الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]،
الشرح
صفة ذاتية خبرية، فالله لم يزل ولا يزال متصفًا بها، وسبق معنا أن الصفة الذاتية هي التي لا تنفكُّ عن الله تعالى بل لم يزل ولا يزال موصوفًا بها.
ما الدليل على
إثبات العينين لله تعالى
؟
الدليل قوله صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال كما في «الصحيحين» : «إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»
(1)
.
وهذا الحديث يدل على أن لله عينين اثنتين؛ لأنه لو كان لله أكثر من عينين لقال: (إن ربكم له أعيُن)، ولو كان كذلك لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه قال عن المسيح: إنه أعور، فذكر أن هذا عيبٌ فيه، ونزَّه الله عن ذلك فقال:«وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» ، فمقتضى هذا إثباتُ عينين لله تعالى على ما يليق بجلاله.
ثم ذكر المُصَنِّف رحمه الله آيات أخرى في الصفات:
قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ؛ نثبت منها صفة السمع من قوله: {قَدْ سَمِعَ} ، ونثبت أيضًا صفة البصر من قوله:{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} .
(1)
صحيح البخاري (9/ 60) رقم (7131)، وصحيح مسلم (4/ 2248) رقم (2933).
وَقَوْلُهُ: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80]، وَقَوْلُهُ:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، وَقَوْلُهُ:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:14]، {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء:218 - 220]،
الشرح
قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} الصفة المثبتة أيضًا هي: صفة السمع.
وقوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} الصفة المثبتة أيضًا هي: صفة السمع.
قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} الصفات المثبتة:
1 -
صفة المعية: من قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا} .
2 -
صفة السمع: من قوله: {أَسْمَعُ} .
3 -
صفة الرؤية: من قوله: {وَأَرَى} .
قوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} الصفة المثبتة: الرؤية.
قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الصفات المثبتة:
الشرح
1 -
صفة الرؤية.
…
2 - صفة السمع.
…
3 - صفة العلم.
قوله: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} الصفات المثبتة:
1 -
صفة السمع.
…
2 - صفة البصر.
…
3 - صفة المعية.
4 -
صفة العلم.
…
5 - صفة الرؤية.
السمع المضاف إلى الله ينقسم إلى قسمين:
1 -
سمع يتعلق بالمسموعات، ومعناه إدراك الصوت.
2 -
سمع بمعنى الاستجابة.
وقد قسم العلماء السمع المتعلق بإدراك الأصوات إلى ثلاثة أقسام:
الأول: السمع الذي يقصد به التهديد، كما في قول الله تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} ، وقوله:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} .
الثاني: السمع الذي يقصد به التأييد، كما في قوله تعالى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} .
الثالث: السمع الذي يقصد به الإحاطة، كما في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:13]، وَقَوْلُهُ:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54]،وَقَوْلُهُ:{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل:50]، وَقَوْلُهُ:{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:15،16].
الشرح
قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.
بعد ذلك ذكر المُصَنِّف رحمه الله جملة من الآيات المشتملة على: إثبات صفتَيِ المكر والكيد لله عز وجل وهما من الصفات الاختيارية.
لكن أهل العلم يذكرون أن هذه الصفات وما جاء بنحوها من باب المقابلة، فيمكر الله بمن يمكر به، ويكيد لمن أراد الكيد له سبحانه وتعالى، ومن ذلك الاستهزاء؛ فالله يستهزئ بمن يستهزئ به.
نلاحظ في هذه الآيات الواردة في هذا الباب أنها جاءت مقيَّدة وليست مطلَقة، أي لم يأتِ وصفُ الله بالمكر مطلقًا، بل وصف الله نفسه بهذا لمن يمكر به، وهكذا صفة الكيد والاستهزاء، وعلى هذا لا يجوز اشتقاقُ اسم الماكر والكائد والمستهزئ.
وقوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} معناه شديد الأَخْذ بالعقوبة، قال علي رضي الله عنه:«{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} أي: شديد الأخذ»
(1)
، وقال ابن عباس رضي الله عنهما:«أي: شديد الحول»
(2)
. والمِحال والمُماحلة المراد بهما المماكرة والمغالبة.
(1)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (16/ 396).
(2)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (16/ 396).
وَقَوْلُهُ: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:149].
الشرح
الخلاصة: في معنى هذه الآيات: أن الله تعالى شديدُ المكر والكيد والعقوبة لأعدائه؛ فهو سبحانه وتعالى يَفْجَؤُهم بالهلكة من حيث لا يحتسبون.
والكيد على نوعين:
1) كيد قبيح: وهو إيصال الكيد لمَن لا يستحقُّه.
2) كيد حسن: وهو إيصال الكيد لمن يستحقه من باب العقوبة.
فالنوع الأول كيد مذموم وينزه الله تعالى عنه، والذي يوصف بالكيد هو المخلوق، أما الله سبحانه فكيده حسن، ولا يكيد سبحانه إلا لمن يستحق الكيد.
ذكر المُصَنِّف رحمه الله بعد ذلك جملةً من الآيات المتعلقة ببعض الصفات:
قوله: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} الصفات المأخوذة من هذه الآية:
1) العفو: من قوله: {عَفُوًّا} .
2) القدرة: من قوله: {قَدِيرًا} .
قوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} نثبت من الآية صفتين هما:
وَقَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]. وَقَوْلُهُ عَنْ إِبْلِيسَ: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82].
الشرح
1) صفة المغفرة.
2) صفة الرحمة.
قوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} نأخذ منها صفة العزة من قوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} .
وكذلك قوله تعالى: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} نأخذ منها صفة العزة.
ففيها إثبات العزة لله تعالى، ومعنى هذه الصفة الكريمة دائرٌ على القوة والامتناع والغلبة؛ قال شيخ الإسلام في منهاج السنة:«فإن العرب تقولُ: عزَّ يعَزُّ بالفتح إذا قوي، وعزَّ يعِزُّ بالكسر إذا امتنع، وعزَّ يَعُزُّ بالضم إذا غلَب»
(1)
.
هذه الآيات الأربع التي ذكرها المُصَنِّف رحمه الله قد تضمَّنت إثبات خمس صفات:
1 -
صفة العفو.
…
2 - صفة القدرة.
…
3 - صفة المغفرة.
4 -
صفة الرحمة.
…
5 - صفة العزة.
وقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] في هذه الآية أخبر الله عز وجل عن إبليس الرجيم أنه أقسم بعزة الله على أمرٍ كبيرٍ، وهو إغواء بني آدم وتزيين
(1)
منهاج السنة (3/ 325).
وَقَوْلُهُ: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:78].
الشرح
الشهوات لهم، لكن جاءت البشرى بعد ذلك بسلامة المُخْلَصِين الذين لا يَقدِر على إضلالهم؛ لقوة تمسكهم بدينهم واعتمادِهم على الله عز وجل {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:83].
وفي هذه الآية ردٌّ على بعض الطوائف التي أنكرت الجنَّ، ويحتكمون إلى العقل وإلى الاحتجاج بعدم المشاهدة، ولا حجة في ذلك؛ لأنهم عالم غيبي بالنسبة لنا.
وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في بعض كتبه أنهم يتمثلون ببعض الصور؛ قال رحمه الله: «والجن يتصوَّرون في صور الإنس والبهائم؛ فيتصورون في صور الحيَّات والعقارب وغيرها، وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، وفي صور الطير، وفي صور بني آدم؛ كما أتى الشيطان قريشًا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر؛ قال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} إلى قوله: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:48]، وكما رُوي أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة»
(1)
.
قوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:78] ذكر هذه الآية لإثبات الاسم لله تعالى، وقد دلت الآية على البركة في هذا الاسم.
(1)
مجموع الفتاوى (19/ 44،45).