ما لا يمكن ذكره ها هنا لكثرته، ولذلك سقط عند أهل العلم بالحديث عن حد الاحتجاج به".

ثم قال: "وهذا الحديث مما تفرد بروايته عنه سلمة بن الفضل الأبرش، وسلمة بن

ص: 199

الفضل قد تكلموا فيه، ثم إن كان كره النبي صلى الله عليه وسلم من قراءته شيئًا فإنما كره جهره بالقراءة خلف الإمام، ألا تراه قال:"أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ "، فلولا أنَّه رفع صوته بقراءة هذه السورة؛ وإلا لم يسمِّ له ما قرأ، ونحن نكره للمأموم رفع الصوت بالقراءة خلف الإمام، فأما أن يترك أصل القراءة فلا".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 52): "ليس في هذا الحديث دليل على كراهية ذلك [يعني: كراهية القراءة خلف الإمام في السرية]؛ لأنَّه لو كرهه لنهى عنه، وإنما كره رفع صوت الرجل بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في صلاةٍ سُنتها الإسرارُ بالقراءة".

وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على قتادة: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 358/ 175).

• تابع قتادة عليه:

محبوب بن الحسن بن هلال بن أبي زينب [ليس به بأس، ليَّنه أبو حاتم، وضعفه النسائي. التهذيب (3/ 542)، الميزان (3/ 514)]: حدثنا خالد [هو: ابن مهران الحذاء: ثقة مشهور]، عن زرارة بن أوفى القشيري، عن عمران بن حصين بنحو حديث قتادة.

أخرجه أحمد (4/ 433).

وإسناده لا بأس به، والحديث مشهور عن قتادة، صحيح عنه.

وله طريق أخرى فيها ضعف [عند: عبد الرزاق (2/ 136/ 2798)].

• وروي نحو حديث عمران هذا من حديث عمر بن الخطاب [عند: البيهقي في القراءة (136)، وضعفه، [وهو حديث باطل؛ تفرد به: عبد المنعم بن بشير الأنصاري المصري، وهو منكر الحديث، متهم بالوضع. اللسان (5/ 281)].

• وفي الباب:

1 -

عن ابن مسعود:

يرويه يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم كانوا يقرؤون القرآن فيجهرون به [وفي رواية: كان الناس يجهرون بالقراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم][وفي رواية: كنا نقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال]: "خلطتم عليَّ القرآن"، وكنا نسلِّم في الصلاة، فقيل لنا:"إن في الصلاة لشغلًا".

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (248)، والترمذي في العلل (159)، وابن ماجة (1019)، وأحمد (1/ 451)، وابن أبي شيبة (1/ 330/ 3778)، والبزار (5/ 440/ 2078 و 2079)(1/ 239/ 488 - كشف)، وأبو يعلى (8/ 423/ 5006) و (9/ 5397/275 و 5398)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (187 - 190 و 2532 و 2533)، والطحاوي (1/ 217)، والدارقطني (1/ 341)، والبيهقي في القراءة (365 و 368 و 369 و 449)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 32 و 49).

رواه عن يونس: أبو أحمد الزبيري، والنضر بن شميل، وحجاج بن محمد.

وانظر فيمن وهم في إسناده على أبي أحمد الزبيري: معجم شيوح الإسماعيلي (2/ 649).

ص: 200

وهذا إسناد غريب، ويونس بن أبي إسحاق: ليس به بأس، لكنه ليس بالقوي في أبيه، في حديثه عن أبيه اضطراب، ضعَّف أحمد حديثه عن أبيه، وقال:"حديثه مضطرب"[التهذيب (4/ 466)، الميزان (4/ 483)، شرح علل الترمذي (2/ 711 و 813)]، وقد تفرد عن أبيه بالطرف الأول، وتوبع على الثاني:

• تابعه على شقه الثاني: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: خرجت في حاجةٍ، ونحن يسلِّم بعضنا على بعض في الصلاة، ثم رجعت فسلمت، فلم يَرُدَّ عليَّ، وقال:"إن في الصلاة شغلًا".

أخرجه الطحاوي (1/ 455)، والطبراني في الكبير (10/ 112/ 10131).

وهذا إسناد صحيح، وإسرائيل ثبت في جده أبي إسحاق.

قال الترمذي عن حديث يونس: "سألت محمدًا [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟

فقال: لا أعرفه إلا من هذا الوجه من حديث يونس بن أبي إسحاق".

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله إلا يونس بن أبي إسحاق".

وقال ابن عبد البر: "هذا يحتمل أن يكون هذا في صلاة الجهر وهو الظاهر؛ لأنهم لا يخلطون إلا برفع أصواتهم، فلا حجة فيه للكوفيين، وكذلك من قال: إنما نهاهم عما عدا فاتحة الكتاب بعيد قوله، وغير ظاهر معناه في هذا الحديث".

وقال البخاري في معناه: "علت أصواتكم، فشغلتموني برفعها فوق صوتي، فخلطتم عليَّ"[خلق أفعال العباد (111)].

وقال أبو العباس بن تيمية: "فهذا كراهة منه لمن نازعه وخالجه وخلط عليه القرآن، وهذا لا يكون ممن قرأ في نفسه بحيث لا يسمعه غيره، وإنما يكون ممن أسمع غيره، وهذا مكروه لما فيه من المنازعة لغيره، لا لأجل كونه قارئًا خلف الإمام، وأما مع مخافتة الإمام فإن هذا لم يرد حديث بالنهي عنه"[مجموع الفتاوى (23/ 284)].

• وأما شقه الثاني في التسليم في الصلاة فهو ثابت من طرق أخرى:

فقد رواه الشيخان من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يردَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله! إنا كنا نسلم عليك [في الصلاة] فتردُّ علينا؟ قال: "إن في الصلاة شُغْلًا".

أخرجه البخاري (1199 و 1216 و 3875)، ومسلم (538)، ويأتي تخريجه في السنن برقم (923) إن شاء الله تعالى.

• وقد روى سفيان الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، وسفيان بن عيينة، ووهيب بن خالد، وأيوب السختياني، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وروح بن القاسم، وزائدة بن قدامة [وهم ثقات]:

ص: 201

عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائل؛ أن رجلًا سأل ابن مسعود رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام؟ [وفي رواية: جاء رجل إلى عبد الله فقال: أقرأ خلف الإمام؟]، فقال: أنصت للقرآن؟ فإن في الصلاة لشغلًا، وسيكفيك ذاك الإمام.

أخرجه محمد بن الحسن في زياداته على موطأ مالك (119 و 121)، وفي الحجة (9/ 111 و 120)، وعبد الرزاق (3/ 138/ 2803)، وابن أبي شيبة (1/ 330/ 3780)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 102/ 1310)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 219)، وفي أحكام القرآن (1/ 250/ 501)، والطبراني في الكبير (9/ 264/ 9311) و (10/ 194/ 10435)، والبيهقي في السنن (2/ 160)، وفي القراءة (373 و 374)، وابن عبد البر في التمهيد (30/ 11).

قال ابن المنذر بأنه ثابت [الأوسط (3/ 104)].

وهو موقوف على ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

• وأما ما روي عن محمد بن الهيثم بن يزيد أبي جعفر الواسطي [لم أجد له ترجمة، والأسانيد إليه لا تخلو من مقال]: نا أحمد بن محمد العجلاني مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه[وفي رواية: أحمد بن عبد الله بن ربيعة بن العجلان]: نا سفيان الثوري، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً [وفي رواية: صلاة الصبح، فقرأ سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}]، فلما سلم قال:"أيكم قرأ خلفي؟ "، فسكت القوم، فقال:"أيكم قرأ خلفي؟ "، فقال رجل: أنا يا رسول الله، فقال:"ما لي أنازع القرآن؟ إذا صلى أحدكم خلف إمام فليصمت، فإن قراءته له قراءة، وصلاته له صلاة".

أخرجه الطبراني في الأوسط [عزاه إليه في اللسان (1/ 500)]، والبيهقى في القراءة (367)، والخطيب في التاريخ. (11/ 426).

قال الطبراني: "لم يروه عن الثوري إلا أحمد بن عبد الله بن ربيعة".

وقال الخطيب: "وهو شيخ مجهول".

وقال البيهقي: "قال لنا أبو عبد الله رحمه الله[يعني: الحاكم]: هذا حديث لم نكتبه إلا عن هذا الشيخ بهذا الإسناد، ولا سمعنا أحدًا من فقهاء أهل الكوفة ذكره في هذا الباب، فلو ثبت مثل هذا عن الثوري عن مغيرة؛ لكان لا يخفى على أئمة أهل الكوفة، وأحمد بن محمد العجلان هذا لا نعرفه، ولم نسمع بذكره إلا في هذا الخبر، وإنما الخبر المروي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "خلطتم عليَّ القرآن" في الجهر بالقراءة خلفه".

ثم زاد البيهقي في تأكيده على ضعف هذا الخبر: أن لا قائل بجملته الأخيرة: "وصلاته له صلاة"؛ فإن كان المأموم يترك القراءة لأجل قراءة الإمام - على قول المحتج بهذا الخبر -؛ فلا يترك صلاته لأجل صلاة الإمام، والله أعلم.

ص: 202

وقال الذهبي: "هذا حديث منكر بهذا السياق"[الميزان (1/ 109)].

قلت: هو حديث باطل؛ لتفرد هذا العجلاني المجهول بهذا الإسناد الكوفي، لا سيما تفرده به عن سفيان الثوري، والله أعلم.

• وله طرق أخرى عن ابن مسعود موفوفًا عليه، ولا يصح [انظر: المعجم الكبير (9/ 264/ 9312 و 9313)].

2 -

حديث أبي الدرداء:

رواه عبد الرحمن بن مهدي، وبشر بن السري، وعبد الله بن وهب، وحماد بن خالد، وزيد بن الحباب، وعبد الله بن صالح كاتب الليث:

عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية حُدير بن كُريب، عن كثير بن مرة الحضرمي، قال: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي كل صلاة قراءة؟ قال: "نعم"، فقال رجل من الأنصار: وجبت هذه.

زاد في روايةٍ عن زيد بن الحباب: [قال كثير بن مرة:] فالتفت إليَّ أبو الدرداء، وكنت أقربَ القوم منه، فقال: يا ابن أخي! ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم.

وفي رواية ابن مهدي وابن وهب وحماد بن خالد وعبد الله بن صالح [في رواية عنه]: فالتفت إليَّ أبو الدرداء، وكنتُ أقربَ القوم منه، فقال: يا كثير! ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا وقد كفاهم. لفظ ابن خالد.

وهو حديث حسن، وشطره الأخبر موقوف على أبي الدرداء قوله، خلافًا لمن وهم في رفعه، فقال: فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ، وكنت أقرب القوم منه، فقال:"ما أرى الإمام إذا أمَّ القوم إلا قد كفاهم"، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (797).

3 -

حديث جابر:

رواه يحيى بن سلام: ثنا مالك بن أَنس: ثنا وهب بن كيسان، عن جابر بن عبد الله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل صلاة لا يُقرأ فيها بأُم الكتاب فهي خداج؛ إلا أن يكون وراء إمام".

أخرجه الطحاوي (1/ 218)، وابن عدي في الكامل (7/ 253)، والدارقطني (1/ 327)، والبيهقي في القراءة (349).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد: لم يرفعه عن مالك غير يحيى بن سلام، وهذا الحديث في الموطأ من قول جابر موقوفًا.

ثم قال في آخر ترجمة يحيى بن سلام: "وليحيى بن سلام غير ما ذكرت من الحديث، وأنكر ما رأيت له هذه الأحاديث التي ذكرتها، وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه".

وقال الدارقطني في السنن: "يحيى بن سلام: ضعيف؛ والصواب موقوف".

وقال في العلل (13/ 389/ 3281): "والصحيح عن مالك: موقوفًا".

وقال الحاكم: "وهم يحيى بن سلام على مالك بن أَنس في رفع هذا الخبر،

ص: 203

ويحيى بن سلام كثير الوهم، وقد روى مالك بن أَنس هذا الخبر في الموطأ عن وهب بن كيسان عن جابر من قوله".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 469): "وهو حديث لا يصح إلا موقوفًا على جابر".

وقال في التمهيد (11/ 48): "لم يرو هذا الحديث أحد من رواة الموطأ مرفوعًا، وإنما هو في الموطأ موقوف على جابر من قوله، وانفرد يحيى بن سلام برفعه عن مالك، ولم يتابع على ذلك، والصحيح فيه: أنَّه من قول جابر".

وقال بنحوه أيضًا: عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 380)[وانظر: كان الوهم (2/ 241/ 236) و (2/ 302/ 292) و (3/ 280/ 1027)].

قلت: رفعُه عن مالك منكر؛ فقد تفرد برفعه عنه: يحيى بن سلام، وهو: ليس بالقوي، له مناكير، وهذا منها [سؤالات البرذعي (339)، الجرح والتعديل (9/ 155)، الثقات (9/ 261)، الكامل (7/ 253)، سنن الدارقطني (1/ 327) و (2/ 186)، علل الدارقطني (5/ 229) و (6/ 308) و (9/ 202) و (13/ 389) و (15/ 34)، سنن البيهقي (2/ 160) (5/ 25)، التمهيد (12/ 54)، السير (9/ 396)، تاريخ الإسلام (14/ 442)، اللسان (8/ 447)، وانظر: ما تقدم تحت الحديث رقم (678)، الشاهد رقم (11)]، والمعروف عن مالك موقوف.

• فقد رواه معن بن عيسى [ثقة ثبت، قال أبو حاتم: "هو أثبت أصحاب مالك"]، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [ثقة حجة، مقدَّم في مالك]، ويحيى بن يحيى الليثي، وأبو مصعب الزهري، وعبد الله بن وهب، وعبد الرزاق بن همام [وهم ثقات]، وإسماعيل بن موسى الفزاري السدي، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وسويد بن سعيد الحدثاني، ومحمد بن الحسن الشيباني [متكلَّم فيهم، ومنهم من ضُعِّف]:

عن مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، أنَّه سمع جابر بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قول: من صلى ركعةً لم يقرأ فيها بأُم القرآن فلم يصلِّ؛ إلا وراء الإمام.

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 135/ 223 - رواية يحيى الليثي)(124 - رواية القعنبي)(233 - رواية أبي مصعب الزهري)(89 - رواية الحدثاني)(13 1 - رواية الشيباني).

ومن طريقه: البخاري في القراءة خلف الإمام (279)، والترمذي (313)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 117)، وعبد الرزاق (2/ 121/ 2745)، والطحاوي (1/ 218)، والدارقطني (1/ 327)، والبيهقي في السنن (2/ 160)، وفي القراءة (351 و 354 - 358)، وفي المعرفة (1/ 537/ 750).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال البيهقي في السنن: "هذا هو الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع".

وقد روى السري بن خزيمة هذا الحديث عن إسماعيل السدي به موقوفًا، ثم قال:

ص: 204

"لا أجعل في حلٍّ من روى عني هذا الخبر مرفوعًا؛ فإنه في كتابي موقوف"، وقال أيضًا:"ما حدثت بهذا الحديث إلا هكذا، فمن ذكره عني مسندًا فقد كذب".

• وتابع مالكًا على وقفه أيضًا:

الوليد بن أبي هشام [ثقة]، عن وهب بن كيسان، قال: قال جابر بن عبد الله: من لم يقرأ في كل ركعة بأُم القرآن فلم يُصلِّ؛ إلا خلف الإمام.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 317/ 3621).

فهو صحيح موقوف على جابر.

• قلت: والمعروف في هذا عن جابر أيضًا ما رواه:

مسعر بن كدام: حدثني يزيد بن صهيب الفقير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: يُقرأ [وفي رواية: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام] في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة [سواها]، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وكنا نتحدث أنَّه: إلا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما فوق ذاك"، وفي رواية: "لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب".

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (281)، وابن ماجة (843)، والطحاوي (1/ 210)، وأبو الشيخ في جزء من حديثه بانتقاء ابن مردويه (134)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 132)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 269)، والبيهقي في السنن (2/ 63 و 170)، وفي القراءة خلف الإمام (47 و 48 و 228 و 359).

وهذا إسناد صحيح؛ وقد أخرج الشيخان ليزيد بن صهيب عن جابر.

قال البيهقي: "إذا قال الصحابي: كنا نتحدث، أو: كنا نرى؛ كان ذلك إخبارًا عن نفسه وعن جماعة من الصحابة تقدموا، وقد يكون تحدثهم بذلك عن سماعٍ وقع لهم أو لبعضهم من المصطفى صلى الله عليه وسلم".

4 -

حديث أبي هريرة:

رواه أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذ صلى جالسًا فصلوا جلوسًا".

تقدم برقم (604)، وهو حديث شاذ بهذه الزيادة:"وإذا قرأ فأنصتوا"، ورويت هذه الزيادة من طرق أخرى، ورُويت أيضًا من حديث أَنس [برقم (601)]، ومن حديث أبي موسى الأشعري [تحت الحديث رقم (607)]، ومما قلت في الموضع الأخير:

والحاصل: أن هذه الزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا": لا تثبت، لا من حديث أَنس، ولا من حديث أبي هريرة، ولا من حديث أبي موسى الأشعري، فهي زيادة منكرة من حديث الزهري عن أَنس، وهي وهْمٌ من ابن عجلان في حديث أبي هريرة، وهي وهمٌ من سليمان التيمي في حديث أبي موسى، غير محفوظة من حديث قتادة.

ص: 205

ثم أقول: ويغني عن هذه الزيادة الشاذة: قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف: 204]، وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة، وذكر أحمد بن حنبل الإجماع على أنها نزلت في الصلاة، وسبق نقل ذلك في موضعه.

5 -

حديث أبي هريرة:

رواه الوليد بن مزيد، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج:

عن الأوزاعي: ثنا عبد الله بن عامر: حدثني زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن هذه الآية:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} ، قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة.

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (9/ 163)، وابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1645/ 8726)، والدارقطني (1/ 326)، وتمام في الفوائد (156)، والبيهقي في القراءة (279)، والواحدي في التفسير الوسيط (2/ 440)، وفي أسباب النزول (250)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 70 - 71) و (36/ 210)، وفي جزء من حديث أهل حُردان (1 - 3).

قال الدارقطني: "عبد الله بن عامر: ضعيف".

قلت: هو الأسلمي المدني، ضعفوه، ولا يصح حديثه هذا.

6 -

حديث علي بن أبي طالب:

يرويه غسان بن الربيع [صالح في المتابعات، وقد ضُعِّف. تقدمت ترجمته تحت الحديث (199)]، عن قيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به، فهو جيد في المتابعات]، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي، قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أقرأ خلف الإمام، أو أنصت؟ قال:"بل أنصت؛ فإنه يكفيك".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 155)، والدارقطني (1/ 330)، والبيهقي في القراءة (411 و 412).

• خالفه علي بن عاصم [الواسطي: كثير الغلط والوهم، فإذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم. التهذيب (3/ 173)، الميزان (3/ 135)، إكمال مغلطاي (9/ 350)]، فرواه عن محمد بن سالم، عن الشعبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا قراءة خلف الإمام".

أخرجه الدارقطني (1/ 330)، والبيهقي في القراءة (413).

قال ابن عدي: "وهذا لا يرويه غير محمد بن سالم عن الشعبي، وليس بالمحفوظ، وقيس بن الربيع يرويه عنه"، ثم قال عن محمد بن سالم:"والضعف على رواياته بيِّن".

وقال الدارقطني: ""هذا مرسل".

ص: 206

وقال بعد رواية غسان: "تفرد به غسان، وهو ضعيف، وقيس ومحمد بن سالم: ضعيفان، والمرسل الذي قبله أصح منه، والله أعلم".

وقال في العلل (4/ 21/ 412): "محمد بن سالم: متروك الحديث، والحارث إذا تفرد لم يثبت حديثه، فلم يروه عن محمد بن سالم غير قيس بن الربيع، وهو: ضعيف الحديث، وغيره يرويه عن محمد بن سالم عن الشعبي مرسلًا".

وقال أبو علي الحافظ: "حديث محمد بن سالم عن الشعبي عن الحارث عن علي رضي الله عنه: لا تتفكر فيه؛ فإنه حديث باطل، ومحمد بن سالم: متروك الرواية عنه، وبالله التوفيق".

وقال الحاكم: "هذا خبر في إسناده ومتنه وهمٌ من أوجه كثيرة"، ثم تكلم في الحارث وابن سالم وقيس، وفي مخالفته الثابت عن علي في هذا.

قلت: هو حديث باطل، وقد تلوَّن فيه محمد بن سالم الهمداني أبو سهل الكوفي، وهو: متروك، منكر الحديث [التهذيب (3/ 568)]، فرواه مرة متصلًا، ومرة مرسلًا، ولا يصح عن الشعبي لا متصلًا ولا مرسلًا.

• ومما روي عن علي موقوفًا، ولا يصح:

ما رواه عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى، عن أبيه، عن علي، قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة. وفي سنده اختلاف.

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (46) تعليقًا، ووصله: عبد الرزاق (2/ 137/ 2801)، وابن أبي شيبة (1/ 330/ 3781)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 965 و 966/ 4132 و 4133 - السفر الثاني)، والطحاوي في أحكام القرآن (500)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 316)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1078/ 2323)، وابن عدي في الكامل (6/ 187 و 229)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (1/ 363)، والدارقطني في السنن (1/ 331 و 332)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (414 - 424)، وعلقه أيضًا: ابن حبان في المجروحين (2/ 5)، والدارقطني في العلل (4/ 20/ 412).

قال البخاري: "وهذا لا يصح؛ لأنه لا يعرف المختار، ولا يدرى أنه سمعه من أبيه، ولا أبوه من علي، ولا يحتج أهل الحديث بمثله، وحديث الزهري عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي: أولى وأصح".

وقال العقيلي: "ولا يصح،

، ولا يتابع عليه".

وقال ابن حبان: "وهذا شيء لا أصل له عن علي؛ لأن المشهور عن علي ما روى عنه عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يرى القراءة خلف الإمام، وابن أبي ليلى هذا رجل مجهول، ما أعلم له شيئًا يرويه عن علي غير هذا الحرف المنكر، الذي يشهد إجماع المسلمين قاطبة ببطلانه، وذلك أن أهل الصلاة لم يختلفوا من لدن الصحابة إلى يومنا هذا ممن ينسب إلى العلم منهم: أن من قرأ خلف الإمام تجزيه صلاته، وإنما اختار أهل

ص: 207

الكوفة ترك القراءة خلف الإمام فقط؛ لا أنهم لم يجيزوه، ففي إجماعهم على إجازة القراءة خلف الإمام دليل على بطلان رواية ابن أبي ليلى هذا".

وقال الدارقطني: "ولا يصح".

وضعفه البيهقي جدًّا، وأطال في بيان ذلك، ثم أتبعه بحديث ابن أبي رافع عن علي الآتي، ثم قال عنه:"وهذا الإسناد من أصح الأسانيد في الدنيا".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 50): "وهو خبر غير صحيح؛ لأن المختار وأباه: مجهولان، وقد عارض هذا الخبر عن علي ما هو أثبت منه، وهو خبر الزهري عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي".

وقال في الاستذكار (1/ 470): "وهو غير ثابت عن علي".

• وأصح ما في الباب عن علي:

هو ما رواه معمر بن راشد [ثقة ثبت، من أثبت الناس في الزهري]، وعبد الرحمن بن إسحاق، وإسحاق بن راشد، وسفيان بن حسين [وزاد في إسناده في بعض الروايات عنه: عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، وهي زيادة شاذة، [وهؤلاء الثلاثة الآخرون متكلم في روايتهم عن الزهري، وهم صالحون في المتابعات]:

عن الزهري، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: كان -يعني: عليًّا- يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، ولا يقرأ في الأخريين.

قال الزهري: وكان جابر بن عبد الله يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، وفي الأخريين بأم القرآن. لفظ عبد الرزاق عن معمر.

ولفظ يزيد بن زريع عن معمر: كان علي يقول: اقرؤوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر خلف الإمام بفاتحة الكتاب وسورة، وبنحوه لفظ عبد الأعلى السامي عنه.

ولفظ إسحاق: إذا لم يجهر الإمام في الصلوات فاقرأ بأم الكتاب وسورة أخرى في الأوليين من الظهر والعصر، وبفاتحة الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر، وفي الآخرة من المغرب، وفي الأخريين من العشاء.

أخرجه البخاري في القراءة (2 و 59)، وعبد الرزاق (2/ 100/ 2656)، وابن أبي شيبة (3/ 268/ 3774 - ط عوامة)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 219)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 103/ 1312)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 209)، وفي المشكل (12/ 52)، والدارقطني (1/ 322)، والحاكم (1/ 239)، والبيهقي في السنن (2/ 168)، وفي المعرفة (2/ 56/ 926)، وفي القراءة (194 - 197 و 225 و 226).

قال الدارقطني في السنن: "وهذا إسناد صحيح".

وقال في العلل (4/ 20/ 412): "والصواب: قول من قال: عن ابن أبي رافع عن علي موقوفًا".

وقال أيضًا: "وهذا الحديث عن علي أحسن إسنادًا وأصح من الحديث الذي يرويه

ص: 208

الكوفيون"، ثم ذكر حديث: أخطأ الفطرة من قرأ خلف الإمام، ثم قال: [وهو أيضًا أصح إسنادًا من الحديث الذي يرويه محمد بن سالم عن الشعبي عن الحارث عن علي مرفوعًا: "يكفيك قراءة الإمام"،

".

وقال البيهقي في المعرفة: "وسماع عبيد الله بن أبي رافع من علي صحيح، وفي هذا دليل على خطأ ما روي عن علي بخلافه".

وقال في السنن: "وفي كل ذلك دلالة على ضعف ما روي عن علي رضي الله عنه بخلافه، بأسانيد لا يسوى ذكرها لضعفها".

وقال ابن عبد البر بأنه أصح شيء عن علي [التمهيد (11/ 35)].

وانظر فيمن وهم في رفعه، أو في متنه: شرح معاني الآثار (1/ 206)، علل الدارقطني (4/ 18/ 412)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (298).

قلت: هو موقوف على علي رضي الله عنه بإسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وقد أخرج الشيخان لعبيد الله عن علي، والله أعلم.

وليس فيه حجة لمن رأى القراءة خلف الإمام حال جهره بالقراءة، وإنما هو حجة لمن قال بالقراءة خلف الإمام في الصلاة السرية؛ الظهر والعصر، أو في الصلوات الجهرية حال المخافتة، أو عند عدم السماع، والله أعلم.

7 -

حديث ابن عباس:

يرويه أبو موسى إسحاق بن موسى الأنصاري [ثقة متقن]: ثنا عاصم بن عبد العزيز، عن أبي سهيل، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن النبي رضي الله عنه قال:"تكفيك قراءة الإمام، خافت أو جهر".

أخرجه الدارقطني (1/ 331 و 333)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 265)، والبيهقي في القراءة (432 و 433).

قال الدارقطني: "عاصم ليس بالقوي، ورفعه وهم".

وقال أيضًا: "قال أبو موسى: قلت لأحمد بن حنبل في حديث ابن عباس هذا في القراءة؟ فقال: هذا منكر"[انظر: الإتحاف (7/ 666/ 8720)، مختصر الخلافيات (2/ 131)].

وقال أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 132): "وهذا الحديث أيضًا لا يثبته أهل المعرفة بالحديث،

".

وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عون، لم يروه عنه إلا أبو سهيل، وهو نافع بن مالك بن أبي عامر، عم مالك بن أنس، يعد من تابعي أهل المدينة، سمع من أنس بن مالك، تفرد عنه: عاصم بن عبد العزيز، وهو الليثي".

وقال البيهقي: "وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ فيما قرئ عليه، قال: عاصم بن عبد العزيز الأشجعي الغالب على حديثه الوهم والخطأ، قال: وقال أبو علي الحسين بن

ص: 209

علي الحافظ: عون بن عبد الله هو عندي: ابن عبد الله بن عتبة، لم يسمع من ابن عباس شيئًا، وهو عندي وهم، فقد روي عن ابن عباس بخلافه، وروي بإسناد مظلم عن المسيب بن شريك، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعًا، وهو إن سلم ممن قبل المسيب فلا يسلم منه؛ فإنه ضعيف، ولا من الحسن بن عمارة؛ فإنه متروك، وروي بإسناد آخر مجهول، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أما تكتفوا بقراءتي؛ إن الإمام ضامن للصلاة"، ولسنا نقبل رواية المجهولين، ثم هو منقطع؛ الضحاك لم يلق ابن عباس".

قلت: ونهشل بن سعيد: متروك، متهم [التهذيب (4/ 243)] [وانظر: تحفة التحصيل (155 و 251)].

والحاصل: فإنه حديث منكر؛ كما قال الإمام أحمد، وعلته: تفرد عاصم بن عبد العزيز الأشجعي به، وهو: ليس بالقوي، قال البخاري:"فيه نظر"، وقال النسائي وأبو زرعة الرازي والدارقطني والبزار:"ليس بالقوي"، وذكره ابن حبان في الثقات، ثم أعاده في المجروحين، فقال:"كان ممن يخطئ كثيرًا، فبطل الاحتجاج به إذا انفرد"[تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (256)].

• وروى البيهقي في القراءة خلف الإمام (434)، بإسناد لا بأس به إلى: علي بن كيسان، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فلا صلاة؛ إلا وراء الإمام".

قال البيهقي في الخلافيات (2/ 131 - مختصره): "ورواه علي بن كيسان: شيخ مجهول، ولا يحتج بحديث المجهولين".

وقال في القراءة: "قال لنا أبو عبد الله لم نسمع بعلي بن كيسان إلا في هذا الإسناد"، ثم قال:"كيف يصح هذا عن ابن عباس وقد روينا عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: اقرأ خلف الإمام جهر أو لم يجهر، وفي رواية أخرى: عن عطاء عن ابن عباس: لا تدع فاتحة الكتاب جهر الإمام أو لم يجهر".

ثم أسند ما جاء عن ابن عباس بخلاف حديث علي بن كيسان هذا، من رواية العيزار بن حريث، وأبي العالية، كلاهما عن ابن عباس، في القراءة خلف الإمام (435 - 437)، قال في أحدها:"وهذا إسناد صحيح، لا غبار عليه".

قلت: أما رواية عطاء عن ابن عباس: ففي رواية أخرى: لا تدَعْ أن تقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة خلف الإمام، جهر أو لم يجهر، ولا يصح هذا عن عطاء بن أبي رباح؛ وقد سبق بيان ذلك تحت الحديث السابق برقم (809).

وبيَّنت هناك أيضًا ما صح عنه من طريق: إسماعيل بن أبي خالد، عن العيزار بن حريث، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر. وخرَّجت الآثار الواردة عنه في ذلك، والله أعلم.

ص: 210

8 -

حديث ابن عباس:

يرويه عبيد بن شريك: نا ابن أبي مريم: نا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة، فقرأ أصحابه وراءه فخلطوا عليه، فنزل:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، فهذه في المكتوبة، ثم قال ابن عباس: وإن كنا لا نستمع لمن يقرأ إنا إذًا لأجفى من الحمير.

أخرجه البيهقي في القراءة (255)، بإسناد صحيح إلى عبيد.

قال البيهقي: "وهذا إسناد فيه ضعف".

قلت: هو حديث ضعيف؛ عبد الله بن هبيرة لم يسمع من ابن عباس، ولم يُثبِت له البخاري ولا ابن أبي حاتم رواية عن صحابي [التاريخ الكبير (5/ 222)، الجرح والتعديل (5/ 194)]، وهو يُدخِل بينه وبين ابن عباس رجلًا، فمرة يدخل: ميمونًا المكي [راجع الحديث رقم (739)]، ومرة يدخل: حنشًا الصنعاني [راجع الحديث رقم (339)]، ومرة يدخل: عبد الرحمن بن وعلة [المسند لأحمد (1/ 316)، فضائل الصحابة (2/ 865/ 1616)، الكامل (4/ 152)]، ومرة يقول: عمن سمع ابن عباس [راجع الحديث رقم (26)].

وابن لهيعة: ضعيف، وعبيد بن عبد الواحد بن شريك: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر، وله أوهام [الثقات (8/ 434)، سؤالات الحاكم (154)، تاريخ بغداد (11/ 99)، تاريخ دمشق (38/ 208)، سير أعلام النبلاء (13/ 385)، اللسان (5/ 355)].

والمعروف في هذا: موقوف على ابن عباس [عند: البيهقي في القراءة (253 و 254 و 256)].

• وروى عبد اللّه بن محمد بن بشر بن صالح الدينوري الحافظ: نا عبد الله بن مصعب الزبيري [أظنه تحرف عن: عبيد الله بن محمد الفريابي، نزيل بيت المقدس، وهو شيخ للدينوري وابن جرير الطبري وغيرهما، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "مستقيم الحديث"، الجرح والتعديل (5/ 335)، الثقات (8/ 406)]: نا عيسى بن المغيرة [أظنه: ابن الضحاك الأسدي الحزامي، وهو: لا بأس به]: نا عاصم بن عمر [عاصم بن عمر بن حفص العمري: ضعيف]، عن حميد بن قيس [المكي الأعرج: ليس به بأس]، عن القاسم بن أبي بزة [ثقة]، عن سعيد بن جبير [ثقة ثبت فقيه]، عن ابن عباس، في هذه الآية:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]، قال: نزلت في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وفي الخطبة يوم الجمعة، وفي العيدين، فنهوا عن الكلام في الصلاة.

أخرجه البيهقي في القراءة (280)، بإسناد صحيح إلى الدينوري.

قلت: آفته هذا الدينوري شيخ أبي علي الحافظ، إن كان تفرد به، فإنه وإن كان حافظًا، وقبِله قومٌ وصدَّقوه؛ إلا إنه رمي بالكذب، وقال الدارقطني مرة:"متروك"، وقال أخرى:"يضع الحديث"[اللسان (4/ 573)، تاريخ دمشق (32/ 372)].

ص: 211

فإن سلم منه؛ فإن عاصمًا العمري: ضعيف، فلا يصح، والله أعلم.

ومما احتج به الحنفية على عدم وجوب القراءة على المأموم بإطلاقٍ حتى في الصلاة السرية؛ حديث: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، وهو مروي عن عدد من الصحابة، منهم:

8 -

حديث جابر:

وهو حديث يرويه: أبو حنيفة، عن [أبي الحسن] موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن جابر بن عبد الله، قال: صلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وخلفه رجل يقرأ، فنهاه رجل من أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تنازعا، فقال: أتنهاني عن القراءة خلف رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فتنازعا حتى بلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى خلف إمامٍ فإن قراءته له قراءة".

أخرجه محمد بن الحسن في زياداته على موطأ مالك (117)، وفي الآثار (1/ 111/ 86)، وفي الحجة على أهل المدينة (18/ 11 - 119)، وابن عدي في الكامل (7/ 10 و 11)، والدارقطني في السنن (1/ 323 و 324)، وفي العلل (13/ 373/ 3261)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 132)[وفي سنده تصحيف وسقط]، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (226 - 228)، والبيهقي في السنن (2/ 159)، وفي القراءة (335)، وفي المعرفة (2/ 49/ 915)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 544 - 545)، وفي الموضح (2/ 461 و 462).

هكذا رواه عن أبي حنيفة بهذا اللفظ: أسد بن عمرو البجلي [هو ابن عامر أبو المنذر: ليس بالقوي. اللسان (2/ 90)]، ومحمد بن الحسن الشيباني [ضعيف، كذبه ابن معين. انظر: اللسان (7/ 60) وغيره]، والحسن بن زياد اللؤلؤي [كذاب. اللسان (3/ 48)]، وعبد الله بن يزيد المقرئ [ثقة]، ومكي بن إبراهيم [ثقة ثبت]، وإسحاق بن يوسف الأزرق [ثقة][رواه مختصرًا بدون القصة، بلفظ: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"]، وابن إسحاق [صدوق، لكن في الإسناد إليه من اتُّهم]، وإبراهيم بن طهمان [ثقة يُغرب، وفي الإسناد إليه من لا يُعرف]، وسعد بن الصلت [هو جد شاذان لأمه، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 86)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات (6/ 378)، وقال: "ربما أغرب"، وقال الذهبي في السير (9/ 317): "هو صالح الحديث، وما علمت لأحد فيه جرحًا"، قلت: هو كثير التفرد عن المشاهير، وله مناكير وغرائب، والراوي عنه: إسحاق بن إبراهيم، المعروف بشاذان: صدوق، له مناكير وغرائب. اللسان (2/ 33)].

قال المقرئ: "أنا لا أقول: عن جابر، أبو حنيفة يقول، أنا بريء من عهدته"[الكامل (7/ 11)].

وفي كلام أبي عبد الرحمن المقرئ هذا دلالة على أن الصواب في هذا الحديث

ص: 212

الإرسال، وعدم ذكر جابر في الإسناد، لذا نبه المقرئ أن هذه الزيادة بوصل هذا الإسناد بذكر جابر فيه إنما هي من قول أبي حنيفة، وأن المقرئ برئ منها، والله أعلم.

وانظر في الأوهام: مسند أبي حنيفة لأبي نعيم (32).

• خالفهم: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، فرواه عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد، عن جابر به مرفوعًا.

أخرجه أبو يوسف في الآثار (113)، ومن طريقه: الحاكم في المعرفة (177).

هكذا رواه عن أبي يوسف: ابنه يوسف [نظر في الرأي وفقه وسمع الحديث وولي القضاء بعد أبيه، ولم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل، وهو راوي كتاب الآثار عن أبيه. الطبقات الكبرى (7/ 337)، الجرح والتعديل (9/ 234)، تاريخ بغداد (14/ 296)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 234)]، وخلف بن أيوب [العامري أبو سعيد البلخي: ضعفه ابن معين، وله مناكير تفرد بها عن الثقات. انظر: التهذيب (1/ 545)، الميزان (1/ 659)].

• خالفهما: عمرو بن عون الواسطي [ثقة ثبت]، وبشر بن الوليد الكندي [وهو صدوق، لكنه خرف، وصار لا يعقل ما يحدث به، تفقه بأبي يوسف. تاريخ بغداد (7/ 80)، اللسان (2/ 316)]، وعبد الرحمن بن واقد الواقدي بصدوق يغلط]:

فرووه عن أبي يوسف به مختصرًا، بدون ذكر أبي الوليد في الإسناد كالجماعة.

أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 10)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (226)، والبيهقي في القراءة (334)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 340).

• وقد رواه عن أبي يوسف: الليث بن سعد، وعنه: ابن وهب، واختلف عليه فيه:

أ- فرواه عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد [ثقة]: نا ابن وهب: حدثني الليث بن سعد، عن طلحة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبي الوليد، عن جابر؛ أن رجلًا صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر؛ يعني: فقرأ، فأومى إليه رجل فنهاه، فأبى، فلما انصرف قال: أتنهاني أن أقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فتذاكرا ذلك حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".

أخرجه البيهقي في القراءة (339).

قال أبو علي الحافظ: "هكذا كتبناه، وهو خطأ، إنما هو عن الليث بن سعد، عن يعقوب أبي يوسف، عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أبي الوليد، عن جابر"، ثم قال أبو علي:"والوهم من عبد الملك بن شعيب".

ب- خالفه: أحمد بن عبد الرحمن بن وهب [أكثر عن عمه، وهو صدوق تغير بآخره، كان مستقيم الأمر، ثم خلَّط بعدُ فحدث بما لا أصل له، حتى رمي بالكذب، وقد أنكروا عليه أحاديث تفرد بها عن عمه، ولا أصل لها، حتى اتهمه أبو زرعة بالوضع.

ص: 213

التهذيب (1/ 81)، إكمال التهذيب (1/ 75)، الميزان (1/ 113)، ضعفاء النسائي (71)، سؤالات البرذعي (2/ 711 و 712)، المجروحين (1/ 149)، المدخل إلى الصحيح (4/ 130)، [وانظر: ما تقدم برقم (148 و 714)]، قال: حدثنا عمي [عبد الله بن وهب]، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن النعمان بن ثابت، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن أبي الوليد [وفي رواية الطحاوي عن ابن أخي ابن وهب بدون زيادة: عن أبي الوليد، وكذا في رواية أبي نعيم الأصبهاني، والباقون بإثباتها]، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 217)، وفي أحكام القرآن (1/ 248/ 489)، وابن عدي في الكامل (7/ 10)، والدارقطني في السنن (1/ 325)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (227)، والحاكم في المعرفة (178)، والبيهقي في القراءة (340 م).

وممن رواه أيضًا عن أبي حنيفة بهذه الزيادة في الإسناد: عن أبي الوليد: زفر بن الهذيل [ثقة. اللسان (3/ 501)].

أخرجه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (228) بإسناد فيه من يجهل حاله، ومن ثم فلا يصح الإسناد إليه، ولذلك يمكن أن يقال بأن أبا يوسف هو المتفرد بزيادة أبي الوليد في الإسناد.

قال الدارقطني: "أبو الوليد هذا مجهول، ولم يذكر في هذا الإسناد جابرًا غير أبي حنيفة"[وكذا قال في العلل (13/ 372/ 3261)].

وقال في العلل (13/ 372/ 3261): "وطلحة هذا: مجهول".

وقال أيضًا (13/ 373/ 3261) بأن قول ابن أخي ابن وهب أشبه بالصواب؛ يعني: من رواية عبد الملك بن شعيب حيث وهم فيه بذكر طلحة، وإسقاط أبي حنيفة وأبي يوسف من الإسناد.

وقال في الأفراد (1/ 300/ 1589 - أطرافه): "غريب من حديث الليث بن سعد عن أبي يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة، تفرد به: عبد الله بن وهب، ولا نعلم حدث به غير ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن.

وخالفه: عبد الملك بن شعيب بن الليث، فرواه عن ابن وهب عن الليث عن طلحة عن موسى، وطلحة هذا: مجهول، وقول أحمد عن عمه: أشبه بالصواب.

ورواه أبو بكر بن أبي داود عن عبد الملك بن شعيب، فقال في حديثه: عن طلحة، وفيه: قال عبد الله بن شداد: عن أبي الوليد عن جابر.

قال ابن أبي داود: طلحة هذا لا يعرف، وأبو الوليد لا يعرف.

وقد روى هذا الحديث عن موسى: سفيان، وشعبة، وإسرائيل، وشريك، وأبو الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، وأبو خالد الدالاني، ومحمد بن شيبة بن نعامة، ولم يسندوه عن موسى، ويرسلونه، فليس بحجة.

ص: 214

ولم يسنده إلا أبو حنيفة مختصرًا، وأحسب أن الليث أخطأ في اسم أبي حنيفة، فقال: طلحة، وما كان هذا عند أحد إلا عند عبد الملك بن شعيب، ورواه إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة مختصرًا قوله:"من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"".

وقال الحاكم: "هذه الرواية لا تسوي سماعها، ولا الكلام عليها؛ فإنا لا نعلم في الرواة من اسمه طلحة يروي عنه الليث، ويروي عن موسى،

" [مختصر الخلافيات (2/ 111)].

وقال البيهقي: "هذا هو الصحيح: عن الليث بن سعد عن يعقوب"، وتابع الدارقطني عن تجهيل أبي الوليد، وقال بأنه لا تقوم به الحجة، وقال أيضًا بأن طلحة هذا: رجل مجهول.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 48): "وقد رواه الليث بن سعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر بن عبد الله، فأدخل بين عبد الله بن شداد وبين جابر أبا الوليد هذا، وهو مجهول لا يعرف، وحديثه هذا لا يصح".

وقال الخطيب في الموضح: "وروى حديث أبي حنيفة: عبد الله بن وهب عن الليث بن سعد عن أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة كما قدمناه كذلك، رواه عن ابن وهب ابن أخيه أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وخالفه: عبد الملك بن شعيب بن الليث، فرواه عن عبد الله بن وهب عن الليث عن طلحة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وطلحة وأبو الوليد: لا يعرفان، ولم يروه هكذا إلا عبد الملك بن شعيب، وقول أبي عبيد الله عن عمه: أصح، واللّه أعلم".

قلت: هكذا رجحوا قول ابن أخي ابن وهب [على ضعفه]، على قول عبد الملك بن شعيب [وهو ثقة]، وذلك لكون رواية ابن أخي ابن وهب هي الموافقة لرواية من روى هذا الحديث من الثقات وغيرهم، وأن وصل هذا الحديث إنما يُعرف من حديث أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وطلحة المذكور في إسناد عبد الملك لا يُعرف إلا في هذا الإسناد الذي انفرد به عبد الملك، وهو على خلاف ما رواه الناس، فدل على وهم عبد الملك فيه، وأنه قد أسقط من إسناده أبا حنيفة وأبا يوسف، وقلب الإسناد فجعل مكانهما: طلحة هذا، والله أعلم.

• وأما أبو الوليد المذكور في رواية أبي يوسف؛ فقد ذهب جماعة من الأئمة النقاد إلى أنه رجل مجهول، لا يُعرف إلا في هذا الإسناد، وممن قال بهذا: ابن خزيمة، وابن أبي داود، والدارقطني، والبيهقي، وابن عبد البر، والخطيب، وتقدم نقل كلامهم غير ابن خزيمة.

قال ابن خزيمة: "أبو الوليد: مجهول، لا يُدرى من هو"، إلى أن قال:"وذكر جابر في هذا الخبر خطأ فاحش"[القراءة خلف الامام للبيهقي (151)].

ص: 215

لكن الحاكم أبا عبد الله ذهب إلى أن ذكره وهمٌ من الرواة، حيث جعلوا اسم الراوي وكنيته شخصين متغايرين، أحدهما شيخ للآخر، وإنما هو رجل واحد مذكور في الإسناد باسمه وكنيته هكذا: عن عبد الله بن شداد أبي الوليد، فجاء من جعلهما اثنين وهمًا وغلطًا، فقال: عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد:

قال الحاكم: "عبد الله بن شداد هو بنفسه أبو الوليد، ومن تهاون بمعرفة الأسامي أورثه مثل هذا الوهم، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: ثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: سمعت علي بن عبد الله المديني، يقول: عبد الله بن شداد أصله مديني، وكنيته أبو الوليد، قد روى عنه أهل الكوفة،

".

• قلت: أولًا: بالنسبة للاختلاف على ابن وهب في هذا الإسناد: فقد رجح الحفاظ رواية ابن أخي ابن وهب، لما تقدم ذكره، وبذا تصبح رواية الليث بن سعد متابعة لرواية من زاد أبا الوليد في الإسناد في حديث أبي يوسف.

ثانيًا: الذي يظهر لي من الاختلاف على أبي يوسف في إسناد هذا الحديث: أن ذكر أبي الوليد وإسقاطه إنما هو من أبي يوسف نفسه، فإنه وإن كان صدوقًا، إلا إنه كان كثير الخطأ، وله أوهام كثيرة [انظر: اللسان (8/ 518)، الجرح والتعديل (9/ 201)] [وانظر في أوهامه مما تقدم معنا: الأحاديث (300 و 440) وما قبل (534)]، لذا يمكن أن نقول بأن ما ذهب إليه الحاكم هو قول وجيه، وأن مثل هذا قد يصدر عن أبي يوسف الفقيه.

• وروى يونس بن بكير [صدوق يخطئ]، عن أبي حنيفة، والحسن بن عمارة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا.

أخرجه الدارقطني (1/ 325)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (226)، والبيهقي في القراءة (338)، وفي المعرفة (2/ 49/ 914).

• ورواه يونس بن بغير، وطاهر بن مدرار [فيه جهالة، وله أفراد]:

عن الحسن بن عمارة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره.

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 292).

• هكذا لم يسند هذا الحديث عن جابر، ويوصل إسناده؛ سوى أبي حنيفة النعمان بن ثابت، والحسن بن عمارة، والأول: ضعيف في الحديث، والثاني: متروك.

فالوصل زيادة منكرة، حيث جاء بها اثنان هذا حالهما، وخالفا بذلك جماعة من الحفاظ المتقنين، بل لو خالفا واحدًا منهم على انفراده لقدِّمت روايته على روايتهما جميعًا، فكيف وقد اجتمع هؤلاء الحفاظ على إرسال هذا الحديث:

• فقد رواه: سفيان الثوري [وعنه: وكيع، وأبو نعيم، والأشجعي، وعبد الله بن الوليد العدني، وأبو داود الحفري، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق]، وشعبة، وجرير بن عبد الحميد، وسفيان بن عيينة، وزائدة بن قدامة، وزهير بن معاوية، وأبو عوانة،

ص: 216

ومنصور بن المعتمر، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [من رواية محمد بن الحسن الشيباني عنه، وهو ضعيف]، وشريك بن عبد الله النخعي، وأبو حنيفة [من رواية ابن المبارك وزفر بن الهذيل عنه، واختلف فيه على زفر، وهذه الرواية عنه أصح]، وغيرهم:

عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فجعل رجل يقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ورجل ينهاه،

فذكروا الحديث هكذا مرسلًا.

أخرجه محمد بن الحسن في زياداته على موطأ مالك (124)، وفي الحجة (1/ 121)، وعبد الرزاق (2/ 2797/136)، وابن أبي شيبة (1/ 330/ 3779)، وابن منيع في مسنده (2/ 226/ 1568 - إتحاف الخيرة) و (2/ 343/ 1833 - إتحاف الخيرة)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 217)، وفي أحكام القرآن (1/ 248/ 490)، وأبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (163) (407 - مجموع مصنفاته) [وشيخه فيه: محمد بن مسلمة بن الوليد الطيالسي الواسطي: اتُّهم بخبر باطل، وله مناكير، وضعفه جماعة، ومشاه الدارقطني. اللسان (7/ 508)، تاريخ بغداد (3/ 307)]، وابن عدي في الكامل (7/ 10 و 11)، والبيهقي في السنن (2/ 160)، وفي القراءة (336 و 337).

وانظر فيمن وهم على بعض هؤلاء بوصل الحديث، وقد اشتهر عنهم إرساله: مسند ابن منبع (2/ 225/ 1567 - إتحاف الخيرة) و (2/ 343/ 1832 - إتحاف الخيرة).

• ورواه أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا إسرائيل، عن موسى، عن عبد الله بن شداد، عن رجل من أهل البصرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكره.

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 248/ 491).

وهذه الرواية عن إسرائيل أصح، لكنها لا تغني شيئًا، فهي شاذة أولًا، وثانيًا: لم يصرح بأن هذا البصري له صحبة، وثالثًا: جابر بن عبد الله مدني، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة.

• وهاك أقوال أئمة الحديث وجهابذتهم في توهيم من وصل هذا الحديث، وأن الصحيح فيه الإرسال:

قال عبد الله بن يزيد المقرئ: "أنا لا أقول: عن جابر، أبو حنيفة يقول، أنا بريء من عهدتها"[الكامل (7/ 11)].

وقال ابن طهمان في سؤالاته لابن معين (397): "سمعت يحيى يقول: حديث يرويه أبو حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة إمامه له قراءة"، قال: ليس هو بشيء، إنما هو عبد الله بن شداد"؛ يعني: لا يجاوزه إلى جابر.

وقال البخاري: "هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم من أهل الحجاز وأهل العراق وغيرهم؛ لإرساله وانقطاعه، رواه ابن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وروى الحسن بن

ص: 217

صالح، عن جابر، عن أبي الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُدرى أسمع جابر من أبي الزبير؟ " [القراءة خلف الإمام (28 و 29)].

وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 104/ 282): "ذكر أبي حديثًا رواه الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، قال أبي: هذا يرويه بعض الثقات عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن رجل من أهل البصرة، قال أبي: ولا يختلف أهل العلم أن من قال: موسى بن أبي عائشة عن جابر، أنه قد أخطأ"، قال ابن أبي حاتم:"قلت: الذي قال: عن موسى بن أبي عائشة عن جابر فأخطأ، هو النعمان بن ثابت؟ قال: نعم".

وقال أبو زرعة الرازي عن أبي حنيفة: "فزاد في الحديث عن جابر"[الضعفاء (2/ 719)].

وقال ابن خزيمة: "وذكر جابر في هذا الخبر خطأ فاحش"[القراءة خلف الإمام للبيهقي (151)].

وقال ابن عدي: "وهذا لم يوصله فزاد في إسناده جابر غير الحسن بن عمارة وأبو حنيفة، وبأبي حنيفة أشهر منه من الحسن بن عمارة، وقد روى هذا الحديث عن موسى بن أبي عائشة غيرُهما فأرسلوه، مثل: جرير، وابن عيينة، وأبو الأحوص، وشعبة، والثوري، وزائدة، وزهير، وأبو عوانة، وابن أبي ليلى، وشريك، وقيس، وغيرهم، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلًا".

وقال ابن عدي بعد أن أخرجه مرسلًا من طريق جرير وابن عيينة وشعبة: "ورواه مع من ذكرنا عن موسى بن أبي عائشة مرسلًا: الثوري وزائدة وزهير وأبو عوانة وابن أبي ليلى وشريك وقيس بن الربيع وغيرهم، وروي عن المقري عن أبي حنيفة موصولًا كما رواه غيره عنه، قال المقري: أنا لا أقول عن جابر، أبو حنيفة يقول، أنا بريء من عهدته، وروي عن الحسن بن عمارة هذا، وزاد أبو حنيفة في إسناده: جابر بن عبد الله؛ ليحتج به في إسقاط الحمد عن المأمومين، وقد ذكرناه عن الأئمة عن موسى مرسلًا، ووافقه الحسن بن عمارة -وهو أضعف منه- عن موسى موصولًا".

وقال الدارقطني: "الحسن بن عمارة: متروك الحديث، وروى هذا الحديث: سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل بن يونس، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وأبو الأحوص، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، وغيرهم، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب".

وقال الدارقطني في السنن: "لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غير أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان".

وقال في العلل (13/ 373/ 3261): "ويشبه أن يكون أبو حنيفة وهِم في قوله في هذا الحديث: عن جابر؛ فإن جماعةٌ من الحفاظ رووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن

ص: 218

شداد مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: شعبة، والثوري، وزائدة، وشريك، وإسرائيل، وابن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، كلهم أرسلوه، وهذا أشبه بالصواب".

وقال البيهقي: "وأما قصة "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة": فرواها منصور بن المعتمر، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن سعيد الثوري، وسفيان بن عيينة، وأبو عوانة، وشريك بن عبد الله النخعي، وزائدة بن قدامة، وأبو إسحاق الفزاري، وجرير، وغيرهم، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلًا".

وقال أيضًا: "وكذلك ذكر أبي الوليد قبله، إنما الخبر عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه أهل العلم وحفاظهم ومتقنوهم وأهل المعرفة بالأخبار، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا:

شعبة بن الحجاج: عالم أهل زمانه بالحديث، وسفيان الثوري: إمام أهل العراق في الحديث ومتقنهم وحافظهم، ولم يكن بالعراقين في عصرهما مثلهما في حفظ الحديث وإتقانه، وابن عيينة: حافظ أهل الحرم، ولم يكن بحرم الله مكة في زمانه أحفظ منه، رووا هذا الخبر وجماعة غيرهم ليس فيه ذكر جابر".

وقال البيهقي أيضًا في القراءة (153): "ومن حكم لهذا الحديث بالوصل برواية واحد ومتابعة جماعة من الضعفاء والمجهولين إياه على ذلك، وترك رواية من ذكرناهم من الأئمة عن موسى بن أبي عائشة مرسلًا، ثم رواية عبد الله بن المبارك عن سفيان وشعبة وأبي حنيفة، ثم رواية وكيع وأبي نعيم والأشجعي وعبد الرزاق وعبد الله بن الوليد العدني وأبي داود الحفري وغيرهم عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة كذلك مرسلًا؛ لم يكن له كبير معرفة بعلم الحديث، ولو لم يستدل بمخالفة راوي الحديث ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه على خطاء الحديث، لم يعرف قط صواب الحديث من خطائه".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 48): "ولم يسنده غير أبي حنيفة، وهو: سيئ الحفظ عند أهل الحديث، وقد خالفه الحفاظ فيه: سفيان الثوري، وشعبة، وابن عيينة، وجرير، فرووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلًا، وهو الصحيح فيه الإرسال، وليس مما يحتج به".

وقال الخطيب في الفقيه والمتفقه: "حديث عبادة هو الصحيح، وأما حديث جابر فتفرد بوصل إسناده عن موسى بن أبي عائشة: أبو حنيفة، وقيل: عن الحسن بن عمارة كذلك، والحسن ضعيف جدًّا، والمحفوظ: أن أبا حنيفة تفرد بوصله، وخالفه الثقات الحفاظ، منهم: سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاح، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة الوضاح، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وشريك بن عبد الله، وسفيان بن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، وأبو إسحاق الفزاري، ووكيع بن الجراح، فرووه عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكروا فيه جابرًا، والقول قولهم؛ فلا تثبت بالحديث حجة؛ لأنه مرسل".

ص: 219

وقال في الموضح: "كذا روى هذا الحديث أبو حنيفة عن موسى بن أبي عائشة متصلًا مسندًا، وخالفه: شعبة وزائدة وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وجرير بن عبد الحميد وأبو الأحوص سلام بن سليم وأبو إسحاق الفزاري ووكيع، فرووه عامتهم عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لم يذكر أحد منهم في إسناده جابرًا، وقول الجماعة هو الصواب".

• ولأبي حنيفة بهذا الإسناد متن آخر قريب من الأول في المعنى، وهو بنحو حديث عمران بن حصين:

رواه أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي، ومكي بن إبراهيم، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وسعد بن الصلت:

عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن جابر بن عبد الله؛ أن رجلًا قرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ منكم بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ "، فسكت القوم، فسألهم ثلاث مرات، كل ذلك يسكتون، ثم قال رجل: أنا، قال:"قد علمتُ أن بعضكم خالجنيها".

أخرجه أبو يوسف في الآثار (112)، وابن عدي في الكامل (7/ 10)، والدارقطني في السنن (1/ 325)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (229)، والبيهقي في المعرفة (2/ 49/ 915)، وفي القراءة (340 م).

• ووهم فيه عبد الملك بن شعيب أيضًا بمثل وهمه السابق، فرواه عن ابن وهب، عن الليث، عن طلحة، عن ابن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر به مرفوعًا.

أخرجه البيهقي في القراءة (340).

• خالفه: الثوري، فرواه عن موسى بن أبي عائشة، عن الوليد بن أبي بشير، قال: قرأ رجل بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"قد ذكر أن بعضكم خالجنيها".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 137/ 2800).

فلا يصح أيضًا، والوليد بن أبي بشير: لم أقف له على ترجمة، والله أعلم.

قال البيهقي: "فأما قصة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: فإنها راجعة إلى حديث زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين".

• وله طرق أخرى عن جابر:

أ- روى أبو الفضل محمد بن أحمد السلمي: نا العباس بن عزيز بن سيار القطان المروزي: نا عتيق بن محمد النيسابوري [روى عنه ابن خزيمة وجماعة. الإرشاد (3/ 824)، الإكمال (6/ 112)، الأنساب (2/ 203)]: نا حفص بن عبد الرحمن [البلخي الفقيه: صدوق]، عن أبي شيبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فإن قراءة الإم له قراءة".

ص: 220

أخرجه البيهقي في القراءة (342)، بإسناد حسن إلى أبي الفضل السلمي.

قال البيهقي: "هذه الرواية إن سلمت من العباس القطان هذا فإني لا أعرفه بعد العد [كذا، ولعلها: بعد البحث]؛ فلا تسلم من أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي"، ثم ذكر أقوال أهل العلم فيه، ثم قال:"وقد رواه أيوب بن الحسن ومحمد بن يزيد السلمي عن حفص بن عبد الرحمن مرسلًا".

قلت: هو حديث منكر؛ ففي تفرد عبد الرحمن بن إسحاق أبي شيبة الواسطي به عن الحكم بن عتيبة الكوفي نكارة ظاهرة، وأبو شيبة: ضعيف، منكر الحديث، يروي ما لا يتابع عليه، وقد انفرد به عن الحكم بن عتيبة، ولم يتابعه عليه أحد من أصحاب الحكم على كثرتهم، وإن كان قد صح عن حفص بن عبد الرحمن مرسلًا؛ فالآفة فيه من العباس القطان، ولم أقف له على ترجمة، والراوي عنه: الوزير أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد الله بن عبد المجيد السلمي، روى عنه جماعة، ولم أر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وإن كان كلام البيهقي هنا يشعر بتعديله، والله أعلم.

ب - وروى أبو نعيم الفضل بن دكين [وعنه جماعة من الثقات بإثبات جابر الجعفي في الإسناد]، وعبيد الله بن موسى، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وسلمة بن عبد الملك العوصي [وأفردوا جابرًا الجعفي]، وإسحاق بن منصور السلولي، ويحيى بن أبي بغير [وقرنا بجابر ليثًا] [كلهم ثقات]:

عن الحسن بن صالح [هو: ابن حي، ثقة حافظ]، عن ليث بن أبي سليم، وجابر [أحيانًا يقرنهما، وأحيانًا يفرد جابرًا الجعفي، وهي رواية الأكثر]، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فقراءته له قراءة".

أخرجه ابن ماجه (850)، وعبد بن حميد (1050)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 217)، وفي أحكام القرآن (1/ 248/ 492 و 493)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3523)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 851/ 1755)، وابن عدي في الكامل (2/ 119) و (6/ 89)، والدارقطني (1/ 331)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 132)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 334)، والبيهقي في السنن (2/ 160)، وفي القراءة (343 - 345 و 395).

قال ابن عدي: "وهذا معروف بجابر الجعفي عن أبي الزبير، عن الحسن بن صالح [يعني: من حديث الحسن بن صالح]؛ إلا أن إسحاق بن منصور السلولي ويحيى بن أبي بغير رويا عن الحسن بن صالح عن ليث وجابر، فجمع بينهما".

وقال الدارقطني في السنن: "جابر وليث: ضعيفان".

وقال في العلل (13/ 341/ 3221): "ولا يصح رفعه".

وقال الحاكم: "ليث بن أبي سليم، وجابر بن يزيد الجعفي: ممن لا تقوم الحجة برواية واحد منهما؛ خصوصًا إذا خالفا الثقات، وتفردا بمثل هذا الخبر المنكر، عن مثل

ص: 221

أبي الزبير محمد بن مسلم المكي في اشتهاره وكثرة أصحابه، وجرحهما جميعًا أشهر من أن يطول الكتاب بذكره" [القراءة خلف الإمام للبيهقي (156)].

قلت: وهو كما قال، وجابر بن يزيد الجعفي: متروك، يكذب، وليث: ضعيف لاختلاطه وعدم تميز حديثه.

• فإن قيل: رواه مالك بن إسماعيل [النهدي أبو غسان: ثقة متقن]، وأسود بن عامر [شاذان: ثقة]:

عن حسن بن صالح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل من كان له إمام فقراءته له قراءة". فلم يذكرا واسطة بين الحسن بن صالح وأبي الزبير.

أخرجه أحمد (3/ 339)(6/ 3093/ 14869 - ط المكنز)(23/ 12/ 14643 - ط الرسالة)، وابن أبي شيبة (1/ 331/ 3802)(3/ 282/ 3823 - ط عوامة).

فيقال: قد رواه الدارقطني (1/ 331) بإسناد صحيح إلى: أبي نعيم، وشاذان، وأبي غسان، قالوا: نا الحسن بن صالح، عن جابر. هكذا بإثبات جابر الجعفي بين الحسن وأبي الزبير، كما رواه ستة من الثقات، والرواية الموافقة لرواية الجماعة أولى من غيرها.

وهذا الحديث إنما يُعرف بجابر الجعفي، قال ابن عدي:"وهذا معروف بجابر الجعفي عن أبي الزبير"، وقال الدارقطني في العلل (13/ 341/ 3221): "يرويه الحسن بن صالح، عن جابر الجعفي، عن أبي الزبير، عن جابر.

وعن ليث، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا، ولا يصح رفعه".

كما أن الحسن بن صالح مشهور بالرواية عن جابر الجعفي وليث بن أبي سليم، ويدخلهما بينه وبين أبي الزبير [انظر: السنن الكبرى للنسائي (6/ 178/ 10543)، مسند أحمد (3/ 340)، الدعاء للطبراني (268)].

وقال البخاري: "وروى الحسن بن صالح، عن جابر، عن أبي الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُدرى أسمع جابر من أبي الزبير؟ "[القراءة خلف الإمام (29)].

قلت: فمن باب أولى ألا يكون سمع الحسن بن صالح من أبي الزبير [مع إمكان السماع من جهة التاريخ، فالحسن ولد سنة (100)، وأبو الزبير توفي سنة (126)].

فإن قيل: قد أثبت البخاري سماع الحسن من سماك بن حرب [التاريخ الكبير (2/ 295)]، وسماك أقدم وفاة من أبي الزبير [توفي سنة (123)]، فيقال: الحسن وسماك كوفيان، وقد كان الرجل يبدأ بالسماع من أهل بلده، فإذا فرغ منهم بدأ في الرحلة، ولذا فإن سماعه من أبي الزبير المكي مستبعد، لا سيما وهو يدخل واسطة بينه وبينه، وعلى فرض أنه سمعه أولًا من جابر وليث، ثم لقي أبا الزبير فسمعه منه؛ لقال: سمعت أبا الزبير، أو حدثني أبو الزبير، تأكيدًا على لقيه له وسماعه منه، فإذا علمتَ بعد ذلك أن الحسن بن صالح لا يُعرف بالرواية عن أبي الزبير إلا في هذا الموضع، وموضع آخر [في المجالسة (3524)] واختلف فيه على الحسن، وثالث [في المسند (3/ 392)، وفي التوحيد

ص: 222

لابن منده (1/ 358)، ومسند الشهاب (706)]، ولم يصرح في شيء منها بالسماع، ولا ذكر له البخاري ولا ابن أبي حاتم ولا ابن حبان رواية عن أبي الزبير [الجرح والتعديل (3/ 18)، الثقات (6/ 164)]، علمتَ أنه لم يسمعه منه لثبوت الواسطة، وأن الرواية بدونها منقطعة، كما أن مسلمًا قد أخرج له عن سماك، ولم يخرج له عن أبي الزبير شيئًا، مع اكتفائه بالمعاصرة وإمكان اللقاء، بل لم أجد له عن أبي الزبير حديثًا في الكتب الستة، ولا في المسانيد العشرة، سوى ما تقدم ذكره، والله أعلم.

ج - وروى سهل بن العباس: نا إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 43/ 7903)، والدارقطني (1/ 402)، والبيهقي في القراءة (346)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 94).

قال الطبراني: "لم يرفع هذا الحديث أحد ممن رواه عن ابن علية إلا سهل بن العباس، ورواه غيره موقوفًا".

وقال الدارقطني: "هذا حديث منكر، وسهل بن العباس: متروك".

وقال الحاكم: "هذا الخبر باطل بهذا الإسناد،

، وإنما الحمل فيه على سهل بن العباس هذا فإنه: مجهول، لا يعرف".

لكن الدارقطني في العلل (13/ 18/ 2904) جعله من مسند ابن عمر، وقال بأنه وهم، وسئل عن سهل بن العباس هذا: هل هو ثقة؟ فقال الدارقطني: "لا، لو كان ثقة لم يرو هذا".

ثم ذكره على الصواب في موضع آخر، فقال في العلل (13/ 342/ 3221):"وحدث به شيخ يعرف بسهل بن العباس الترمذي -وكان ضعيفًا-، عن ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووهم فيه، وإنما رواه ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قوله، وكذلك رواه أحمد بن حنبل وغيره عن ابن علية، وحديث سهل بن العباس عن ابن علية: لا أصل له".

وذكر في السنن أن الصواب عن أيوب وعن ابن علية أيضًا: رواية الإمام أحمد ومن تابعه موقوفًا على ابن عمر، وسيأتي ذكره قريبًا إن شاء الله تعالى.

د- أبو إسحاق محمد بن أحمد الماليني [وفي رواية: المناديلي، ولم أهتد إليه]: نا محمد بن أشرس: نا عبد الله بن عمر [لم أجده فيمن يروي عن ابن لهيعة، على كثرتهم]، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".

ثم رواه الماليني مرة أخرى: نا محمد بن أشرس: نا بشر بن القاسم [قال الحاكم: "لا أعرفه"، معرفة علوم الحديث (156)، المغني (1/ 107)، تاريخ الإسلام (15/ 88)،

ص: 223

الجواهر المضية (1/ 166)، اللسان (2/ 310)]: نا عبد الله بن لهيعة، به فذكره.

أخرجه البيهقي في القراءة (347 و 348).

قال الحاكم لشيخه: "فمن الماليني؟ قال: لا يُعرف، قلت: فمحمد بن أشرس أعرفه أنا حق المعرفة، هو متروك الحديث".

قلت: هو حديث باطل؛ محمد بن أشرس السلمي: متهم في الحديث، تركه الحافظ ابن الأخرم، وقال:"لا يحل الرواية عنه"، وقال البيهقي:"متروك الحديث"، وقال أيضًا:"محمد بن أشرس هذا مرمي بالكذب، ولا يحتج بروايته إلا من غلب عليه هواه"، وقال مرة أخرى:"ضعيف بمرة"، وقال رابعة:"وكان يضع الحديث"، وضعفه أيضًا الدارقطني وغيره، وخفي أمره على بعضهم فمشاه [الإرشاد (3/ 827)، شعب الإيمان (7/ 432/ 10865)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (348 و 353)، مختصر الخلافيات (2/ 109) و (3/ 239)، اللسان (6/ 579)]، والماليني الراوي عنه: لا يُعرف.

• وقد روى مالك في موطئه (1/ 135/ 223 - رواية يحيى)(124 - رواية القعنبي)(233 - رواية أبي مصعب الزهري)(89 - رواية الحدثاني)(113 - رواية الشيباني):

عن أبي نعيم وهب بن كيسان؛ أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: من صلى ركعةٌ لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصَلِّ؛ إلا وراء الإمام.

وقد أخرجه من طريق مالك هكذا موقوفًا: البخاري في القراءة خلف الإمام (279)، والترمذي (313)، ومحمد بن الحسن الشيباني في الحجة (1/ 117)، وعبد الرزاق (2/ 121/ 2745)، والطحاوي (1/ 218)، والدارقطني (1/ 327)، والبيهقي في السنن (2/ 160)، وفي القراءة (351 و 354 - 358)، وفي المعرفة (1/ 537/ 750).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

وقال البيهقي في السنن: "هذا هو الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع".

وقد روى السري بن خزيمة هذا الحديث عن إسماعيل السدي به موقوفًا، ثم قال:"لا أجعل في حلٍّ من روى عني هذا الخبر مرفوعًا؛ فإنه في كتابي موقوف"، وقال أيضًا:"ما حدثت بهذا الحديث إلا هكذا، فمن ذكره عني مسندًا فقد كذب".

• هكذا رواه عن مالك موقوفًا أصحابه الثقات ورواة موطئه: معن بن عيسى، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن يحيى الليثي، وأبو مصعب الزهري، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وعبد الله بن وهب، وعبد الرزاق بن همام، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن عبد الله بن بغير، وسويد بن سعيد الحدثاني، ومحمد بن الحسن الشيباني.

خالفهم بعض الضعفاء، مثل: يحيى بن سلام البصري، ويحيى بن نصر بن حاجب، فرووه عن مالك به مرفوعًا هكذا، أو مرفوعًا مع قلب المتن إلى:"من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".

أو وهم في رفعه من كان دون من رواه عن مالك من هؤلاء المذكورين أو غيرهم.

ص: 224

أخرجه الطحاوي (1/ 218)، وابن عدي في الكامل (7/ 253)، والبيهقي في القراءة (349 و 350 و 352 و 353).

وقد تقدم ذكره عند الشاهد الثالث.

9 -

حديث ابن عمر:

أ- روى سليمان بن الفضل: ثنا محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فقراءته له قراءة".

أخرجه الدارقطني (1/ 326)، ومن طريقه: البيهقي في القراءة (403).

قال الدارقطني: "محمد بن الفضل: متروك".

قلت: هو حديث باطل؛ محمد بن الفضل بن عطية: متروك الحديث، كذاب، روى أحاديث موضوعة [التهذيب (3/ 675)، الميزان (4/ 6)]، وسليمان بن الفضل، هو: الزيدي، قال ابن عدي:"ليس بمستقيم الحديث"، وذكر له حديثًا لا أصل له، وقال:"قد رأيت له غير حديث منكر"[الكامل (3/ 291)، اللسان (4/ 168)].

• وتابعه من هو أضعف منه: أبو عصمة نوح بن أبي مريم [متروك، ذاهب الحديث، متهم، كذبه غير واحد. التهذيب (4/ 247)]، فرواه عن الفضل بن عطية به.

أخرجه البيهقي في القراءة (401 و 402).

قال أبو علي الحافظ: "هذا كذب باطل، وأبو عصمة نوح بن أبي مريم: كذاب".

ب - ورواه معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، شك في رفعه، قال:"من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 400)، والبيهقي في القراءة (404).

من طريق: يحيى بن عبد الحميد الحماني: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن معاوية بن يحيى به.

قال البيهقي: "معاوية بن يحيى الصدفي: ضعيف، لا يحتج به، وقد شك في رفعه، ورفعه بهذا الإسناد باطل، والمحفوظ: عن معمر وابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: يكفيك قراءة الإمام فيما يجهر".

قلت: هو كما قال البيهقي، ومعاوية بن يحيى الصدفي: ضعيف، روى عنه إسحاق بن سليمان الرازي أحاديث منكرة [التهذيب (4/ 113)]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني: حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث.

• وقد رواه معمر، وابن جريج، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، قال: يكفيك قراءة الإمام فيما يجهر في الصلاة.

قال ابن جريج: وحدثني ابن شهاب، عن سالم؛ أن ابن عمر كان يقول: ينصت للإمام فيما يجهر به في الصلاة، ولا يقرأ معه.

ص: 225

أخرجه عبد الرزاق (2/ 139/ 2811)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (3/ 103/ 1315)، والبيهقي في القراءة (330)[وفي سنده تصحيف].

وهذا هو الصواب؛ موقوف على ابن عمر.

• ورواه أسامة بن زيد المدني [هو: ابن أسلم العدوي، مولى عمر، وهو: ضعيف]، قال: حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر، قال: كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام.

أخرجه محمد بن الحسن في زياداته على موطأ مالك (118).

قلت: هو صالح في المتابعات.

ج - ورواه خارجة بن مصعب [متروك، كان يدلس عن الكذابين]، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".

أخرجه الدارقطني (1/ 402)، والبيهقي في القراءة (390 و 391)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 337).

قال البيهقي: "قال لنا أبو عبد الله رحمه الله [يعني: الحاكم] فيما قرئ عليه: هذا الحديث ليس لرفعه أصل من حديث ابن عمر، ولا من حديث نافع، ولا من حديث أيوب السختياني بوجه، وخارجة بن مصعب السرخسي قد قيل: إنه كان يدلس عن جماعة من الكذابين، مثل غياث بن إبراهيم وغيره، فكثرت المناكير في حديثه".

وقال عبد الله بن محمد المروزي الحافظ عن هذا الحديث بأنه غلط منكر، وإنما هو عن ابن عمر من قوله" [القراءة خلف الإمام، السنن الكبرى (2/ 161)].

وقال الدارقطني في العلل (13/ 18/ 2904) بأنه وهم.

وقال في السنن: "رفعه وهمٌ، والصواب عن أيوب:

" فذكر الرواية الآتية.

• فقد رواه أحد أثبت الناس في أيوب السختياني: إسماعيل ابن علية [ثقة ثبت]: نا أيوب، عن نافع وأنس بن سيرين، أنهما حدثاه عن ابن عمر؛ أنه قال في القراءة خلف الإمام: يكفيك قراءة الإمام.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 330/ 3784)(3/ 278/ 3805 - ط عوامة)، والدارقطني (1/ 402)، والبيهقي في القراءة (392 م).

قال الدارقطني في العلل (13/ 18/ 2904) وفي السنن؛ أن الصواب عن أيوب وعن ابن علية أيضًا: رواية الإمام أحمد ومن تابعه عن ابن علية، موقوفًا على ابن عمر.

• ورواه شعبة، وهشام بن حسان:

عن أنس بن سيرين، قال: سألت ابن عمر عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: تكفيك قراءة الإمام. لفظ شعبة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 140/ 2812)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1150).

• ورواه إبراهيم بن حبيب بن الشهيد: ثنا أبي، عن أنس بن سيرين، قال: قلت لعبد الله بن عمر: أقرأ خلف الإمام؟ قال: تُجزِئُك قراءة الإمام،

في حديث طويل.

ص: 226

أخرجه أحمد (2/ 49)(3/ 1132/ 5195 - ط المكنز)(9/ 112/ 5096 - ط الرسالة)، قال: حدثنا إبراهيم به.

هكذا هو موقوف على ابن عمر بأسانيد صحيحة.

وانظر فيمن وهم في إسناده، فقلبه: العلل ومعرفة الرجال (3/ 385/ 5690)، زيادات محمد بن الحسن على موطأ مالك (116)، الحادي عشر من حديث أبي جعفر ابن البختري (141).

د- ورواه سويد بن سعيد أبو محمد حفظًا: نا علي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".

أخرجه البيهقي في القراءة (393)، وذكره الدارقطني في العلل (13/ 18/ 2904).

قال أبو عبد الرحمن التميمي راوي هذا الحديث عن سويد [عند البيهقي]: "أستخير الله تعالى أن أضرب على حديث سويد كله؛ من أجل هذا الحديث الواحد في القراءة خلف الإمام".

وقال البيهقي: "سويد بن سعيد تغير في آخر عمره، وكثرت المناكير في حديثه، وهذا الحديث عند أصحاب عبيد الله بن عمر موقوف، غير مرفوع".

وقال الدارقطني: "وخالفهما أبو همام، فرواه عن علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، وكذلك رواه أصحاب عبيد الله، وهو الصواب".

• قلت: رواه ابن نمير، ومحمد بن الحسن الشيباني:

عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يقول: من صلى وراء الإمام كفاه قراءة الإمام.

أخرجه محمد بن الحسن في زياداته على موطأ مالك (115)، والبيهقي في السنن (2/ 161)، وفي القراءة (394).

قال البيهقي في السنن: "هذا هو الصحيح عن ابن عمر من قوله، وبمعناه رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا".

وهذا إسناد صحيح آخر موقوفًا على ابن عمر، وكذا الذي بعده:

فقد رواه مالك في الموطأ (1/ 138/ 228)، عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل: هل يقرأ أحدٌ خلف الإمام؟ قال: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ. قال: وكان عبد الله لا يقرأ خلف الإمام.

وأخرجه من طريق مالك: محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 116)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 220)، وفي أحكام القرآن (1/ 250/ 504)، والبيهقي في القراءة (397 و 398).

هكذا رواه عن مالك موقوفًا: رواة الموطأ، ورواه بعض الكذابين عن مالك فرفعه [عند: البيهقي في القراءة (396)، وفي الخلافيات (13/ 12 - مختصره)].

ص: 227

• وانظر أيضًا فيمن رواه عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، ولا يصح:

أحكام القرآن للطحاوي (494)، الكامل لابن عدي (2/ 119)[وفي إسناده جابر الجعفي، وهو: متروك، وفي سند الطحاوي تصحيف وسقط].

القراءة خلف الإمام للبيهقي (399 و 400)[وأسانيدها مسلسلة بالمجاهيل].

• ورواه شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: يكفيك قراءة الإمام.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 220)، وفي أحكام القرآن (1/ 250/ 503).

وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح أيضًا.

• وانظر فيمن وهم على الثوري في رفعه: القراءة خلف الإمام للبيهقي (405)، وقال:"ورفعه بهذا الإسناد باطل، لا أصل له".

• ورواه داود بن قيس [الفراء المدني: ثقة]، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: كان ينهى عن القراءة خلف الإمام.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 140/ 2814).

وهذا موقوف بإسناد مدني صحيح؛ إن كان أخذه زيد عن ابن عمر، فقد قيل بأنه لم يسمع منه سوى حديثين [تحفة التحصيل (117)]، والأقرب عندي إطلاق السماع، فقد أطلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 387)، وقال:"سمع ابن عمر"، هكذا بدون قيد، وأخرج له في الصحيح حديثين عن ابن عمر [(5146 و 5783)].

وانظر أيضًا فيمن رفعه من وجهٍ منكر: فوائد تمام (982)[وفي إسناده: ناشب بن عمرو، وهو: منكر الحديث. اللسان (8/ 244)].

• هكذا روى هذا الحديث موقوفًا على ابن عمر: أصحاب نافع الثقات المتقنون، بل أثبت أصحابه: مالك وعبيد الله بن عمر العمري وأيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفًا عليه قوله.

وكذلك رواه موقوفًا على ابن عمر بنحو رواية نافع، من أصحاب ابن عمر الثقات: ابنه سالم، وأنس بن سيرين، وعبد الله بن دينار، وزيد بن أسلم.

• وحاصل: هذه الروايات عن ابن عمر إذا جمعناها إلى ما صح عنه في الباب؛ ظهر لنا بجلاء أنه كان يرى الإنصات والاستماع للإمام فيما يجهر به في الصلاة، ولا يقرأ معه حال الجهر، فإن قراءة الإمام حينئذ تكفي المأموم، سواء في ذلك فاتحة الكتاب أو السورة، فإنه لم يخص شيئًا دون شيء، فإذا صلى خلف الإمام فيما يسر فيه الإمام، أو صلى وحده فليقرأ.

10 -

حديث أبي هريرة:

يرويه محمد بن عباد الرازي: ثنا أبو يحيى [إسماعيل بن إبراهيم، التيمي، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته [وفي رواية: فقراءة الإمام] له قراءة".

ص: 228

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (176)، والدارقطني (1/ 333 و 403)، والبيهقي في القراءة (426)، والخطيب في المتفق (1/ 416/ 207).

قال الدارقطني: "أبو يحيى التيمي ومحمد بن عباد: ضعيفان".

وقال في الموضع الثاني: "لا يصح هذا عن سهيل، تفرد به: محمد بن عباد الرازي عن إسماعيل، وهو: ضعيف".

وقال الحاكم: "وهذا حديث موضوع على سهيل، وأبو يحيى التيمي ممن لا أشك في ضعفه، ولا أعلم خلافًا بين أئمة أهل النقل في ترك حديثه، وهب أن هذا الخبر يسلم من أبي يحيى التيمي، فمن محمد بن عباد المزني [كذا، ولعلها الرازي، من بين خلق الله فينفرد بمثل هذا الخبر المنكر عن أبي يحيى التيمي،

" [مختصر الخلافيات (2/ 120)].

وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 181): "إسماعيل بن عبد الله أبو يحيى التيمى، وليس هو بأبي يحيى التيمي الذي روى عنه الأشج: روى عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، روى عنه محمد بن عباد الكوفي الخراز الذي سكن الري، وهو: متروك الحديث، سمعت أبي يقول ذلك".

وضعفه الخطيب أيضًا بأبي يحيى التيمي هذا.

قلت: انفرد أبو حاتم بقوله في أبي يحيى التيمي، وذهب الآخرون إلى أنه إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي الكوفي، المتفق على تضعيفه [التهذيب (1/ 143)]، وأيًّا كان فالحديث بهذا الإسناد باطل، والله أعلم.

• وله فيه حديث آخر:

يرويه إبراهيم بن الهيثم: نا آدم: نا ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان من صلاة يجهر فيها الإمام بالقراءة فليس لأحد أن يقرأ معه".

أخرجه البيهقي في القراءة (329)، بإسناد صحيح إلى ابن الهيثم.

قال البيهقي: "وهذه رواية منكرة؛ لم أجدها فيما جُمع من هذه الأخبار؛ فإن صحت فالمراد بها: فليس لأحد أن يجهر معه، أو: فليس لأحد أن يقرأ معه السورة، فقد أمر أبو هريرة بقراءة الفاتحة خلف الإمام سرًّا في نفسه في الحديث الثابت عنه، وفيها دلالة على قراءته خلفه فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة، غير أن النفس نافرة عن هذه الرواية لشذوذها عن الروايات الصحيحة عن أبي هريرة، فلم نر أن نحتج بها، وبالله التوفيق".

قلت: هذا الحديث معناه ليس منكرًا، ولا يخالف ما صح عن أبي هريرة، كما سبق أن بينت ذلك عند حديث ابن أكيمة، وإنما تأوله البيهقي نصرة لمذهبه الشافعي، الذي هو خلاف الصحيح الذي عليه الجمهور، هذا من جهة المتن.

وأما من جهة الإسناد: فهذا الإسناد من لدن ابن أبي ذئب فمن فوقه إسناد مدني

ص: 229

صحيح، رجاله رجال الشيخين، ومحمد بن عمرو هو: ابن عطاء القرشي العامري المدني، وآدم بن أبي إياس: ثقة، روى له البخاري دون مسلم.

وإبراهيم بن الهيثم بن المهلب البلدي: ثقة، أنكر عليه سماعه حديث الغار من الهيثم بن جميل فقط، حتى قال ابن عدي:"أحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه، وقد فتشت عن حديثه الكثير فلم أر له منكرًا يكون من جهته؛ إلا أن يكون من جهة من روى عنه"، وتعقبه الخطيب بقوله:"قد روى حديث الغار عن الهيثم جماعة، وإبراهيم بن الهيثم عندنا: ثقة ثبت، لا يختلف شيوخنا فيه، وما حكاه ابن عدى من الأنكار عليه لم أر أحدًا من علمائنا يعرفه، ولو ثبت لم يؤثر قدحًا فيه؛ لأن جماعة من المتقدمين أنكر عليهم بعض رواياتهم ولم يمنع ذلك من الاحتجاج بهم"[ثقات ابن حبان (8/ 88)، الكامل (1/ 274)، سؤالات الحاكم (42)، تاريخ بغداد (6/ 206)، الميزان (1/ 73)، السير (13/ 411)، اللسان (1/ 382)].

والراوي عنه: أحمد بن سلمان النجاد الفقيه، الحافظ الصدوق، شبهوه بابن صاعد في كثرة الحديث واتساع طرقه، لكن قال الدارقطني:"حدث أحمد بن سلمان من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله"، وقال أيضًا:"حدث من غير كتبه"، وقال حمزة السهمي:"سألت أبا بكر ابن عبدان عن عبد الباقي بن قانع؟ فقال: لا يدخل في الصحيح، ولا النجاد؛ يعني: أحمد بن سلمان"[سؤالات السهمي (177 و 334)، سؤالات السلمي (12)، تاريخ بغداد (4/ 189)، السير (15/ 502)، اللسان (1/ 475)].

والراوي عنه وهو شيخ البيهقي: علي بن أحمد بن عمر بن حفص أبو الحسن المقرئ، المعروف بابن الحمامي، قال الخطيب:"وكان صادقًا دينًا فاضلًا"، ونعته الذهبي بالإمام المحدث مقرئ العراق [تاريخ بغداد (11/ 329)، السير (17/ 402)].

قلت: فهذا إسناد غريب جدًّا، فأين أهل المدينة عنه، ثم لماذا لم يشتهر بعدُ في بغداد، فأين أصحاب ابن أبي ذئب، وأين أصحاب ابن أبي إياس، وأخاف أن يكون أُتي من قبل النجاد، بأن يكون حدَّث به من غير أصوله، أو قرئ عليه وهو ليس من حديثه، وأدخل عليه من قِبل بعض تلامذته، والله أعلم.

وهذا الحديث صريح الدلالة على عدم القراءة مع الإمام حال جهر الإمام بالقراءة، مما يحسم النزاع في هذه المسألة، فأين كان الحديث والأئمة مختلفون متنازعون؟! إضافة إلى صياغته الفقهية من رجل اشتهر بالفقه أكثر من الحديث، والله أعلم.

• وانظر فيمن وضع فيه حديثًا على أبي هريرة: المتفق والمفترق (2/ 801/ 470).

11 -

حديث أبي سعيد:

مداره على أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة".

ص: 230

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 308/ 7579)، وابن عدي في الكامل (1/ 322)، والبيهقي في القراءة (438 و 439).

وإسناده واهٍ بمرة؛ أبو هارون عمارة بن جوين العبدي البصري: متروك، كذبه جماعة [التهذيب (3/ 207)]، ولا تخلو الأسانيد إليه من الضعفاء والمجاهيل.

12 -

حديث زيد بن ثابت:

يرويه أحمد بن علي بن سلمان أبو بكر، عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له".

أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 163)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 429/ 729).

قال ابن حبان: "حدثني إبراهيم بن سعيد القشيري عنه فيما يشبه هذا مما لا أصل له"، وقال في أول ترجمته:"من أهل مرو، كان في زماننا ببخارى، انتحل مذهب الرأي، لا نحب أن نشتغل به؛ لكنه روى من الحديث ما يجب أن نذكر في هذا الكتاب، كي لا يحتج به من يجهل صناعة العلم، فيتوهم أنه قد أخطأ في صحيحه".

قلت: هو حديث موضوع بهذا الإسناد، أحمد بن علي بن سلمان أبو بكر المروزي؛ قال الدارقطني:"متروك، يضع الحديث"[الضعفاء والمتروكين (65)، تاريخ بغداد (4/ 303)، اللسان (1/ 538)].

• وانظر له إسنادًا آخر باطلًا لا أصل له: سؤالات البرذعي (2/ 729).

• وقد روي عن زيد موقوفًا:

رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وداود بن قيس [الفراء المدني: ثقة]، وسفيان الثوري [واختلف عليه في إسناده، فزاد بعضهم فيه: عن ابن زيد بن ثابت، والمحفوظ بدون هذه الزيادة]:

عن عمر بن محمد بن زيد بن عمر بن الخطاب [مدني، نزيل عسقلان: ثقة]، عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت، عن زيد بن ثابت، قال: من قرأ خلف [وفي رواية: مع] الإمام فلا صلاة له.

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (50) معلقًا، ووصله: محمد بن الحسن في زياداته على موطأ مالك (127)، وعبد الرزاق (2/ 137/ 2802)، وابن أبي شيبة (1/ 331/ 3788)، والبيهقي في السنن (2/ 163).

قال البخاري في القراءة خلف الإمام: "ولا يعرف لهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض، ولا يصح مثله".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 470): "منكر، لا يصح عنه، وقد أجمع العلماء

ص: 231

على أن من قرأ خلف الإمام فصلاته تامة، ولا إعادة عليه، فدل على فساد ما روي عن زيد بن ثابت" [وانظر: التمهيد (11/ 50)].

قلت: وهو كما قالا، وموسى بن سعد بن زيد بن ثابت المدني: روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُعلم له سماع من جده زيد [التهذيب (4/ 175)].

وقد تردد في صحته البيهقي، فقال:"وهذا إن صح بهذا اللفظ -وفيه نظر-؛ فمحمول على الجهر بالقراءة".

قلت: النظر فيه متحقق، فلا يصح، كما قال البخاري وابن عبد البر، ومن جهر بالقراءة من المأمومين فلا تبطل صلاته.

• وروى الضحاك بن عثمان، عن عبد الله بن يزيد، عن ابن ثوبان، عن زيد بن ثابت، قال: لا يُقرأُ خلف الإمام إن جهر، ولا إن خافت.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 330/ 3787).

ولا يصح هذا أيضًا، وهو أضعف مما قبله، ولم أميز عبد الله بن يزيد، وابن ثوبان الأقرب أنه ثابت بن ثوبان، وقد ذكر في التهذيب أنه لم يدرك أبا هريرة، فعدم إدراكه لزيد بن ثابت أولى فهو أقدم وفاة من أبي هريرة، والضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي: صدوق، يهم كثيرًا، ليَّنه بعضهم، وقال ابن عبد البر:"كان كثير الخطأ، ليس بحجة"[التهذيب (2/ 223)، الميزان (2/ 324)، إكمال مغلطاي (7/ 20)، علل ابن أبي حاتم (361)].

• وإنما صح في ذلك عن زيد ما رواه: يزيد بن عبد الله بن خصيفة [مدني ثقة، واللفظ له]، وابن أبي ذئب [مدني: ثقة فقيه]، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني [صدوق]:

عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي [مدني تابعي ثقة]، عن عطاء بن يسار أنه أخبره؛ أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام؟ فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} فلم يسجد.

هكذا ذكر فيه قول زيد في القراءة: ابن خصيفة، وعبد الرحمن بن إسحاق.

أخرجه البخاري (1072 و 1073) مقتصرًا على قصة السجود في الموضعين، وحذَف قولَ زيدٍ في القراءة من الموضع الأول عمدًا، ومسلم (577) واللفظ له بتمامه، وأبو عوانة (1/ 522/ 1951 و 1952) بتمامه، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 176/ 1274) بتمامه، وأبو داود (1404) بقصة السجود، والترمذي (576) بقصة السجود، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (2/ 160/ 960) بتمامه، وفي الكبرى (2/ 6/ 1034) بتمامه، والدارمي (1/ 409/ 1472) بقصة السجود، وابن خزيمة (1/ 285/ 568) بقصة السجود، وابن حبان (6/ 468/ 2762) و (6/ 475/ 2769) بقصة السجود، وأحمد (5/ 183 و 186)، والشافعي في المسند (156)، ومسدد (2/ 225/ 1564 - إتحاف الخيرة)، وابن أبي شيبة (1/ 330/ 3483)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر

ص: 232

331 -

، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2761)، والطحاوي (1/ 220 و 352)[وسقط من إسناده ابن خصيفة، فلا أدري أوهمًا من الراوي، أم غير ذلك؟]، وأبو الفضل الزهري في حديثه (285)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1354 و 1355)، والبيهقي في السنن (2/ 163)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 127).

منهم من رواه بتمامه، وأكثرهم اقتصر منه على المرفوع في قصة السجود، ومنهم من اقتصر منه على الموقوف في القراءة مع الإمام.

وفي رواية زهير بن محمد التميمي عن ابن خصيفة [عند أبي الفضل الزهري]: لا أقرأ مع الإمام في شيء من الصلوات.

وهي شاذة، فقد رواه إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير، وهو مدني، ثقة ثبت، بدون هذه الزيادة، والتميمي من الغرباء، والراوي عنه أبو عامر العقدي، وروايته عنه مستقيمة؛ إلا أن التميمي كان في حفظه شيء، فقد روى عنه أهل الشام مناكير [التهذيب (1/ 639)]، ورواه أيضًا عبد الرحمن بن إسحاق المدني عن ابن قسيط بدونها [عند ابن أبي شيبة]، فقال:"لا قراءة خلف الإمام".

ويمكن حمل قول زيد هذا على أن المأموم لا يقرأ مع الإمام طالما كان يسمع صوته في شيء من القرآن سواء أكان فاتحة الكتاب أم السورة، فإن الإمام حينئذ يكفي المأموم، وقد أُمر المأموم حينئذ بالإنصات والاستماع لقراءة الإمام، وحرف الجر "مع" يعطي هذا المعنى ويقويه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وهذا يتناول القراءة معه في الجهر؛ كما قال الزهري: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه، وأما في صلاة المخافتة فلا يقال: قرأ معه، كما لا يقال أن أحد المأمومين يقرأ مع الآخر، وكما لا يقال أنه استفتح معه، وتشهد معه، وسبح معه في الركوع والسجود"[المجموع (23/ 303)].

وقال أيضًا (23/ 323): "وقوله: "مع الإمام" إنما يتناول من قرأ معه حال الجهر، فأما حال المخافتة فلا هذا يقرأ مع هذا ولا هذا مع هذا، وكلام زيد هذا ينفى الإيجاب والاستحباب، ويثبت النهي والكراهة".

وانظر فيمن تأوله: شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 75).

• فإن قيل: رواه عبد الله بن وهب، قال: أخبرني مخرمة بن بغير، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن ثابت، سمعه يقول: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات.

أخرجه الطحاوي (1/ 219).

فيقال: إسناده صحيح على شرط مسلم، ومخرمة: لم يسمع من أبيه شيئًا، وروايته عنه إنما هي من كتاب أبيه وجادة [تقدم الكلام عليه تحت الحديث المتقدم برقم (207)] [وانظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء برقم (459)(3/ 999) و (529)(3/ 1081 - 1082)]، وكثيرًا ما يدخل الخلل والوهم والخطأ على المحدث إذا روى من صحيفة

ص: 233

وجدها ولم يسمعها، ولذا فإن رواية ابن قسيط أصح من رواية مخرمة، والله أعلم.

• فإن قيل: لم ينفرد بذلك مخرمة:

فقد رواه ابن وهب [ثقة فقيه]، قال: أخبرني حيوة بن شريح [التجيبي المصري: ثقة ثبت]، عن بكر بن عمرو، عن عبيد الله بن مِقسَم [مدني: ثقة]، أنه سأل عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، فقالوا: لا تقرؤوا [وفي رواية: لا تقرأ] خلف الإمام في شيء من الصلوات.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 219)، وفي أحكام القرآن (1/ 251/ 505).

قلت: لم أجد لعبيد الله بن مقسم رواية عن زيد بن ثابت إلا في هذا الأثر الواحد، وأثر آخر في القراءة أيضًا:

فقد روى بكر بن عمرو؛ أن عبيد الله بن مقسم أخبره؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال له: إذا صليت وحدك فاقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة سورة، وفي الركعتين الأخريين بأم القرآن، قال: فلقيت زيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، فقالا مثل ما قال ابن عمر".

أخرجه الطحاوي (1/ 210) بإسناد صحيح إلى بكر به.

وعبيد الله بن مقسم مشهور بالرواية عن جابر وابن عمر، وقد نص البخاري وأبو حاتم على سماعه من جابر [توفي بعد سنة (70)]، وابن عمر [توفي سنة (73)]، وأبي هريرة [توفي سنة (59) أو قبلها][التاريخ الكبير (5/ 397)، الجرح والتعديل (5/ 333)]، وروايته عن جابر في الصحيحين [البخاري (1311)، مسلم (960 و 1935 و 2578)، وانظر فيما تقدم في سنن أبي داود (599 و 793)]، وروايته عن ابن عمر في صحيح مسلم (2788)، ولم يذكروا له رواية عن زيد، وزيد أقدم وفاة من أبي هريرة بنحو عشر سنين أو أقل، فسماع ابن مقسم منه مستبعد، لا سيما وقد تفرد بجمع هؤلاء الصحابة الثلاثة عن عبيد الله بن مقسم المدني: بكر بن عمرو المعافري المصري، وغيره من أهل المدينة يرويه عن جابر وحده.

وبكر بن عمرو المعافري المصري: روى عنه جماعة من ثقات المصريين، وقال أحمد:"يُروى عنه"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، وقال الدارقطني:"يُعتبر به"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن يونس:"كانت له عبادة وفضل"، وقال ابن القطان:"ولا تُعلم عدالته، وإنما هو من الشيوخ الذين لا يعرفون بالعلم، وإنما وقعت لهم روايات أخذت عنهم، بنحو ذلك وصفه أحمد بن حنبل"، فذكر قوله وقول أبي حاتم فيه، وقال في موضع آخر:"لم تثبت ثقته في الحديث"، وعلى العكس من ذلك قال الذهبي في السير، ولم يُسبق إليه:"وكان ثقة ثبتًا، فاضلًا متألهًا، كبير القدر، إمام جامع الفسطاط"، والذهبي معروف بتوسعه في عبارات التعديل، وترجم له ترجمة مقتضبة جدًّا تدلل على عدم وفرة مصادر ترجمته، وأنه كما قال ابن القطان فيه، ولذا فإن قول الذهبي عنه في الميزان أقرب

ص: 234

إلى الصواب من قوله عنه في السير، قال في الميزان:"محله الصدق، واحتج به الشيخان" "الجرح والتعديل (2/ 390)، الثقات (6/ 103)، سؤالات البرقاني (57)، تاريخ دمشق (10/ 383)، بيان الوهم (4/ 69/ 1504) و (4/ 495/ 2061)، السير (6/ 203)، الميزان (1/ 347)، تاريخ الإسلام (8/ 387)، التهذيب (1/ 245)]، قلت: البخاري إنما أخرج له متابعةٌ في قصة ترك ابن عمر للجهاد، ودفاعه عن عثمان وعلي، ومسلم إنما أخرج له متابعة في حديث لأبي ذر [صحيح البخاري (4514 و 4650)، صحيح مسلم (1825)]، فمثل هذا لا يُحتمل منه إثبات لقيٍ وسماعٍ لعبيد الله بن مقسم من زيد.

• خالف بكر بن عمرو فيه، فلم يذكر ابن عمر ولا زيد بن ثابت:

داود بن قيس [الفراء: مدني ثقة]، فرواه عن عبيد الله بن مقسم، قال: سألت جابر بن عبد الله: أتقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر شيئًا؟ فقال: لا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 141/ 2819).

ورواه الضحاك بن عثمان [وهو: صدوق، يهم كثيرًا، تقدمت ترجمته قريبًا]، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، قال: لا يُقرأُ خلف الإمام.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 330/ 3786).

• وروى أيضًا: داود بن قيس، عن عبيد الله بن مقسم، قال: سألت جابر بن عبد الله، قال: أما أنا فأقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 101/ 2661)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 113/ 1332).

ورواه سفيان الثوري، عن أيوب بن موسى [الأموي المكي: ثقة]، عن عبيد الله بن مقسم، قال: سألت جابر بن عبد الله عن القراءة في الظهر والعصر؟ فقال: أما أنا فاقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 101/ 2662)، والطحاوي (1/ 210).

• وهذان أثران متعارضان، أحدهما يقول بالمنع من القراءة، والآخر يجيز، فإن قيل: قد روي من وجهٍ يزيل الإشكال:

رواه أسامة بن زيد، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله؛ أنه سأله: كيف تصنعون في صلاتكم التي لا تجهرون فيها بالقراءة إذا كنتم في بيوتكم؟ فقال: نقرأ في الأوليين من الظهر والعصر في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، ونقرأ في الأخريين بأم القرآن، وندعو.

أخرجه الطحاوي (1/ 210).

ورواه ابن وهب، قال: أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن عبيد الله بن مقسم، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: إذا صليت وحدك شيئًا من الصلوات فاقرأ في الركعتين الأوليين بسورة مع أم القرآن، وفي الأخريين بأم القرآن.

ص: 235

أخرجه الطحاوي (1/ 210).

• وبهذا يمكن الجمع بين الأثرين المتعارضين، بحمل الأول على صلاة الجماعة فلا يقرأ فيها المأموم شيئًا سرًّا كانت أو جهرًا، والثاني على صلاة المنفرد فيقرأ، لكنا لا نذهب إلى هذا الجمع لسببين:

الأول: أن الرواية الأولى فيها: أسامة بن زيد الليثي مولاهم: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)]، وأخاف أن يكون هذا من أوهامه، ولم يكن أسامة ثقة حافظًا يعتمد على حفظه.

وفي الثانية: مخرمة بن بكير عن أبيه، وسبق الكلام عليه.

السبب الثاني: أنا بهذا الجمع سوف نحتاج إلى الجمع مع ما ثبت عن جابر في إثبات القراءة خلف الإمام في السرية:

فقد روى مسعر بن كدام: حدثني يزيد بن صهيب الفقير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: يُقرأ [وفي رواية: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام، في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة [سواها]، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وكنا نتحدث أنه:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما فوق ذاك"، وفي رواية:"لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب".

وهو صحيح له حكم الرفع، تقدم تخريجه في الشاهد الثالث.

فكيف ينقل لنا جابر أنهم كانوا يقرؤون خلف الإمام، وإمامهم يومئذ هو النبي صلى الله عليه وسلم، أو أحد الخلفاء الراشدين الناقلين لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، وهم كانوا أعلم الناس بصفة صلاته صلى الله عليه وسلم، كيف ينقل لنا سُنَّة القراءة خلف الإمام في السرية، ثم هو بعد ذلك يأمر بخلافها، أو يُسأل عن فعله، فيخبر بمخالفته لما كان عليه الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، لا شك أن ذلك مستبعد وقوعه من هذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري؛ فإما أن يكون وقع وهم من الرواة الناقلين للخبر المضاد لذلك، أو هو مما يمكن تأويله والجمع بينه وبين هذا الخبر الموافق لبقية الأخبار الثابتة في هذا الباب.

• فأقول: الخبر المحكم عن جابر في هذا، هو ما رواه عنه يزيد بن صهيب، فهو خبر محكم مفصل يجب أن يُرد إليه المتشابه المجمل، مثل خبر عبيد الله بن مقسم، من رواية داود بن قيس وأيوب بن موسى عنه، فتحمل القراءة على المنفرد والمأموم في الصلاة السرية، ويحمل النهي عن القراءة خلف الإمام على الجهرية، ويحمل عدم القراءة خلف الإمام في الظهر والعصر على ما زاد عن فاتحة الكتاب، والله أعلم.

• وما رواه عثمان بن الضحاك بن عثمان، عن أبيه، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله قال: سنة القراءة في الصلاة أن تقرأ في الأوليين بأم القرآن وسورة، وفي الأخريين بأم القرآن.

ص: 236

أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 100/ 9248).

قال الدارقطني في العلل (13/ 376/ 3264): "ورواه مالك عن الضحاك بن عثمان موقوفًا، وهو أشبه".

قلت: وهو كما قال، وعثمان بن الضحاك: ضعيف.

• قال البيهقي في السنن، وفي القراءة خلف الإمام (211) عن أثر عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت: لا قراءة مع الإمام في شيء، والذي أخرجه مسلم، قال البيهقي:"وهو محمول عندنا على الجهر بالقراءة مع الإمام".

فتعقبه العلامة الألباني رحمه الله تعالى في الضعيفة (2/ 421/ 993)، فقال:"هذا حمل بعيد جدًّا، وإنما يحمل على مثله التوفيقُ بين الأثر والمذهب! وإلا فكيف يؤوَّل بمثل هذا التأويل الباطل الذي إنما يقول البعض مثله إذا كان هناك من يرى مشروعية جهر المؤتم بالقراءة وراء الإمام، فهل من قائل بذلك حتى يضطر زيد رضي الله عنه إلى إبطاله؟! اللَّهُمَّ لا، ولكنه التعصب للمذهب، عافانا الله منه، وإن مما يؤكد بطلانه أن الإمام الطحاوي رواه (1/ 129) من الطريق المذكور عن زيد بلفظ: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات! ".

قلت: قد بيَّنت شذوذ هذه الرواية، وتقدم بيان معنى الأثر، والله أعلم.

13 -

حديث بلال:

قال البيهقي في القراءة (441): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله في التاريخ [هو الحافظ الكبير أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن البيِّع، صاحب المستدرك]: ثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن القاسم السرخسي: ثنا أحمد بن عبد الرحمن السرخسي: ثنا إسماعيل بن الفضل [بن موسى بن مسمار بن هانئ أبو بكر البلخي، أخو عبد الصمد بن الفضل: لا بأس به. سؤالات الحاكم (53)، الإرشاد (3/ 943)، تاريخ بغداد (6/ 290)]: ثنا عيسى بن جعفر [قاضي الري، وهو كوفي سكن الري: صدوق. الجرح والتعديل (6/ 273)، الثقات (8/ 492)، تاريخ الإسلام (15/ 334)]: ثنا سفيان الثوري، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أقرأ خلف الإمام.

قال أبو عبد الله الحافظ: "هذا باطل، والثوري يبرأ إلى الله عز وجل منه"[وانظر: تاريخ نيسابور (69)].

وقال أيضًا: "وهذا الخبر من النوع الذي يقول: إنه لا يسوي سماعه، فلو صح مثله عن الثوري لما خفي، ولما وقع الخلاف في صحته".

وقال البيهقي: "إن عيسى بن جعفر قاضي الري: ثقة ثبت، لا يحتمل مثل هذا الدنس، فالراوي عنه لا يخلو من وجهين: إما أن يكون صدوقًا دخل له حديث في حديث، أو كذابًا وضع هذا الحديث على عيسى بن جعفر، فإن عيسى شيخ قديم لم يدركه

ص: 237

إسماعيل بن الفضل، وإسماعيل هو أخو عبد الصمد بن الفضل البلخي، وهذا الوهم من الرجل الذي أسقط ذكره، أو من الراوي عن إسماعيل؛ إن لم يكن عبد من عباد الله أحسب في وصفه نعوذ بالله من الجهل؛ فإن لم يكن الراوي صدوقًا؛ فإنه أراد بإسناده: عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، وإن كان غير ذلك؛ فإنه موضوع، لا يجمل ذكره، ولا يسوى الكلام عليه" [القراءة خلف الإمام، مختصر الخلافيات (2/ 128)].

وقال الذهبي في ترجمة شيخ الحاكم من الميزان (1/ 149): "سمع منه الحاكم حديثًا، فقال: هذا باطل منكر، ولكن في إسناده مجاهيل، وهو متهم".

قلت: هو حديث موضوع؛ آفته شيخ الحاكم، أو شيخ شيخه.

14 -

حديث النواس بن سمعان:

روى البيهقي في القراءة (442) بإسناد فيه من لم أعرفه إلى: سليمان بن سلمة [هو الخبائري، وهو: متروك، واتهم. اللسان (4/ 155)]، عن محمد بن إسحاق الأندلسي: أنبأ مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن النواس بن سمعان، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، وكان عن يميني رجل من الأنصار، فقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى يساري رجل من مزينة يلعب بالحصا، فلما قضى صلاته، قال:"من قرأ خلفي؟ " قال الأنصاري: أنا يا رسول الله، قال:"فلا تفعل، من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة"، وقال للذي يلعب بالحصا:"هذا حظك من صلاتك".

قال البيهقي: "هذا إسناد باطل، فيه من لا يعرف، ومحمد بن إسحاق هذا إن كان هو العكاشي فهو: كذاب، يضع الحديث على الأوزاعي وغيره من الأئمة، ولو كان عند الناس: مالك عن يحيى عن سعيد بن المسيب مثل هذا الحديث؛ لما فزع من لم ير القراءة خلف الإمام إلى رواية ابن شداد وغيره،

".

قلت: هو حديث باطل؛ بل موضوع، وشيخ الخبائري هو: محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عكاشة بن محصن، ومنهم من ينسبه إلى جده الأعلى، وهو محمد بن محصن العكاشي المترجم في التهذيب (3/ 689)، وهو: كذاب، يضع الحديث [اللسان (6/ 548)].

• وروي مثله أيضًا من حديث أنس، وبمعناه أيضًا عن أنس، وحُكِم عليه بالوضع [انظر: المجروحين (2/ 202) و (3/ 45)، والقراءة خلف الإمام للبيهقي (388)، وتاريخ دمشق (49/ 341)].

• قال البيهقي في المعرفة (2/ 50/ 916): "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت سلمة بن محمد الفقيه، يقول: سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"؟

فقال: لم يصح فيه عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا في الروايات عن علي وعبد الله بن مسعود والصحابة.

ص: 238

قال أبو عبد الله: أعجبني هذا لما سمعته؛ فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي على أديم الأرض".

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 102): "أخبار لا تثبت".

وقال النووي في المجموع (3/ 315): "والجواب عن الأحاديث التي احتج بها القائلون بإسقاط القراءة بها: أنها كلها ضعيفة، وليس فيها شيء صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها موقوف، وبعضها مرسل، وبعضها في رواته ضعيف أو ضعفاء".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 242): "حديث ضعيف عند الحفاظ".

• والآثار في الباب كثيرة، وقد اقتصرت على صريح المرفوع، وعلى ما هو معلول بالموقوف، أو ما دعت الحاجة إلى ذكره.

• وحاصل ما جاء في هذا الباب:

أن أصح ما ورد فيه مرفوعًا: هو مرسل عبد الله بن شداد بإسناد صحيح، وجاء معناه مقيدًا موقوفًا على: ابن مسعود، وأبي الدرداء، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وهو صحيح ثابت عنهم، موقوف عليهم.

فما صح من ذلك عنهم في عدم القراءة خلف الإمام؛ يحمل على حال الجهر دون الإسرار، جمعًا بين الأخبار، وحتى توافق هذه الآثار حديث عبادة:"لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"، وحديث أبي هريرة:"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرأن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج، غير تمام"، وما كان في معناهما، حيث تحمل هذه الأحاديث الصحيحة على إيجاب القراءة بفاتحة الكتاب على الإمام والمنفرد والمأموم في الصلاة السرية، لا سيما وحديث عمران بن حصين فيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة على قراءتهم خلفه بما زاد على فاتحة الكتاب، وإنما أنكر رفع الصوت بما حقه الإسرار، لذا قال شعبة: فقلت لقتادة: أليس قول سعيد: أنصِتْ للقرآن؟ قال: ذاك إذا جهر به، وفي رواية عن شعبة، قال: قلت لقتادة: كأنه كرهه؟، قال: لو كرهه نهى عنه، فلما لم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءتهم خلفه بما زاد على فاتحة الكتاب، دل على أنها هي السُّنَّة، واللّه الموفق إلى سبيل الأبرار.

قال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 52) عن حديث عمران: "ليس في هذا الحديث دليل على كراهية ذلك [يعني: كراهية القراءة خلف الإمام في السرية]؛ لأنه لو كرهه لنهى عنه، وإنما كره رفع صوت الرجل بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في صلاةٍ سُنَّتُها الإسرارُ بالقراءة".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن حديث عمران هذا: "ففي هذا الحديث أن منهم من قرأ خلفه في صلاة السر بزيادة على الفاتحة، ومع ذلك لم ينههم عن ذلك، وذلك إقرار منه لهم على القراءة خلفه بالزيادة على الفاتحة في صلاة السر، خلافًا لمن قال: لا يقرأ خلفه بحال، أو لا يقرأ بزيادة على الفاتحة"[مجموع الفتاوى (23/ 319)].

ص: 239

وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (2/ 478): "وتمام الدليل: أن المأموم قرأ في السورة بعد الفاتحة، ولم ينهه عن ذلك، بل أقره، فدل على مشروعية ذلك، وهو المطلوب".

وجميل في هذا الموضع قول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان مشروعية قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة السرية دون الجهرية، إذ يقول:"جميع الأذكار التي يُشرع للإمام أن يقولها سرًّا يُشرع للمأموم أن يقولها سرًّا، كالتسبيح في الركوع والسجود، وكالتشهد والدعاء، ومعلوم أن القراءة أفضل من الذكر والدعاء، فلأي معنى لا تشرع له القراءة في السر وهو لا يسمع قراءة السر، ولا يؤمِّن على قراءة الإمام في السر"، إلى أن قال:"وأيضًا فالسكوت بلا قراءة ولا ذكر ولا دعاء ليس عبادة، ولا مأمورًا به، بل يفتح باب الوسوسة، فالاشتغال بذكر الله أفضل من السكوت، وقراءة القرآن من أفضل الخير"[مجموع الفتاوى (23/ 285)].

• وقد صح عن علي الأمر بالقراءة خلف الإمام في السرية:

فقال ابن أبي رافع في رواية عنه: كان علي يقول: اقرؤوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر خلف الإمام بفاتحة الكتاب وسورة.

وفي رواية: إذا لم يجهر الإمام في الصلوات فاقرأ بأم الكتاب وسورة أخرى في الأولِيين من الظهر والعصر، وبفاتحة الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر، وفي الآخرة من المغرب، وفي الأخريين من العشاء.

• وصح عن جابر بن عبد الله إخباره عن فعل الصحابة رضي الله عنهم بالقراءة خلف الإمام في السرية:

فقد روى مسعر بن كدام: حدثني يزيد بن صهيب الفقير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سواها، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وكنا نتحدث أنه:"صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما فوق ذاك"، وفي رواية:"لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب".

وهو صحيح له حكم الرفع، تقدم تخريجه في الشاهد الثالث.

• وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر.

تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (809).

• وأما ما رُوي عن عمر بن الخطاب في ذلك:

فقد رواه سليمان الشيباني، عن جوَّاب بن عبيد الله التيمي، قال: حدثنا يزيد بن شريك التيمي أبو إبراهيم التيمي، قال: سألت عمر بن الخطاب عن القراءة خلف الإمام؟ فقال لي: اقرأ، قال: قلت: وإن كنتُ خلفك؟ قال: وإن كنتَ خلفي، قال: وإن قرأتَ؟ قال: وإن قرأتُ.

ص: 240

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (56)، وفي التاريخ الكبير (8/ 340)، وعبد الرزاق (2/ 131/ 2776)، وابن أبي شيبة (1/ 327/ 3748)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2480)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 109/ 1322)، والطحاوي (1/ 218)، والبيهقي في المعرفة (2/ 923/55)، وفي القراءة (186)، والخطيب في التاريخ (11/ 80)، وذكره الدارقطني في العلل (2/ 225/ 238).

هكذا رواه عن الشيباني: سفيان الثوري، وهشيم بن بشير، وخالد بن عبد الله الواسطي، وهم ثقات أثبات متقنون.

• ورواه حفص بن غياث عنه كالجماعة، ورواه أيضًا عن أبي إسحاق الشيباني، عن جواب التيمي، وإبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن الحارث بن سويد، عن يزيد بن شريك؛ أنه سأل عمر رضي الله عنه عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنتَ أنتَ، قال: وإن كنتُ أنا، قلت: وإن جهرتَ، قال: وإن جهرتُ.

أخرجه الدارقطني (1/ 317)، والحاكم (1/ 239)، والبيهقي في السنن (2/ 167)، وفي المعرفة (2/ 55/ 924)، وفي القراءة (187 - 189).

قال الدارقطني عن هذا الإسناد: "رواته كلهم ثقات"، وقال عن إسناد حفص الذي وافق فيه الجماعة:"هذا إسناد صحيح".

قلت: الأقرب أن إسناد حفص الثاني: شاذ، تفرد به حفص بن غياث دون ثلاثة من كبار الحفاظ المتقنين، وقولهم أشبه بالصواب، وإنما يُعرف هذا عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عباية بن رداد عن عمر، هكذا رواه عن إبراهيم جماعة من الحفاظ، مثل: شعبة، وأبي عوانة، وعباية بن رداد هو عباية بن ربعي: شيعي غالٍ، متكلم فيه، ليس حديثه بشيء [اللسان (4/ 417)، المعرفة والتاريخ (3/ 245)][وسيأتي ذكر مصادره فيما لا يصح عن عمر].

وأما لفظ الجهر، فقال الدارقطني في العلل (2/ 238/225):"حدث به عن الشيباني جماعة، منهم: سفيان الثوري، وخالد الواسطي، وهشيم، وشريك، وحفص بن غياث، فأما شريك وحفص فزادا فيه زيادة حسنة، أغربا بها على أصحاب الشيباني، وهي قوله: وإن جهر، قال: وإن جهر، ولم يذكر الجهر غيرهما، وزيادتهما مقبولة لأنهما ثقتان".

قلت: شريك: سيئ الحفظ كثير الخطأ، وحفص: ثبت في الأعمش، وله عن غيره غرائب، وساء حفظه بعد ما استقضي [انظر: التهذيب (1/ 458)]، والأشبه عندي شذوذ روايتهما، والقول قول الحفاظ الأثبات المتقنين.

قال ابن عبد البر في التمهيد (11/ 35): "وهذا محله عندنا فيما أسر فيه الإمام؛ لأن ابن عيينة روى عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل قال عهد إلينا عمر بن الخطاب أن لا نقرأ مع الإمام، وهذا عندنا على الجهر؛ لئلا يتضاد الخبر عنه، وليس في هذا الباب شيء يثبت من جهة الإسناد عن عمر، وعنه فيه اضطراب".

ص: 241

قلت: هذا إسناد صحيح متصل، رجاله ثقات كوفيون، وجواب بن عبيد الله التيمي: ثقة، وثقة ابن معين ويعقوب بن سفيان، وأما تضعيف ابن نمير له فإنه معتمد على كون الثوري رآه فلم يحمل عنه، وإنما لم يحمل عنه الثوري لأنه كان مرجئًا، كما بيَّن ذلك الثوري نفسه في رواية أبي نعيم عنه، فهو: ثقة لم تثبت فيه جرحة من قِبل الرواية، قال ابن عدي:"وجواب التيمي كان قاصًا، وكان بجرجان، وهو كوفي سكن جرجان، وليس له من الحديث المسند إلا القليل، وله مقاطيع في الزهد وغيره، ولم أر له حديثًا منكرًا في مقدار ما يرويه، وكان يرمى بالإرجاء"، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال الذهبي معتمدًا تضعيف ابن نمير له:"وليس بالقوي في الحديث، مع أن ابن معين قد وثقه"[انظر: الجرح والتعديل (2/ 535)، الكامل (2/ 177)، التهذيب (2/ 91)، الميزان (1/ 426)، تاريخ الإسلام (7/ 339) و (8/ 65)].

ويزيد بن شريك بن طارق التيمي والد إبراهيم: ثقة، من الطبقة الثانية، يقال: إنه أدرك الجاهلية.

وله أسانيد أخرى عن عمر لا تخلو من مقال:

أخرجها عبد الرزاق (2/ 131/ 2777)، وابن سعد في الطبقات (6/ 147)، وابن أبي شيبة (1/ 317/ 3624)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 101/ 1307) و (3/ 109/ 1323)، والبيهقي في السنن (2/ 167)، وفي القراءة (190 - 193)، والخطيب في الموضح (2/ 343 و 344)، وانظر: العلل ومعرفة الرجال (2/ 169/ 1896).

والحاصل: أنه يمكن الجمع بين أثر عمر هذا، وبين ما تقدم من آثار عن الصحابة، بحمل أثر عمر على ما أسر به الإمام دون ما جهر به، كما قال ابن عبد البر، والله أعلم.

• وأما احتجاج بعضهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى المأموم عن الجهر بالقراءة، لا عن قراءة المأموم مع الإمام حال جهره، واحتج لذلك بحديثٍ رواه:

النعمان بن راشد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة؛ أن عبد الله بن حذافة صلى فجهر بالقراءة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا ابن حذافة! لا تُسمِعْني، وأسمع الله عز وجل".

أَخرجه أحمد (2/ 326)، والبزار (14/ 297/ 7906)(727 - كشف الأستار)، وابن نصر في قيام الليل (134 - مختصره)، وأبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (15)(259 - مجموع مصنفاته)، والبيهقي في السنن (2/ 162)، وفي القراءة خلف الإمام (174 و 366).

فهو منكر؛ وهم فيه النعمان بن راشد، وهو سيئ الحفظ، ليس بالقوي، وقال الذهبي في تهذيب سنن البيهقي (2/ 608):"هذا من مناكير النعمان".

وقد ذكر الدارقطني في العلل (8/ 1388/24) أن الزبيدي تابع النعمان على ذلك.

وقد وقفت على روايته عند ابن منده في التوحيد (3/ 49/ 413)، قال: أخبرنا أبو

ص: 242

القاسم الحسن بن منصور الإمام بحمص [ذكره المصنف في الكنى (26)، وقال: "أدرك محمد بن عوف، وحدث عن علي بن الحسن بن معروف"، وقد روى عنه جماعة من المصنفين، مثل: ابن منده وتمام وأبي نعيم الأصبهاني]: حدثنا الحسن بن علي بن معروف [كذا قال، وقد انقلب اسمه على ابن منده، أو على شيخه، وإنما هو: علي بن الحسن بن معروف القصاع الحمصي، روى له ابن منده في مواضع من كتاب الإيمان، وروى عنه أبو القاسم الطبراني، ولا يُعرف]: حدثنا عبد الحميد بن إبراهيم أبو تقي الحمصي: حدثنا عبد الله بن سالم: أخبرني محمد بن الوليد الزبيدي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أن عبد الله بن حذافة

فذكره.

قلت: ولا يصح هذا إلى الزبيدي؛ وأبو تَقي عبد الحميد بن إبراهيم الحضرمي الحمصي: سمع كتب عبد الله بن سالم عن الزبيدي، ثم ذهبت كتبه، فكان لا يحفظها، فلقنوه من كتاب ابن زبريق عن عبد الله بن سالم، وكان ضريرًا يتلقن، قال محمد بن عوف الحمصي:"فكان لا يحفظ الإسناد، ويحفظ بعض المتن"، وقال أبو حاتم:"وليس هذا عندي بشيء؛ رجل لا يحفظ، وليس عنده كتب"[الجرح والتعديل (6/ 8)، سؤالات البرذعي (706)، الميزان (2/ 537)، التهذيب (2/ 472)].

• وأبطل من هذا: ما رواه عثمان بن عبد الرحمن المدني الوقاصي، عن الزهري، عن عبد الله بن جهر، عن أبيه جهر، قال: قرأت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال:"يا جهر! أسمع ربك، ولا تسمعني".

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 288/ 2200)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 648/ 728)، وانظر: الإصابة (1/ 520).

وهذا باطل من حديث الزهري، وعثمان بن عبد الرحمن الوقاصي: متروك، ساقط، عامة ما يرويه مناكير [التهذيب (3/ 69)].

• وقد رواه على الصواب مرسلًا:

معمر بن راشد، عن الزهري، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن حذافة وهو يصلي، فجهر بصوته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تسمعني يا حذافة [كذا، وهو: ابن حذافة]، وأسمع الله تعالى".

أخرجه عبد الرزاق (2/ 494/ 4207).

• ورواه يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب: حدثني أبو سلمة؛ أن عبد الله بن حذافة قام يصلي فجهر بصلاته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا ابن حذافة لا تسمِّعني، وسمِّع الله". هكذا مرسلًا.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 190)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 355).

قال الدارقطني في العلل (8/ 25/ 1388): "ورواه جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن حذافة.

ص: 243

ورواه يونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، عن الزهري، عن أبي سلمة؛ أن عبد الله بن حذافة.

ورواه ابن عيينة، عن زياد بن سعد، عن الزهري مرسلًا؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن حذافة.

والقول: قول عقيل ويونس [يعني: مرسلًا].

ورواه إسماعيل بن بكير -وهو ضعيف-، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ولا يصح".

قلت: حديث إبراهيم بن سعد رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (169) مرسلًا، قال أبو عبيد: وحدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة يقرأ في المسجد، يجهر بقراءته في صلاة النهار، فقال:"يا ابن حذافة، سمع الله ولا تسمعنا".

فالحديث لا يصح؛ لإرساله.

• وأما ما روي عن عثمان بن عفان، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"للمنصت الذي لا يسمع مثل أجر السامع المنصت".

فهو حديث منكر؛ علقه البيهقي في القراءة خلف الإمام (137)، وصوابه موقوف على عثمان في الإنصات لخطبة الجمعة [كما عند: مالك في الموطأ (1/ 275/160)، ومن طريقه: الشافعي في الأم (1/ 203)، وفي المسند (68)، وعبد الرزاق (2/ 132/ 2780) و (3/ 213/ 5373)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 69/ 1811)، والبيهقي في السنن (3/ 220)، وفي المعرفة (2/ 503/ 1755)، وفي القراءة (315 و 316)].

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد سئل عن القراءة خلف الإمام:"أصول الأقوال ثلاثة: طرفان ووسط، فأحد الطرفين: أنه لا يقرأ خلف الإمام بحال، والثاني: أنه يقرأ خلف الإمام بكل حال، والثالث: وهو قول أكثر السلف، أنه إذا سمع قراءة الإمام أنصت ولم يقرأ، فإن استماعه لقراءة الإمام خير من قراءته، وإذا لم يسمع قراءته قرأ لنفسه، فإن قراءته خير من سكوته، فالاستماع لقراءة الإمام أفضل من القراءة، والقراءة أفضل من السكوت، هذا قول جمهور العلماء، كمالك، وأحمد بن حنبل، وجمهور أصحابهما، وطائفة من أصحاب الشافعي، وأبي حنيفة، وهو القول القديم للشافعي، وقول محمد بن الحسن".

ثم ذكر الأدلة على القول الثالث، فقال:"أما الأول: فإنه تعالى قال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} [الأعراف: 204]، وقد استفاض عن السلف أنها نزلت في القراءة في الصلاة، وقال بعضهم: في الخطبة، وذكر أحمد بن حنبل الإجماع على أنها نزلت في ذلك، وذكر الإجماع على أنه لا تجب القراءة على المأموم حال الجهر"،

"فالآية دالة على أمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام، وسواء كان أمر

ص: 244

إيجاب أو استحباب، فالمقصود حاصل، فإن المراد أن الاستماع أولى من القراءة، وهذا صريح في دلالة الآية على كل تقدير، والمنازع يسلم أن الاستماع مأمور به دون القراءة فيما زاد على الفاتحة، والآية أمرت بالإنصات إذا قرئ القرآن، والفاتحة أم القرآن، وهي التي لا بد من قراءتها في كل صلاة، والفاتحة أفضل سور القرآن، وهي التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها، فيمتنع أن يكون المراد بالآية الاستماع إلى غيرها دونها، مع إطلاق لفظ الآية وعمومها، مع أن قراءتها أكثر وأشهر، وهي أفضل من غيرها، فإن قوله:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} يتناولها كما يتناول غيرها، وشموله لها أظهر لفظًا ومعنى".

إلى أن قال: "فإن الإنصات إلى قراءة القارئ من تمام الائتمام به؛ فإن من قرأ على قوم لا يستمعون لقراءته لم يكونوا مؤتمين به، وهذا مما يبين حكمة سقوط القراءة على المأموم، فإن متابعته لإمامه مقدمة على غيرها حتى في الأفعال، فإذا أدركه ساجدًا سجد معه، وإذا أدركه في وتر من صلاته تشهد عقب الوتر، وهذا لو فعله منفردًا لم يجز، وإنما فعله لأجل الائتمام، فيدل على أن الائتمام يجب به ما لا يجب على المنفرد، ويسقط به ما يجب على المنفرد".

ثم احتج في ذلك بزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا"، وقد بيَّنت آنفًا شذوذها، وأن العمدة على نص الكتاب، ثم استدل بكلام الزهري المدرج في حديث ابن أكيمة على أن الصحابة لم يكونوا يقرؤون في الجهر مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استدل أيضًا بموقوفات الصحابة فيما صح عنهم، مثل: جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، إلى أن قال: "وأيضًا: ففي إجماع المسلمين على أنه فيما زاد على الفاتحة يؤمر بالاستماع دون القراءة دليل على أن استماعه لقراءة الإمام خير له من قراءته معه، بل على أنه مأمور بالاستماع دون القراءة مع الإمام.

وأيضًا: فلو كانت القراءة في الجهر واجبة على المأموم للزم أحد أمرين: إما أن يقرأ مع الإمام، وإما أن يجب على الإمام أن يسكت له حتى يقرأ، ولم نعلم نزاعًا بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم بالفاتحة ولا غيرها، وقراءته معه منهي عنها بالكتاب والسُّنَّة، فثبت أنه لا تجب عليه القراءة معه في حال الجهر".

ثم تكلم عن السكتات المأثورة في الصلاة، وقد سبق أن بيَّنت أن المحفوظ فيها سكتتان: إحداهما بعد تكبيرة الإحرام لأجل دعاء الاستفتاح، والأخرى قبل الركوع للفصل وأخذ النفس والاستراحة، وهي قصيرة يسيرة، ولذا أنكرها عمران بن حصين، إلى أن قال شيخ الإسلام:"ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله؛ فلما لم ينقُل هذا أحدٌ علم أنه لم يكن"، ثم ذكر أن الصحابة أيضًا لم ينقل عنهم أنهم فعلوا ذلك، لكن يمكن الاعتراض على ذلك بعموم قول عمر وأبي هريرة، وبفعل عبادة بن الصامت، وقد سبق رد هذا الاعتراض.

ص: 245

إلى أن قال: "وأيضًا فالمقصود بالجهر استماع المأمومين، ولهذا يؤمِّنون على قراءة الإمام في الجهر دون السر، فإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة فقد أُمِر أن يقرأ على قوم لا يستمعون لقراءته،

، وهذا سفه تنزه عنه الشريعة" [مجموع الفتاوى (23/ 265 - 279)].

وقال في تعارض العمومين، عموم الآية في الأمر بالإنصات، وعموم حديث عبادة: "فهذا عموم قد خُصَّ منه المسبوق بحديث أبي بكرة وغيره، وخُصَّ منه الصلاة بإمامين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس وقد سبقه أبو بكر ببعض الصلاة قرأ من حيث انتهى أبو بكر ولم يستأنف قراءة الفاتحة؛ لأنه بنى على صلاة أبي بكر، فإذا سقطت عنه الفاتحة في هذا الموضع فعن المأموم أولى، وخُصَّ منه حال العذر، وحال استماع الإمام حال عذر، فهو مخصوص، وأمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام لم يخص معه شيء، لا بنص خاص، ولا إجماع، وإذا تعارض عمومان: أحدهما محفوظ، والآخر مخصوص، وجب تقديم المحفوظ.

وأيضًا: فإن الأمر بالإنصات داخل في معنى اتباع المأموم، وهو دليل على أن المنصت يحصل له بإنصاته واستماعه ما هو أولى به من قراءته" [المجموع (23/ 290)، وانظر: (23/ 312)].

وقال أيضًا: "ولأن المأموم مأمور باستماع ما زاد على الفاتحة، وليست قراءةً واجبةً، فكيف لا يؤمر بالاستماع لقراءة الإمام الفاتحة، وهي الفرض، وكيف يؤمر باستماع التطوع دون استماع الفرض، وإذا كان الاستماع للقراءة الزائدة على الفاتحة واجبًا بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، فالاستماع لقراءة الفاتحة أوجب"[المجموع (23/ 295)، وانظر: (23/ 313)].

وقد سبق أن نقلت بعض كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة في مواضع متفرقة من البحث، بحسب الحاجة، والله أعلم.

• مسألة: هل يقرأ الفاتحة في كل ركعة؟ أم مرة واحدة تجزئ؟

قلت: يفصل المسألة قول الصاحب، فقد روى مالك، عن أبي نعيم وهب بن كيسان، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصلِّ؛ إلا وراء الإمام [تقدم تخريجه، وهو موقوف صحيح].

قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 199): "وجابر أحد علماء الصحابة الذين يُسلَّم لهم في التأويل؛ لمعرفتهم بما خرج عليه القول".

وفي مسائل إسحاق بن منصور الكوسج لأحمد (193): "قلت: إذا لم يقرأ في الأخيرتين؟ قال: لا تجزئه، كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب في كل ركعة لا تجزئه؛ إلا وراء الإمام".

• ومما يشهد لهذا المعنى أيضًا: حديث رفاعة بن رافع في قصة المسيء صلاته، والشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم اقرأ بأمِّ القرآن، ثم اقرأ بما شئتَ"، إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم اصنع ذلك في كلِّ ركعةٍ".

ص: 246