المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌157 - باب السجود على الأنف والجبهة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٩

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌130 - باب تخفيف الأخريين

- ‌15).***131 -باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌132 - باب قدر القراءة في المغرب

- ‌133 - باب من رأى التخفيف فيها

- ‌باب تكميلي

- ‌باب القراءة في صلاة العشاء

- ‌134 - باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

- ‌135 - باب القراءة في الفجر

- ‌136 - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب

- ‌137 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام

- ‌138 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته

- ‌139 - باب ما يجزئ الأُمِّيَّ والأعجميَّ من القراءة

- ‌140 - باب تمام التكبير

- ‌141 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌142 - باب النهوض في الفرد

- ‌143 - باب الإقعاء بين السجدتين

- ‌144 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌145 - باب الدعاء بين السجدتين

- ‌(14/ 407)].***146 -باب رفع النساء إذا كنَّ مع الرجال [وفي نسخة: مع الإمام] رؤوسهنَّ من السجدة

- ‌147 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌148 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌149 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يُتمُّها صاحبها تُتَمُّ من تطوُّعِه

- ‌150 - باب تفريع أبواب الركوع والسجود ووضع اليدين على الركبتين

- ‌151 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌152 - باب في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌153 - باب الدعاء في الصلاة

- ‌154 - باب مقدار الركوع والسجود

- ‌155 - باب أعضاء السجود

- ‌(1/ 236/ 2716).***156 -باب في الرجل يدرك الإمام ساجدًا كيف يصنع

- ‌157 - باب السجود على الأنف والجبهة

- ‌(1/ 306).158 -باب صفة السجود

الفصل: ‌157 - باب السجود على الأنف والجبهة

إلا أن هذا العموم مخصوص بمفهوم الحديث: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" الدال على أن المأموم لا يعتد بما أدركه مع الإمام بعد رفع رأسه من آخر ركعة.

وقد سبق أن كتبت بعض ذلك في معرض الحديث عما تُدرك به الجماعة تحت الحديث رقم (412).

• وقد سبق الكلام على أن من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة؛ وإن فاته معه القيام وقراءة الفاتحة، وأن هذا قول جمهور العلماء، وهو قول عامة علماء الأمصار، وذلك تحت الحديث رقم (684).

• وقد نقل إسحاق بن راهويه إجماعَ الأمة: أنه إذا أدرك الإمامَ راكعًا كَبَّرَ، وقد أدرك الركعةَ وقراءتَها [مسائل إسحاق الكوسج (193)].

قال ابن رجب في الفتح (5/ 8): "وهذا قول جمهور العلماء، وقد حكاه إسحاق بن راهويه وغيره إجماعًا من العلماء، وذكر الإمام أحمد في رواية أبي طالب: أنه لم يخالف في ذلك أحدٌ من أهل الإسلام، هذا مع كثرة اطلاعه وشدة ورعه في العلم وتحريه، وقد روي هذا عن علي وابن مسعود وابن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة - في رواية عنه-. . . ".

ثم قال: "وذهبت طائفة إلى أنه لا يدرك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام؛ لأنه فاته مع الإمام القيام وقراءة الفاتحة، وإلى هذا المذهب ذهب البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام، وذكر فيه عن شيخه علي بن المديني أن الذين قالوا بإدراك الركعة بإدراك الركوع من الصحابة كانوا ممن لا يوجب القراءة خلف الإمام،

" إلى أن قال: "وقد وافقه على قوله هذا، وأن من أدرك الركوع لا يدرك به الركعة، قليلٌ من المتأخرين من أهل الحديث، منهم: ابن خزيمة، وغيره من الظاهرية، وغيرهم، وصنف فيه أبو بكر الصبغي من أصحاب ابن خزيمة مصنفًا".

قال: "وهذا شذوذ عن أهل العلم، ومخالفةٌ لجماعتهم".

• وقد سبق الكلام على فوائد حديث أبي هريرة المتفق عليه: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" تحت الحديث رقم (412)، والله أعلم.

***

‌157 - باب السجود على الأنف والجبهة

894 -

قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى: حدثنا صفوان بن عيسى: حدثنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُئي على جبهته وعلى أرنبته أثرُ طينٍ من صلاةٍ صلاها بالناس.

• حديث متفق عليه.

لم أقف على من أخرجه من طريق صفوان بن عيسى عن معمر.

***

ص: 535

895 -

. . . عبد الرزاق، عن معمر، نحوه.

• حديث متفق عليه.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 2979/181) و (4/ 248/ 7685) مطولًا ومختصرًا، ومن طريقه: مسلم (1167/ 216)، وأبو عوانة (2/ 260/ 3069)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 256/ 2667)، وأبو داود (895)، وأحمد (3/ 94)(5/ 2508/ 12076 - طـ المكنز)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 177/ 1456)، وأبو الطاهر ابن أبي الصقر في مشيخته (45).

ولفظه عند أحمد: أنه رأى الطين في أنف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرنبته، من أثر السجود، وكانوا مُطِروا من الليل. هكذا مختصرًا.

ولفظه مطولًا عند عبد الرزاق: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: تذاكرنا ليلة القدر في نفرٍ من قريش، فأتيت أبا سعيد الخدري، وكان لي صديقًا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ قال: بلى، قال: فخرج وعليه خميصة له، قال: فقلت له: أسمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟ قال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من شهر رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، قال: فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني رأيت ليلة القدر، فأُنسيتُها، فالتمسوها في العشر الأواخر في وترٍ، ورأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن اعتكف معي فليرجع إلى معتكفه"، قال: فرجعنا وما في السماء قزعةٌ، فجاءت سحابة فمطرنا، حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت على أرنبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف أثر الطين في جبهته وأرنبته؛ يعني: ليلة إحدى وعشرين.

• تابعهما: عيسى بن يونس [ثقة مأمون]، فرواه عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُئي على جبهته وعلى أرنبته أثرُ طينٍ من صلاةٍ صلاها بالناس.

أخرجه أبو داود (911).

هكذا رواه مؤمل بن الفضل الجزري [وهو: ثقة]، قال: حدثنا عيسى به كالجماعة.

• وخالفه فوهم في إسناده، وسلك فيه الجادة والطريق السهل، ووهم في متنه أيضًا، فقال: ترقوته، بدل: أرنبته:

إسماعيل بن موسى الفزاري [وهو: صدوق]، وأبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم [وثقه ابن معين، وأثنى عليه خيرًا: أحمد وأبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن غمزه ابن المديني لوصله حديثًا مرسلًا، وقال البرذعي لأبي زرعة:"فكان يُتَّهم؟ "، قال أبو زرعة:"أما أنا فقد كنت أظن ذلك، ولكن أصحابنا البغداديين يقولون: هو رجل صالح؛ وذلك أنه كان يحدثنا بأحاديث كبار عن المعافى بن عمران وابن عيينة، وكان تاجرًا"، وانظر في أوهامه: العلل ومعرفة الرجال (3/ 348/ 5534) و (3/ 374/ 5640)، وعلل ابن

ص: 536

أبي حاتم (2526)، وعلل الدارقطني (7/ 130/ 1253)، وسننه (4/ 97)، وأطراف الغرائب والأفراد (1/ 303/ 1605) و (1/ 313/ 1678) و (2/ 137/ 4380)، وانظر ترجمته في: الجرح والتعديل (2/ 210)، سؤالات البرذعي (476)، الثقات (8/ 116)، تاريخ بغداد (6/ 337)، اللسان (2/ 31)، التعجيل (35)]:

فقالا: أخبرنا عيسى بن يونس، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في طينٍ، فرُئي أثرُ جبينه وترقوته في ماءٍ وطينٍ. وهذا لفظ الفزاري.

أخرجه عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 347/ 5532)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 193/ 302 - مسند ابن عباس)، والدارقطني في الأفراد (2/ 231/ 4852 - أطرافه).

قال الإمام أحمد: "أخطأ فيه عيسى؛ إنما رواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد، قصة طويلة، وليس هو عن الزهري، إنما هو عن يحيى بن أبي كثير".

وقال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث الزهري عن أبي سلمة، تفرد به: عيسى بن يونس عن معمر عنه، والمحفوظ: عن يحيى بن أبي كثير عنه".

وقال في العلل (11/ 340/ 2324): "ورُوي عن عيسى بن يونس عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة، وليس هذا من حديث الزهري، والصواب: حديث يحيى بن أبي كثير".

قلت: وهو كما قالا؛ فالحديث ليس من حديث الزهري؛ إنما هو عن يحيى بن أبي كثير، والوهم فيه عندي ممن رواه عن عيسى بن يونس، فقد رواه من هو أثبت منهما عن عيسى كالجماعة؛ فبرئ عيسى بن يونس من عهدته، والله أعلم.

• وهذا الحديث لم ينفرد به معمر عن يحيى بن أبي كثير، ولا يحيى عن أبي سلمة:

1 -

فقد رواه هشام الدستوائي، وعلي بن المبارك، والأوزاعي:

عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: تذاكرنا ليلة القدر في نفرٍ من قريش، فأتيت أبا سعيد الخدري، وكان صديقًا لي، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة، فقلت له: سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال:"إني أُريتُ ليلة القدر، ثم أُنسيتُها -أو: نُسِّيتُها-، فالتمسوها في العشر الأواخر، في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماءٍ وطينٍ، فمن كان اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع"، فرجعنا وما نرى في السماء قَزَعةً، فجاءت سحابةٌ فمَطرتْ حتى سال سقفُ المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته. لفظ الدستوائي.

ص: 537

وقال علي بن المبارك والأوزاعي: في أرنبته وجبهته، وقال علي بن المبارك: فخرجنا صبيحة عشرين، قال: فخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين، وقال الأوزاعي: فلما كان صبيحة عشرين من رمضان قام فينا [رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقال: "من كان خرج فليرجع

".

أخرجه البخاري (669 و 836 و 2016 و 2036)، ومسلم (1167/ 216)، وأبو عوانة (2/ 259/ 3067 و 3068) و (2/ 260/ 3070)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 255 و 256/ 2665 - 2667)، والنسائي في الكبرى (3/ 394/ 3374)، وابن ماجه (1766)، وابن حبان (8/ 441/ 3685)، وأحمد (3/ 60)، والطيالسي (3/ 641/ 2301)، وابن أبي شيبة (1/ 431/ 4964)، وأبو يعلى (2/ 387/ 1158)، والطحاوي (3/ 89)، والبيهقي (4/ 320).

• هكذا قال يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث، وتابعه عليه جماعة ممن رواه عن أبي سلمة [سليمان بن أبي مسلم الأحول، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وعبد الله بن أبي لبيد، يأتي ذكر حديثهم في آخر الطرق]، قالوا: خرجنا صبيحة عشرين، وفي رواية: فلما كانت صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأبصرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كان منكم معتكفًا فليرجع إلى معتكفه،

"، وفي رواية: فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معه، وفي هذا دليل على خروجهم في نهار اليوم العشرين وقبل الغروب، يدل عليه قوله في إحدى الروايات: فلما كان العشي جلس على المنبر، فخطب الناس، فقال:

فذكر خطبته صلى الله عليه وسلم، ولذا فقد ترجم له البخاري في موضع من الصحيح بقوله:"باب الاعتكاف، وخروج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين"، وقال ابن حجر في الفتح (4/ 257):"فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين".

وجاء في رواية ابن الهاد ما يدل على وقوع هذه الخطبة مساءً، ففيها: حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه، قال:

فذكر الخطبة، وفيها أيضًا: فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، وفيها أيضًا:"فمن كان اعتكف معي فليبِتْ في معتكفه"[انظر: الفتح لابن حجر (4/ 257)، إرشاد الساري (3/ 446)].

ولفظ المساء والعشي يستعمل في اللغة وفي الشرع فيما بعد زوال الشمس، ولا يلزم منه دخول الليل بغروبها، يؤكده قوله: ويستقبل إحدى وعشرين؛ يعني: أنه لم يدخل فيها بعد، ولا يعارَض ذلك بقوله: حين يمسي من عشرين ليلة تمضي، فإنه في صباح اليوم العشرين، وبعد زوال شمسه، يكون قد أمسى من عشرين ليلة مضت، من ليالي رمضان، فإن المقصود بالاجتهاد والتشمير والإحياء هو الليالي لا مطلق الأيام، والله أعلم.

وعلى هذا: فقد ثبت بهذا الحديث خروج النبي صلى الله عليه وسلم من معتكفه بعد انتهاء آخر ليلة من ليالي العشر، وفي صبح نهار يومها العاشر، وأنه لم يمكث في معتكفه إلى غروب شمس اليوم العاشر، والله أعلم.

ص: 538

2 -

ورواه همام بن يحيى، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، قال: انطلقت إلى أبي سعيد الخدري، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث؟ فخرج، فقال: قلت: حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال:"إن الذي تطلُبُ أمامَك"، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال:"إن الذي تطلُبُ أمامَك"، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال:"من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع، فإني أُريتُ ليلة القدر، وإني نُسِّيتُها، وإنها في العشر الأواخر، في وترٍ، وإني رأيت كأني أسجد في طينٍ وماءٍ"، وكان سقفُ المسجدِ جريدَ النخل، وما نرى في السماء شيئًا، فجاءت قَزَعةٌ، فأُمطرْنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيتُ أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته؛ تصديق رؤياه.

أخرجه البخاري (813)، وأبو عوانة (2/ 260/ 3071)، وأحمد (3/ 74).

وقد روي أيضًا بنحو هذا اللفظ مختصرًا عن أبي سعيد، لكن بإسناد واهٍ [عند: عبد الرزاق (4/ 247/ 7683)].

3 -

ورواه مالك بن أنس، وبكر بن مضر، والليث بن سعد، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي: عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها [من صبيحتها] من اعتكافه، قال:"من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أُنسيتُها، وقد رأيتُني أسجد من صبيحتها في ماءٍ وطينٍ، [فالتمسوها في العشر الأواخر]، والتمسوها في كل وتر"، قال أبو سعيد: فمطرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فقال أبو سعيد: فأبصرت عيناي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثرُ الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين. لفظ مالك.

ولفظ البقية متقارب، نختار منه لفظ بكر [عند مسلم]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه [وفي رواية ابن أبي حازم، والدراوردي، والليث بن سعد: فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه]، ورجع من كان يجاور معه، ثم إنه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: "إني كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليبِتْ [وفي رواية عنه، وكذا قال الآخران: فليثبت] في معتكفه، وقد رأيت هذه الليلة فأُنسيتُها، فالتمسوها في العشر الأواخر، في كل وترٍ، وقد

ص: 539

رأيتُني أسجد في ماءٍ وطينٍ"، قال أبو سعيد الخدري: مطرنا ليلة إحدى وعشرين، فوكف المسجد في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح، ووجهه مُبْتلٌ [وقال الدراوردي: وجبينه ممتلئًا] طينًا وماءً.

أخرجه البخاري (2018 و 2027)، ومسلم (1167/ 213 و 214)، وأبو عوانة (2/ 258/ 3066)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 246 و 247/ 2662 و 2663)، وأبو داود (1382)، والنسائي في المجتبى (2/ 208/ 1095) و (3/ 80/ 1356)، وفي الكبرى (1/ 346/ 686) و (2/ 104/ 1281) و (3/ 3328/379) و (3/ 394/ 3373)، ومالك في الموطأ (1/ 427/ 890)، وابن خزيمة (3/ 353/ 2243)، وابن حبان (8/ 430 و 431/ 3673 و 3674)، والشافعي في السنن (356 و 360)، وابن نصر في قيام رمضان (255 - مختصره)، والطحاوي في أحكام القرآن (1104 - 1107)، والمحاملي في الأمالي (105 - رواية ابن مهدي الفارسي)، والحسن بن رشيق العسكري في جزئه (53)، والجوهري في مسند الموطأ (839)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 250)، والبيهقي في السنن (2/ 103 و 285) و (4/ 309 و 319 و 320)، وفي المعرفة (2/ 7/ 843)(3/ 452/ 2625) و (3/ 462/ 2642)، وفي الشعب (3/ 325/ 3673)، وفي فضائل الأوقات (88)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 52 و 53 و 65)، وفي الاستذكار (3/ 406)، والخطيب في عوالي مالك (9)(346 - العوالي)، والواحدي في تفسيره الوسيط (4/ 534)، والبغوي في شرح السُّنَّة (6/ 383/ 1825)، وفي التفسير (4/ 511)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1814)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 32)، وفي المعجم (1151)، وغيرهم كثير.

• تنبيه: وقع في بعض الطرق عن مالك زيادة: من صبيحتها، قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 405):"وأما قوله: حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه، هكذا رواه يحيى بن بكير والشافعي عن مالك: يخرج فيها من صبيحتها، ورواه القعنبي وابن وهب وابن القاسم وجماعة عن مالك، وقالوا فيه: وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه".

ثم قال: "لا أعلم خلافًا في المعتكف في غير رمضان أو في العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه لا يخرج من اعتكافه إلا إذا غربت الشمس من آخر أيام اعتكافه، وهذا يعضد ويشهد بصحة رواية من روى: يخرج فيها من اعتكافه، وأن رواية من روى: يخرج من صبيحتها؛ وهمٌ، وأظن الوهم دخل عليهم من مذهبهم في خروج المعتكف العشر الأواخر في صبيحة يوم الفطر".

وقال في التمهيد (23/ 55): "قد أجمعوا في المعتكف العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه، وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن رواية من روى: يخرج من صبحتها، أو: في صبحتها، واختلفوا في العشر الأواخر،

ص: 540

وما أجمعوا عليه يقضي على ما اختلفوا فيه من ذلك، ويدل والله أعلم على تصويب رواية من روى: يخرج فيها من اعتكافه؛ يعني: بعد الغروب، والله أعلم".

وقال أيضًا (23/ 65): "وقد روى الدراوردي حديث أبي سعيد عن يزيد بن الهادي بإسناده، وساقه سياقة حسنة، وذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينصرف إذا اعتكف العشر الأوسط ليلة إحدى وعشرين، وهذا يدل على أن ذلك كان ليلًا، وهذا يرد رواية من روى عن مالك في هذا الحديث: وهي الليلة التي كان يخرج من صُبحتها من اعتكافه، ويصحح رواية من روى: هي الليلة التي كان يخرج فيها من اعتكافه".

قلت: رواه عن مالك بهذه الزيادة: الشافعي (356 - السنن المأثورة)، وأبو مصعب الزهري (883)، وعبد الله بن وهب (2243 - صحيح ابن خزيمة)، وعبد الرحمن بن القاسم (516 - موطأ ابن القاسم بتلخيص القابسي)، وزياد بن عبد الرحمن الأندلسي المعروف بشبطون (890 - موطأ يحيى الليثي)، وإسماعيل بن أبي أويس (2027 - صحيح البخاري)، ويحيى بن عبد الله بن بكير (23/ 52 - التمهيد)، وسويد بن سعيد الحدثاني (450)، وأبو حذافة السهمي أحمد بن إسماعيل المدني (105 - أمالي المحاملي)(1151 - معجم ابن عساكر)[وهم من ثقات أصحاب مالك ورواة موطئه، إلا أن الحدثاني: ضعيف، والسهمي: متروك].

ورواه بدونها: عبد الله بن مسلمة القعنبي (556)(1382 - سنن أبي داود)(839 - مسند الموطأ)، ومعن بن عيسى (255 - مختصر قيام رمضان)، ومحمد بن الحسن الشيباني (378) [والأولان: من أثبت أصحاب مالك، والأخير: ضعيف].

ولذلك فإن الذي يظهر لي: أن هذه اللفظة ثابتة عن مالك، إلا أنه أحيانًا كان يسقطها، ولا يذكرها، وعليه فهي لفظة محفوظة عن مالك، لذا فينبغي صرفها عن ظاهرها لتوافق رواية غيره من الثقات، والله أعلم.

وقد تأوله ابن حجر بأن قال: "وعلى هذا فكأن قوله في رواية مالك المذكورة: وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها؛ أي: من الصبح الذي قبلها، ويكون في إضافة الصبح إليها تجوُّز"[الفتح (4/ 258)]، وبنحو هذا قال ابن حزم في المحلى (5/ 200).

وقال ابن بطال في شرح البخاري (4/ 162): "يريد الصبيحة التي قبل ليلة إحدى وعشرين، أضافها إلى الليلة كما تضاف أيضًا الصبيحة التي بعدها إلى الليلة، وكل متصل بشيء فهو مضاف إليه، سواء كان فيه أو بعده، وإن كانت العادة في نسبة الصبيحة إلى الليلة التي قبلها؛ لتقديم الليل على النهار، فإن نسبة الشيء إلى ما بعده جائز بدليل قوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46]، فنسب الضحى إلى ما بعده، ويبين ذلك رواية من روى عن أبي سعيد: فخرجنا صبيحة عشرين، فلا إشكال في هذا بعد بيان أبي سعيد أنها صبيحة عشرين، وبعد قول من روى: في ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من الاعتكاف".

ص: 541

قلت: وبهذا البيان يظهر جليًّا موافقة رواية مالك عن ابن الهاد، لرواية يحيى بن أبي كثير ومن تابعه عن أبي سلمة في خروج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين، فتصبح رواية مالك: حتى إذا كان ليلةَ إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من صبيحتها من اعتكافه؛ يعني: صبيحة عشرين، والله أعلم.

4 -

ورواه عمارة بن غزية الأنصاري، قال: سمعت محمد بن إبراهيم، يحدث عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، في قبة تركية على سُدَّتها حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس، فدنوا منه، فقال:"إني اعتكفت العشر الأول، ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أُتيت، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف"، فاعتكف الناس معه، قال:"وإني أُريتُها ليلةَ وترٍ، وإني أسجد صبيحتها في طينٍ وماءٍ"، فأصبح من ليلة إحدى وعشرين، وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء، فوكف المسجد، فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح، وجبينه ورَوثَة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر.

أخرجه مسلم (1167/ 215)، وأبو عوانة (2/ 257/ 3065)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 247/ 2664)، والنسائي في الكبرى (3/ 382/ 3334)، وابن ماجه (1775)، وابن خزيمة (3/ 322/ 2171) و (3/ 343/ 2219)، وابن حبان (8/ 440/ 3684)، والبيهقي (4/ 314).

قال ابن خزيمة: "هذا حديث شريف شريف".

وروثة الأنف: أرنبته وما يليها من مقدمته [غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 436)، النهاية (2/ 271)].

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل (3/ 124): "والأرنبة: مقدَّم الأنف، والروثة: طرف الأرنبة".

5 -

ورواه سليمان بن أبي مسلم الأحول خال ابن أبي نجيح، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وعبد الله بن أبي لبيد، وأبو الحسن [ولعله أحد الثلاثة المذكورين، وزاد النسائي احتمالًا رابعًا، وانظر كلام النسائي في الكبرى]:

عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، قال: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا [وفي رواية محمد بن عمرو: فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معه]، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال [وفي رواية محمد بن عمرو: فلما كان العشي جلس على المنبر، فخطب الناس، فقال]: " [إني أُريت ليلة القدر فأُنسيتها]، من كان اعتكف فليرجع إلى مُعتكَفه، فإني رأيت هذه الليلة [في العشر الأواخر]، [فابتغوها في العشر الأواخر من شهر رمضان، في الوتر منها]، ورأيتُني أسجد [في صبيحتها]

ص: 542

في ماءٍ وطينٍ"، فلما رجع إلى معتكفه وهاجت السماء، فمُطرنا، فوالذي بعثه بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد عريشًا، فلقد رأيتُ [رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح] [ليلة إحدى وعشرين] [وإن] على أنفه [وفي رواية وهي الصواب: جبهته] وأرنبته أثر الماء والطين.

وفي رواية مختصرة: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في طينٍ، فكأني أنظر إلى أثر الطين على جبهته وأرنبته. ولفظ محمد بن عمرو مطول عند أحمد (3/ 24)، وإسماعيل بن جعفر، وأبي يعلى وغيرهم.

أخرجه البخاري (2040)، والنسائي في الكبرى (3/ 379/ 3327)، وابن خزيمة (3/ 344/ 2220) و (3/ 2238/351)، وابن حبان (8/ 434/ 3677)، وأحمد (3/ 7 و 24)، والحميدي (756)(773 و 774 - ط. الداراني)، وعلي بن حجر السعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (210)، وأبو يعلى (2/ 462/ 1280)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 194/ 303 - مسند ابن عباس)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1009/ 2158) [وقوله فيه: صلاة المغرب؛ وهمٌ من قائله]، والدارقطني في الأفراد (2/ 230 و 231/ 4848 و 4851 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في الثالث من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (232)(598 - المخلصيات)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 334)، وأبو عثمان البحيري في الثامن من فوائده (3).

قال ابن جرير: "والأرنبة: طرف الأنف"[تهذيب الآثار (1/ 213)].

وقال أيضًا: "الجبين: ما عن يمين الجبهة وشمالها من عظم الرأس، والجبهة بينهما"[تهذيب الآثار (1/ 214)].

• وقد ترجم البخاري لهذا الحديث من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير (836) بقوله: "باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى".

ووقع في بعض روايات البخاري [لأبي ذر الهروي، والأصيلي، والمستملي، وأبي الوقت، وهو في الأصول ثابت، كما في النسخة اليونينية (1/ 167 - ط. المنهاج وطوق النجاة)] زيادة بعد الترجمة وقبل الحديث، قال البخاري:"كان الحميدي يحتج بهذا الحديث، أن لا يمسح الجبهة في الصلاة"[وقد أثبتها ابن بطال في شرحه على البخاري (2/ 451)، وكذلك البيهقي في سننه (2/ 285)، وزاد تفسيرها من عنده قائلًا: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم رُئي الماء والطين في أرنبته وجبهته بعد ما صلى"، وكذلك ابن رجب في الفتح (5/ 200)، وابن حجر في الفتح (2/ 322)، وغيرهم].

• وفي الباب أيضًا:

1 -

عن عبد الله بن أنيس:

يرويه أنس بن عياض أبو ضمرة [ثقة]، قال: حدثني الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله [هو سالم بن أبي أمية: ثقة ثبت]، عن بُسر بن سعيد، عن

ص: 543

عبد الله بن أُنَيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتُها، وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين"، فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه.

قال: وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاث وعشرين.

أخرجه مسلم (1168)، وأبو عوانة (6/ 498/ 6885 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (3/ 256/ 2669)، وأحمد (3/ 495)، والبيهقي في السنن (4/ 309)، وفي الشعب (3/ 326/ 3674)، وفي فضائل الأوقات (89).

قلت: فكأني بمسلم يستنكر من هذه الرواية قول ابن أنيس فيها: ثلاث وعشرين، وذلك لكونها واقعة واحدة، وهي نفسها التي رواها أبو سعيد الخدري، وحديثه فيها أثبت من حديث عبد الله بن أنيس، وأنها وقعت ليلة إحدى وعشرين، والله أعلم.

• تابعه:

1 -

عبد العزيز بن أبي حازم [ثقة]، فرواه عن الضحاك به.

أخرجه أبو عوانة (6/ 498/ 6885 - إتحاف المهرة).

2 -

عبد العزيز بن محمد الدراوردي [ثقة]، فرواه عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن بُسر بن سعيد، عن عبد الله بن أُنَيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أُريت ليلة القدر فأُنسيتُها، وإني أراني أسجد في ماء وطين"، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في ماء وطين، صبيحة ثلاث وعشرين.

أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 300/ 14936)، بإسناد صحيح إلى الدراوردي.

هكذا رواه عن الدراوردي: محمد بن عبيد الله بن محمد بن زيد أبو ثابت المدني [وهو: ثقة، قال فيه الدارقطني: "ثقة حافظ"]، وروايته هي الصواب.

• وخالفه فوهم: يحيى بن عبد الحميد الحماني [وهو: كوفي حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث]، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر، [زاد عند الطحاوي: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن]، عن بسر بن سعيد، عن عبد الله بن أنيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتني ليلة القدر أسجد في ماء وطين"، [فأصابتنا ليلة مطر]، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم[الصبح، فإذا هي] ليلة ثلاث وعشرين، فرأيته يسجد في ماءٍ وطينٍ.

أخرجه الطحاوي (3/ 87)، والطبراني في الكبير (14/ 301/ 14938).

قلت: الرواية الأولى هي الصواب من ثلاثة أوجه: لثقة راويها، ولأنه بلدي لشيخه، فكلاهما مدني، بخلاف الحماني فإنه كوفي، وقد جوَّد الحماني إسناده بذكر موسى بن عقبة بدل الضحاك بن عثمان، والله أعلم.

• ورواه أيضًا عن الضحاك بن عثمان به:

سليمان بن بلال [ولا يثبت عنه؛ فإن الراوي عنه هو: محمد بن الحسن بن زبالة،

ص: 544

وهو: متروك، كذبه جماعة، وكان يسرق الحديث. التهذيب (3/ 540)]، ومحمد بن فليح بن سليمان [ما به بأس، ليس بذاك القوي، والراوي عنه: يعقوب بن حميد بن كاسب: حافظ، له مناكير وغرائب. انظر: التهذيب (4/ 440)، الميزان (4/ 450)، وشيخ الطبراني: لم يوثَّق]، ومحمد بن عمر الواقدي [وهو: متروك].

أخرجه ابن نصر في قيام رمضان (254 - مختصره)، والطبراني في الكبير (14/ 301/ 14937)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1586/ 4000)، وفي مستخرجه على مسلم (3/ 256/ 2669)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 210).

وقد أنكر ابن عبد البر حديث عبد الله بن أنيس بهذا السياق، فكأنه لم يصله إلا من طريق الواقدي، ولم يقف على طريق أبي ضمرة والدراوردي، والله أعلم.

قال الطحاوي في حديث أبي سعيد: "ففي هذا الحديث أنها كانت عامئذٍ في ليلة إحدى وعشرين، فقد يجوز أن يكون ذلك العام هو عام آخر خلاف العام الذي كانت فيه في حديث بن أنيس رضي الله عنه ليلة ثلاث وعشرين، وذلك أولى ما حُمل عليه هذان الحديثان؛ حتى لا يتضادَّا".

قلت: الأقرب عندي أنها واقعة واحدة لاتحاد قرائنها، والله أعلم.

• لكنَّ مالكًا رواه في موطئه (1/ 429/ 893)، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله؛ أن عبد الله بن أنيس الجهني قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني رجل شاسع الدار، فمُرني ليلةً أنزِلُ لها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انزِلْ ليلةَ ثلاثٍ وعشرين من رمضان".

رواه من طريق مالك به: عبد الرزاق (4/ 250/ 7691)، والجوهري في مسند الموطأ (394)، والبيهقي في المعرفة (3/ 453 - 454/ 2626)، وفي الشعب (3/ 326/ 3675)، وقال:"أرسله مالك عن أبي النضر هكذا".

قلت: حديث مالك هذا قد روي عن عبد الله بن أنيس من وجوه متعددة، ويأتي تخريجه في موضعه من السنن برقم (1379 و 1380) إن شاء الله تعالى، وأما حديث الضحاك بن عثمان فهو حديث آخر، حفظه الضحاك، وضبط سياقه وإسناده، ومما يدل على حفظه له أنه ساق فيه قصة لم ترد في طرق حديث ابن أنيس، لذلك أخرجه مسلم في صحيحه، والله أعلم.

لكن قال الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس (81) بعد حديث مالك: " [هكذا رواه مالك مرسلًا]، خالفه موسى بن عقبة والضحاك بن عثمان، روياه عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن عبد الله بن أنيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

قاله الدراوردي عن موسى بن عقبة، وقاله ابن أبي حازم وأبو ضمرة، عن الضحاك بن عثمان" [انظر: كتاب الإيماء إلى أطراف الموطأ لأبي العباس الداني (3/ 30)، أحاديث الموطأ وذكر اتفاق الرواة عن مالك واختلافهم للدارقطني (235)].

ص: 545

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 410)، وفي التمهيد (21/ 210):"وهذا حديث منقطع، ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس ولا رآه، ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة"، زاد في التمهيد:"ورواه الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس، ولكن جاء بلفظ حديث أبي سعيد الخدري، وذلك عندي منكر في هذا الإسناد".

قلت: قال ذلك لأنه لم يقع له إلا من طريق الواقدي، والله أعلم، فقال بعد أن أسنده من طريقه:"محمد بن عمر المذكور في هذا الإسناد هو الواقدي، وهو ضعيف الحديث، والضحاك بن عثمان: كثير الخطأ، ليس بحجة".

قلت: الضحاك: وثقه ابن بكير، وابن سعد، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعلي بن المديني، ومصعب الزبيري، وأبو داود، قالوا جميعًا:"ثقة"، وقال ابن نمير:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات، وقال أبو حاتم:"يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو صدوق"، وقال أبو زرعة الرازي:"ليس بقوي"، وقد احتج به مسلم كما ترى في هذا الحديث [التهذيب (2/ 223)، الميزان (2/ 324)، إكمال مغلطاي (7/ 20)، علل ابن أبي حاتم (361)].

ورآه ابن حجر حديثًا واحدًا، فقال في الإتحاف (6/ 498/ 6885):"وأبو النضر لم يلق عبد الله بن أنيس، وقد بيَّن الضحاك بن عثمان الواسطة"، فكأنه يرجح قوله.

• وأما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقي الطين بكسائه في حال المطر إذا سجد؛ فإنه لا يصح:

رواه ابن إسحاق، قال: ثنا حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس، عن عبد الله بن عباس، قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومٍ مطيرٍ، وهو يتقي الطين إذا سجد بكساءٍ عليه، يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد.

أخرجه أحمد (1/ 265).

• خالفه في لفظه:

شريك بن عبد الله النخعي، وغيره:

عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد [متوشحًا به]، يتقي بفضوله حر الأرض وبردها.

أخرجه أحمد (1/ 256 و 303 و 320 و 354)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (1/ 256)، وعبد الرزاق (1/ 351/ 1369)، وابن سعد في الطبقات (1/ 462)، وابن أبي شيبة (1/ 241/ 2770) و (1/ 275/ 3162)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 956/ 4090 - السفر الثاني)، وأبو يعلى (4/ 334/ 2446) و (4/ 450 - 451/ 2576) و (5/ 86/ 2687)، والطبراني في الأوسط (2/ 251/ 1895) و (8/ 295/ 8680)، وفي الكبير (11/ 210/ 11520 و 11521)، وابن عدي في الكامل (2/ 350)، وتمام في الفوائد (22).

ص: 546

ومداره على حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي، وهو: ضعيف، وقد خولف فيه، والصحيح: موقوف على ابن عباس [انظر: مصنف عبد الرزاق (1/ 355/ 1381) و (1/ 396/ 1545) و (2/ 396/ 3834)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 277 و 278/ 3183 و 3189) و (2/ 38 و 39/ 6191 و 6208)، الأوسط لابن المنذر (4/ 153/ 1939) و (5/ 52 و 62/ 2368 و 2391)][وانظر أيضًا: سنن البيهقي (2/ 108)].

2 -

عن أبي حميد الساعدي:

رواه عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حُميد، وأبو أُسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم،

فذكر الحديث، وفيه: ثم سجد فأمكن أنفَه وجبهتَه.

تقدم برقم (734)، وهو حديث صحيح، وانظر أيضًا: الحديث رقم (731).

• وأما ما رواه أبو بدر: حدثني زهير أبو خيثمة: حدثنا الحسن بن الحر: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، أحد بني مالك، عن عباس -أو: عياش- بن سهل الساعدي؛ أنه كان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجلس: أبو هريرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو أُسيد،

فذكر الحديث؛ إلى أن قال: ثم قال: "الله أكبر"، فسجد فانتصب على كفَّيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد،

الحديث المتقدم برقم (733)، فهو حديث شاذ.

لكنه روي بهذا اللفظ من وجه آخر:

رواه قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، عن محمد بن عمرو العامري، قال: كنت في مجلسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد:

فذكر الحديث، وفيه: فإذا سجد أمكن الأرض من جبهته وأنفه وكفَّيه، ومن ركبتيه وصدور قدميه، ثم اطمأن ساجدًا،

الحديث، وتقدم برقم (731)، وهو حديث حسن لغيره.

3 -

عن رفاعة بن رافع:

رواه همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ ونحن حوله إذ دخل رجلٌ فأتى القبلة فصلى،

فذكر حديث المسيء صلاته، والشاهد منه، قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم يكبرَ فيسجدَ حتى يمكِّن وجهه"، وقد سمعته يقول:"جبهته، حتى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخيَ".

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (858).

4 -

عن البراء بن عازب:

رواه أبو إسحاق، قال: سمعت عبد الله بن يزيد الخطمي يخطب الناس، قال: حدثنا البراء -وهو غير كذوب-: كنا نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: "سمع الله لمن

ص: 547

حمده"، لم يحنِ أحدٌ منا ظهره حتى يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته إلى الأرض، فإذا وضع جبهته إلى الأرض خررنا سجودًا.

وهو حديث متفق عليه [أخرجه البخاري (690 و 811)، ومسلم (474/ 197 و 198)]، تقدم برقم (620).

قال ابن حجر في الفتح (2/ 297): "الاقتصار على ذكر الجبهة إما لكونها أشرف الأعضاء المذكورة، أو أشهرها في تحصيل هذا الركن، فليس فيه ما ينفي الزيادة التي في غيره"؛ يعني: الأنف.

5 -

عن ابن عباس:

روى حرب بن ميمون، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي، يسجد ولا يضع أنفه على الأرض، فقال:"ضع أنفك؛ يسجد معك".

أخرجه الترمذي في العلل (102)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 187 - مسند ابن عباس)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 234)، والخطيب في الموضح (1/ 102).

قال ابن جرير: "وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيح لعلل:

إحداها: أنه خبر لا يُعرف له مخرج من حديث خالد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا؛ إلا من هذا الوجه، والخبر إذا انفرد به عندهم منفرد وجب التثبت فيه.

والثانية: أنه من رواية عكرمة عنه، وفي نقل عكرمة عندهم نظر.

والثالثة: أنه من رواية خالد عنه، وفي نقل خالد عندهم ما ذكرنا قبلُ.

والرابعة: أنه خبر قد رواه عن عكرمة غير خالد، فأرسله عن ابن عباس؛ ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه أيضًا في اللفظ والمعنى.

والخامسة: أنه قد رواه أيضًا بعضهم عن عكرمة فأرسله، ولم يجعل بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا، وخالفه في اللفظ والمعنى".

وقال الخطيب: "لم يسند هذا الحديث عن خالد الحذاء غير حرب بن ميمون، وغيره يرسله، ولا يذكر فيه ابن عباس.

ورواه أبو قتيبة سلم بن قتيبة عن شعبة عن عاصم الأحول عن عكرمة كذلك عن ابن عباس، ولم يسنده عن شعبة إلا أبو قتيبة، ورواه غيره عن شعبة عن عاصم عن عكرمة مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن خالد بن مهران الحذاء: حرب بن ميمون، وهو الأصغر العبدي، صاحب الأغمية: ضعيف، له مناكير، وهذا منها [التهذيب (1/ 370)، الميزان (1/ 471)]، والإسناد من لدن خالد الحذاء فمن فوقه على شرط البخاري.

• قلت: ورواه أبو قتيبة سلم بن قتيبة [الشعيري: صدوق]: ثنا شعبة والثوري، عن

ص: 548

عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي، فإذا سجد لم يمسَّ أنفُه الأرضَ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لا يمسُّ أنفُه الأرضَ ما يمسُّ الجبينُ".

وفي رواية: "لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض".

أخرجه الدارقطني (1/ 348)، والحاكم (1/ 270)، والبيهقي (2/ 104).

رواه الحاكم أولًا بإسناده إلى أبي قتيبة عن سفيان هكذا مرفوعًا، ثم قال:"هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وقد أوقفه شعبة عن عاصم"، ثم رواه الحاكم بنفس إسناده الأول إلى أبي قتيبة عن شعبة موقوفًا، وإنما هذا من تخليط شيخ شيخ الحاكم: إبراهيم بن عبد السلام الوشاء الضرير: ضعفه الدارقطني، وقال مسلمة بن قاسم:"هو صالح في الرواية، لكن يروي أحاديث منكرة"[سؤالات الحاكم (52 و 119)، تاريخ بغداد (6/ 136)، اللسان (1/ 312)]، وهذا من مناكيره؛ فإنما يُعرف هذا عن أبي قتيبة عن شعبة مرفوعًا، وقد أخطأ الحاكم فيه مرتين، والصواب ما قاله غيره من الحفاظ.

قال أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث: "لم يسنده عن سفيان وشعبة إلا أبو قتيبة، والصواب: عن عاصم عن عكرمة مرسلًا".

وقال الدارقطني: "ورواه غيره عن شعبة عن عاصم عن عكرمة مرسلًا".

وقال البيهقي في المعرفة (2/ 9/ 844): "إنما هو مرسل، وإنما نبأناه بذكر ابن عباس فيه أبو قتيبة عن سفيان وشعبة عن عاصم عن عكرمة، وغلط فيه.

ورواه سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس موقوفًا.

قال أبو عيسى الترمذي فيما قرأت من كتابه: حديث عكرمة مرسلًا أصح، وكذلك قاله غيره من الحفاظ".

وقال الخطيب في الموضح: "ولم يسنده عن شعبة إلا أبو قتيبة، ورواه غيره عن شعبة عن عاصم عن عكرمة مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم".

• قلت: وهم في وصله أبو قتيبة؛ إنما هو مرسل؛ فقد رواه سفيان الثوري [وعنه: عبد الرزاق، والحسين بن حفص]، وشعبة [وعنه: أبو داود الطيالسي، وسعيد بن الربيع أبو زيد الهروي، وشاذان الأسود بن عامر]، وجرير بن عبد الحميد، وإسماعيل ابن علية، وأبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد بن الحارث، ومحمد بن فضيل، وسفيان بن عيينة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وعبدة بن سليمان، ومعمر بن راشد، ومحاضر بن المورِّع [وهم أحد عشر رجلًا من الثقات]:

عن عاصم بن سليمان الأحول، عن عكرمة، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنسانٍ ساجدٍ لا يضع أنفه في الأرض، فقال:"من صلى صلاةً لا يصيب الأنف [فيها] ما يصيب الجبين [وفي رواية: ما تصيب الجبهة]؛ لم تُقبلْ صلاته".

وفي رواية لشعبة: "من لم يضع أنفه على الأرض في سجوده فلا صلاة له"، وفي أخرى:"من لم يسجد على أنفه فلا صلاة له".

ص: 549

أخرجه أبو داود في المراسيل (44)، والترمذي في العلل (101)، وعبد الرزاق (2/ 182/ 2981 و 2982)، وابن أبي شيبة (1/ 235/ 2695)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 189 و 190/ 292 - 295 - مسند ابن عباس)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 175 - 176/ 1455)، وأبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (124)(620 - مجموع مصنفاته)، وابن عدي في الكامل (5/ 236)، والبيهقي (2/ 104).

قال أبو داود: "وقد أُسنِد هذا الحديث، وهذا أصح".

وقال الترمذي بعد أن أسنده من طريق خالد الحذاء: "وحديث عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أصح".

وقال ابن عدي: "وهذا الأصل فيه عن عاصم عن عكرمة مرسلًا، وصله أبو قتيبة عن الثوري وشعبة عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه بقية عن الضحاك بن حمرة عن منصور بن زاذان عن عاصم متصلًا أيضًا".

• خالف هذا الجمع من الثقات؛ فأخطأ:

1 -

سعيد بن الفضل [قال أبو حاتم: "ليس بالقوي، منكر الحديث"، الجرح والتعديل (4/ 55)، الثقات (6/ 370)، تاريخ دمشق (21/ 275)، اللسان (4/ 71)]، قال: حدثنا عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: من سجد فلم يضع أنفه على الأرض فلم يُصلِّ.

أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 188 و 197/ 291 و 312 - مسند ابن عباس).

2 -

ورواه محمد بن حمير [صدوق]، عن الضحاك بن حُمْرة، عن منصور بن زاذان، عن عاصم البجلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجزي صلاةٌ لا يمسُّ الأنفُ من الأرض ما يمسُّ الجبينُ".

وفي رواية: "من لم يلزق أنفه مع جبهته بالأرض في سجوده لم تقبل صلاته".

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 250/ 4111)، وفي الكبير (11/ 333/ 11917)، وابن عدي في الكامل (4/ 98)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 677)، وابن المقرئ في المعجم (427) [وسقط من إسناده: عاصم البجلي]، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 437/ 745)، وفي التحقيق (525).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن منصور بن زاذان إلا الضحاك، تفرد به: محمد بن حمير، وعاصم البجلي هو: عاصم بن سليمان الأحول".

وقال ابن عدي: "وهذا لا يرويه عن منصور بن زاذان غير الضحاك بن حمرة".

قلت: هو حديث منكر؛ الضحاك بن حمرة الأملوكي الواسطي: ضعيف، قال عنه البخاري:"منكر الحديث، مجهول"[الميزان (2/ 322)، إكمال مغلطاى (7/ 13)، التهذيب (2/ 222)، التقريب (285)].

ص: 550

• وانظر: ما رواه أبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (125)(621 - مجموع مصنفاته).

• ورواه إسرائيل بن أبي إسحاق، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وإبراهيم بن طهمان، وشريك بن عبد الله النخعي:

عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إذا سجدت فألصق أنفك بالأرض. موقوفًا عليه قوله.

وفي رواية: إذا سجدت فضع أنفك على الأرض مع جبهتك.

وفي رواية: إذا سجد أحدكم فليلصق أنفه بالحضيض، فإن الله قد ابتغى ذلك منكم.

وفي رواية شريك: إذا صلى أحدكم فليضع أنفه على الأرض، فإنكم قد أمرتم بذلك. وهذا له حكم الرفع.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 181/ 2978)، وابن أبي شيبة (1/ 234/ 2688)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2423)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 1453/175 و 1454)، وابن حبان في كتاب وصف الصلاة بالسُّنَّة (7/ 472/ 8250 - إتحاف المهرة)، والبيهقي (2/ 104).

قلت: وسماك بن حرب: صدوق، تُكُلم فيه لأجل اضطرابه في حديث عكرمة خاصة، وكان لما كبر ساء حفظه؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، قال يعقوب بن شيبة:"وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا -مثل شعبة وسفيان- فحديثهم عنه: صحيح مستقيم"[انظر: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656) وغيرها]، وهو هنا يروي عن عكرمة، ولم يروه عنه قدماء أصحابه مثل سفيان الثوري وشعبة، ممن ضبطوا حديثه، قال ابن المديني:"روايته عن عكرمة مضطربة، فسفيان وشعبة يجعلونها عن عكرمة، وأبو الأحوص وإسرائيل يجعلونها عن عكرمة عن ابن عباس"[تاريخ دمشق (41/ 97)، شرح علل الترمذي (2/ 797)، التهذيب (3/ 517)، الميزان (2/ 232)].

قلت: فالمحفوظ هو المرسل، كما رواه جماعة الثقات عن عاصم بن سليمان الأحول عن عكرمة مرسلًا، وهو قول جماعة من الأئمة، والله أعلم.

6 -

عن عائشة:

يرويه سليمان بن عبد الرحمن: نا ناشب بن عمرو الشيباني: ثنا مقاتل بن حيان، عن عروة، عن عائشة، قالت: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً من أهله تصلي، ولا تضع أنفها بالأرض، فقال:"ما هذه؟! ضعي أنفَكِ بالأرض؛ فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصلاة".

أخرجه الدارقطني (1/ 348)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (524).

قال الدارقطني: "ناشب: ضعيف، ولا يصح مقاتل عن عروة".

ص: 551

قلت: هو حديث منكر؛ مقاتل بن حيان عن عروة: لا يجيء، أعني: أنه لا يُعرف بالرواية عنه، كما قال الدارقطني، وناشب بن عمرو أبو عمرو الشيباني: مجهول، منكر الحديث، لم يرو عنه سوى أبي أيوب الدمشقي، ولا يُعرف إلا بالرواية عن مقاتل بن حيان، يروي عنه المناكير والأباطيل، وهذا منها، قال البخاري:"منكر الحديث"، وقال الدارقطني:"ضعيف"[تاريخ دمشق (61/ 380)، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي (2/ 256/ 822)، تنقيح التحقيق للذهبي (1/ 169)، اللسان (8/ 244)]، فإن قيل: ناشب وثقه الراوي عنه [كما عند: البيهقي في الشعب (3/ 304/ 3606)، وفي فضائل الأوقات (51)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 381)]؛ فيقال: سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى، أبو أيوب الدمشقي، ابن بنت شرحبيل: صدوق، من أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين [التهذيب (2/ 101)]، فتوثيقه لشيخه لا عبرة به، لا سيما وقد اقترن بتوثيقه ما يدل على أن اغتر بعبادته، حيث قال:"وكان ثقة صائمًا وقائمًا"، والله أعلم.

7 -

عن أم عطية:

يرويه الحسن بن مدرك [لا بأس به]، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله القرشي [هو الأويسي: مدني، ثقة]، قال: حدثنا سليمان القافلاني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبل صلاةَ مَن لا يصيب أنفُه الأرضَ".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 4758/89)، وفي الكبير (25/ 55/ 120).

قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن أم عطية إلا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن مدرك".

ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 342)، بإسناد ليِّن إلى أبي وهب عبد الله بن وهب عن سليمان القافلاني به.

ولم أعرف من أبو وهب هذا إلا أن يكون أبا محمد عبد الله بن وهب بن مسلم الفقيه المصري، الثقة الحافظ المشهور، أخطأ في كنيته أحد رواة الإسناد، فإن كان هو فالحديث غريب جدًّا من حديث ابن وهب، ولا يثبت من حديثه، وإلا فلا تثبت به عندي متابعة الأويسي، ويبقى ابن مدرك هو المتفرد بهذا الحديث، كما قال الطبراني، والله أعلم.

وهو حديث منكر؛ تفرد به عن ابن سيرين هكذا مرفوعًا: القافلاني، وسليمان بن أبي سليمان القافلاني هذا: بصري مقلٌّ، متروك الحديث [اللسان (4/ 157)]، وإنما يُعرف معناه عن ابن سيرين من فعله مقطوعًا عليه [عند: ابن أبي شيبة (1/ 235/ 2693)].

8 -

عن ابن عمر:

يرويه المعلى الجعفي، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد ألزم أنفَه الأرضَ، حتى يُرى أثرُ أنفِه في الأرض.

أخرجه الخطيب في الموضح (2/ 486).

ص: 552

والمعلى بن هلال بن سويد: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث، فهو حديث موضوع.

9 -

عن أبي هريرة:

يرويه محمد بن الفضل بن عطية، عن محمد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"السجود على الجبهة فريضة، وعلى الأنف تطوع".

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 165)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 437/ 746).

قلت: هو حديث باطل؛ محمد بن الفضل بن عطية: متروك الحديث، كذاب، روى أحاديث موضوعة [التهذيب (3/ 675)، الميزان (4/ 6)].

10 -

عن أبي جحيفة:

يرويه زياد بن عبد الله، عن حجاج، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمَكِّنُ أنفَه من الأرض كما يُمَكِّن جبهته.

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 105/ 262).

وزياد بن عبد الله البكائي: ثقة ثبت في مغازي ابن إسحاق، وفيما عدا المغازي فهو: ليس بالقوي، قال صالح بن محمد:"ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد، وزياد في نفسه ضعيف، ولكن هو من أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع داره وخرج يدور مع ابن إسحاق حتى سمع منه الكتاب"[انظر: الميزان (2/ 91)، إكمال مغلطاي (5/ 114)، التهذيب (1/ 650)]، وحديثه هذا منكر؛ فهو هنا قد خالف جماعة من الثقات الحفاظ وغيرهم:

فقد رواه هشيم بن بشير، ويزيد بن هارون، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وحفص بن غياث، وعباد بن العوام، وإسرائيل بن أبي إسحاق، وأبو معاوية الضرير محمد بن خازم، وعبد الرحيم بن سليمان المروزي، وعبد القدوس بن بكر، وقيس بن الربيع [10]:

رووه عن الحجاج بن أرطأة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع أنفه على الأرض إذا سجد مع جبهته.

وهو الحديث الآتي:

11 -

عن وائل بن حجر:

رواه الحجاج بن أرطأة [ليس بالقوي، وقد توبع عليه، لكنه مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمتروكين، ولم يسمع من عبد الجبار، قاله البخاري. علل الترمذي الكبير (426)، سنن البيهقي (8/ 235)]، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع أنفه على الأرض إذا سجد مع جبهته. وفي رواية: يسجد على أرنبته وجبهته.

ص: 553

ورواه الأعمش [ثقة حافظ]، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعًا جبهته وأنفه في سجوده.

تقدم ذكره تحت الحديث رقم (724)، وعبد الجبار بن وائل بن حجر: لم يسمع من أبيه، وقال جماعة من الأئمة: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وتقدم نقل كلامهم في ذلك تحت الحديث السابق برقم (723).

12 -

عن معاذ بن جبل:

والشاهد منه: وكان يمكن جبهته وأنفه من الأرض.

وهو حديث موضوع، تقدم تحت الحديث رقم (746).

• ومما روي في معارضة ذلك:

ما رواه أبو عتبة إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، قال: قلت لوهب بن كيسان: يا أبا نعيم! ما لك لا تمكِّن جبهتك وأنفك من الأرض؟ قال: ذلك أني سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد بأعلى جبهته على قُصاص الشَّعر.

أخرجه الطيالسي (3/ 338/ 1900)، وابن أبي شيبة (1/ 235/ 2697)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 283/ 1346)، وابن عدي (5/ 284)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (320)، والدارقطني (1/ 349).

قال ابن عدي: "وهذه الأحاديث التي ذكرتها لعبد العزيز هذا مناكير كلها، وما رأيت أحدًا يحدث عنه غير إسماعيل بن عياش".

وقال الدارقطني: "تفرد به: عبد العزيز بن عبيد الله عن وهب، وليس بالقوي".

قلت: هو حديث منكر؛ عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب الحمصي: متروك، منكر الحديث، لم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش [التهذيب (2/ 590)، الميزان (2/ 632)، الكامل (5/ 285)]، ورواية إسماعيل هنا عن أهل بلده، فالبلية ليست منه، وإنما من شيخه بلديه.

• ورواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن أبي الأحوص حكيم بن عمير، عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في أعلى جبهته مع قصاص الشعر.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 421)، وأبو يعلى (4/ 127/ 2176)، وابن حبان في المجروحين (3/ 147)، والطبراني في الأوسط (1/ 137/ 432)، وفي مسند الشاميين (2/ 346/ 1470)، وتمام في الفوائد (428).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حكيم بن عمير إلا أبو بكر بن أبي مريم".

قلت: تفرد به: أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم؛ وقد ضعفوه.

• ونختم هذا الباب بالكلام عن السجود على كور العمامة، وما جاء فيه:

1 -

فقد روى عيسى بن يونس، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن

ص: 554

سعيد بن وهب، عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا؛ فلم يشكنا.

وهو حديث شاذ بهذه الزياد: في جباهنا وأكفنا، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (403).

2 -

وروى عبد الله بن محرر [متروك، منكر الحديث]، قال: أخبرني يزيد بن الأصم؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور عمامته.

قال ابن محرر: وأخبرني سليمان بن موسى، عن مكحول، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 400/ 1564).

قال أبو حاتم: "هذا حديث باطل، وابن محرر: ضعيف الحديث"[علل ابن أبي حاتم (1/ 175/ 500)].

3 -

وروى حسان بن سِيَاه [ضعفوه؛ روى عن ثابت مناكير. الميزان (1/ 478)، اللسان (2/ 236)]، قال: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على كور العمامة.

أخرجه ابن أبي حاتم في العلل (1/ 187/ 535)، ثم قال:"فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر".

4 -

وروى إبراهيم بن عبد الله بن همام [ابن أخي عبد الرزاق: حدث عن عمه بأحاديث موضوعة، قال ابن عدي: "منكر الحديث"، وقال الدارقطني: "كذاب، يضع الحديث"، المجروحين (1/ 118)، ضعفاء الدارقطني (21)، المدخل إلى الصحيح (7)، ضعفاء أبي نعيم (7)، اللسان (1/ 305)]: أخبرنا عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ على كور العمامة يعدل ثوابها غدوةً في سبيل الله"، قال إبراهيم: قال لي عبد الرزاق: غلط؛ هي: غزوة في سبيل الله.

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 273).

قال ابن عدي: "وهذه الأحاديث مناكير، مع سائر ما يروي ابن أخي عبد الرزاق هذا".

وأما الذهبي فقد اتهم إبراهيم هذا بوضع هذا الحديث [الميزان (1/ 42)].

فهو حديث موضوع.

5 -

وروى معمر بن سهل: ثنا سعيد بن عنبسة، عن فائد أبي الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد على كور العمامة.

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 170/ 7184).

قال الطبراني: "لا يُروى عن ابن أبي أوفى إلا بهذا الإسناد، تفرد به: معمر بن سهل".

ص: 555

وهذا حديث كذب؛ فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء: متروك، ذاهب الحديث، اتهموه، قال أبو حاتم: "ذاهب الحديث، لا يكتب حديثه،

، وأحاديثه عن ابن أبي أوفى: بواطيل، لا تكاد ترى لها أصلًا، كأنه لا يشبه حديث ابن أبي أوفى، ولو أن رجلًا حلف أن عامة حديثه: كذب؛ لم يحنث" [الجرح والتعديل (7/ 84)، التهذيب (3/ 380)].

وسعيد بن عنبسة، هو: الرازي الخزاز؛ كذبه ابن معين وابن الجنيد، وقال أبو حاتم مرة:"فيه نظر"، وقال أخرى:"كان لا يصدق"[انظر: المعجم الكبير (19/ 181/ 411)، ما انتخبه ابن طاهر السلفي من أصول شيخه الطيوري (433 و 744)، الجرح والتعديل (4/ 52)، المتفق والمفترق (2/ 1097)، الميزان (2/ 154)، اللسان (4/ 69)].

ومعمر بن سهل بن معمر الأهوازي: شيخ لابن أبي عاصم والبزار، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"شيخ متقن، يُغرب"، وله أفراد وغرائب ذكر بعضها الطبراني في معجمه الأوسط، والدارقطني في أفراده [الثقات (9/ 196)، المعجم الأوسط (6191 و 7184 و 7186 و 7192 و 7196)، أطراف الغرائب والأفراد (791)، الحلية لأبي نعيم (5/ 45)].

• خالفه: مروان بن معاوية [ثقة حافظ]، فرواه عن أبي ورقاء، قال: رأيت ابن أبي أوفى يسجد على كور عمامته.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 239/ 2753).

وهذا أثر باطل، وتقدم الكلام عن فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء.

6 -

وروى أسيد بن زيد، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على كور العمامة.

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 130).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث غير محفوظ".

قلت: هو حديث باطل كذب؛ جابر بن يزيد الجعفي: متروك يكذب، وعمرو بن شمر الجعفي: متروك، منكر الحديث، كُذِّب، ورُمِي بالوضع [اللسان (6/ 210)]، وأسيد بن زيد الجمال: متروك، كذبه ابن معين [ولا عبرة بقول ابن القطان:"ومع هذا فقد أخرج له البخاري، وهو ممن عيب عليه الإخراج له". بيان الوهم (3/ 398)؛ لأن البخاري أخرج له مقرونًا بغيره في موضع واحد، وقد كرر الحديث بأسانيد صحيحة. انظر: البخاري (3410 و 5705 و 5752 و 6472 و 6541)، مسلم (220)].

7 -

وروى سويد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور العمامة.

أخرجه تمام في الفوائد (1782).

وهذا حديث منكر؛ سويد هذا هو: ابن عبد العزيز السلمي الدمشقي: ضعيف، يروي أحاديث منكرة [انظر: التهذيب (2/ 134)، الميزان (2/ 252)، إكمال مغلطاي (6/ 166)]، وهذا منها؛ والمعروف عن ابن عمر في هذا بخلافه موقوفًا عليه؛ فقد رواه:

ص: 556

• عبد الرزاق بن همام الصنعاني [ثقة حافظ]، وعبدة بن سليمان [ثقة ثبت]:

عن عبيد الله بن عمر، عن نافع؛ أن ابن عمر كان يكره أن يسجد على كور عمامته حتى يكشفها. لفظ عبد الرزاق.

ولفظ عبدة: كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض.

أخرجه عبد الرزاق (1/ 401/ 1570)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 179/ 1461)، والبيهقي (2/ 105).

• ورواه إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن نافع؛ قال: كان ابن عمر لا يسجد على كور العمامة.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 240/ 2757).

فهو صحيح عن ابن عمر موقوفًا عليه، ولا يصح رفعه.

8 -

وروى محمد بن سنان الشيزري [شيخ للطحاوي والعقيلي والطبراني وغيرهم من الحفاظ، قال ابن الجزري: "مقرئ ضابط"، تاريخ دمشق (53/ 150)، تاريخ الإسلام (22/ 270)، معرفة القراء الكبار (2/ 517)، غاية النهاية (2/ 150)]: حدثنا إبراهيم بن حبان بن البراء بن النضر بن أنس بن مالك: حدثنا حماد بن سلمة، عن بُرد بن سنان [صدوق]، عن مكحول الشامي [لا يصح له سماع من أبي أمامة، ولم يره]، عن أبي أمامة، قال: كنا نسجد خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كور العمامة.

أخرجه الخطيب في الموضح (1/ 409).

وهذا حديث موضوع؛ قال ابن عدي: "وإبراهيم بن البراء هذا أحاديثه التي ذكرتها وما لم أذكرها: كلها مناكير موضوعة، ومن اعتبر حديثه علم أنه ضعيف جدًّا، وهو: متروك الحديث"، وقال جماعة: حدث عن الثقات بالموضوعات والبواطيل [الكامل (1/ 255)، اللسان (1/ 248)].

9 -

وروى حماد بن خالد [هو الخياط: ثقة]، عن معاوية بن صالح [هو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام]، عن عياض بن عبد الله القرشي، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يسجد على كور العمامة، فأومأ بيده أن: ارفع عمامتك، فأومأ إلى جبهته.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 2759/240).

قلت: وهذا معضل، وفي إسناده لين، عياض بن عبد الله القرشي هذا هو: الفهري المدني نزيل مصر، يروي عن التابعين [انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 168/ 937)، تفسير الطبري (29/ 24)]، وهو: ليس بالقوي [التهذيب (3/ 353)، الميزان (3/ 307)].

10 -

وروى محمد بن معاوية النيسابوري [متروك، كذبه ابن معين والدارقطني وغيرهما. التهذيب (3/ 705)]: أخبرنا ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن صالح بن خيوان؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته.

ص: 557

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 455).

وروى ابن وهب، عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة الجذامي، عن صالح بن خيوان السبائي حدثه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسجد بجنبه، وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبهته.

أخرجه ابن وهب في الجامع (393)، ومن طريقه: أبو داود في المراسيل (84)، والبيهقي (2/ 105).

قلت: وهذا مرسل بإسناد ضعيف؛ فإن صالح بن خيوان: قليل الرواية جدًّا، ليس له إلا حديثين، أو ثلاثة، ولم يرو عنه إلا بكر بن سوادة، فهو في عداد المجاهيل، والعجلي وابن حبان معروفان بتساهلهما في توثيق المجاهيل من التابعين، وقول عبد الحق:"لا يحتج به": أقرب للصواب، وقد تقدمت ترجمته عند الحديث رقم (481)، وبقية رجاله ثقات عدا ابن لهيعة؛ فإنه ضعيف.

11 -

ورُوي أيضًا من حديث ابن عباس، بإسناد غريب جدًّا، مسلسل بالمجاهيل، وفيه من ضُعِّف [طبقات الصوفية (36)، الحلية لأبي نعيم (8/ 55)، تاريخ دمشق (13/ 340)، [قال ابن حجر في التلخيص (1/ 253): "وفي إسناده ضعف"، قلت: في إسناده ثلاثة من المجاهيل، ومداره على عبد الله بن موسى بن الحسن بن إبراهيم بن كريد، أبي الحسن السلامي، يروي عن المجهولين، وفي حديثه غرائب ومناكير وعجائب، وهذا منها. تاريخ بغداد (10/ 148)، اللسان (5/ 24)].

• قال البيهقي: "لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في السجود على كور العمامة شيء"[المعرفة (2/ 10)].

وقال أيضًا: "وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة فلا يثبت شيء من ذلك.

وأصح ما روي في ذلك: قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،

"، ثم رواه بإسناد صحيح إلى: "الحسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على عمامته" [السنن (2/ 106)، وانظر: مختصر الخلافيات (2/ 211)].

وقال النووي في المجموع (3/ 387): "وأما المروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على كور عمامته: فليس بصحيح".

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 231): "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن".

وقال ابن رجب في الفتح (2/ 266): "وقد رُوي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعله، من وجوه كلها باطلة، لا يصح منها شيء، قاله البيهقي وغيره".

• والحاصل: فإنه لا يصح حديث في السجود على كور العمامة، وإنما الثابت

ص: 558

عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يسجد على جبهته وأنفه، ويمكنهما من الأرض، وأنه سجد على ماء وطين، حتى رأى الصحابة أثر الماء والطين على جبهته وأنفه، فهذا هو السُّنَّة، فإن احتاج الإنسان إلى اتقاء الأرض لحرها أو بردها ونحو ذلك فلا حرج، سواء كان بالعمامة أو بثوبه المتصل به؛ لما ثبت من حديث أنس، والذي بوب عليه البخاري فقال:(23) باب السجود على الثوب في شدة الحر، ثم قال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه، ثم ذكر حديث أنس، قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود [وهو حديث متفق عليه. البخاري (385 و 542 و 1208)، مسلم (620)]، ولفظ مسلم: كلنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه، فسجد عليه.

وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (403)، وبرقم (660).

• قال ابن القاسم في المدونة (1/ 74): "وقال مالك فيمن سجد على كور العمامة، قال: أحبُّ إليَّ أن يرفع عن بعض جبهته حتى يمسَّ بعضُ جبهته الأرضَ، قلت له: فإن سجد على كور العمامة؛ قال: أكرهه؛ فإن فعل فلا إعادة عليه".

ومذهب الشافعي: لا يجزئه أن يسجد على كور عمامته.

وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (220 و 221): "قلت: يسجد على عمامته؟ قال: لا يعجبني، اللَّهُمَّ إلا أن يكون يتأذى بالبرد أو الحر. قال إسحاق: كما قال.

قال إسحاق: وأما كور العمامة فالصلاة عليه مكروه؛ فإن سجد على العمامة من غير علة فإن ذلك مكروه، وهو جائز ولا يتعمدَنَّ لذلك، فإن فعل فلا إعادة عليه".

وقال في مسائل ابنه صالح: "لا بأس بالسجود على كور العمامة، وأعجب إليَّ أن يبرز جبهته ويسجد عليها"[الفتح لابن رجب (2/ 268)].

وقال أبو داود: "قلت لأحمد: السجود على كور العمامة؟ قال: لا".

قال أبو داود: "سمعت رجلًا سأل أحمد، وأشار إلى قلنسوته، فقال: أسجد عليها؟ قال: لا، قال: فما صليتُ هكذا - أي: سجدت عليها - أعيد؟ قال: لا، ولكن لا تسجد عليها"[مسائل أبي داود (252 و 253)].

وقال ابن هانئ: "وسمعته يقول في السجود على كور العمامة: لا يعجبني.

وسئل عن السجود على كور العمامة؟ قال: لا، حتى يفضي بجبهته إلى الأرض" [مسائل ابن هانئ (225 و 227)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أدلة المسألة: "ولهذا كان أعدل الأقوال في هذه المسألة: أنه يرخَّص في ذلك عند الحاجة، ويكره السجود على العمامة ونحوها عند عدم الحاجة"[مجموع الفتاوى (22/ 172)].

وقد صح عن ابن عمر أنه كان لا يسجد على كور العمامة [عند: ابن أبي شيبة

ص: 559