الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22،23]، {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} [المطففين:23]، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35].
الشرح
ونخلص في صفة الكلام إلى ما يلي:
1) إثبات صفة الكلام لله تعالى.
2) أنه يتكلم بصوت وحروف لكن لا تشبه حروف وأصوات المخلوقين.
3) أن صفة الكلام صفة ذاتية باعتبار أصلها، فعلية متعلقة بالمشيئة؛ باعتبار آحاد الكلام.
ثم ساق المُصَنِّف رحمه الله الآياتِ الدالةَ على
إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة
.
وقد خالف في هذه المسألة: الجهميةُ، والمعتزلة، والإباضية.
فقالوا: لا نثبت رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وهذا النفي مبني على نفيٍ آخرَ؛ وهو نفي الجهة عن الله تعالى، فقالوا: ما دامت الجهةُ مستحيلةً، وهي شرطٌ في الرؤية، فالرؤية مستحيلة، واستدلوا بقوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:103] وبقوله لموسى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143]، و (لن) عندهم للتأبيد، هذا هو مذهب المعتزلة والجهمية ومن وافقهم.
أما الأشاعرة فإنهم ينفون الجهة ويوافقون المعتزلة في ذلك، لكنهم يثبتون
الرؤية، وعلى هذا وافقوا المعتزلة في المقدمة وخالفوهم في النتيجة، ولذلك حاروا في هذه المسألة حينما تابعوا المعتزلة في هذه المقدمة، فاضطربوا اضطرابًا بيِّنًا؛ منهم مَن قال: يرونه من جميع الجهات، ومنهم مَن أثبت الرؤية وقال رؤية بصيرة لا بصر، وقال هؤلاء: إن المقصود زيادة الانكشاف والتجلي حتى كأنها رأيُ عين.
أما أهل السنة والجماعة فقد عصمهم الله من هذه الافتراضات، فهم يثبتون الرؤية لله تعالى من غير ولوج في التفاصيل التي خاض فيها المعتزلة والأشاعرة.
سُئِلَ الإمام مالك عن هذه الآية: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، فقال:«لما حجَب أعداءه فلم يرَوْه، تجلَّى لأوليائه حتى رأوه»
(1)
.
وقال الشافعي رحمه الله: «في الآية دلالة على أن أولياء الله يرونه عِيانًا»
(2)
.
وقد سبق معنا في شرح «الحائية» قولُ ابن أبي داود:
وَقُلْ يَتَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً
كَمَا الْبَدْرُ لَا يَخْفَى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
(1)
أخرجه اللالكائي في أصول الاعتقاد بلفظ: «لو لم يَرَ المؤمنون ربهم يوم القيامة، لم يُعيِّر الله الكفار بالحجاب فقال: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}» .
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 117)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 87).
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ هَذَا وَعِنْدَنَا
بِمِصْدَاقِ مَا قُلْنَا حَدِيثٌ مُصَرِّحُ
رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ مَقَالِ مُحَمَّدٍ
فَقُلْ مِثْلَ مَا قَدْ قَالَ في ذَاكَ تَنْجَحُ
قال ابنُ القيم رحمه الله: «والناسُ في إثبات الرؤية وعدمِها طرفان ووسط: فقوم غلَوْا في إثباتها حتى أثبتوها في الدنيا والآخرة؛ وهم الصوفية وأحزابهم. وقوم نفَوْها في الدنيا والآخرة؛ وهم الجهمية والمعتزلة. والوسطُ هم أهل السنة الذين أثبتوها في الآخرة حسَبَما تواترت به الأدلةُ» .
وقال أيضًا في «نونيته» :
وَيَرَوْنَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فَوْقِهِمْ
…
نَظَرَ العِيَانِ كَما يُرَى القَمَرَان
هَذَا تَوَاتَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ لَمْ
…
يُنْكِرْهُ إلَّا فَاسِدُ الإِيمان
وَأَتَى بِهِ القُرْآنُ تَصْرِيحًا وَتَعْـ
…
رِيضًا هُمَا بِسِيَاقِهِ نَوْعَان
وَهِيَ الزِّيَادَةُ قَدْ أَتَتْ فَي يُونُسٍ
…
تَفْسِيرُ مَنْ قَدْ جَاءَ بِالْقُرْآنِ
(1)
والتي في سورة يونس هي قولُ الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]؛ فقد فسرها النبي بالرؤية كما ثبت ذلك في عدة أحاديث
(2)
.
(1)
الكافية الشافية ص (341).
(2)
جاء ذلك في صحيح مسلم (1/ 163) رقم (1917) من حديث صهيب بلفظ: «إذا دخل =
وَهَذَا الْبَابُ فِي كِتَابِ الله كَثِيرٌ، مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ طَالِبًا لِلْهُدَى مِنْهُ تَبَيَّنَ لَهُ طَرِيقُ الحَقِّ.
الشرح
قوله: «وَهَذَا الْبَابُ فِي كِتَابِ الله كَثِيرٌ» أي بابُ الأسماء والصفات، ولم يستوعبِ المُصَنِّفُ رحمه الله الآياتِ التي جاءت في الأسماء والصفات، إلا في بابٍ واحد؛ وهو باب الاستواء، أما باقي الأبواب فذكر بعض آياتها.
والناظر في الآيات التي سردها المُصَنِّف رحمه الله في هذا الباب يمكنه أن يستنبط عدةَ قواعدَ وأصولٍ:
أولها: اتفاق السلف على وجوب الإيمان بجميع الأسماء وما دلت عليه من صفات.
ثانيها: أن هذه الآيات دلت على أن صفات البارئ سبحانه على ثلاثة أقسام:
1 -
صفات ذاتية: لا تنفك عنها الذات؛ مثل: العلو، والحياة، والسمع، والبصر، ونحو ذلك.
2 -
صفات فعلية: تتعلق بالمشيئة؛ مثل المجيء، والاستواء، والضحك، والغضب، والعجب، والنزول، والفرح، ونحو ذلك.
= أهلُ الجنةِ الجنةَ يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}». وفي السنة لابن أبي عاصم (1/ 206) بلفظ:«فيكشف الله عنهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى، فما شيء أُعطوه أحب إليهم من النظر إليه؛ وهي الزيادة» .
فَصْلٌ: ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ الله ?،
الشرح
3 -
صفات ذاتية فعلية: باعتبارين كصفة الكلام؛ فهي صفةٌ ذاتيةٌ باعتبار أصل الكلام، وفعلية باعتبار آحاد الكلام.
ثالثها: إثبات تفرد الرب بكل صفات الكمال، وأنه ليس له شريك أو مثيل في شيء منها.
رابعًا: إثبات جميع ما ورد في الكتاب والسنة من الصفات الذاتية والفعلية، والمخالف في هذا الأصل فريقان:
1 -
المعتزلة؛ فإنهم ينفون جميع الصفات ويثبتون الأسماء.
2 -
الجهمية؛ فإنهم ينفون جميع الصفات والأسماء.
لماذا لا نُلحق بهم الأشاعرة ونقول: إنهم فريق ثالث؟
الجواب: الأشاعرة وافقوا أهل السنة والجماعة في سبع صفات فقط، يدَّعون أن العقل يُثبتها، وهذه الصفات هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام.
قوله: «فَصْلٌ» هذا الفصل يختص بنصوص السنة الدالة على صفات الله سبحانه وتعالى، لأن الفصل السابق كان يختص بنصوص القرآن الدالة على الصفات.
قوله: «ثُمَّ سُنَّةُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم» هذا عطف على قوله فيما تقدم: «وَقَدْ دَخَلَ فِي هَذِهِ الجمْلَةِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ
…
».
فيكون المراد أنه دخل في ذلك أيضًا ما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم به ربه في
تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ، وَتُبَيِّنُهُ، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ، وَتُعَبِّرُ عَنْهُ،
الشرح
الأحاديث الصحيحة، فكما نثبت من القرآن هذه الصفات، أيضًا نثبتها من السنة؛ لأنها هي الأصل الثاني في التشريع.
والسنة اصطلاحًا: ما ثبت من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.
والمعتمد عند أهل العلم أن السنة إذا ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالسند الصحيح فهي بمنزلة القرآن من ناحية التصديق والعمل، وهي مُنْزلة كالقرآن؛ كما قال تعالى:{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [النساء:113]، (والحكمة): السُّنَّة، وقال تعالى:{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة:129]، أي: السنة، وقوله:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:34].
قوله: «تُفَسِّرُ الْقُرْآنَ» هذا هو مذهب أهل الحق في السنة النبوية؛ لأنها ملازِمة للقرآن مبيِّنة له. ومعنى تفسر القرآن: أي توضحه وتبيِّن المرادَ منه، والله يقول:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44] الذكر هو القرآن، {لِتُبَيِّنَ} أي لتوضح لهم.
ولهذا نلاحظ أن الأحكام في القرآن غالبًا تأتي مجملة، ويأتي تفصيلُها في السنة؛ فمثلًا الصلاة جاء الأمر في القرآن بإقامتها، أمرًا مجملًا، وجاء تفصيلها من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم، وهكذا في بقية العبادات.
وهناك أمثلة تدل على أنَّ السُّنَّة تفسر القرآن، منها:
وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ بِهِ رَبَّهُ عز وجل مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ؛ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ،
الشرح
قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] فسَّر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الزيادة بأنها الرؤية كما ثبت في مسلم من حديث صُهَيب
(1)
.
وقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] القوة في الآية فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ»
(2)
، والأمثلة على ذلك كثيرة.
أما أهل البدع فهم في هذا الباب على فريقين:
الفريق الأول: مَن لا يتورع عن إنكار السنة ويصرح بذلك؛ كالمعتزلة والفلاسفة الذين ردُّوا السنة مطلقًا.
الفريق الثاني: مَن يثبت السنة ويعتقد بصحة النقل فيها، ولكن يحرِّفها ويشتغل بتأويل الصفات التي أثبتتها السنة، كالأشاعرة؛ فإنهم لم يردوا السنة كما فعل المعتزلة، بل أثبتوها لكن أوَّلوها.
قوله: «وَمَا وَصَفَ الرَّسُولُ بِهِ رَبَّهُ عز وجل مِنَ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الَّتِي تَلَقَّاهَا أَهْلُ المعْرِفَةِ بِالْقَبُولِ؛ وَجَبَ الْإِيمَانُ بِهَا كَذَلِكَ» أي كما وجب الإيمانُ بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كذلك يجبُ الإيمانُ بكل ما وصفه به أعلمُ الخلق به صلى الله عليه وسلم.
(1)
صحيح مسلم (1/ 163) رقم (181).
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1522) رقم (1917) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
فَمِنْ ذَلِكَ: مِثْلُ قَوْلِهِ ?: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشرح
ثم بدأ المُصَنِّف بذكر جملة من الأحاديث التي تدل على صفات الله؛ ابتدأها بحديث: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» هذا الحديث متفق عليه
(1)
.
والكلام عليه من وجهين:
1 -
صحته من جهة النقل؛ فقد أشار المُصَنِّف رحمه الله إلى أنه متفق عليه، ونقل الذهبي في كتابه «العلو للعلي الغفار» أن أحاديث النزول أحاديث متواترة
(2)
.
2 -
ما أفاده هذا الحديث من إثبات صفة النزول لله جل وعز، وهذا ثابت في كل ليلة، كما نأخذ ذلك من قوله في الحديث:«كُلَّ لَيْلَةٍ» .
لو قال قائل: كيف ينزل؟
أجيب بأننا نثبت النزول، ونثبت الكيفية، لكن ننفي العلم بها، وعليه فيكون السؤال عنها بدعة، فيقال في هذه الصفة مثلُ ما يقال في بقية الصفات؛ أنه نزول يليق بجلاله وعظمته.
وفي هذا الحديث ردٌّ على أربعِ طوائفَ من المبتدعة:
(1)
أخرجه البخاري (2/ 53) رقم (1145)، ومسلم (1/ 521) رقم (758).
(2)
العلو للعلي الغفار ص (91).