الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعظمة هذا العرش، وقد وصف الله العرش بأنه: عظيم {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل:26]، وكريم {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116]، ومجيد {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ} [البروج:15] على قراءة الجر.
وفي هذه الآيات التي ساقها المُصَنِّف رحمه الله أخبر الله فيها عن استوائه على العرش، واستوى معناه كما جاء ذلك عن السلف: علا، وارتفع، واستقرَّ، وصعِد.
قال ابن القيم رحمه الله:
فَلَهُمْ عِبَارَاتٌ عَلَيْهَا أَرْبَعٌ
…
قَدْ حُصِّلَتْ للفَارِسِ الطَّعَّان
وَهِيَ اسْتَقَرَّ وَقَدْ عَلَا وَكَذَلِكَ ارْ
…
تَفَعَ الَّذي مَا فِيه مِنْ نُكْرَان
وَكَذَاكَ قَدْ صَعِدَ الَّذِي هَوَ رَابِعٌ
…
(1)
وقد
استوى الله سبحانه على العرش استواءً يليقُ به
، ويخُصُّه، لا يشبه استواءَ المخلوق
(2)
.
تضمَّنت هذه الآياتُ إثباتَ الاستواء لله، وهذه المسألة من مسائل الأصول الثابتة عند أهل السنة.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: «هي من أعظم الأصول التي بايَنَ بها أهلُ
(1)
نونية ابن القيم ص (87).
(2)
ينظر: توضيح مقاصد العقيدة الواسطية للشيخ البراك ص (103،104).
السنة الجهميةَ والمعتزِلةَ والأشاعرةَ، فما في هذه الآيات -من ذكر علو الله، واسمه العلي الأعلى، وصعود الأشياء إليه، وعروجها، ونزولها منه- يدل على العلو»
(1)
.
ماذا يقولُ المبتدِعةُ عن هذه الآيات؟
قالوا: الاستواء بمعنى الاستيلاء.
قال شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في الرد على نفاة هذه الصفة: «وأما تفسيرُ الاستواء بالاستيلاء فهو باطل من وجوه كثيرة؛ منها: أنه يتضمن أن الله جل وعلا كان مغلوبًا على عرشه ثم غَلَب، وهذا باطل؛ لأنه تعالى لم يزل قاهرًا لجميع خلقه مستويًا على العرش مستوليًا عليه فما دونه» .
وأما بيت الأخطل الذي يستدلون به على أن معنى (استوى) استولى، فلا حجة فيه، والبيت هو:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ
…
مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ أو دَمٍ مُهْرَاق
(2)
.
وخلاصة رد الشيخ ابن باز رحمه الله عليهم من وجهين:
(1)
ينظر تعليقات ابن باز على التنبيهات اللطيفة ص (44،45).
(2)
مجموع فتاوى ابن باز (2/ 138، 3/ 62) بتصرف.
وَقَوْلُهُ: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} [آل عمران:55]، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:158].
الشرح
1 -
أن هذا التفسير لا حظَّ له في اللغة.
2 -
أنه لو وُجد في اللغة فلا يليق استعماله في حق الله.
«وهل المخلوق يوصف بالاستواء على غيره؟
الجواب: نعم. {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} [الزُّخرُف:13]، {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:28]، {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44]، وليس الاستواء كالاستواء؛ فاستواءُ الله على عرشه ليس كاستواء المخلوق، بل استواء يخصه ويليق به ويناسبه، ولا يَعلم العبادُ كُنْهَهُ، فيجب أن يُثْبَت ذلك لله تعالى مع نفي مماثلته لصفة المخلوق، ونفي العلم بالكيفية، لكن الاستواء معناه معلوم كما قال الأئمة، قال الإمام مالك لما قال له رجل: كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة»
(1)
.
ثم ذكر المُصَنِّف رحمه الله عددًا من الآيات الواردة في علو الله تعالى، والمشتمِلة على إثبات عُلُوِّهِ وأنه مُستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه.
قوله: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} [آل عمران:55].
(1)
ينظر: توضيح مقاصد العقيدة الواسطية للشيخ البراك ص (104).
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36، 37]، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الملك:16،17].
الشرح
ما المراد بالوفاة في هذه الآية؟
اختلف أهلُ التفسير على أقوال؛ أشهرها ثلاثة:
1 -
أن المراد بالوفاة النوم.
2 -
أن المراد بالوفاة الوفاة الحقيقية؛ أي بالموت وقبض الروح.
3 -
أن في الآية تقديمًا وتأخيرًا، ومعنى الآية عند أصحاب هذا القول:«إني رافعُك ثم متوفيك بعد ذلك» .
والقول الأصوب: أن المراد بالوفاة النوم؛ إذ ثبت في القرآن تسميةُ النوم بالموت؛ وذلك في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42]، فالمراد بالوفاة في هذه الآية النوم.
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام:60] وعلى هذا الرأي يكون معنى الآية: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} أن الله ألقى عليه النوم ثم رفعه.
والخلاصة من هذه الآيات التي ساقها المُصَنِّف: