الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ المُؤْمِنِ التَّائِبِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشرح
1 -
رد على الجهمية، والمعتزلةِ: ووجهُ الرد قوله: «يَنْزِلُ» ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت النزول لله عز وجل وهو نزول يليق بجلال الله، خلافًا للجهمية والمعتزلة الذين نفَوْا هذه الصفة.
2 -
رد على الجبرية، من قوله: «مَنْ يَدْعُونِي
…
مَنْ يَسْأَلُنِي
…
مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي
…
» ووجه الرد من هذا الحديث أنه جعل للعبد اختيارًا ومشيئة؛ وهم يقولون: إن العبد مجبور.
3 -
رد على الحلولية: حيث جاء في الحديث: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» فدل ذلك على أن الله في العلو، وهذا رد عليهم؛ لأنهم يقولون: إنه حالٌّ في كل مكان.
قوله: «للهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ
…
» هذا الحديث متفق عليه
(1)
، وفيه
إثباتُ صفة الفرح لله جل وعز، والكلام في هذه الصفة
كالكلام في بقية الصفات؛ وهو إثباتها على ما يليق بجلاله وعظمته، وهي صفة فعلية؛ لأنها متعلقة بالمشيئة.
بمَ أَوَّلَ النُّفَاةُ صفة الفرح؟
(1)
أخرجه البخاري (8/ 68) رقم (6309)، ومسلم (4/ 2104) رقم (2747) من حديث أنس رضي الله عنه.
وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم: «يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ؛ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الجنَّةَ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشرح
قال بعضُهم: كناية عن رِضَى الله، وقال البعض الآخر: كناية عن الثواب، فهم مختلفون في تأويل هذه الصفة، فالمعتزلة لهم تأويل، والأشاعرة لهم تأويل، وهكذا بقية النفاة.
والرد عليهم بالقاعدة الشرعية العامة؛ وهي: «أن الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات» فصفات الله ليست كصفات المخلوقين، كما أن ذاته ليست كذوات المخلوقين.
قوله: «يَضْحَكُ الله إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ
…
» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1)
.
ونُثبت من هذا الحديث صفةَ الضحك؛ وهو على ما يليق بجلال الله وعظمته، فهو ليس كضحك المخلوقين.
أما النفاة فقد فسروا الضحك بأنه كناية عن الرضى أو القبول، قالوا: ولا نثبت من ذلك ضحكًا حقيقيًّا لله.
وصفة الضحك جاءت فيها أحاديثُ أخرى؛ منها ما رواه ابن ماجه من طريق وكيع بن عُدُس عن أبي رَزِين العُقَيلي أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل يضحك ربنا؟ فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «نَعَمْ» فقال الرجل: لن نَعدَمَ مِن ربٍّ يضحكُ
(1)
أخرجه البخاري (4/ 24) رقم (2826)، ومسلم (3/ 1504) رقم (1890).
وَقَوْلُهُ: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ، يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ آزِلِينَ قَنِطِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ» ، حَدِيثٌ حَسَنٌ.
الشرح
خيرًا
(1)
.
ووكيع بن عُدُس مجهول؛ فلذلك ضعَّف بعضُ أهل العلم هذا الحديث بسببه، ومن طريق وكيع هذا جاء الحديثُ المشهور على الألسنة:«الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ، فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ»
(2)
، ولذلك ضعَّف هذا الحديثَ جماعةٌ من أهل العلم؛ لجهالة حال وكيع، إلا أن حديثه يتقوَّى بما يلي:
1 -
أنه من التابعين الذين جرى الأئمةُ على احتمال أحاديثهم، وتلقِّيها بحسن الظن إذا لم تُخالِف شيئًا من الأصول، وذلك لتقادُم عهدهم وتعذُّر الخبرة الباطنة بأحوالهم.
2 -
قبول جمع من الأئمة لحديثه، كالترمذي، والحاكم، والذهبي، وابن دقيقِ العيد، وابن تيمية، وابن حجر، وغيرهم، وهذا من التعديل الفعلي الذي ينزل منزلة التوثيق
(3)
.
قوله: «عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ وَقُرْبِ غِيَرِهِ، يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَزِلِينَ قَنِطِينَ، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ» هذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه
(1)
سنن ابن ماجه (1/ 64) رقم (181).
(2)
أخرجه أبو داود في الأدب رقم (5020)، وابن ماجه في تعبير الرؤيا رقم (3914).
(3)
ولهذا أمثلة كثيرة؛ منها قول ابن القطان عن زينب بنت كعب: «وزينب كذلك ثقة، وفي تصحيح الترمذي إياه - يعني حديثها - توثيقها» ينظر: بيان الوهم والإيهام لابن القطان (5/ 395)، وقد نقل الزيلعي في نصب الراية (3/ 264) قول ابن القطان هذا وأقره عليه.
عن أبي رَزِين العُقَيلي
(1)
وله عدة روايات.
وقد دل الحديث على إثبات صفة العَجَب لله تعالى، وهذا من آثار رحمته وكماله، وعجبُه سبحانه ليس كعجب المخلوقين؛ لأنه ليس كمثله شيء.
والحديث فيه إشارة أيضًا إلى أنه إذا تأخَّر الغيث عن العباد مع فقرهم، يستولي عليهم اليأسُ والقنوط، ويقصر نظرهم على الأسباب الظاهرة، فيستبعدون فرج الله ورحمته، وهذه الحال من العباد محلُّ عجب من الله تعالى، فيعجب الله منهم كيف يقنطون ويصابون باليأس مع أن رحمته وسِعت كل شيء؛ وهو يقول عن نفسه:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156].
ونستفيد من الحديث أيضًا: أنه يحرم على المؤمن القنوط واليأس {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] والآية فيها إخبار عن صفة من صفات الكافرين؛ وهي القنوط واليأس، أما المؤمن فإن ثقته بالله لا تتبدل، ولا تزيدها الابتلاءاتُ والمِحَن إلا قوةً ورسوخًا.
قال الناظم:
إذا اشتَمَلتْ على اليأسِ القُلوبُ
…
وَضَاقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيبُ
وأَوْطَنَتِ المَكارهُ واستقرَّتْ
…
وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوبُ
(1)
سنن ابن ماجه (1/ 64) رقم (181) ومسند الإمام أحمد (4/ 11) رقم (16232).
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا رِجْلَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَيْهَا قَدَمَهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَتَقُولُ:
الشرح
ولم تَرَ لانكشافِ الضُّرِّ وَجْهًا
…
ولا أغنَى بحِيلَتِه الأرِيبُ
أتاكَ على قُنوطٍ منك غَوثُ
…
يمُنُّ به اللطيفُ المُستجِيبُ
و كُلُّ الحادِثاتِ إذا تناهَتْ
…
فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرِيبُ
والقنوط: أشد اليأس.
وقوله: «وَقُرْبِ غِيَرِهِ» الواو هنا بمعنى (مع) أي: (مع قرب غِيَرِهِ)، والغِيَر - بكسر الغين وفتح الياء - بمعنى التغيير؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده تدبير الأمور وتغييرها، وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
وهذا الحديث اشتمل على ست صفات من صفات الله تعالى، وهي:
1 -
العَجَب: من قوله: «عَجِبَ رَبُّنَا» .
2 -
الضحك: من قوله: «فَيَظَلُّ يَضْحَكُ» .
3 -
النظر: من قوله: «يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ» .
4 -
العلم: من قوله: «يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ» .
5 -
القدرة: من قوله: «قُرْبِ غِيَرِهِ» ، والتغيير دليل القدرة، فمِن صفاته سبحانه القدرة، ومن أسمائه القادر.
6 -
الرحمة؛ لأن فرجه لعباده دليل على رحمته بهم.
قوله: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟
…
» الحديثَ.
قَطْ قَطْ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الشرح
هذا الحديثُ فيه إثبات صفة (الرِّجْل) أو (القَدَم) لله سبحانه، فنثبت هذه الصفة لله تعالى وأنها تجري مجرى بقية الصفات على ما يليق بجلاله وعظمته.
والحديث فيه فوائد كثيرة؛ من أبرزها:
1 -
ما أراده المُصَنِّف هنا من إثبات صفة القدم لله على ما يليق به سبحانه.
2 -
إثبات القول من الجماد؛ إذ تقول النار: «قط، قط» .
وهذا دليل على قدرة الله تعالى، وهو الذي أنطق كل شيء، وقد ورد في نصوص أخرى إثباتُ إحساس الجمادات، لكن لا ندركه ولا نشاهده، قال تعالى:{وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة:74].
وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21].
بماذا أجاب المبتدعة عن حديث الباب: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا» ؟
قالوا: المراد بالرجل في الحديث جماعة من الناس أو القوم من الناس كما يقال في اللغة: «رِجْلُ جَرَاد» ، فيكون المقصود جماعة من الناس، لكن في الحديث رد على هذا التأويل من وجهين:
الأول: أنه قال في الحديث: «حَتَّى يَضَعَ» ولم يقل: (حتى يُلقي)، فلا يستقيم أن يُقال: إن المعنى: فيضع رب العزة قومًا من الناس.
وَقَوْلُهُ: «يَقُولُ تَعَالَى: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ: إِنَّ الله يَامُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ» ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ:«مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» .
الشرح
الثاني: أنه لا يصح تفسيرُ القَدَم بالقوم؛ لا حقيقة ولا مجازًا.
وصفة (القدم) صفة ذاتية كالوجه واليدين ونحو ذلك.
قوله: «يَقُولُ تَعَالَى: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ
…
» الحديثَ، في الحديث إثباتُ صفة النداء والكلام والصوت لله تعالى، والنداءُ نداء حقيقة بصوت، قوله:«فَيُنَادِي» أي الله تعالى، «بِصَوْتٍ» .
سؤال: هل يمكن أن يكون نداءٌ بلا صوت؟
الجواب: النداء لا بد أن يكون بصوت، وذكرُ الصوت هنا من باب التأكيد، والأصل أن ثبوت الصوت من إثبات النداء؛ لأن النداء لا يكون إلا بصوت مرتفع.
والخلاصة: إثبات صفة القول والنداء لله تعالى، وأنه بصوت مسموع.
قوله: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» فيه إثبات تكليمه سبحانه وتعالى لجميع عباده بلا واسطة؛ لقوله: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ» .
وتكليمه سبحانه وتعالى لعباده على نوعين:
الأول: تكليم بلا واسطة كما في هذا الحديث، والتكليم يكون للمحاسبة ويكون مع البَرِّ والفاجر.