الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العظيم، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، فعلم أنَّه أراد بتثنية اللفظ جنس التعداد والتكرار، لا الاقتصار على مرتين؛ فإن الاثنين أول العدد الكثير، فذِكرُ أول الأعداد؛ يعني: أنَّه عدد هذا اللفظ، لم يقتصر على مرة واحدة، فالتثنية التعديد، والتعديد يكون للأقسام المختلفة" [مجموع الفتاوى
(14/ 407)].
***
146 -
باب رفع النساء إذا كنَّ مع الرجال [وفي نسخة: مع الإمام] رؤوسهنَّ من السجدة
851 -
. . . عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري، عن مولىً لأسماء ابنة أبي بكر، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان منكنَّ يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجالُ رؤوسَهم"، كراهة أن يرَيْنَ من عوْرات الرجال.
• إسناده ضعيف، وهو حديث حسن لغيره.
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (630).
***
147 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين
852 -
. . . شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن البراء؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سجوده، وركوعه، وما بين السجدتين: قريبًا من السواء.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري (792 و 801)، ومسلم (471/ 194)، وأبو عوانة (1/ 458 و 459/ 1701 و 1702)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 88/ 1043)، والترمذي (279 و 280)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائيُّ في المجتبى (2/ 197/ 1065) و (2/ 232 - 233/ 1148)، وفي الكبرى (1/ 335/ 656) و (1/ 369/ 738)، وفي الرابع من الإغراب (84)، والدارميُّ (1/ 352/ 1333)، وابن خزيمة (1/ 309/ 610) و (1/ 330/ 659)، وابن حبَّان (5/ 202/ 1884)، وأحمد (4/ 280 و 285)، والطيالسي (2/ 101/ 772)، وأبو يعلى (3/ 241/ 1680) و (3/ 242/ 1681)، والروياني (340 و 345)، وأبو العباس السراج في مسنده (253)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (658 و 659)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 164/ 1426)، والطحاوي في المشكل (13/ 44/ 5041)، والبيهقيُّ (2/ 98
و 122)، والخطيب في التاريخ (10/ 125)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 110/ 628).
رواه عن شعبة: حفص بن عمر الحوضي [وهذا لفظه عند أبي داود، وزاد كالجماعة عند ابن المنذر: وإذا رفع رأسه من الركوع]، وغندر محمَّد بن جعفر، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو الوليد الطيالسي، وبدل بن المحبر، ومعاذ بن معاذ العنبري، ووهب بن جرير، وعبد الله بن المبارك، وصفان بن مسلم، ووكيع بن الجراح، وشبابة بن سوار، ويزيد بن زريع، وابن علية، وبهز بن أسد، وسليمان بن حرب، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وسعيد بن الربيع، وألفاظهم متقاربة؛ وزاد فيه غندر ومعاذ وعفان وابن علية وأبو داود الطيالسي وشبابة ووهب بن جرير: قصة.
ولفظ أبي الوليد، وبنحوه بدل بن المحبر ويحيى بن سعيد القطان [عند البخاري وغيره]: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع، وبين السجدتين [زاد ابن المحبر: ما خلا القيام والقعود]: قريبًا من السواء.
ولفظ ابن المبارك، وغندر، وأبي داود الطيالسي [عند الترمذي وأحمد والطيالسي]: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود: قريبًا من السواء.
ولفظ معاذ وبنحوه لفظ غندر وعفان وابن علية وأبي داود الطيالسي وشبابة ووهب [عند مسلم وأحمد والطيالسي وأبي عوانة والطحاوي وأبي نعيم والبيهقيُّ]: عن الحكم، قال: غلب على الكوفة رجل - قد سماه - زمنَ ابن الأشعث [وفي رواية: أن مطر بن ناجية لما ظهر على الكوفة]، فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصلي بالناس، فكان يصلي، فإذا رفع رأسه من الركوع قام [وفي رواية: أطال القيام] قدر ما أقول: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد [وفي رواية: فكان أبو عبيدة يطيل الركوع، وإذا رفع أطال القيام قدر ما يقول هذا الكلام].
قال الحكم: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن أبي ليلى، فقال: سمعت البراء بن عازب يقول: كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وركوعُه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجودُه، وما بين السجدتين، قريبًا من السواء.
قال شعبة: فذكرته لعمرو بن مرة، فقال: قد رأيت ابن أبي ليلى، فلم تكن صلاته هكذا.
تنبيه: وقع في رواية معاذ [عند مسلم والبيهقيُّ]: كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وركوعُه،. . .، ولم يأت أحد ممن رواه عن شعبة بهذه الواو التي تشعر بالمغايرة، وإنما سياقهم جميعًا لا يدل على دخول قيام القراءة في هذه الأركان المتقاربة في التساوي، فدل على كون هذه الواو في رواية معاذ للابتداء والاستئناف، وليست للعطف، والله أعلم [انظر: مغني اللبيب (470)، حروف الهجاء لأبي الحسن علي بن الفضل المزني (2/ 276)].
• ورواه مسعر، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: كان سجود النبي صلى الله عليه وسلم، وركوعه، وقعوده بين السجدتين، قريبًا من السواء.
وفي رواية أحمد: كان ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيامه بعد الركوع، وجلوسه بين السجدتين: لا ندري أيَّهُ أفضل. قال ابن خزيمة: "يريد أفضل: أطول".
أخرجه البخاري (820)، وابن خزيمة (1/ 331/ 661) و (1/ 340/ 683)، وأحمد (4/ 298)، والروياني (338)، وأبو العباس السراج في مسنده (256)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (662)[وفيه زيادة شاذة]، والبيهقيُّ (2/ 122).
• ورواه محمَّد بن عبيد الطنافسي [ثقة حافظ]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]:
عن المسعودي، عن الحكم بن عتيبة، قال: أتيت عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقلت: ما رأيت أحدًا أطول قيامًا بعد الركوع من أبي عبيدة بن عبد الله، فقال عبد الرحمن: سمعت البراء يقول: كان ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعه رأسه بعد الركوع، وسجوده، وجلوسه بين السجدتين: قريبًا من السواء. لفظ الطنافسي.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (254)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (660)، والطحاوي في المشكل (13/ 42 - 43/ 5039).
والمسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة: صدوق، اختلط قبل موته، وأبو داود الطيالسي ممن روى عن المسعودي بعد الاختلاط، ومحمد بن عبيد الطنافسي لم أجد من ذكره فيمن روى عنه قبل الاختلاط، لكن المسعودي لم يخالف فيه الحفاظ.
***
853 -
. . . حماد: أخبرنا ثابت، وحميد، عن أنس بن مالك، قال: ما صليتُ خلفَ رجلٍ أوجزَ صلاةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمامٍ.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، قام حتى نقولَ: قد أوْهَمَ، ثمَّ يكبر، ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.
• حديث صحيح، وهو متفق عليه من حديث أنس.
أخرجه مسلم (473)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (795).
هكذا رواه عن حماد بن سلمة: أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، وبهز بن أسد، وعلي بن الجعد، وعفان بن مسلم، وهدبة بن خالد، وأبو داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، وحبان بن هلال، وحجاج بن منهال، وغيرهم.
ولفظه عند مسلم بتمامه: ما صليت خلف أحدٍ أوجز صلاةً من صلاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمامٍ، كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم متقاربةً، وكانت صلاة أبي بكر متقاربة، فلما كان عمر بن الخطاب مدَّ في صلاة الفجر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال:"سمع الله لمن حمده"
قام حتى نقول: قد أوهم، ثمَّ يسجد، ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.
• ورواه حماد بن زيد، وشعبة بن الحجاج، وسليمان بن المغيرة، ومعمر بن راشد: عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، قال ثابت: كان أنس بن مالك يصنع شيئًا لم أركم تصنعونه؛ كان إذا رفع رأسه من الركوع قام [وفي رواية: انتصب قائمًا] حتى يقول القائل: قد نسي، وبين السجدتين [وفي رواية: وإذا رفع رأسه من السجدة مكث] حتى يقول القائل: قد نسي. لفظ حماد.
وفي رواية شعبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قام، حتى يقول القائل: قد نسي [وفي رواية: من طول ما يقوم]، وإذا رفع رأسه من السجود قعد، حتى نقول: قد نسي.
أخرجه البخاري (800 و 821)، ومسلم (472)، وأبو عوانة (1/ 459/ 1703 و 1705) و (1/ 495/ 1842)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 88/ 1044)، وابن خزيمة (1/ 308/ 609) و (1/ 340/ 682)، وابن حبَّان (5/ 204/ 1885)، وأحمد (3/ 162 و 172 و 223 و 226)، والطيالسي (3/ 522/ 2151)، وابن أبي شيبة (1/ 257/ 2961)، وعبد بن حميد (1252 و 1261 و 1281 و 1305 و 1380)، والبزار (13/ 280/ 6841 و 6842)، وأبو يعلى (6/ 102/ 3363)، وأبو العباس السراج في مسنده (266 و 267 و 269)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (676 و 677 و 679)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (1360)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 163/ 1425) و (3/ 194/ 1493)، والطحاوي في المشكل (13/ 156 و 157/ 5156 و 5157)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (126)(2281 - المخلصيات)، والبيهقيُّ (2/ 97 و 98 و 120)، والخطيب في التاريخ (2/ 256).
• قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في شرح هذا الحديث: "وهذا لاعتدال صلاته وتناسبها، كما في اللفظ الآخر: وكانت صلاته معتدلة، وفي اللفظ الآخر: وكانت صلاته متقاربة؛ لتخفيف قيامها وقعودها، وتكون أتم صلاةً؛ لإطالة ركوعها وسجودها، ولو أراد أن يكون نفس الفعل الواحد كالقيام هو أخف وهو أتم لتناقض ذلك، ولهذا بيَّن التخفيف الذي كان يفعله إذا بكى الصبي، وهو قراءة سورة قصيرة، وبيَّن أن عمر بن الخطّاب مدَّ في صلاة الصبح، وإنما مدَّ في القراءة؛ فإن عمر رضي الله عنه كان يقرأ في الفجر بسورة يونس وسورة هود وسورة يوسف"[القواعد النورانية (58)، مجموع الفتاوى (22/ 578)].
وقال في اقتضاء الصراط المستقيم (95): "فيشبه - والله أعلم - أن يكون الإيجاز عاد إلى القيام، والإتمام إلى الركوع والسجود"، وقال أيضًا:"فهذا يبين لك أن أنسًا أراد بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إطالة الركوع والسجود والرفع فيهما على ما كان الناس يفعلونه، وتقصير القيام عما كان الناس يفعلونه".
***
854 -
قال أبو داود: حدثنا مسدد، وأبو كامل - دخل حديث أحدهما في الآخر -، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رمقت محمدًا صلى الله عليه وسلم وقال أبو كامل: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فوجدت قيامَه كركعتِه وسجدتِه، واعتدالَه في الركعة كسجدتِه، وجلستَه بين السجدتين، وسجدتَه ما بين التسليم والانصراف: قريبًا من السواء.
قال أبو داود: قال مسدد: فركعتَه، واعتدالَه بين الركعتين، فسجدتَه، فجلستَه بين السجدتين، فسجدتَه، فجلستَه بين التسليم والانصراف: قريبًا من السواء.
• حديث صحيح، وذكر القيام والجلسة بعد السلام: وهم، ولفظ أبي كامل فيه وهم.
أخرجه من طريق أبي عوانة:
مسلم (471/ 193)، وأبو عوانة (1/ 458/ 1700)، وأبو نعيم في مستخرجه (2/ 87/ 1042)، والنسائيُّ في المجتبى (3/ 66/ 1332)، وفي الكبرى (2/ 93/ 1256)، والدارميُّ (1/ 352/ 1334)، وأحمد (4/ 294)(8/ 4238/ 18897 - ط المكنز)(30/ 561/ 18598 - ط الرسالة)، والروياني (342)، وأبو العباس السراج في مسنده (257)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (663)، وابن حزم في المحلى (4/ 121)، والبيهقيُّ (2/ 123)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (1/ 355/ 542).
رواه عن أبي عوانة: أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري، ومسدد بن مسرهد، وحامد بن عمر البكراوي، وعمرو بن عون، وعفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل، وسليمان بن داود العتكي أبو الربيع الزهراني، وسعيد بن منصور، وأحمد بن إسحاق الحضرمي.
وقد وقع فيه لأبي كامل الجحدري وهم في بعض ألفاظه، ولم يتابع عليها.
ولفظ حامد البكراوي عند مسلم: رمقتُ الصلاةَ مع محمَّد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامَه، فركعتَه، فاعتدالَه بعد ركوعه، فسجدتَه، فجلستَه بين السجدتين، فسجدتَه، فجلستَه ما بين التسليم والانصراف: قريبًا من السواء.
وبنحوه رواية الجماعة عن أبي عوانة، وهذا هو المحفوظ عن أبي عوانة.
• وتابعه عليه بهذا اللفظ:
شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]:
عن هلال الوزَّان، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رمقت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامَه، وركعتَه، واعتدالَه بعد الركعة، وسجدتَه، وجلستَه بين السجدتين، وجلستَه بين التسليم والانصراف: قريبًا من السواء. لفظ شيبان النحوي.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (255)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (661)، وابن عساكر في المعجم (550).
• والجلسة الأخيرة المذكورة في حديث هلال الوزان هذا هي الجلسة التي يجلسها الإمام بعد السلام مستقبل القبلة، قبل انصرافه بوجهه إلى الناس، وعليها بوَّب النسائي، واستدل بها القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 386):"على مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمصلاه بعد التسليم شيئًا، وأنه لم يكن يبادر القيام بإثر التسليم، ولا يطيل المكث،. . ."، وقال ابن رجب في الفتح (5/ 267):"فهذا الحديث صريح في أنَّه كان يجلس بعد تسليمه قريبًا من قدر ركوعه أو سجوده أو جلوسه بين السجدتين، ثمَّ ينصرف بعد ذلك"[وانظر أيضًا: شرح مسلم للنووي (4/ 188)].
• قلت: اختلف في هذا الحديث على عبد الرحمن بن أبي ليلى:
أ - فرواه الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع، وبين السجدتين [زاد بدل بن المحبر عن شعبة: ما خلا القيام والقعود]: قريبًا من السواء.
ب - وخالفه: هلال بن أبي حميد الوزان، فرواه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رمقتُ الصلاةَ مع محمَّد صلى الله عليه وسلم، فوجدت قيامَه، فركعتَه، فاعتدالَه بعد ركوعه، فسجدتَه، فجلستَه بين السجدتين، فسجدتَه، فجلستَه ما بين التسليم والانصراف: قريبًا من السواء.
هكذا زاد هلال بن أبي حميد الوزان في هذا الحديث: القيام، والجلسة بين التسليم والانصراف، ولم يأت بهما الحكم بن عتيبة في روايته، حيث اقتصر الحَكَم على أربعة أركان فقط وهي: الركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه.
• والذي يظهر لي - والله أعلم - أن رواية هلال الوزان وهمٌ؛ لأمور:
الأوّل: أن الحكم بن عتيبة أثبت بكثير من هلال الوزان، فإن الوزان: وثقه ابن معين والنسائيُّ، وقال أبو داود:"لا بأس به"، وذكره ابن حبَّان في الثقات [التهذيب (4/ 288)، تاريخ الإِسلام (8/ 285)، موضح أوهام الجمع (1/ 181)]، وأما الحكم بن عتيبة فإنَّه: ثقة ثبت، إمام فقيه، قد اتفق الأئمة على توثيقه وإمامته، وقد وثقه: ابن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، وأحمد، وابن معين، وأبو حاتم، والنسائيُّ، والعجلي، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقد قال فيه جماعة منهم:"ثقة ثبت"، ونعته الذهبي بقوله:"الإمام الكبير، عالم أهل الكوفة"[التهذيب (1/ 466)، الجرح والتعديل (3/ 123)، السير (5/ 208)].
الثاني: أن الحكم بن عتيبة قد اشتهر بالفقه، وأقواله مبثوثة في المصنفات، حتى قيل فيه:"ما بين لابتيها أفقه من الحكم"، وهذا بخلاف الوزان فلم يُعرف عنه شيء من ذلك، ولا شك أن رواية الفقيه في مثل هذا الموضع أولى من رواية غير الفقيه؛ لأنهم اعتبروا
الفقه من كمال الضبط، ولأن الفقيه أعرف بمقتضيات الألفاظ [انظر: البحر المحيط للزركشي (4/ 446)]، ومما يدلّ على أن الوزان لم يضبط هذه الرواية تسويته الأركان الأربعة بالقيام وبالجلسة ما بين التسليم والانصراف.
الثالث: قلة مرويات هلال الوزان إذا قورنت بمرويات الحكم، فالحكم أوسع رواية، وأحفظ وأضبط، وأفقه لما يروي، فكيف تقبل زيادة من هو أدنى في الحفظ والفقه وسعة الرواية، لا سيما مع كون هذه الزيادة تخالف رواية الفقيه.
الرابع: أن رواية الحكم قد اشتملت على قصة ترد زيادة الوزان، ففي رواية وهب بن جرير عن شعبة عند الطحاوي في المشكل (5041): فكان أبو عبيدة يطيل الركوع، وإذا رفع أطال القيام قدر ما يقول هذا الكلام: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد.
وفي رواية معاذ بن معاذ عند مسلم: فإذا رفع رأسه من الركوع قام قدر ما أقول: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
قال الطحاوي: "فعقلنا بذلك أن إطالة أبي عبيدة التي روى البراء لابن أبي ليلى فيها ما رواه له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما كان مقدارها: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، وكان ما سوى ذلك في صلاته من الركوع ومن السجود ومن الجلوس بين السجدتين مقدار كل جنس منها هذا المقدار، سوى اللازم في الجلوس من التشهد الذي قد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس".
قلت: يريد بذلك أن المقدار الذي كان يمكثه النبي صلى الله عليه وسلم في كل ركن من هذه الأركان الأربعة: الركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه، كل ذلك كان بمقدار الذكر المعهود في الرفع من الركوع المروي عن أبي سعيد الخدري، وهذا الذكر لا يستغرق إلا زمنًا يسيرًا جدًّا إذا قورن بما كان يقرؤه النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات المفروضة، مثل: الأعراف، والمؤمنون، والسجدة، والصافات، وق، والطور، والواقعة، والإنسان، والمرسلات، والتكوير، وغير ذلك مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قرأ به في الصلوات المفروضة إضافة إلى أم الكتاب، فضلًا عن أن قراءة فاتحة الكتاب مرتلة تأخذ زمنًا أطول من هذا الذكر، فدلّ ذلك على أن القيام كان أطول بكثير من مكث النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأركان الأربعة، وإنما المراد من حديث البراء بيان تقارب هذه الأربعة في المقدار، بخلاف القيام الذي كان يطيل فيه قراءة القرآن، فدلت هذه القرينة على وهم زيادة هلال الوزان، والله أعلم.
الخامس: أن البخاري لما أخرج رواية بدل بن المحبر عن شعبة كأنه يريد بذلك إعلال رواية الوزان، ففي رواية بدل: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع، ما خلا القيام والقعود: قريبًا من السواء.
ففي قوله: ما خلا القيام والقعود، ما يعارض زيادة الوزان التي أتى فيها بالقيام
والقعود لتستوي مع هذه الأربع في المقدار، وهذا غلط بيِّن، فإن رواية بدل تنفي هذه الزيادة، ولا يقال هنا بأن رواية المثبت تقدم على رواية النافي، لكون رواية النافي تضمنت الإثبات والنفي في محلّ واحد، والله أعلم.
السادس: أن تسوية كل ركن من الأركان الأربعة بمقدار القيام وما يقرأ فيه من الفاتحة والسورة [مما تقدم ذكره من السور التي قرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مقتضى التخفيف المأمور به في الأحاديث الآتية]، يترتب عليه إطالة زمن الصلاة إطالة تخرجها عن الوصف الذي جاءت به السُّنَّة، ويخالف ما أمر به الأمة، فقد تواترت الأحاديث بتخفيف الإمام على المأمومين صلاتهم، فمن ذلك مثلًا:
1 -
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلَّى أحدُكُم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء"[متفق عليه، وتقدم برقم (794)].
2 -
عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قال رجل: يا رسول الله! لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوِّل بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظةٍ أشدَّ غضبًا من يومئذ، فقال:"أيها الناس! إنكم منفِّرون، فمن صلى بالناس فليخفِّفْ، فإن فيهم المريضَ، والضعيفَ، وذا الحاجة"[متفق عليه، وتقدم تحت الحديث رقم (794)].
3 -
عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوجز في الصلاة، ويُتِمّ [وفي رواية: ويكمِّلها] [متفق عليه، وتقدم تحت الحديث رقم (794)].
4 -
عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخفَّ الناسِ صلاةً في تمام [أخرجه مسلم (469/ 189)، وتقدم تحت الحديث رقم (794)].
5 -
عن جابر بن سمرة، قال: كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات، فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا [أخرجه مسلم (866)، وتقدم تحت الحديث رقم (794)].
وفي رواية أخرى: كانت صلاته أخفَّ من صلاتكم، وكان يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور [أخرجه مسلم (866)، وتقدم تحت الحديث رقم (794)].
6 -
عن نافع بن سرجس، قال: عُدْنا أبا واقد البكري في وجعه الذي مات فيه، [وذُكرَت الصلاة عنده] فسمعته يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخفَّ صلاةً على الناس [في تمام]، وأطولَ الناسِ صلاةً لنفسه.
وهو حديث حسن، وتقدم تحت الحديث رقم (794).
7 -
عن عبد الله بن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، ويؤمُّنا بالصافات [في صلاة الفجر].
وهو حديث حسن، وتقدم تحت الحديث رقم (794).
8 -
قصة معاذ بن جبل: لما كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، فتجوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه
منافق، فبلغ ذلك الرجلَ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذًا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة، فتجوَّزتُ، فزعم أني منافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا معاذ أفتَّان أنت؟ " ثلاثًا، "اقرأ:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، ونحوها" [أخرجه البخاري (6106)، وتقدم تحت الحديث رقم (600)].
ومن طريق أخرى: عن جابر أنَّه قال: صلى معاذ بن جبل الأنصاري لأصحابه العشاء، فطوَّل عليهم، فانصرف رجل منا، فصلى، فأُخبِر معاذٌ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجلَ، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أتريد أن تكون فتَّانًا يا معاذ؟ إذا أمَمْتَ الناس فاقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} "[أخرجه مسلم (465/ 179)، وتقدم تحت الحديث رقم (600)، وراجع هناك طرقه وشواهده].
9 -
عن عثمان بن أبي العاص، قال: يا رسول الله! اجعلني إمامَ قومي، قال:"أنت إمامُهم، واقْتَدِ بأضعفهم، واتخذْ مؤذنًا لا يأخذُ على أذانه أجرًا".
وهو حديث صحيح، وتقدم برقم (531).
هذا بعض ما صح مما ورد في باب التخفيف، وفيه دلالة ظاهرة على عدم مساواة الأركان الأربعة بالقيام، وإلا لترتب على ذلك إطالة الصلاة بما يشُقُّ على الناس، والله أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
السابع: أن تسوية كل ركن من الأركان الأربعة بمقدار القيام وما يقرأ فيه من الفاتحة والسورة، يترتب عليه إطالة زمن الصلاة إطالة تخرجها عن وقتها في بعض الأحيان، وتدخلها في وقت الصلاة الأخرى، ومثل ذلك لم يقع في العهد النبوي، ولو وقع لنقل إلينا، إذ هو مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فإن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب بالأعراف، أو بالطور، أو بالمرسلات، ثمَّ يركع مثل ذلك، ثمَّ يرفع رأسه فيمكث مثل ذلك، ثمَّ يسجد مثل ذلك، ثمَّ يرفع رأسه فيمكث مثل ذلك، ويقال مثل ذلك أيضًا في صلاة الفجر، فإنَّه حينئذ لا تنقضي الصلاة حتى يخرج وقتها، أو يكاد.
الثامن: ما جاء من الأحاديث الدالة على سرعة انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب:
فقد روت عائشة رضي الله عنها، قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح؛ فينصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يُعرفن من الغلس [متفق عليه، وتقدم برقم (423)]، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر بسورة ق، أو الواقعة، أو الصافات، أو المؤمنون، مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثمَّ سوى الأركان الأربعة بقيامه لما انصرف من الصلاة إلا وقد طلعت الشمس.
وكذلك يقال مثل هذا في حديث أبي برزة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلي العصر وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويرجع والشمس
حية،. . .، إلى أن قال: وكان يصلي الصبح ويعرف أحدنا جليسه الذي كان يعرفه، وكان يقرأ فيها من الستين إلى المائة [متفق عليه، وتقدم برقم (398)].
ويقال مثل ذلك أيضًا في حديث رافع بن خديج، يقول: كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله [متفق عليه، وتقدم تحت الحديث رقم (417)].
التاسع: الأذكار والأدعية المنقولة في هذه الأركان الأربعة تخالف زيادة الوزان، إذ لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ذكرٌ أو دعاءٌ طويلٌ بمقدار الفاتحة وسورة مما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته المفروضة بالناس، بل إن بعض أدعية الاستفتاح - وموضعها القيام - أطول من أذكار الركوع والسجود، والرفع منهما، والله أعلم.
• فإن اعترض معترض بحديث حذيفة الآتي ذكره في الشواهد، في تسوية الأركان الأربعة بقيامه صلى الله عليه وسلم، وقد قرأ فيه بالبقرة والنساء وآل عمران، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، فيقال: قد كان ذلك في النافلة في صلاة الليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:"إذا صلَّى أحدُكُم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء"، وفي حديث أبي واقد البكري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخفَّ صلاةً على الناس في تمام، وأطولَ الناسِ صلاةً لنفسه، فلا وجه إذًا لهذا الاعتراض؛ إلا إذا حملنا حديث البراء على النافلة دون الفريضة.
وكذلك ما ورد في صفة صلاة الكسوف من إطالة الركوع جدًّا، فهو محمول على صفة صلاة مخصوصة في هيئتها، في كل ركعة منها ركوعان، فلا يقاس عليها غيرها.
• وإن اعترض آخر بحديث أنس الوارد في الباب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قام، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجود قعد، حتى نقول: قد نسي، فيقال: هذا محمول على الذكر المنقول فيه فقط، لا أنَّه كان يطيل إطالة فوق ذلك، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم كان يقصر أحيانًا في هذه الأركان، كالاقتصار على التسبيح في الركوع، والتحميد في الرفع منه، والتسبيح في السجود، والاستغفار في الرفع منه، بدون إطالة وتكرار كثير، ثمَّ إذا أطال بعد ذلك فيها عندئذ يقول القائل: قد نسي، لما عهد منه في التقصير، والله أعلم.
كذلك فإن حديث أنس يعارضه حديث مالك بن الحويرث أنَّه قال لأصحابه يومًا: ألا أريكم كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وذلك في غير حين صلاةٍ، فقام فأمكن القيام، ثمَّ ركع فأمكن الركوع، ثمَّ رفع رأسه وانتصب قائمًا هُنيًة، ثمَّ سجد، ثمَّ رفع رأسه ويكبر في الجلوس [وفي رواية: فتمكن في الجلوس]، ثمَّ انتظر هنيةً، ثمَّ سجد، قال أبو قلابة: فصلى صلاةً كصلاة شيخنا هذا؛ يعني: عمرو بن سَلِمة الجرمي، وكان يؤمُّ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال أيوب: فرأيت عمرو بن سلمة يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه؛ كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قاعدًا، ثمَّ قام، من الركعة الأولى والثالثة.
أخرجه البخاري (818)، وتقدم برقم (843)، وفيه أنَّه لم يطِل في الاعتدال من الركوع، ولا في الرفع من السجود، إذ الهنية تطلق على الزمن اليسير، والله أعلم [وانظر: الفتح لابن رجب (5/ 132)].
• وإن قيل: هذا الذي تدعيه من طول الصلاة إذا تساوت الأركان بالقيام تصور غير صحيح لم يقع، فيقال: راجع ما وقع لشيخ الطحاوي أبي بكرة بكار بن قتيبة مع القاضي جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، حيث صلى خلفه صلاة العصر فلم يكد يفرغ منها حتى كاد أن يخرج وقت العصر، فأنكر ذلك عليه أبو بكرة، فاستدل له القاضي بهذا الحديث، فحجَّه أبو بكرة بحديث عثمان بن أبي العاص في التخفيف، والله أعلم [راجع شرح مشكل الآثار (13/ 42)].
قلت: وهذا الذي ذهبتُ إليه من توهيم رواية هلال الوزان بذكر القيام والجلسة بعد السلام في حديث البراء، وأن المحفوظ رواية الحكم بن عتيبة المتفق عليها، وجدت من قال به من الأئمة، فهذا القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 386) بعد ما ذكر بعض أوجه التأويل لهذه الرواية، قال:"وهذا على تصحيح قوله: قيامه، وقد ذكر البخاري ومسلم هذا الحديث عن البراء، ولم يذكرا فيه القيام أولًا، وقال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، وزاد البخاري فيه: ما خلا القيام والقعود، وهذا - والله أعلم - أصح وأقرب إلى ما تقرر من صفة صلاته عليه السلام، وأن التقارب الذي ذُكِر كان في غير هذين الركنين، ودليل [آخر]: أنَّه لم يذكر في الحديث جلوسَ التشهد، فيكون ذكر القيام فيه أولًا وهمًا ممن رواه، والله أعلم".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 54) بعد رواية البخاري عن بدل بن المحبر: "معنى هذا: أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت متقاربةً في مقدارها، فكان ركوعه ورفعه من ركوعه، وسجوده ورفعه من سجوده: قريبًا من الاستواء في مقداره، وإنما كان يطيل القيام للقراءة والقعود للتشهد".
• وأما الجمع بين الروايتين الذي ذهب إليه النوويّ، حيث قال في الخلاصة (1341)، وكذا في شرحه على مسلم (4/ 188) عن رواية الوزان:"وهذه الرواية محمولة على بعض الأحوال، ورواية البخاري هي المعروف في غالب أحواله صلى الله عليه وسلم"، فهو جمع غير مقبول؛ لاتحاد المخرج حيث اختلف فيه الحكم بن عتيبة وهلال الوزان على ابن أبي ليلى، ولو كان الاختلاف على الصحابي نفسه لكان ذلك الجمع محتملًا، كما سبق أن جمعنا قريبًا بين رواية عبيد بن الحسن، ورواية مجزأة بن زاهر عن ابن أبي أوفى [في الحديث المتقدم برقم (846)].
• وأما قول ابن الجوزي في كشف المشكل (2/ 235) عن رواية الوزان: "وإنما تساوت هذه الأحوال لاختصار القيام وتطويل التسبيح والذكر"، وقول النوويّ في شرح مسلم (4/ 188): "فيه دليل على تخفيف القراءة والتشهد، وإطالة الطمأنينة في الركوع
والسجود وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود ونحو هذا"، وبه قال قبله القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 386).
وذهب فيه القاضي عياض إلى تأويل آخر، وهو أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يطيل في القراءة في أول الأمر، ثمَّ خفف القيام بعد ذلك حتى كاد يستوي مع هذه الأركان الأربعة، وهو آخر عمله في الصلاة، واحتج في ذلك بحديث جابر بن سمرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ، وكان صلاتُه بعدُ تخفيفًا [أخرجه مسلم (458)، وتقدم تحت الحديث رقم (794)]، وتبعه على ذلك جماعة، ولا يستقيم لهم الاستدلال به لكون المراد: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يطيل في الفجر ما لا يطيل في غيرها، بدليل حديث جابر الآخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بـ {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، وفي العصر نحوَ ذلك، وفي الصبح أطولَ من ذلك، وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دَحَضَتِ الشمسُ صلَّى الظهرَ، وقرأ بنحوٍ مِن:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، والعصر كذلك، والصلوات كذلك إلا الصبح فإنَّه كان يُطيلُها [تقدم برقم (806)، وقد أخرجه مسلم (459)][وانظر فيمن نقل هذا عن القاضي عياض: المفهم للقرطبي (2/ 80) وغيره].
كما أن هذا التأويل مردود بالنص فقد روت أم الفضل بنت الحارث أن سورة المرسلات هي آخر ما سمعتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب [متفق عليه، وتقدم برقم (810)]، وهناك أدلة أخرى على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل القراءة في آخر حياته.
وذهب بعضهم أيضًا في تأويل رواية الوزان إلى أن معناه أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت معتدلة، فكان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود [انظر: زاد المعاد (1/ 218)، الفتح لابن حجر (2/ 289)].
قلت: إنما نحتاج لهذه التأويلات إذا ثبت هذا من طريق مستقل، ولم تقع المعارضة في رواية الوزان للحكم بن عتيبة، هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن هذا لا يُقبل أيضًا لأجل اشتماله على صيغة تدل على العموم والمداومة على هذا الفعل، ومن ثمَّ يقع نفس الإشكال السابق ذكره، والله أعلم.
وهذه الرواية قد أشكلت على بعض أهل العلم، فاحتاج فيها إلى شيء من البيان، لكن وقع له فيه شيء من التناقض بسبب قبول الروايتين المتعارضتين مع اتحاد مخرجهما، والذي يلزم منه رد أحدهما في هذا الموضع، فهذا النوويّ مثلًا يقول في شرحه على مسلم (4/ 188) بعد الكلام السابق ذكره: "وقوله: قريبًا من السواء؛ يدلّ على أن بعضها كان فيه طول يسير على بعض، وذلك في القيام، ولعله أيضًا في التشهد، واعلم أن هذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبتت الأحاديث السابقة بتطويل القيام، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة، وفي الظهر بـ السجدة، وأنه كان تقام الصلاة فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثمَّ يرجع فيتوضأ ثمَّ يأتي المسجد فيدرك الركعة الأولى، وأنه قرأ سورة المؤمنين حتى بلغ ذكر موسى وهارون، وأنه قرأ في المغرب بالطور
وبالمرسلات، وفي البخاري بالأعراف، وأشباه هذا، وكله يدلّ على أنَّه صلى الله عليه وسلم كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات، وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات، وقد ذكره مسلم في الرواية الأخرى ولم يذكر فيه القيام، وكذا ذكره البخاري، وفي رواية للبخاري: ما خلا القيام والقعود، وهذا تفسير الرواية الأخرى".
وانظر أيضًا: إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 244)، اقتضاء الصراط المستقيم (97)، زاد المعاد (1/ 221 و 237)، الصلاة وحكم تاركها لابن القيم (178)، تهذيب السنن (3/ 74)، الفتح لابن رجب (5/ 54 و 84 و 132)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 98)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (7/ 158)، الفتح لابن حجر (2/ 276 و 288).
• وفي الباب أيضًا:
عن حذيفة بن اليمان:
وله طريقان:
أ - رواه الأعمش، عن سعد بن عُبَيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زُفَر، عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فمضى، فقلت: يركع عند المائتين، فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثمَّ افتتح النساء فقرأها، ثمَّ افتتح آل عمران فقرأها قراءة مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ، ثمَّ ركع فجعل يقول:"سبحان ربي العظيم"، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثمَّ رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده"، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثمَّ سجد فجعل يقول:"سبحان ربي الأعلى"، وكان سجوده قريبًا من قيامه.
وفي رواية جرير عن الأعمش: ثمَّ رفع رأسه، فقال:"سمع الله لمن حمده، اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد"، فأطال القيام،. . . الحديث.
أخرجه مسلم (772)، وراجع تخريجه في الذكر والدعاء برقم (83)[ويصحح إسناده هناك]، ويأتي في السنن برقم (871).
ب - ورواه شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة [هو: طلحة بن يزيد]، عن رجل من بني عبس [هو: صلة بن زفر]، عن حذيفة، أنَّه صلى مع رسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فسمعه حين كبر قال:"الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة"، وكان يقول في ركوعه:"سبحان ربي العظيم"، وإذا رفع رأسه من الركوع قال:"لربي الحمد، لربي الحمد"، وفي سجوده:"سبحان ربي الأعلى"، وبين السجدتين:"ربي اغفر لي، ربي اغفر لي"، وكان قيامه، وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده، وما بين السجدتين: قريبًا من السواء. لفظ يزيد بن زريع.
وهو حديث حسن، سبق تخريجه في الذكر والدعاء تحت الحديث رقم (82)، ويأتي في السنن برقم (874)، وهذا لفظه عند النسائي (2/ 199/ 1069).
***