الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
الشرح
حق النبي صلى الله عليه وسلم، ففيها رد على أهل الغلو الذين غلوا في النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوه فوق منزلته، وفيها أيضًا رد على أهل التفريط؛ الذين يشهدون بأنَّ محمدًا رسول الله لكن لا يستجيبون لأمره، ولا يمتثلون سنته.
وقوله: «عَبْدُهُ» رد على أهل الغلو الذين غَلَوا في النبي صلى الله عليه وسلم، كما يفعله غلاة المتصوفة الذين يجعلون له بعض ما هو من خصائص الله.
وقوله: «وَرَسُولُهُ» رد على أهل التفريط الجفاة.
قوله: «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ» الصلاة في اللغة: الدعاء؛ قال تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: (103)] المراد: ادعُ لهم.
واختلف أهل العلم في المراد بصلاة الله على رسوله، وأصحُّ ما قيل في ذلك ما جاء عن أبي العالية كما في صحيح البخاري أنه قال:«صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى»
(1)
.
ما
المراد بصلاة الملائكة على الرسول أو على أحد من المؤمنين
؟
أقرب الأقوال في ذلك: أَنَّ صلاتهم بمعنى: الاستغفار، أو الدعاء بالمغفرة، وكلاهما صحيح؛ لما جاء في «الصحيحين» من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(1)
صحيح البخاري (4/ 1801).
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا، أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا اعْتِقَادُ الْفِرْقَةِ
الشرح
(1)
.
أما المراد بالصلاة من الآدميين فالدعاء له.
قوله: «وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا مَزِيدًا» المراد تسليمًا زائدًا على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك دعاء له بالسلام بعد الصلاة، وفيه الجمع بين الصلاة والسلام عليه؛ وهذا ما أمر الله به في سورة الأحزاب؛ قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: (56)].
قوله: «أَمَّا بَعْدُ» هي كلمة يؤتى بها للدلالة على الشروع في المقصود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملها كثيرًا في خطبه وكتاباته إلى ملوك العرب والعجم.
قوله: «فَهَذَا» إشارة إلى ما تضمنته هذه الرسالة المباركة من عقائد الإيمان التي فَصَّل المُصَنِّف القولَ فيها في رسالته هذه.
قوله: «اعْتِقَادُ» المراد بالاعتقاد: ما عُقِد عليه الضميرُ وما دان القلب لله تعالى به؛ فكل شيء يَدين الإنسان به فهو يعتقده.
قوله: «الْفِرْقة» بالكسر الفئة والجماعة كما في سورة التوبة {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة:122].
(1)
صحيح البخاري (1/ 96) رقم (445)، وصحيح مسلم (1/ 459) رقم (649).
النَّاجِيَةِ
الشرح
أما الفُرقة بالضم: فالمراد بها الاختلاف والافتراق والتنازع الذي نهى الله عنه كما في سورة الأنفال: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: (46)]، الريح: القوة، والمراد بالفِرقة في كلام ابن تيمية المعنى الأول.
قوله: «النَّاجِيَةِ» أي: التي نجت في الدنيا من البدع والمخالفات العقدية، وتنجو في الآخرة من نار جهنم، فالنجاة شاملة للدنيا والآخرة.
وعليه فالنجاة الثانية مترتبة على النجاة الأولى؛ مَن نجا مِن البدع والمخالفات في الدنيا نجا في الآخرة من نار جهنم.
لماذا نص المُصَنِّف على أن هذه الفرقة ناجية؟
الجواب: إشارة إلى أن ثَمَّ طوائفَ أخرى ليست بناجية، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً»
(1)
، ثم قال:«كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً»
(2)
.
ما الضابط في معرفة النجاة؟
(1)
أخرجه أبو داود (4/ 197) رقم (4596)، والترمذي (5/ 25) رقم (2640)، وابن ماجه (2/ 1321) رقم (3991) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي:«حديثٌ حسنٌ صحيحٌ» .
(2)
هذه الزيادة أخرجها ابن ماجه (2/ 1322) رقم (3993) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والأقرب أنها زيادة شاذة.
المنْصُورَةِ
الشرح
الجواب: الضابط هو اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فمَن كان متبعًا للنبي فهو الناجي؛ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: (31) - (32)] جاء التأكيد لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين الآيتين من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أنه أخبر أن المحبة الحقيقية لله تعالى تكون باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: تأكيد طاعته صلى الله عليه وسلم، بل قَرْن طاعته بطاعة الله {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:32].
الوجه الثالث: بيانُ أن التولي عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من صفات الكافرين، كما قال تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:32]، وكفى بهذا زجرًا وتقريعًا.
قوله: «النَّاجِيَةِ المنْصُورَةِ» وصفها بوصفين: الوصف الأول: الناجية، والوصف الثاني: المنصورة، وقد وافق المُصَنِّفُ بذلك القرآنَ والسنة؛ أما القرآن ففي قوله تعالى:{فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: (14)].
وأما موافقة السُّنة ففي حديث المغيرةِ بنِ شعبةَ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم? قال:
إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
الشرح
(1)
.
وهنا لطيفة نأخذها من طريقة المُصَنِّف في اختيار الألفاظ، وهي من الأسباب النافعة لطالب العلم أن تُوَافِقَ أَلفاظُه ألفاظَ الكتاب والسُّنة، كما فعل المُصَنِّف رحمه الله هنا، وفي هذه الطريقة سلامة من الوقوع في الخلل وزلات الألفاظ.
قوله: «إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ» المراد يوم القيامة، وقد جاء في هذا عدة أحاديث، منها:
1) حديث ابن مسعود رضي الله عنه في «صحيح مسلم» أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ»
(2)
.
2) حديث أنس رضي الله عنه في «صحيح مسلم» أيضًا أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: الله الله»
(3)
.
3) حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ الله»
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه (9/ 101) رقم (7311) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. وأخرجه مسلم (3/ 1523) رقم (1920) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
(2)
صحيح مسلم (4/ 2268) رقم (2949).
(3)
صحيح مسلم (1/ 131) رقم (148).
(4)
صحيح البخاري (9/ 101) رقم (7312)، وصحيح مسلم (2/ 719) رقم (1037).
كيف نجمع بين هذه الأحاديث؟
جاء في حديث معاوية رضي الله عنه أن أمر هذه الأمة سيبقى مستقيمًا حتى تقوم الساعة، وفي حديث ابن مسعود أنها تقوم على شرار الناس، وفي حديث أنس:«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: الله الله»
(1)
.
هناك عدة أجوبة:
الجواب الأول: أن المراد بقيام الساعة قرب قيام الساعة، وأما الشك في حديث معاوية رضي الله عنه:«حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ الله» ، فنرده إلى النصوص التي ليس فيها شك؛ مثل حديث أنس رضي الله عنه وحديث ابن مسعود رضي الله عنه، وعلى هذا أكثر الأحاديث، أما الشك في حديث معاوية فلعله من الراوي.
فتكون خلاصة الجواب: أن أمر هذه الأمة لا يزال مستقيمًا إلى قرب قيام الساعة، أي أنه عند قيام الساعة لا يوجد من يقول الله، وأهل الإيمان ينقرضون قبل هذا.
الجواب الثاني: أن المراد بقيام الساعة: ساعة أهل ذلك الزمان، ومَن مات فقد قامت قيامته، وليس المراد قيام الساعة الكبرى.
هذان الجوابان من أشهر الأجوبة، والجواب الأول أقرب.
(1)
صحيح مسلم (1/ 131) رقم (148).
أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجمَاعَةِ، وهو
الشرح
قوله: «أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجمَاعَةِ» فيه وصف للفرقة الناجية بصفتين:
1) أهل السُّنة، أي: أتباع السنة.
2) الجماعة، أي: الاجتماع على الحق، وعلى توحيد الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبهذا تكون الأوصاف التي ذكرت هنا مع ما قبلها أربعة أوصاف:
1) الناجية.
…
2) المنصورة.
3) أهل السنة.
…
4) أهل جماعة يحرصون على الاجتماع وينبذون الافتراق.
وقد أشار المُصَنِّف رحمه الله إلى وصفين عظيمين هما:
1 -
اتباع السُّنة.
2 -
الاجتماع.
وعلى طالب العلم أن يحرص على الجمع بينهما، وأن يكون عنده اتباع ودليل، وأن يحرص أيضًا على الاجتماع كما يحرص على السنة.
قوله: «وَهُوَ» : عائد إلى الاعتقاد، كأنه يقول: أهل السنة والجماعة هذا هو اعتقادهم.
وَهُوَ الإِيمَانُ بِالله، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الموْتِ
الشرح
قوله: «وَهُوَ الإِيمَانُ بِالله، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الموْتِ» هذه هي الأصول الستة، ويعبر بعضُهم عنها بقوله: أركان الإيمان، ولا يتم إيمانُ أحد إلا بالإيمان بها جميعًا، ويجب أن يكون الإيمانُ بها على الوجه الصحيح الذي جاء في الكتاب والسُّنة.
ما حكم مَن جحد ركنًا من هذه الأركان؟
الجواب: من جحد ركنًا منها فكأنما جحدها كلَّها ولم يؤمن بها، ومن لم يؤمن بها فقد كذَّب بالقرآن، والتكذيب بالقرآن كفر.
قد يقول قائل: مِنْ أين أتيتم بهذه الأركان الستة؟
الجواب: من حديث جبريل عليه السلام المشهور؛ وفيه: «قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ؟ قال: أن تُؤْمِنَ بالله وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»
(1)
.
وعلى هذا فالأركان ستة حددها أهل العلم استدلالًا بهذا الحديث، فمن آمن ببعضها فلا يصح إيمانه، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: (85)].
(1)
أخرجه مسلم (1/ 36) رقم (8).