الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب تكميلي
باب القراءة في صلاة العشاء
1 -
حديث جابر في قصة معاذ بن جبل:
رواه سفيان، عن عمرو بن دينار: سمع جابر بن عبد الله، يقول: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيؤلم قومه، فصلى ليلةً مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأفهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجلٌ فسلَّم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقتَ يا فلان؛ قال: لا والله، ولآتِيَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأُخبرنَّه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنا أصحاب نواضح، نعمل بالنهار، وإن معاذًا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"يا معاذ أفتان أنت، اقرأ بكذا، واقرأ بكذا".
قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنَّه قال: "اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَالضُّحَى}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} "، فقال عمرو: نحو هذا. لفظ مسلم.
• ولفظ الشافعي عن ابن عيينة: كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء - أو: العتمة -، ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سلمة، قال: فأخَّر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة، فصلى معه معاذ، قال: فرجع فأمَّ قومه فقرأ بسورة البقرة، فتنحى رجل من خلفه فصلى وحده، فقالوا له: أنافقت؟ قال: لا، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه، فقال: يا رسول الله! إنك أخرت العشاء، وإن معاذًا صلى معك، ثم رجع فأمَّنا، فافتتح بسورة البقرة، فلما رأيت ذلك تأخرت وصليت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"أفتان أنت يا معاذ؟ أفتان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا".
قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عشة، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، مثله، وزاد فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اقرأ: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ونحوها".
قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير يقول: قال له: "اقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ، فقال عمرو: هو هذا أو نحوه.
وزاد سفيان في رواية أخرى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} .
أخرجه مسلم (465/ 178)، وتقدم تخريجه برقم (600).
وهذا الحديث قد رواه عن عمرو بن دينار جماعة مطولًا ومختصرًا.
• وفي رواية شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله: أن معاذًا كان يصلي
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم، فجاء ذات ليلة فصلى العتمة، وقرأ البقرة، فجاء رجل من الأنصار فصلى ثم ذهب، فبلغه أن معاذًا ينال منه، فشكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:"فاتِنًا، فاتِنًا، فاتِنًا أو: "فتَّانًا، فتَّانًا، فتَّانًا"، ثم أمره بسورتين من وسط المُفصَّل.
أخرجه البخاري (700 و 701)، وانظر أيضًا: صحيح البخاري (711 و 6106)، وتقدم تخريجه برقم (600).
• ورواه الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر أنَّه قال: صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء، فطوَّل عليهم، فانصرف رجل منا، فصلى، فأخبِر معاذٌ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجلَ، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أتريد أن تكون فتَّانًا يا معاذ؟ إذا أَمَمْتَ الناس فاقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ".
أخرجه مسلم (465/ 179)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (600).
• ورواه شعبة، قال: حدثنا محارب بن دثار، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: أقبل رجل بناضحين، وقد جنح الليل، فوافق معاذًا يصلي، فترك ناضحه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء [محارب الَّذي يشك]، فانطلق الرجل، وبلغه أن معاذًا نال منه، فأتى [الرجلُ، النبيَّ صلى الله عليه وسلم فشكا إليه معاذًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ أفتَّان أنت؟ - أو: فاتن -" ثلاث مرار، "فلولا صلَّيتَ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، {وَالضُّحَى}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}، فإنه يصلي وراءَك الكبيرُ والضعيفُ وذو الحاجة".
أخرجه البخاري (705)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (600)، وانظر هناك بقية طرقه وألفاظه.
2 -
حديث أَنس بن مالك:
رواه جماعة من الحفاظ، عن إسماعيل ابن علية: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أَنس، قال: كان معاذ بن جبل يؤم قومه، فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله، فدخل المسجد ليصلي مع القوم فلما رأى معاذًا طوَّل تجوَّز في صلاته، ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له: إن حرامًا دخل المسجد فلما رآك طوَّلت تجوَّز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، فقال: إنه منافق، أيتعجل الصلاة من أجل سقي نخله!، فجاء حرام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ عنده فقال: يا نبي الله! إني أردت أن أسقي نخلًا لي، فدخلت المسجد لأصلي مع القوم، فلما طوَّل تجوَّزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه، فزعم أني منافق؟، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال:"أفتان أنت؟ أفتان أنت؟ لا تطوِّل بهم، اقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، ونحوهما".
أخرجه النسائي في الكبرى (10/ 335/ 11610)، وهو حديث صحيح، إسناده صحيح على شرط الشيخين. وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (600).
3 -
حديث بريدة بن الحصيب:
يرويه زيد بن الحباب، وعلي بن الحسن بن شقيق:
حدثنا الحسين بن واقد، قال: حدثنا عبد الله بن بريدة [الأسلمي]، قال: سمعت أبي بريدة يقول: إن معاذ بن جبل صلى بأصحابه صلاة العشاء فقرأ فيها {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} ، فقام رجل من قبل أن يفرغ، فصلى وذهب، فقال له معاذ قولًا شديدًا، فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه، فقال: إني كنت أعمل في نخل فخفت على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [يا معاذ] صلِّ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، ونحوها من السور.
وروى أيضًا زيد بن الحباب، وعلي بن الحسن بن شقيق:
عن حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، ونحوها من السور.
وقد اختلف في هذا الحديث على زيد بن الحباب اختلافًا شديدًا، حيث اضطرب فيه: فمرة يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والعشاء: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، {وَالضُّحَى} ، وكان يقرأ في الظهر والعصر:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
ومرة يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ونحوها.
وهذا اضطراب من زيد بن الحباب؛ فقد كان كثير الخطأ [انظر: التهذيب (1/ 661)]، ولم يختلف فيه على علي بن الحسن بن شقيق، وقد كان ثقة حافظًا، فحديثه أولى بالصواب، والأقرب كون الروايتين محفوظتين، أعني: قصة معاذ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث بريدة في القراءة في صلاة العشاء: حديث حسن، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (600).
4 -
حديث البراء بن عازب:
يرويه شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء بن عازب، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} .
أخرجه البخاري (767 و 4952)، ومسلم (175/ 464)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (789)، ويأتي عند أبي داود - إن شاء الله تعالى - برقم (1221).
وانظر: معجم الصحابة لابن قانع (1/ 7)، إتحاف الخيرة (2/ 354/ 1858).
5 -
حديث أبي هريرة:
يرويه سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، قال: صليتُ مع أبي هريرة صلاة العتمة، فقرأ:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، فسجد فيها، فقلت: ما هذه السجدة؟ فقال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتَّى ألقاه.
وفي رواية سليم بن أخضر عن التيمي: سجد بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأنا خلفه [عند النسائي].
وفي رواية أبي الأشعث أحمد بن المقدام عن المعتمر عن أبيه: صليت خلف أبي القاسم فسجد بها [عند ابن خزيمة].
وفي رواية يزيد بن هارون عن التيمي: صليت مع أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فسجد بها [عند أبي عوانة وابن المنذر].
أخرجه البخاري (766 و 768 و 1078)، ومسلم (578/ 110)، وأبو عوانة (1/ 953/ 1523)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 178/ 1280 و 1281)، وأبو داود (1408)، والنسائي في المجتبى (2/ 162/ 968)، وفي الكبرى (2/ 8/ 1042)، وابن خزيمة (1/ 282/ 561)، وأحمد (2/ 229)، وإسحاق بن راهويه (1/ 104 / 14)، وأبو يعلى (11/ 364/ 6476)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 271/ 2860)، والطبراني في الأوسط (2/ 98/ 1375)، والدارقطني في العلل (9/ 60/ 1641)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 177)، والبيهقي (2/ 315 و 322)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 122)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 308/ 767).
وروي بلفظ أصرح من هذا:
رواه علي بن زيد بن جدعان [ضعيف]، عن أبي رافع، قال: صليت خلف أبي هريرة بالمدينة العشاء الآخرة، قال: فقرأ فيها {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، فسجد فيها، فقلت: تسجد فيها؟ فقال: رأيت خليلي أبا القاسم سجد فيها، فلا أَدَعُ ذلك.
وفي رواية: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد فيها، فلا أزال أسجد فيها.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 369/ 4236)، وأبو يعلى (11/ 318/ 6434)، والطحاوى (1/ 357).
ولحديث أبي هريرة هذا طرق كثيرة في الصحيح وغيره ليس فيها تعيين هذه الصلاة، والأقرب أن تعيين الصلاة بكونها العشاء موقوف على أبي هريرة من فعله، والمرفوع منه: سجود النبي صلى الله عليه وسلم في الفريضة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، من غير تعيين الصلاة، وقد بوب له النسائي وابن المنذر: باب السجود في الفريضة [ويأتي تخريجه مفصلًا بطرقه في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى].
قال ابن رجب في الفتح (4/ 440): "أما حديث أبي هريرة: فغايته أن يدل على أن أبا هريرة جهر في قراءة صلاة العشاء وسجد، وأخبر أنَّه سجد بهذه السجدة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: في صلاة العشاء، فيحتمل أنَّه سجد بها خلفه في صلاة جهر فيها بالقراءة غير صلاة العشاء، ويحتمل أنَّه سجد بها في غير صلاة؛ فإن القارئ إذا قرأ وسجد سجد من سمعه، ويكون مؤتمًا به عند كثير من العلماء، وهو مذهب أحمد وغيره".
وقال في موضع آخر (4/ 442): "قد ذكرنا أن هذا الحديث إنما فيه التصريح بالسجود في صلاة العشاء عن أبي هريرة، وليس فيه تصريح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: تقدم ذكر الروايات التي فيها التصريح بأن سجود أبي هريرة خلف النبي صلى الله عليه وسلم -
كان في الصلاة، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن حجر (2/ 250)].
6 -
حديث أبي هريرة، وأنس:
يرويه الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة، قال: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلانٍ [لأمير كان بالمدينة]، فصلينا وراء ذلك الإنسان، وكان يطيل الأوليين من الظهر، ويخفف في الأخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصَّل، ويقرأ في العشاء بـ (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) وأشباهها، ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين.
وفي رواية: ويقرأ في المغرب بقصار المفصَّل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصَّل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصَّل.
وفي رواية: ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصَّل، وفي الأوليين من العشاء بوسط المفصَّل، وفي الصبح بطوال المفصَّل.
وهو حديث صحيح، وحديث أَنس بنحوه، وتقدما في شواهد القراءة في المغرب.
7 -
حديث عبد الله بن عمرو:
يرويه وهب بن جرير: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق، يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنَّه قال: ما من المفصَّل سور صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يؤمُّ الناسَ بها في الصلاة المكتوبة.
وهو حديث حسن، تقدم برقم (814).
8 -
حديث أبي هريرة:
يرويه عبد الصمد: ثنا رُزَيق -يعني: بن أبي سُلْمَى-: ثنا أبو المُهَزِّم، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء -يعني: ذات البروج-، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} .
أخرجه أحمد (2/ 326 - 327)، وعلقه الدارقطني في المؤتلف (2/ 1013).
ورواه أبو سعيد مولى بني هاشم: ثنا حماد بن عَبَّاد السدوسي، قال: سمعت أبا المُهَزِّم، يحدث عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أن يُقرَأَ بالسموات في العشاء.
أخرجه أحمد (2/ 327 و 531).
قلت: هو حديث منكر؛ أبو المهزم: متروك، روى أحاديث مناكير عن أبي هريرة، قال ابن عدي:"وعامة ما يرويه ليس بمحفوظ"[التهذيب (4/ 594)، الكامل (7/ 266)، ضعفاء أبي نعيم (269)]، ورزيق وحماد بن عباد: فيهما جهالة [الجرح والتعديل (3/ 505)، سؤالات البرقاني (159)، التعجيل (228)].
9 -
حديث أم سلمة:
يرويه عيسى بن إبراهيم الغافقي [المثرودي، وهو: ثقة]: نا ابن وهب، عن مالك وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: شكوت - أو: اشتكيت -، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة"، قالت: فطفتُ على جملٍ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى صِقع البيت، فسمعته يقرأ في العشاء الآخرة، وهو يصلي بالناس:{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} .
قال ابن لهيعة: وقال أبو الأسود: يقرأ ويرتل إذا قرأ، إلا أن مالكًا قال: يصلي إلى جنب البيت.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 263 / 523).
هكذا وقع خلط بين رواية مالك وابن لهيعة، حيث ركَّب أحدُهم إسناد هذا على إسناد هذا، ومتن هذا على متن هذا، فدخل له حديث في حديث، ولم يفصل بين حديث مالك وحديث ابن لهيعة.
فقد رواه أسد بن موسى [صدوق]، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، عن أم سلمة، قالت: اشتكيت، فأمرني رسول الله - صل ى الله عليه وسلم - أن أطوف على جمل وراء الناس، وهم يصلون العشاء.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 64/ 69 - مسند ابن عباس).
فظهر بهذا أن إسناد ابن لهيعة بدون ذكر زينب بنت أبي سلمة، وأن ابن لهيعة هو الَّذي عيَّن هذه الصلاة بأنها العشاء، وابن لهيعة: ضعيف.
• وهذا الحديث قد رواه عن الإمام مالك جُلُّ أصحابه وبدون تعيين الصلاة:
رواه الإمام الشافعي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وأبو مصعب الزهري، ويحيى بن يحيى الليثي، وعبد الرحمن بن مهدي، وبشر بن عمر الزهراني، ومعن بن عيسى، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن نافع الصائغ، وإسماعيل بن أبي أويس، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ومعلى بن منصور، ومطرف بن عبد الله اليساري، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وعبد الرزاق بن همام، والمغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله المخزومي [وهم (18) رجلًا، [وهم ثقات في الجملة، وفيهم أثبت الناس في مالك]، وسويد بن سعيد الحدثاني، ومحمد بن الحسن الشيباني [وهما ضعيفان]:
رووه كلهم: عن مالك، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال:"طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة"، قالت: فطفتُ راكبةً بعيري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ بـ {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} .
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 498/ 1084 - رواية يحيى الليثي)(1302 - رواية أبي مصعب الزهري)(679 - رواية القعنبي)(91 - رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي)(552 - رواية الحدثاني)(476 - رواية الشيباني).
ومن طريقه: البخاري في الصحيح (464 و 1619 و 1626 و 1633 و 4853)، وفي خلق أفعال العباد (130)، ومسلم (1276)، وأبو عوانة (2/ 358/ 3422)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 360/ 2939)، وأبو داود (1882)، والنسائي في المجتبى (5/ 223/ 2925) و (5/ 224/ 2927)، وفي الكبرى (4/ 118/ 3889) و (4/ 132/ 3929) و (10/ 272/ 11464)، وابن ماجة (2961)، وابن خزيمة (4/ 238/ 2776)، وابن حبان (9/ 139/ 3830) و (9/ 141/ 3833)، وابن الجارود (462)، وأحمد (6/ 290 و 319)، والشافعي في السنن (506)، وإسحاق بن راهويه (4/ 155/ 1933) و (4/ 182/ 1975)، وعبد الرزاق (5/ 68/ 9021)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 245/ 463)، وأبو يعلى (12/ 410/ 6976)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 63/ 68 - مسند ابن عباس)، وأبو القاسم البغوي في حديث مصعب الزبيري (156)، والطبراني في الكبير (23/ 345/ 804)، والجوهري في مسند الموطأ (251)، وابن حزم في حجة الوداع (177)، والبيهقي في السنن (5/ 78 و 101)، وفي المعرفة (4/ 89/ 2991)، والبغوي في شرح السُّنَّة (7/ 119/ 1911).
ووقع عند الفاكهي: في المغرب، وهي زيادة منكرة، تفرد بها يعقوب بن حميد بن كاسب، وهو: حافظ، له مناكير وغرائب [انظر: التهذيب (4/ 440)، الميزان (4/ 450)].
• تابع مالكًا عليه: بكير بن عبد الله بن الأشج [ثقة]، فقال: سمعت محمد بن عبد الرحمن، يقول: سمعت عروة بن الزبير، قال: سمعت زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: حججتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتكيتُ قبل أن أطوف بالبيت، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اركبي؛ فطوفي راكبةً وراء الناس"، وهو يصلي حينئذ إلى حاشية البيت.
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 345 / 805) بإسناد لا بأس به إلى بكير.
• ورواه هشام بن عروة، عن عروة، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بمكة، وأراد الخروج، ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت، وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون"، ففعَلَتْ، فلم تصَلِّ حتَّى خرجَتْ. لفظ الغساني، وتابعه عليه بتقييد الصلاة بالصبح، وبأنها لم تصَلِّ حتَّى خرجت: حسان بن إبراهيم، وتابعهما على قيد الصلاة فقط: أبو قبيصة الفزاري.
أخرجه البخاري (1626) واللفظ له، والنسائي في المجتبى (5/ 223/ 2926)، وفي الكبرى (4/ 118/ 3890)، وابن أبي شيبة (3/ 170/ 13138)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 15)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 248/ 474)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 62 و 66/ 63 و 67 - مسند ابن عباس)، والطبراني في الكبير (23/ 571/ 269) و (23/ 408/ 981)، والإسماعيلي [عزاه إليه ابن حجر في الفتح (2/ 253) و (3/ 487)].
هكذا رواه عن هشام بن عروة: أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني [ضعفه أبو داود وابن حبان، وقال البزار:"ليس به بأس، قد روى عنه الناس"، وقد خرَّج له البخاري
في صحيحه غير هذا في أربعة مواضع عن هشام كلها في المتابعات، وقد توبع في هذا الحديث أيضًا، ولم ينفرد به عن هشام انظر: التهذيب (4/ 355)، مسند البزار (6/ 326/ 2336)، صحيح البخاري (1389 و 2581 و 6883 و 7370)]، وعبدة بن سليمان الكلابي [ثقة ثبت]، وسفيان بن عيينة [ثقة حافظ]، وسليمان بن بلال [ثقة، ويونس بن بكير [صدوق]، وحسان بن إبراهيم الكرماني [صدوق يخطئ]، وأسامة بن حفص المدني [صدوق]، ومحاضر بن المورِّع [صدوق، له أوهام]، وعلي بن هاشم بن البريد [صدوق]، وأبو قبيصة الفزاري [عبد الله بن قبيصة: كثير الوهم، حدَّث بما لا يتابع عليه. الجرح والتعديل (5/ 142)، الضعفاء للعقيلي (2/ 290)، الكامل (4/ 192)، اللسان (4/ 545)]، وغيرهم.
قال النسائي: "عروة لم يسمعه من أم سلمة".
وقال الطحاوي في المشكل (9/ 141/ 3520) بعد حديث صلاة أم سلمة الفجر بمكة يوم النحر: "وهذا منقطع؛ لأنَّ عروة لم نعلم له سماعًا من أم سلمة"، وقاله أيضًا في اختلاف العلماء (2/ 150 - مختصره).
وقال الدارقطني في التتبع (107): "هو مرسل؛ رواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة، وكذلك رواه مالك في الموطأ عن أبي الأسود عن عروة" قلت: هكذا كلام الدارقطني فيما نقله عنه العلائي وأبو زرعة العراقي، وبنحوه ذكره ابن حجر، لكن في التتبع بين هاتين الجملتين:"وقال ابن سعيد، عن محمد بن عبد الله بن نوفل، عن أبيه، عنه" كذا قال [انظر: جامع التحصيل (515)، هدي الساري (358)، تحفة التحصيل (226)].
قال ابن حجر في هدي الساري متعقبًا الدارقطني (358): "قلت: حديث مالك عند البخاري في هذا المكان مقرون بحديث أبي مروان، وقد وقع في بعض النسخ وهي رواية الأصيلي في هذا: عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة موصولًا، وعلى هذا اعتمد المزي في الأطراف، ولكن معظم الروايات على إسقاط زينب، قال أبو علي الجياني: وهو الصحيح، ثم ساقه من طريق: أبي علي بن السكن، عن علي بن عبد الله بن مبشر، عن محمد بن حرب شيخ البخاري فيه، على الموافقة، وليس فيه زينب، وكذا أخرجه الإسماعيلي من حديث عبدة بن سليمان ومحاضر وحسان بن إبراهيم، كلهم عن هشام؛ ليس فيه زينب، وهو المحفوظ من حديث هشام، وإنما اعتمد البخاري فيه رواية مالك التي أثبت فيها ذكر زينب، ثم ساق معها رواية هشام التي سقطت منها، حاكيًا للخلاف فيه على عروة كعادته، مع أن سماع عروة من أم سلمة ليس بمستبعد، والله أعلم".
وذكر بعض ذلك في الفتح (3/ 487) وختمه بقوله عن رواية الجماعة عن هشام: "وهذا هو المحفوظ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن؛ فإنه أدرك من حياتها نيفًا وثلاثين سنة، وهو معها في بلد واحد"، وزاد عليه احتمال أن تكون رواية حفص بن غياث عن
هشام بن عروة - التي ذكرها الدارقطني - هي لحديث آخر غير هذا الحديث [وهو حديث أمر أم سلمة أن توافي صلاة الصبح بمكة يوم النحر. انظر من أهم مصادره: التمييز لمسلم (186)، مسند أحمد (6/ 291)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 368/ 2637)، مسند الشافعي (369 و 370)، شرح المعاني (2/ 218 - 221)، مشكل الآثار (9/ 137 - 145)، مختصر اختلاف العلماء (2/ 150)، علل الدارقطني (15/ 245/ 3992)، وقال: "والمرسل هو المحفوظ"، الاستذكار (4/ 291)، وقد ضعفه أحمد ومسلم]، أراد بذلك ابن حجر أن حفصًا أخطأ فيه على هشام، وهو عندي احتمال بعيد؛ فإن مثل ذلك لا يخفى على الدارقطني، وابن حجر لم يورد دليلًا قويًّا على دعواه، كأن يكون حفص بن غياث ممن روى عن هشام قصة صلاة الصبح بمكة يوم النحر، والله أعلم.
ولقد عثرت على روايةٍ لحفص تؤكد ما ذهب إليه الدارقطني:
فقد روى إسحاق بن راهويه (4/ 155/ 1934)، قال: أخبرنا حفص بن غياث: نا هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تطوف في خدرها، وهي راكبة، وراء المصلين.
هكذا رواه حفص بن غياث مرسلًا، وخالف الجماعة، فمن المحتمل أن يكون الدارقطني وقف على طريق آخر لحفص عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة بهذا الحديث، وأخطأ فيه حفص، والله أعلم.
والحاصل: أن المحفوظ عن هشام بن عروة: هو ما رواه عنه جماعة أصحابه، بدون ذكر زينب في الإسناد، والله أعلم.
وغالب رواية عروة عن أم سلمة إنما هي بواسطة أخته من الرضاع زينب بنت أم سلمة، قال ابن سعد في الطبقات (8/ 461): "وقد كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق أرضعت زينب بنت أبي سلمة،
…
، وروت زينب عن أمها، وروى عروة بن الزبير عن زينب، وهي أخته من الرضاعة".
ولم أقف على رواية لعروة عن أم سلمة صرح فيها بالسماع منها، أو أنَّه دخل عليها، أو غير ذلك من العبارات الدالة على السماع، وهذا مع قلة ما روى عروة عن أم سلمة بغير واسطة؛ فهو كما قال الطحاوي: لا يُعلم له سماع من أم سلمة.
• وأما ما روي في بعض الطرق من سماع عروة من أم سلمة؛ فلا يصح:
رواه هارون بن عمران [الموصلي: ذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (9/ 238)، الجرح والتعديل (9/ 93)]: ثنا سليمان بن أبي داود، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: حدثتني أم سلمة، قالت: قدَّمني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيمن قدَّم من ضَعَفَة أهله ليلة المزدلفة، قالت: فرميتُ الجمرة بليلٍ، ثم مضيتُ إلى مكة، فصليتُ بها الصبح، ثم رجعتُ إلى منى.
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 268/ 570).
قلت: سليمان بن أبي داود هذا هو الحراني، وهو: منكر الحديث [اللسان (4/ 150)]،
وشيخ الطبراني فيه جهالة، ومن ثم فإن مثل هذا السماع لا يثبت بهذه الطريق الواهية.
وكذلك ما ذكره الكلاباذي من سماع عروة من أم سلمة في كتابه عن رجال صحيح البخاري، المسمى: الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد (2/ 581/ 920) بقوله في ترجمة عروة: "سمع أباه الزبير، وأخاه عبد الله بن الزبير، وأمه أسماء، وخالته عائشة بنتي أبي بكر الصديق، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن زمعة، وأبا حميد، وأبا هريرة، وابن عباس، وأبا أيوب الأنصاري، وعمر بن أبي سلمة، وزينب بنت أبي سلمة، وأمها أم سلمة"، وحكاه عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 242).
ويجاب عن هذا بأن هذه كانت عادة أبي نصر الكلاباذي في الترجمة لمن روي لهم البخاري فيبدأ بذكر اسمه ونسبه، ثم يقول: سمع فلانًا وفلانًا، بدلًا من القول بأنه روى عن فلان وفلان، ممن أخرج لهم البخاري من روايته عنهم، وعليه: فهذه العبارة لا يعتمد عليها في إثبات السماع، بقدر ما تعني أن صاحب الترجمة روى عن هؤلاء عند البخاري في صحيحه، والله أعلم.
• والخلاصة: فإن حديث هشام بن عروة هذا الَّذي أخرجه البخاري ظاهره الانقطاع، كما صرح بذلك النسائي والطحاوي والدارقطني.
فكيف يجاب إذًا عن إخراج البخاري له في صحيحه وقد اشترط فيه اتصال السند؟
فالجواب: أن البخاري لما كان محتاجًا لحديث هشام هذا لم يخرجه على انفراده، وإنما مهد له بحديث مالك عن أبي الأسود والذي فيه كان الإسناد المتصل إلى أم سلمة ولم يسق متنه، ثم أتبعه بحديث هشام هذا وساقه بتمامه لما فيه من موضع الشاهد، فدل ذلك على أن البخاري إنما أخرجه متابعة، وإلا لما كان هناك حاجة لإخراج حديث مالك في هذا الموضع لخلوه من موضع الشاهد، فيحتمل أن البخاري أراد بذلك بيان أن عروة إنما يروي عن أم سلمة بواسطة زينب، فهي ثبته فيما يرويه عن أم سلمة، وإن أسقطها هشام من الإسناد، فهو في معنى المتصل من هذا الوجه، مثل ما أخرج البخاري كثيرًا لحميد الطويل عن أَنس، وهو لم يسمع من أَنس إلا شيئًا يسيرًا اختلف في عدده، وإنما ثبته فيها ثابت، وعلى هذا فإن الواسطة إذا كانت معلومة، وكان ثقة، فلا يقدح مثل هذا في اتصال الإسناد، والله أعلم.
وأخيرًا: فإن حديث هشام بن عروة هذا صالح للاحتجاج من هذا الوجه، وكون هشام أسقط الواسطة بين عروة وبين أم سلمة، فصار ظاهره الانقطاع، فلا يقدح ذلك في صحته؛ إذ الواسطة معلومة في هذا الحديث من وجه آخر، وهو حديث مالك عن أبي الأسود عن عروة عن زينب عن أم سلمة، فصح بذلك الحديث واتصل، والله أعلم.
• وبناءً على ما تقدم: فإن مالكًا لم يعيِّن في حديثه الصلاةَ التي قرأ فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالطور، وعينها هشام بكونها الصبح؛ فتبين بذلك نكارة رواية ابن خزيمة، بتعيين الصلاة بأنها العشاء، وأن راويها حمل لفظ مالك على لفظ ابن لهيعة، قال ابن حجر في الفتح
(2/ 253): "وأما ما أخرجه ابن خزيمة من طريق ابن وهب، عن مالك وابن لهيعة جميعًا، عن أبي الأسود في هذا الحديث، قال فيه: قالت: وهو يقرأ في العشاء الآخرة؛ فشاذ، وأظن سياقه لفظ ابن لهيعة؛ لأنَّ ابن وهب رواه في الموطأ عن مالك، فلم يعين الصلاة كما رواه أصحاب مالك كلهم، أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طرق كثيرة عن مالك، منها رواية ابن وهب المذكورة، وإذا تقرر ذلك: فابن لهيعة لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف".
10 -
حديث رفاعة الأنصاري:
قال الطبراني في الكبير (5/ 43/ 4538): حدثنا المقدام بن داود: ثنا أسد بن موسى [صدوق]: ثنا ابن لهيعة: ثنا عبيد الله بن أبي جعفر، عن بكير بن عبد الله بن الأشجِّ، عن خلاد بن السائب، عن رفاعة الأنصاري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُقرَأ في الصبح بدون عشرين آيةً، ولا يُقرَأُ في العشاء بدون عَشْرِ آياتٍ".
ثم رواه مقدام مرة أخرى، فقال: نا عبد الغفار بن داود أبو صالح الحراني [ثقة فقيه]: ثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سالم بن خلاد، عن رفاعة بن رافع الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقرأ في صلاة الصبح بأقل من عشرين آية، ولا يقرأ في صلاة العشاء دون عشر آيات.
أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 367/ 8895).
قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن رفاعة بن رافع إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن لهيعة".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 448): "وروى ابن لهيعة، عن ابن أبي جعفر، عن خلاد بن السائب، عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُقرَأُ في الصبح دون عشرين آية، ولا في العشاء دون عَشْرِ آياتٍ"، خرجه أبو الشيخ الأصبهاني، وهو غريب".
وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (3/ 161): "غريب جدًّا".
قلت: هو إسناد غريب جدًّا، وهو مضطرب سندًا ومتنًا، ولا أدري هل التخليط فيه من قِبَل ابن لهيعة؛ فإنه ضعيف؛ أو من المقدام بن داود الرعيني؛ فإنه: ضعيف؛ واتّهم [راجع ترجمته تحت الحديث المتقدم برقم (236)، وبرقم (728)، طريق رقم (14)]، وهو حديث منكر، والله أعلم.
• وحاصل ما صح من أحاديث القراءة في العشاء: أن يُقرأ فيها بأواسط المفصَّل، نحو:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، {وَالسَّمَاءُ وَالطَّارِقِ} ، {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} ، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، فإن قرأ فيها بقصار المفصَّل، نحو:{وَالضُّحَى} ، فلا حرج، وأما في السفر: فيُقرأ فيها بقصار المفصَّل، نحو:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ، والله أعلم.
قال الترمذي بعد حديث بريدة: "وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنس قرأ في العشاء الآخرة بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} ، ورُوي عن عثمان بن عفان أنَّه كان يقرأ في العشاء بسور من أوساط