الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلع
مدخل
…
الخلع:
تمهيد:
الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن، والمودة، والرحمة، وحسن المعاشرة، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق، وقد يحدث أن يتغير قلب أي من الزوجين قبل الآخر، فتحل فيه الكراهية محل المودة والرحمة، والإسلام في هذه الحالة يوصي بالصبر والاحتمال، وينصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية، قال تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} 1.
وفي الحديث الصحيح: "لا يفَرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقًا آخر"2.
إلا أنه قد يستحكم النفور بين الزوجين، ويشتد الشقاق ويصعب العلاج، وينفد الصبر ويذهب ما تأسس عليه البيت من السكن والمودة والرحمة وأداء الحقوق فتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح وحينئذ يرخص الإسلام بالعلاج الوحيد الذي لا بد منه.
فإن كانت الكراهية من جهة الزوج فبيده الطلاق وهو حق من حقوقه وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.
وإن كانت الكراهية من جهة المرأة فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من الحياة الزوجية بطريق الخلع وذلك بأن تعطي الزوج ما أخذته منه مهرًا بسبب الزوجية لتنهي علاقتها به فلا ضرر ولا ضرار.
وإن كانت الكراهية منهما معا فإن طلب الزوج التفريق فيبده الطلاق وعليه تبعاته، وإن طلبت الزوجة الفرقة فبيدها الخلع وعليها تبعاته كذلك.
1 الآية 19 من سورة النساء.
2 أخرجه مسلم كتاب الرضاع، باب حديث رقم 9614، الفرك بكسر الفاء وسكون الراء: البغض.
تعريفه:
لغة: مأخوذ من النزع والإزالة، تقول: خلعت الثوب ونحوه إذا نزعته عنك.
وشرعًا: حل عقد الزوجية بلفظ الخلع وما في معناه في مقابل عوض تلتزم به المرأة.
مشروعيته:
شرع الخلع بالكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَاّ أَنْ يَخَافَا أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 1.
ووجه الدلالة: أن افتداءها نفسها هو الخلع.
ومن السنة: ما روي أن جميلة بنت سهل زوجة ثابت بن قيس بن الشماس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا أنا ولا ثابت ولا ما أعطاني، وسألته أن يطلقها على حديقتها التي أصدقها إياها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"خذ الحديقة وطلقها تطليقة".
وأجمعت الأمة على مشروعيته.
صفة الخلع:
الخلع من جانب الزوج يمين، وذلك لأن الزوج بمخالفته زوجته قد علق طلاقها على قبولها أن تعطيه ما ذكره من البدل، أفلا ترى أنه حين يقول لها: خالعتك على مائة دينار إنما بقصد معنى: إن أديت لي مائة دينار فقد خلعتك من رباط الزوجية الذي يربطك بي، والتعليق يمين.
وهو من جانب الزوجة معارضة، وذلك لأن الزوجة تقصد بقبولها إعطاءه ذلك البدل الذي ذكره افتداء نفسها منه، ألا ترى أنها حين تقول له: قبلت، أو حين
1 من الآية 229 من سورة البقرة.
تقوله له: خالعني على مائة دينار -إنما تقصد معنى: رضيت أن أشتري منك عصمتي بمائة دينار- وإذا كان الأمر على هذا الوجه كان النظر إليها على أنها عقد معاوضة.
ومن أحكام اليمين: أنها تلزم من صدرت منه بمجرد صدورها، وأنه لا يجوز له أن يشرط فيها الخيار لنفسه، ويجوز له أن يعلقها على ما يريد من الشروط، كما يجوز له أن يضيفها إلى ما يريد من الزمان المستقبل، ولا يشترط فيها الرضا بل تنعقد ولو كان من صدرت له منه مكرها عليها.
ومن أحكام عقود المعاوضات: بأنها لا تلزم الموجب لها بمجرد إيجابه، وإنما تلزمه بعد قبول الطرف الثاني، وأنه يجوز فيها اشتراط الخيار، وأنه لا يجوز تعليقها على الشروط، ولا إضافتها إلى زمان مستقبل وأنه يتعين فيها رضا العاقد، وعلمه بمعنى العبارة الدالة عليها.
وإذ كان الخلع يمينا من جهة الزوج وجب أن نطبق عليه جميع ما نطبقه على اليمين بالنظر إليه، وإذ كان معاوضة من جهة الزوجية وجب أن نطبق عليه جميع ما نطبقه على عقود المعاوضات بالنظر إليها.
أركان الخلع:
ركن الشيء: هو ما لا يتم الشيء إلا به وهو جزء منه.
وللخلع أركان خمسة:
الأول: الزوج
ويشترط فيه أن يكون ممن ينفذ طلاقه، ومن ثم فلا يصح خلع الصبي والمجنون ويصح خلع المحجور عليه بفلس أو سفه سواء أذن الولي أم لا، وسواء كان العوض مهر الزوجة أو غيره، ولكن لا يسلم عوض الخلع إلى السفيه بل يسلمه إلى الولي.
الثاني: الزوجة "المختلعة"
ويشترط فيها أن تكون أهلا للتبرع، وذلك بأن تكون بالغة، عاقلة، ألا تكون مريضة مرض الموت، ألا تكون محجورة عليها لسفه.
الثالث: المعروض وهو "البضع"
ويشترط فيه أن يكون مملوكا للزوج.
فأما البائنة بخلع وغيره فلا يصح خلعها، ويصح خلع الرجعية على الأظهر لأنها زوجة.
وقيل: لا يصح خلعها لعدم الحاجة إلى الافتداء.
وقيل: يصح خلعها بالطلقة الثالثة دون الثانية لتحصيل البيونة الكبرى.
الرابع: العوض
وهو كالصداق فيجوز قليلا وكثيرا، عينا ودينا، ويشترط فيه أن يكون معلوما متمولا مع سائر شروط الأعواض، كالقدرة على التسليم واستقرار الملك وغيرهما.
الخامس: الصيغة
ويشترط فيها ألا يتخلل بين الإيجاب والقبول كلام أجنبي فإن تخلل كلام كثير، بطل الارتباط بينهما، وإن تخلل كلام يسير لم يضر على الصحيح.
شروط الخلع:
شرط الشيء: ما لا يتم الشيء إلا به وهو خارج عنه.
ويشترط في صحة الخلع شروط ثلاثة:
الأول: أن يكون بلفظ الخلع أو ما في معناه كالمفاداة.
الثاني: أن يكون نظير عوض.
الثالث: أن يكون برضا الطرفين.
آثار الخلع:
متى وقع الخلع مستوفيا أركانه وشروطه فإنه يرتبت عليه آثاره الشرعية التالية.
أن يقع به الطلاق بائنا، لما روي في الأثر "الخلع طلقة بائنة".
ولأن الخلع طلاق على مال بوجه مخصوص، والطلاق على المال بائن، وقيل: الخلع فسخ لعقد النكاح.
دفع العوض الذي ذكر فيه للزوج وذلك لأن الزوج قد علق طلاقها على قبولها لهذا العوض وقد رضيت به.
سقوط جميع الآثار المترتبة على فرقة النكاح من مؤخر صداق ونفقة وخلافة سواء ذكرا إسقاط مثل ذلك أم لم يذكراه.
وقيل: لا يسقط إلا ما ذكراه فقط.
المقارنة بين الخلع وبين الطلاق على مال:
يشترط الخلع والطلاق على مال في ثلاث أمور:
1-
أن كل واحد منهما يشترط فيه قبول الزوجة.
2-
أنه متى صح البدل وقع به الطلاق البائن.
3-
أن البدل يلزم ذمة الزوجة فيهما.
والفرق بين الخلع والطلاق على مال من أربعة أوجه:
1-
أن الخلع لا تكون صيغته إلا من مادة الخلع أو ما يقوم مقامه، فأما الطلاق على مال فقد تكون عبارته من مادة الخلع كأن يقول لها: خلعتك على أن تعطيني عشرين جنيها؛ فتقول: قبلت. وقد تكون عبارته من غير مادة الخلع، كأن يقول لها: طلقتك أو خلصتك أو ابنتك على عوض قدره عشرون جنيها.
2-
أن الخلع المستكمل لشروطه تسقط به الحقوق الثابتة لكل واحد من الزوجين قبل الآخر عند العقد سواء نص على سقوطه أم لا لم ينص على