الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة:
هل يُتصور خلوُّ الأرض من الكفر والنفاق
؟
الجواب: لا يتصور خلو الأرض من الكفر والكافرين والمنافقين؛ لأنَّ من الحِكَم والسنن الإلهية التي أرادها الله كونًا وجودَ الصراع بين الحق والباطل، وهذه الحكمة ينبني عليها امتحان واختبار وتمحيص للصف المؤمن.
وأنبِّه بهذه المناسبة على خطأ مشهور عند بعض الأئمة في دعاء القنوت؛ حيث يَدعون على عموم الكفار ويقولون: «اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا»
(1)
، ويحتجون لذلك بأنه دعاء خُبيب على قتلته حيث دعا بذلك. والدليل صحيح، ولكن وجه الاستدلال ليس بصحيح؛ لأن خبيبًا رضي الله عنه أراد بدعائه قومًا معينين.
لكن قد يقول قائل: إن نوحًا عليه السلام دعا على الكفار دعاءً عامًّا، كما في قوله تعالى:{وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: (26)].
والجواب: أن نوحًا عليه السلام قد اعتذر من دعائه هذا؛ كما في حديث الشفاعة: «وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي»
(2)
، فامتنع عليه السلام عن الشفاعة بسبب دعائه هذا.
(1)
أخرجه البخاري (5/ 78) رقم (3989) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله: (بَِدَدًا) فيه وجهان: فتح الباء بمعنى متفرقين، وكسر الباء بمعنى حصص مقسمة.
(2)
أخرجه البخاري (6/ 84) رقم (4712)، ومسلم (1/ 184) رقم (194).
وَمِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ: الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَبِمَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مُحَمَّدٌ ? مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ.
الشرح
قوله: «وَمِنَ الْإِيمَانِ بِالله
…
» إلخ: شرع المُصَنِّف رحمه الله في التفصيل بعد الإجمال، فذكر أنَّ مِن عقائد أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله: الإيمانَ بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
- التحريف: تفسير النصوص بالمعنى الباطل الذي لا تدل عليه تلك النصوص بوجه من الوجوه.
- التعطيل: نفي المعنى الصحيح الذي دلت عليه النصوص.
- التكييف: وضع كيفية لصفات الله سبحانه وتعالى، أو البحث عن حقيقتها وكنهها.
- التمثيل: أن تجعل صفات الله سبحانه وتعالى كصفات خلقه.
ومنهج أهل السُّنة: الإيمان بما وصف به الله نفسه في كتابه، وبما وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، وذلك على أربعة أقسام:
1) الوصف بالقول:
مثال ذلك ما جاء في «الصحيحين» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ»
(1)
. الحديث له عدة ألفاظ، وهذا لفظ مسلم.
(1)
صحيح البخاري (4/ 24) رقم (2826)، وصحيح مسلم (3/ 1504) رقم (1890) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وكقوله: «خَلَقَ الله آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»
(1)
ما معنى الحديث؟ وما المراد بقوله: «عَلَى صُورَتِهِ» ؟ هل هي صورة آدم أو صورة الرحمن؟
الصحيح الذي دلت عليه الأدلة، وهو مذهب عامة أهل السنة: أن المراد صورة الرحمن، ويؤكد ذلك روايةُ:«إِنَّ الله خَلَقَ آدَم عَلَى صُورَة الرَّحْمَن»
(2)
.
وقد خالف في ذلك الإمامُ ابن خزيمة، ومن المتأخرين الألباني، وقالا: المراد صورة آدم. ولكن الصحيح الذي عليه عامة الأئمة، أن المراد صورة الرحمن، أي: خلق الله آدم على صورة الرحمن.
2) الوصف بالفعل:
مثاله: ما ثبت في «صحيح مسلم» في حديث جابر رضي الله عنه الطويل عندما خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة عرفة وقال: «أَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ»
(3)
إشارة إلى العلو، فوصف ربه بالعلو بالفعل.
(1)
أخرجه البخاري (8/ 50) رقم (6227)، ومسلم (4/ 2183) رقم (2841) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 229) رقم (518)، والطبراني في الكبير (12/ 430) رقم (13580)، والحديث حَسَّن إسنادَه ابنُ حجر في الفتح (5/ 183).
(3)
صحيح مسلم (2/ 886) رقم (1218).
3) الوصف بالقول والفعل معًا:
مثاله: ما رواه أبو داود في «سننه» أن أبا هريرة رضي الله عنه تلا الآية: {إن الله يأمرك أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} إلى قوله تعالى: {أن الله كان سميعا بصيرا} [النساء: (58)]، وقال:«رأيتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقْرَؤُهَا ويَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ»
(1)
.
هل يقال: هذا تشبيه؟
الجواب: هذا ليس بتشبيه، بل أراد به النبي صلى الله عليه وسلم تحقيقَ الصفة.
4) إقرار الوصف:
مثاله ما جاء في «صحيح مسلم» من حديثِ معاويةَ بنِ الحكم السُّلَمي رضي الله عنه وهو حديث طويل جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الجارية: «فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ اللهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ» ، فأقرَّها على ذلك، وقال لسيدها:«أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»
(2)
.
ومن ذلك إقراره صلى الله عليه وسلم للحَبر اليهودي الذي قال لرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى
(1)
سنن أبي داود (4/ 233) رقم (4728).
(2)
صحيح مسلم (1/ 381) رقم (537).
بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: (11)].
الشرح
إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تصديقًا للحبر»، والحديث في الصحيحين من رواية ابن مسعود رضي الله عنه
(1)
.
والحديث فيه فوائد:
أولًا: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي بما قال، إذ أخبر أن الله يضع السماء يوم القيامة على إصبع
…
إلخ.
ثانيًا: قبول الحق من الكافر، وأن الحق متى جاءنا قبلناه بغض النظر عمَّن قاله.
قوله: «بَلْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}» هذه الآية قاعدة من القواعد العظيمة في باب الأسماء والصفات، وفيها جملة من الفوائد والاستنباطات:
أولًا: في الآية رد على المشبِّهة؛ لقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
ثانيًا: فيها رد على المعطِّلة؛ لقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
ثالثًا: فيها رد على المعتزِلة الذين يثبتون الأسماء دون الصفات، حيث أخبر سبحانه أنَّ من أسمائه السميعَ والبصير، وهما اسمان يشتملان على
(1)
أخرجه البخاري (9/ 134) رقم (7451)، ومسلم (4/ 2147) رقم (2786) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
صفتين، وهما: السمع، والبصر، وهو سبحانه ليس كمثله شيء في صفاته، بل هي على ما يليق بجلاله وعظمته.
رابعًا: فيها رد على الأشاعرة؛ إذ إنهم أثبتوا بعض الصفات ونفوا البعض الآخر، وقالوا: إثبات الصفات الخبرية يستلزم التشبيه، فيقال لهم: إن الله تعالى في هذه الآية أثبت السمع والبصر، وردَّ على المشبهة؛ فإثبات الصفات لا يستلزم التشبيه؛ فيلزمكم فيما نفيتموه نظير ما قلتموه فيما أثبتُّموه؛ إذ القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.
خامسًا: فيها إثبات صفة السمع {وَهُوَ السَّمِيعُ} .
سادسًا: فيها إثبات صفة البصر لله على ما يليق بجلاله {الْبَصِيرُ} .
سابعًا: فيها إثبات لمنهج أهل السنة والجماعة في النفي المجمل والإثبات المفصل.
وطريقة القرآن والسُّنة: الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات، إلا في مواطنَ معينةٍ يأتي فيها التفصيل في النفي؛ ولذلك أسباب سيأتي الكلام عليها في شرح القواعد المثلى إن شاء الله.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} : فيه نفي مجمل، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}: فيه إثبات مفصل.