المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌143 - باب الإقعاء بين السجدتين - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٩

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌130 - باب تخفيف الأخريين

- ‌15).***131 -باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر

- ‌132 - باب قدر القراءة في المغرب

- ‌133 - باب من رأى التخفيف فيها

- ‌باب تكميلي

- ‌باب القراءة في صلاة العشاء

- ‌134 - باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين

- ‌135 - باب القراءة في الفجر

- ‌136 - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب

- ‌137 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام

- ‌138 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر الإمام بقراءته

- ‌139 - باب ما يجزئ الأُمِّيَّ والأعجميَّ من القراءة

- ‌140 - باب تمام التكبير

- ‌141 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه

- ‌142 - باب النهوض في الفرد

- ‌143 - باب الإقعاء بين السجدتين

- ‌144 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌145 - باب الدعاء بين السجدتين

- ‌(14/ 407)].***146 -باب رفع النساء إذا كنَّ مع الرجال [وفي نسخة: مع الإمام] رؤوسهنَّ من السجدة

- ‌147 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين

- ‌148 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

- ‌149 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يُتمُّها صاحبها تُتَمُّ من تطوُّعِه

- ‌150 - باب تفريع أبواب الركوع والسجود ووضع اليدين على الركبتين

- ‌151 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده

- ‌152 - باب في الدعاء في الركوع والسجود

- ‌153 - باب الدعاء في الصلاة

- ‌154 - باب مقدار الركوع والسجود

- ‌155 - باب أعضاء السجود

- ‌(1/ 236/ 2716).***156 -باب في الرجل يدرك الإمام ساجدًا كيف يصنع

- ‌157 - باب السجود على الأنف والجبهة

- ‌(1/ 306).158 -باب صفة السجود

الفصل: ‌143 - باب الإقعاء بين السجدتين

وقال في الفتح (2/ 302): "بأن الأصل عدم العلة، وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث: "صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"، فحكايته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر".

وقال في تعقُّب من قال بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص: "فإنها جلسة خفيفة جدًّا استغني فيها بالتكبير المشروع للقيام، فإنها من جملة النهوض إلى القيام".

وممن قال بعدم سُنِّيتها أيضًا: ابن القيم حيث قال في الزاد (1/ 241): "ولو كان هديه صلى الله عليه وسلم فعلها دائمًا لذكرها كل من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم، ومجرد فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدلّ على أنها من سنن الصلاة".

فتعقبه ابن حجر في الفتح (2/ 302) بقوله: "فيه نظر؛ فإن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف، وإنما أخذ مجموعها عن مجموعهم".

وانظر: البيان للعمراني (2/ 226)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 249)، زاد المعاد (1/ 240)، الفتح لابن رجب (5/ 138 - 148)، وغيرها.

***

‌143 - باب الإقعاء بين السجدتين

845 -

. . . ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنَّه سمع طاوسًا، يقول: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود، فقال: هي السُّنَّة، قال: قلنا: إنا لنراه جفاء بالرَّجُل، فقال ابن عباس: هي سُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم.

• حديث صحيح.

أخرجه مسلم (536)، وأبو عوانة (1/ 506/ 1892 و 1893)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 137/ 1182)، والترمذي (283)، وقال:"حسن صحيح"، وابن خزيمة (1/ 338 - 339/ 680)، وابن حبَّان في الصلاة (7/ 251/ 7764 - إتحاف المهرة)، والحاكم (1/ 272)، وقال:"على شرط مسلم"، وهو فيه، وأحمد (1/ 313)، وإسحاق (813)، وعبد الرزاق (2/ 192/ 3035)، والبزار (11/ 119/ 4841)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (938)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 191/ 1485)، والطبراني في الكبير (11/ 47/ 10998)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (109 - 111)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 119)، وفي المعرفة (2/ 18/ 862)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 276).

هكذا رواه عن ابن جريج جماعة من الثقات فيهم أثبت أصحابه: حجاج بن محمَّد المصيصي، وعبد الرزاق بن همام، ومحمد بن بكر البرساني، ومخلد بن يزيد القرشي، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.

ص: 324

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح.

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا يرون بالإقعاء بأسًا، وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه والعلم.

قال: وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين السجدتين".

• تابع ابن جريج عليه:

ابن لهيعة [ضعيف]، عن أبي الزبير، عن طاوس، قال: رأيت ابن عباس يجثو على صدور قدميه، فقلت: هذا يزعم الناس أنَّه من الجفاء، قال: هو سُنَّة نبيِّك صلى الله عليه وسلم.

ولفظ عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن لهيعة: رأيت عبد الله بن عباس يستوي على أطراف أصابعه في الصلاة بين كل سجدتين من كل ركعة، فسألته عن ذلك؟ فقال: هي السُّنَّة، فقلت: يا أبا عباس قد كنا نقول: إن ذلك من الجفاء، قال: بل هي السُّنَّة.

أخرجه أحمد (1/ 313)، والدولابي في الكنى (1/ 253/ 449).

• ورواه زكريا بن إسحاق، عن عبد الكريم؛ أنَّه سمع طاوسًا يقول: كان ابن عباس يقول: إن من السُّنَّة أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين؛ يعني: الإقعاء.

أخرجه البزار (11/ 120/ 4842).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يحدث به عن عبد الكريم إلا زكريا بن إسحاق، وهو ثقة مكي".

قلت: عبد الكريم هذا الأقرب عندي أنَّه ابن أبي المخارق، كما وقع في الموضح (2/ 271) رواية زكريا بن إسحاق عنه، وابن أبي المخارق أشهر بالرواية عن طاوس من عبد الكريم بن مالك الجزري.

وعبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"[التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].

• وروى معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه؛ أنَّه رأى ابن عمر وابن الزبير وابن عباس يقعون بين السجدتين.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 191/ 3029)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 192/ 1486).

وهذا موقوف على العبادلة الثلاثة بإسناد صحيح.

• وروى ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، قال: سمعت ابن عباس يقول: من السُّنَّة أن يمس عقبك أليتيك، قال: قال طاووس: ورأيت العبادلة يقعون؛ ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 191/ 3033)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 192/ 1487).

ص: 325

وهذا إسناد صحيح، على شرط الشيخين.

• ورواه ليث بن أبي سليم [ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]، عن طاوس، عن ابن عباس، قال: من السُّنَّة أن يمس عقبك أليتيك في الصلاة بين السجدتين.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 191/ 3030)، وابن أبي شيبة (1/ 255/ 2940)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 119).

• ورواه عمرو بن حوشب [هو عمر بن حوشب الصنعاني: ليس بالمشهور. التاريخ الكبير (6/ 151)، الجرح والتعديل (6/ 105)، الثقات (8/ 439)، بيان الوهم (5/ 104/ 2355)، التنقيح (3/ 556/ 2227)، الميزان (3/ 192)، التهذيب (3/ 220)]، قال: أخبرني عكرمة؛ أنَّه سمع ابن عباس، يقول: الإقعاء في الصلاة هو السُّنَّة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 191/ 3032).

• ورواه ابن إسحاق، قال: حدثني عن انتصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه وصدور قدميه بين السجدتين إذا صلى؛ عبد الله بن أبي نجيح المكي، عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج، قال: سمعت عبد الله بن عباس يذكره، قال: فقلت له: يا أبا العباس والله إن كنا لنعد هذا جفاء ممن صنعه، قال: فقال: إنها لسُنَّة.

أخرجه البيهقي (2/ 119)، بإسناد جيد إلى ابن إسحاق.

وهذا إسناد حسن غريب.

• وروى الحميدي: ثنا سفيان: ثنا أبو زهير معاوية بن حديج، قال: رأيت طاوسًا يقعي، فقلت: رأيتك تقعي؟ فقال: ما رأيتني أقعي، ولكنها الصلاة، رأيت العبادلة الثلاثة يفعلون ذلك: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير يفعلونه.

أخرجه عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (3/ 470/ 6010) بأوله فقط.

ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 198)، والبيهقيُّ (2/ 119).

ورجاله ثقات مشاهير، غير أبي زهير معاوية بن حديج الجعفي، فهو: مجهول الحال [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 442/ 2168)، الجرح والتعديل (8/ 387)].

• ورواه محمَّد بن أيوب: ثنا مسلم: ثنا هشام: ثنا أبو الزبير، عن مجاهد؛ أن عبد الله بن عمر وابن عباس كانا يقعيان، قال أبو الزبير: وكان طاوس يقعي.

أخرجه البيهقي (2/ 119)، بإسناد صحيح إلى ابن أيوب.

وهذا موقوف بإسناد صحيح غريب؛ هشام هو: الدستوائي، ومسلم هو: ابن إبراهيم الفراهيدي، وهما: ثقتان ثبتان، ومحمد هو: ابن أيوب بن يحيى بن الضريس، وهو: ثقة [الجرح والتعديل (7/ 198)، الإرشاد (2/ 684)].

• وروي أيضًا عن ابن عباس موقوفًا عليه من طرق أخرى فيها ضعف [عند: ابن أبي شيبة (1/ 255/ 2943/ و 2944)، والطحاوي في المشكل (15/ 483)، والبيهقيُّ (2/ 119 - 120)].

ص: 326

• وقد ثبت الإقعاء عن ابن عمر أيضًا بأسانيد أخرى غير ما تقدم:

• فقد روى ابن جريج، قال: أخبرني عطاء؛ أنَّه رأى ابن عمر يفعل في السجدة الأولى من الشفع والوتر خصلتين؛ قال: رأيته يقعي مرةً إقعاءً جاثيًا على أطراف قدميه جميعًا، ومرةً يثني رجله اليسرى فيبسطها جالسًا عليها، واليمنى يقوم عليها يحدبها على أطراف قدميه جميعًا، قال: رأيته يصنع ذلك في السجدة الأولى بين السجدتين، وفي السجدة الثالثة من الوتر، ثمَّ يثبت فيقوم.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 192/ 3034)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 192/ 1488).

وهذا موقوف بإسناده مكي صحيح، وعطاء هو: ابن أبي رباح.

• وروى الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن محمَّد بن عجلان؛ أن أبا الزبير أخبره؛ أنَّه رأى عبد الله بن عمر إذا سجد حين يرفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه، ويقول: إنه من السُّنَّة.

أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (337)، والطبراني في الأوسط (8/ 320/ 8752)، والبيهقيُّ (2/ 119).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا ابن عجلان، ولا رواه عن ابن عجلان إلا سعيد بن أبي هلال، ولا رواه عن سعيد إلا خالد بن يزيد، تفرد به الليث".

قلت: فعل ابن عمر ثابت عنه بأسانيد، وأما قوله: إنه من السُّنَّة؛ لم يأت عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد؛ وهو غريب جدًّا، وإن كان رجاله كلهم ثقات، وفي النفس منه شيء، لا سيما وقد قال ابن رجب في الفتح (4/ 367):"وسعيد وخالد وإن كانا ثقتين، لكن قال أبو عثمان البرذعي في علله عن أبي زرعة الرازي، أنَّه قال فيهما: ربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال: وقال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان؛ يعني: مدلَّسة عنهما"[سؤالات البرذعي (361)، شرح علل الترمذي (2/ 867)].

• وروى محمَّد بن إسحاق أسباط [كذا]، قال: ثنا بكر، عن عيسى، عن محمَّد، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان يقعي في الصلاة، وقال لبنيه: لا تقتدوا بي في الإقعاء؛ فإني إنما فعلت هذا حين كبرت.

أخرجه ابن المنذر (3/ 193/ 1490)(3/ 360/ 1484 - ط دار الفلاح)، قال: حدثنا محمَّد بن إسحاق أسباط به.

قلت: محمَّد الراوي عن نافع: إما أن يكون ابن إسحاق [وهو صدوق]، وإما أن يكون ابن أبي ليلى [وهو سيئ الحفظ جدًّا]، وعيسى هو: ابن يونس، وبكر: فلم أعرفه، إلا أن يكون أبا بكر بن أبي شيبة، وسقط من الإسناد أداة الكنية، وشيخ ابن المنذر قد روى عنه بهذا الإسناد أثرًا آخر (4/ 227/ 2077)، فقال: حدثنا أبو جعفر بن أسباط،

ص: 327

قال: ثنا بكر، قال: ثنا عيسى، عن محمَّد، عن عطاء، عن عائشة، فاستفدنا منه كنية شيخه، ولم أهتد إليه أيضًا.

ولا أظن هذا إسنادًا يثبت.

• وروى عمرو بن حوشب [هو عمر بن حوشب الصنعاني: ليس بالمشهور، تقدم ذكره قريبًا]، قال: أخبرني عبد الله بن أبي يزيد؛ أنَّه رأي عمر وابن عمر يقعيان بين السجدتين.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 191/ 3031).

عبد الله بن أبي يزيد المذكور هو: عبيد الله بن أبي يزيد المكي، وهو تابعي ثقة، معروف بالرواية عن ابن عباس وابن عمر، وذكر عمر في هذا الأثر ليس له معنى، فإنَّه لا يُعرف في الإقعاء شيء عن عمر، وسن عبيد الله لا يحتمل إدراك عمر ولا رؤيته، فإنَّه ولد بعد وفاته بأكثر من خمسة عشر عامًا، ويبدو أن الوهم فيه من عمر بن حوشب، حيث قلبه وجعله عن عمر بدل ابن عباس، والله أعلم.

• وروي أيضًا عن ابن عمر موقوفًا عليه من طرق أخرى فيها ضعف [عند: ابن أبي شيبة (1/ 255/ 2942 - 2944)، والطحاوي في المشكل (15/ 483)، والبيهقيُّ (2/ 119 - 120)].

• وروي الإقعاء بين السجدتين أيضًا من طرق فيها ضعف، من فعل جماعة من الصحابة، مثل: جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن الزبير [عند: ابن أبي شيبة (1/ 255)، والطحاوي في المشكل (15/ 483)].

• والحاصل: فإن الإقعاء على القدمين بين السجدتين قد ثبت أنَّه من السُّنَّة من حديث ابن عباس، وصح موقوفًا من فعل ابن عباس وابن عمر وابن الزبير، والله أعلم.

• فإن قيل: قول ابن عباس في وصف هذا الإقعاء بأنّه سُنَّة، معارض بما ثبت عن ابن عمر بأنّه ليس من سُنَّة الصلاة:

فقد روى مالك، عن صدقة بن يسار، عن المغيرة بن حكيم؛ أنَّه رأى عبد الله بن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر ذلك له؟ فقال: إنها ليست بسُنَّة الصلاة، وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي.

وهو موقوف بإسناد صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث السابق (844).

فيقال: المثبت أولى من النافي، لما معه من زيادة علم، وابن عباس لن يخبر بأن هذا الإقعاء هو سُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم إلا وقد شاهده يفعله، فكلٌّ قد أخبر بما علم، ومن علم حجة على من لم يعلم.

وقد يقال: إنما أراد ابن عمر أن الجلوس بين السجدتين على هذه الهيئة لم تكن عادته صلى الله عليه وسلم، فإن أكثر الأحاديث قد ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش رجله اليسرى وينصِب رجله اليمنى، كما سيأتي بيانه.

ص: 328

وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم له أحوال في العبادة، فيفعل هذا مرة، وهذا مرة، لبيان الرخصة، ثمَّ يواظب على ما هو الأفضل، قال النوويّ في المجموع (3/ 401):"وكان يفعل العبادة على نوعين أو أنواع ليبين الرخصة والجواز بمرة أو مرات قليلة، ويواظب على الأفضل بينهما على أنَّه المختار والأولى".

• هذا ما ثبت في الإقعاء المسنون، وأما الإقعاء المنهي عنه، ففيه أحاديث، منها:

1 -

حديث عائشة:

رواه بُدَيل بن ميسرةَ، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاةَ بالتكبير،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه: وكان إذا جلس يَفرْش رجله اليسرى وينصِب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، وعن فِرشَة السَّبُع، وكان يختم الصلاة بالتسليم، عليه السلام.

أخرجه مسلم (498)، وتقدم عند أبي داود برقم (783).

وقد تأوله البيهقي بأنّه محمول على جلسة التشهد، فقال في السنن (2/ 120) بعد حكاية كلام أبي عبيد في الإقعاء:"وهذا النوع من الإقعاء غير ما روينا عن ابن عباس وابن عمر، وهذا منهي عنه، وما روينا عن ابن عباس وابن عمر مسنون، وأما حديث أبي الجوزاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه كان ينهى عن عقب الشيطان، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، فيحتمل أن يكون واردًا في الجلوس للتشهد الأخير، فلا يكون منافيًا لما روينا عن ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين، والله أعلم".

وتأوله بعضهم أيضًا بذم من لا يغسل عقبيه في الوضوء، كما قاله ابن الأثير في النهاية (3/ 268)، قال:"وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء"، وفي الوعيد على عدم غسل العقبين أحاديث صحيحة كثيرة، راجع الحديث رقم (97).

2 -

حديث أبي هريرة:

يرويه ليث بن أبي سليم، ويزيد بن أبي زياد [وهما ضعيفان]:

عن مجاهد، عن أبي هريرة، قال: نهاني خليلي أن أُقْعِيَ كإقعاء القرد. لفظ ليث.

وفي رواية عن ليث، وعن يزيد بنحوه: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أنام إلا على وتر، وركعتي الضحى، ونهاني عن الالتفات في الصلاة التفات الثعلب، وأقعي إقعاء القرد [وفي رواية يزيد: كإقعاء الكلب]، وأنقر نقر الديك [وفي رواية يزيد: عن نقرة كنقرة الديك].

وفي لفظ ليزيد: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقعي في صلاتي إقعاء الذئب على العقبين.

أخرجه أحمد (2/ 311 و 499)، وابن أبي شيبة (1/ 255/ 2932) و (2/ 175/ 7817)، والطحاوي في المشكل (15/ 480/ 6177)، والدارقطني في العلل (10/ 72/ 1876)، وفي الأفراد (2/ 329/ 5467 - أطرافه)، والبيهقيُّ (2/ 120)، والشجري في الأمالي الخميسية (1/ 344).

ص: 329

• وقد اختلف في هذا الحديث على ليث بن أبي سليم:

أ - فرواه جرير بن عبد الحميد، وعلي بن مسهر، وحفص بن غياث [وهم ثقات]، وعلي بن عاصم الواسطي، ويحيى بن محمَّد بن قيس أبو زكير [وهما كثيرا الغلط والوهم، حتى ضعِّفا لذلك]:

عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة مرفوعًا.

ب - ورواه معتمر بن سليمان [ثقة]، والحسن بن صالح [ثقة حافظ]، وغيرهما:

عن ليث، عن مجاهد وشهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي [وصفيي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم] بثلاثٍ: أن لا أنام إلا على وتر، وأن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أدع ركعتي الضحى. هكذا بدون موضع الشاهد من المنهيات الثلاث.

أخرجه أحمد (2/ 497)، والسهمي في تاريخ جرجان (323)، والدارقطني في العلل (10/ 72/ 1876)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (6/ 355).

ج - ورواه موسى بن أعين [جزري ثقة]، عن ليث بن أبي سليم، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي وصفيي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ: أمرني بركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني إذا سجدت أن أقعي إقعاء القرد، أو أنقر نقر الغراب، أو ألتفت التفات الثعلب.

أخرجه البزار (17/ 87/ 9624)، والطبراني في الأوسط (5/ 266/ 5275).

من طريقين عن المعافى بن سليمان قال: حدثنا موسى به.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعيد بن جبير عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، وقد روي عن أبي هريرة من طرق كثيرة".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن جبير إلا حبيب بن أبي ثابت، ولا عن حبيب إلا ليث، ولا عن ليث إلا موسى بن أعين، تفرد به: المعافى بن سليمان".

• قلت: المعافى بن سليمان الجزري: ثقة، وقد خالفه فيه أحد الغرباء فجعله عن الليث بن سعد، بدل: ابن أبي سليم:

فرواه يحيى بن صالح الوحاظي [حمصي صدوق]، قال: حدثنا موسى بن أعين: ثنا الليث بن سعد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وألا أنام إلا على وتر.

أخرجه أبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (85).

قلت: رواية المعافى أولى؛ فإن أهل بلد الرجل أعلم به من الغرباء، والوحاظي قد جوَّد الإسناد فجعله عن ثقة إمام، ولا يُعرف من حديثه.

ص: 330

• والحاصل: فإن الليث بن أبي سليم قد اضطرب في إسناد هذا الحديث ومتنه، فمرة يجعله عن مجاهد، ومرة يقرن به شهرًا، ومرة يرويه عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، ومرة يرويه بشقيه، ومرة يسقط ذكر المنهيات، ومرة يقول: نقر الديك، ومرة يقول: نقر الغراب.

وليث: موصوف بالاضطراب في الحديث والتخليط فيه، وصفه بذلك جماعة من الأئمة، مثل: جرير، وأحمد، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والبزار، وغيرهم [التهذيب (3/ 484) وغيره].

واضطرابه في هذا الحديث وتخليطه فيه دليل على عدم ضبطه له، وأنه لم يكن يقيم إسناده، ولم يتابعه عليه إلا من هو مثله أو دونه.

• وقد اختلف فيه أيضًا على يزيد بن أبي زياد:

أ - فرواه شريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ]، وهدبة بن المنهال [شيخ أهوازي. الجرح والتعديل (9/ 114)، الثقات (7/ 588)، صحيح ابن حبَّان (9/ 471/ 4163)، وفي الإسناد إليه: زيد بن الحريش الأهوازي نزيل البصرة: فيه جهالة، ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال: "ربما أخطأ"، وقال ابن القطان الفاسي: "مجهول الحال"، الجرح والتعديل (3/ 561)، الثقات (8/ 251)، بيان الوهم (3/ 383)، تاريخ الإِسلام (18/ 278)، ذيل الميزان (398)، اللسان (3/ 550)، مجمع الزوائد (10/ 281)]:

عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن أبي هريرة.

ب - ورواه أبو عوانة [ثقة ثبت]، ومحمد بن فضيل [صدوق]:

عن يزيد بن أبي زياد، عمن سمع أبا هريرة، يقول: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر، والوتر قبل النوم، ونهاني عن ثلاث: عن الالتفات في الصلاة كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء القرد، ونقر كنقر الديك.

أخرجه الطيالسي (4/ 320/ 2716)، وأحمد (2/ 265).

ج - ورواه جرير بن عبد الحميد [ثقة]، عن يزيد بن أبي زياد، عن أبي الزبير، عن أبي هريرة، قال: عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثٍ لا أدعهن أبدًا: أن لا أنام إلا على وتر، وفي صلاة الضحى، وفي صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

أخرجه أبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (22)، قال: حدثنا إبراهيم بن محمَّد بن علي الرازي: حدثنا أبو سهل موسى بن نصر: حدثنا جرير به.

قلت: وهذا غريب من حديث جرير بن عبد الحميد، تفرد به عنه: أبو سهل موسى بن نصر بن دينار الرازي، صاحب جرير، قال ابن حبَّان:"من أهل الري، وكان من عقلائهم، صدوق في الحديث، يروى عن جرير بن عبد الحميد"[الثقات (9/ 163)، تاريخ الإِسلام (20/ 193)، طبقات الحنفية (2/ 188)، اللسان (8/ 227)]، ولا رواه عنه سوى إبراهيم بن

ص: 331

محمَّد بن علي الرازي، وهو شيخ لأبي محمَّد عبد الله بن محمَّد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ، لم أقف له على ترجمة، ولا أظنه: إبراهيم بن محمَّد بن علي بن بطحاء بن علي التميمي أبا إسحاق المحتسب البغدادي [ثقة. سنن الدارقطني (2/ 175)، تاريخ بغداد (6/ 164)، المنتظم (13/ 307)، تاريخ الإِسلام (25/ 73)]، الذي روى عنه الدارقطني وطبقته، فإنَّه بغدادي، لم يذكروا أنَّه من أهل الري، أو أنَّه انتقل إليها، ولم يشترك مع شيخ أبي الشيخ في شيوخه، كما أن المحتسب هذا ولد سنة (250)، وكانت وفاة موسى بن نصر سنة (263)، فلم يدرك من حياته سوى (13) عامًا، وعليه فإن سماعه منه مستبعد، والله أعلم.

ولو كان هذا الطريق محفوظًا من حديث جرير لكان دليلًا أقوى على اضطراب يزيد بن أبي زياد في إسناده، لكن يغلب على ظني أن يزيد بن أبي زياد كان مرة يرويه عمن سمع أبا هريرة هكذا مبهمًا، وهو الأرجح؛ لأنها رواية الأحفظ، وأحيانًا يصرح بأنّه مجاهد، وأخشى ألا يكون محفوظًا عن يزيد لسوء حفظ راويها، ولأنها الجادة، وإن كان لا يستبعد وقوع ذلك من يزيد نفسه، فإن يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكوفي: ضعيف، كان يقبل التلقين، قال البرديجي:"روى عن مجاهد، وفي سماعه منه نظر، وليس هو بالقوي"[انظر: التهذيب (4/ 413)، الميزان (4/ 423)، وغيرهما].

فهل يقال بعد ذلك بأن ابن أبي زياد تابع ليثًا عليه، وقد اضطربا في إسناده ومتنه.

• وأما حديث شهر، فقد رواه أعلم الناس به بأوله فقط دون آخره موضع الشاهد:

رواه عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه[وفي رواية: قال: سمعت أبا هريرة]، قال: أوصاني خليلي بثلاث: الوتر قبل النوم، وركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.

أخرجه إسحاق بن راهويه (1/ 196/ 149)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (5/ 473/ 1296)، والبزار (17/ 170/ 9792)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3422).

قال البزار: "وحديث شهر عن أبي هريرة: رواه غير واحد عن شهر".

قلت: تكفينا رواية عبد الحميد بن بهرام عنه، فإنَّه أثبت الناس فيه، وله طرق أخرى فيها ضعف عند: الطبراني في الأوسط (3/ 182/ 2863)، وأبي الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 342)، وأبي نعيم في مسند أبي حنيفة (230).

وهذا إسناد حسن؛ وهو حديث صحيح، مروي من طرق كثيرة جدًّا عن أبي هريرة بدون ذكر المنهيات الثلاث، والتي فيها موضع الشاهد.

• وعليه: فإن الحديث بهذه الزيادة في المنهيات الثلاث: لا يثبت عن مجاهد عن أبي هريرة، بل هو حديث منكر مضطرب، وقد رواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين بدون هذه الزيادة فيه، والله أعلم.

ص: 332

• وروى محمَّد بن عبيد الله [هو العرزمي: متروك]، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: نهاني خليلي عن ثلاث، وأمرني بثلاث: نهاني أن أنقر نقر الديك، وأن ألتفت التفات الثعلب، أو أقعي إقعاء السبع، وأمرني بالوتر قبل النوم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى.

أخرجه أبو يعلى (5/ 30/ 2619).

وشيخ أبي يعلى: بشر بن الوليد الكندي الفقيه [وهو صدوق، لكنه خرف، وصار لا يعقل ما يحدث به. تاريخ بغداد (7/ 80)، اللسان (2/ 316)].

وهذا منكر بهذه الزيادة عن عطاء.

• وأولى من هذا ما رواه: أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا عبد الملك بن ميسرة [لم يرو عنه سوى الطيالسي، وذكره ابن حبَّان في الثقات. الثقات (7/ 108)، التهذيب (2/ 627)]، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدعُهنَّ إن شاء الله: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر.

رواه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1521/ 946 و 947).

• ورواه مؤمل بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة: حدثنا قيس بن سعد، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: الوتر قبل النوم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى.

أخرجه أبو يعلى في المسند (11/ 252/ 6369)، وفي المعجم (55).

عن شيخه أبي جعفر محمَّد بن الخطّاب [ذكره ابن حبَّان في الثقات (9/ 139)، وأخرج له في صحيحه، وذكر الدارقطني له وهمًا في علله (15/ 136/ 3894)]، قال: حدثنا مؤمل به.

وقد تكلم الحفاظ في رواية حماد عن قيس بن سعد، قال أحمد:"ضاع كتاب حماد بن سلمة عن قيس بن سعد؛ فكان يحدثهم من حفظه"؛ يعني: فيخطئ [العلل ومعرفة الرجال (3/ 127/ 4544)، ضعفاء العقيلي (1/ 21)، الكامل (2/ 253 - 254)، سؤالات أبي داود (217)، المعرفة والتاريخ (2/ 92)، ذكره عن ابن المديني. شرح علل الترمذي (2/ 782)]، وقال يحيى بن سعيد القطان:"حماد بن سلمة عن زياد الأعلم وقيس بن سعد: ليس بذاك"[الكامل (2/ 256)، شرح العلل (2/ 783)].

ومؤمَّل بن إسماعيل: صدوق، كثير الغلط، كان سيئ الحفظ.

• والمحفوظ في هذا عن عطاء بن أبي رباح ما رواه عنه أثبت أصحابه:

فقد روى ابن جريج، قال: أخبرني عطاء؛ أن أبا هريرة قال: ثلاث لا أدعُهنَّ حتى ألقى أبا القاسم: أن أبيت كل ليلة على وتر، وأن أصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وصلاة الضحى.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 15)، وعبد الرزاق (3/ 74/ 4849) و (4/ 300/ 7876).

ص: 333

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا على إخراج حديث أبي هريرة: في كل صلاة قراءة، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم،. . . الحديث، بهذه الترجمة [انظر الحديث المتقدم برقم (797)]، وانفرد كل منهما ببعض التراجم عن عطاء عن أبي هريرة. [انظر: تحفة الأشراف (10/ 63 - 73 - ط دار الغرب)].

ومع ذلك فإن البخاري لما أخرج هذا الحديث في التاريخ الكبير (4/ 15) قال: "ولم يسمع منه"، فلعله أراد: أن عطاء لم يذكر في هذا الحديث سماعًا من أبي هريرة، أو أراد: أن عطاء لم يسمع هذا الحديث من أبي هريرة، فلعله اعتمد في ذلك على ما رواه الأثرم عن أحمد قوله:"ورواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها؛ إلا أن يقول: سمعت"[التهذيب (3/ 103)]، فالله أعلم.

• وقد روي بإسناد آخر عن عطاء، لكنه ساقط، مسلسل بالضعفاء والمتروكين [عند: تمام في الفوائد (1280)].

• هذا ما وقفت عليه من طرق هذا الحديث في المنهيات الثلاث، وكما رأيت فإنَّه حديث منكر، ومما يؤكد نكارته أن جماعة من التابعين قد رووه عن أبي هريرة بحديث: أوصاني خليلي بثلاث، دون شقه الثاني في المنهيات، ومنها الإقعاء الذي هو موضع الشاهد.

• وحديث: أوصاني خليلي بثلاث: حديث صحيح متفق على صحته، مروي من طرق كثيرة جدًّا، منها:

أ - ما رواه عباس بن فروخ الجريري، وأبو التياح يزيد بن حميد، وأبو شمر الضبعي:

عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاثٍ: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد [وفي رواية: أنام]، لفظ أبي التياح.

ولفظ الجريري والضبعي: أوصاني خليلي بثلاثٍ [وفي رواية: لا أدعُهنَّ حتى أموت]: النوم على وتر [وفي رواية: الوتر قبل النوم"، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى.

أخرجه البخاري في الصحيح (1178 و 1981)، وفي التاريخ الكبير (4/ 15 - 16)، ومسلم (721)، وأبو عوانة (2/ 9/ 2122 و 2123) و (2/ 230/ 2954)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 316/ 1628 - 1630)، والنسائيُّ في المجتبى (3/ 229/ 1677 و 1678)، وفي الكبرى (1/ 264/ 478) و (2/ 151/ 1390 و 1391)، وفي الرابع من الإغراب (194)، والدارميُّ (1/ 402/ 1454) و (2/ 31/ 1746)، وابن خزيمة (3/ 300/ 2123)، وابن حبَّان (6/ 277/ 2536)، وأحمد (2/ 459)، وإسحاق بن راهويه (1/ 100/ 11)، والطيالسي (4/ 145/ 2514)، والبزار (17/ 16 و 17/ 9523 و 9524)، وابن

ص: 334

نصر المروزي في صلاة الوتر (34 - مختصره)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 237/ 2773)، والطبراني في الأوسط (4/ 200/ 3972)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 85)، وابن بشران في الأمالي (1507)، والبيهقيُّ في السنن (3/ 36) و (4/ 293)، وفي الشعب (3/ 387/ 3843)، وفي فضائل الأوقات (293)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/ 153)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (4/ 90/ 968).

هكذا رواه شعبة عن عباس الجريري وأبي شمر الضبعي.

وهكذا رواه عن شعبة عن عباس الجريري: أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو داود الطيالسي، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وسليمان بن حرب، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وغندر محمَّد بن جعفر [وعنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن المثنى، وبندار محمَّد بن بشار].

ووقع عند النسائي في المجتبى (1678) من رواية بندار عن غندر به؛ إلا أنَّه قال فيه: وركعتي الفجر، بدل: وركعتي الضحى، وهو خطأ؛ لا أدري ممن هو، والأغلب عندي أنَّه من النساخ، فقد وقعت نفس هذه الرواية بنفس الإسناد عند النسائي في الكبرى (1391) مثل رواية الناس، وهي بنفس هذا الإسناد عند مسلم، ولم ينبه على اختلاف فيه، بل قال: مثله.

وانظر في المناكير: مسند الحارث بن أبي أسامة (211 - زوائده)، فوائد الخلدي (14).

ب - ورواه عبد العزيز بن المختار، قال: حدثنا عبد الله بن فيروز الداناج، عن أبي رافع [وفي رواية: حدثني أبو رافع الصائغ، قال: سمعت أبا هريرة]، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي [أبو القاسم] بثلاثٍ: صوم ثلاثة أيام من الشهر، والوتر قبل النوم، وركعتي الضحى.

أخرجه مسلم (721)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 316/ 1631)، وأحمد (2/ 392)، والطيالسي (4/ 195/ 2569)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2320)، والبيهقيُّ (3/ 47).

ج - ورواه سماك بن حرب، عن أبي الربيع، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي؛ أن لا أنام إلا على وتر، وصلاة الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر.

رواه عن سماك جماعة، وهذا لفظ أبي عوانة، ولفظ إسرائيل: عهد إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثٍ لا أدعُهنَّ أبدًا: أن لا أنام إلا على وترٍ، وصلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 15)، والترمذي (760)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(3/ 417/ 706)، وأحمد (2/ 277)، والطيالسي (4/ 149/ 2518)، وعبد الرزاق (3/ 74/ 4851)، والبزار (17/ 117/ 9692).

ص: 335

وهذا إسناد صحيح، أبو الربيع المدني، سمع أبا هريرة: قال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وهو يقولها في جماعة من الثقات، وذكره ابن حبَّان في الثقات "التهذيب (4/ 521)، كنى البخاري (30)، الجرح والتعديل (9/ 370)، الثقات (5/ 582)].

د - ورواه عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد، عن خلف بن مهران، قال: سمعت عبد الرحمن بن الأصم، قال: قال أبو هريرة: أوصاني خليلي بثلاثٍ: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ولا أنام إلا على وتر.

أخرجه أحمد (2/ 258)(3/ 1580/ 7628 - ط المكنز).

وهذا إسناد رجاله ثقات؛ ولا يُعرف لعبد الرحمن بن الأصم سماع من أبي هريرة، وتصريحه بالسماع منه عند أحمد في المسند (2/ 363) لا يصح.

والحديث صحيح، لتعدد طرقه عن أبي هريرة.

هـ - ورواه عبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن وهب:

ثنا حيوة بن شريح: حدثني أبو عَقيل زُهرة بن معبد، عن أبيه معبد بن عبد الله بن هشام، أنَّه سمع أبا هريرة يقول: أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدعُهنَّ حتى أموت: أوصاني بركعتي الضحى، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أنام إلا على وتر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 15)، وأحمد (2/ 526)، وإسحاق بن راهويه (1/ 416/ 469)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2317)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 164).

وهذا إسناد متصل؛ رجاله ثقات رجال البخاري، عدا التابعي فإنَّه لم يرو عنه غير ابنه زهرة، وذكره ابن حبَّان في الثقات [التهذيب (4/ 115)]، ومثل هذا مما يحتمل في المتابعات، فقد روى هنا ما وافق الثقات، فصح حديثه.

و - ورواه محمَّد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاث: بصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على الوتر، وركعتي الضحى.

أخرجه ابن خزيمة (2/ 227/ 1222)، والبزار (15/ 198/ 8590).

وهذا إسناد حسن غريب؛ فإن محمَّد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني: صاحب الأوزاعي إلا أنَّه لم يكن يفهم الحديث، وهو صدوق كثير الغلط، وهو ضعيف في معمر خاصة [تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (236)]، فلا أدري حفظه أم لا؟ والإسناد من لدن الأوزاعي فمن فوقه على شرط الشيخين.

وانظر فيمن وهم فيه على يحيى بن أبي كثير: حديث أبي الفضل الزهري (511).

ز - ورواه الحسين بن مهدي: نا محمَّد بن يوسف [هو: الفريابي]: نا يحيى بن أيوب، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاث:. . . فذكره.

أخرجه البزار (17/ 170/ 9791).

ص: 336

وهذا إسناد لا بأس به، ويحيى بن أيوب هو: حفيد أبي زرعة البجلي.

وانظر: المعجم الأوسط للطبراني (3/ 133/ 2708)، شعب الإيمان للبيهقي (3/ 122/ 3069).

ح - ورواه عبيد الله بن موسى: نا إسرائيل، عن عبد الله بن المختار، عن الحسن ومحمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أَدَعُهنَّ: الوتر قبل النوم، والغسل يوم الجمعة، وصيام ثلاثة أيام من الشهر.

أخرجه البزار (17/ 280/ 9987)، والدارقطني في الأفراد (2/ 268/ 5060 - أطرافه).

قال البزار بعد روى ثلاثة أحاديث بهذا الإسناد: "ولا نعلم روى هذه الأحاديث عن عبد الله بن المختار عن محمَّد عن أبي هريرة؛ إلا إسرائيل".

وقال الدارقطني: "تفرد به إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن الحسن".

قلت: إسناده حسن غريب؛ وهو شاذ بذكر غسل الجمعة، بدل: ركعتي الضحى، والحسن البصري: لم يسمع من أبي هريرة، ويأتي تخريج طريقه في موضعه من السنن برقم (1432) إن شاء الله تعالى.

• ورواه عزرة بن ثابت [ثقة]، عن مطر الوراق [صدوق كثير الخطأ]، عن محمَّد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ: الوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والغسل يوم الجمعة.

أخرجه ابن جميع الصيداوي في معجمه (267)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 7)، والذهبي في السير (15/ 370)، وفي التذكرة (3/ 918 - 919).

بإسناد لا بأس به إلى بشر بن عقار عن عزرة، ورسم: بشر بن عباد، ورسم: بشر بن عفان؛ فإن كان هو بشر بن عباد الراوي عن حاتم بن إسماعيل، فهو: مجهول [اللسان (2/ 297)]، وإن كان بشر بن عقار أو بشر بن عفان؛ فلم أقف لهما على ترجمة، وإن كان بشر بن عمار القهستاني، فهو: صدوق [التقريب (98)]، ولا أظنه هو.

قال ابن عساكر: "ولا أُراه محفوظًا".

وقال الذهبي: "هذا حديث غريب".

وقال الدارقطني في العلل بعد ذكره لطريق عزرة (10/ 72/ 1876): "وله أصل عن ابن سيرين، رواه عنه عبد الله بن المختار وعبد الله بن عون وعوف الأعرابي وهشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ويشبه أن يكون محفوظًا، والله أعلم".

• قلت: أما رواية ابن عون عن ابن سيرين: فإنها لا تصح؛ لأنها من رواية بكار بن محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن سيرين، وهو ذاهب الحديث، يروي عن ابن عون ما ليس من حديثه [اللسان (2/ 332)].

أخرجه يعقوب بن سفيان في مشيخته (61)، والبزار (17/ 248/ 9929)، والطبراني

ص: 337

في الأوسط (3/ 86/ 2573)، وابن عديّ في الكامل (2/ 46)، وتمام في الفوائد (123)، وابن بشران في الأمالي (784)، وابن عبد البر في التمهيد (8/ 141).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن ابن عون إلا بكار، وقد حدث بأحاديث عن ابن عون ولم يتابع عليها".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن عون إلا بكار بن محمَّد".

وقال ابن عديّ: "وهذا الحديث لا يرويه عن ابن عون بهذا الإسناد غير بكار هذا، مع أحاديث أخرى بهذا الإسناد مقدار خمسة"، ثمَّ قال:"ولبكار هذا عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة غير ما ذكرت؛ أحاديث لا يتابعه عليها أحد".

• وأما رواية هشام بن حسان عن ابن سيرين:

فقد أخرجها الدارقطني في الأفراد (2/ 325/ 5440 - أطرافه).

من طريق سعيد بن محمَّد بن ثواب، عن أبي سهل، عن هشام بن حسان به.

وقال: "تفرد به: سعيد بن محمَّد بن ثواب، عن أبي سهل، عن هشام بن حسان عنه".

قلت: ولا يثبت هذا عن هشام بن حسان؛ فإن سعيد بن محمَّد بن ثواب الحصري البصري؛ قال عنه ابن حبَّان: "مستقيم الحديث"، وأخرج له في صحيحه (2670 و 2672)، وصحح الدارقطني إسناد حديث هو فيه، لكن له أوهام وغرائب وأفراد كثيرة، وقد أورد له الخطيب حديثًا في ترجمته، من طريق ابن صاعد عنه، ثمَّ ذكر ابن صاعد أنَّه وهم في إسناده، ولم يوثقه الخطيب، ولم ينقل فيه جرحًا ولا تعديلًا سوى توهيم ابن صاعد له، وحديثه هذا في الأوّل من فوائد المخلص [الثقات (8/ 272)، سنن الدارقطني (2/ 189)، علل الدارقطني (3/ 155/ 325) و (10/ 50/ 1852)، أطراف الغرائب والأفراد (2/ 169) و (3/ 23 و 154)، المخلصيات (1/ 202/ 237)، تاريخ بغداد (9/ 94)، تاريخ الإِسلام (19/ 155)، البدر المنير (2/ 502)].

وشيخه أبو سهل: قال فيه ابن منده في فتح الباب (3544): "بصري، حدث عن هشام بن حسان بنسخة تفرد بها، روى عنه سعيد بن محمَّد الحصري وغيره".

وإنما يعرف هذا من حديث: الحسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام الدهر وإفطاره: ثلاثة أيام من كل شهر".

أخرجه محمَّد بن عاصم الثقفي في جزئه (1)، ومن طريقه: ابن المقرئ في المعجم (344).

وإسناده صحيح غريب.

• وله طريق أخرى، ولا تصح أيضًا [عند: ابن عديّ في الكامل (6/ 225)].

ومع كون الدارقطني قد صرح في العلل يكون الحديث مرويًا من طرقٍ عن ابن سيرين؛ إلا أنَّه في الأفراد جعله من أفراد عبد الله بن المختار:

ص: 338

فقد أخرجه في الأفراد (2/ 320/ 5407 - أطرافه).

وقال: "تفرد به عبد الله بن المختار عنه، وتفرد به عنه: إسرائيل"، والله أعلم.

ط - ورواه يحيى بن حمزة، والهيثم بن حميد:

عن زيد بن واقد؛ أن أبا المنيب الجرشي حدثه، قال: حدثني أبو هريرة، قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ أحافظ عليهن: سبحة الضحى لا أدعها في حضر ولا سفر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر، أستكملُ بذلك الدهر.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 15)[وفي سند المطبوعة تحريف]، وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة (147)، والطبراني في الأوسط (3/ 301/ 3225)، وفي مسند الشاميين (2/ 217/ 1217)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 258).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي المنيب إلا زيد، ولا رواه عن زيد إلا يحيى وصدقة بن خالد".

وهذا إسناد شامي صحيح.

ي - ورواه عبد الرحمن بن مهدي: ثنا معاوية بن صالح، عن أبي مريم، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بسبحة الضحى، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والنوم على وتر.

أخرجه البزار (16/ 236/ 9401)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 120/ 1911).

وإسناده جيد.

ك - ورواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن عيسى بن أبي عزة، عن الشعبي، عن أبي ثور الأزدي، عن أبي هريرة، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام.

وفي رواية: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ لا أدعُهنَّ في حضر ولا سفر؛ أوصاني أن لا أنام إلا على وتر، وصلاة الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر.

أخرجه الترمذي (455)، وأبو يعلى (11/ 292/ 6408)[سقط من إسناده الشعبي]، وأبو بكر الأبهري في فوائده (37)، والدارقطني في الثالث من الأفراد (46)(2/ 338/ 5515 - أطرافه)، والمزي في التهذيب (33/ 178).

قال الترمذي: "حديث أبي هريرة: حديث حسن غريب من هذا الوجه، وأبو ثور الأزدي اسمه: حبيب بن أبي مليكة".

وقال الدارقطني: "هذا حديث غريب من حديث الشعبي عن أبي ثور الأزدي عن أبي هريرة، تفرد به عيسى بن أبي عزة عنه، وتفرد به: إسرائيل بن يونس عن عيسى، وتفرد به: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسرائيل".

قلت: رجاله كوفيون ثقات؛ غير أبي ثور الأزدي فإنَّه غير حبيب بن أبي مليكة النهدي الحدإي، وحَدَأ بطن من قبيلة مراد، والأزد ليست من مراد، هم بنو عمومتهم،

ص: 339

وأما حُدَّان فهم من الأزد، ومن قال في حبيب: الحُدَّاني فقط أخطأ، إنما هو الحدإي، وعلى هذا فهما اثنان: حبيب بن أبي مليكة أبو ثور النهدي الحدإي، وأبو ثور الأزدي، ومن جعلهما ثلاثة فلم يصب؛ فإن أكثر النقاد على أن حبيب بن أبي مليكة هو أبو ثور الحدإي، وإن كان بعضهم يقول فيه الحُدَّاني، وهو تصحيف.

قال أحمد: "حبيب بن أبي مليكة: يكنى أبا ثور، روى عنه كليب بن وائل والشعبي وأبو البختري، وهو الذي يقال له: الحَدائي"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 298/ 485) و (2/ 55/ 1534) و (2/ 531/ 3512)، كنى الدولابي (1/ 411)].

وقال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 324) في ترجمة حبيب: "ويقال: هو أبو ثور الحُدَّاني، روى عنه أبو البختري والشعبي"، وبنحوه قال ابن حبَّان في الثقات (4/ 141).

وفرَّق البخاري وأبو حاتم بين حبيب وبين أبي ثور الراوي عن أبي هريرة، وترجموا أيضًا لأبي ثور الحداني أيضًا [كنى البخاري (17)، الجرح والتعديل (9/ 351)، الثقات (5/ 572)].

وقال الطبراني في الأوسط (8/ 233): "وحبيب بن أبي مليكة يكنى أبا ثور الحداني، حي من مراد".

وقد ذهب الخطيب إلى أن حبيب بن أبي مليكة هو أبو ثور الحداني، وذكر الخلاف فيه، هل هو الحُدَّاني، أم الحَدَإي، وصوَّب الأخير [الموضح (2/ 5)].

وفرق مسلم والحاكم أبو أحمد وغير واحد بين حبيب وأبي ثور الأزدي، وذكروا الأزدي فيمن لا يعرف اسمه [كنى مسلم (487 و 490)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (3/ 14 و 16/ 977 و 981 و 982)].

وجعلهم ابن منده وابن القطان ثلاثة: حبيب بن أبي مليكة، وأبو ثور الأزدي، وأبو ثور الحداني [فتح الباب (1407 و 1412 و 1415)]، وقال ابن القطان في الآخرين:"مجهولان"[بيان الوهم (5/ 42/ 2281)].

[وانظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 812)، الإكمال لابن ماكولا (2/ 407)، الأنساب (2/ 184 و 185)، توضيح المشتبه (3/ 146)].

والمقصود أن أبا ثور الأزدي ليس هو حبيب بن أبي مليكة، وعليه: فإنَّه لم يرو عنه غير عامر بن شراحيل الشعبي، ورواية الشعبي عنه تعديل له، فقد قال ابن معين:"إذا حدَّث الشعبي عن رجل فسماه؛ فهو ثقة، يحتج بحديثه"[الجرح والتعديل (6/ 323)، التهذيب (2/ 264)].

وعليه: فالإسناد حسن غريب، والله أعلم.

• قال البزار بعد أن روى الحديث من طريق أبي عثمان النهدي (17/ 17): "وقد رُوي هذا الكلام عن أبي هريرة من طرقٍ: فرواه سعيد بن المسيّب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعكرمة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وأبو

ص: 340

زرعة، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن زياد، وغيرهم، وقد روي عن أبي الدرداء وأبي ذر بنحو منه بغير لفظه".

• قلت: له طرق أخرى كثيرة جدًّا عن أبي هريرة، وفي أسانيدها اختلاف أو جهالة أو ضعف أو وهنٌ شديد، وفي بعضها زيادات ألفاظ وأوهام، مثل جعل: الغسل يوم الجمعة، أو: ركعتي الفجر، بدل: ركعتي الضحى، ومثل زيادة: صلاة الأوابين، في وصف صلاة الضحى، ويأتي تفصيل القول فيه في موضعه من السنن برقم (1432) إن شاء الله تعالى.

أخرج هذه الطرق على سبيل الإجمال:

البخاري في التاريخ الكبير (1/ 426) و (4/ 15 و 16 و 131)، وأبو داود (1432)، والنسائيُّ في المجتبى (4/ 204/ 2369) و (4/ 218/ 2405 - 2407)، وفي الكبرى (3/ 180/ 2690) و (3/ 195/ 2726 - 2728)، والدارميُّ (2/ 31/ 1745)، وابن خزيمة (2/ 227/ 1223)، وأحمد (2/ 229 و 233 و 254 و 260 و 271 و 329 و 472 و 484 و 489) و (2/ 265 و 505) و (2/ 331) و (2/ 347) و (2/ 402)، وإسحاق بن راهويه (1/ 416/ 470)، والطيالسي (4/ 216/ 2593)، وعبد الرزاق (3/ 15/ 4618) و (3/ 74/ 4850) و (4/ 299/ 7875)، وابن أبي شيبة (1/ 433/ 4995) و (2/ 80/ 6704) و (2/ 174/ 7800)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 336/ 1236)، والبزار (14/ 123/ 7623) و (14/ 256/ 7838) و (5/ 292/ 8794) و (16/ 250/ 9429 و 9430) و (17/ 87/ 9626) و (17/ 127/ 9710)، وأبو يعلى في المسند (11/ 96/ 6226) و (11/ 110/ 6236) و (11/ 252/ 6369)، وفي المعجم (55)، والدولابي في الكنى (1/ 372/ 665)، وابن أبي حاتم في المراسيل (111)، وفي العلل (1/ 109/ 297) و (1/ 236/ 685) و (1/ 243/ 709)، وأبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (42)(538 - مجموع مصنفاته)، وابن الأعرابي في المعجم (276)، وابن حبَّان في الثقات (6/ 490)، والطبراني في الأوسط (2/ 213/ 1769) و (2/ 285/ 1999) و (2/ 359/ 2225) و (3/ 133/ 2708) و (4/ 20/ 3507) و (4/ 82/ 3669) و (4/ 151/ 3845) و (5/ 21/ 4561) و (5/ 68/ 4691) و (5/ 132/ 4871) و (5/ 154/ 4926) و (5/ 165/ 4957) و (7/ 101/ 6976) و (7/ 156/ 7144)، وفي الصغير (498)، وفي مسند الشاميين (4/ 331/ 3468)، وفي حديثه لأهل البصرة فيما انتقاه عليه ابن مردويه (50)، وابن عديّ في الكامل (2/ 206) و (3/ 187) و (3/ 361) و (5/ 92 و 223 و 334) و (6/ 81 و 225 و 259)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (230)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 409) و (3/ 519) و (4/ 208 و 266)، وابن المظفر في غرائب حديث شعبة (10)، والدارقطني في العلل (9/ 208/ 1726) و (11/ 18/ 2094)، وفي الأفراد (2/ 268/ 5065 - أطرافه) و (2/ 283/ 5160 - أطرافه) و (2/ 304/ 5305 - أطرافه) و (2/ 325/ 5440 - أطرافه)

ص: 341

و (2/ 331/ 5482 - أطرافه) و (2/ 338/ 5515 - أطرافه) و (2/ 340/ 5530 - أطرافه) و (2/ 347/ 5573 - أطرافه) و (2/ 383/ 5823 - أطرافه) و (2/ 384/ 5830 - أطرافه)، وفي الثالث من الأفراد (46)، وابن شاهين في الخامس من الأفراد (64)، وتمام في الفوائد (585 و 658)، وهلال الحفار في جزئه عن الحسين بن يحيى القطان (46)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 200) و (8/ 213 و 389) و (9/ 51) و (10/ 27)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 126 و 385) و (2/ 42 و 72)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 343) و (7/ 429)، وفي السابق واللاحق (69)، وفي تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 23)، وفي المتفق والمفترق (3/ 2112/ 1809)، والشجري في الأمالي الخميسية (1/ 371) و (2/ 42 و 45 و 53 و 153 و 158)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 442) و (11/ 471) و (22/ 13) و (41/ 503) و (55/ 155)، وفي المعجم (377)، والذهبي في السير (14/ 172)، وغيرهم كثير.

قال ابن رجب في الفتح (6/ 227): "وله طرق كثيرة جدًّا عن أبي هريرة، قد ذكرت كثيرًا منها في كتاب شرح الترمذي، وذكر الحافظ أبو موسى المديني أنَّه رواه عن أبي هريرة قريب من سبعين رجلًا.

وفي متنه أيضًا اختلاف، إلا أن المحفوظ منه: ذكر هذه الخصال الثلاث المذكورة في رواية أبي عثمان".

• وإنما أردت من إيراد بعض طرق حديث أبي هريرة: أوصاني خليلي بثلاث، بيان أن هذه الزيادة في الحديث بذكر المنهيات الثلاث، ومنها الإقعاء الذي هو موضع الشاهد، لم ترد في طرق هذا الحديث على كثرتها؛ مما يدلّ على نكارتها، حيث لم يأت بها إلا ثلاثة من الضعفاء، وقد اضطربوا في إسناده ومتنه ولم يضبطوه، والله أعلم.

• وقد روي في هذا شيء من فعل أبي هريرة وقوله:

فقد روى يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، قال: صليت إلى جنب أبي هريرة فانتصبتُ على صدور قدمي، فجذبني حتى اطمأنَنت.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 255/ 2935)، ومسدد (4/ 127/ 498 - المطالب)(2/ 402/ 1983 - إتحاف الخيرة).

وهذا إسناد حسن؛ ويمكن حمله على التشهد، والله أعلم.

• وروى عبد الرزاق، عن معمر وابن جريج، عن ابن خثيم، عن ابن لبيبة؛ أن أبا هريرة قال له: إياك والحبوة الكلب، والإقعاء، وتحفظ من السهو حتى تفرغ من المكتوبة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 190/ 3026)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 193/ 1491).

ابن لبيبة هو: عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الطائفي، سمع أبا هريرة، قال العجلي: تابعي ثقة، وذكره ابن حبَّان في ثقات التابعين [التاريخ الكبير (5/ 357)، ثقات العجلي (1071)، الجرح والتعديل (5/ 294)، مغاني الأخيار (2/ 622)، عمدة القاري (6/ 43)]، وابن خثيم هو: عبد الله بن عثمان بن خثيم، وهو: مكي صدوق.

ص: 342

وهذا موقوف بإسناد لا بأس به، ويمكن حمله على التشهد أيضًا.

3 -

حديث علي بن أبي طالب:

يرويه أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي! أُحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي؛ لا تُقْعِ بين السجدتين".

وهو حديث طويل، تقدم تخريجه مفصلًا تحت الحديث رقم (647)، وهو حديث ضعيف، لأجل الحارث الأعور، ولم يسمعه أبو إسحاق من الحارث، ووقفه أصح، ولفظ الموقوف: الإقعاء عقبة الشيطان، ولا يصح أيضًا للعلة السابقة.

قال أبو داود: "أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث، ليس هذا منها".

وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وقد ضعَّف بعض أهل العلم الحارث الأعور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء".

وقال البيهقي: "الحارث الأعور لا يحتج به، وكذلك ليث بن أبي سليم، وحديث ابن عباس وابن عمر صحيح".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 481): "وهذا غير صحيح؛ لأنَّ الحارث لم يسمع منه أبو إسحاق غير أربعة أحاديث، وليس هذا منها، وقد تَكلَّم في الحارثِ الشعبيُّ وغيره، ووثقه آخرون".

وقال الدارقطني: "والموقوف أصح".

4 -

حديث سمرة بن جندب:

روى أبو معمر صالح بن حرب [ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال: "يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات"، وقال الذهبي: "صدوق"، الثقات (8/ 318)، تاريخ بغداد (9/ 316)، تاريخ الإِسلام (18/ 294)، اللسان (4/ 283)]، قال: نا سلام بن أبي خبزة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن سمرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة.

أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 373/ 4468)، وعنه: أبو نعيم في المنتخب من حديث يونس بن عبيد (7).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن يونس إلا سلام بن أبي خبزة، تفرد به: صالح بن حرب".

كذا وقع عند الطبراني وأبي نعيم تبعًا له: عن يونس بن عبيد، لكن رواه ابن عديّ في الكامل (3/ 304) عن شيخ الطبراني به، لكن جعله عن إسماعيل بن مسلم، بدل: يونس بن عبيد، وشيخ الطبراني: ثقة، فلا أدري ممن الوهم فيه.

• والأشبه بالصواب: أنَّه من حديث إسماعيل بن مسلم، وليس من حديث يونس بن عبيد؛ فقد رواه مرة أخرى:

ص: 343

أبو معمر صالح بن حرب، قال: ثنا سلام بن أبي خبزة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة.

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 229/ 6957)، قال: حدثنا عبد الله بن العباس الطيالسي [ثقة. معجم شيوخ الإسماعيلي (319)، تاريخ بغداد (10/ 36)، تاريخ الإِسلام (23/ 237)]: ثنا أبو معمر به.

قلت: وهذا إسناد واهٍ جدًّا؛ إسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف، عنده عجائب، ويروي عن الثقات المناكير [العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)]، وسلام بن أبي خبزة العطار البصري: متروك، منكر الحديث، قال ابن المديني:"يضع الحديث"[اللسان (4/ 97)].

• وقد رواه عبد الوهاب بن عطاء، ومحمد بن عبد الله الأنصاري:

ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة. وفي روايةٍ أخرى للأنصاري: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوفز الرجل في صلاته.

أخرجه الحاكم (1/ 271 و 272)، وعنه: البيهقي (2/ 120 و 281).

قلت: والاستيفاز هنا هو الإقعاء، قال ابن شميل:"الإقعاء أن يجلس على وركيه، وهو الاحتفاز، وهو الاستيفاز"[تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (269)].

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه، وله رواية في إباحة الإقعاء صحيح على شرط مسلم".

قلت: لا يثبت أن ابن أبي عروبة حدَّث بهذا الحديث في حال صحته قبل اختلاطه، فإن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: صدوق، كان عالمًا بسعيد بن أبي عروبة؛ إلا أنَّه سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فلم يميز بين هذا وهذا، والراوي عنه: يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان، وإن كان وثقه الدارقطني وغيره، فقد تكلم فيه جماعة، مثل: أبي داود [فقد خطَّ على حديثه]، وموسى بن هارون [فقد كذبه]، وأبي أحمد الحاكم [حيث قال:"ليس بالمتين"] [انظر: اللسان (8/ 423 و 452)، الجرح والتعديل (9/ 134)، الثقات (9/ 270)، سؤالات الحاكم (239)، تاريخ بغداد (14/ 220)، السير (12/ 619)].

ومحمد بن عبد الله الأنصاري: ثقة، لكنه أيضًا ممن روى عن ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، والراوي عنه: محمَّد بن سليمان بن الحارث أبو بكر الواسطي، المعروف بالباغندي، كذبه ابنه محمَّد أبو بكر الباغندي، وقال أبو الفتح ابن أبي الفوارس:"ضعيف الحديث"، وقال الدارقطني مرة:"لا بأس به"، وقال أخرى:"ضعيف"، وقال الخطيب:"والباغندي مذكور بالضعف، ولا أعلم لأية علة ضُعِّف، فإن رواياته كلها مستقيمة، ولا أعلم في حديثه منكرًا"، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال الذهبي:"لا بأس به" [الثقات (9/ 149)، سؤالات الحاكم (179)، تاريخ بغداد (5/ 298)، الأنساب (1/ 262)،

ص: 344

المنتظم (12/ 369)، السير (13/ 386)، تاريخ الإِسلام (21/ 262)، اللسان (7/ 173)]، وقد تابعه على اللفظ الثاني دون الأوّل: أبو حاتم الرازي.

• ورواه سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التورُّك، والإقعاء، وألا نستوفز في صلاتنا، وأن لا يصلي المهاجر خلف الأعرابي.

وفي رواية: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتدل في الجلوس [وفي رواية: في السجود]، وأن لا نستوفز.

أخرجه أحمد (5/ 10)، والبزار (10/ 433 و 434/ 4586 و 4587)، والطبراني في الكبير (7/ 212 و 213/ 6883 و 6884)، وفي مسند الشاميين (4/ 31/ 2649).

قال البزار: "ولا نعلم روى هذا الحديث إلا سعيد بن بشير عن قتادة، تفرد سمرة في هذا الحديث بقوله: لا نستوفز في صلاتنا".

قلت: سعيد بن بشير: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات [تقدم ذكره تحت الأحاديث المتقدمة برقم (27 و 73 و 180 و 306 و 490 و 570 و 671 و 675) وغيرها]، والنهي عن التورُّك منكر؛ فقد ثبت التورك في الجلسة التي يكون فيها التسليم من الثلاثية والرباعية من حديث أبي حميد الساعدي، وهو حديث صحيح، تقدم برقم (730).

وعليه: فإن حديث سعيد بن بشير هذا حديث منكر.

• ورواه الحسين بن مصعب الأشناني البغدادي: ثنا عوف بن عبد الرحيم: ثنا مخلد بن يزيد: ثنا مسعر بن كدام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعتدل في السجود، ولا نستوفز.

أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 261).

قال أبو نعيم: "تفرد به مخلد عن مسعر".

مخلد بن يزيد الحراني: لا بأس به، وكان يهِم، وعوف بن عبد الرحيم: لم أقف له على ترجمة، والحسين بن محمَّد بن الحسين بن مصعب الأشناني، وقيل: البجلي، وسماه بعضهم الحسن مكبرًا: روى عنه وكيع القاضي، وابن الأعرابي، والطبراني، وأبو بكر الإسماعيلي، وقال الهيثمي:"لم أعرفه"، قلت: ترجم له الإسماعيلي في معجم شيوخه، وسكت عنه، وقد شرط على نفسه في أول الكتاب بيان حال من ذم طريقه في الحديث [أخبار القضاة (3/ 115 و 187)، معجم ابن الأعرابي (1513)، المعجم الصغير للطبراني (363)، معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي (2/ 621)، مجمع الزوائد (5/ 249)].

فهو غريب جدًّا من حديث مسعر، ولا يثبت عنه.

• ورواه أبو عبد الله محمَّد بن عبد السلام بن سعدان: أنا أبو عمر محمَّد بن موسى بن فضالة بن إبراهيم القرشي: أخبرني أبي: نا عمرو بن عثمان: نا إسماعيل بن عياش، عن الهذلي، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، أنَّه قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نطمئن في الصلاة، ولا نستوفز.

ص: 345

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/ 195).

وهذا إسناد واهٍ بمرة؛ أبو بكر الهذلي: متروك الحديث، عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وهو بصري، وحديث إسماعيل بن عياش عن أهل العراق والحجاز فيه ضعف، وهذا منه، وعمرو بن عثمان هو: ابن سعيد بن كثير الحمصي، وهو: صدوق، وموسى بن فضالة بن إبراهيم القرشي الدمشقي: مجهول، لم يرو عنه غير ابنه أبي عمر [تاريخ دمشق (61/ 195)، تاريخ الإِسلام (21/ 312)]، وابنه أبو عمر محمَّد بن موسى: شيخ مسند، قال عبد العزيز الكتاني:"تكلموا فيه"[ذيل تاريخ مولد العلماء (42)، تاريخ دمشق (56/ 78)، السير (16/ 157)، تاريخ الإِسلام (26/ 299)، المغني (2/ 638)، اللسان (7/ 539)]، وأبو عبد الله محمَّد بن عبد السلام بن عبد الرحمن بن عبيد بن سعدان الجذامي: ترجم له ابن عساكر، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، ونعته الذهبي بقوله:"الشيخ الجليل الصدوق مسند دمشق"[تاريخ دمشق (54/ 120)، السير (17/ 635)، تاريخ الإِسلام (30/ 82)].

• ورواه سليمان بن موسى الكوفي [خراساني الأصل، نزل دمشق، وهو: صدوق، مستقيم الحديث، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (456)]: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان، عن سمرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا في الصلاة ورفعنا من رؤوسنا من السجود أن نطمئن على الأرض جلوسًا، ولا نستوفز على أطراف الأقدام.

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 250/ 7020)، بإسناد صحيح إلى سليمان.

وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد بالتفصيل تحت الحديث رقم (456)، وخلصت هناك إلى القول بأن الذي يترجح عندي في هذا الإسناد - والله أعلم -: أنَّه إسناد صالح في الشواهد والمتابعات، لا ينهض على انفراده بإثبات حكم، أو تثبت به سُنَّة، فإن جاء بمخالفة ما صح فهو منكر.

والإقعاء على أطراف الأقدام بين السجدتين قد ثبت من حديث ابن عباس مرفوعًا، ولم يثبت حديث في النهي عن الإقعاء غير حديث عائشة في النهي عن عقبة الشيطان، وهو محتمل للتأويل، إما بحمله على جلسة التشهد، أو على ذم من ترك غسل العقبين في الوضوء، فيبقى حديث سمرة هذا بانفراده بالنهي عن عموم الاستيفاز.

لكن يمكن أن يقال: أليس الاستيفاز هو في معنى الإقعاء كما قال ابن شميل، وهو معنى ما جاء في حديث عائشة في النهي عن عقب الشيطان، ثمَّ إن هذا الطريق من نسخة ولد سمرة، يعتضد بطريق سعيد بن أبي عروبة، وإن كان مما رواه بعد اختلاطه، فإن رواية المختلط إذا وجدنا ما يشهد لها، ويدل على أنَّه حفظها، ورواها على الصواب، تصبح صالحة للاستشهاد بها.

وعلى هذا؛ فإن حديث سمرة يمكن أن يحسن بمجموع الطريقين: طريق بني سمرة، وطريق الحسن عن سمرة، وقد سبق الكلام عن سماع الحسن من سمرة، وأن الحسن لم

ص: 346

يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، والباقي كتاب غير مسموع إلا أنَّه وجادة صحيحة معمول بها عند الأئمة [راجع الحديث رقم (354)].

ونقول في حديث سمرة مثلما قلنا في حديث عائشة بحمله على جلسة التشهد؛ جمعًا بينهما وبين حديث ابن عباس في جواز الإقعاء بين السجدتين، والله أعلم.

• نعود بعد ذلك مرة أخرى إلى حديث قتادة عن الحسن عن سمرة:

فنقول: قد اختلف في هذا الحديث على قتادة:

أ - فرواه سعيد بن أبي عروبة [على التفصيل المتقدم]، وسعيد بن بشير:

عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة.

ب - خالفهما حماد بن سلمة.

5 -

حديث أنس:

فقد روى يحيى بن إسحاق السيلحيني، قال: أخبرني حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء والتَّورُّك في الصلاة.

أخرجه أحمد (3/ 233)، والبزار (10/ 434/ 4588) و (13/ 470/ 7261)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (941)، والطحاوي في المشكل (15/ 478/ 6174)، والبيهقيُّ (2/ 120)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 274).

قال عبد الله: "كان أبي قد ترك هذا الحديث".

وقال البزار: "وهذا الحديث أظن أن يحيى بن إسحاق أخطأ فيه، وسعيد بن بشير فلا يحتج بحديث له إذا تفرد به، والحديث المحفوظ: رواه حماد بن سلمة وغيره، عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فلا يفترش ذراعيه افتراش الكلب"، أو "السبع"، هذا هو الحديث عندنا، والله أعلم".

وقال في الموضع الثاني: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن حماد بن سلمة إلا يحيى بن إسحاق، ولا يروى عن أنس إلا من هذا الوجه".

وقال البيهقي: "تفرد به: يحيى بن إسحاق السيلحيني عن حماد بن سلمة، وقد قيل: عنه عن حماد وبحر بن كنيز عن قتادة عن أنس، والرواية الأولى أصح"؛ يعني: حديث ابن أبي عروبة.

قلت: أراد البزار إعلال الحديث بالسيلحيني، وأنه هو الذي أخطأ فيه على حماد بن سلمة، وأن غيره مثل: كامل بن طلحة الجحدري، وعبد الله بن رجاء، يروونه عن حماد، عن قتادة، عن أنس، ورواه أيضًا: شعبة، وابن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، ويزيد بن إبراهيم، وهمام، وسَليم بن حيان، وعمران بن خالد، وغيرهم: عن قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب".

ص: 347

وهو حديث متفق عليه، ويأتي تخريجه مفصلًا في موضعه من السنن برقم (897)، إن شاء الله تعالى.

فهذا وجه من الإعلال، ووجه آخر: وهو أن حماد بن سلمة وهم فيه، أو وقع الوهم من الراوي عنه: يحيى بن إسحاق السيلحيني، وهو: صدوق، له أوهام وغرائب، فلعل هذا منها، حيث سلك فيه الجادة والطريق السهل، وقال فيه: قتادة عن أنس، وإنما هو: قتادة عن الحسن عن سمرة، كما تقدم في الشاهد السابق، وقد رجح هذا الوجه البيهقي، وأما الإمام أحمد فإنَّ ترْكه لهذا الحديث ليعطي دلالة قوية على أنَّه تيقن من وقوع الوهم فيه، وأنه حديث خطأ، أيًا كان منه الوهم، والله أعلم.

• ولحديث أنس طرق أخرى كثيرة لا يصح منها شيء، فمنها مثلًا:

أ - ما رواه محمَّد بن الحسن بن أبي يزيد الصدائي: حدثنا عباد المنقري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني وإذا سجدت فأمكن كفيك وجبهتك من الأرض، ولا تنقر نقر الديك، ولا تقع إقعاء الكلب، ولا تلتفت التفات الثعلب" في حديث طويل جدًّا.

أخرجه أبو يعلى (6/ 308/ 3624)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (43)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 233/ 799)، وفي دلائل النبوة (124)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 273)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 342).

• وقد أخرج الترمذي بعض أطرافه مفرقًا على الأبواب برقم (589 و 2678 و 2698)، بدون موضع الشاهد.

من طريق محمَّد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . .

قال الترمذي في الموضع الأوّل: "حسن غريب"، وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ومحمد بن عبد الله الأنصاري ثقة، وأبوه ثقة، وعلي بن زيد صدوق؛ إلا أنَّه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره، وسمعت محمَّد بن بشار يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة: حدثنا علي بن زيد، وكان رفَّاعًا.

ولا نعرف لسعيد بن المسيّب عن أنس رواية إلا هذا الحديث بطوله.

وقد روى عباد بن ميسرة المنقري هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس، ولم يذكر فيه: عن سعيد بن المسيّب.

وذاكرت به محمَّد بن إسماعيل فلم يعرفه، ولم يعرف لسعيد بن المسيّب عن أنس هذا الحديث ولا غيره، ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيّب بعده بسنتين، مات سنة خمس وتسعين".

وقال في الموضع الثالث: "هذا حديث حسن صحيح غريب".

• وقد روي من هذا الوجه بتمامه، وفيه موضع الشاهد: "يا بني! إذا سجدت فلا

ص: 348

تنقر كما ينقر الديك، ولا تقع كما يقعي الكلب، ولا تفرش ذراعيك الأرض افتراش السبع، وافرش ظهر قدميك بالأرض، وضع إليتيك على عقبيك، فإن ذلك أيسر عليك يوم القيامة في حسابك".

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 123 - 125/ 5991)، وفي الصغير (856)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 342).

وهذا حديث غريب جدًّا؛ إذ لا يُعرف لسعيد بن المسيّب رواية عن أنس غير هذا الحديث، تفرد به علي بن زيد بن جدعان، وهو: ضعيف، وقد كان رفاعًا، وكان يقلب الأحاديث [انظر: التهذيب (3/ 162)، الميزان (3/ 127)].

وبقية رجال الإسناد متكلم فيهم، وعباد بن ميسرة المنقري: ليس بالقوي، ومحمد بن الحسن بن أبي يزيد الصدائي: متروك، كذبه ابن معين وأبو داود [التهذيب (3/ 543)، الميزان (3/ 514)].

ب - ورواه بشر بن إبراهيم: نا عباد بن كثير، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيّب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثماني سنين،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه:"يا بني إذا قعدت بين السجدتين فابسط ظهور قدمك على الأرض، وضع أليتيك على عقبيك، فإن ذلك من سُنَّتي، ومن أحيا سُنَّتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة، ولا تُقْعِ كما يقعي الكلب، ولا تنقر كما ينقر الديك".

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 601)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 542)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 188/ 254)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 187 - 188).

وهذا حديث موضوع؛ آفته بشر بن إبراهيم الأنصاري البصري، أبو عمرو المفلوج: مشهور بالوضع، كان يضع الحديث على الثقات [اللسان (2/ 287)].

قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع"، ثمَّ ذكر من ضعَّف عبد الرحمن بن حرملة وعباد بن كثير وبشر بن إبراهيم.

وقال ابن حجر في اللسان (2/ 290): "وهو باطل بهذا الإسناد، وله طرق متعددة عن أنس، قال العقيلي: لا يثبت منها شيء".

ج - ورواه العلاء بن زيد أبو محمَّد، عن أنس، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رفعت رأسك من السجود فلا تُقْعِ كما يقعي الكلب، ضع أليتيك بين قدميك، وألزق ظاهر قدميك بالأرض".

أخرجه ابن ماجه (896).

ورواه بدون موضع الشاهد: البخاري تعليقًا في التاريخ الكبير (6/ 520)، وفي الأوسط (2/ 177)، وابن سعد في الطبقات (7/ 12)، وأحمد بن منيع في مسنده (85

ص: 349

و 2700 و 3127 - مطالب)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (3/ 279/ 429 - مسند علي)، ووهَّى إسناده. والطبراني في الكبير (1/ 249/ 713)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 234/ 803).

وهذا حديث منكر؛ العلاء بن زيد، أو ابن زيدل: متروك، منكر الحديث، اتهمه بالوضع: ابن المديني، وابن حبَّان، والحاكم [راجع ترجمته مع هذا الحديث: تخريج الذكر والدعاء (1/ 124/ 63)].

د - ورواه كثير بن عبد الله الأبلي أبو هاشم، قال: رأيت أنس بن مالك يحدث معاوية بن قرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا بني إذا تقدّمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة،. . ."، فذكر حديثًا طويلًا، وفيه:"وإذا سجدت فضع عقبيك تحت أليتك، وأقم صلبك حتى يقع كل عضو مكانه، ولا تنقر كنقر الديك، ولا تقعى كإقعاء الكلب، ولا تبسط ذراعيك كبسط الثعلب،. . .".

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (217 - المطالب)، والعقيلي (4/ 8)، وابن حبَّان في المجروحين (2/ 223)، وابن عديّ في الكامل (6/ 65)، وتمام في الفوائد (1760)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 187)، وفي العلل المتناهية (579).

وهذا حديث منكر، أبو هاشم الأبلي كثير بن عبد الله: متروك، منكر الحديث [التهذيب (3/ 460)، الميزان (3/ 406)].

ولحديث أنس هذا طرق كثيرة جدًّا جمعت أكثرها في تخريج الذكر والدعاء (1/ 120 - 127/ 63)، أغلبها مناكير، لا يقوي بعضها بعضًا.

• قال النوويّ في الخلاصة (1/ 417): "قال الحفاظ: ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح؛ إلا حديث عائشة".

وقال في المجموع (3/ 397): "ليس في النهي عن الإقعاء حديث صحيح"، ولم يعن بذلك حديث عائشة.

• قلت: حديث عائشة في الباب صحيح، وحديث سمرة حسن لغيره، ويحمل الحديثان على النهي عن الإقعاء في جلوس التشهد، والله أعلم.

• وأما افتراش اليسرى ونصب اليمنى في الجلسة بين السجدتين، وفي التشهد؛ فقد جاء في أحاديث كثيرة، منها:

1 -

حديث وائل بن حجر:

وله طرق كثيرة، راجعها في الأحاديث المتقدمة برقم (726 - 728).

ومن ألفاظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، ورأيته إذا جلس في الصلاة أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى،. . . الحديث.

وهو حديث صحيح.

ص: 350

2 -

حديث أبي حميد الساعدي:

وله طرق، منها:

أ - ما رواه محمَّد بن عمرو بن حلحلة، عن محمَّد بن عمرو بن عطاء، أنَّه كان جالسًا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد الساعدي: أنا كنت أحفظَكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثمَّ هَصَر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فَقَارٍ مكانَه، فإذا سجد وضع يديه غيرَ مُفترِشٍ ولا قابِضِهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجلِه اليسرى، ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدَّم رجلَه اليسرى، ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته.

أخرجه البخاري (828)، وتقدم عند أبي داود برقم (732).

ب - ورواه عبد الحميد بن جعفر: أخبرني محمَّد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حُميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو قتادة.

قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلِمَ؟ فوالله ما كنتَ بأكثرِنا له تَبِعةً [وفي رواية ابن داسة: تَبَعًا]، ولا أقدمِنا له صحبةً، قال: بلى، قالوا: فاعرِض.

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذيَ بهما مَنكِبَيه،. . . إلى أن قال: ثمَّ يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثمَّ يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتِخُ أصابعَ رجليه إذا سجد، ثمَّ يسجد، ثمَّ يقول:"الله أكبر"، ويرفع رأسه، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه،. . . إلى أن قال: حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخَّر رجله اليسرى وقعد مُتورِّكًا على شقِّه الأيسر.

وفي رواية ثمَّ ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه، ثمَّ هوى ساجدًا، وقال:"الله أكبر"، ثمَّ ثنى رجله وقعد عليها حتى يرجع كلُّ عضوٍ إلى موضعه.

أخرجه أبو داود (730 و 963)، وهو حديث صحيح.

ج - ورواه فُلَيح: حدثني عباس بن سهل، قال: اجتمع أبو حُميد، وأبو أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث إلى أن قال: ثمَّ جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصَدْر اليمنى على قِبلته، ووضع كفَّه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفَّه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبَعِه.

أخرجه أبو داود (734)، وهو حديث صحيح.

3 -

حديث عائشة:

رواه بُدَيل بن ميسرةَ، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاةَ بالتكبير،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه: وكان إذا جلس يَفرْش رجله اليسرى

ص: 351

وينصِب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، وعن فِرشَة السَّبُع، وكان يختم الصلاة بالتسليم، عليه السلام.

أخرجه مسلم (498)، وتقدم عند أبي داود برقم (783).

4 -

حديث ابن عمر:

رواه عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنَّه قال: إنما سُنَّة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني اليسرى.

أخرجه البخاري (827)، ويأتي تخريجه في سنن أبي داود برقم (958) إن شاء الله تعالى.

5 -

حديث ميمونة:

رواه مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم أنَّه أخبره، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوَّى بيديه -يعني: جنَّح- حتى يُرى وَضَحُ إبطيه من ورائه، وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.

أخرجه مسلم (497)، ويأتي تخريجه في سنن أبي داود برقم (898) إن شاء الله تعالى.

• وحاصل ما تقدم:

أن السُّنَّة في الجلوس في الصلاة أن يثني رجله اليسرى فيقعد عليها، وينصب اليمنى مستقبلًا بأصابعها القبلة، فإذا كان في الركعة الثالثة أو الرابعة التي فيها التسليم أخَّر رجله اليسرى وقعد مُتورِّكًا على شقِّه الأيسر على مقعدته، ونصب اليمنى، أكثر الأحاديث على ذلك، وهو غالب فعله صلى الله عليه وسلم.

فإن جلس بين السجدتين جاعلًا أليتيه على عقبيه، فلا بأس بذلك، لثبوته من حديث ابن عباس، أنَّه من سُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم.

فإن كان في الركعة الأخيرة من الثلاثية أو الرباعية فجلس متوركًا، جاعلًا قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى؛ فلا حرج في ذلك؛ لوروده في حديث عبد الله بن الزبير:

فقد روى عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عثمان بن حكيم: حدثني عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة، جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى،. . . الحديث.

أخرجه مسلم (579)، ويأتي تخريجه مفصلًا في موضعه من السنن برقم (988).

ويحمل النهي عن الإقعاء وعن عقبة الشيطان الوارد في حديث عائشة وسمرة على الجلوس للتشهد الأوسط أو الأخير، أو على المعنى اللغوي لإقعاء السباع، والله أعلم.

ص: 352

• ومن أقوال العلماء في الإقعاء:

قال مالك: "ما أدركت أحدًا من أهل العلم إلا وهو ينهي عن الإقعاء ويكرهه"[المدونة (1/ 73)].

قلت: ويحمل هذا على الإقعاء المكروه، سواء قلنا فيه بجعل الأليتين على العقبين في جلسة التشهد، أو قلنا بقول اللغويين في إقعاء الكلب أو السبع، وهذا لا رخصة فيه، لكن ليس لدينا في هذا الأخير دليل صحيح من السُّنَّة، إذ كل ما ورد في تقييد الإقعاء بإقعاء الكلب أو القرد أو الذئب لا يصح منه شيء؛ إلا إذا نظرنا إلى نفس الإطلاق في اللغة من حيث هو إقعاء، فإن الإقعاء لا يستعمل في وصف الإنسان، وإنما يستعمل مع السباع، والله أعلم.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (1/ 266): "قال أبو عبيدة [يعني: معمر بن المثنى]: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصبًا فخذيه، مثل إقعاء الكلب والسبع.

قال أبو عبيد: وأما تفسير أصحاب الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء: أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا عندي هو الحديث الذي فيه: عقب الشيطان، الذي جاء فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن عمر، أنَّه نهى عن عقب الشيطان.

قال أبو عبيد: وتفسير أبي عبيدة في الإقعاء أشبه بالمعنى؛ لأنَّ الكلب إنما يقعي كما قال، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه أكل مقعيًا، فهذا يبين لك أن الإقعاء هو هذا، وعليه تأويل كلام العرب" [ونقله ابن المنذر في الأوسط (3/ 192)].

وقال في موضع آخر (4/ 62): "وأما الإقعاء فهو الذي جاء فيه النهي عن النبي عليه السلام أن يُفعل في الصلاة؛ فقد اختلف الناس فيه:

فقال أبو عبيدة: وهو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه بالأرض.

وأما تفسير الفقهاء: فهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، شبيه بما يروى عن العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.

قال أبو عبيد: وقول أبي عبيدة أشبه بكلام العرب، وهو معروف عند العرب، وذلك بين في بعض الحديث؛ أنَّه نهى أن يقعي الرجل كما يقعي السبع، ويقال: كما يقعي الكلب، فليس الإقعاء في السباع إلا كما قال أبو عبيدة.

قال أبو عبيد: وقد روي عن النبي عليه السلام أنَّه أكل مرةً مقعيًا، فكيف يمكن أن يكون فعل هذا وهو واضعٌ أليتيه على عقبيه، وأما الحديث الآخر أنَّه نهى عن عقب الشيطان في الصلاة؛ فإنَّه أن يضع الرجل أليتيه على عقبيه في الصلاة بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء" [نقل بعضه الأزهري في تهذيب اللغة (3/ 22)].

وقال إسحاق بن منصور في مسائله لأحمد وإسحاق (227): "قلت: ما الإقعاء؟ قال: أن يضع أليتيه على عقبيه، وأهل مكة يفعلون ذلك، وبعضهم يقول: أن يقوم على

ص: 353

رجليه ويضع أليتيه على عقبيه كأنه قاعد عليهما، كما يقعي الكلب. قال إسحاق: كما قال" [ونقله ابن المنذر في الأوسط (3/ 193)].

وقال أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 60): "قوله: نهى عن الإقعاء، في حديث أبي هريرة: وهو أن يكون في جلوسه كأنه متساند إلى ظهره، والكلب والذئب يقعيان، وهو وضع الألية على الأرض، ونصب الساقين، ووضع الراحتين على الأرض، وهذا لا رخصة فيه، وأما الإقعاء في حديث ابن عمر وابن عباس بين السجدتين ففيه رخصة؛ أن ينصب قدميه بين السجدتين ويجلس عليهما".

وقال ابن خزيمة: "باب إباحة الإقعاء على القدمين بين السجدتين، وهذا من جنس اختلاف المباح، فجائز أن يقعي المصلي على القدمين بين السجدتين، وجائز أن يفترش اليسرى وينصب اليمنى".

وقال البيهقي في المعرفة (2/ 19): "ويحتمل أن يكون حديث عائشة في القعود للتشهد، وحديث سمرة وغيره في الإقعاء الذي فسره أبو عبيد حكاية عن أبي عبيدة، وهو جلوس الإنسان على أليتيه ناصبًا فخذيه، مثل إقعاء الكلب والسبع، والمراد بما روينا عن ابن عباس: أن يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض، ويضع أليتيه على عقبيه، ويضع ركبتيه بالأرض، وفي هذا جمع بين الأخبار".

وقال في السنن (2/ 120) بعد حكاية كلام أبي عبيد في الإقعاء: "وهذا النوع من الإقعاء غير ما روينا عن ابن عباس وابن عمر، وهذا منهي عنه، وما روينا عن ابن عباس وابن عمر مسنون، وأما حديث أبي الجوزاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه كان ينهى عن عقب الشيطان، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمني، فيحتمل أن يكون واردًا في الجلوس للتشهد الأخير، فلا يكون منافيًا لما روينا عن ابن عباس وابن عمر في الجلوس بين السجدتين، والله أعلم".

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 482): "فالذي فسر به الإقعاء معمر بن المثنى أولى عندي، والله أعلم.

يقال: أقعى الكلب، ولا يقال: قعد، وقعوده إقعاؤه،. . .، فمن انصرف بين السجدتين على هذا الحال، وقعد في صلاته على هذه السبيل، فهو الإقعاء المنهي عنه، المجتمع عليه، وذلك أن يقعد على أليته، وينصب رجليه من الجانبين، فمن فعل هذا فقد فعل ما لا يجوز عند أحد من العلماء".

وقال في التمهيد (16/ 273): "واختلف العلماء في هذه المسألة؛ أعني: الانصراف على صدور القدمين في الصلاة بين السجدتين، فكره ذلك منهم جماعة، ورأوه من الفعل المكروه المنهي عنه، ورخص فيه آخرون، ولم يروه من الإقعاء، بل جعلوه سُنَّة،. . .، فأما مالك وأبو حنيفة والشافعيُّ وأصحابهم فإنهم يكرهون الإقعاء في الصلاة، وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد".

ص: 354

ثمَّ قال (16/ 277): "من حمل الإقعاء على ما قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى خرج من الاختلاف، وهو أولى ما حمل عليه الحديث من المعنى، والله أعلم؛ لأنهم لم يختلفوا أن الذي فسر عليه أبو عبيدة الإقعاء لا يجوز لأحد مثله في الصلاة من غير عذر، وفي قول ابن عمر في حديثه المذكور في هذا الباب: إنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي، وأخبر أن ذلك ليس من سُنَّة الصلاة؛ دليل على أنَّه كان يكره ذلك لو لم يشتك، ومعلوم أن ما كان عنده من سُنَّة الصلاة لا يجوز خلافه عنده لغير عذر، فكذلك ما لم يكن من سُنَّة الصلاة لا يجوز عمله فيها من غير عذر، فدلّ على أن ابن عمر كان ممن يكره الإقعاء، فهو معدود فيمن كرهه، كما روي عن علي وأبي هريرة وأنس، إلا أن الإقعاء عن هؤلاء غير مفسر، وهو مفسر عن ابن عمر؛ أنَّه الانصراف على العقبين وصدور القدمين بين السجدتين، وهذا هو الذي يستحسنه ابن عباس، ويقول: إنه سُنَّة، فصار ابن عمر مخالفًا لابن عباس في ذلك".

إلى أن قال: "ومن جهة النظر أيضًا: قول ابن عباس: إن كذا وكذا سُنَّة إثبات، وقول ابن عمر: ليس بسُنَّة نفي، وقول المثبت في هذا الباب وما كان مثله أولى من النافي؛ لأنه قد علم ما جهله النافي، وعلى أن الإقعاء قد فسره أهل اللغة على غير المعنى الذي تنازع فيه هؤلاء، وهذا كله يشهد لقول ابن عباس".

قلت: سبق بيان عدم صحة هذا الحديث عن ابن عمر، وسبق بيان الجمع بين الآثار.

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 155): "وليس هذا معنى الحديث من الإقعاء، وتفسير أصحاب الحديث في عقبة الشيطان وفي الإقعاء واحد، وهو أن يضع أليتيه على عقبيه، ويقعد مستوفزًا غير مطمئن إلى الأرض".

وقال ابن الأثير في النهاية (3/ 268): "وفيه: أنَّه نهى عن عقب الشيطان في الصلاة، وفي رواية: عن عقبة الشيطان، هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء، وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء".

وقال في موضع آخر (4/ 89): "فيه: أنَّه نهى عن الإقعاء في الصلاة، وفي رواية: نهى أن يقعي الرجل في الصلاة، الإقعاء: أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض، كما يقعي الكلب، وقيل: هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، والقول: الأوّل".

وقال النوويّ في شرح مسلم (5/ 19): "والصواب الذي لا معدل عنه: أن الإقعاء نوعان: أحدهما: أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض؛ كإقعاء الكلب، هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي، والنوع الثاني: أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس بقوله: سُنَّة نبيكم صلى الله عليه وسلم".

ص: 355