‌ البعث بعد الموت: - التحفة الندية شرح العقيدة الواسطية - عبد الرحمن العقل

وقد أخبر عن ذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أحاديثَ صحيحةٍ أوصلَها بعضُ أهل العلم إلى حد التواتر، وهي تفيد نزول عيسى عليه السلام، لكن الإشكال هنا: ألَا يدل ذلك على أن عيسى عليه السلام هو آخرُ النبيين؟

الجواب عن ذلك من وجوه؛ أهمُّها:

1) أن القرآن صرح بكون محمد عليه السلام هو آخر الرسل، قال تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: (40)].

2) أن عيسى عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان لا يأتي بشرع جديد، وإنما يحكم بشرع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

يدل لذلك أحاديثُ كثيرة؛ منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «الصحيحين» قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا؛ فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ»

(1)

.

الركن الخامس:‌

‌ البعث بعد الموت:

المراد به: إخراج الناس من قبورهم بعد مماتهم، وهذا اعتقاد أهل السُّنة والجماعة من غير خلاف، وهو ثابت في الكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: ففي عدة آيات؛ قال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: (53)]، وقال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: (3)]، وقال تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: (7)]، هذه ثلاثة مواضع في القرآن، أقسم الله فيها على البعث بربوبيته.

وأما السُّنة: فالأحاديث في ذلك متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أشهرها ما جاء في «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَاكُلُهُ التُّرَابُ، إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ»

(1)

.

وكما في حديث أبي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا، قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَالَ: أَبَيْتُ، ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الخلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

(2)

.

وجاء الحديث من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَاكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ