الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء عن الخلفاء الراشدين لا سيما أبا بكر وعمر، لزم الأمة العمل به، فإن عمر بن الخطاب أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سُنَّتهم، لقوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، وأمرنا بالاقتداء بهم لقوله صلى الله عليه وسلم:"اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر"، وعلق حصول الرشد بطاعتهم، فقال:"إن يطعِ الناسُ أبا بكر وعمر يرشدوا"[تقدم برقم (441)].
وبها يترجح تقديم الركبتين على اليدين عند النزول للسجود، والله أعلم.
***
142 - باب النهوض في الفرد
842 -
. . . قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم-، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا هذا، فقال: والله إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريَكم كيف رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: قلت لأبي قلابة: كيف صلى؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا -يعني: عمرو بن سَلِمة إمامَهم- وذكر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى قعد، ثم قام.
• حديث صحيح.
أخرجه من طريق أبي داود: ابن حزم في المحلى (4/ 124)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 255).
***
843 -
قال أبو داود: حدثنا زياد بن أيوب: حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاءنا أبو سليمان مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، فقال: واللّه إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريَكم كيف رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة.
• حديث صحيح.
أخرجه من طريق أبي داود:
ابن عبد البر في التمهيد (19/ 255).
وأخرجه من طريق زياد بن أيوب [وهو ثقة حافظ]:
النسائي في المجتبى (2/ 233/ 1151)، وفي الكبرى (1/ 370/ 741)، والدولابي في الكنى (1/ 108/ 224)، وأبو العباس السراج في مسنده (1299)، وفي حديثه بانتقاء
الشحامي (1262)، والدارقطني (1/ 345)، وقال:"هذا إسناد صحيح ثابت".
وانظر فيمن وهم في إسناده على النسائي: الكنى للدولابي (1/ 219/ 400).
• وممن رواه أيضًا عن إسماعيل ابن علية بمثل رواية زياد بن أيوب:
أحمد بن حنبل، قال: حدثنا إسماعيل به، وزاد في آخره: ثم قام.
أخرجه أحمد (3/ 436).
• وقد رواه عن أيوب جماعة غير ابن علية [وهو ثقة ثبت، من أثبت أصحاب أيوب، قدمه بعضهم في أيوب على حماد بن زيد]:
1 -
فرواه وهيب بن خالد [ثقة ثبت، من أصحاب أيوب]:
رواه معلَّى بن أسد، وعفان بن مسلم، وإبراهيم بن الحجاج السامي، والعباس بن الوليد النرسي [وهم ثقات]:
قالوا: حدثنا وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاءنا مالك بن الحويرث، فصلى بنا في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، قال أيوب: فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا -يعني: عمرو بن سلِمة-، قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير، وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض، ثم قام.
أخرجه البخاري (824)، والطبراني في الكبير (19/ 287/ 634)، والبيهقي في السنن (2/ 123)، وفي المعرفة (2/ 21/ 869).
• ورواه موسى بن إسماعيل [ثقة ثبت]، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، أصلي كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ قال: مثل شيخنا هذا، قال: وكان شيخًا يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى.
أخرجه البخاري (677).
• وقد اختلف فيه على وهيب:
أ- فرواه معلَّى بن أسد، وعفان بن مسلم، وموسى بن إسماعيل، وإبراهيم بن الحجاج السامي، والعباس بن الوليد النرسي:
عن وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة به.
ب - ورواه العلاء بن عبد الجبار البصري [ليس به بأس]: ثنا وهيب، قال: ثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: جاءنا في مسجدنا فصلى بنا، فقال: أريد أن أريكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض، ثم قام.
أخرجه ابن الجارود (204).
وأرى هذه الرواية وهمًا من العلاء بن عبد الجبار العطار البصري، حيث قال: عن وهيب عن خالد، وإنما هو: وهيب عن أيوب، كما رواه جماعة من الثقات الأثبات.
2 -
ورواه حماد بن زيد [ثقة ثبت، أثبت أصحاب أيوب السختياني]، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: كان مالك بن الحويرث يرينا كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك في غير وقت صلاة، فقام فأمكن القيام، ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فأنصب هنية، قال: فصلى بنا صلاة شيخنا هذا أبي بريد، وكان أبو بريد إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة استوى قاعدًا، ثم نهض.
وفي رواية: عن مالك بن الحويرث الليثي أنه قال لأصحابه يومًا: ألا أريكم كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وذلك في غير حين صلاةٍ، فقام فأمكن القيام، ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه وانتصب قائمًا هُنيةً، ثم سجد، ثم رفع رأسه ويكبر في الجلوس [وفي رواية: فتمكن في الجلوس]، ثم انتظر هنيةً، ثم سجد، قال أبو قلابة: فصلى صلاةً كصلاة شيخنا هذا؛ يعني: عمرو بن سَلِمة الجرمي، وكان يؤمُّ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال أيوب: فرأيت عمرو بن سلمة يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه؛ كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قاعدًا، ثم قام، من الركعة الأولى والثالثة، وفي رواية: كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى والثالثة التي لا يقعد فيها؛ استوى قاعدًا، ثم قام.
أخرجه البخاري (802 و 818)، وأحمد (5/ 53)، والطحاوي في شرح المعاني (4/ 354)، وفي المشكل (15/ 350/ 6069)، والطبراني في الكبير (19/ 286/ 633)، والبيهقي (2/ 97 و 121).
وانظر في كنية عمرو بن سلمة: التاريخ الكبير (6/ 313)، كنى مسلم (455)، الجرح والتعديل (6/ 235)، الثقات (3/ 278)، الاستيعاب (3/ 1179)، تهذيب مستمر الأوهام (119)، الإكمال (1/ 228)، مشارق الأنوار (1/ 111)، تهذيب الأسماء واللغات (2/ 344)، السير (3/ 523)، التقريب (464).
3 -
ورواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة، من أصحاب أيوب]: ثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: جاء مالك بن الحويرث في مسجدنا فصلى، فقال: إنه لا أريد الصلاة، ولكن أريكم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فذكر أنه قعد في الركعة الأولى إذا أراد أن ينهض. لفظ إسحاق، وقال الشافعي: يقوم، بدل: قعد.
أخرجه الشافعي في الأم (1/ 116)، وفي السنن (10)، وفي المسند (41)، وأبو العباس السراج في مسنده (1298)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1261)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 198/ 1505)، والبيهقي في المعرفة (2/ 21/ 867).
• واختلف فيه على الثقفي:
أ- فرواه الشافعي، وإسحاق بن راهويه:
كلاهما عن عبد الوهاب الثقفي: ثنا أيوب، عن أبي قلابة به هكذا.
ب- ورواه الشافعي، وإسحاق بن راهويه أيضًا، ومحمد بن بشار بندار، وأبو موسى محمَّد بن المثنى، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة:
عن عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا، فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى في غير وقت صلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة استوى قاعدًا، ثمَّ قام، واعتمد على الأرض.
وفي رواية: دخل علينا مسجدنا، قال: إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أعلمكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: فذكر الله حيث رفع رأسه من السجود في الركعة الأولى، استوى قاعدًا، ثمَّ قام فاعتمد على الأرض. لفظ عثمان.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 234/ 1153)، وفي الكبرى (1/ 371/ 743)، وابن خزيمة (1/ 342/ 687)، وابن حبَّان (5/ 262/ 1935)، والشافعيُّ في الأم (1/ 116)، وفي السنن (11)، وفي المسند (41)، وابن أبي شيبة (1/ 348/ 4001)، وحرب الكرماني في مسائله (203)، وأبو العباس السراج في مسنده (1300)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1263)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 198/ 1506)، والطبراني في الكبير (19/ 289/ 642)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 124 و 135)، وفي المعرفة (2/ 21/ 867)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 256).
والوجهان محفوظان عن الثقفي؛ حيث رواه إمامان حافظان عنه بالوجهين، كما أنَّه ضبط الحديثين، وميز هذا من هذا.
4 -
ورواه حماد بن سلمة [ثقة]، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يؤُمُّ القومَ أكبرُهم سنًّا"، وكان مالك بن الحويرث إذا رفع رأسه من السجدة الثانية قعد ثمَّ نهض.
أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 288/ 636)، بإسناد صحيح إلى حماد.
***
844 -
. . . هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث، أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وِترٍ من صلاته، لم ينهض حتى يستويَ قاعدًا.
• حديث صحيح.
أخرجه البخاري (823)، والترمذي (287)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 158/ 273)، والنسائيُّ في المجتبى (2/ 234/ 1152)، وفي الكبرى (1/ 370/ 742)، وابن خزيمة (1/ 341/ 686)، وابن حبَّان (5/ 261/ 1934)، وحرب الكرماني في مسائله (203)، والطحاوي في شرح المعاني (4/ 354)، وفي المشكل (15/ 351/ 6070)، والدارقطني (1/ 346)، وقال:
"هذا إسناد صحيح ثابت"، ثمَّ قال:"هذا صحيح"، وابن حزم في المحلى (4/ 124)، والبيهقيُّ في المعرفة (2/ 21/ 868)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 256)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 165/ 668)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وابن الجوزي في التحقيق (535).
وتقدم ذكر من رواه عن خالد الحذاء غير هشيم.
وهذا الحديث قد احتج به البخاري في بابه، حيث ترجم له بقوله:"باب من استوى قاعدًا في وتر من صلاته ثمَّ نهض"، وعليه فهو يصحح رواية خالد الحذاء هذه وما فيها من تصريح بالرفع لم يَرِد في حديث أيوب، حيث صرح خالد في روايته برفع جلسة الاستراحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن مالك بن الحويرث رآه يجلسها، دون أن يحيل ذلك على صلاة أحد، وحديثه هذا قد صححه البخاري والترمذي والدارقطني، إذ قد يحسب بعض الناس أن رواية أيوب ليس فيها سوى الإحالة على صفة صلاة عمرو بن سلمة، دون أن يقصد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحسبان باطل، بدليل رواية خالد الحذاء هذه، وإنما أراد الراوي أن هذا الوصف المذكور في صلاة عمرو بن سلمة بذكر جلسة الاستراحة، إنما هو من فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ الحديث قد سيق أصالة من أجل بيان كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال مالك بن الحويرث، ومن هذه الكيفية: جلسة الاستراحة، واعتماده بيديه على الأرض عند القيام، لذلك فإن البخاري قد أتبع هذا الباب بباب آخر ترجمه بقوله:"باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة"، ثمَّ أسند الحديث عن معلى بن أسد عن وهيب عن أيوب (824)، وفيه: قال أيوب: فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته [يعني: صلاة مالك بن الحويرث]؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا -يعني: عمرو بن سلِمة-، قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير، وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض، ثمَّ قام.
وهذا ظاهر في نسبة هذه الكيفية في الجلوس وفي النهوض إلى عمرو بن سلمة، والتي تشبه صلاته صلاة مالك بن الحويرث، والتي ما صلاها مالك إلا ليريهم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فظهر بذلك أن مراد أيوب السختياني بيان الوصف المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لا أنَّه أراد وقفه على عمرو بن سلمة.
فإن قيل: رواية حماد بن زيد، وهو أثبت الناس في أيوب، فصلت المرفوع من الموقوف، فيقال: لا يستقيم له ذلك، ويرده قول أبي قلابة: فصلى صلاةً كصلاة شيخنا هذا؛ يعني: عمرو بن سَلِمة الجرمي، ثمَّ ذكر أيوب عن عمرو أنَّه كان يجلس للاستراحة، ويعتمد على يديه، فعاد فعله واصفًا لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقد قال أحمد في حديث مالك بن الحويرث: "هو صحيح، إسناده صحيح"[الفتح لابن رجب (5/ 139)]، فيكون بذلك قد ثبت تصحيحه عن أربعة من الأئمة النقاد.
• ومن حجة من قال بجلسة الاستراحة مع حديث مالك بن الحويرث: حديث أبي حميد الساعدي في عشرة من الصحابة:
رواه عبد الحميد بن جعفر: أخبرني محمَّد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت أبا حُميد الساعدي، في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو قتادة.
قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلِمَ؟ فوالله ما كنتَ بأكثرِنا له تَبِعةً، ولا أقدمِنا له صحبةً، قال: بلى، قالوا: فاعرِض،. . . فذكر الحديث بطوله.
وفيه: ثمَّ يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثمَّ يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتِخُ أصابعَ رجليه إذا سجد، ثمَّ يسجد، ثمَّ يقول:"الله أكبر"، ويرفع رأسه، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
وفي رواية: ثمَّ ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه معتدلًا، ثمَّ أهوى ساجدًا، وقال:"الله أكبر"، ثمَّ ثنى رجله وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كلُّ عضوٍ إلى موضعه، ثمَّ نهض فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك.
تقدم تخريجه في السنن برقم (730)، وهو حديث صحيح.
وذكر جلسة الاستراحة فيه محفوظ من حديث عبد الحميد بن جعفر، ثمَّ من حديث أبي حميد الساعدي.
• ورويت هذه الجلسة من حديث أبي هريرة في قصة المسيء صلاته، عند البخاري برقم (6251)، بلفظ:"ثمَّ ارفع حتى تطمئن جالسًا"، وقد أشار البخاري إلى إعلال هذه الزيادة في آخر الحديث، فقال: وقال أبو أسامة في الأخير: "حتى تستوي قائمًا"، ويأتي الكلام عليه مفصلًا في موضعه من السنن قريبًا بإذن الله تعالى، برقم (856).
• ورويت أيضًا من حديث علي بن أبي طالب، وهو حديث باطل، بل موضوع؛ مسلسل بالمتروكين والمتهمين [عند: العقيلي في الضعفاء (3/ 227)].
• وفي حديث مالك بن الحويرث ما يدل على اعتماده صلى الله عليه وسلم على يديه عند قيامه، لقوله في رواية الثقفي: استوى قاعدًا، ثمَّ قام، واعتمد على الأرض، وفي رواية وهيب: جلس، واعتمد على الأرض، ثمَّ قام.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 303): "وقيل: يستفاد من الاعتماد أنَّه يكون باليد؛ لأنه افتعال من العماد، والمراد به الاتكاء، وهو باليد".
• وروي ذلك أيضًا من غير حديث مالك بن الحويرث؛ لكن بزيادة صفة العجن:
قال أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 525): حدثنا عبيد الله بن عمر [هو القواريري: ثقة ثبت]: حدثنا يونس بن بكير، عن الهيثم، عن عطية بن قيس، عن الأزرق بن قيس، قال: رأيت ابن عمر يعجن في الصلاة، يعتمد على يديه إذا قام، فقلت له؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
وقال الطبراني في الأوسط (4/ 213/ 4007): حدثنا علي بن سعيد الرازي، قال: نا عبد الله بن عمر بن أبان [مُشكُدانة: صدوق]، قال: نا يونس بن بكير، قال: نا الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة، عن الأزرق بن قيس، قال: رأيت عبد الله بن عمر وهو يعجن في
الصلاة، يعتمد على يديه إذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبد الرحمن؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة؛ يعني: يعتمد.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأزرق إلا الهيثم، تفرد به يونس بن بكير".
قلت: حديث القواريري هو الصواب، وحديث عليَّك الرازي وهمٌ، فإن علي بن سعيد بن بشير الرازي: حافظ، رحال، جوال؛ إلا أنهم تكلموا في حفظه، وتفرد بأشياء لم يتابع عليها [اللسان (5/ 542)، وقد تكلمت عليه في مواضع، منها ما تحت الحديث رقم (496)]، والأزرق بن قيس، وعطية بن قيس الكلابي: من ثقات التابعين.
قال ابن رجب في الفتح (5/ 148): "والهيثم هذا غير معروف".
قلت: الهيثم هذا هو: الهيثم بن عمران الدمشقي: رأى عطية بن قيس، ولا يعرف له سماع منه، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبَّان في الثقات [المعرفة والتاريخ (2/ 231)، الجرح والتعديل (9/ 82)، الثقات (7/ 577)]، وروايته هذه وهمٌ.
والراوي عنه: يونس بن بكير: صدوق، تكلم الناس فيه، صاحب غرائب [التهذيب (4/ 466)، الكامل (7/ 178)، الميزان (4/ 477)، التقريب (686)].
• وقد روي من وجه آخر:
قال الطبراني في الأوسط (3/ 342/ 3347): حدثنا جعفر [هو الحافظ المتقن: جعفر بن محمَّد الفريابي]، قال: نا الحسن بن سهل الحفاظ [أو: الخياط؛ روى عنه أبو بكر الفريابي ومطين وموسى بن هارون ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وذكره ابن حبَّان في الثقات (8/ 181)، وله غرائب وأوهام]، قال: نا عبد الحميد الحماني [كوفي، صدوق يخطئ]، قال: نا الهيثم ابن علية البصري، عن الأزرق بن قيس، قال: رأيت ابن عمر في الصلاة يعتمد إذا قام، فقلت: ما هذا؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الأزرق إلا الهيثم، تفرد به: الحماني".
قلت: ولا أستبعد أن يكون الهيثم ابن علية البصري هذا لا وجود له، وإنما تحرف الإسناد على أحد الرواة، فقال: أخبرنا الهيثم ابن علية، بدلًا من: أخبرنا الهيثم عن عطية، فعاد الحديث إلى حديث الهيثم بن عمران، والله أعلم.
• والحاصل: فإن رفع هذا الأثر من طريق الأزرق بن قيس عن ابن عمر وهمٌ، كما أن ذكر العجن فيه منكر؛ وإنما يُعرف هذا عن الأزرق بن قيس عن ابن عمر موقوفًا عليه، بدون ذكر العجن فيه، كذا رواه الثقات:
فقد روى وكيع بن الجراح، وكامل بن طلحة: عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، قال: رأيت ابن عمر ينهض في الصلاة، ويعتمد على يديه. لفظ وكيع.
ولفظ كامل: رأيت ابن عمر إذا قام من الركعتين اعتمد على الأرض بيديه، فقلت لولده ولجلسائه: لعله يفعل هذا من الكبر؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 347/ 3996)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (3/ 199/ 1508)، والبيهقي (2/ 135)(2/ 581 - تهذيبه).
هذا هو المحفوظ عن الأزرق بن قيس، وهو موقوف على ابن عمر بإسناد بصري صحيح، ورجاله ثقات مشهورون.
خالفه: حُبَيِّب بن حُجْر أبو يحيى القيسي، فرواه عن الأزرق بن قيس؛ رأى ابن عمر ينهض على صدور قدميه حين ينهض من السجود.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 126).
كذا رواه موسى بن إسماعيل [أبو سلمة التبوذكي: ثقة ثبت]، وحرب بن ميمون [الأصغر العبدي، صاحب الأغمية: ضعيف]: كلاهما عن حبيب به.
ورواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]: ثنا حبيب بن حجر القيسي، قال: قال أزرق بن قيس: رأيت ابن عمر معتمدًا على يديه حيث ينهض من سجوده.
أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 314)، بإسناد لا يصح إلى يزيد بن هارون.
وهذه الرواية أشبه بالصواب، إلا أن الإسناد إلى يزيد لا يصح.
وحُبيِّب بن حجر هذا: شيخ، روى عنه جماعة من الثقات، وقال عنه ابن معين:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال الذهبي:"ما علمت به بأسًا بعد"[سؤالات ابن طهمان الدقاق لابن معين (233)، التاريخ الكبير (3/ 126)، الجرح والتعديل (3/ 308)، الثقات (6/ 249)، تاريخ أسماء الثقات (235)، تاريخ الإِسلام (10/ 113)، تعجيل المنفعة (182)]، ورواية حماد بن سلمة هي الصواب، والله أعلم.
• وروي ذلك أيضًا عن نافع عن ابن عمر:
فقد روى وكيع بن الجراح، وعبد الرزاق، والوليد بن مسلم [وهم ثقات حفاظ]:
عن عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان يعتمد على يديه. لفظ وكيع، ولفظ عبد الرزاق: أنَّه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدًا على يديه قبل أن يرفعهما. ولفظ الوليد: أنَّه كان يعتمد على يديه في صلاته إذا نهض من سجوده وتشهده.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 347/ 3997)، وعبد الرزاق (2/ 178 و 179/ 2964 و 2969)، وحرب الكرماني في مسائله (205).
وعبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي.
• ورواه ابن لهيعة [ضعيف]، قال: وأخبرني بكير [هو: ابن عبد الله الأشج: ثقة]، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان إذا قام من السجدة الآخرة من الركعة الأولى ومن الثانية من الأربع، يعتمد على يديه من قبل أن يستوي قاعدًا [كذا، ولعله تصحف على الناسخ].
أخرجه حرب الكرماني في مسائله (205).
وهذان الطريقان وإن كان فيهما ضعف؛ إلا أنَّه يسير ينجبر بالمتابعة، ويشهد لثبوته
عن ابن عمر: أثر حماد بن سلمة، فهو موقوف بإسناد مدني صالح، والله أعلم.
• ورواه أيضًا: وكيع، عن أسامة والعمري، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنَّه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 346/ 3985).
وأسامة بن زيد الليثي مولاهم: صدوق، صحيح الكتاب، يخطئ إذا حدث من حفظه، وقد أنكروا عليه أحاديث [تقدمت ترجمته مفصلة عند الحديث رقم (394 و 600 و 619)].
• لكن قد ثبت عن ابن عمر من وجه آخر النهوض على صدور القدمين:
فقد روى أبو معاوية، وعبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: ينهض في الصلاة على صدور قدميه. لفظ أبي معاوية.
ولفظ عبد الواحد: رأيت عبد الله بن عمر يقوم على صدور قدميه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 346/ 3980)، وابن المنذر (3/ 196/ 1499)، والبيهقيُّ (2/ 125).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد كوفي صحيح.
• فيمكن أن يقال: قد صح عن ابن عمر فعل الأمرين، بحسب ما اقتضته حاجته، فكان ينهض معتمدًا على يديه أحيانًا وهو الأكثر، كما رواه عنه المدنيون والبصريون، وأحيانًا ينهض على صدور القدمين وهو الأقل، كما رواه عنه الكوفيون.
ويمكن الجمع بينهما، بأن ابن عمر كانت عادته الاعتماد على اليدين، وإنما نهض على صدور قدميه لأجل علة كانت به:
فقد روى أبو مصعب الزهري، ويحيى بن بكير، قالا: ثنا مالك، عن صدقة بن يسار، عن المغيرة بن حكيم؛ أنَّه رأى ابن عمر يرجع من سجدتين من الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر ذلك له؟ فقال: إنها ليست بسُنَّة الصلاة، وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي.
أخرجه مالك في الموطأ (498 - رواية أبي مصعب الزهري)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 124).
لكن رواه يحيى بن يحيى الليثي، وعبد الرزاق بن همام، ومحمد بن الحسن الشيباني [ضعيف]:
عن مالك، عن صدقة بن يسار، عن المغيرة بن حكيم؛ أنَّه رأى عبد الله بن عمر يرجع في سجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر ذلك له؟ فقال: إنها ليست بسُنَّة الصلاة، وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي. لفظ الليثي.
وفي رواية الشيباني: رأيت ابن عمر يجلس على عقبيه بين السجدتين في الصلاة، فذكرت ذلك له؟ فقال: إنما فعلته منذ اشتكيت.
أخرجه مالك في الموطأ (237 - رواية يحيى الليثي)(153 - رواية الشيباني)، وعنه: عبد الرزاق (2/ 194/ 3044)[وتصحفت عنده: يرجع إلى: تربع].
وهذا موقوف بإسناد صحيح.
فالذي يظهر لي أن هذا الأثر إنما هو في الإقعاء بين السجدتين، وليس في النهوض من السجود في الأولى والثالثة، لذا فقد أخرجه مالك نفسه في الجلوس في الصلاة، وعبد الرزاق في باب الإقعاء في الصلاة، وتكلم عليه ابن عبد البر في بابه في الجلوس بين السجدتين، كما في التمهيد (16/ 271) والاستذكار (1/ 480)، وقال القاضي عياض في المشارق (2/ 40):"هو الإقعاء"، والله أعلم.
• والحاصل: أنَّه قد صح عن ابن عمر الفعلان جميعًا، وإن كان الاعتماد على اليدين هو الأكثر شهرة عن ابن عمر، والله أعلم.
• فإن قيل: قد روي عن ابن عمر مرفوعًا النهي عن ذلك:
فقد روى محمَّد بن عبد الملك الغزال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة.
أخرجه أبو داود (992)، والبيهقيُّ (2/ 135)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 169/ 671).
قال البيهقي في المعرفة (2/ 23): "وذلك خطأ؛ لمخالفته سائر الرواة".
وقال في السنن: "ورواية ابن عبد الملك: وهم".
وقال ابن القطان في بيان الوهم (5/ 39/ 2279) عن الغزال: "وهو رجل مجهول الحال، لم أجد له ذكرًا، وقد خالفه الثلاثة المذكورون، وهم الثقات الحفاظ، ورواياتهم المذكورة وإن اختلفت ألفاظها، تجتمع على معنى واحد، وهو المفسر في رواية ابن حنبل منهم، وهو النهي عن الاعتماد على اليد في حال الجلوس، فأما رواية محمَّد بن عبد الملك هذا فمقتضاها: النهي عن الاستعانة باليدين في حين النهوض، وذلك شيء لا يحتمل من مثله، فإن حاله لا تعرف ولو لم يخالفه غيره،. . ."، إلى أن قال:"ولعلنا نعثر بعدُ من أمر محمَّد بن عبد الملك هذا على مزيد إن شاء الله تعالى".
وقال النوويّ في الخلاصة (1368): "رواه أبو داود من رواية مجهول، وهذا أيضًا شاذ".
وقال في المجموع (3/ 408): "وأما حديث ابن عمر؛ فضعيف من وجهين أحدهما: أنَّه من رواية محمَّد بن عبد الملك الغزالي، وهو مجهول، والثاني: أنَّه مخالف لرواية الثقات؛ لأنَّ أحمد بن حنبل رفيق الغزالي في الرواية لهذا الحديث عن عبد الرزاق، وقال فيه: نهى أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يديه، ورواه آخران عن عبد الرزاق خلاف ما رواه الغزالي، وقد ذكر أبو داود ذلك كله، وقد علم من قاعدة المحدثين وغيرهم: أن ما خالف الثقات كان حديثه شاذًا مردودًا".
قلت: محمَّد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي الغزال: قال النسائي: "ثقة"، وقال ابن أبي حاتم:"سمع منه أبي، وهو صدوق"، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال مسلمة بن قاسم:"ثقة، كثير الخطأ"، وقد روى عنه جماعة من الأئمة منهم أصحاب السنن الأربعة، وتعجب الحافظ أبو الفضل العراقي من صنيع أبي الحسن ابن القطان، فأطال في ترجمته وقال:"فمَن هذه ترجمته كيف تكون حاله مجهولة!؟ "[التهذيب (3/ 634)، السير (12/ 346)، تذكرة الحفاظ (2/ 554)، ذيل الميزان (652)].
• وحديثه هذا شاذ بهذا اللفظ، والمحفوظ فيه:
ما رواه أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق به، ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو يعتمد على يديه.
وفي رواية الحاكم وليست في مطبوعة المسند: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس الرجل في الصلاة أن يعتمد على يده اليسرى.
أخرجه أحمد في المسند (2/ 147)، ومن طريقه: أبو داود (992)، والحاكم (1/ 230)، والبيهقيُّ في السنن (2/ 135)، وفي المعرفة (2/ 22/ 870 و 871)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 169/ 671).
وأحمد بن حنبل: إمام فقيه، ثقة ثبت، حافظ حجة، وهو من قدماء أصحاب عبد الرزاق ممن سمع منه قبل ذهاب بصره [شرح العلل لابن رجب (2/ 753)].
• وبلفظ أحمد رواه: محمَّد بن سهل بن عسكر [ثقة]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [متأخر السماع جدًّا من عبد الرزاق]: كلاهما عن عبد الرزاق به.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 343/ 692)، والحاكم (1/ 230)، وعبد الرزاق (2/ 197/ 3054)، وابن المنذر (3/ 200/ 1510).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
• تابعهم: أحمد بن يوسف السلمي النيسابوري، وأحمد بن محمَّد بن ثابت ابن شبويه، والحسين بن مهدي، وزهير بن محمَّد بن قمير البغدادي، ومحمد بن رافع [وهم ثقات].
ولفظ أحمد بن يوسف، وابن شبويه، والحسين بن مهدي، وزهير: نهى أن يعتمد الرجل على يده [أو: يديه] في الصلاة، وقال محمَّد بن رافع: نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده.
أخرجه أبو داود (992)، وابن خزيمة (1/ 343/ 692)، والبزار (12/ 191/ 5854)، والبيهقيُّ (2/ 135).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن إسماعيل بن أمية إلا معمر".
قلت: هكذا خالف الغزال في لفظه ثمانية من الثقات، بعضهم حفاظ، مما لا يدع مجالًا للشك في نكارة هذه الرواية التي تفرد بها الغزال، والله أعلم.
• ومما يؤكد هذا أيضًا: ما رواه هشام بن يوسف الصنعاني [ثقة]، عن معمر، عن
إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى رجلًا وهو جالس معتمدًا على يده اليسرى في الصلاة، وقال:"إنها صلاة اليهود".
أخرجه الحاكم (1/ 272)، وعنه: البيهقي (2/ 136).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
وقال الذهبي في تهذيب سنن البيهقي (2/ 582): "هذا إسناد قوي".
ويأتي تخريجه مفصلًا في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى.
• وروي أيضًا من حديث ابن عباس:
قال النوويّ في المجموع (3/ 404): "وأما الحديث المذكور في الوسيط وغيره، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن، فهو حديث ضعيف، أو باطل لا أصل له"، وكذا في الخلاصة (1371).
وقال قبله ابن الصلاح في شرح مشكل الوسيط (2/ 141): "هذا حديث لا يُعرف، ولا يصح، ولا يجوز أن يحتج به"، إلى أن قال:"وهو إثبات شرعية هيئة في الصلاة لا عهد بها، بحديث لم يثبت".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 678): "هذا الحديث ذكره الرافعي تبعًا للغزالي فإنَّه أورده كذلك في وسيطه، والغزالي تبع إمامه [يعني: الجويني] فإنَّه أورده كذلك في نهايته [يعني: نهاية المطلب في دراية المذهب]، ولا يحضرني من خرَّجه من المحدثين من هذا الوجه بعد البحث عنها".
• وقد عورض ما تقدم في النهوض على اليدين بأحاديث وآثار؛ فمنها:
1 -
حديث وائل بن حجر:
يرويه يزيد بن هارون: أخبرنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.
تقدم برقم (838)، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (728)، وهو حديث منكر.
• وله طريق أخرى، يرويها حجاج بن منهال: حدثنا همام: حدثنا محمَّد بن جُحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديث الصلاة، قال: فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقعا كفَّاه.
قال همام: وحدثنا شقيق: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا، وفي حديث أحدهما، وأكبر علمي أنَّه في حديث محمَّد بن جحادة: وإذا نهض نهض على ركبَتَيه، واعتمد على فخِذِه.
تقدم برقم (839)، وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723)، وهو حديث شاذ.
2 -
حديث أبي هريرة:
يرويه أبو معاوية محمَّد بن خازم الضرير [ثقة]: حدثنا خالد بن إلياس، عن صالح
مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه.
أخرجه الترمذي (288)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 160/ 274)، وحرب الكرماني في مسائله (206)، والطبراني في الأوسط (3/ 320/ 3281)، وابن عديّ في الكامل (3/ 6)، والدارقطني في الأفراد (2/ 294/ 5237 - أطرافه)، والبغويُّ في شرح السُّنَّة (3/ 166/ 669)، وابن الجوزي في التحقيق (534)، وعلقه البيهقي في السنن (2/ 124).
وخالفه: عيسى بن يونس [ثقة مأمون]، فرواه عن خالد بن إلياس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعتين وضع يديه على فخذيه.
وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من ركعتين يعتمد بيديه على ركبتيه.
أخرجه ابن عديّ (3/ 6).
قال الترمذي: "حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم، يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه، وخالد بن إلياس: هو ضعيف عند أهل الحديث"، قال:"ويقال: خالد بن إياس أيضًا، وصالح مولى التوأمة هو: صالح بن أبي صالح، وأبو صالح اسمه نبهان، وهو مدني".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن صالح إلا خالد بن إلياس، تفرد به: أبو معاوية".
وقال ابن عديّ بعد حديث عيسى بن يونس: "وهذا الحديث وحديث صالح مولى التوأمة: يرويهما خالد بن إلياس"؛ يعني: أنَّه تفرد بهما، والعهدة فيهما عليه.
وقال الدارقطني: "تفرد به خالد بن إلياس عنه"؛ يعني: عن صالح مولى التوأمة.
وقال البيهقي في السنن بعد ما ضعف خالد بن إلياس: "وحديث مالك بن الحويرث: أصح".
وقال في الخلافيات (2/ 95 - مختصره): "حديث ضعيف؛ خالد: متروك، وصالح: غير محتج به".
قلت: صالح بن أبي صالح مولى التوأمة: ثقة، كان قد اختلط، فمن سمع منه قبل الاختلاط فهو صحيح، وإلا فلا [انظر: التهذيب (2/ 201)، الكواكب النيرات (33)، شرح علل الترمذي (2/ 749)]، وقال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 100/ 794):"وخالد لا يعرف متى أخذ عنه، فاعلم ذلك".
قلت: هو حديث منكر؛ خالد بن إلياس أبو الهيثم العدوي المدني: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 514)، الميزان (1/ 627)]، وقد تلون فيه، فرواه مرة عن صالح مولى التوأمة، ومرة عن سعيد المقبري.
3 -
حديث علي بن أبي طالب:
يرويه أبو معاوية [ثقة]، عن أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد
السوائي، عن أبي جحيفة، عن علي؛ قال: إن من السُّنَّة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض؛ إلا أن يكون شيخًا كبيرًا لا يستطيع.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 347/ 3998)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 200/ 1509)، والبيهقيُّ (2/ 136).
خالفه: ابن فضيل [صدوق]، فرواه عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: من السُّنَّة أن لا تعتمد على يديك حين تريد أن تقوم بعد القعود في الركعتين.
أخرجه ابن عديّ في الكامل (4/ 305)، والبيهقيُّ (2/ 136).
قال البيهقي في المعرفة (2/ 23): "لم يثبت إسناده، تفرد به: أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق، واختلف عليه في إسناده، ولكن صحيح عن ابن مسعود أنَّه قام على صدور قدميه".
وذكره النوويّ في فصل الضعيف من الخلاصة (1365).
قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي به، وأبو شيبة هذا: ضعيف، منكر الحديث، يروي ما لا يتابع عليه، ويحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير، وزياد بن زيد السوائي الأعسم، والنعمان بن سعد: مجهولان [التهذيب (1/ 647) و (4/ 231)، راجع الحديث المتقدم برقم (756)].
وقد سبق لأبي شيبة الواسطي معنا في سنن أبي داود (756) بنفس هذا الإسناد حديث: السُّنَّةُ وضعُ الكفِّ على الكفِّ في الصلاة تحت السُّرَّة، وقد رواه بنفس هذين الإسنادين أيضًا مع إسناد ثالث، وهو حديث منكر.
4 -
حديث معاذ بن جبل:
رواه محبوب بن الحسن القرشي، عن الخصيب بن جحدر، عن النعمان بن نعيم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبالة أذنيه،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه: ثمَّ يقوم كأنه السهم لا يعتمد على يديه،. . . .
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 74/ 139)، بإسناد صحيح إلى محبوب.
وهذا حديث موضوع؛ تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (746)، الشاهد السابع، وتحت الحديث رقم (759)، الشاهد رقم (13).
• هذا ما وقفت عليه من المرفوع في هذا الباب، ولا يصح منه سوى حديث مالك بن الحويرث عند البخاري.
• وأما الآثار عن الصحابة في هذا الباب فكثيرة، نذكر منها [غير ما تقدم] ما صح إسناده، وذلك لاحتجاج بعض الأئمة - كأحمد - بها، وتقديمها في العمل على حديث مالك لكثرتها:
أ - روى أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، عن محمَّد بن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش، قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة قام كما هو ولم يجلس.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 347/ 3989)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 195/ 1497).
وهذا موقوف على بعض الصحابة بإسناده جيد.
ب - وروى زائدة بن قدامة، وأبو عوانة، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأبو معاوية، وأبو خالد الأحمر [وهم ثقات]:
عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: كان عبد الله ينهض في الصلاة على صدور قدميه [زاد ابن أبي زائدة: في السجدة التي لا يجلس فيها].
زاد أبو عوانة في آخره قول الأعمش: فذكرت ذلك لأبراهيم، فقال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد؛ أن ابن مسعود كان يفعله.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 346/ 3979)، وحرب الكرماني في مسائله (207)، والطبراني في الكبير (9/ 266/ 9328) و (9/ 267/ 9329)، وأبو طاهر المخلص في الأوّل من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (176) [ووقع في إسناده: عن إبراهيم عن عمارة، وإنما هو: عن إبراهيم وعمارة].
عبد الرحمن هو: ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي: ثقة، من كبار الطبقة الثالثة، وعمارة بن عمير التيمي الكوفي: ثقة ثبت، من الطبقة الرابعة، وإبراهيم هو: ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي: ثقة، من الخامسة، فهو موقوف على ابن مسعود بإسناد كوفي صحيح، على شرط الشيخين.
ج - وروى سفيان الثوري، وحفص بن غياث، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن نمير، وأبو عوانة:
عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: كان [وفي رواية ابن نمير: أنَّه رأى] عبد الله [بن مسعود] ينهض على صدور قدميه من السجدة الآخرة في الركعة الأولى والثالثة.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 179/ 2967)، وابن المنذر (3/ 195 - 196/ 1498)، والطبراني في الكبير (9/ 267/ 9329)، والدارقطني في العلل (12/ 422/ 2854)، وأبو طاهر المخلص في الأوّل من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (176) [ووقع في إسناده: عن إبراهيم عن عمارة، وإنما هو: عن إبراهيم وعمارة].
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناده كوفي صحيح، على شرط الشيخين.
وانظر فيمن وهم فيه على الثوري: علل الدارقطني (12/ 422/ 2854).
د - وروى عبد الواحد بن زياد [ثقة، وقد توبع]، قال: ثنا سليمان الأعمش، قال: رأيت عمارة بن عمير يصلي من قبل أبواب كندة، فرأيته ركع ثمَّ سجد، فلما قام من
السجدة الأخيرة قام كما هو، فلما انصرف ذكرت ذلك له، فقال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنَّه رأى عبد الله بن مسعود يقوم على صدور قدميه.
قال الأعمش: فحدثت بهذا الحديث إبراهيم النخعي، فقال إبراهيم: حدثني عبد الرحمن بن يزيد أنَّه رأى عبد الله بن مسعود يفعل ذلك.
فحدثت به خيثمة بن عبد الرحمن، فقال: رأيت عبد الله بن عمر يقوم على صدور قدميه.
فحدثت به محمَّد بن عبد الله الثقفي، فقال: رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى يقوم على صدور قدميه.
فحدثت به عطية العوفي، فقال: رأيت ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهم يقومون على صدور أقدامهم.
أخرجه ابن المنذر (3/ 196/ 1499)، والبيهقيُّ (2/ 125).
• وممن رواه عن الأعمش عن خيثمة به: أبو معاوية.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 346/ 3980).
• وممن رواه عن الأعمش عن الثقفي به: حفص بن غياث.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 346/ 3981)، والدولابي في الكنى (2/ 795/ 1380).
• وممن رواه عن الأعمش عن عطية به دون ذكر بعضهم: سفيان الثوري، وحفص بن غياث، وشريك بن عبد الله النخعي.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 179/ 2968)، وحرب الكرماني في مسائله (207)، وابن المنذر (3/ 195/ 1495).
قلت: فهذه آثار صحيحة؛ عدا أثر عطية العوفي، فإن عطية بن سعد العوفي: ضعيف الحفظ [انظر: التهذيب (3/ 114)، الميزان (3/ 79)].
قال النوويّ في المجموع (3/ 408): "وأما حكاية عطية فمردودة لأنَّ عطية ضعيف".
هـ - وروى ابن عيينة، عن عبدة بن أبي لبابة، قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد، يقول: رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس، قال: ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة.
أخرجه سفيان بن عيينة في جزء من حديثه (21 - رواية زكريا بن يحيى المروزي)، ومن طريقه: عبد الرزاق (2/ 178/ 2966)[وقد تحرف عنده: ابن أبي لبابة؛ إلى: ابن أبي ليلى]، وابن المنذر (3/ 195/ 1494)، والطبراني في الكبير (9/ 266/ 9327)، والبيهقيُّ (2/ 125).
موقوف بإسناد صحيح، ورجاله رجال الشيخين.
قال البيهقي في السنن (2/ 126): "هو عن ابن مسعود صحيح، ومتابعة السُّنَّة أولى، وابن عمر قد بيَّن في رواية المغيرة بن حكيم عنه أنَّه ليس من سُنَّة الصلاة، وإنما فعل ذلك من أجل أنَّه يشتكي، وعطية العوفي: لا يحتج به".
وقال في الخلافيات (2/ 95 - مختصره): "فأما أثر ابن مسعود: فصحيح، وأما ابن عمر: فقد روي عنه أنَّه قال في ذلك أنها ليست بسنة الصلاة، وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي، وأما ابن الزبير وابن عباس فراويه عنهما عطية العوفي، وعطية: غير محتج به، ومتابعة فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله أولى من متابعة غيره، وبالله التوفيق".
و - وروى حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، ووكيع: عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان، قال: رأيت ابن الزبير إذا سجد السجدة الثانية قام كما هو على صدور قدميه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 346/ 3983 و 3984)، وابن المنذر (3/ 197/ 1503).
وهذا موقوف على ابن الزبير بإسناد صحيح.
هذا ما صح عندي من الآثار عن الصحابة في هذا الباب: عن النعمان بن أبي عياش عن غير واحد من الصحابة، وعن ابن مسعود وابن عمر وابن الزبير، وما روي عن عمر وعلي وغيرهما فلا يصح فيه شيء، والله أعلم.
• قال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (223): "قلت: إذا قام من القعدة الأولى يضع يديه على الأرض أو ينهض على صدور قدميه؟ قال: بل ينهض على صدور قدميه ويعتمد على ركبتيه، قال: وفي الركعة الأولى والثالثة ينهض على صدور قدميه.
قال إسحاق: ينهض على صدور قدميه ويعتمد بيديه على الأرض، فإن لم يقدر أن يعتمد على يديه وصدور قدميه جلس ثمَّ اعتمد على يديه وقام".
وقال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (286 - 288): "سمعت أبي يقول: إن ذهب رجل إلى حديث مالك بن الحويرث فأرجو أن لا يكون به بأس. . ."، إلى أن قال:"وأما حديث ابن عجلان حديث الزرقي فهو خلافه، كأنه ينهض على صدور قدميه"، ثمَّ ذكر حديث رفاعة، ثمَّ ذكر ما روي عن ابن مسعود وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم، فقال:"أذهب إلى هذا"، ثمَّ قال عبد الله:"سألت أبي عن رجل إذا قام من الركعة الثالثة والأولى، يستعين بيديه على ركبتيه أم لا؟ فقال: ينهض على صدور قدميه، ولا يعتمد على ركبتيه".
وقال حرب الكرماني في مسائله (202): "قلت لأحمد: فالرجل ينهض من السجود للقيام، أيضع يديه على ركبتيه؟ قال: نعم،. . .".
وقال أيضًا: "وسألت إسحاق بن إبراهيم، قلت: كيف ينهض الرجل من السجود للقيام إذا رفع رأسه من السجدة الثانية؟ قال: إن أمكنه أن يعتمد على يديه وينهض على صدور قدميه فعل، وإن لم يمكنه النهوض على صدور قدميه؛ فإذا رفع رأسه من السجود جلس جلسة خفيفة، ثمَّ اعتمد على الأرض بيديه ثمَّ يقوم.
وسمعت إسحاق مرة أخرى، يقول: قد مضت السُّنَّة من النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه في
الركعة الأولى من السجدة الثانية أن يستوي ثمَّ يعتمد على يديه ويقوم، شيخًا كان أو شابًا، هذه سُنَّة الصلاة، الاعتماد على اليدين إذا قام.
قال إسحاق: وربما كان الرجل ناهضًا على صدور قدميه ومعتمدًا على يديه، إذا رفع رأسه من السجدة رجع إلى الجلسة كأنه في أرجوحة، ثمَّ يعتمد على الأرض بيده ثمَّ يقوم، وقد استوى على الأرض بصدور قدميه".
وقد ذكر حرب في مسائله (203 - 206) القول بالاعتماد على اليدين عند النهوض من السجود عن جماعة من التابعين، ونقله بإسناد شامي رجاله ثقات عن أبي ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه منقطع [انظر: التاريخ الكبير (2/ 355)، العلل المتناهية (2/ 776/ 1295)].
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 311): "والرواية الثانية [يعني: عن أحمد] أنَّه يجلس، اختارها الخلال، وهو أحد قولي الشافعي، قال الخلال: رجع أبو عبد الله إلى هذا؛ يعني: ترَكَ قوله: يترك الجلوس".
وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 194): "اختلف أهل العلم فيما يفعله المرء عند رفع الرأس من السجدة الآخرة من الركعة الأولى، والركعة الثالثة من الصلاة، فقالت طائفة: ينهض على صدور قدميه ولا يجلس.
روي ذلك عن عبد الله بن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة، قام كما هو ولم يجلس،. . .".
إلى أن قال: "وهذا قول سفيان الثوري، ومالك، وأصحاب الرأي، وممن روينا عنه أنَّه كان ينهض على صدور قدميه: عمر، وعلي، وابن الزبير، وأبو سعيد الخدري، وبه قال أحمد وإسحاق، وفعل ذلك أحمد، واحتج بحديث يحيى القطان عن ابن عجلان، وبما روي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم، وقال: عامة الأحاديث على ذلك، وذكر عمر، وعليًّا، وعبد الله، وحديث ابن عجلان، فذُكر له حديث مالك بن الحويرث، فقال: قد عرفته، ذاك أكثر".
قال ابن المنذر: "حديث ابن عجلان الذي احتج به رواه يحيى القطان، عن ابن عجلان، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثمَّ اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثمَّ قم".
وقالت طائفة: يقعد، فإذا استوى قاعدًا قام فاعتمد على الأرض، هذا قول الشافعي، واحتج بحديث مالك بن الحويرث".
وقال ابن بطال في شرح البخاري (2/ 437): "ذهب جمهور العلماء إلى ترك الأخذ بهذا الحديث، وقالوا: إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة من الركعة الأولى والركعة الثالثة ينهض على صدور قدميه، ولا يجلس".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 256): "قال أصحاب الشافعي: فحديث ابن الحويرث أولى ما قيل به في هذه المسألة؛ لأنَّ فيه زيادة سكت عنها غيره، فوجب قبولها، واختلف الفقهاء في الاعتماد على اليدين عند النهوض إلى القيام، فقال مالك والشافعيُّ وأبو حنيفة وأصحابهم: يعتمد على يديه إذا أراد القيام، وروي عن ابن عمر أنَّه كان يعتمد على يديه إذا أراد القيام، وكذلك روي عن مكحول وعمر بن عبد العزيز وجماعة من التابعين،. . .، وقال الثوري: لا يعتمد على يديه إلا أن يكون شيخًا كبيرًا، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وهو قول إبراهيم النخعي، وقال الأثرم: رأيت أحمد بن حنبل إذا نهض يعتمد على فخذيه".
قال النوويّ في المجموع (3/ 407): "والجواب عن أحاديثهم: أنها كلها ليس فيها شيء صحيح؛ إلا الأثر الموقوف على ابن مسعود، ولا تترك السُّنَّة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول غيره".
وقال ابن عثيمين: "الذي يظهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يجلس لأنه كبر وأخذه اللحم، فكان لا يستطيع النهوض من السجود إلى القيام مرة واحدة، فكان يجلس ثمَّ إذا أراد أن ينهض ويقوم اعتمد على يديه؛ ليكون ذلك أسهل له، هذا هو الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان القول الراجح في هذه الجلسة - أعني: الجلسة التي يسميها العلماء جلسة الاستراحة - أنَّه إن احتاج إليها لكبر، أو ثقل، أو مرض، أو ألم في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فليجلس، ثمَّ إذا احتاج أن يعتمد عند القيام على يديه فليعتمد على أي صفة كانت، سواء اعتمد على ظهور الأصابع؛ أي: جميع أصابعه، أو على راحته، أو غير ذلك، المهم أنَّه إذا احتاج إلى الاعتماد فليعتمد، وإن لم يحتج فلا يعتمد"[مجموع الفتاوى والرسائل (13/ 182)، وانظر: الشرح الممتع (3/ 134)].
قلت: مالك بن الحويرث هو راوي حديث: "صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"، وفي أوله قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شَبَبَةٌ متقاربون [تقدم تخريجه برقم (589)]، فلو كانوا غير مأمورين بالتأسي به في هذه الجلسة، وفي كيفية النهوض، لكونهم كانوا شبابًا؛ لما آخر النبي صلى الله عليه وسلم البيان عن وقت الحاجة، ولما قال لهم قولًا عامًا:"صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"، ولأخبرهم بأنّه إنما فعل ذلك لكبر سنه صلى الله عليه وسلم، كما فعل ذلك في موضع آخر، كما في حديث معاوية بن أبي سفيان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبادروني بركوع، ولا بسجود، فإنَّه مهما أسبقْكم به إذا ركعتُ تدركوني به إذا رفعتُ، إني قد بدَّنْت"[تقدم برقم (619)، وهو حديث صحيح]، فلما لم يقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم تأسى به مالك في هاتين الصفتين من صفات الصلاة، والله أعلم.
وبهذا المعنى قال ابن حجر في الدراية (1/ 147): "قوله: وهو محمول على حال الكبر؛ تأويل يحتاج إلى دليل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث لما أراد أن يفارقه: "صلوا كما رأيتموني أصلي" ولم يفصِّل له، فالحديث حجة في الاقتداء به في ذلك".