الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]، {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، وَقَوْلُهُ:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46]، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249].
الشرح
إثبات علو الله على خلقه
؛ فقد دلت هذه الآيات على ذلك، كما دلت الآيات التي قبلها على إثبات صفة الاستواء، فهل بين الاستواء والعلو فرقٌ؟
الجواب: الفرق من وجهين:
الأول: أن العلو من الصفات الذاتية، أما الاستواء فمِن الصفات الفعلية، فالعلو من صفاته اللازمة، والاستواء فعل من أفعاله سبحانه وتعالى.
الثاني: أن العلو من الصفات الثابتة في العقل والنقل، أما الاستواء فهو ثابت بالنقل ولا مجال للعقل فيه.
وبالجملة: فكل استواء علو، وليس كل علو استواء؛ فالاستواء أخص من العلو، والعلو أعم من الاستواء.
ثم ذكر المُصَنِّف رحمه الله سبع آيات متعلقة بصفة المعية، ونأخذ منها إثباتَ المعية؛ وهي من المسائل المُجمع عليها عند أهل السنة والجماعة.
والمعية قسمان: 1 - عامة. 2 - خاصة.
ذكر الإمام السعدي رحمه الله فائدة جليلة في معرفة الفرق بين المعيتين، فقال:«إذا أردت أن تعرف: هل المراد المعية العامة أو الخاصة؟ فانظر إلى سياق الآيات؛ فإن كان المقام مقام تخويف ومحاسبة للعباد على أعمالهم وحث على المراقبة؛ فإنها عامة مثل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]» .
(1)
.
وقد ساق المُصَنِّف رحمه الله سبع آيات في المعية، كلها في المعية الخاصة إلا الآية الأولى والثانية.
قال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله: «المعية صفة من صفات الله؛ وهي قسمان: معية خاصة: لا يعلم كيفيتَها إلا الله كسائر صفاته، وتتضمَّن الإحاطة والنصرة والتوفيق والحماية من المهالك.
(1)
التنبيهات اللطيفة ص (48).
ومعية عامة: تتضمن علم الرب بأحوال عباده، واطلاعه على جميع أحوالهم وتصرفاتهم الظاهرة والباطنة، ولا يلزم منها الاختلاط والامتزاج؛ لأنه سبحانه لا يُقاس بخلقه»
(1)
.
وهل المعية حقيقية أو هي كناية عن علم الله وسمعه وقدرته؟
المعنى الذي فهمه السلف، وأجمعوا عليه، ونص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية
(2)
وتلميذه ابن القيم
(3)
وابن عثيمين
(4)
وغيرهم: هو أن الله معنا حقيقة، كما هو مستوٍ على عرشه حقيقةً. وقالوا: لفظة «مَعَ» تأتي في اللغة لمطلق المقارنة والمصاحبة، ويختلف معناها باختلاف المقتضى. وقالوا: هنالك فرقٌ بين معنى المعية، وبين مقتضى المعية؛ فلو قال قائلٌ:«محمدٌ معي الآن في البيت» ، فهذه المعية حقيقية، والمعنى أن محمدًا معه في البيت بذاته، ولو قال:«أنا مع الإمام أحمد في عدم قوله بخلق القرآن» ، فهذه معيةٌ حقيقية، والمعنى أنه يوافقه في الاعتقاد والرأي، ولو قلنا:«الله معنا» ، فهذه معيةٌ «في العلم والسمع والبصر» ، ونحو ذلك، ولهذا ما قاله شيخ الإسلام وتلميذه وتبعهما عليه ابن عثيمين - رحم الله الجميع- هو مذهب السلف، لكن كان ما فعله هؤلاء المتأخرون هو الشرح
(1)
مجموع فتاوى ابن باز (16/ 346، 347).
(2)
ينظر: الفتوى الحموية ص (520 - 523)، ومنهاج السنة النبوية (8/ 372 - 377).
(3)
ينظر: مدارج السالكين (2/ 265)، وعدة الصابرين ص (45).
(4)
القواعد المثلى ص (60).
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة:116]، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام:115]، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، {مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} [البقرة:253]، {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]،
الشرح
لكلام السلف، والتقريب لألفاظهم، وتقسيم عباراتهم.
ولذلك حينما قال ابن عثيمين: إِنَّ معية الله ذاتية؛ حصل بسبب ذلك لبس، حتى تراجع عن قوله، مع أنه قصَد معيةَ العلم، ولكن عبَّر عنها بعبارةٍ فيها شيءٌ من الإشكال، ورجوعُه رحمه الله دليلُ علمه وفضله، وسيأتي الكلام على ذلك.
ومن هنا نعلم أَنَّ السلف رحمهم الله مجمعون على إثبات المعية لله تعالى معية حقيقية.
قوله: «وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}
…
» بعد الكلام عن المعية ذكر المصَنِّف رحمه الله الآيات التي تضمنت إثبات صفة الكلام لله، وأن القرآن كلامه منزل غير مخلوق.
وهذه المسألة انقسم فيها الناس إلى ثلاثةِ مذاهبَ:
المذهب الأول: مَن جعل كلامه سبحانه مخلوقًا منفصِلًا عنه، وأصحاب هذا القول قالوا: معنى أن الله تكلم بالقرآن يعني خلق آيات القرآن؛ ولهذا قالوا: «القرآن مخلوق وليس بمُنَزَّل» وهؤلاء هم المعتزلة.
{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:52]، {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء:10]، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف:22]، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65]، {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75]، {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح:15]، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف:27]، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76]، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام:92]، {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]، {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} ، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 101 - 103].
الشرح
المذهب الثاني: مَن جعل القرآن لازمًا لذاته أزلًا وأبدًا، لا يتعلق بمشيئته، وهؤلاء نفَوْا عنه الحرفَ والصوت، وبهذا قال الكُلَّابية والأشاعرة.
المذهب الثالث: أهل السنة والجماعة؛ قالوا: «القرآن منزل غير مخلوق
والله سبحانه لا يزال متكلمًا إذا شاء، والكلام صفة قائمة بذاته».
ما الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهبِ الكُلابية والأشاعرة؟
الجواب: الفرق من وجهين:
1) أن الكلابية والأشاعرة خالفوا المعتزلة بإثبات الكلام لله، وخالفوا أهل السنة بنفي الحروف والصوت، وأهل السنة يثبتون الحروف والصوت لله؛ كما جاء في حديث أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ الله عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا آدَمُ» وفيه: «فَيُنَادَى بِصَوْتٍ»
(1)
.
2) أن الكلابية والمعتزلة يثبتون صفة الكلام أزلًا وأبدًا باعتباره صفة ذاتية، ولا يثبتونه صفة فعلية، وأما أهل السنة فيثبتون هذا وهذا، فيقولون: صفة الكلام باعتبار أصلها هي صفة ذاتية لا تنفك عن ذات الله، وباعتبار آحاد الكلام هي متعلقة بالمشيئة، وعليه فالكلابية والأشاعرة يقولون: ليس الكلام متعلقًا بالمشيئة، بل هو لازم لذاته فقط، والصواب مذهب أهل السنة.
والخلاصة في صفة الكلام: أن الله يتكلم وينادي بصوت؛ فإنه نادى موسى بصوت، ونادى آدم بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت.
وهنا قيد مهم: وهو أن الحروف والأصوات التي يتكلم الله بها صفة له غير مخلوقة، ولا تشبه أصوات المخلوقين وحروفهم.
(1)
أخرجه البخاري (9/ 141) رقم (7483).