الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذكر الْمَنْع مِن اسْتِعْمَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ وِلَايَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمُورِهِمْ] [
فَصْلٌ الْمَنْع مِن اسْتِعْمَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ وِلَايَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمُورِهِمْ]
86 -
فَصْلٌ
فِي الْمَنْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ وِلَايَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمُورِهِمْ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يُسْتَعْمَلُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي أَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْخَرَاجِ؟ قَالَ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: " «إِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ» ".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ أَبِي: هَذَا خَطَأٌ أَخْطَأَ فِيهِ وَكِيعٌ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِيَارٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَحِقَهُ عِنْدَ الْحَرَّةِ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَتْبَعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ:" تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَالَ: لَا،:" قَالَ ارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ".
ثُمَّ لَحِقَهُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَهُ قُوَّةٌ وَجَلَدٌ، قَالَ: جِئْتُ لِأَتْبَعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ، قَالَ:" تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ:" ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ ".
ثُمَّ لَحِقَهُ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ:" أَتُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ " قَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجَ مَعَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِنَحْوِهِ.
وَفِي " مُسْنَدِ " الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ
خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ، فَقُلْنَا: إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: " أَسْلَمْتُمَا "؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: " فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ "، قَالَ: فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ» .
وَفِي " السُّنَنِ " وَ " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تَنْقُشُوا عَلَى خَوَاتِيمِكُمْ عَرَبِيًّا» ".
وَفُسِّرَ قَوْلُهُ: " «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» " يَعْنِي: لَا تَسْتَنْصِحُوهُمْ وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِرَأْيِهِمْ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ: مُبَاعَدَتُهُمْ وَعَدَمُ مُسَاكَنَتِهِمْ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:" «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَيْنَ ظَهَرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ لَا تَرَاءَى نَارُهُمَا» ".
وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ نَقْشِ الْخَاتَمِ بِالْعَرَبِيِّ فَهَذَا قَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ، ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، وَنَقَشَ فِيهِ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ "، وَقَالَ: " لَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي» ".
فَإِنْ كَانَ الرَّاوِي حَفِظَ اللَّفْظَ الْآخَرَ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ بَابِ حِمَايَةِ
الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ بِنَقْشِ " الْعَرَبِيِّ " إِلَى نَقْشِ " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " فَتَذْهَبُ فَائِدَةُ الِاخْتِصَاصِ بِالنَّقْشِ الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ رضي الله عنه: إِنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا، قَالَ: مَالِكٌ؟ قَاتَلَكَ اللَّهُ! أَمَّا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، أَلَا اتَّخَذْتَ حَنِيفًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ، قَالَ: لَا أُكْرِمْهُمْ إِذْ أَهَانَهُمُ اللَّهُ وَلَا أُعِزُّهُمْ إِذْ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ، وَلَا أُدْنِيهِمْ إِذْ أَقْصَاهُمُ اللَّهُ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ عُمَّالِهِ يَسْتَشِيرُهُ فِي اسْتِعْمَالِ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَالَ قَدْ كَثُرَ، وَلَيْسَ يُحْصِيهِ إِلَّا هُمْ فَاكْتُبْ إِلَيْنَا بِمَا تَرَى، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لَا تُدْخِلُوهُمْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تُسْلِمُوهُمْ مَا مَنَعَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَلَا تَأْمَنُوهُمْ عَلَى أَمْوَالِكُمْ، وَتَعَلَّمُوا الْكِتَابَةَ فَإِنَّمَا هِيَ الرِّجَالُ.
وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ قِبَلَهُ كَاتِبٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَا يُعَاشِرْهُ وَلَا يُوَازِرْهُ وَلَا يُجَالِسْهُ وَلَا يَعْتَضِدْ بِرَأْيِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِاسْتِعْمَالِهِمْ، وَلَا خَلِيفَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَوَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ فِي عَمَلِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا لَا يَتِمُّ أَمْرُ الْخَرَاجِ إِلَّا بِهِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُقَلِّدَهُ دُونَ أَمْرِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: عَافَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ قَرَأْتُ كِتَابَكَ فِي أَمْرِ النَّصْرَانِيِّ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّصْرَانِيَّ قَدْ مَاتَ، وَالسَّلَامُ.
وَكَانَ لِعُمَرَ رضي الله عنه عَبْدٌ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ حَتَّى نَسْتَعِينَ بِكَ عَلَى بَعْضِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَسْتَعِينَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَأَبَى، فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ.
وَكَتَبَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِلنَّاسِ نَفْرَةً عَنْ سُلْطَانِهِمْ فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكَنِي وَإِيَّاكَ، أَقِمِ الْحُدُودَ وَلَوْ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، وَإِذَا حَضَرَكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ وَالْآخَرُ لِلدُّنْيَا فَآثِرْ نَصِيبَكَ مِنَ اللَّهِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا تَنْفَدُ وَالْآخِرَةَ تَبْقَى، عُدْ مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ وَاشْهَدْ جَنَائِزَهُمْ وَافْتَحْ بَابَكَ وَبَاشِرْهُمْ، وَأَبْعِدْ أَهْلَ الشَّرِّ وَأَنْكِرْ أَفْعَالَهُمْ وَلَا تَسْتَعِنْ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ بِمُشْرِكٍ، وَسَاعِدْ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ بِنَفْسِكَ، فَإِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَكَ حَامِلًا لِأَثْقَالِهِمْ.