الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
الشرح
وما
الفرق بين الحَمْد والمَدْح
؟
الجواب: قال ابن القيم: «الحمد إخبارٌ عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه، بخلاف المدح؛ فإنه إخبار مجرد»
(1)
؛ ولهذا نجد الفقير يمدح الغني لكن لا يلزم من ذلك حبه، بل يريد منفعته وعطاءه، بخلاف الحمد فهو مرتبط بالحب والتعظيم؛ ولهذا لا يصرف الحمد إلا لله عز وجل، وأما المدح فيكون لله ولغيره.
قوله: «الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ» (الرسول) لغةً: من بُعث برسالة. وشرعًا: إنسان ذَكَرٌ أُوحي إليه بشرع وأُمِر بتبليغه.
ما المراد بالرسول هنا؟ هل المراد محمد صلى الله عليه وسلم أم المرادُ جنس الرسول؟
كلاهما محتمل، فيحتمل أن يكون المراد جنس الرسول، ويحتمل أن يكون المقصود سيد البشر عليه الصلاة والسلام، الذي ختم الله به الأنبياء وفضَّله عليهم وعلى الخليقة، وقد أتم به البناء كما في الحديث الذي في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ، قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ»
(2)
.
(1)
بدائع الفوائد (2/ 325 - 327) بتصرف.
(2)
أخرجه مسلم (4/ 1790) رقم (2286).
بِالهُدَى
الشرح
قوله: «بالهُدَى» الهدى: العلم النافع، والعلم نوعان:
1 -
علم نافع.
2 -
علم غير نافع.
فالعلم النافع: هو ما يُقَرِّبُ إلى الله عز وجل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا»
(1)
.
فعليك يا طالب العلم بالإكثار من هذا الدعاء، واضمم إليه دعاءَين آخَرين عظيمين:«يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»
(2)
، «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ»
(3)
.
فهذه ثلاثة أدعية جامعة مباركة لا يستغني عنها مبتغي العلم النافع.
والعلم غير النافع: وهو ما لا ينفع الإنسان في الآخرة، فكل علم لا يقرب صاحبه إلى الله ولا ينفعه في الآخرة فهو من العلم الذي لا ينفع.
(1)
أخرجه الإمام أحمد (44/ 140) رقم (26521)، وابن ماجه (1/ 298) رقم (925) من حديث أم سلمة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه الترمذي (4/ 449) رقم (2140)، وابن ماجه (2/ 1260) رقم (3834) من حديث أنس رضي الله عنه، وقال الترمذي:«حديثٌ حسن» .
(3)
أخرجه الإمام أحمد (30/ 265) رقم (18351)، والنسائي (3/ 54) رقم (1305) من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه.
وَدِينِ الحقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا،
الشرح
قوله: «وَدِينِ الحقِّ» المراد به العمل الصالح؛ لأن الدين هو: العمل، أو الجزاء على العمل؛ فمِن إطلاقه على العمل قولُه تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: (19)]. ومن إطلاقه على الجزاء قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: (17)].
قوله: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» نوع اللام هنا للتعليل، أي: كي يظهره على الدين كله.
وأين يعود الضمير في قوله: «لِيُظْهِرَهُ» ؟
قال أكثر أهل العلم: هو عائد على الدين، وقال جماعة: إنه عائد على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من القول بهما؛ لأن هذا الدين جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهما متلازمان فنصرة هذا وظهوره نصرة لذاك.
فتكون هذه الرفعة وهذا الظهور الذي كتبه الله شاملًا للرسول ولدين الإسلام الذي جاء به، فمَن تمسَّك بهذا الدين الحق فسيظهره الله وينصره كما قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: (51)].
قوله: «وَكَفَى بالله شَهِيدًا» أي: شاهدًا للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه حق، وهو سبحانه ناصره ومُظهِرُه.
وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِقْرَارًا بِهِ وَتَوْحِيدًا،
الشرح
وفي هذا دلالة قاطعة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو كان مفتريًا على ربه لما كان له هذا النصر، قال تعالى:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: (44) - (47)].
قوله: «وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلا اللهُ» هذه كلمة الإخلاص، وكلمة الإخلاص لها ركنان: النفي والإثبات. «لا إله» : نفي؛ أي: نفي جميع ما يعبد من دون الله. «إِلا اللهُ» : إثبات أي: إثبات العبادة لله وحده لا شريك له.
وهذه الشهادة لها عدة شروط:
1) العلم المنافي للجهل: أي العلم بمعنى هذه الشهادة، والعلم هنا لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته بما طُلِبَ منه علمه، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: (19)]، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ دَخَلَ الجنَّةَ»
(1)
.
2) اليقين المنافي للشك: أي: استيقان القلب بهذه الكلمة، قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحُجُرات:15]، وقد جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجنَّةِ»
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم (1/ 55) رقم (26) من حديث عثمان بن عفان ?.
(2)
أخرجه مسلم (1/ 60) رقم (31).
3) الإخلاص المنافي للشرك: قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: (5)] وقال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: (3)]، والأحاديث الواردة كثيرة؛ مِن أشهرِها حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ»
(1)
.
4) الصدق المنافي للكذب: وهو أن يقولها صادقًا من قلبه؛ يواطئُ قلبُه لسانَه، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ»
(2)
.
5) المحبة المنافية للبغض: وهو أن يحب هذه الكلمة، ويحب العمل بمقتضاها، ويحب أهلها العاملين بها، ودليلُ المحبة ما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (1/ 31) رقم (99).
(2)
صحيح البخاري (1/ 38) رقم (128)، وصحيح مسلم (1/ 61) رقم (32).
(3)
صحيح البخاري (1/ 12) رقم (16)، وصحيح مسلم (1/ 66) رقم (43).
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:165].
6) الانقياد المنافي للترك، ظاهرًا وباطنًا: لقوله تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: (22)].
7) القبول المنافي للرد: لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: (65)]. وقد نظم بعضُ العلماء هذه الشروط، فقال:
عِلْمٌ يَقِينٌ وإِخْلاصٌ وصِدْقُكَ مَع
…
مَحَبَّةٍ وَانْقِيَادٍ وَالقَبُولِ لها
وزاد بعض العلماء في شروط «لا إله إلا الله» شرطًا ثامنًا وهو: الكفر بما يعبد من دون الله، ونظم بعضهم زائدًا على البيت الأول:
وَزِيدَ ثَامِنُهَا الكُفْرَانُ مِنْكَ بِمَا
…
سِوَى الإِلهِ مِنَ الأَوْثَانِ قَدْ أُلِها
واستدلوا بقوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة:265]، وبما جاء في «صحيح مسلم» من حديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ الله، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله»
(1)
.
(1)
أخرجه مسلم (1/ 53) رقم (23).