الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الوجه الثاني تستحق أجرة على إراضع ولدها لأن الرضاع عمل يجوز أخذ الأجرة عليه بعد البينونة فجاز أخذ الأجرة عليه قبل البينونة، كما أن استئجار الأم على إرضاع ولدها عقد إجارة يجوز مع غير الزوج فكذلك يجوز معه وهو الأصح.
مانع المصاهرة:
يقال في اللغة صاهر الرجل جماعة أي تزوج منهم فالتحريم بسبب المصاهرة معناه تحريم بسبب الزواج. واللاتي يحرمن بسبب المصاهرة أربع شعب:
الأولى: من كانت زوجة أصلة وإن علا ذلك الأصل سواء كان من العصبات كأبي الأب أو كان من الأرحام كأبي الأم وسواء دخل بها الأصل أم لم يدخل.
الثانية: من كانت زوجة فرعه سواء كان من العصبات كابن الابن أو من ذوي الأرحام كابن البنت وسواء دخل بها أم لم يدخل.
الثالثة: أصول من كانت زوجته سواء دخل بزوجته أم لم يدخل.
الرابعة: فورع من كانت زوجته وإن نزلن، ولكن بشرط الدخول بزوجته.
ويستدل على تحريم الطائفة الأولى بقول الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} 1.
وقد دلت هذه الآية بنصها على تحريم زواج من كانت زوجة للأب وبما اشتملت عليه من تعليل للتحريم تدل على تحريم أزواج الأجداد وإن علوا لأن وصف المقت والفاحشة يتحقق في التزوج ممن كان زوجات الأجداد وإن علوا، كما يتحقق من زوجة الأب، ويصح أن يفهم تحريم زوجات الأصول جميعا من النص على تحريم زوجات الأباء يراد بها الأصول إذ لفظ الأب قد يراد به الأصل مجازا فيشمل الأب الحقيقي والجد وإن علا، وقد انعقد الإجماع على تحريم زوجات الأجداد فكان ذلك التحريم ثابت بالإجماع.
1 من الآية 23 من سورة النساء.
هذا وإذا كان نكاح زوجة الأصل يفضي إلى قطع الرحم؛ لأنه إذا فارقها أصله، فقد يندم ويريد أن يعيدها فإذا تزوجها ابنه أو حفيده فقد قطع السبيل دون إرادته وأوحشه بذلك، وأن الفطرة السليمة تجافي ذلك النكاح الذي سماه الشارع مقتا وفاحشة.
وتدل الآية الكريمة على أن زوجة الأصل محرمة دخل بها الأصل أم لم يدخل؛ لأن النكاح المراد به العقد، فالعقد وحده سبب للتحريم سواء أكان معه دخول أم لم يكن.
ويستدل على تحريم الطائفة الثانية وهي زوجة الفروع بقول الله تعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} عطفا على قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} .
وقد قيد الله عز وجل الأبناء بكونهم من الأصلاب لكي يعرف الأبناء بذلك الوصف، فيفيد النص أن الأبناء هم الذين من الصلب لا الذين يتبنون، وبهذا يتبين أن المحرم هن زوجات الأبناء لا زوجات المتبنين؛ لأنهم ليسوا أبناء.
هذا وقد ثبت تحريم زوجة الابن بالنص وثبت تحريم زوجة غير الابن كزوجة ابن الابن وابن البنت بالقياس المساوي الجلي؛ لأن سبب التحريم هو الجزئية، وكل فروع الشخص أجزاء منه أو يراد من الأبناء كل من اتصل به بصلة الولادة؛ لأن أولئك أبناء مجازا له.
وزوجة الفرع محرمة سواء حصل دخول بها أو لم يحصل.
والحكمة في تحريمها: هي المحافظة على العلائق بين أفراد الأسرة ومنع كل ما يؤدي إلى القطيعة بينهم؛ إذ لو أبيح للرجل أن يتزوج زوجة ابنه بعد أن يطلقها؛ لأدى ذلك إلى الضغينة بينهما؛ لأن الابن ربما يريد معاودة الحياة مع مطلقته فإذا رأى أباه قد تزوجها، أضغنه ذلك وأوحشه.
وإن زوجة الابن كبنت الرجل وكثيرا ما تناديه بنداء البنت لأبيها، فكيف يحل له زواجها وأن هذا ضد الفطرة السليمة.
ويستدل على تحريم الطائفة الثالثة بقول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} . عطفا على قول تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} .
فقد أثبت النص حرمة زواج الأم، وأثبت حرمة زواج الجدات بدلالة النص أو القياس الجلي، أو دلالة الأولى على حسب تسمية علماء الأصول لذلك النوع من الدلالة، وقد انعقد الإجماع على تحريم كل أصوله الزوجة سواء أدخل بالزوجة أم لم يدخل للإطلاق، وعدم التقييد بحال الدخول، كما قيد التحريم في قوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} .
وهذا رأي الجمهور من الفقهاء:
وهناك رأي آخر روي عن زيد بن ثابت وهو أنه إن حصل فراق البنت عن طلاق قبل الدخول تحل له الأم، وإن كان الفراق بسبب الوفاة فلا تحل؛ لأن الفرق بالموت، كالفراق بعد الدخول يثبت المهر كاملا فكان مثبتا للتحريم كما أثبت المهر.
وحجته في ذلك هي أن الله تعالى قال: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} .
وقد جاء القيد الأخير بعد الأمرين، فكان التحريم في الطائفتين مقيدا بالدخول.
وعلى ذلك يكن شرط الدخول ثابتا في تحريم الأمهات، كما هو ثابت في تحريم البنات.
واستدل الجمهور بظاهر الآية؛ لأن الوصف كان للحال الأخيرة دون سابقتها، فكانت الأولى على إطلاقها، وكان التحريم في الثانية مقيدا بحال الدخول، والأصل في الألفاظ أن تجري في ظاهرها.
واعتبار القيد للاثنين تخريج للكلام على غير ظاهره، ولا يخرج الكلام على غير الظاهر إلا لداع إليه، كعدم استقامة المعنى على الظاهر، والمعنى على الظاهر مستقيم لا يحتاج إلى تخريج.
وقد أيدت السنة هذا الظاهر وعينته، فقد روي أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:"أيما رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده، فلا بأس أن يتزوج ابنتها، وأيما رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أو ماتت عنده فلا يحل له أن يتزوج أمها".
ويستدل على تحريم الطائفة الرابعة وهن فروع من كانت زوجته المدخول بها بقول الله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} .
وذلك عطفا على قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} .
والربيبة: هي ابنة الزوجة سميت بذلك لأن زوج أمها يربيها.
وهي حرام بنص الآية سواء أكانت في الحِجْر أم لم تكن ووصفها بأنها في الحجر وصف كاشف وليس بقيد؛ لأن الغالب أنها تكون في الحجر.
ولقد قال بعض أهل العلم: إن تحريم الربيبة مقيد بأن تكون في الحجر، فلو كانت في بلد آخر وفارق الأم بعد الدخول فله أن يتزوج بها واحتجوا بالآية وقالوا حرم الله الربيبة بشرطين:
أحدهما: أن تكون في حجر المتزوج بأمها.
والثاني الدخول بالأم.
فإذا عدم أحد الشرطين لم يوجد التحريم.
واحتجوا كذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة"، فشرط الحِجْر.
ورووا عن علي بن أبي طالب إجازة ذلك.
وليس ذلك بصحيح في نسبته وحجته لأن ذكر الوصف عند التحريم لا يدل على الحل إذا لم يكن بدليل لأنه عندما نص على حال الحل ذكرها في حال الدخول فقط فقال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} ولم يذكر عند الحل الحال التي
لا تكون في حِجْره، فأقصى ما يدل عليه الوصف أنه يشير إلى الغالب أو هو مبين للتحريم في حال وجوده والباقي فهم تحريمه من على التحريم أي بالقياس الجلي أو من مفهوم قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} 1 فإنه يثبت أنه في حال الدخول تثبت الحرمة سواء أكانت في الحجر أو لم تكن.
فالحق إن ذلك الوصف ليس لتقييد بل خرج تخريج العادة ولبيان قبح التزوج بهن لأنهن غالبا في حجورهن كأبنائهم وبناتهم فلهن ما للبنات من التحريم.
وقبل أن أترك المقام أوضح ثلاث أمور تتعلق بالتحريم بالمصاهرة.
الأمر الأول: اللمس والنظر بشهورة أيعتبر كالدخول الحقيقي ويعطى حكمه فتحرم به الربيبة أو لا؟
قولان في المذهب المختار والمفتى به أنه لا يحرم إلا الدخول الحقيقي لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} 2 ولأن النظر اللمس بشهوة مباشرة لا يوجبان العدة فلا يتعلق بها التحريم.
وقيل: يتعلق بذلك تحريم كالدخول الحقيقي لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نظر إلى فرج امرأة لم تحل له أمها وبنتها".
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها".
ووجه الدلالة أن الحديث الأول نص على أنه من نظر إلى فرج امرأة حرمت عليه أمها وابنتها، وتوعد الحديث الثاني من نظر إلى فرج امرأة وابنتها بعدم نظر الله إليه والوعيد لا يكون إلا على ارتكاب أمر محرم.
1 من الآية 23 من سورة النساء.
2 من الآية 23 من سورة النساء.
الأمر الثاني: الزنا، أثره في التحريم بالمصاهرة
من زنا بامرأة لا يحرم عليه نكاحها ولا تحرم بالزنا أمها ولا ابنتها ولا تحرم الزانية على ابن الزاني ولا على أبيه وذلك لأن الله تعالى بين المحرمات ولم يذكر منهن هذه وأحل ما دون ذلك.
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها فقال: "لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح" وذكر البخاري تعليقا عن ابن عباس رضي الله عنهما ووصله البيهقي بإسناد صحيح أن رجلا غشى أم امرأته فسئل ابن عباس فقال: تخطى حرمتين ولا تحرم عليه امرأته.
وسئل سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير رضي الله عنهما عن الرجل يزني بالمرأة هل تحل لها أمها؟
فقالا: لا يحرم الحرام الحلال.
ويروى مثل ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال ابن عبد البر: أجمع أهل الفتوى من الأمصار أنه لا يحرم على الزاني نكاح من زنى بها، فنكاح أمها وبنتها أجوز.
ومن زنى بامرأة ثم أتت منه ببنت فقد قال إمامنا الشافعي -يرحمه الله- أكره أن يتزوجها فإن تزوجها لا أفسخ نكاحها.
والصحيح أنه لا تحرم عليه حتى لو تحقق أنها من مائه، وذلك لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب فلا يتعلق بها التحريم.
أما البنت المنفية بلعان فقال بعض فقهاء المذهب: أنها لا تحرم على من نفاها كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: تحرم عليه؛ لأنها غير منفية عنه قطعا ولهذا لو أقر بها ثبت النسب.
الأمر الثالث: الوطء بشبهة والدخول في عقد فاسد
من عقد على امرأة فزفت إليه أخرى ودخل بها وهو يعتقد أنها المعقود عليها فإن هذا يعتبر وطئا بشبهة، ومن عقد على امرأة بدون شهود ودخل بها فإنه دخول في عقد فاسد.
وكلا الأمرين الوطء بشبهة والدخول في عقد فاسد كالوطء في ظل عقد صحيح يثبت بهما التحريم بالمصاهرة فتحرم الموطؤة على أصوله وفروعه، ويحرم عليه أصولها وفروعها.
الحكمة في التحريم بالمصاهرة:
إن الشرائع السماوية قد وافقت الشريعة الإسلامية في التحريم بسبب المصاهرة، فكان هذا دليلا على أن ذلك التحريم مشتق من الفطرة الإنسانية؛ إذ لم تختلف فيه الشرائع، والحق أنه يتفق مع الطبع السليم، فإن المرأة إذا اقترنت بالرجل صارت قطعة من نفسه وصار هو قطعة منها {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 1 وإذا صارت جزءًا لا ينفصل من نفسه كان من منطق الزواج أن تكون أمها كأمه، وابنتها كابنته، وتحرم هي على أبيه كما يحرم على أمها؛ إذ صار أبوه أباها أيضا، وتحرم على ابنها كما يحرم ابنها عليها، وما باعدت الحق كثير الشرائع التي تسمي أبا الزوجة أبا للزوج، وابنها ابنا له وأباه أبا لها، وما جاوز الناس في عرفهم الطبيعة والحق إذا أطلقوا هذه الأسماء وأنه لو أبيح للرجل أن يتزوج أم زوجته وابنتها، وهي تتزوج أباه وابنه لأدى ذلك إلى أن تقام الحجب. وبذلك ينقطع الرجل عن أهله، وتنقطع هي عن أهلها، فيكون كلاهما في وحشة لا يجد من يسري عنه، ولا يجد كذلك من يعاونه ويزيل همه ويلقي إليه بدخائل نفسه.
1 من الآية 187 من سورة البقرة.