الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
148 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود
855 -
. . . سليمان، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن أبي مسعود البدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ صلاةُ الرجلِ حتى يقيمَ ظهره في الركوع والسجود".
• حديث صحيح.
أخرجه الترمذي (265)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 115/ 245 - 247)، والنسائيُّ في المجتبى (2/ 183/ 1027) و (2/ 214/ 1111)، وفي الكبرى (1/ 353/ 703) و (2/ 30/ 1101)، وابن ماجه (870)، والدارميُّ (1/ 350/ 1327)، وأبو عوانة (1/ 434/ 1611 و 1612)، وابن خزيمة (1/ 300/ 591 و 592) و (1/ 333/ 666)، وابن حبَّان (5/ 217/ 1892) و (5/ 218/ 1893)، وابن الجارود (195)، وأحمد (4/ 119 و 122)، والطيالسي (2/ 8/ 646)، وعبد الرزاق (2/ 150/ 2856) و (2/ 369/ 3736)، والحميدي (454)، وابن أبي شيبة (1/ 256/ 2956) و (7/ 303/ 36295)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (466)، وأبو العباس السراج في مسنده (322 - 324 و 326 و 764)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (54)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (735)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 155/ 1404)، والطحاوي في المشكل (1/ 195 و 196) و (10/ 41 و 44 و 45/ 3896 و 3899 و 3900)، والسهمي في تاريخ جرجان (101)، والطبراني في الكبير (17/ 213 و 214/ 578 - 583 و 585)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (55)، والدارقطني في السنن (1/ 348)، وفي العلل (6/ 177/ 1050)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 116)، وفي معرفة الصحابة (4/ 2149/ 4051)، وابن حزم في المحلى (3/ 257)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 88 و 117)، وفي الشعب (3/ 139/ 3130)، وفي المعرفة (1/ 583 - 584/ 832)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 6) و (23/ 412)، وفي الاستذكار (2/ 165 و 333 و 448)، والخطيب في الكفاية (179)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 97 - 98/ 617).
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
وقال الدارقطني: "هذا إسناد ثابت صحيح".
وقال أبو نعيم: "صحيح ثابت من حديث الأعمش".
وقال البيهقي: "هذا إسناد صحيح".
وقال ابن العربي في أحكام القرآن (1/ 643): "حديث صحيح".
قلت: وهو كما قالوا؛ حديث صحيح، وهو على شرط مسلم (432).
• رواه عن سليمان بن مهران الأعمش: شعبة، وسفيان الثوري، وأبو معاوية، والفضيل بن عياض، وعيسى بن يونس، ووكيع بن الجراح، ويعلى بن عبيد الطنافسي، وعبد الله بن إدريس، وعبد الله بن داود الخريبي، ومحمد بن فضيل، وعبد الله بن نمير، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وسفيان بن عيينة، وعبيد الله بن موسى، وزائدة بن قدامة، وأبو عوانة، وجرير بن عبد الحميد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعبد الرحمن بن محمَّد المحاربي، ومحمد بن ربيعة الكلابي [وهم ثقات]، ويعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي [صدوق، كثير الخطأ. اللسان (8/ 518)، الجرح والتعديل (9/ 201)]، وحماد بن سعيد البراء المازني [صدوق، له أوهام. التاريخ الكبير (3/ 19)، ضعفاء العقيلي (1/ 311)، الجرح والتعديل (3/ 140)، علل الدارقطني (5/ 198/ 818)، اللسان (3/ 268)][وهم اثنان وعشرون رجلًا].
وهذا لفظ حفص بن عمر النمري أبو عمر الحوضي عن شعبة، وبنحوه رواية علي بن الجعد، وسليمان بن حرب، وحسين بن محمَّد، وأبي الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك [عند أحمد والبغويُّ والسهمي والطبراني] قالوا:"ظهره"، ورواه أيضًا أبو الوليد الطيالسي، وغندر محمَّد بن جعفر، وابن أبي عديّ، وبشر بن عمر الزهراني، عن شعبة به بلفظ:"لا تجزئ صلاةٌ لأحد - أو: لرجل - لا يقيمُ صُلبَه في الركوع ولا في السجود"، وفي رواية أبي الوليد:"لا تجزئ صلاةٌ لا يقيمُ فيها الرجل صُلبَه في الركوع والسجود"[عند السراج (764) و (54)]، وفي رواية الزهراني:"لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود"، ورواه عن شعبة أيضًا: أبو داود الطيالسي لكن بالشك، والمعنى واحد، فإن الظَّهْر يقال له: صُلْب، والله أعلم.
وأما بقية أصحاب الأعمش فقالوا: "صلبه"، بدل:"ظهره"؛ إلا ابن أبي زائدة فقال: "ظهره"، أو ما كان في بعض الروايات التي فيها حمل بعضها على بعض [كما عند أحمد].
ولفظ الجماعة: "لا تجزئ صلاةٌ لا يقيمُ الرجلُ فيها صُلبَه في الركوع والسجود"، وقال عبد الله بن داود الخريبي:"لا تُقبل صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود"، والمعنى في ذلك قريب، والله أعلم.
• ووهم على الثوري في لفظه محمَّد بن يوسف الفريابي [عند الطحاوي في المشكل (1/ 196) و (3899)]، فقال:"لا تجزئ صلاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه إذا رفع رأسه من الركوع والسجود".
• خالفهم فوهم في إسناده، وجعله من مسند جابر: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق [ثقة]، فرواه عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، به مرفوعًا.
أخرجه أبو عوانة (1/ 434/ 1613)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 117/ 248)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (211)، وأبو جعفر ابن البختري في ستة مجالس من أماليه (5)، والبيهقيُّ (2/ 88 و 117)، والخطيب في التاريخ (14/ 156).
وقد تفرد به عن إسرائيل: يحيى بن أبي بكير، وعنه: العباس بن محمَّد الدوري.
قال عباس الدوري: "هذا حديث غريب؛ لم يروه إلا يحيى بن أبي بكير".
وقال في موضع آخر: "هذا حديث لم يروه غير يحيى، وهو حديث غريب جدًّا".
وقال الدارقطني في العلل (6/ 176/ 1050): "تفرد به يحيى بن أبي بكير عن إسرائيل".
وقال في موضع آخر (13/ 393/ 3286): "والمحفوظ: عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال البيهقي بعد حديث الجماعة عن الأعمش: "وكذلك رواه عامة أصحاب الأعمش عن الأعمش"، ثمَّ قال عن حديث إسرائيل:"تفرد به يحيى بن أبي بكير".
وقال الخطيب: "تفرد برواية هذا الحديث هكذا عن الأعمش: إسرائيل بن يونس، ولا نعلم رواه عن إسرائيل إلا يحيى بن أبي بكير، وخالفه غير واحد: فرووه عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك المحفوظ الصحيح".
• وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على الأعمش، أو على الثوري، أو على شعبة: ما تقدم تحت الحديث رقم (825)، آخره. مسند السراج (325)، الكامل لابن عديّ (2/ 96)، غرائب شعبة لابن المظفر (102)، علل الدارقطني (6/ 177/ 1050).
• ورواه سلمة بن عبد الملك العوصي، عن عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، عن عقبة بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقبل صلاة رجل لا يقيم فيها صلبه للركوع والسجود".
أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 214/ 584)، بإسناد صحيح إلى سلمة به.
وهذا إسناد حسن غريب؛ وسلمة العوصي الحمصي: ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وله حديث واحد عند النسائي أخطأ فيه [الثقات (8/ 268)، تاريخ الإِسلام (14/ 177)، الميزان (2/ 191)، التهذيب (2/ 74)، سنن النسائي (8/ 86)، تحفة الأشراف (3/ 3576 و 3581 و 3588)]، وأخشى أن يكون أخطأ في هذا أيضًا؛ حيث تفرد به على الرؤاسي الكوفي، والله أعلم.
• وله شواهد بلفظه أو بمعناه:
1 -
حديث علي بن شيبان:
يرويه ملازم بن عمرو اليمامي، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي، عن أبيه علي بن شيبان - وكان من الوفد -، قال:[خرجنا حتى قدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، و] صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخَّر عينه إلى رجلٍ لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما قضى [نبي الله صلى الله عليه وسلم] صلاته قال:"يا معشر المسلمين! [إنه] لا صلاة لامرئ لا يقيم صلبه في الركوع والسجود".
وفي روايةٍ أن: ملازم بن عمرو الحنفي، قال: حدثني جدي عبد الله بن بدر؛ أن
عبد الرحمن بن علي حدثه؛ أن أباه علي بن شيبان حدثه؛ أنَّه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره [عند: أحمد (4/ 23)، والطحاوي (3901)].
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 260)، وابن ماجه (871)، وابن خزيمة (1/ 300/ 593) و (1/ 333/ 667) و (2/ 42/ 872)، وابن حبَّان (5/ 217/ 1891)، وأحمد (4/ 23)(7/ 3548/ 16555 - ط المكنز)(26/ 224/ 16297 - ط الرسالة)، وابن سعد في الطبقات (5/ 551)، وابن أبي شيبة (1/ 256/ 2957)، ومسدد (2/ 428/ 2035 - إتحاف الخيرة)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 116)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 297/ 1678)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 372/ 1828)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 155/ 1405)[وفي سنده خطأ]، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 394)، وفي المشكل (10/ 46/ 3901)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (61)(2217 - المخلصيات)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1971/ 4950)، والبيهقيُّ (3/ 105)، وابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1089)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 421).
قلت: هذا إسناد يمامي صحيح، تقدم تفصيل القول فيه تحت الحديث رقم (682)، وقد خرجت هناك طرفًا آخر لهذا الحديث.
وهذا هو المحفوظ عن عبد الله بن بدر في هذا الحديث.
• ورواه أبو النضر هاشم بن القاسم، وحجاج بن محمَّد الأعور [والإسناد إليه رواته ثقات؛ غير عثمان بن عبد الله بن أبي جميل أبي سعيد القرشي، الراوي عن حجاج، ترجم له ابن عساكر في التاريخ (38/ 420) برواية رجلين عنه، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، لكن يبدو أنَّه تُروى عنه نسخة عن الحجاج، والله أعلم]:
حدثنا أيوب بن عتبة: حدثنا عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينظر الله عز وجل إلى رجلٍ [وفي رواية حجاج: إلى صلاة عبدٍ] لا يقيمُ صلبَه بين ركوعه وسجوده".
أخرجه أحمد (4/ 22)، (7/ 3546/ 16541 - ط المكنز) و (11/ 5753/ 24499 - ط المكنز)، (26/ 212/ 16284 - ط الرسالة)، وابن سعد في الطبقات (5/ 551)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 421).
• وخالفهما: يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أيوب بن عتبة: حدثنا عبد الله بن بدر، قال: حدثني عبد الله بن علي بن شيبان السحيمي، قال: حدثني أبي: أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول - قال: كان وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه سمعه يقول -: "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده".
أخرجه أحمد (11/ 5754/ 24502 - ط المكنز)(39/ 515 - ط الرسالة).
وهذا خطأ لا شك فيه؛ فإن شيخ عبد الله بن بدر في هذا الحديث إنما هو
عبد الرحمن بن علي بن شيبان، ولا أظن أيوب بن عتبة يخطئ في مثل ذلك؛ فإنَّه بلديه، فالله أعلم ممن الخطأ فيه!؟
وأيوب بن عتبة: حديث أهل اليمامة عنه مستقيم، وفي حديث أهل العراق عنه ضعف [التهذيب (1/ 206)، إكمال مغلطاي (2/ 338)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1212)، الحديث المتقدم برقم (293)]، وهذا الحديث وإن كان رواه عنه أهل العراق [أبو النضر هاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون، وحجاج بن محمَّد، وهم: ثقات أثبات]، إلا أنَّه قد توبع على إسناده، مما يعني: أنَّه حفظه وأقامه، ثمَّ هو قد وهِم بعد ذلك في متنه وخالف فيه من هو أوثق منه، وعليه: فالمحفوظ فيه قول ملازم.
• ورواه عبد الوارث بن سعيد [ثقة ثبت]، قال: حدثنا أبو عبد الله الشقري، قال: حدثني عمر بن جابر اليمامي، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينظر إلى رجلٍ لا يقيمُ صلبَه في ركوعه وبين سجوده".
أخرجه أحمد (11/ 5754/ 24501 - ط المكنز)(39/ 517 - ط الرسالة)، ومسدد (2/ 375 - 376/ 1925 - إتحاف الخيرة)، وأبو يعلى في مسنده الكبير (2/ 376/ 1926 - إتحاف الخيرة)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 375/ 1831) و (4/ 476/ 1936)، والخطيب في تالي تلخيص المتشابه (1/ 164).
• واختلف فيه على عبد الوارث بن سعيد:
أ - فرواه عبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، ومسدد بن مسرهد [ثقة حافظ][كذا في مسنده من الإتحاف، وعامة من رواه عنه بدون زيادة: عن أبيه؛ إلا رواية معاذ بن المثنى عنه عند الخطيب، ففيها: يعني عن أبيه، وأخاف أن تكون ممن دونه من رواة الحديث]:
عن عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا أبو عبد الله الشقري، قال: حدثني عمر بن جابر اليمامي، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.
ب - ورواه مسدد بن مسرهد، وعمران بن ميسرة، وشيبان بن فروخ، وعثمان بن سعيد المري، وإسحاق بن أبي إسرائيل [وهم ثقات في الجملة]:
عن عبد الوارث، عن أبي عبد الله الشقري، قال: حدثني عمر بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينظر إلى رجلٍ لا يقيمُ صلبَه في ركوعه وبين سجوده".
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 145 و 261)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 374/ 1830) و (4/ 475/ 1935)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 147)، وابن عديّ في الكامل (3/ 337)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1856/ 4676).
قال البخاري: "والأول أصح"؛ يعني: حديث ملازم.
وقال البغوي: "هكذا قال شيبان في هذا الحديث: عن عبد الرحمن بن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوهم فيه، وإنما رواه عبد الرحمن بن علي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال في الموضع الثاني: "نقص من إسناده رجلًا".
وقال أبو نعيم: "تفرد به عبد الوارث بن سعيد، وأبو عبد الله الشقري اسمه: سلمة بن تمام، وصحيحه: ما رواه عكرمة بن عمار عن عبد الله بن بدر عن طلق".
• قلت: بل صحيحه ما رواه ملازم بن عمرو، فقد اضطرب فيه عكرمة، والأقرب عندي رواية عبد الصمد عن أبيه؛ فإن أهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء؛ إلا أن عمر بن جابر اليمامي قد اختلف عليه في إسناده:
أ - فرواه أبو عبد الله الشقري [سلمة بن تمام: صدوق. التهذيب (2/ 71)، طبقات ابن سعد (7/ 252)، تاريخ الدوري (4/ 124/ 3498)، سؤالات ابن أبي شيبة (57)]، قال: حدثني عمر بن جابر اليمامي، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي، [زاد عبد الصمد في روايته عن أبيه عبد الوارث: عن أبيه]، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.
ب - ورواه كهمس بن الحسن التميمي [ثقة]، عن عمر بن جابر يرفعه، قال:"لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم فيها صلبه". هكذا مرسلًا.
أخرجه ابن حبَّان في الثقات (5/ 147)، بإسناد حسن إلى: معتمر بن سليمان، قال: ثنا كهمس به.
ج - ورواه إياس بن دغفل [الحارثي البصري: ثقة]، عن عمر بن جابر الحنفي، عن رجل من قومه يقال له: عبد الرحمن بن زيد؛ أنَّه حدثه أن رجلًا من قومه؛ أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الله إلى عبد لا يقيم صلبه في الركوع والسجود".
أخرجه ابن بطة في الإبانة (3/ 121/ 91)، بإسناد صحيح إلى إياس به.
والذي يظهر لي - والله أعلم - أن عمر بن جابر اليمامي قد اضطرب في إسناد هذا الحديث، ولم يضبطه، وعمر هذا قد ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال أحمد:"عزيز الحديث"، ولم يجرحه بشيء، وقال البخاري في إسناد حديث هو فيه:"في إسناده نظر"، ولا أظنه عناه بذلك، ففي الإسناد من تُكُلِّم فيه، ومن يُجهل حاله، وقد سكت عنه ابن أبي
حاتم في الجرح والتعديل، وقال ابن القطان:"لا تُعرف حاله"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 109/ 4440)، الأدب المفرد (1192)، التاريخ الكبير (6/ 259)، الجرح والتعديل (6/ 101)، الثقات (8/ 438)، بيان الوهم (4/ 618/ 2173)، التهذيب (3/ 217)]، فمثل هذا إذا اختلف عليه الثقات دلّ على سوء حفظه وعدم ضبطه، إذ لم يحفظ إسناده ولا متنه، والله أعلم.
ويمكن أن يقال بأنّه روى إسناده مرة على الجادة فأصاب حين حدَّث به سلمة بن تمام، والله أعلم.
• وهذا الحديث رواه عن عبد الله بن بدر أيضًا:
عكرمة بن عمار، إلا أنَّه قد اضطرب في إسناده، وعكرمة: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب كثير، وقد قال عنه الإمام أحمد مرة:"مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمة"[التهذيب (3/ 133)][وتقدمت له أحاديث وقع منه الاضطراب أو الوهم فيها، انظر مثلًا ما تقدم برقم (15 و 97)، وتحت الحديث رقم (821)].
• فقد رواه عبيد بن عَقيل الهلالي، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، والنضر بن محمَّد بن موسى الجرشي اليمامي، وبعض الضعفاء:
عن عكرمة بن عمار، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي، عن طلق بن علي، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم ظهره في ركوعه وسجوده".
أخرجه ابن قانع في المعجم (2/ 40)، والطبراني في الكبير (8/ 338/ 8261)، وابن المقرئ في الثالث عشر من فوائده (52)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 423/ 1915)، والضياء في المختارة (8/ 167/ 183).
• ورواه وكيع بن الجراح، عن عكرمة بن عمار، عن عبد الله بن بدر، عن طلق بن علي الحنفي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه من خشوعها وسجودها". وفي رواية أحمد: عن عبد الله بن زيد، أو: بدر، أنا أشك.
أخرجه أحمد (4/ 22)(7/ 3546/ 16540 - ط المكنز)، ومسدد (2/ 376/ 1927 - إتحاف الخيرة)، والضياء في المختارة (8/ 166/ 182).
• ورواه معاوية بن سلام بن أبي سلام، ويحيى بن أبي كثير:
عن عكرمة [قال أبو حاتم: أُرى أنَّه عكرمة بن عمار]، عن طلحة السحيمي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده".
ذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 155/ 436)، وابن الأثير في أسد الغابة (3/ 82)، وابن حجر في الإصابة (3/ 555)، وقال بأن طلحة السحيمي صوابه: طلق.
هكذا اختلف الثقات على عكرمة في إسناد هذا الحديث، مما يدلّ على اضطرابه فيه، وأنه لم يكن يضبطه، وقد وهِم في جعله من مسند طلق بن علي، وإنما هو من مسند علي بن شيبان، كما أنَّه وهم في لفظه أيضًا.
وقد ضبط إسناده ومتنه: ملازم بن عمرو، وتابعه على إسناده: أيوب بن عتبة، وملازم قدمه غير واحد على عكرمة، قدمه عليه يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل في رواية أبي داود عنه، قال أحمد:"كان يحيى بن سعيد القطان يختار ملازم بن عمرو على عكرمة بن عمار، يقول: هو أثبت حديثًا منه"، وقال أحمد:"ملازم: ثقة، عكرمة بن عمار: مضطرب عن غير إياس بن سلمة، وكأن حديثه عن إياس بن سلمة صالح"، وقال
أبو داود عن عكرمة بن عمار: "كان أحمد بن حنبل يقدِّم عليه ملازمَ بن عمرو"[انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 153/ 61) و (1/ 379/ 733)، سؤالات الآجري (361)، ضعفاء العقيلي (3/ 378)، الجرح والتعديل (8/ 435)، تاريخ بغداد (12/ 260)، التهذيب (3/ 133)]، وانظر أيضًا: الإصابة (5/ 240)، والله أعلم.
• وثمة وهمٌ فاحش وقع في إسناد هذا الحديث:
فقد رواه عامر بن يساف: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن بدر الحنفي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده".
أخرجه أحمد (2/ 525).
قلت: هذا حديث منكر؛ ولا يعرف هذا عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، وعامر بن يساف، ويقال: عامر بن عبد الله بن يساف: مشاه جماعة، ووثقه بعضهم، وتسمحوا فيه، وقال فيه ابن عديّ:"منكر الحديث عن الثقات"، ثمَّ ذكر له شيئًا من مناكيره، ثمَّ قال:"وهذه الأحاديث التي أمليتها لعامر بن يساف عن سعيد، وعن يحيى بن أبي كثير، وعن النضر بن عبيد: غير محفوظة، وإنما يرويها عامر بن يساف، ولعامر غير ما ذكرت من الأحاديث التي ينفرد بها، ومع ضعفه يكتب حديثه"[اللسان (4/ 378)، الجرح والتعديل (6/ 329)، الكامل (5/ 85)، علل الدارقطني (12/ 217 و 224)، التعجيل (510)].
2 -
حديث حذيفة:
يرويه أبو معاوية، وشعبة، وسفيان الثوري، وعيسى بن يونس، وعبد الرحمن بن محمَّد المحاربي، وداود بن نصير الطائي، ومعمر بن راشد، وغيرهم:
عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: دخل حذيفة المسجد، فإذا رجل يصلي مما يلي أبواب كندة، فجعل لا يتم الركوع ولا السجود [وفي رواية: رأى حذيفة رجلًا يصلي لا يقيم صلبه في الركوع والسجود]، فلما انصرف قال له حذيفة: منذ كم هذه صلاتك؟ قال: منذ أربعين سنة، قال: فقال له حذيفة: [لا والله] ما صليتَ منذ أربعين سنة، ولو متَّ وهذه صلاتك لَمُتَّ على غير الفطرة التي فُطِر عليها محمَّد عليه الصلاة والسلام، قال: ثمَّ أقبل عليه يعلمه، فقال: إن الرجل ليخفف في صلاته، وإنه ليتمُّ الركوع والسجود.
أخرجه البخاري (791) مختصرًا، وابن حبَّان (5/ 219/ 1894)، وأحمد (5/ 384)، وعبد الرزاق (2/ 368/ 3732 و 3733)، وابن أبي شيبة (1/ 258/ 2966)، والبزار (7/ 242/ 2819)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (940)، وأبو بكر الخلال في السُّنَّة (4/ 148/ 1389)، والمحاملي في الأمالي (299)، وابن البختري في الحادي عشر من حديثه (68)(564 - مجموع مصنفاته)، والطبراني في الأوسط (2/ 201/ 1718)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 386)، وفي الشعب (3/ 138/ 3129)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 97/ 616)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 424/ 1918).
• ورواه مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن زيد بن وهب، عن حذيفة؛ أنَّه رأى رجلًا يصلي فطفَّف [وفي رواية المروزي ورواية لأبي نعيم: قد خفف في الصلاة]، فقال له حذيفة: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين عامًا، قال: ما صليتَ منذ أربعين سنة، ولو متَّ وأنت تصلي هذه الصلاة لَمُتَّ على غير فطرة محمَّد صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 58/ 1312)، وفي الكبرى (1/ 315/ 611) و (2/ 85/ 12346)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (941)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 174) و (5/ 24).
قال أبو نعيم: "غريب من حديث طلحة عن زيد، لا يعرف إلا من حديث مالك عنه، ورواه عن مالك يحيى بن سعيد الأموي وخالد بن عبد الرحمن المخزومي ومحمد بن سابق وغيرهم".
قلت: قد رواه عن زيد بن وهب جماعة أحفظهم الأعمش، ولو تفرد به عنه لما ضره ذلك، ومالك بن مغول: كوفي، ثقة ثبت، اتفقوا على توثيقه، ولا يُعرف أن أحدًا تكلم في حفظه بشيء، فلا يضره تفرده عن طلحة به، والله أعلم.
وله طريق أخرى عن زيد بن وهب به عند: ابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (465).
وانظر فيمن وهم في رفعه: أمالي ابن بشران (1055).
• ورواه مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة؛ رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته قال له حذيفة: ما صليتَ، قال: وأحسبه قال: لو متَّ متَّ على غير سُنَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: عن حذيفة؛ أنَّه مرَّ على رجل يصلي لا يتم ركوعًا ولا سجودًا، فقال له: مذ كم تصلي هذه الصلاة؟ فقال: منذ أربعين سنة، أو قال: منذ كذا وكذا، قال: ما صليتَ لله صلاة منذ كذا وكذا، قال مهدي: وأحسبه قال له: لو مت لمت على غير سُنَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري (389 و 808)، وأحمد (5/ 396)، وأبو بكر الخلال في السُّنَّة (5/ 20/ 1503)، وابن بطة في الإبانة (2/ 681/ 892)، والبيهقيُّ (2/ 117)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 6) و (23/ 412).
وانظر فيمن خالف في إسناده: تعظيم قدر الصلاة (942)، السابع من فوائد المخلص (218)(1549 - المخلصيات).
3 -
حديث ابن عمر:
يرويه الزهري، قال: حدثني حرملة مولى أسامة بن زيد؛ أنَّه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر دخل الحجاج بن أيمن بن أم أيمن، وهو رجل من الأنصار، وكان أيمن
أخًا لأسامة بن زيد، وكان أكبر من أسامة، قال حرملة: فصلى الحجاج صلاةً؛ لم يتم ركوعه ولا سجوده، فدعاه ابن عمر حين سلم: أي ابن أخي أتحسب أنك قد صليت؟ إنك لم تصل؛ فعُد لصلاتك، فلما ولى الحجاج، قال لي عبد الله بن عمر: من هذا؟ قلت: الحجاج بن أيمن بن أم أيمن، فقال ابن عمر: لو رأى هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأَحبَّه، فذكر حُبَّه ما ولدت أمُّ أيمن، وكانت حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري (3736 و 3737)، وابن المبارك في الزهد (1381)، وابن سعد في الطبقات (8/ 225)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 220)، واللفظ له، وأبو زرعة الدمشقي في التاريخ (1/ 614/ 1750)، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف (55)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 327/ 451) و (6/ 35/ 3217)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 123/ 2896)، وفي الكبير (25/ 90/ 231)، والبيهقيُّ (2/ 386).
وهذا الموقوف عن ابن عمر له حكم الرفع؛ إذ إنه لا يأمره بالإعادة إلا وعنده علم من النبي صلى الله عليه وسلم ببطلان صلاة لم يتم ركوعه وسجوده.
• وقد جاء نحو ذلك عن جمع من الصحابة، مما له حكم الرفع، ومن ذلك مثلًا:
ما رواه عبدة بن سليمان، عن محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: إن الرجل ليصلي ستين سنةً ما تُقْبَلُ له صلاةٌ، لعله يُتِمُّ الركوع ولا يُتِمُّ السجود، وَيُتِمُّ السجود ولا يُتِمُّ الركوع.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 257/ 2963).
وهذا موقوف بإسناد جيد؛ وله حكم الرفع؛ إذ مثله لا يقال من قبَل الرأي والاجتهاد، والله أعلم.
وانظر فيمن وهم في رفعه عند: ابن عديّ في الكامل (7/ 256)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 426/ 1922).
قال ابن عديّ عن المرفوع: "وهذا الحديث بهذا الإسناد والمتن غير محفوظ".
4 -
حديث خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة:
يرويه شيبة بن الأحنف، عن أبي سلام، عن أبي صالح الأشعري، عن أبي عبد الله الأشعري؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمَّد صلى الله عليه وسلم"، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده: مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئًا".
قال أبو صالح: فقلت لأبي عبد الله: من حدثك بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أمراء الأجناد: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنهم؛ أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (97)، وهو حديث حسن.
5 -
حديث أنس:
يرويه سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهشام الدستوائي، وهمام:
عن قتادة، عن أنس: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا [وفي رواية: أقيموا] الركوع والسجود؛ فوالله! إني لأراكم من بعد ظهري إذا ما ركعتم، وإذا ما سجدتم".
أخرجه البخاري (742 و 6644)، ومسلم (425)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (624).
6 -
حديث أبي قتادة:
يرويه أبو جعفر السويدي محمَّد بن النوشجان، والحكم بن موسى:
عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسوأُ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته"، قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها"، أو قال:"لا يقيم صلبه في الركوع والسجود".
أخرجه الدارمي (1/ 350/ 1328)، وابن خزيمة (1/ 331/ 663)، والحاكم (1/ 229)، وأحمد (5/ 310)، وأبو يعلى في المعجم (150)، وفي المسند الكبير (2/ 378/ 1933 - إتحاف الخيرة)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 37/ 431)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 174/ 1452)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 170/ 487)، والطبراني في الأوسط (8/ 130/ 8179)، وفي الكبير (3/ 242/ 3283)، والدارقطني في العلل (8/ 15/ 1379)، وفي الأفراد (2/ 242/ 4926 - أطرافه)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 751/ 2003)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 385)، وفي الشعب (3/ 135/ 3117)، والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 227)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه على شيخه أبي الحسين الطيوري "الطيوريات"(426)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/ 53).
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "وهذا التردد في اللفظ ظاهره أن المعنى المقصود من اللفظين واحد، وإنما شك في اللفظ كما في نظائر ذلك"[مجموع الفتاوى (22/ 536)].
قال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم حدث بهذا الحديث عن الأوزاعي بهذا الإسناد غير الوليد بن مسلم".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا الوليد، ولا رواه عن الوليد إلا الحكم بن موسى، وسليمان بن أحمد الواسطي".
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: "قدم علي بن المديني بغداد، فحدثه الحكم بن موسى بحديث أبي قتادة: "أن أسوأ الناس سرقة"، فقال له علي: لو غيرك حدث به كنا نصنع به؛ أي: لأنك ثقة، ولا يرويه غير الحكم"[تاريخ بغداد].
هكذا أنكره ابن المديني على الحكم بن موسى، وحكم بتفرده الدارمي، وقد توبع عليه، كما تقدم.
وقال الدارقطني: "غريب من حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله عن أبيه، وغريب من حديث الأوزاعي عنه، تفرد به: الحكم بن موسى عن الوليد بن مسلم".
وممن قال أيضًا بتفرد الحكم به عن الوليد: أبو حاتم الرازي، وقد أثبت متابعة أبي جعفر السويدي له جماعة؛ منهم: أبو زرعة الرازي، والخطيب، وابن عساكر.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما لم يخرجاه لخلاف فيه بين كاتب الأوزاعي والوليد بن مسلم".
• خالف الوليد بن مسلم في إسناده:
عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، فرواه عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.
أخرجه أبو أمية الطرسوسي في مسنده (12 - جزء منه)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 170/ 487)، وابن حبَّان (5/ 209/ 1888)، والحاكم (1/ 229)، والطبراني في الأوسط (5/ 59/ 4665)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 386)، وفي الشعب (3/ 135/ 3116)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 410)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (15/ 54) و (21/ 173).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة إلا ابن أبي العشرين".
وقال ابن أبي حاتم: "قلت لأبي: فأيهما أشبه عندك؟ قال: جميعًا منكرين، ليس لواحد منهما معنى، قلت: لم؟ قال: لأنَّ حديث ابن أبي العشرين لم يرو أحد سواه، وكان الوليد صنف كتاب الصلاة وليس فيه هذا الحديث".
وقال الدارقطني في العلل (6/ 141/ 1033): "تفرد به: الحكم بن موسى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.
وخالفه: هشام بن عمار، فرواه عن ابن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
ويشبه أن يكون حديث أبي هريرة أثبت، والله أعلم".
وقال الحاكم: "كلا الإسنادين صحيحان".
قلت: قول أبي حاتم أقرب إلى الصواب؛ وكلا الإسنادين ليس له معنى، ولا يثبت من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير:
أما حديث الوليد بن مسلم، فإنَّه رواه عنه ثلاثة من الغرباء؛ الحكم بن موسى البغدادي أبو صالح القنطري، وهو صدوق، وله أوهام كثيرة وإفرادات، وله رواية عن أهل الشام، لكنه ليس من أصحاب الوليد [انظر: التهذيب (1/ 470)، تاريخ بغداد (8/ 227)، علل الحديث (1325 و 2143 و 2542 و 2745 و 2775)، الكامل (3/ 275)، علل الدارقطني (11/ 308/ 2301) و (12/ 440/ 2875)].
وأبو جعفر السويدي محمَّد بن النُّوشَجان البغدادي، قال ابن معين:"صاحب لنا"، وقال البخاري:"وإنما قيل: السويدي؛ لأنه رحل إلى سويد بن عبد العزيز"، وقال أبو حاتم:"لا أعرفه"، وقال الآجري عن أبي داود:"ثقة، حدثنا عنه أحمد، كان صاحب شكوك في الحديث، رجع الناس من عند عبد الرزاق بثلاثين ألفًا، ورجع بأربعة آلاف"، لذا قال السمعاني في الأنساب:"وكان صدوقًا ثقةً، محتاطًا في الأخذ"، وقال الذهبي:"ومات قبل أوان الرواية، روى عنه أقرانه"[تاريخ ابن معين للدوري (3/ 71/ 273)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 605/ 3880)، التاريخ الكبير (1/ 253)، الجرح والتعديل (8/ 110)، الثقات (9/ 92)، تاريخ بغداد (3/ 326)، الأنساب (3/ 339)، تاريخ الإِسلام (15/ 396)، التعجيل (979)، اللسان (7/ 554)].
وسليمان بن أحمد الواسطي، صاحب الوليد بن مسلم: متروك، كذبه جماعة [اللسان (4/ 123)].
هكذا انفرد الغرباء برواية هذا الحديث عن الوليد بن مسلم، ولم يعرفه أهل بلده، ثمَّ هو بعد ذلك لم يكن في كتاب الوليد بن مسلم الذي صنفه في الصلاة، ولذا حكم عليه أبو حاتم بالنكارة من هذا الطريق، وكذلك أنكره ابن المديني، ولم يره الدارقطني محفوظًا.
وأما ابن أبي العشرين فإنَّه: صدوق، لينه جماعة، وكان يخالف في حديثه، ويخطئ في حديث الأوزاعي، قال أبو حاتم:"كان كاتب ديوان، ولم يكن صاحب حديث"[التهذيب (2/ 474)، التقريب (564)]، لذا فلم يقنع به أبو حاتم أن ينفرد بهذا الحديث عن الأوزاعي، ورآه منكرًا؛ حيث تفرد به عن الأوزاعي، ولم يتابعه عليه أحد من أصحاب الأوزاعي على كثرتهم، والله أعلم.
ولهذا: فإن حديث الأوزاعي من هذين الطريقين لا يصلح في الشواهد، والله أعلم.
• وقد روي حديث أبي قتادة هذا أيضًا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل، ومن مرسل النعمان بن مرة والحسن البصري:
أ - أما حديث أبي سعيد الخدري:
فيرويه حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته"، قالوا: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها".
أخرجه أحمد (3/ 56)، والطيالسي (3/ 669/ 2333)، وابن أبي شيبة (1/ 257/ 2960)، وعبد بن حميد (990)، والبزار (536 - كشف)، وأبو يعلى (2/ 481/ 1311)، وابن عديّ في الكامل (5/ 199)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 302)، والبيهقيُّ في الشعب (3/ 136/ 3118)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 409 - 410).
قال أبو نعيم: "تفرد به علي بن زيد -وهو: ابن جدعان-، عن سعيد، وعنه: حماد".
قلت: علي بن زيد بن جدعان: أحد علماء التابعين، ضعيف؛ وكان كثير الحديث واسع الرواية، فلم يوصف بأنّه منكر الحديث، ولا حكموا على مجمل حديثه بالنكارة، وإنما وقعت المناكير في بعض حديثه، ولم يُترك، بل لينه كثير من النقاد بقولهم:"ليس بالقوي"، وهي أخف مراتب الجرح، بل هذا قريب من قول أحد المتشددين فيه، وهو أبو حاتم الرازي حيث قال عنه:"ليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إليَّ من يزيد بن أبي زياد، وكان ضريرًا، وكان يتشيع"، وقال الترمذي:"وعلي بن زيد: صدوق؛ إلا أنَّه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره"، كذلك فلم يمتنع ابن مهدي من الرواية عنه، وقد روى عنه شعبة والسفيانان والحمادان والكبار، وأما ابن حبَّان فهو مع تعنته في الجرح ومبالغته في الحطِّ على من له جرحة؛ فإنَّه لم يزد على أن ختم كلامه فيه بقوله:"فاستحق ترك الاحتجاج به"؛ يعني: إذا تفرد، وروى له مسلم مقرونًا بثابت البناني في موضع واحد، وقد صحح له الترمذي جملة من حديثه مما توبع عليه، وقال الذهبي:"وكان من أوعية العلم، على تشيُّعٍ قليل فيه، وسوءُ حفظه يغُضُّه من درجة الإتقان"، وقال أيضًا:"صالح الحديث"[صحيح مسلم (1789)، جامع الترمذي (109 و 545 و 1146 و 3330 و 2678 و 3148 و 3168 و 3615 و 3902)، الجرح والتعديل (6/ 186)، المجروحين (2/ 103)، الكامل (5/ 195)، الميزان (3/ 127)، السير (5/ 206)، تذكرة الحفاظ (1/ 140)، تاريخ الإِسلام (8/ 498)، المغني (2/ 447)، التهذيب (3/ 162)].
وحماد بن سلمة: أثبت الناس في ثابت وعلي بن زيد [علل ابن أبي حاتم (1211 و 1212 و 2004)].
وعلى هذا فإن حديثه هذا يحتمل التحسين إذا وجدنا ما بشهد له، مثل مرسل النعمان بن مرة، ومرسل الحسن البصري، والله أعلم.
ب - وأما حديث أبي هريرة:
فيرويه كلثوم بن محمَّد بن أبي سدرة: ثنا عطاء الخراساني، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن شر الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته" قيل: يا رسول الله! وكيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها".
أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (1/ 374/ 391)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 307/ 2347).
وهو إسناد ضعيف جدًّا، وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد مفصلًا تحت الحديث رقم (672).
وله طريق أخرى عن أبي هريرة [عند: ابن منيع في مسنده (2/ 378/ 1932 - إتحاف الخيرة)، والبيهقيُّ في الشعب (3/ 135/ 3115)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 424/ 1916)][وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه: يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب: متروك، منكر الحديث، وأبوه: لا يعرف. انظر: التهذيب (4/ 375)].
وله إسناد ثالث؛ لكنه موضوع [عند: أبي نعيم في المنتخب من حديث يونس بن عبيد (69)].
والحاصل: فإن طرق حديث أبي هريرة كلها واهية، لا يعضد بعضها بعضًا، ولا تصلح في الشواهد.
ج - وأما حديث عبد الله بن مغفل:
فيرويه زيد بن الحريش: حدثنا عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف [الأعرابي]، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرق الناس من يسرق صلاته"، قيل: يا رسول الله! وكيف يسرق صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها، وأبخل الناس من بخل بالسلام".
أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 355/ 3392)، وفي الصغير (335)، وفي الدعاء (61)، وأبو أحمد العسكري في تصحيفات المحدثين (2/ 902).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الله إلا الحسن، ولا عن الحسن إلا عوف، ولا عن عوف إلا عثمان، تفرد به: زيد".
وهو حديث منكر؛ تفرد به زيد بن الحريش الأهوازي نزيل البصرة، وفيه جهالة، ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"، وقال ابن القطان الفاسي:"مجهول الحال"، وفي تفرده بهذا الإسناد البصري المشهور نكارة، ولا يصلح حديثه هذا في الشواهد [الجرح والتعديل (3/ 561)، الثقات (8/ 251)، بيان الوهم (3/ 383)، تاريخ الإِسلام (18/ 278)، ذيل الميزان (398)، اللسان (3/ 550)، مجمع الزوائد (10/ 281)].
والمعروف في هذا عن الحسن البصري: مرسل، كما رواه عنه أثبت أصحابه: يونس بن عبيد، كما سيأتي ذكره.
د - وأما مرسل النعمان بن مرة:
فقد رواه مالك، وابن عيينة:
عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن النعمان بن مرة [الزُّرَقي]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما ترَوْنَ في الشارب والسارق والزاني؟ "، وذلك قبل أن يُنزل فيهم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"هُنَّ فواحشُ، وفيهنَّ عقوبةٌ، وأسوأ السرقةِ الذي يسرق صلاته"، قالوا: وكيف يسرق صلاته، يا رسول الله؟ قال:"لا يتم ركوعها ولا سجودها".
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 237/ 462)، وعنه: الشافعي في اختلاف الحديث (10/ 202/ 236 - الأم)، وفي المسند (163)، وعبد الرزاق (2/ 371/ 3740)، والبيهقيُّ في السنن (8/ 209)، وفي المعرفة (6/ 319/ 5041)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (765).
وهذا مرسل بإسناده صحيح.
قال ابن عبد البر في التمهيد (23/ 409): "لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال
هذا الحديث عن النعمان بن مرة، وهو حديث صحيح يستند من وجوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد".
قلت: نعم؛ هو يتقوى بحديث أبي سعيد، دون حديث أبي هريرة، لما سبق بيانه.
هـ - وأما مرسل الحسن البصري:
فقد رواه هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره بمثل حديث أبي سعيد.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 258/ 2967).
وهذا مرسل بإسناد صحيح، يونس هو: ابن عبيد: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الحسن، وهشيم بن بشير: ثقة ثبت.
• والحاصل: فإن حديث: "إن أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته": حديث حسن إن شاء الله تعالى، بمجموع شواهده من حديث أبي سعيد، ومرسل النعمان بن مرة، ومرسل الحسن البصري، وقد صححه ابن عبد البر، والله أعلم.
• وفي الباب أيضًا، ولا يصح منه شيء:
• عن علي بن أبي طالب [عند: أبي يعلى (1/ 267/ 315)، [وفي سنده: موسى بن عبيدة الربذي، وهو: ضعيف][وهو حديث منكر، بالزيادة موضع الشاهد، وأصله في مسلم (480) بدونها، ويأتي عند أبي داود برقم (4044 - 4046)].
• وعن أنس بن مالك [تقدم تحت الحديث رقم (845)، ولا يصح، وانظر طرقه في: تخريج الذكر والدعاء (1/ 120 - 127/ 63)، وأغلبها مناكير، لا يقوي بعضها بعضًا].
وله فيه حديث آخر [عند: الطبراني في الأوسط (5/ 129/ 4863) و (7/ 331/ 7645)، وفي الصغير (712)، والضياء في المختارة (6/ 131/ 2131) [وفي إسناده: الربيع بن أنس البصري: ليس به بأس، ويتقى من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر الرازي عنه، والراوي عنه هنا هو أبو جعفر الرازي، وليس بالقوي، وفي الإسناد إليه من يُجهل حاله].
• وعن جابر بن عبد الله [عند: ابن حبَّان في المجروحين (1/ 141)، وقال بأنّه حديث باطل].
• وعن أبي هريرة [عند: الطبراني في الأوسط (5/ 359/ 5550)، وفي الصغير (1060)][وإسناده واهٍ بمرة، فيه عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي: أخباري علامة؛ لكنه واهٍ، ذاهب الحديث، وكان يسرق الحديث. اللسان (4/ 499)، وفي الإسناد أيضًا من يُجهل حاله].
• وعن عبادة بن الصامت [عند: الطيالسي (1/ 479/ 586)، والبزار (7/ 140/ 2691) و (7/ 151/ 2708)، والعقيلي (1/ 121)، والشاشي (3/ 202 و 203/ 1290
و 1291)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (42)، والبيهقيُّ في الشعب (3/ 144/ 3140)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 422/ 1912)] [وأحد ألفاظه وفيه موضع الشاهد:"إذا أحسن الرجلُ الصلاةَ فأتم ركوعها وسجودها، قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني، فترفع، وإذا أساء الصلاة فلم يتم ركوعها وسجودها؛ قالت الصلاة: ضيَّعك الله كما ضيَّعتني، فتُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوب الخلق فيُضرب بها وجهه"، وفي إسناده: الأحوص بن حكيم، وهو: ضعيف، وخالد بن معدان، قال أبو حاتم:"لم يصح سماعه من عبادة بن الصامت"، المراسيل (52)، تحفة التحصيل (93)، قال العقيلي:"فلا يتابع أحوص عليه، ولا يعرف إلا به"] [وقد تابعه عليه أحد المتهمين بالكذب، حفص بن عمر الإمام الرازي، فرواه عن ثور بن يزيد عن خالد به. أخرجه من طريقه: الطبراني في مسند الشاميين (1/ 239/ 427)].
[وروي نحوه أيضًا من حديث أنس][عند: الطبراني في الأوسط (3/ 263/ 3095)][وفي إسناده: عباد بن كثير البصري، وهو: متروك، قال أحمد: "روى أحاديث كذب"].
• وفي الباب أحاديث وآثار أخرى عن جمع من الصحابة ممن قال ببطلان صلاة من لم يتم الركوع والسجود، أو عدم قبولها، أو ورد عنهم الأمر بإعادتها، وقد اكتفينا بما ذُكر للدلالة به على ما لم يُذكر، وقد سبق بعضه فيما تقدم في الباب السابق فيما جاء في الإطالة في الرفع من الركوع وبين السجدتين، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 256 - 259)، وفتح الباري لابن رجب (2/ 354)، ومجمع الزوائد (2/ 120 - 122)، وغيرهما، والله أعلم.
• قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم، يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لم يقم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجزيء صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود"".
وانظر في هذا: مسائل إسحاق الكوسج (184).
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: "وهذه المسألة وإن لم تكن هي مسألة الطمأنينة؛ فهي تناسبها وتلازمها، وذلك أن هذا الحديث نص صريح في وجوب الاعتدال، فإذا وجب الاعتدال لإتمام الركوع والسجود، فالطمأنينة فيهما أوجب؛ وذلك أن قوله: "يقيم ظهره في الركوع والسجود"؛ أي: عند رفعه رأسه منهما، فإن إقامة الظهر تكون من تمام الركوع والسجود؛ لأنه إذا ركع كان الركوع من حين ينحني إلى أن يعود فيعتدل، ويكون السجود من حين الخرور من القيام أو القعود إلى حين يعود فيعتدل، فالخفض والرفع هما طرفا الركوع والسجود، وتمامهما، فلهذا قال: "يقيم صلبه في الركوع والسجود"، ويبين ذلك أن وجوب هذا من الاعتدالين كوجوب إتمام الركوع والسجود"[مجموع الفتاوى (22/ 534)].
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 59): "وإقامة الظهر في الركوع والسجود: هو سكونه من حركته.
وقدر الطمأنينة المفروضة: أدنى سكونٍ بين حركتي الخفض والرفع عند أصحاب الشافعي، وأحد الوجهين لأصحابنا، والثاني لأصحابنا: أنها مقدرة بقدر تسبيحة واحدة، وذهب أبو حنيفة إلى أن الطمأنينة ليست فرضًا في ركوع ولا غيره، لظاهر قوله:{ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]، وللجمهور: أن الأمر بالركوع والسجود مطلقٌ، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّنه بفعله وأمره، فرجع إلى بيانه في ذلك؛ كما رجع إلى بيانه في عدد السجود وعدد الركعات، ونحو ذلك".
***
856 -
قال أبو داود: حدثنا القعنبي: حدثنا أنس يعني: ابن عياض، (ح) وحدثنا ابن المثنى: حدثني يحيى بن سعيد، عن عبيد الله - وهذا لفظ ابن المثنى -: حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليه السلام، وقال:"ارجِع فصلِّ، فإنك لم تُصلِّ"، فرجع الرجل، فصلى كما كان صلى، ثمَّ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعليك السلامُ"، ثمَّ قال:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"، حتى فعل ذلك ثلاث مرارٍ، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق! ما أُحسنُ غيرَ هذا، فعلِّمني.
قال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فكبِّر، ثمَّ اقرأ ما تيسَّر معك من القرآن، ثمَّ اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثمَّ ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ اجلس حتى تطمئنَّ جالسًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلِّها".
قال القعنبي: عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، وقال في آخره:"فإذا فعلت هذا فقد تمَّتْ صلاتُك، وما انتقصتَ من هذا [شيئًا]، فإنما انتقصته من صلاتِك"، وقال فيه:"إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغِ الوضوءَ".
• حديث متفق على صحته.
أخرجه من طريق يحيى بن سعيد القطان:
البخاري في الصحيح (757 و 793 و 6252)، وفي القراءة خلف الإمام (120)، ومسلم (397/ 45)، وأبو عوانة (1/ 433/ 1609)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 20/ 881)، وأبو داود (856)، والترمذي (303)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 179 - 180/ 285)، والنسائيُّ في المجتبى (2/ 124/ 884)، في الكبرى (1/ 460/ 960)، وابن خزيمة (1/ 234 - 235/ 461) و (1/ 299/ 590)، وابن حبَّان في الصحيح (5/ 212/ 1890) [وسقط من سنده: عن أبيه، وهو خطأ، لعله من
النساخ، أو من بندار]، وفي الصلاة (15/ 470/ 19709 - إتحاف المهرة)، وأحمد (2/ 437)، والبزار (15/ 119/ 8419)، وأبو يعلى (11/ 449/ 6577) و (11/ 497/ 6622)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2525)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 233)، وفي المشكل (6/ 22/ 2246)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 22)، والدارقطني في العلل (10/ 361/ 2050)[وفي إسناده الثاني وهم من أحد رواته، وقد يكون من بندار نفسه]، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 130)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 382)، وابن حزم في المحلى (3/ 233 و 256)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 37 و 62 و 88 و 122 و 371)، وفي المعرفة (2/ 202/ 1178)، وفي القراءة خلف الإمام (3)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 86) و (9/ 183)، وإسماعيل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 425/ 1920).
• رواه عن القطان به هكذا: محمَّد بن المثنى، ومحمد بن بشار [وهو المحفوظ عنه، كما رواه عنه: البخاري والترمذي وابن خزيمة وأبو علي الطوسي، وغيرهم]، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومسدد بن مسرهد، وعمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن أبي بكر المقدَّمي، وأحمد بن عبدة، ويحيى بن حكيم، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم العبدي، والعباس بن الوليد النرسي، وعبيد الله بن عمر القواريري، وعبد الله بن هاشم بن حيان، وعمر بن شبة النميري، ومحمد بن خلاد الباهلي [وهم ثقات].
وقال مسدد في آخره [عند البخاري]: "ثمَّ ارفع حتى تطمئنَّ جالسًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلِّها"، فذكر السجدة الثانية.
وعند أبي يعلى (6577) زيادة من طريق العباس بن الوليد النرسي، ولا أظنها محفوظة، فإنَّه لا يُحفظ عن يحيى القطان ذكر الجلسة الثانية [وانظر: الفتح لابن رجب (5/ 141)].
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح.
وقد روى ابن نمير هذا الحديث، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه: عن أبيه، عن أبي هريرة.
ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر: أصح.
وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة، وروى عن أبيه عن أبي هريرة، وأبو سعيد المقبري اسمه: كيسان، وسعيد المقبري يكنى: أبا سعد".
وقال النسائي في الكبرى: "خولف يحيى في هذا الحديث، فقيل: عن سعيد عن أبي هريرة، والحديث صحيح".
وقال ابن خزيمة: "لم يقل أحد ممن روى هذا الخبر عن عبيد الله بن عمر: عن سعيد عن أبيه؛ غير يحيى بن سعيد، إنما قالوا: عن سعيد عن أبي هريرة".
وقال أبو نعيم: "صحيح، متفق عليه من حديث يحيى بن سعيد، ورواه الدراوردي وأبو أسامة في آخرين، عن عبيد الله، عن المقبري، عن أبي هريرة؛ من دون أبيه".
• قلت: قد رواه أنس بن عياض، وعبد الله بن نمير، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وعيسى بن يونس، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [وهم ثقات]، وغيرهم:
قالوا: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ أن رجلًا دخل المسجد فصلى. . . الحديث.
أخرجه البخاري في الصحيح (6251 و 6667)، وفي القراءة خلف الإمام (121 و 122)، ومسلم (397/ 46)، وأبو عوانة (1/ 433/ 1609) و (1/ 434/ 1610)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 20/ 881)، وأبو داود (856)، والترمذي (2692)، وابن ماجه (1060 و 3695)، وابن خزيمة (1/ 232/ 454)، وابن أبي شيبة (1/ 257/ 2959)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2526 - 2528)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (46)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (302)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 15 و 62 و 126 و 372)، وفي المعرفة (2/ 203/ 1179 و 1180)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 3/ 552).
• ولفظ ابن نمير [وعنه ابن أبي شيبة، عند ابن ماجه]: أن رجلًا دخل المسجد فصلى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية من المسجد، فجاء فسلم، فقال:"وعليك، فارجع فصلِّ، فإنك لم تُصلِّ"، فرجع فصلى، ثمَّ جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"وعليك، فارجع فصلِّ، فإنك لم تُصلِّ بعدُ"، قال في الثالثة: فعلمني يا رسول الله! قال: "إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثمَّ استقبل القبلة فكبر، ثمَّ اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثمَّ اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئنَّ قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تستوي قاعدًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلها".
هكذا فلم يذكر السجدة الثانية ولا جلسة الاستراحة.
ولفظ ابن نمير [وعنه إسحاق بن منصور، عند البخاري]: أن رجلًا دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فصلى ثمَّ جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصلِّ"، فرجع فصلى، ثمَّ جاء فسلم، فقال:"وعليك السلام، فارجع فصلِّ، فإنك لم تُصلِّ"، فقال في الثانية، أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله! فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثمَّ استقبل القبلة فكبر، ثمَّ اقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعًا، ثمَّ ارفع حتى تستوي قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلها".
هكذا بذكر السجدة الثانية وجلسة الاستراحة.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 279): "وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظةَ وهمٌ؛ فإنَّه عقَّبه بأن قال: قال أبو أسامة في الأخير: "حتى تستوي قائمًا"، ويمكن أن يحمل - إن كان محفوظًا - على الجلوس للتشهد،. . .".
قلت: هي زيادة غير محفوظة، وقد أعلها البخاري نفسه بذكر رواية أبي أسامة عقبها؛ فإن ادعى مدَّعٍ أن البخاري أتبع ذلك برواية (6252) محمَّد بن بشار عن يحيى به بلفظة:"ثمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا" مقتصرًا عليها، ليدلل بذلك على أن يحيى قد تابع ابن نمير في ذكر الجلوس الثاني؛ فلا يستقيم له ذلك؛ فإن رواية ابن بشار عن يحيى هذه قد رواها البخاري في أول الكتاب (757) تامة من غير اختصار، وموضع الشاهد منها:"ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعًا، ثمَّ ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها"، فلم يذكر فيها السجدة الثانية فضلًا عن جلسة الاستراحة، والله أعلم.
• وأما لفظ أبي أسامة [وعنه إسحاق بن منصور، ويوسف بن موسى، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد، عند البخاري، والسراج، والبيهقيُّ]: أن رجلًا دخل المسجد فصلى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد، فجاء فسلم عليه، فقال له:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"، فرجع فصلى، ثمَّ سلم، فقال:"وعليك، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"، قال في الثالثة: فأعلمني، قال:"إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثمَّ استقبل القبلة فكبر، واقرأ بما تيسر معك من القرآن، ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعًا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائمًا [وفي رواية يوسف بن موسى: حتى تطمئن قائمًا]، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تستوي قائمًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلها".
ورواه عنه ابن أبي شيبة على الشك، فقال:"ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تستوي قائمًا"، أو قال:"قاعدًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلها"[عند ابن أبي شيبة].
ورواه عنه إسحاق بن راهويه، وخالف الجماعة فقال:"ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئن قاعدًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ اقعد حتى تطمئن قاعدًا، ثمَّ افعل كذلك في كل ركعة وسجدة"[عند البيهقي (2/ 126)][وقد نبه البيهقي على وهم هذه اللفظة، وهي القعود بعد الرفع من السجدة الثانية، وأن المحفوظ القيام، وقال في موضع آخر (2/ 372) عن رواية الجماعة عن أبي أسامة: "وتلك زيادة محفوظة في هذا الحديث من أوجهٍ عن أبي أسامة"].
قلت: وكلا الروايتين وهمٌ؛ رواية ابن أبي شيبة، ورواية ابن راهويه، والمحفوظ رواية الجماعة:"ثمَّ ارفع حتى تستوي قائمًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلها".
• ولفظ عبد الأعلى [عند أبي الفضل الزهري]: أن رجلًا دخل المسجد فصلى، ثمَّ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، فقال:"وعليك السلام"، ثمَّ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اذهب فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ"، فانطلق فصلى، ثمَّ رجع فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه، ثمَّ قال:"اذهب فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ"، فانطلق فصلى نحوًا مما صلى، ثمَّ رجع فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه، ثمَّ قال:"اذهب فصلِّ"، فقال: يا رسول الله! ما أعلم غير هذا، فعلمني، قال: "إذا
توضأت فأكمل الوضوء، ثمَّ استقبل القبلة، ثمَّ كبر، ثمَّ اقرأ بما معك من القرآن"، أو: "بما تيسر، ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعًا، ثمَّ ارفع رأسك فقم حتى تعتدل قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ اقعد حتى تطمئن قاعدًا، ثمَّ افعل ذلك في صلاتك كلها".
• قال الترمذي: "هذا حديث حسن، وروى يحيى بن سعيد القطان هذا عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري، فقال: عن أبيه عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه: فسلم عليه، وقال: وعليك.
قال: وحديث يحيى بن سعيد: أصح".
وقال الدارقطني في العلل (10/ 361/ 2050) عن رواية الجماعة: "وهو المحفوظ".
هكذا قال فخالف نفسه حين قال في التتبع (9): "ويحيى حافظ؛ ويشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين، والله أعلم"[وهكذا نقله ابن حجر في هدي الساري (352)].
وقال أبو نعيم: "ولم يقل: سعيد بن أبي سعيد عن أبيه غير يحيى بن سعيد، وقال ابن نمير: عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة".
قلت: من رجح رواية القطان نظر إلى حفظه وضبطه وإتقانه وإمامته، وأنه زاد في الإسناد رجلًا، والزيادة من الحافظ المثبت مقبولة، ومن رجح رواية الجماعة نظر إلى ترجيح رواية الأكثر؛ فإن الوهم عن الجماعة أبعد، وإلى الواحد أقرب.
والأقرب عندي - والله أعلم - أن كلا الروايتين محفوظ، وأن عبيد الله بن عمر حدث به على الوجهين، كما قال الدارقطني في التتبع؛ فإن سعيدًا سمع من أبي هريرة بلا واسطة، وسمع من أبيه عن أبي هريرة، والظاهر في هذا الحديث أنَّه سمعه من أبيه، ومن أبي هريرة، ولا تعارض بينهما؛ لذا اتفق الشيخان على إخراج الروايتين جميعًا.
قال النوويّ في شرح مسلم (4/ 109): "قال الدارقطني: ويحيى حافظ؛ فيعتمد ما رواه، فحصل أن الحديث صحيح لا علة فيه، ولو كان الصحيح ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن".
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 277): "لكل من الروايتين وجهٌ مرجِّحٌ: أما رواية يحيى: فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى: فللكثرة، ولأن سعيدًا لم يوصف بالتدليس، وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثمَّ أخرج الشيخان الطريقين".
• ورواه ابن وهب [ثقة حافظ]: عن عبد الله بن عمر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي يومًا، وهو في المسجد، فلما فرغ الرجل جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"وعليكم السلام"، قال:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"، فرجع فصلى، ثمَّ جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له مثل ما قال، فرجع فصلى مرتين، أو ثلاثًا، ثمَّ قال: يا رسول الله، ما أحسن غير ما ترى، فعلمني كيف أصلي، فقال له: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثمَّ كبر، فإذا استويت قائمًا قرأت بأم القرآن، ثمَّ قرأت بما معك من القرآن، ثمَّ ركعت، حتى تطمئن راكعًا، ثمَّ ترفع رأسك حتى تعتدل قائمًا، وتقول:
سمع الله لمن حمده، ثمَّ تسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ترفع رأسك حتى تطمئن قاعدًا، ثمَّ تفعل مثل ذلك في صلاتك كلها".
أخرجه ابن وهب في الجامع (384)، ومن طريقه: البيهقي في السنن (2/ 373)، وفي القراءة خلف الإمام (5).
• ورواه أبو قرة موسى بن طارق، قال: سمعت عبد الله بن عمر العمري، يذكر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلًا صلى في المسجد ثمَّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسلم عليه فرد عليه السلام، ثمَّ قال:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"، ففعل ذلك ثلاثًا، ثمَّ قال الرجل: والله يا رسول الله! لقد جهدت وحرصت فعلمني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أردت أن تصلي فتوضأ فأحسن وضوءك، ثمَّ كبر، واقرأ بما معك من القرآن، ثمَّ اركع حتى تطمئن راكعًا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تطمئن قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تطمئن جالسًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ افعل ذلك حتى تفرغ من صلاتك كلها".
أخرجه أبو بكر ابن المقرئ في الأربعين (29)، بإسناد صحيح إلى أبي قرة.
قلت: وهذه متابعة جيدة لرواية الجماعة عن عبيد الله بن عمر العمري، فإن أخاه عبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي، ورواية أبي قرة موسى بن طارق عندي: أقرب إلى الصواب، لموافقتها لرواية الجماعة عن عبيد الله، وشذت رواية ابن وهب بذكر أم القرآن، وبذكر التحميد عند الرفع من الركوع، ولا يحفظ ذلك من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة، والله أعلم.
***
857 -
. . . حماد، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه؛ أن رجلًا دخل المسجد، فذكر نحوه، قال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لا تتمُّ صلاةٌ لأحدٍ من الناس حتى يتوضأَ، فيضعَ الوضوءَ -يعني: مواضعَه - ثمَّ يكبرَ، ويحمدَ الله عز وجل، ويثني عليه، ويقرأ بما شاء من القرآن، ثمَّ يقولَ: الله أكبر، ثمَّ يركعَ حتى تطمئنَّ مفاصلُه، ثمَّ يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستويَ قائمًا، ثمَّ يقولَ: الله أكبر، ثمَّ يسجدَ حتى تطمئنَّ مفاصلُه، ثمَّ يقولَ: الله أكبر، ويرفعَ رأسه حتى يستويَ قاعدًا، ثمَّ يقولَ: الله أكبر، ثمَّ يسجدَ حتى تطمئنَّ مفاصلُه، ثمَّ يرفعَ رأسه فيكبرَ، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاتُه".
• حديث شاذ بإسقاط يحيى بن خلاد من الإسناد.
أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 38/ 4526)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 22)[وفي سنده تحريف]، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 626 - 627)، وابن بشران في الأمالي (462).
هكذا رواه موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، وحجاج بن منهال، وإبراهيم بن الحجاج السامي [وهم ثقات، وفيهم أصحاب حماد المكثرون عنه]:
عن حماد بن سلمة به.
وأوله في رواية حجاج [عند الطبراني]: أن رجلًا دخل المسجد ورسول الله جالسٌ، فصلى، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعاد مرتين أو ثلاثًا، فقال: يا رسول الله! ما أَلَوْتُ بعدَ مرتين أو ثلاث أن أُتِمَّ صلاتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه لا تتمُّ صلاةٌ لأحدٍ من الناس حتى يتوضأَ فيضعَ الوضوء مواضعه،. . ." فذكر الحديث بنحوه.
• ورواه عفان بن مسلم [ثقة ثبت، من أصحاب حماد المكثرين عنه]، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه؛ أن رجلًا دخل المسجد،. . . فذكر الحديث، هكذا مرسلًا بذكر أبيه بدل عمه.
أخرجه الحاكم (1/ 242)، بإسناد صحيح إلى عفان به.
ورواه ابن منده في معرفة الصحابة (2/ 626 - 627) بإسناد صحيح إلى عفان بن مسلم، قال: حدثنا همام بن يحيى، وحماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: حدثني علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، أنَّه كان جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث.
هكذا جمع عفان في الإسناد بين همام وحماد، وساق حديثهما سياقة واحدة، وهما متغايران، حيث حمل حديث حماد بن سلمة على حديث همام، فساقه بإسناد همام ومتنه، وأظن الوهم فيه من الراوي عن عفان، وهو جعفر بن محمَّد بن شاكر، وهو ثقة؛ إلا أني وجدت له وهمًا تقدم التنبيه عليه تحت الحديث رقم (777)، والله أعلم.
• ورواه هدبة بن خالد [ثقة، من أصحاب حماد]: نا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله، عن علي بن يحيى بن خلاد - قال القاضي [هو: ابن أبي عاصم] رحمه الله: أراه عن أبيه -، عن عمه؛ أن رجلًا جاء فصلى، ثمَّ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد، فأعاد، ثمَّ أمره أن يعيد، فأعاد،. . . ثمَّ ذكر نحوه.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 34/ 1977).
• والذي يظهر لي من هذا السياق أن زيادة: عن أبيه في إسناد هدبة إنما هي من المصنف القاضي أبي بكر بن أبي عاصم نفسه، شك فيها، وعليه فتكون رواية هدبة متابعة لرواية الجماعة عن حماد بدون ذكر يحيى بن خلاد في الإسناد، وعلى هذا يكون حماد بن سلمة قد روى هذا الحديث:
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه.
وقال مرة [في رواية عفان]: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، مرسلًا.
وتابعه على الوجه الأوّل: محمَّد بن عمرو بن علقمة [وهو صدوق]، فرواه عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه رفاعة بن رافع [كما سيأتي برقم (859)].
وخالفهما: همام بن يحيى [ثقة]، فرواه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة [ثقة حجة]، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع.
وتابعه: داود بن قيس، وابن عجلان، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع [وهم صدوقون]:
رواه خمستهم: عن علي بن يحيى بن خلاد، فقالوا: عن أبيه [يحيى بن خلاد بن رافع]، عن عمه رفاعة بن رافع [ويأتي ذكر هذه الأسانيد تباعًا].
وبهذا يظهر أن حماد بن سلمة قد أخطأ في إسناد هذا الحديث، فأسقط يحيى بن خلاد من الإسناد؛ فلم يُقِم إسناده، ووقع هذا الخطأ أيضًا من محمَّد بن عمرو، وهو خطأ ظاهر جلي، إذ كيف يقال بأن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع يروي هذا الحديث عن عمه رفاعة بن رافع، وإنما هو عم أبيه، والصواب: رواية الجماعة، لكثرتهم، ولأن فيهم رجلًا من أهل بيت الراوي المختلف عليه، وهو ابنه يحيى، والله أعلم.
قال البخاري في التاريخ الكبير (3/ 320): "وعن حماد عن إسحاق: لم "يُقِمه".
وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 82/ 221): "سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه - لم يذكر أباه - أن رجلًا دخل المسجد فصلى والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد، فذكر الحديث.
ورواه همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
قال أبي: ورواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وداود بن قيس، وابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، فقالوا: عن أبيه، عن رفاعة.
وحماد ومحمد بن عمرو لا يقولان: عن أبيه، والصحيح: عن أبيه عن عمه رفاعة".
وسأل ابن أبي حاتم أبا زرعة عن هذا الحديث، فقال أبو زرعة:"وهِمَ حمادٌ، والحديث: حديث همام، عن إسحاق، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "[العلل (1/ 82/ 222)].
وقال الحاكم: "وقد أقام هذا الإسناد: داود بن قيس الفراء، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير".
وقال البيهقي في السنن (2/ 373): "وكذلك رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى، من رواية همام بن يحيى عنه، وقصر به حماد بن سلمة، فقال: عن إسحاق، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه".
***
858 -
. . . همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع - بمعناه -، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لا تتمُّ صلاةُ أحدِكم حتى يسبغَ الوضوءَ كما أمر الله تعالى، فيغسلَ وجهه، ويديه إلى المِرفقين، ويمسحَ برأسه، ورجليه إلى الكعبين، ثمَّ يكبرَ الله عز وجل ويحمدَه، ثمَّ يقرأَ من القرآن ما أُذِنَ له فيه وتيسَّرَ"، فذكر نحو حماد، قال:"ثمَّ يكبرَ فيسجدَ فيمكِّنَ وجهه - قال همام: وربما قال: جبهته - من الأرض حتى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخيَ، ثمَّ يكبرَ فيستويَ قاعدًا على مقعده، ويقيمَ صلبه"، فوصف الصلاة هكذا أربع ركعاتٍ، حتى فرغَ:"لا تتمُّ صلاةُ أحدِكم حتى يفعلَ ذلك".
• حديث صحح، إسناده علي شرط البخاري.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (117)، وفي التاريخ الكبير (3/ 319)، والنسائيُّ في المجتبى (2/ 225/ 1136)، وفي الكبرى (1/ 363/ 726)، وابن ماجه (460)، والدارميُّ (1/ 350/ 1329)، وابن الجارود (194)، والحاكم (1/ 241)، وأبو الحسن الطوسي في الأربعين (10)، والبزار (9/ 178/ 3727)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 178/ 284)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 35)، وفي أحكام القرآن (1/ 82/ 35)، والطبراني في الكبير (5/ 37/ 4525)، والدارقطني (1/ 96)، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 627)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2457/ 5998)، وابن حزم في المحلى (3/ 256)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 44 و 102 و 345)، وفي المعرفة (2/ 7/ 842)، والخطيب في المتفق (2/ 935/ 566)، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 591/ 583).
رواه عن همام بن يحيى: هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، والحجاج بن منهال، وهدبة بن خالد، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعفان بن مسلم.
ولفظ بتمامه عند النسائي [من رواية المقرئ]: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ ونحن حوله إذ دخل رجلٌ فأتى القبلة فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعليك، اذهب فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، فذهب فصلى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمُقُ صلاته، فلا ندري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعليك، اذهب فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، فقال الرجل: يا رسول الله! ما عِبتَ من صلاتي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لم تتمَّ صلاةُ أحدِكم حتى يسبغَ الوضوء كما أمره الله عز وجل،
فيغسلَ وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسحَ برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثمَّ يكبرَ الله عز وجل ويحمدَه ويمجِّدَه"، قال همام: وسمعته يقول: "ويحمدَ الله، ويمجدَه، ويكبرَه"، قال: فكلاهما قد سمعته يقول، قال: "ويقرأ ما تيسر من القرآن مما علمه الله، وأذِن له فيه، ثمَّ يكبرَ فيركعَ [زاد حجاج وهدبة: فيضع كفيه على ركبتيه] حتى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخيَ، ثمَّ يقولَ: سمع الله لمن حمده، ثمَّ يستويَ قائمًا حتى يقيمَ صلبه [قال حجاج: حتى يأخذ كلُّ عضو مأخذه، ويقيم صلبه]، ثمَّ يكبرَ فيسجدَ حتى يمكِّن وجهه"، وقد سمعته يقول: "جبهته، حتى تطمئنَّ مفاصلُه وتسترخيَ، ويكبرَ فيرفعَ حتى يستويَ قاعدًا على مقعدته ويقيمَ صلبه، ثمَّ يكبرَ فيسجدَ حتى يمكِّن وجهه ويسترخيَ [أو: يطمئنَّ] [وقال هدبة: ويسترخي مفاصله، ويطمئن، ثمَّ يكبر فيرفع]، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته".
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رفاعة بن رافع وأبو هريرة، وحديث رفاعة أتم من حديث أبي هريرة، وإسناده حسن".
وقال أبو علي الطوسي: "حديث رفاعة حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن رفاعة من غير وجه".
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، بعد أن أقام همام بن يحيى إسناده فإنَّه حافظ ثقة، وكل من أفسد قوله فالقول قول همام، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا فيه على عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وقد روى محمَّد بن إسماعيل هذا الحديث في التاريخ الكبير عن حجاج بن منهال، وحكم له بحفظه، ثمَّ قال: لم يُقِمه حماد بن سلمة".
قلت: هو حديث صحيح، حفظه همام، وضبط إسناده، كما تقدم بيانه في الحديث السابق، وإسناده على شرط البخاري، فقد أخرج في صحيحه حديثًا بهذا الإسناد (799)، وراجع الحديث رقم (770) من السنن.
***
859 -
. . . محمَّد -يعني: ابن عمرو-، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع - بهذه القصة -، قال:"إذا قمتَ فتوجَّهتَ إلى القبلة فكبر، ثمَّ اقرأْ بأمِّ القرآن، وبما شاء الله أن تقرأَ، وإذا ركعتَ فضعْ راحتَيك على ركبتَيك، وامدُدْ ظهرَك"، وقال:"إذا سجدتَّ فمكَّنْ لسجودك، فإذا رفعتَ فاقعُد على فخذِك اليسرى".
• حديث شاذ بإسقاط يحيى بن خلاد من الإسناد، وبزيادتين في المتن.
أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 330/ 678)، والطبراني في الكبير (5/ 40/ 4529)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 22)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 374)، وفي القراءة خلف الإمام (7).
• هكذا رواه عن محمَّد بن عمرو بن علقمة: خالد بن عبد الله الواسطي، وعباد بن عباد بن حبيب الأزدي، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [وهم ثقات].
• ورواه عباد بن العوام [ثقة]، عن محمَّد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع؛ أن خلادًا دخل المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أظنه قال: جالس - فصلى منه قريبًا،. . . ذكر الحديث بنحوه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 220/ 2526) مختصرًا، وابن بشكوال في الغوامض (2/ 592/ 584) بتمامه.
تفرد عباد بن العوام بتعيين المبهم في هذا الحديث، وشذ بذلك.
• ورواه يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمَّد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي، [كذا في رواية أحمد بن حنبل، وعيسى بن أحمد العسقلاني بدون ذكر أبيه، وفي رواية أحمد بن سنان القطان الواسطي، وهو ثقة حافظ ثبت: أحسبه عن أبيه، هكذا على الشك، ورواية من جزم أصح]، عن رفاعة بن رافع الزرقي - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: جاء رجلٌ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد، فصلى قريبًا منه، ثمَّ انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أعد صلاتك، فإنك لم تُصَلِّ"، قال: فرجع فصلى كنحوٍ مما صلى، ثمَّ انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له:"أعد صلاتك، فإنك لم تُصَلِّ"، فقال: يا رسول الله! علمني كيف أصنع، قال:"إذا استقبلت القبلة فكبر، ثمَّ اقرأ بأم القرآن، ثمَّ اقرأ بما شئت، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك، وامدُد ظهرَك، ومكِّن لركوعك، فإذا رفعت رأسك فأقم صُلبَك حتى ترجعَ العظامُ إلى مفاصلها، وإذا سجدت فمكِّن لسجودك، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى، ثمَّ اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة".
أخرجه أحمد (4/ 340)(8/ 4357/ 19300 - ط المكنز)، وابن حبَّان (5/ 88/ 1787)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 9 - 10/ 554)، وابن الجوزي في التحقيق (497).
قال البغوي: "هذا حديث حسن".
قلت: أخطأ محمَّد بن عمرو في إسناده ومتنه، أما الإسناد فقد أسقط منه يحيى بن خلاد، وزاد في متنه في موضعين، ولم يتابع عليهما، الأوّل:"ثمَّ اقرأ بأم القرأن"، والثاني:"وامدُد ظهرَك"، وأما ما ذكره من التمكين في الركوع والسجود فهو الطمأنينة المذكورة في رواية غيره.
• وقد خالفه فرواه بإثبات يحيى بن خلاد في الإسناد، ولم يأت بهاتين الزيادتين:
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة [في المحفوظ عنه]، وداود بن قيس، وابن عجلان، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ويحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع:
رووه: عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع.
ومحمد بن عمرو بن علقمة الليثي: صدوق له أوهام، لم يكن بذاك الحافظ [انظر بعض أوهامه في: الحديثين المتقدمين برقم (286 و 810)].
• فإن قيل: قد روي بهذا اللفظ من طريق أخرى:
رواه شريك بن عبد الله النخعي، عن عبد الله بن عون، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع - وكان بدريًّا - قال: جاء رجل. . . فذكره بنحو رواية محمَّد بن عمرو، ولم يذكر: عن أبيه، أيضًا.
أخرجه ابن جرير الطبري في المنتخب من ذيل المذيل (71)، والطبراني في الكبير (5/ 40/ 4530).
من طريق إبراهيم بن سعد، عن شريك به.
قلت: هو حديث غريب؛ تفرد به شريك الكوفي، عن ابن عون البصري، على كثرة أصحاب ابن عون ومن روى عنه من الثقات، وشريك كان قد ساء حفظه، ووقعت له أوهام كثيرة، وتفرد به عن شريك الكوفي: إبراهيم بن سعد المدني، وهو ثقة، لكن كان يحدث من حفظه فيخطئ [شرح علل الترمذي (2/ 763)]، ثمَّ هو إسناد مدني، ثمَّ بصري، ثمَّ كوفي، ثمَّ مدني، وقد قيل: إن المدنيين إذا رووا عن الكوفيين زلقوا، فلا أُراه يثبت من حديث ابن عون، فإن الأئمة النقاد مثل: أبي حاتم الرازي، وأبي نعيم، والحاكم، والبيهقيُّ، لما ذكروا طرق هذا الحديث، ومن رواه عن علي بن يحيى؛ لم يذكروا رواية ابن عون، ولو كانت عندهم لما أغفلوها، فإن ابن عون أثبت مَن روى هذا الحديث عن علي بن يحيى، عدا إسحاق ابن أبي طلحة، وقد تقدم نقل بعض كلامهم بعد حديث حماد، وسيأتي نقل البقية قريبًا، والله أعلم.
***
860 -
. . . إسماعيل، عن محمَّد بن إسحاق: حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة - قال:"إذا أنت قمتَ في صلاتك، فكبرِ الله عز وجل، ثمَّ اقرأ ما تيسَّر عليك من القرآن" وقال فيه: "فإذا جلستَ في وسط الصلاة فاطمئنَّ، وافترِشْ فخِذك اليسرى، ثمَّ تشهَّدْ، ثمَّ إذا قمتَ فمثل ذلك، حتى تفرُغَ من صلاتك".
• حديث شاذ بذكر جلسة التشهد الأوسط، والتشهد أيضًا.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 302/ 597) و (1/ 322/ 638) مختصرًا، وابن حبَّان في وصف الصلاة (4/ 512/ 4583 - إتحاف المهرة) مختصرًا، والحاكم (1/ 243)[وفي سنده تحريف وزيادة، وانظر: الإتحاف (4/ 512/ 4582)]، والشافعيُّ في الأم (7/ 185)، والطبراني في الكبير (5/ 39/ 4528)، والبيهقيُّ (2/ 133).
رواه عن إسماعيل ابن علية: مؤمَّل بن هشام، وأحمد بن حنبل، والشافعيُّ، وعثمان بن أبي شيبة [وهم ثقات، والثلاثة الآخرون أئمة].
ولفظه عند الطبراني: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل رجلٌ من الأنصار بعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة فصلى، ثمَّ أقبل فسلم عليه، فقال:"وعليك السلام، ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ"، قال: يا رسول الله! قد جهدت فبيَّن لي، قال:"إذا أنت قمت في صلاتك فكبر الله، ثمَّ اقرأ ما تيسر عليك من القرآن، ثمَّ إذا أنت ركعت فأثبت يديك على ركبتيك حتى يطمئن كل عظم منك، ثمَّ إذا رفعت رأسك فاعتدل حتى يرجع كل عظم منك، ثمَّ إذا سجدت فاطمئن حتى يعتدل كل عظم منك [وفي رواية: فأثبت وجهك ويديك حتى يطمئن كل عظم منك]، ثمَّ إذا رفعت رأسك فأثبت حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثمَّ مثل ذلك؛ فإذا جلست في وسط صلاتك فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثمَّ تشهد، ثمَّ إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك".
قلت: تفرد ابن إسحاق بذكر جلسة التشهد الأوسط، والتشهد أيضًا، وقد تابعه محمَّد بن عمرو على هيئة الافتراش، لكن جعله في الجلسة بين السجدتين، فقال:"فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى"، ولم يذكر التشهد الأوسط ولا جلسته، ورواية محمَّد بن عمرو أقرب لرواية الجماعة حيث ذكروا الجلسة بين السجدتين دون جلسة التشهد الأوسط، كما لم ترِد أيضًا في حديث أبي هريرة.
وعلى ذلك: فإن رواية ابن إسحاق بهذه الزيادة: رواية شاذة، لتفرده عمن سبق ذكرهم ممن روى الحديث عن علي بن يحيى بن خلاد، وابن إسحاق: صدوق، ولا يحتمل منه التفرد بهذا، فإنَّه ليس بذاك الحافظ، والله أعلم.
فإن قيل: قد احتج بروايته ابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم وصححوها؛ فيقال: لم يخرجوا منه موضع الشذوذ، وإنما احتجوا منه بما توبع عليه، فاحتج منه ابن خزيمة وتبعه ابن حبَّان على وضع اليدين على الركبتين، وبإثبات اليدين مع الوجه على الأرض حتى يطمئن كل عظم من المصلي إلى موضعه، وقد توبع عليها، ولا إشكال في ذلك.
***
861 -
. . . إسماعيل -يعني: ابن جعفر-: أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزُّرَقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصَّ هذا الحديث - قال فيه:"فتوضَّأْ كما أمرك الله، ثمَّ تشهَّدْ، فأقِمْ، ثمَّ كبر، فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ به، وإلا فاحمدِ اللهَ عز وجل وكبِّرْه وهلِّلْه"، وقال فيه:"وإن انتقصتَ منه شيئًا انتقصتَ من صلاتك".
• حديث حسن.
هكذا رواه عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير: علي بن حجر السعدي، وعبَّاد بن موسى الخُتَّلي، وأبو داود الطيالسي، وقتيبة بن سعيد، وأبو عمر الدوري المقرئ، وعلي بن
معبد بن نوح، ويحيى بن أيوب المقابري، وحجاج بن إبراهيم الأزرق، وهم ثقات.
ولفظه بتمامه: عن رفاعة بن رافع؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يومًا - قال رفاعة: ونحن معه -، إذ جاء رجلٌ كالبدوي فصلى فأخفَّ صلاته، ثمَّ انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وعليك، فارجع فصلِّ [وفي رواية الطيالسي: أعد صلاتك]، فإنك لم تُصَلِّ"، فرجع فصلى، ثمَّ جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ عليه، وقال:"وعليك، ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، ففعل ذلك مرتين، أو ثلاثًا، كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، ويقول:"وعليك، فأرجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، فخاف [وفي رواية: فعاف، وفي أخرى: فعاث] الناس، وكبُر عليهم أن يكون من أخفَّ صلاته لم يصلِّ، فقال له الرجل في آخر ذلك: فأرني، أو: علمني؛ فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ.
فقال: "أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثمَّ تشهد فأقم، ثمَّ كبر، فإن كان معك قرأنٌ فاقرأ به، وإلا فاحمدِ اللهَ وكبِّرْه وهلِّلْه، ثمَّ اركع فاطمئنَّ راكعًا، ثمَّ اعتدل قائمًا، ثمَّ اسجد فاعتدل ساجدًا، ثمَّ اجلس فاطمئنَّ جالسًا، ثمَّ قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منها شيئًا انتُقص من صلاتك".
قال: فكانت هذه أهون عليهم من الأولى، أن من انتَقص من ذلك شيئًا انتُقص من صلاته، ولم تذهب كلها.
وأدرج بعضهم: "ولم تذهب كلها" في المرفوع.
قال الترمذي: "حديث رفاعة بن رافع: حديث حسن.
وقد روي عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه".
وقد سبق تخريج حديث إسماعيل بن جعفر هذا ومتابعاته تحت الحديث رقم (832)، وهو حديث حسن بهذه الزيادات:"فإن كان معك قرآنٌ فاقرأ به، وإلا فاحمدِ اللهَ وكبِّرْه وهلِّلْه"، وبزيادة: فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فقال:"أجل"، وبزيادة:"ثمَّ تشهد فأقم".
• فإن قيل: قَبِلتَ زيادات إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ورددتَ زيادات محمَّد بن عمرو وابن إسحاق مع كونها غير منكرة، قد ثبتت من أحاديث آخر، ثمَّ قبلت زيادات من هو أدنى منهما في الشهرة والحفظ وهو يحيى بن علي بن يحيى؟
فيقال: أما ابن أبي طلحة فهو ثقة حجة، تُقبل زياداته لأجل حفظه وإتقانه، والزيادة إذا كانت من حافظ متقن فهي مقبولة، وأما محمَّد بن عمرو وابن إسحاق فقد تكلم فيهما النقاد بسبب أوهامهما، وكثرة أغلاطهما، فنحن بحاجة إلى قرينة قوية أو متابعة معتبرة حتى نقبل ما تفردا به في هذا الحديث، لا سيما والحديث قد رواه جماعة بدون هذه الزيادات، فإن قيل: يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد أولى بذلك؛ فيقال: لم يتكلم الحفاظ فيه بالجرح، بل ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال في مشاهير علماء الأمصار:"وكان متقنًا"، واحتج بحديثه أحمد وأبو داود والنسائيُّ، وصحح له ابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم، ولم ينفرد بكل ما أتى به، بل تابعه على بعضه: شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر [ليس به بأس]،
إضافة إلى كونه هنا يروي عن أهل بيته، وهمة الرجل في حفظ رواية أبيه تكون أعلى، لا سيما وهي تتكرر على مسامعه أكثر من مرة، كما أن الإمام أحمد قد احتج بزيادته تلك، كما قد حررته تحت الحديث السابق برقم (832)، والله أعلم.
• والآن فقد تقدم معنا ممن روى هذا الحديث عن علي بن يحيى بن خلاد:
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة (857 و 858)، ومحمد بن عمرو (859)، ومحمد بن إسحاق (860)، ويحيى بن علي بن يحيى، وشريك بن عبد الله بن أبي نمر [تقدما تحت الحديث رقم (832)].
وبقيت رواية محمَّد بن عجلان، وداود بن قيس الفراء.
1 -
روى بكر بن مضر، والليث بن سعد، وحاتم بن إسماعيل، وسليمان بن بلال، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن إدريس، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وحيوة بن شريح التجيبي المصري [والراوي عنه: حجاج بن رشدين بن سعد؛ وفيه ضعف. اللسان (2/ 560)] [واللفظ لبكر فهو أتم، وإن كانوا متقاربين جدًّا، قالوا: عن عمه، وزاد بعضهم: وكان بدريًّا، ولم يسموه، غير روايةٍ لبكر بن مضر، ورواية عن يحيى القطان، قالا فيها: عن عمه رفاعة بن رافع، وهي صحيحة عنهما، رواية بكر عند النسائي، ورواية القطان عند البزار وابن حبَّان]:
عن ابن عجلان، عن [وفي رواية القطان: حدثني] علي بن يحيى الزرقي، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع - وكان بدريًّا -، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجلٌ المسجدَ فصلى [وفي رواية القطان: في ناحية المسجد]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمُقُه ولا يشعر [وفي رواية الليث: ونحن لا نشعر]، ثمَّ انصرف، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فردَّ عليه السلام، ثمَّ قال:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، قال: لا أدري في الثانية أو في الثالثة قال: والذي أنزل عليك الكتاب! لقد جهدت فعلمني وأرني، قال:"إذا أردت الصلاة فتوضأ، فأحسن الوضوء، ثمَّ قم فاستقبل القبلة، ثمَّ كبر، ثمَّ اقرأ، ثمَّ اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثمَّ ارفع حتى تعتدل قائمًا [وفي رواية القطان وأبي خالد الأحمر: حتى تطمئن قائمًا]، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع رأسك حتى تطمئنَّ قاعدًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، [زاد الليث: ثمَّ ارفع، وقال القطان وسليمان بن بلال: ثمَّ قم]، فإذا صنعت ذلك فقد قضيتَ صلاتك، وما انتقصتَ من ذلك فإنما تنقصه من صلاتك".
وفي رواية القطان: "فإذا أتممتَ صلاتك على هذا فقد أتممتَها، وما انتقصتَ من هذا من شيء فإنما تنقصه من صلاتك".
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (108 - 110 و 118 و 119)، وفي التاريخ الكبير (3/ 320 و 321)، والنسائيُّ في المجتبى (2/ 193/ 1053) و (3/ 59/ 1313)، وفي الكبرى (1/ 329/ 644) و (2/ 85/ 1237)، وابن حبَّان (5/ 88/ 1787)، وأحمد (4/ 340)، وابن أبي شيبة (1/ 257/ 2958) و (7/ 303/ 36296)، وابن أبي عاصم في
الآحاد والمثاني (4/ 33/ 1976)، والبزار (9/ 177/ 3726)، والحسن بن سفيان في الأربعين (24)، وأبو يعلى (11/ 498/ 6623)[وعنده زيادة شاذة]، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 329/ 677)، والطحاوي في المشكل (6/ 20/ 2245)، وأبو بكر الآجري في الأربعين (19)، والطبراني في الكبير (5/ 36 و 37/ 4521 - 4524)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (46)[وفي سنده سقط]، والبيهقيُّ في السنن (2/ 372 و 373)، وفي الشعب (3/ 139/ 3131)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 86) و (9/ 182 و 183).
وانظر: الحلية (9/ 78)، والمعرفة للبيهقي (1184).
قال البغوي: "وقد روى هذا الحديث محمَّد بن عمرو، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع".
تنبيهات:
• هكذا روى هذا الحديث عن سليمان بن بلال المدني: أبو بكر بن أبي أويس، وهو: عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي، وهو: مدني ثقة، وأخوه إسماعيل بن أبي أويس، وهو مدني صدوق، وله أوهام، وخالفهما أحد الغرباء:
فرواه يحيى بن صالح الوحاظي الحمصي، قال: حدثنا سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن أبي نمر، عن علي بن يحيى، عن عمه رفاعة بن رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا في المسجد،. . . فذكر الحديث مطولًا.
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 232)، وفي المشكل (6/ 19/ 2243).
فوهم فيه يحيى بن صالح مرتين، حيث جعله عن شريك بن أبي نمر، وإنما هو عن ابن عجلان، ولم يقل فيه: عن أبيه.
وأما قول أبي حاتم: "ورواه شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وداود بن قيس، وابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، فقالوا: عن أبيه، عن رفاعة"[علل الحديث (1/ 82/ 221) (2/ 69/ 221 - ط سعد الحميد)]، فذكر أن رواية شريك كالجماعة بإثبات يحيى بن خلاد في الإسناد، فيدل على أنَّه ثابت عنده، ولعله من غير هذا الطريق، لا سيما ورواية ابن أبي نمر فيها زيادة ليست في رواية ابن عجلان وداود بن قيس، والله أعلم، وانظر كلامي عليه تحت الحديث رقم (832).
• انفرد أبو خالد الأحمر بزيادة: فدخل رجلٌ فصلى صلاةً خفيفةً، لا يتم ركوعًا ولا سجودًا [عند ابن أبي شيبة]، ولم يأت بها جماعة الثقات، وأبو خالد لم يكن حافظًا، كان سيئ الحفظ، يغلط ويخطئ.
• وانظر أيضًا فيمن أخطأ في إسناده أو متنه على ابن عجلان: الأم (1/ 102)، مسند الشافعي (34) و (39 - 40)، شرح مشكل الآثار (4/ 267/ 1594) و (15/ 357/ 6075)، المعرفة للبيهقي (2/ 204/ 1183).
2 -
ورواه داود بن قيس الفراء، قال: حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، قال: حدثني أبي، عن عم له بدري [وفي رواية: قال داود: وبلغنا أنَّه رفاعة بن رافع رضي الله عنه]، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، ثمَّ جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته، فردَّ عليه السلام، ثمَّ قال له:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، فرجع فصلى، ثمَّ جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ عليه السلام، ثمَّ قال:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ"، حتى كان عند الثالثة أو الرابعة، فقال: والذي أنزل عليك الكتاب! لقد جهدت وحرصت فأرني وعلمني، قال:"إذا أردت أن تصلي فتوضأ، فأحسن وضوءك، ثمَّ استقبل القبلة فكبر، ثمَّ اقرأ، ثمَّ اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثمَّ ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئنَّ قاعدًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئنَّ ساجدًا، ثمَّ ارفع، فإذا أتممتَ صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنتقصه من صلاتك".
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (115 و 116)، وفي التاريخ الكبير (3/ 320)، والنسائيُّ في المجتبى (3/ 60/ 1314)، وفي الكبرى (2/ 86/ 1238)، والحاكم (1/ 242)، وابن وهب في الجامع (385)، وعبد الرزاق (2/ 370/ 3739)، والطبراني في الكبير (5/ 36/ 4520)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 374)، وفي القراءة خلف الإمام (4 و 6).
• خالفهم جميعًا:
بكير بن عبد الله بن الأشج [ثقة ثبت]، فرواه عن علي بن يحيى، عن أبي السائب - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلى رجلٌ والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فلما قضى صلاته، قال:"ارجع فصلِّ، فإنك لم تُصَلِّ" ثلاثًا، فقام الرجل فلما قضى صلاته، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ارجع فصلِّ" ثلاثًا، قال: فحلف له لقد اجتهدت، فقال له:"ابدأ فكبر، وتحمد الله، وتقرأ بأم القرآن، ثمَّ تركع حتى يطمئنَّ صُلبُك، ثمَّ ترفع رأسك حتى يستقيمَ صلبك، فما انتقصت من هذا فقد نقصت من صلاتك".
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (107)، وفي التاريخ الكبير (3/ 320)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2924/ 6847).
من طريق يحيى بن بكير، قال: حدثنا عبد الله بن سويد بن حيان [مصري، صدوق]، عن عياش بن عباس [القتباني المصري: ثقة]، عن بكير به.
قال أبو نعيم: "وهذا الحديث وهمٌ من بعض النقلة؛ فإن يحيى بن علي بن يحيى، وداود بن قيس، وإسحاق بن أبي طلحة، وسعيد بن أبي هلال، وابن عجلان، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمرو؛ كلهم رووه: عن علي بن يحيى، عن أبيه يحيى بن خلاد بن رافع، عن عمه رفاعة بن رافع، وكان بدريًّا".
قلت: هذا حديث خطأ؛ لا أدري ممن الوهم فيه؛ فإن كان تفرد به يحيى بن عبد الله بن بكير فالحمل فيه عليه، فإنَّه وإن كان ثقة في الليث بن سعد؛ إلا أنَّه تُكُلِّم في
روايته عن مالك، وضعفه النسائي، وليَّنه أبو حاتم، ووثقه آخرون [التهذيب (4/ 368)، الميزان (4/ 391)، وراجع ترجمته تحت الحديث (715)]، وإن لم يتفرد به ابن بكير فالوهم ممن فوقه، والله أعلم.
• وانظر فيمن أخطأ فيه أيضًا على علي بن يحيى بن خلاد: مسند الشافعي (34)، المعرفة للبيهقي (2/ 203/ 1181).
• قال البيهقي في السنن (2/ 373) وقد أخرجه من طريق: "ابن عجلان، عن علي بن يحيى الزرقي، عن أبيه، عن عمه وكان بدريًّا؛ أنَّه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل رجل المسجد، فقام في ناحية منه يصلي، وذكر الحديث، وفيه من الزيادة: "ثمَّ قم، فاستقبل القبلة"، وقال في السجود الثاني: "ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، فإذا صنعت ذلك فقد قضيت صلاتك، وما انتقصت من ذلك فإنما تنقص من صلاتك".
رواه محمَّد بن إسحاق بن يسار، عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، وكذلك قاله داود بن قيس، عن علي بن يحيى بن خلاد، وكذلك رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى، من رواية همام بن يحيى عنه، وقصر به حماد بن سلمة، فقال: عن إسحاق، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن عمه، وقال محمَّد بن عمرو: عن علي بن يحيى بن خلاد، عن رفاعة بن رافع، والتصحيح: رواية من تقدَّم، وافقهم: إسماعيل بن جعفر، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع، وقصر بعض الرواة عن إسماعيل بنسب يحيى، وبعضهم بإسناده، فالقول قول من حفظ، والرواية التي ذكرناها بسياقها موافقة للحديث الثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه في ذلك، وإن كان بعض هؤلاء يزيد في ألفاظها وينقص، وليس في هذا الباب حديث أصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والله أعلم".
• وقد احتج الإمام أحمد بحديث رفاعة بن رافع هذا في عدم الجلوس للاستراحة عند القيام في الأولى والثالثة:
قال عبد الله بن أحمد في مسائله (286 و 287) عن جلسة الاستراحة: "سمعت أبي يقول: إن ذهب رجلٌ إلى حديث مالك بن الحويرث؛ فأرجو أن لا يكون به بأس، وذلك إذا أراد أن يقوم في أول ركعة وفي الثالثة، إذا أراد أن يقوم يقعد قعدة، إما أن يستوي على إليته جالسًا، أو يرفعها من الأرض قليلًا، يكون ذلك في فرد من الصلاة.
قال أبي: وكان حماد بن زيد يفعله، وأما حديث ابن عجلان حديث الزرقي: فهو خلافه، كأنه ينهض على صدور قدميه".
ثمَّ قال: "سمعت أبي يقول: مالك بن الحويرث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان إذا صلى فكان في وتر من الصلاة في أول ركعة رفع رأسه من السجدتين، فكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخرى من الركعة الأولى والثالثة جلس قبل أن يقوم، ثمَّ قام ولم ينهض على صدور قدميه.
وحديث علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، كذا قال ابن عجلان، وقال ابن إسحاق: عن عمه رفاعة بن رافع، قال يحيى عن ابن عجلان:"ثمَّ ارفع حتى تطمئن قائمًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ قم"، وكذا قال داود بن قيس، وافق ابن عجلان.
قال أبي: وأذهب أنا إلى حديث رفاعة بن رافع".
وصحح حديث رفاعة أيضًا غير من تقدم ذكرهم: ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 411)، والنووي في المجموع (3/ 393)، وذكره في فصل الصحيح من الخلاصة (1196)، وحسنه الترمذي.
• والحاصل: فإن حديث رفاعة بن رافع: حديث صحيح، مروي بإسنادٍ على شرط البخاري، واحتج به أحمد، وصححه جماعة، وهو حديث محفوظ بما فيه من زيادات على حديث أبي هريرة؛ ما عدا الروايات الشاذة التي سبق التنبيه عليها من رواية حماد بن سلمة، ورواية محمَّد بن عمرو بن علقمة، ورواية محمَّد بن إسحاق، والله أعلم.
• وفي الباب مما لا يصح:
• عن جابر بن عبد الله [عند: ابن حبَّان في المجروحين (1/ 141)، وقال بأنّه حديث باطل].
• وعن ابن عمر [عند: ابن حبَّان (5/ 206/ 1887)، وعبد الرزاق (5/ 15/ 8830)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 423/ 918)، والبزار (12/ 317/ 6177)، والطبراني في الكبير (12/ 425/ 13566)، والبيهقيُّ في الدلائل (6/ 293 و 294)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 303/ 654)][وهو حديث طويل في مسائل شتى من الوضوء والصلاة والصيام والحج، وفيه من دلائل النبوة، وله إسنادان: أحدهما: إسناد غريب جدًّا، تُكُلِّم في رجاله، وفي أحدهم جهالة، وهو سنان بن الحارث، ويروي أحدهم عن شيخه الغرائب، وهو يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، وهذا منها، والإسناد الآخر: فيه عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر، وهو: متروك، كذبه الثوري، ولم يسمع من أبيه. التهذيب (2/ 640)].
• وعن أنس بن مالك [عند: مسدد (2/ 263/ 80 - المطالب) و (6/ 262/ 1131 - المطالب)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 5)، والفاكهي في أخبار مكة (1/ 424/ 919)، والبيهقيُّ في الدلائل (6/ 295)] [وهو حديث طويل بنحو حديث ابن عمر السابق، وفيه: إسماعيل بن رافع، وهو: الأنصاري المدني؛ متروك، منكر الحديث. التهذيب (1/ 150)، الميزان (1/ 227)، رواه عنه: عطاف بن خالد، وهو: ليس به بأس، أعرض عنه صاحبا الصحيح، وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها. التهذيب (3/ 112)، الميزان (3/ 69)، وانظر في أوهامه: الحديث المتقدم برقم (581 و 656)، وتابعه عليه: هشام بن سليمان، وهو: ابن عكرمة بن خالد المخزومي المكي: قال أبو حاتم: "مضطرب الحديث، ومحله
الصدق، ما أرى به بأسًا"، وقال العقيلي: "في حديثه عن غير ابن جريج وهم"، لم يخرج له مسلم إلا من روايته عن ابن جريج، وعلق له البخاري موضعًا عن ابن جريج، وله أيضًا ما استنكر عن ابن جريج، كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 289/ 862). انظر: التاريخ الكبير (8/ 200)، الجرح والتعديل (9/ 62)، ضعفاء العقيلي (4/ 338)، شرح علل الترمذي (2/ 807)، التهذيب (4/ 272)، الميزان (4/ 299)، وغيرها].
• مسألة:
جعل بعض الفقهاء حديث المسيء صلاته حجةً على عدم وجوب كثير من أفعال الصلاة بدعوى عدم ورودها في هذا الحديث، وقالوا بأنّه صلى الله عليه وسلم علَّمه فرائض الصلاة دون سننها، فلم يأمره برفع اليدين، ولا من التكبير إلا بتكبيرة الإحرام، ولم يأمره بالتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم، وغير ذلك من الواجبات، سواء المجمع عليها، أو المختلف فيها، وإنما اقتصر على تعليمه الفرائض حسب.
وقال بعضهم: قام الدليل من غير هذا الحديث بوجوب التشهد ووجوب التسليم وغير ذلك بما علَّمهم صلى الله عليه وسلم، وأعلمهم أن ذلك من صلاتهم، فيقال: قد نقض القائل بذلك أصله، إذ لو كان هذا الحديث قد سيق أصالة لبيان الواجبات واستيعابها، وأنه لم يذكر فيه شيئًا من سنن الصلاة؛ لصار كل ما لم يذكر فيه من السنن.
وإن قال قائل: إن هذه الواجبات - سواء المجمع عليها أو المختلف فيها - كانت معلومةً عند السائل فلم يحتج إلى بيانها، فيقال: قد اتفقنا - والحال هكذا - على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر عليه تركه بعض الواجبات دون بعض، فذكر له ما يحتاج هو إليه مما قصر فيه في صلاته تلك، ومن ثمَّ فلم يعد الحديث حجةً على استيعاب الواجب والفرض دون السنن، هذا من وجه، ومن وجه آخر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر فيه القيام والركوع والرفع منه والسجود والرفع منه لا من أجل بيانها، أو أن الأعرابي لم يأت بها، فإن في قول الصحابي: فلا ندري ما يعيب منها؛ دليل على إتيانه بهذه الأركان، وإنما قصر في ركن متعلق بها ولا تنفك هي عنه، وهو الطمأنينة، ومن ثمَّ فكان لا بد من ذكر الأركان مصحوبة بهذه الصفة التي يجب أن تلازمها، وهي الطمأنينة، وعلى هذا فذكر الأركان كان تبعًا لذكر الطمأنينة، ولم يكن مقصودًا لذاته، وذلك لكون الأعرابي قد أتى بأصل الركن، كما يتبين من قول الصحابي، والله أعلم.
وهكذا فإن الناظر في هذا الحديث وفي سبب وروده ليتبين له بجلاء أن ذلك الرجل إنما ترك الطمأنينة من الصلاة حسب، دليل ذلك قول الصحابي: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمُقُ صلاته، فلا ندري ما يعيب منها [كما في رواية همام (858)]، فلو كان تاركًا لأركانها الفعلية الظاهرة لأنكر ذلك الصحابة، وعرفوا السبب الذي لأجله أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
ولذلك فإن حديث أبي هريرة وحديث رفاعة قد اتفقا على ذكر الطمأنينة في الأركان، وزاد له في حديث رفاعة ما قد يحتاج إليه مما قصَّر فيه، أو جهله، أو كان بحاجة إلى
تعليمه إياه، فإنَّه لما جهل ركنية الطمأنينة كان بحاجة إلى ذكر ما يحتاج إليه مما رآه النبي صلى الله عليه وسلم صالحًا له ولمثله، فذكر له شيئًا مما لم يظهر تقصيره فيه أو ظهر، مثل ذكر الوضوء وفروضه وإسباغه، والإقامة للصلاة، واستقبال القبلة، ودعاء الاستفتاح، وتكبيرات الانتقال، ووضع الكفين على الركبتين، وهيئة الجلوس بين السجدتين، وبعض هذه المذكورات هي عند بعضهم من السنن، وليست من الواجبات، فدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بأن يعلمه أدنى الكمال في الواجبات، وترك ما عدا ذلك، والله أعلم.
قال الخطابي في المعالم (1/ 44): "فابتدأ فعلَّمه الطهارة ثمَّ علَّمه الصلاة؛ وذلك - والله أعلم - لأنَّ الصلاة شيء ظاهر تشتهره الأبصار، والطهارة أمر يستخلي به الناس في ستر وخفاء، فلما رآه صلى الله عليه وسلم جاهلًا بالصلاة؛ حمل أمره على الجهل بأمر الطهارة، فعلمه إياها".
وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (188): "قال إسحاق: وأما مَن ترك التكبيرات عمدًا سوى تكبيرة افتتاح الصلاة فعليه إعادة الصلاة، لا تتم الصلاة إلا بالتكبيرات والتسبيح والتشهد والقراءة، فإذا تركها تاركٌ عمدًا كان تاركًا لما أمر به فعليه إعادتها، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى رجلًا لا يتمُّ ركوعًا ولا سجودًا فقال له: "أعد صلاتك فإنك لم تصلِّ"، فأعاد ثمَّ قال له: "أعد فإنك لم تصلِّ"، فقال: لقد حرصت وجهدت فعلمني، ومن يشك أن صلاة المرّة الثانية حين حذره النبي صلى الله عليه وسلم وأنذره أن يكون ركوعه واضعًا يديه على ركبتيه، ولكنه إذا لم يستوِ في ركوعه حتى يطمئنَّ راكعًا ولا في قيامه حتى يستوي معتدلًا من غير علة تمنعه من ذلك؛ أن لا صلاة له، وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا المصلي: "سوِّ صلبك حتى تعتدلَ قائمًا، واركع حتى تطمئنَّ راكعًا"".
ثمَّ قال الكوسج (189): "سئل إسحاق: عن الواجب في الصلاة عندكم، وعن ما لا بد منه؟ فقال: وأما ما سألت عن الواجب في الصلاة أيها هي؟ فإن الصلاة كلَّها من أولها إلى آخرها واجبة، والذين يقولون للناس: في الصلاة سُنَّة، وفيها فريضة؛ خطأ من المتكلم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بيَّن لهم إقامة الصلوات بيَّن فيها سننًا نتكلم فيها على ما بيَّن القوم؛ كنحو التسبيح في الركوع ثلاثًا فأعلى، ولا يجوز أن يقول: إن مَن سبح واحدةً أو ثنتين إن صلاتَه فاسدةٌ؛ لأنه قد سبح في الركوع، وكذلك لو ترك تكبيرةً ناسيًا سوى الافتتاح إن صلاته فاسدة وما أشبه ذلك؛ لأنا وجدنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأشياء التي بيَّنها على المصلين أن يقيموها فتركها تاركٌ سهوًا أن لا يعيد، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم بعض ما وصفنا في الصلاة مثل التشهد في الأوليين وشِبْهه ناسيًا فلم يُعِدْ الصلاة، ولكن لا يجوز لأحد أن يجعل الصلاة أجزاء مجزَّأةً فيقول: فريضته كذا وسُنَّته كذا، فإن ذلك بدعة".
والمقصود من ذلك أن على العالم أن يبين لعموم الناس صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كاملة، ويلزمهم بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، فأما أن يعلِّمهم أن من الصلاة ما هو سُنَّة لا تبطل الصلاة بتركها؛ فإن ذلك يجعل الناس يتسارعون إلى تركها بدعوى
التخفِّف من التكاليف، والاقتصار على القدر المجزئ من العبادة، كما هو حال كثير من الناس اليوم، لكن العالم يفرق بين ما يبطل الصلاة، وما لا يبطلها، حتى إذا سئل عن الوقائع وأحوال الناس في الصلاة أفتاهم بما يبرئ ذمتهم في العبادة، هل أجزأتهم؟ أم تجب عليهم الإعادة؟، وهذا أيضًا مما ينبغي أن يهتم بتعلمه طالب العلم، حتى يكون على بصيرة بمرتبة وحكم كل فعل وقول في العبادة، وتحرير القول فيه، هل هو مما تبطل العبادة بتركه عمدًا أو سهوًا، أو هو فقط مما يُنقِص الأجرَ والثواب.
ومن أظهر العبادات التي يسأل السائلون عن سننها ليتخففوا بتركها، أو ليعلموا أن لا عقوبة عليهم بتركها أو تأخيرها عن وقتها هي مناسك فريضة الحج، وحال الناس فيها بيَّن لا خفاء فيه؛ ومن بلايا هذا الزمان أن وُجِد من يستغل قوله صلى الله عليه وسلم في مناسك معلومة محددة، ولا يقاس عليها غيرها:"افعل ولا حرج"، فذهب ليقيس عليها بقية مناسك الحج، حتى أفقدوا الحجَّ في أعينِ الناس تعظيمَ شعائره، وأصبح همُّ الواحد منهم كيف يهرب من الفدية والدم والكفارة، وكان لا همَّ له في إيقاع العبادة على أحسن وجه، حتى يرضى بها الرب عن عبده، فيسبغ عليه مغفرته ورضوانه، فكان الناس في وادٍ، وما بُعِث له النبي صلى الله عليه وسلم في واهٍ آخر، فعلى أهل العلم أن يبينوا للناس العاقبة الحميدة لمن اتبع السُّنَّة ولزمها، ومغبة التقصير فيها، حتى ينالوا محبة الله لهم باتباع سُنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فنحن بحاجة ماسة إلى ترغيب الناس في عبادة ربهم، وعدم تساهلهم فيها، وتعظيم شعائر الله، وما شرعه لهم من العبادات، والله أعلم.
• مسألة:
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية [مجموع الفتاوى (23/ 37)]: "وكذلك كل من ترك واجبًا لم يعلم وجوبه؛ فإذا علم وجوبه فعله، ولا تلزمه الإعادة فيما مضى في أصح القولين في مذهب أحمد وغيره.
وكذلك من فعل محظورًا في الصلاة لم يعلم أنَّه محظور ثمَّ علم، كمن كان يصلي في أعطان الإبل أو لا يتوضأ الوضوء الواجب الذي لم يعلم وجوبه كالوضوء من لحوم الإبل.
وهذا بخلاف الناسي، فإن العالم بالوجوب إذا نسي صلى متى ذكر، كما قال صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها".
وأما من لم يعلم الوجوب فإذا علمه صلى صلاة الوقت وما بعدها، ولا إعادة عليه، كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي المسيء في صلاته:"ارجع فصل فإنك لم تصل"، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ما يجزيني في صلاتي فعلمه، وقد أمره بإعادة صلاة الوقت، ولم يأمره بإعادة ما مضى من الصلاة، مع قوله: لا أحسن غير هذا، وكذلك لم يأمر عمر وعمارًا بقضاء الصلاة، وعمر لما أجنب لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، ولم يأمر أبا ذر بما تركه من الصلاة وهو جنب، ولم يأمر المستحاضة أن تقضي ما تركت، مع قولها: إني أستحاض حيضة شديدة منعتني الصوم
والصلاة، ولم يأمر الذين أكلوا في رمضان حتى تبيّن لهم الحبال البيض من السود بالإعادة، والصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين ركعتين، ثمَّ لما هاجر زِيد في صلاة الحضر ففرضت أربعًا، وكان بمكة وأرض الحبشة والبوادي كثير من المسلمين لم يعلموا بذلك إلا بعد مدة، وكانوا يصلون ركعتين، فلم يأمرهم بإعادة ما صلوا، كما لم يأمر الذين كانوا يصلون إلى القبلة المنسوخة بالإعادة مدة صلاتهم إليها قبل أن يبلغهم الناسخ، فعُلِم أنَّه لا فرق بين الخطاب المبتدأ والخطاب الناسخ" [وانظر أيضًا: المجموع (21/ 429)].
وقال ابن القيم في بدائع الفوائد (4/ 974): "وقد رأيت لأبي القاسم السهيلي في الكلام على هذه الآيات فصلًا أذكره بلفظه، قال: في قول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء بن معرور: "قد كنتَ على قبلةٍ لو صبرتَ عليها"؛ يعني: لما صلى إلى الكعبة المشرفة قبل الأمر بالتوجه إليها، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه كان متأولًا.
قلت: ونظير هذا: أنَّه لم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة، لما ربط الخيطين في رجليه وأكل، حتى يتبينا له؛ لأجل التأويل.
ونظيره: أنَّه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة، إذ لم يعرف شرع التيمم للجنب، فقال: يا رسول الله إني تصيبني الجنابة فأمكث الشهر والشهرين لا أصلي؛ يعني: في البادية؟ فقال: "أين أنت عن التيمم؟ ".
ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر المستحاضة بالإعادة، وقد قالت: إني أستحاض حيضة شديدة، وقد منعني الصوم والصلاة، فأمرها أن تجلس أيام الحيض ثمَّ تصلي، ولم يأمرها بإعادة ما تركت.
ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحة، وإنما بالإعادة في الوقت؛ لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه، بخلاف ما تقدم له.
ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيمم بالإعادة، مع أنَّه لم يصب فرض التيمم.
ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر معاوية بن الحكم السلمي بإعادة الصلاة وقد تكلم فيها بكلام أجنبي ليس من مصلحتها.
ونظيره أيضًا: أنَّه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه، بقصاص ولا دية ولا كفارة.
ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع، فالتأويل والاجتهاد في إصابة الحق منع في هذه المواضع من الإعادة والتضمين.
• وقاعدة هذه الباب: أن الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، وبلوغها إليه، فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه، وهو كذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه، وهذا مجمع عليه في الحدود؛ أنها لا تقام إلا على من بلغه تحريم أسبابها، وما ذكرناه من النظائر يدلّ على ثبوت ذلك في العبادات والحدود.
ويدل عليه أيضًا في المعاملات: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] فأمرهم تعالى أن يتركوا ما بقي من الربا، وهو ما لم يقبض، ولم يأمرهم برد المقبوض؛ لأنهم قبضوه قبل التحريم، فأقرهم عليه، بل أهل قباء صلوا إلى القبلة المنسوخة بعد بطلانها، ولم يعيدوا ما صلوا، بل استداروا في صلاتهم، وأتموها؛ لأنَّ الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم.
وفي هذا الأصل ثلاثة أقوال للفقهاء، وهي لأصحاب أحمد:
هذا أحدها، وهو أصحها، وهو اختيار شيخنا رضي الله عنه.
الثاني: أن الخطاب إذا بلغ طائفة ترتب في حق غيرهم ولزمهم، كما لزم من بلغه، وهذا اختيار كثير من أصحاب الشافعي وغيرهم.
الثالث: الفرق بين الخطاب الابتدائي، والخطاب الناسخ، فالخطاب الابتدائي يعم ثبوته من بلغه وغيره، والخطاب الناسخ لا يترتب في حق المخاطب إلا بعد بلوغه، والفرق بين الخطابين: أنَّه في الناسخ مستصحب لحكم مشروع مأمور به، بخلاف الخطاب الابتدائي، ذكره القاضي أبو يعلي في بعض كتبه، ونصوص القرآن والسُّنَّة تشهد للقول الأوّل، وليس هذا موضع استقصاء هذه المسألة، وإنما أشرنا إليها إشارة".
• وانظر بعض فوائد هذا الحديث في: شرح البخاري لابن بطال (2/ 409)، التمهيد (7/ 85) و (9/ 182)، إكمال المعلم (2/ 281)، كشف المشكل (3/ 415)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 257 - 263)، الفتح لابن رجب (5/ 56)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 161 - 182)، الفتح لابن حجر (2/ 277 - 281)، الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (197).
***
862 -
قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن جعفر بن الحكم، (ح) وحدثنا قتيبة: حدثنا الليث، عن جعفر بن عبد الله الأنصاري، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نَقْرة الغراب، وافتراشِ السبُع، وأن يُوْطِنَ الرجلُ المكانَ في المسجد كما يُوْطِنُ البعيرُ. هذا لفظ قتيبة.
• حديث ضعيف.
اختلف في هذا الحديث على الليث بن سعد:
أ - فرواه أبو الوليد الطيالسي، والحجاج بن محمَّد، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو صالح عبد الله بن صالح، ويحيى بن عبد الله بن بكير [وهم ثقات، بعضهم من الغرباء، وبعضهم مصريون من أصحاب الليث]:
حدثنا الليث، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن جعفر بن عبد الله بن الحكم حدثه، عن تميم بن محمود الليثي، عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري؛ أنَّه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في الصلاة عن ثلاثٍ: نَقْرِ الغراب، وافتراشِ السَّبُع، وأن يُوطِنَ الرجلُ المقام الواحد كإيطان البعير. لفظ حجاج.
أخرجه أبو داود (862)، وأحمد (3/ 428)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 173/ 1450)، وابن قانع في المعجم (2/ 174)، والبيهقيُّ (2/ 118) و (3/ 239)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 5).
ب - ورواه قتيبة بن سعيد [ثقة ثبت، وله وهم في حديث الليث]: حدثنا الليث، عن جعفر بن عبد الله الأنصاري، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نَقْرة الغراب، وافتراشِ السبُع، وأن يُوْطِنَ الرجلُ المكانَ في المسجد كما يُوْطِنُ البعيرُ.
أخرجه أبو داود (862).
ج - ورواه شعيب بن الليث بن سعد، وأبو صالح عبد الله بن صالح [ثقتان من أصحاب الليث، وإن كان الثاني -وهو كاتبه - فيه غفلة]:
عن الليث، قال: حدثنا خالد [يعني: ابن يزيد]، عن ابن أبي هلال [هو سعيد]، عن جعفر بن عبد الله؛ أن تميم بن محمود أخبره؛ أن عبد الرحمن بن شبل أخبره؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثلاث: عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 214/ 1112)، وفي الكبرى (1/ 352/ 700)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 440/ 1904)[وفي سند المطبوعة سقط].
• والذي يظهر لي من هذا الاختلاف على الليث بن سعد: أن الوجه الأوّل والثالث محفوظان عن الليث، الأوّل: لكونه رواية الأكثر والأحفظ، وفيه اشتهار الرواية في البلد وخارجها، والثالث: لكونه من رواية أهل بيته وخاصته، بينما انفرد قتيبة بإسقاط الواسطة، والمحفوظ إثباتها، وعليه: فكلا الإسنادين: إسناد مصري صحيح إلى جعفر بن عبد الله بن الحكم، والليث إمام حافظ مكثر، يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وقد رواه عنه كاتبه أبو صالح بالوجهين، والله أعلم.
• ورواه يحيى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعيسى بن يونس، وعثمان بن عمر بن فارس، ومحمد بن بكر البرساني [وهم ثقات]، وبكر بن بكار [ضعيف]:
عن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم [لا بأس به]، قال: حدثني أبي [ثقة]، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ثلاثٍ. . . فذكره مثله.
أخرجه ابن ماجه (1429)، والدارميُّ (1/ 348/ 1323)، وابن خزيمة (1/ 331/ 662) و (2/ 280/ 1319)، وابن حبَّان في الصحيح (6/ 53/ 2277)، وفي الثقات (9/ 229)، والحاكم (1/ 229)، وأحمد (3/ 428 و 444)، وابن أبي شيبة (1/ 231/ 2652) و (1/ 432/ 4978)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 441/ 1905)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 130/ 2525)، والطحاوي في المشكل (15/ 482/ 6179)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 170)، وابن قانع في المعجم (2/ 174)، وابن عديّ في الكامل (2/ 85)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1825/ 4608)، وفي تاريخ أصبهان (1/ 268)، والبيهقيُّ (2/ 118) و (3/ 238)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 161/ 666).
• خالفهم: عبد الله [وقع في بعض المصادر: عبيد الله مصغرًا، وهو خطأ] بن عبد الله الأموي، فرواه عن عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، عن عمه، عن أبيه ثوبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى. . . فذكره.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 216/ 2201)، ومن طريقه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 506/ 1419).
من طريق: يعقوب بن حميد بن كاسب: ثنا عبد الله به.
أخرجه أبو نعيم في ترجمة ثوبان بن سعد أبي الحكم، ثمَّ قال:"يُذكر في التابعين، وأخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في الصحابة"، هكذا نقله عن ابن منده في المعرفة (1/ 361)، وقال ابن منده:"وخالفه أصحاب عبد الحميد، فقالوا: عنه عن عمر بن الحكم عن ثوبان، عن عبد الرحمن مرسلًا".
فتعقبه في الإصابة (1/ 414) بقوله: "قلت: عمر بن الحكم: معدود في التابعين، روى عن سعد بن أبي وقاص وغيره من الكبار، فكيف لا يكون جده صحابيًّا، وهو من الأنصار".
قلت: هو حديث منكر؛ والمعروف: ما رواه جماعة الحفاظ عن عبد الحميد بن جعفر، قال: حدثني أبي، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعًا.
وعبد الله بن عبد الله من ولد يزيد بن معاوية الأموي القرشي: روى عن جماعة، وروى عنه يعقوب بن حميد بن كاسب؛ ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال:"يخالف في حديثه"، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال:"لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به"، وذكر له حديثًا منكرًا غير هذا [التاريخ الكبير (5/ 127)، الضعفاء الكبير (2/ 271)، الجرح والتعديل (5/ 93)، الثقات (8/ 336)، الميزان (2/ 451)، التهذيب (2/ 370)].
ويعقوب بن حميد بن كاسب: حافظ، له مناكير وغرائب [انظر: التهذيب (4/ 440)، الميزان (4/ 450)].
• والحديث قال فيه ابن رجب في الفتح (2/ 647): "وفي إسناده اختلاف كثير، وتميم بن محمود، قال البخاري: في حديثه نظر".
قلت: قال البخاري عن تميم بن محمود هذا: "في حديثه نظر"، ولم يذكر له سماعًا من عبد الرحمن بن شبل، ولم يذكروا له راويًا غير جعفر بن عبد الله بن الحكم، وليس له من الحديث إلا هذا الحديث الواحد، بل لا يُعرف هذا الحديث إلا به، وقد ذكره في الضعفاء تبعًا للبخاري: العقيلي والدولابي وابن الجارود وابن عديّ وأبو العرب القيرواني، وخالف ابن حبَّان فذكره في الثقات، وأخرج حديثه في صحيحه فأخطأ، وصحح حديثه هذا أيضًا: ابن خزيمة والحاكم، ومن قال بأنّه روى عنه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي؛ فقد اختلطت عليه ترجمته بترجمة تميم بن خرشف عند ابن عديّ في الكامل (2/ 85)، والله أعلم [التاريخ الكبير (2/ 154)، الجرح والتعديل (2/ 442)، الثقات (4/ 87)، تهذيب الكمال (4/ 333)، إكمال مغلطاي (3/ 59)، الميزان (1/ 360)، تهذيب التهذيب (1/ 260)].
وقد قال العقيلي عن حديثه هذا: "ولا يتابع عليه".
وقال ابن عديّ: "وهذا الذي ذكره البخاري هو أيضًا حديث واحد، وليس له من الحديث إلا عن عبد الرحمن بن شبل، وعبد الرحمن: له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديثان أو ثلاثة"؛ يعني: عبد الرحمن بن شبل.
وأخطأ الحاكم حين قال: "هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه لما قدمت ذكره من التفرد عن الصحابة بالرواية"، وذلك لأنَّ تميم بن محمود مع جهالته متكلَّم فيه لأجل تفرده بهذا الحديث، فلم يتابع عليه.
فإن قيل: قد توبع عليه:
• فقد رُوي أيضًا من حديث: يزيد بن سلمة الضمري:
يرويه إسماعيل ابن علية، ويزيد بن زريع، وعبد الوارث بن سعيد، وهشيم بن بشير [وهم ثقات حفاظ]، وغيرهم:
عن عثمان البتي، عن عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه [يزيد بن سلمة الضمري]؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نقرة الغراب، وعن فِرشة السبع، وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير. ولم يذكر بعضهم الخصلة الثالثة.
أخرجه أحمد (5/ 446)، ومسدد بن مسرهد (2/ 267/ 1666 - إتحاف الخيرة)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 142/ 1051)، وابن قانع في المعجم (3/ 231)، وأبو الشيخ في الأمثال (289)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1350/ 3407).
قلت: قد وهم عثمان بن مسلم البتي [وهو: صدوق] في إسناد هذا الحديث؛ إنما هو عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعًا.
وكان عثمان البتي يسمي عبد الحميد بن جعفر: عبد الحميد بن سلمة، ويروي أحاديثه عن أبيه، أو: عن أبيه عن جده.
قال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 51) في ترجمة عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن
الحكم بن رافع بن سنان: "وقال بعضهم: عبد الحميد بن سلمة، وهو وهم"؛ يعني: وهم في اسمه عثمان البتي، وغيره يقول: عبد الحميد بن جعفر.
برهان ذلك: أن أبا حفص عمرو بن علي الفلاس قال: سمعت أبا عاصم يقول: سمعت عبد الحميد بن جعفر يقول: "أنا حدَّثت البتي بحديث التخيير بالأهواز"، وفي رواية:"لقيني عثمان البتي بالأهواز، فحدثته هذا الحديث"، قال ابن منده:"يعني: عن أبيه؛ أن جده رافع بن سنان أسلم"[شرح مشكل الآثار (8/ 105)، معرفة الصحابة لابن منده (2/ 701)، إيضاح الإشكال (23)]؛ يعني: فذهب يقول بعد ذلك: أخبرني عبد الحميد بن سلمة، يهم فيه.
قال الطحاوي في المشكل (8/ 105): "فبان بذلك أن عبد الحميد هذا المذكور في هذه الآثار هو: عبد الحميد بن جعفر، كما قال عيسى بن يونس".
وقال ابن منده: "والصواب: عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن تميم بن محمود".
• والذي يبين ذلك بجلاء: تتبع طرق حديث تخيير الابن بين أبويه إذا أسلم أحدهما [عند: أبي داود (2244)، والنسائيُّ في المجتبى (6/ 185/ 3495)، وفي الكبرى (5/ 292/ 5659) و (6/ 125 و 126/ 6352 - 6355)، وابن ماجه (2352)، والحاكم (2/ 206)، وأحمد (5/ 446 و 447)، وعبد الرزاق (7/ 160/ 12616)، وسعيد بن منصور (2276)، وابن سعد (7/ 81)، وابن أبي شيبة (6/ 9/ 29062) و (6/ 285/ 31460)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 261/ 900 - السفر الثاني)، وحرب الكرماني في مسائله لأحمد (2/ 659)، والروياني (1509)، والدولابي في الكنى (1/ 203/ 377)، والطحاوي في مشكل الآثار (8/ 100 - 104/ 3089 - 3093)، والدارقطني (4/ 43)، وابن منده في معرفة الصحابة (2/ 701)، وأبي طاهر المخلص في الثالث عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (22) (2851 - المخلصيات)، وأبي نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1006/ 2566) و (2/ 1051) و (3/ 1350/ 3406) و (5/ 2905) و (6/ 3397/ 7764)، والبيهقيُّ (8/ 3)، الخطيب في المبهمات (244 و 245)][وانظر: مسائل الكوسج (1066)، المحلى (10/ 327)، بيان الوهم (3/ 515/ 1287)، المغني لابن قدامة (8/ 190)، التحفة (3/ 96/ 3594) و (10/ 564/ 15586)، جامع التحصيل (155)، تحفة التحصيل (52)].
فإنَّه لم يروه بهذا الإسناد غير عثمان البتي، حيث قال فيه: عن عبد الحميد بن سلمة، عن أبيه، عن جده، وغيره يرويه عن عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن جده رافع بن سنان [وانظر أيضًا: الجرح والتعديل (4/ 177)، المغني (1/ 369)، الميزان (2/ 541)].
ومما يؤكد وهم البتي في إسناد هذا الحديث، وأنه قلب اسم الراوي؛ أن هذه السلسلة لا تُعرف إلا من قِبَله هو، قال الدارقطني وابن القطان الفاسي:"عبد الحميد بن سلمة وأبوه وجده: لا يعرفون"، وقال ابن حزم:"كل هؤلاء مجهولون"[المحلى (10/ 327)، بيان الوهم (3/ 515)، مصباح الزجاجة (3/ 51)، التهذيب (2/ 476)].
• فعاد بذلك حديث عثمان البتي إلى حديث عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن تميم بن محمود، عن عبد الرحمن بن شبل، وبان بذلك أنهما حديث واحد، قلب إسناده البتي، فالحدبث ضعيف؛ لتفرد تميم بن محمود به، وأنه لم يتابع عليه، وهو مجهول، وقد ضعفوه لأجل تفرده بهذا الحديث، لا سيما الخصلة الثالثة، والله أعلم.
أما الخصلة الأولى، وهي نقر الغراب؛ فرويت من حديث أبي هريرة، وأنس:
1 -
أما حديث أبي هريرة:
ففي رواية عن أبي هريرة، قال: أوصاني خليلي وصفيي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ: أمرني بركعتي الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني إذا سجدت أن أقعي إقعاء القرد، أو أنقر نقر الغراب، أو ألتفت التفات الثعلب.
وفي أخرى: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن لا أنام إلا على وتر، وركعتي الضحى، ونهاني عن الالتفات في الصلاة التفات الثعلب، وأقعي إقعاء القرد [وفي رواية: كإقعاء الكلب]، وأنقر نقر الديك.
وهو حديث منكر مضطرب، بذكر المنهيات الثلاث، ومما يؤكد نكارته أن جماعة من التابعين قد رووه عن أبي هريرة بحديث: أوصاني خليلي بثلاث، دون شقه الثاني في المنهيات، وقد تقدم تخريجه مطولًا تحت الحديث رقم (845).
2 -
وأما حديث أنس:
ففي أحد ألفاظه: عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني! وإذا سجدت فأمكن كفيك وجبهتك من الأرض، ولا تنقر نقر الديك، ولا تقع إقعاء الكلب، ولا تلتفت التفات الثعلب" في حديث طويل جدًّا.
وفي لفظ آخر: وفيه: "وإذا سجدت فضع عقبيك تحت أليتك، وأقم صلبك حتى يقع كل عضو مكانه، ولا تنقر كنقر الديك، ولا تقعى كإقعاء الكلب، ولا تبسط ذراعيك كبسط الثعلب،. . .".
ولحديث أنس هذا طرق كثيرة جدًّا جمعت أكثرها في تخريج الذكر والدعاء (1/ 120 - 127/ 63)، أغلبها مناكير، لا يقوي بعضها بعضًا.
وقد تقدم ذكر بعض ألفاظه بأسانيدها تحت الحديث رقم (845)، وهي أحاديث غرائب ومناكير، ومنها ما هو موضوع.
• وأما فرشة السبع، فجاءت من حديث عائشة، وأنس:
1 -
أما حديث عائشة:
فرواه بُدَيل بن ميسرةَ، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاةَ بالتكبير،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه: وكان إذا جلس يَفرْش رجله اليسرى وينصِب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، وعن فِرشَة السَّبُع، وكان يختم الصلاة بالتسليم، عليه السلام.
أخرجه مسلم (498)، وتقدم عند أبي داود برقم (783).
2 -
وأما حديث أنس:
يرويه قتادة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اعتدلوا في السجود، ولا يفترش أحدكم ذراعيه افتراش الكلب".
وهو حديث متفق عليه، ويأتي تخريجه مفصلًا في موضعه من السنن برقم (897)، إن شاء الله تعالى.
• وأما النهي عن الإيطان في المسجد: فقد تفرد به تميم بن محمود من حديث عبد الرحمن بن شبل؛ ولم يتابع عليه، على جهالته وضعفه؛ بل قد ثبت خلافه من حديث:
1 -
حديث سلمة بن الأكوع:
فقد روى يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع؛ أنَّه كان يتحرى موضع مكان المصحف يسبِّح فيه، وذكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة [وفي رواية: وبين الحائط] قدر ممر الشاة.
وفي لفظ له: كان سلمة يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت له: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها.
أخرجه البخاري (497 و 502)، ومسلم (509/ 263 و 264)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (696).
قال ابن رجب في الفتح (2/ 645): "وفي الحديث: دليل على أنَّه لا بأس أن يلزم المصلي مكانًا معينًا من المسجد يصلي فيه تطوعًا".
2 -
حديث أبي هريرة:
يرويه عثمان بن عمر بن فارس، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وعبد الله بن وهب، وأبو داود الطيالسي، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وحجاج بن محمَّد، وشبابة بن سوار، وآدم بن أبي إياس، وحسين بن محمَّد المروذي [وهم ثقات]، ويحيى بن أبي بكير [ثقة، ورواه عنه بهذا الوجه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وأحمد بن محمَّد بن يزيد بن أبي الخناجر، وهم ثقات، والأخير ترجمته في السير (13/ 240) وغيره]:
قالوا: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يُوطِنُ رجلٌ مسلمٌ المساجدَ للصلاة والذِّكر؛ إلا تَبَشْبَشَ الله به -يعني: حين يخرج من بيته-، كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم". لفظ حجاج.
أخرجه ابن ماجه (800)، وابن خزيمة (2/ 379/ 1503)، وابن حبَّان (4/ 484/ 1607) و (6/ 55/ 2278)، والحاكم (1/ 213)، وأحمد (2/ 328 و 453)(4/ 1753/ 8465) و (4/ 2054/ 9976 - ط المكنز)، والطيالسي (4/ 95/ 2455)، وأبو الشيخ في
الأمثال (290)، وابن بطة في الإبانة (7/ 335/ 265)، وابن منده في التوحيد (3/ 236/ 750).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد خالف الليث بن سعد بن أبي ذئب. . ."، فذكر حديث الليث.
وانظر فيمن وهم فيه على ابن وهب: غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 414).
• خالفهم: يعقوب بن الوليد المدني [هالك، منكر الحديث، كذبه أحمد وابن معين وأبو حاتم. التهذيب (4/ 447)]، ويحيى بن أبي بكير [وعنه: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة حافظ]:
فروياه عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة به مرفوعًا.
أخرجه أحمد بن منيع في مسنده (2/ 185/ 1477 - إتحاف الخيرة)، وعنه: حفيده أبو القاسم البغوي في الجعديات (2838).
وهذه الرواية وهمٌ، وإنما يرويه ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا، كما رواه الجماعة، والله أعلم.
• تابع ابن أبي ذئب عليه:
محمَّد بن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من رجلٍ كان يوطن المساجد، فشغله أمرٌ أو علةٌ، ثمَّ عاد إلى ما كان؛ إلا تبشبش الله إليه، كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم".
أخرجه ابن خزيمة (1/ 186/ 359).
هكذا رواه عن ابن عجلان مرفوعًا: يحيى بن سعيد القطان، وقد اختلف عليه:
أ - فرواه بندار محمَّد بن بشار [ثقةي: نا يحيى به هكذا مرفوعًا.
ب - وخالفه: مسدد بن مسرهد [ثقة ثبت]، فقال: حدثنا يحيى به نحوه، ولم يرفعه.
أخرجه مسدد (3/ 551/ 370 - مطالب)(2/ 185/ 1476 - إتحاف الخيرة).
قال ابن حجر في المطالب: "صحيح موقوف، ورواه ابن أبي ذئب عن سعيد مرفوعًا، أخصر منه".
وتابعه على الوجه الموقوف: أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد [ثقة ثبت]، قال: حدثنا ابن عجلان، عن المقبري، عن سعيد بن يسار أبي الحباب، عن أبي هريرة موقوفًا.
أخرجه أبو بكر الأنباري (44 - منتقى من حديثه).
وذكر الدارقطني في العلل (11/ 9/ 2086)(5/ 268/ 2086 - ط الريان) الاختلاف على ابن عجلان في رفعه ووقفه، فقال: "رواه يحيى بن سعيد القطان، وأبو عاصم النبيل، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي الحباب سعيد بن يسار، عن أبي هريرة موقوفًا.
وخالفهما: سليمان بن بلال، ومحمد بن الزبرقان أبو همام، روياه عن ابن عجلان بهذا الإسناد مرفوعًا".
قلت: يحتمل أن يكون هذا الاختلاف في الرفع والوقف من ابن عجلان نفسه، فقد تُكُلِّم في روايته عن سعيد المقبري، لكن الرفع هو المحفوظ لمجيئه عن اثنين من الحفاظ وهما أثبت الناس في سعيد المقبري: ابن أبي ذئب والليث بن سعد، وعليه فيكون ابن عجلان قد قصر به حين أوقفه، وتردد في رفعه ووقفه، فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا، لكن ذلك لا يضر حديثه هذا في شيء، لا سيما وابن عجلان لم يسلك فيه الجادة والطريق السهل؛ فإن أمارة الوهم من ابن عجلان في أحاديثه عن شيخه سعيد، فيما اختلط عليه ولم يضبطه: أن يقول: عن سعيد عن أبي هريرة [راجع في ذلك الحديث رقم (796)]، حيث يحتمل أن يكون أسقط الواسطة بين شيخه سعيد وبين أبي هريرة، أو يكون سمعه هكذا، فالذي يختلط إسنادُه على ابن عجلان ولم يضبطه يجعله: عن سعيد عن أبي هريرة، وابن عجلان في حديثنا هذا لم يسلك الجادة، وإنما حفظ الواسطة بين شيخه سعيد المقبري وبين أبي هريرة، بدليل متابعة ابن أبي ذئب له، وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد المقبري، والله أعلم.
• خالفهما:
الليث بن سعد [وعنه: هاشم بن القاسم، ويونس بن عبد الأعلى، وحجاج بن محمَّد، وعبد الله بن صالح، وشعيب بن الليث، ويحيى بن عبد الله بن بكير]، فقال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي عبيدة [أو: ابن عبيدة]، عن سعيد بن يسار؛ أنَّه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوضأ أحدٌ فيحسن وضوءه ويسبغه، ثمَّ يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله به، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته".
أخرجه ابن خزيمة (2/ 374/ 1491)، والحاكم (1/ 213)(1/ 150/ ب - رواق المغاربة)(15/ 10/ 18765 - إتحاف المهرة)، وأحمد (2/ 307 و 340 و 453)(4/ 1695/ 8180) و (4/ 1783/ 8603) و (4/ 2054/ 9976 - ط المكنز)، وعثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي (2/ 887 - 888)، والحارث بن أبي أسامة (128 - زوائده)(2/ 185/ 1478 - إتحاف الخيرة)[وسقط من إسناده أبو عبيدة]، وابن منده في التوحيد (3/ 237/ 751)[وسقط من إسناده أبو عبيدة]، وابن بشران في الأمالي (78 م)، والبيهقيُّ في الأسماء والصفات (3/ 43)(1103)، وأبو موسى المديني في اللطائف (323 و 614).
قال أبو موسى في الموضع الأوّل: "هذا حديث مشهور، رواه الأئمة والحفاظ، وتلقوه بالقبول، مسلمين له، غير منكرين عليه، ولا متكلمين فيه"، ثمَّ ذكر الاختلاف فيه على المقبري.
وقال في الموضع الثاني بعد أن أخرجه من طريق الحارث بن أبي أسامة بإسقاط أبي عبيدة من الإسناد، قال:"هذا إسناد صحيح، أخرج مسلم في صحيحه بهذا الإسناد حديثًا، وهذا الحديث وأمثاله يروى من غير إنكار ولا تأويل؛ اقتداءً بالسلف الصالح فيه".
قلت: نعم؛ أخرج مسلم (1014/ 63) بهذا الإسناد حديث: "ما تصدق أحدٌ
بصدقة. . ."، لكن المحفوظ عن الليث في هذا إثبات أبي عبيدة أو ابن عبيدة [وهو: مجهول] بين المقبري وبين سعيد بن يسار، قال الدارقطني في العلل (11/ 9/ 2086): "ورواه الليث بن سعد، عن المقبري، عن ابن عبيدة، أو: أبي عبيدة، عن أبي الحباب، عن أبي هريرة، وزاد في الإسناد رجلًا مجهولًا"؛ يعني: أبا عبيدة، أو ابن عبيدة.
وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه بأوسع من هذا، ثمَّ قال:"ويشبه أن يكون الليث قد حفظه من المقبري".
• قلت: قد اتفق ابن أبي ذئب وابن عجلان، فروياه عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف على ابن عجلان في رفعه ووقفه.
وخالفهما: فزاد في الإسناد رجلًا مجهولًا: الليث بن سعد، فرواه عن سعيد بن أبي سعيد، عن ابن عبيدة، أو: أبي عبيدة، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
• وقد يقال هنا بأن القولَ قولُ الليث بن سعد؛ وذلك لوجوه:
الأوّل: أن الليث من أثبت الناس في سعيد المقبري، قال أحمد بن حنبل:"أصح الناس حديثًا عن سعيد المقبري: ليث بن سعد"، وقال ابن المديني:"الليث، وابن أبي ذئب: ثبتان في حديث سعيد المقبري"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 334/ 602) و (1/ 350/ 659)، التهذيب (3/ 629)، شرح علل الترمذي (2/ 670)].
الثاني: أن الليث قد زاد في الإسناد رجلًا، والحكم لمن زاد إذا كان حافظًا.
الثالث: قول الدارقطني في العلل: "ويشبه أن يكون الليث قد حفظه من المقبري"، والذي يقتضي ترجيح رواية الليث.
• وأقول: وقول ابن أبي ذئب وابن عجلان محفوظ أيضًا لأمور:
الأوّل: أن ابن أبي ذئب من أثبت الناس في المقبري [كما قال ابن المديني، وتقدم نقل قوله، وقال ابن معين: "أثبت الناس في سعيد: ابن أبي ذئب"، التهذيب (2/ 23)]، ولم ينفرد عنه بهذا الإسناد، فقد تابعه عليه ابن عجلان.
الثاني: أن هذا الإسناد قد تتابع عليه مدنيان، بلديان للمقبري، وهما من أصحابه المكثرين عنه، وأهل بلد الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، لا سيما أصحابه والمكثرين عنه.
الثالث: أن إسناد الليث لم يعرف إلا خارج المدينة، فلم يتابعه عليه أحد من أهل المدينة عن المقبري، بخلاف إسناد ابن أبي ذئب وابن عجلان فإنَّه مدني، والإسناد الذي اشتهر في بلده أولى من الإسناد الذي لم يُعرف إلا خارج بلده.
الرابع: أن الليث قد زاد في روايته الوضوء وإسباغه، ولم يذكر توطين المساجد للصلاة والذكر، واختلاف الروايتين في اللفظ قرينة على القول بأن سعيدًا المقبري أخذه أولًا عن أبي عبيدة المذكور، ثمَّ اسثبته بعدُ من سعيد بن يسار، وهو من أقرانه، وبين وفاتيهما بضع سنين، ثمَّ حدث مرة بما سمع من أبي عبيدة، ومرات بما سمع من سعيد بن يسار، والله أعلم.
الخامس: أن قول الدارقطني لا يقتضي الترجيح، بقدر ما يقتضي أن الليث قد حفظ ما سمع من المقبري، مثلما حفظ ابن أبي ذئب وابن عجلان، فلا يمنع ذلك كونَ المقبري عنده فيه شيخان، سمعه من أحدهما ثمَّ أراد العلو، فسمعه من شيخ شيخه، ولو أراد الدارقطني مطلق الترجيح لاستعمل عباراته المعهودة في ذلك، مثل أن يقول: والمحفوظ أو الصحيح أو الصواب: قول الليث، ونحو ذلك، والله أعلم.
وعلى هذا فالقولان عندي محفوظان.
أحدهما: إسناد مدني صحيح.
والثاني: إسناد ضعيف؛ لأجل جهالة أبي عبيدة، والله أعلم.
والحديث قد صححه ابن خزيمة وابن حبَّان والحاكم، وصحح إسناده أبو موسى المديني، ونقل عن الأئمة والحفاظ تلقي هذا الحديث بالقبول والتسليم وعدم الإنكار، وهو حجة في إثبات صفة البشاشة للمولى جل وعلا على الوجه الذي يليق به، من غير تعطيل ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل.
• قال أبو بكر بن المنذر: "من سبق إلى مكان من المسجد فهو أحق به ما دام ثابتًا فيه، فإذا زال عنه زال حقه، إذ ليس أحدٌ أحقُّ به من أحدٍ، قال الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} الآية [الجن: 18]، وقال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] ".
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 162): "قوله: نقرة الغراب، هي أن لا يتمكن من السجود، ولا يطمئن فيه، بل يمس بأنفه وجبهته الأرض، ثمَّ يرفعه كنقرة الطائر.
وافتراش السبع: أن يمد ذراعيه على الأرض، فلا يرفعهما.
وأما إيطان البعير، فقال أبو سليمان الخطابي: فيه وجهان:
أحدهما: أن يألف الرجل مكانًا معلومًا من المسجد لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه.
والوجه الآخر: أن يبرك على ركبتيه إذا أراد السجود بروك البعير على المكان الذي أوطنه، ولا يهوي فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومهل".
وانظر: النهاية لابن الأثير (5/ 103 و 203)، وقد تقدم أن بيَّنت ضعف حديث الإيطان، وأنه قد صح ما جاء بخلافه، والله أعلم.
***
863 -
. . . جرير، عن عطاء بن السائب، عن سالم البرَّاد، قال: أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري أبا مسعود، فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين أيدينا في المسجد، فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفلَ من ذلك، وجافى بين مِرفَقيه، حتى استقرَّ كلُّ شيء منه، ثمَّ قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقرَّ كلُّ شيء منه، ثمَّ كبر وسجد، ووضع كفَّيه على الأرض، ثمَّ
جافى بين مِرفَقيه حتى استقرَّ كلُّ شيء منه، ثمَّ رفع رأسه فجلس حتى استقرَّ كلُّ شيء منه، ففعل مثل ذلك أيضًا، ثمَّ صلى أربعَ ركَعاتٍ مثل هذه الركعة، فصلى صلاته، ثمَّ قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.
• حديث صحيح.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 302 - 303/ 598)، وابن حبَّان في الصلاة (11/ 256/ 13989 - إتحاف المهرة)، والحاكم (1/ 224)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده الكبير (2/ 370/ 1909 - إتحاف الخيرة)، والطبراني في الكبير (17/ 242/ 672)، والبيهقيُّ (2/ 127).
هكذا رواه عن جرير بن عبد الحميد: زهير بن حرب، ويوسف بن موسى بن راشد القطان، ويحيى بن المغيرة، وقتيبة بن سعيد، وعثمان بن أبي شيبة، وهم ثقات.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، وفيه ألفاظ عزيزة، ولم يخرجاه لإعراضهما عن عطاء بن السائب،. . .".
قلت: أنى له الصحة، وعطاء بن السائب كان قد اختلط، وقد نصوا على أن جرير بن عبد الحميد ممن سمع منه بعد الاختلاط، لكن جريرًا لم ينفرد به:
2 -
فقد رواه أبو الأحوص سلام بن سليم [ثقة ثبت]، عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد، قال: أتينا أبا مسعود الأنصاري في بيته، فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام يصلي بين أيدينا، [وكبر]، فلما ركع وضع كفيه [وفي رواية: راحتيه] على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وجافى مرفقيه حتى استوى كل شيء منه، ثمَّ رفع رأسه، ثمَّ قال:"سمع الله لمن حمده"، فقام حتى استوى كل شيء منه، ثمَّ سجد، ففعل مثل ذلك، فصلى ركعتين، فلما قضاهما، قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 186/ 1036)، وفي الكبرى (1/ 322/ 628)، وابن أبي شيبة (1/ 220/ 2524) و (1/ 257/ 2962)، والطبراني في الكبير (17/ 242/ 672).
3 -
ورواه زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، عن عطاء، عن سالم أبي عبد الله، عن عقبة بن عمرو، قال: ألا أصلي لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ فقلنا: بلى، فقام فلما ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه من وراء ركبتيه [وفي رواية: وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه]، وجافى إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ رفع رأسه فقام حتى استوى كل شيء منه، ثمَّ سجد فجافى إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ قعد حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ سجد حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ صنع كذلك أربع ركعات، ثمَّ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وهكذا كان يصلي بنا.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 186/ 1037)، وفي الكبرى (1/ 323/ 629)،
وأحمد (4/ 120)، والطبراني في الكبير (17/ 241/ 670)، والبيهقيُّ (2/ 121)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 307).
4 -
ورواه ابن علية [ثقة ثبت]، عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد، قال: قال أبو مسعود: ألا أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ قلنا: بلى، فقام فكبر، فلما ركع جافى بين إبطيه، حتى لما استقر كل شيء منه رفع رأسه، فصلى أربع ركعات هكذا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 187/ 1038)، وفي الكبرى (1/ 323/ 630).
5 -
ورواه همام بن يحيى [ثقة]: حدثنا عطاء بن السائب، قال: حدثنا سالم البراد - قال: وكان عندي أوثق من نفسي -، قال: قال لنا أبو مسعود البدري: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: [فصلى بنا أربع ركعات؛ الظهر أو العصر]، فكبر، فركع، فوضع كفيه على ركبتيه، وفُصِلَتْ أصابعُه على ساقيه [وفي رواية: وفرَّج بين أصابعه]، وجافى عن إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ قال:"سمع الله لمن حمده"، فاستوى قائمًا حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ كبر، وسجد، وجافى عن إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ رفع رأسه، فاستوى جالسًا حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ سجد الثانية، فصلى بنا أربع ركعات هكذا، ثمَّ قال: هكذا كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى.
وفي رواية مختصرة: قال أبو مسعود البدري: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى بنا أربع ركعات، يكبر فيهن كلما خفض ورفع، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[عند الطحاوي (1/ 221)].
أخرجه الدارمي (1/ 340/ 1304)، وأحمد (4/ 119)، والطيالسي (2/ 15/ 654)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 151/ 1393) و (3/ 163/ 1424)، والطحاوي (1/ 221 و 229)، والطبراني في الكبير (17/ 240/ 668).
6 -
ورواه أبو عوانة [ثقة ثبت]، عن عطاء بن السائب: حدثنا سالم البراد، قال: دخلنا على أبي مسعود الأنصاري، فسألناه عن الصلاة؟ فقال: ألا أصلي بكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي؟ قال: فقام فكبر ورفع يديه، ثمَّ ركع فوضع كفيه على ركبتيه، وجافى بين إبطيه، قال: ثمَّ قام حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ سجد فوضع كفيه وجافى بين إبطيه، ثمَّ رفع رأسه حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ صلى أربع ركعات هكذا.
أخرجه أحمد (5/ 274).
7 -
10 - ورواه مفضل بن مهلهل [ثقة ثبت]، وخالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث [صدوق، كثير الخطأ]، وحماد بن شعيب [ضعفوه، وقال البخاري: "فيه نظر"، اللسان (3/ 270)]، وغيرهم:
عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد، قال: سألت عقبة بن عمرو عن صلاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقام إلى المسجد، فكبر ثمَّ ركع، ووضع يديه على ركبتيه، وأصابعه أسفل من ذلك، وجافى بإبطيه، فركع حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ قام حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ سجد فوضع يديه على الأرض، وجافى بإبطيه، وسجد حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ جلس حتى استقر كل شيء منه، ثمَّ سجد، حتى صلى أربع ركعات، ثمَّ قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي. واللفظ لمفضل.
أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 241 و 242/ 669 و 671 و 673)، وفي الأوسط (3/ 126/ 2687)، وأبو طاهر السلفي فيما انتخبه على شيخه أبي الحسين الطيوري "الطيوريات"(389).
• هكذا روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب: زائدة بن قدامة، ومفضل بن مهلهل، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وهمام، وجرير، وخالد الطحان، وابن علية، وأبو الأشهب، وغيرهم.
ومن هؤلاء من روى عن عطاء بعد الاختلاط، مثل: جرير، وخالد الطحان، وابن علية، ومنهم من روى عنه في الحالين، ولم يفصل هذا من هذا، مثل: أبي عوانة، ومنهم من روى عنه قبل الاختلاط، مثل: زائدة، ويقرب منه مفضل بن مهلهل؛ فإنَّه توفي سنة (167) قبل زهير بن معاوية وحماد بن زيد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط.
وأولى منه: همام بن يحيى فإنَّه توفي سنة (163) وقيل: بعدها، فهو قريب من سفيان وشعبة وزائدة.
وأما أبو الأحوص سلام بن سليم، فهو كوفي، توفي هو وحماد بن زيد سنة (179)، وحماد: ممن نص الأئمة على أنَّه سمع من عطاء قبل الاختلاط، لكن يعكِّر عليه أن أبا عوانة توفي سنة (176) أو قبلها، وهو ممن سمع في حال الصحة والاختلاط فلم يفصل هذا من هذا، ولم أر من نص من الأئمة على أن أبا الأحوص سمع من عطاء قبل الاختلاط أو بعده، لكني وجدت له عن عطاء ما يدلّ على أنَّه روى عنه بعد الاختلاط [انظر في هذا: ما تقدم تحت الحديث (249)].
وحديث عطاء بن السائب قبل اختلاطه صحيح، وأما بعد اختلاطه فليس بشيء.
قال يحيى بن سعيد القطان: "من سمع من عطاء بن السائب قديمًا فسماعه صحيح"[جامع الترمذي (2816)، شرح العلل (2/ 734)].
وقال أيضًا: "ما سمعت أحدًا من الناس يقول في عطاء بن السائب شيئًا في حديثه القديم"[التاريخ الكبير (6/ 465)، الجرح والتعديل (6/ 333)، الضعفاء الكبير (3/ 399)].
وقال أحمد بن حنبل: "من سمع منه قديمًا كان صحيحًا، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء"[الجرح والتعديل (6/ 333)، التهذيب (3/ 104)].
وكذا قال ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، والنسائيُّ، والساجي، ويعقوب بن سفيان، وغيرهم [انظر: التهذيب (3/ 104) وغيره].
وممن سمع منه قديمًا: شعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني، وسفيان بن عيينة، وهشام الدستوائي، وزهير، وزائدة.
وسمع منه في الحالين في الصحة والاختلاط، فلم يفصل هذا من هذا، ولم يميز بينهما: أبو عوانة، قال:"كتبت عن عطاء قبلُ وبعدُ فاختلط عليَّ"، وكذلك حماد بن سلمة.
وسمع منه بأخرة بعد الاختلاط: جرير بن عبد الحميد، وإسماعيل ابن علية، وخالد بن عبد الله الواسطي، وجماعة آخرون.
فإن قيل: لم ينص أحد من الأئمة المتقدمين على أن زائدة ممن روى عن عطاء قبل الاختلاط؛ فيقال: كلامهم يدلّ على قبول رواية من كان في طبقة سفيان وشعبة من الكبار، وتقدم نقل كلام يحيى بن سعيد القطان، وأحمد بن حنبل، وقال الدارقطني في العلل (11/ 143/ 2179):"وعطاء اختلط، ولم يخرجوا عن عطاء، ولا يحتج من حديثه إلا بما رواه الأكابر: شعبة، والثوري، ووهيب، ونظراؤهم، وأما ابن علية والمتأخرون ففي حديثهم عنه نظر".
ففي هذا دليل على أنهم يقبلون رواية من كان في طبقة سفيان وشعبة، والله أعلم.
بل قد نص عليه الطبراني، فقال عن عطاء:"ثقة، اختلط في آخر عمره، فما رواه عنه المتقدمون فهو صحيح، مثل: سفيان وشعبة وزهير وزائدة"[التهذيب (3/ 105)].
لذا فقد ختم ابن حجر ترجمته في التهذيب (3/ 105)، بقوله:"فيحصل لنا من مجموع كلامهم: أن سفيان الثوري، وشعبة، وزهيرًا، وزائدة، وحماد بن زيد، وأيوب، عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيه إلا حماد بن سلمة، فاختلف قولهم، والظاهر: أنَّه سمع منه مرتين، مرة مع أيوب، كما يوميء إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لما دخل إليهم البصرة، وسمع منه مع جرير وذويه، والله أعلم".
وقال أيضًا في هدي الساري (425): "وتحصل لي من مجموع كلام الأئمة: أن رواية شعبة وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط، وأن جميع من روى عنه غير هؤلاء فحديثه ضعيف؛ لأنه بعد اختلاطه؛ إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه".
[انظر: تاريخ ابن معين للدوري (2/ 403)، الجرح والتعديل (6/ 334)، المعرفة والتاريخ (3/ 84)، الكواكب النيرات (39)، مسائل أحمد لأبي داود (1847 - 1853)، الضعفاء الكبير (3/ 399)، الكامل (5/ 361)، التقييد والإيضاح (423)، التاريخ الكبير (3/ 160)، شرح علل الترمذي (735)، التهذيب (3/ 104)، هدي الساري (446)][راجع الحديث المتقدم برقم (249)].
• والحاصل: فإن هذا الحديث من صحيح حديث عطاء بن السائب، والذين رووا عنه هذا الحديث لم يختلفوا عليه فيه اختلافًا مؤثرًا، فإن موضوعه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد ذكروا فيه: التكبير، والركوع، ووضع الكفين على الركبتين، وجعل الأصابع مفرقة، خلف الركبتين، أسفل من ذلك، وقول:"سمع الله لمن حمده" عند الرفع من الركوع، والمجافاة بين اليدين والجنبين حال الركوع والسجود، والطمأنينة في الركوع وفي الرفع منه، وفي السجود وفي الرفع منه، ووضع اليدين على الأرض حال السجود، وكل هذه الصفات قد وردت في الأحاديث الصحيحة [راجع: حديث وائل بن حجر برقم (726 و 728)، وحديث أبي حميد الساعدي برقم (730)، بالإضافة إلى أحاديث الباب]، وأما جعل الأصابع مفرقةً خلف الركبتين، أسفل من ذلك، فلا يظهر لي فيه نكارة، وقد جاء معناه في حديث أبي حميد الساعدي [راجع: الأحاديث رقم (730 و 731 و 732 و 734)] وعلى فرض القول بانفراد عطاء بن السائب به؛ فلا يضر، طالما ثبت ذلك من حديثه قبل الاختلاط، فإن حديثه عندئذ يكون حجة، والله أعلم.
وعليه: فهو حديث صحيح؛ مروي بإسناد صحيح متصل، وسالم أبو عبد الله البراد: سمع أبا مسعود البدري، وسمع منه عطاء بن السائب [قاله البخاري في التاريخ الكبير (4/ 108)]، وسالم: ثقة، والله أعلم.
• وفي الباب أيضًا:
ما رواه هارون بن معروف، وغيره:
حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، قال: جلسنا إلى عبد الرحمن بن أبزى، فقال: ألا أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلنا: بلى، قال: فقام فكبر، ثمَّ قرأ، ثمَّ ركع فوضع يديه على ركبتيه، حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثمَّ رفع حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثمَّ سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثمَّ رفع حتى أخذ كل عظم مأخذه، ثمَّ سجد حتى أخذ كل عظم مأخذه، ثمَّ رفع، فصنع في الركعة الثانية كما صنع في الركعة الأولى، ثمَّ قال: هكذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أحمد (3/ 407)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 246/ 1275).
وهذا إسناد شامي حسن غريب.
• فائدة، وتتميم:
• روى علي بن الجعد: ثنا عبد الملك بن الحسين أبو مالك النخعي، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي عبد الله البراد، عن عقبة بن عمرو، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع عدل ظهره؛ حتى لو صُبَّ على ظهره ماءٌ رَكَد.
أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 242/ 674)، وفي الأوسط (5/ 242/ 5205).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير إلا عبد الملك بن حسين".
قلت: هذا حديث منكر؛ وأبو مالك النخعي عبد الملك بن الحسين هذا: متروك، منكر الحديث [التقريب (1199)، التهذيب (4/ 580)]، والحديث قد رواه جماعة عن
عطاء بن السائب، عن سالم أبي عبد الله البراد، عن عقبة مرفوعًا بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه هذه الجملة في صفة الركوع.
• وقد روي ذلك عن عدد من الصحابة؛ منهم:
1 -
وابصة بن معبد:
رواه إبراهيم بن محمَّد بن يوسف بن سرج الفريابي: حدثنا عبد الله بن عثمان بن عطاء الخراساني: حدثنا طلحة بن زيد، عن راشد بن أبي راشد، قال: سمعت وابصة بن معبد، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان إذا ركع سوَّى ظهره؛ حتى لو صُبَّ عليه الماءُ لاستقرَّ.
أخرجه ابن ماجه (872)، وابن قانع في المعجم (3/ 185)، والطبراني في الكبير (22/ 147/ 400).
وهذا حديث موضوع؛ طلحة بن زيد الرقي: منكر الحديث، قال أحمد وابن المديني وأبو داود:"يضع الحديث"[التهذيب (2/ 238)].
وعبد الله بن عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني: سئل عنه أبو حاتم فقال: "صالح"، وقال ابن أبي حاتم:"سمعت موسى بن سهل الرملي يقول: هذا أصلح من أبي طاهر المقدسي موسى بن محمَّد قليلًا، وكان أبو طاهر يكذب"، وقال ابن حبَّان:"يعتبر حديثه إذا روى عنه غير الضعفاء"[الجرح والتعديل (5/ 113)، الثقات (8/ 347)، التهذيب (2/ 384)].
وإبراهيم بن محمَّد بن يوسف بن سرج الفريابي، نزيل بيت المقدس، وليس بابن صاحب الثوري، قال أبو حاتم:"صدوق"، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال الساجي:"يحدث بالمناكير والكذب"، قلت: يعني: لروايته بهذا الإسناد جملة أحاديث [التهذيب (1/ 85)، الميزان (1/ 61)].
وراشد بن أبي راشد: لا يُعرف، قال الذهبي في الميزان (2/ 37):"ما حدث عنه سوى طلحة بن زيد الرقي الواهي".
2 -
البراء بن عازب:
رواه أبو يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن [صدوق يخطئ]، عن الثوري، عن مسلم أبي فروة الجهني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوعه، وسجوده، ورفع رأسه من الركوع: متقارب، وكان إذا ركع لو صُبَّ على ظهره ماءٌ استقرَّ، وكان لا يخفض رأسه ولا يرفعه.
علقه ابن أبي حاتم في العلل (397).
قال أبو حاتم: "ليس ذكره عن البراء بمحفوظ".
قلت: يعني: من حديث الثوري؛ فقد رواه عبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت إمام، من أثبت أصحاب الثوري]، والحسين بن حفص الأصبهاني [صدوق، من أصحاب الثوري]:
عن الثوري، عن مسلم أبي فروة الجهني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو صُبَّ على ظهره ماءٌ لاستقرَّ.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (2/ 132)، وعلقه ابن أبي حاتم في العلل (397).
• ورواه شعبة، وعبد الله بن إدريس:
عن أبي فروة مسلم الجهني، عن ابن أبي ليلى، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو صُبَّ كوز من ماءٍ على ظهره لاستنقع عليه. لفظ شعبة.
وقال ابن إدريس: لو صببْتَ على كتفيه ماءً لاستقرَّ.
أخرجه أبو داود في المراسيل (43)، وابن أبي شيبة (1/ 226/ 2592).
قلت: وهذا هو المحفوظ؛ مرسل بإسناد حسن، ومسلم بن سالم النهدي، أبو فروة الجهني: صالح الحديث، ليس به بأس، من رجال الشيخين.
• فإن قيل: قد روي من وجه آخر موصولًا:
روى عبد الله بن أحمد في المسند لأبيه (1/ 123)، وعنه: أبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (53).
قال عبد الله: وجدْتُ في كتاب أبي، قال: أُخبِرت عن سنان بن هارون: ثنا بيان، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وُضِع قدحٌ من ماءٍ على ظهره لم يُهراق.
هكذا أُبهم الراوي فيه عن سنان.
• خالفه: سلم بن سلام أبو المسيّب الواسطي، فرواه عن سنان بن هارون، عن بيان بن بشر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع عدل ظهره؛ حتى لو صُبَّ عليه ماءْ لاستقرَّ.
وفي رواية: كان إذا ركع يماهد ظهره، حتى لو وضعت عليه قدحًا من ماء ما هراق منه شيء.
أخرجه بحشل في تاريخ واسط (247)، والدارقطني في العلل (3/ 275/ 402)، وفي المؤتلف (3/ 1297)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (186)(2341 - المخلصيات)[وفي سنده سقط].
من طريق مصعب بن عبد الله بن مصعب الواسطي، ولقبه شيخان: حدثنا سلم به.
قال الدارقطني: "وهو أشبه بالصواب".
قلت: يعني: من حديث أحمد؛ فإنَّه عن مبهم، لا يدرى من هو؛ بخلاف هذا فإنَّه عن سلم بن سلام أبي المسيّب الواسطي، شيخ معروف، روى عنه جماعة من الواسطيين وغيرهم [الجرح والتعديل (4/ 268)، تالي تلخيص المتشابه (136)، تهذيب الكمال (11/ 226)، تاريخ الإِسلام (14/ 176)، تهذيب التهذيب (2/ 65)، وقال في التقريب:
"مقبول"، وفي الخلاصة:"مقل"]، ولم أقف فيه على جرح أو تعديل.
والراوي عنه: مصعب بن عبد الله بن مصعب الواسطي، ولقبه شيخان: ذكره ابن حبَّان في الثقات [الثقات (9/ 175)، فتح الباب (1017)، إكمال ابن ماكولا (4/ 385)، الأنساب (3/ 490)، توضيح المشتبه (5/ 388)].
لكن سنان بن هارون المتفرد به عن بيان بن بشر: هو علة هذا الطريق؛ فإنَّه وإن نُقِل عن الذهلي توثيقه [كما في: إكمال مغلطاي (6/ 123)، وعنه: ابن حجر في التهذيب (2/ 119)]، وقال العجلي:"كوفي، لا بأس به"، وقال البزار:"رجل من أهل الكوفة، ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"شيخ"، فقد تكلم فيه آخرون بين مليِّن ومضعِّف:
فأما قول ابن عديّ بعد أن أنكر عليه حديثًا: "ولسنان بن هارون أحاديث، وليس بالمنكر عامتُها، وأرجو أنَّه لا بأس به"، ففيه دليل على أنَّه أنكر عليه عدة أحاديث منها الحديث المذكور، إلا أن عامة حديثه ليس منكرًا، هو فيها ليس به بأس، والشاهد من كلام ابن عديّ أن له مناكير.
وأما تقديم ابن معين لسنان على أخيه سيف فلا يعني توثيقه، فكلاهما عنده ضعيف؛ إلا أن سيفًا أشد ضعفًا، يدلّ على ذلك أنَّه قال فيهما جميعًا:"سنان بن هارون وسيف بن هارون: ضعيفان، وسنان أعجبهما إليَّ"[كما في ضعفاء العقيلي (2/ 171 و 174)]، وقال أيضًا:"سيف وسنان أبناء هارون البرجمي: ضعيفًا الحديث، وسنان أمثلهما قليلًا"[كما في رواية ابن طهمان (312)]، ولما سئل عن سنان وحده، قال:"ضعيف"[كما في سؤالات ابن محرز (1/ 70/ 166)]، وقال في رواية ابن أبي خيثمة عنه:"سنان بن هارون البرجمي: ليس حديثه بشيء"[كما في المجروحين (1/ 354)]، بل إنه في روايةٍ عند عباس الدوري (3/ 336/ 1627) قدَّم سيفًا على سنان، فقال:"سيف بن هارون البرجمي أحب إليَّ من سنان"، فإن قيل: قد روى عنه إسحاق بن منصور أنَّه قال فيه: "صالح"[كما في الجرح (4/ 253)]، فيقال: تُقدم رواية الجرح لكون رواتها أكثر عددًا وأطول صحبة لابن معين من الكوسج، فقد روى عنه التضعيف: عباس الدوري وابن أبي خيثمة وابن محرز وابن طهمان.
وقال أبو داود: "ليس بشيء"، وقال النسائي:"سنان: ضعيف"، وقال الساجي:"ضعيف الحديث، منكر الأحاديث"، وقال ابن حبَّان لما أورده في المجروحين:"منكر الحديث جدًّا، يروي المناكير عن المشاهير"، وقال الدارقطني:"يُعتبر به".
وقد أدخله العقيلي في ضعفائه، وقال:"حديثه غير محفوظ"، ثمَّ أورد له حديث أنس عن أم حبيبة في تخيير المرأة في الآخرة بين زوجيها في الدنيا، ثمَّ قال:"ولا يحفظ إلا من حديث سنان"، وهو معنى ما قال البزار في نفس الحديث [المسند (6631)]، لكن حَكَم أبو حاتم على حديث أم حبيبة هذا بأنّه: موضوع، لا أصل له، ثمَّ قال:"سنان عندنا: مستور"[العلل (1252)]، وذلك لأنَّ المتفرد به عن سنان هو: عبيد بن إسحاق
العطار، وهو: منكر الحديث [اللسان (5/ 349)، كنى مسلم (69)، أسامي الضعفاء (195)]، فألزق التهمة به، وصرح بذلك أبو زرعة الرازي لما سئل عن حديث سنان هذا، فقال:"ذاك ليس منه -يعني: ليس من سنان-، ذاك من عبيد بن إسحاق"[سؤالات البرذعي (2/ 459)]، ولذلك فقد أصاب ابن عديّ حيث لم ينكر هذا الحديث على سنان، وإنما أنكره على عبيد بن إسحاق [الكامل (5/ 348)]، وذلك لأنَّ سنانًا لا يصل أمره إلى حدّ اتهامه بالوضع، وإنما التبعة فيه على عبيد بن إسحاق.
وليس لسنان في الكتب الستة غير موضع واحد عند الترمذي، ولما أخرج له الترمذي حديثه هذا عن ابن عمر؛ أن عثمان يُقتل مظلومًا: استغربه من هذا الوجه، كما أن لسنان غرائب ومناكير قد تفرد بها غير هذين الحديثين [كما عند: البزار (17/ 126/ 9708)، والطبراني في المعجم الأوسط (4/ 321/ 4324) و (5/ 354/ 5535) و (6/ 64/ 5805) و (8/ 8/ 7789) و (8/ 18/ 7825)، وابن عديّ في الكامل (3/ 439)، والدارقطني في العلل (13/ 347/ 3228)].
[انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى (6/ 387)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 278/ 1330) و (3/ 422/ 2064 و 2065)، سؤالات ابن طهمان (312)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 16/ 3948)، التاريخ الكبير (4/ 166)، سؤالات البرذعي (2/ 459)، سؤالات الآجري (5/ ق 35)، ثقات العجلي (547)، جامع الترمذي (3708)، مسند البزار (13/ 183/ 6631)، ضعفاء العقيلي (2/ 171 و 174)، الجرح والتعديل (4/ 253)، المجروحين (1/ 354)، الكامل (3/ 429 و 439)، ضعفاء الدارقطني (282)، سؤالات البرقاني (214)، تاريخ أسماء الثقات (489)، الأنساب (1/ 309)، الميزان (2/ 235)، تاريخ الإِسلام (11/ 151) و (12/ 179)، إكمال مغلطاي (6/ 123)، التهذيب (2/ 119)].
• والحاصل من هذه النقول في سنان بن هارون البُرجُمي يتبين أنَّه: ضعيف الحديث، وفي تفرده بهذا عن أبي بشر بيان بن بشر الأحمسي البجلي الكوفي: نكارة ظاهرة، فضلًا عن غرابة الإسناد إليه، وبذلك يبقى المحفوظ فيه:
ما رواه سفيان الثوري، وشعبة، وعبد الله بن إدريس: عن أبي فروة مسلم بن سالم الجهني، عن ابن أبي ليلى مرسلًا؛ ليس فيه ذكر البراء ولا علي.
وهذا هو ما ذهب إليه ابن رجب في الفتح (5/ 54) حيث عقب الحديث بقوله: "وسنان: ضعيف"، ثمَّ عقبه برواية أحمد، ثمَّ برواية أبي داود في مراسيله من طريق شعبة مرسلًا، ثمَّ قال:"وهو أصح".
• كما أن هذا الحديث قد رواه الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع، وبين السجدتين: قريبًا من السواء.
هكذا بدون الزيادة موضع الشاهد، وهو حديث متفق عليه [أخرجه البخاري (792 و 801)، ومسلم (471/ 194)، وتقدم تخريجه عند أبي داود برقم (852)].
3 -
ابن عباس:
رواه سلام بن سليم الطويل [متروك]، عن زيد بن الحواري العمي [ضعيف]، عن أبي نضرة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى فلو صب على ظهره الماء لاستقر [وفي رواية: ماء لأمسكه].
أخرجه أبو يعلى (4/ 335/ 2447)، والطبراني في الكبير (12/ 167/ 12781)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 101).
قال أبو نعيم: "غريب من حديث أبي نضرة، لم يروه عنه إلا زيد العمي".
قلت: وإسناده واهٍ جدًّا.
• وروي من وجه آخر:
رواه الربيع بن بدر [ولقبه عُلَيلة: متروك]: حدثنا سيار بن سلامة، عن أبي العالية، عن ابن عباس؛ قال: كان يعلمنا الركوع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم، ثمَّ [يقوم فيركع لنا، فيستوي لنا راكعًا، حتى لو قُطِرتْ بين كتفيه قطرةٌ من ماءٍ ما تقدَّمت ولا تأخَّرت.
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 159/ 12755)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 280).
قلت: وهذا حديث منكر؛ لتفرد عليلة به عن سيار بن سلامة الرياحي.
4 -
أبو برزة الأسلمي:
رواه صالح بن زياد السوسي [ثقة]، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان [ثقة]، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو صُبَّ على ظهره ماءٌ لاستقرَّ.
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 22/ 5676).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد بن سلمة إلا يحيى بن سعيد العطار الحمصي، تفرد به: صالح بن زياد".
قلت: هو حديث منكر؛ لتفرد يحيى بن سعيد العطار الحمصي به عن حماد بن سلمة البصري، ويحيى بن سعيد هذا: ضعيف، روى أحاديث منكرة [التهذيب (4/ 359)، الميزان (4/ 379)، الجرح والتعديل (9/ 152)، الكامل (7/ 193)]، وقد تصحف عند بعضهم العطار إلى القطان فجوَّد إسناده [البدر المنير (3/ 599)].
5 -
أنس بن مالك:
رواه عمرو بن الربيع بن طارق: حدثنا يحيى بن أيوب، عن محمَّد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لو جُعِل على ظهره قدحُ ماءٍ لاستقرَّ من اعتداله.