المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل أخذ الجزية من أهل الكتاب وحل ذبائحهم ومناكحتهم] - أحكام أهل الذمة - ط رمادي - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌[ذكر الجزية] [

- ‌بَابُ الْجِزْيَةِ] [

- ‌فصل‌‌ ممن تؤخذ الْجِزْيَةِوحكمتها وسببها]

- ‌ ممن تؤخذ الْجِزْيَةِ

- ‌[ادِّعَاءُ يَهُودِ خَيْبَرَ إِسْقَاطَ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ وَرَدُّ ذَلِكَ]

- ‌[الْحِكْمَةُ مِنْ إِبْقَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا]

- ‌[شُبْهَةٌ وَجَوَابُهَا]

- ‌[سَبَبُ وَضْعِ الْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ تَقْسِيمُ الْفَيْءِ وَالْخُمْسِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَسُوغُ إِطْلَاقُ حُكْمِ اللَّهِ عَلَى مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ إِلَّا مَا عُلِمَ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ يَقِينًا]

- ‌[فصل نرجع إِلَى الْكَلَامِ فِي أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ لَيْسَتِ الْجِزْيَةُ أُجْرَةً عَنْ سُكْنَى الدَّارِ]

- ‌[فَصْلٌ الْأَصْنَافُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْهَا الْجِزْيَةُ]

- ‌[الْجِزْيَةُ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالشَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَحِلُّ تَكْلِيفُهُمْ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَلَا تَعْذِيبُهُمْ عَلَى أَدَائِهَا وَلَا حَبْسُهُمْ وَضَرْبُهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَى تَجِبُ الْجِزْيَةُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَرْأَةُ إِنْ بَذَلَتِ الْجِزْيَةَ مِنْ نَفْسِهَا]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ أَوْلَادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا بَلَغُوا وَالْمَجْنُونِ إِذَا أَفَاقَ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ]

- ‌[فَصْلٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ أَدَائِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ رُهْبَانُ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الذِّمِّيُّ يَتَرَهَّبُ بَعْدَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فَلَّاحُو أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[تَزْوِيرُ يَهُودِ خَيْبَرَ كِتَابًا فِي إِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ عَبِيدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ مَنْ كَانَ بَعْضُهُ حُرًّا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِنْ أُعْتِقَ]

- ‌[فَصْلٌ الْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِنْ أَسْلَمَ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَافِرُ إِنْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ]

- ‌[فَصْلٌ إِنِ اجْتَمَعَتْ عَلَى الذِّمِّيِّ جِزْيَةُ سِنِينَ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ بَذْلِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْخَرَاجِ مِنْ عَيْنِ مَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ]

- ‌[فصل أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحِلُّ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَأَحْكَامِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ كَيْفِيَّةُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ]

- ‌[فَصْلٌ فُقَرَاءُ بَنِي تَغْلِبَ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنَ التَّغْلِبِيِّ بَدَلًا مِنَ الصَّدَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُنَاكَحَةِ وَحِلِّ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الضَّمَانِ فِي الْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّابِئَةِ واخْتَلاف النَّاس فِيهِمُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ اسْتِسْلَافِ الْجِزْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنِ اتِّفَاقٍ وَافْتِرَاقٍ]

- ‌[ذكر أَصْلُ الْخَرَاجِ وَابْتِدَاءُ وَضْعِهِ وَأَحْكَامُهُ] [

- ‌فصل أَنْوَاعُ أَرْضِ الْخَرَاجِ] [

- ‌النوع الأول أَرْضٌ اسْتَأْنَفَ الْمُسْلِمُونَ إِحْيَاءَهَا]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي أَرْضٌ أَسْلَمَ عَلَيْهَا طَوْعًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّالِثُ مَا مُلِكَ عَنِ الْكُفَّارِ عَنْوَةً وَقَهْرًا]

- ‌[بَيْعُ أرض الخراج وَهِبَتُهَا وَرَهْنُهَا وَإِجَارَتُهَا]

- ‌[النَّوْعُ الرَّابِعُ مَا صُولِحَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَرْضِهِمْ عَلَى أَنْ يُقِرَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ بِخَرَاجٍ]

- ‌[النَّوْعُ الْخَامِسُ أَرْضٌ جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا فَخَلَّصَهَا الْمُسْلِمُونَ بِغَيْرِ قِتَالٍ]

- ‌[النَّوْعُ السَّادِسُ أَرْضٌ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى نُزُولِهِمْ عَنْهَا وَتَكُونُ مِلْكًا لَنَا وَتُقَرُّ بِالْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ أَصْلُ وَضْعِ الْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ قَدْرُ الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَرَاجُ يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الزَّرْعِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَادَةِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ زِيَادَةً عَارِضَةً]

- ‌[فَصْلٌ الْأَرْضُ الَّتِي يُمْكِنُ زَرْعُهَا خَرَاجُهَا وَاجِبٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَقْلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إِلَى الْعُشْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْبِنَاءُ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ هَلْ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ عَنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ خَرَاجُ الْأَرْضِ الَّتِي تَمَّ تَأْجِيرُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اخْتِلَافِ عَامِلِ الصَّدَقَةِ وَرَبِّ الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ ادِّعَاءُ رَبِّ الْأَرْضِ دَفْعَ الْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ أَعْسَرَ بِالْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ مَاطَلَ بِالْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ عِمَارَةِ أَرْضِ الْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَنَالُهَا الْمَاءُ]

- ‌[فَصْلٌ مَنْ أَحَقُّ بِالْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ ظُلِمَ فِي أَرْضِهِ الْخَرَاجِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ لِلْإِمَامِ إِسْقَاطُ الْخَرَاجِ وَتَرْكُهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ أَرْضِ مَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ شِرَاءُ أَرْضِ الْخَرَاجِ]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ] [

- ‌فصل أَمْوَالُهُمُ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا فِي الْمُقَامِ]

- ‌[فَصْلٌ أَمْوَالهم الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ يُؤْخَذُ الْعُشُورُ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْصِيلُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ في أخذ الْعُشُورُ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ مَتَّى أُخِذَ مِنْهُمْ مَرَّةً كُتِبَ لَهُمْ حُجَّةٌ بِأَدَائِهِمْ لِتَكُونَ وَثِيقَةً لَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ هَلْ تُؤْخَذُ الْعُشُورُ الْمَضْرُوبَةُ عَلَى الذِّمِّيِّ مِنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَرْبِيُّ الْمُعَاهَدُ هَلْ عَلَيْهِ الْعُشْرُ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ تَاجِرٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُعْشَرُونَ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً]

- ‌[فَصْلٌ عُشْرُ الْأَمْوَالِ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ سَوَاءٌ أَخَذُوهُ مِنَّا إِذَا دَخَلْنَا إِلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهُ]

- ‌[فَصْلٌ تَفْصِيلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فيما يؤخذ من الذمي إذا مر ببلاد الإسلام]

- ‌[ذكر الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا] [

- ‌فَصْلٌ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مَذْهَبُ أَحْمَدَ في الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ تَفْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ في الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ مذهب أَبُو حَنِيفَةَ في الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا]

- ‌[ذكر معاملة أهل الذمة عند اللقاء] [

- ‌فصل حكم بداءة أهل الذمة بِالسَّلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ كَيْفَ نَرُدُّ عَلَى أهل الذمة إِذَا تَحَقَّقَ لَدَيْنَا أَنَّهُمْ قَالُوا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُهُودِ جَنَائِزِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْزِيَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَهْنِئَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ تَمُوتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدُ مُسْلِمٍ]

- ‌[ذكر الْمَنْع مِن اسْتِعْمَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ وِلَايَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمُورِهِمْ] [

- ‌فَصْلٌ الْمَنْع مِن اسْتِعْمَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي شَيْءٍ مِنْ وِلَايَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأُمُورِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَالِ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ] [

- ‌فصل حَالُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ حَالُ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَهْدِيُّ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَأْمُونُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُتَوَكِّلُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الرَّاضِي بِاللَّهِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْآمِرُ بِاللَّهِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[فصل مَا يُلْزَم بِهِ أهل الذمة مِنَ اللِّبَاسِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ تَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى غِشِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَعَدَاوَتِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ تَوْلِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضَ شُئُونِ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْمَلِكُ الصَّالِحُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]

- ‌[ذكر ذبائح أهل الذمة] [

- ‌فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَاهَدِ وَالْحَرْبِيِّ فِي أَحْكَامِ الذَّبَائِحِ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلُ فِي أَحْكَامِ ذَبَائِحِهِمْ]

- ‌[المسألة الأولى مَا تَرَكُوا التَّسْمِيَةَ عَلَيْهِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا ذَكَرُوا اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِمْ فَهَلْ يُلْحَقُ بِمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إِذَا ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إِذَا ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي الطَّرِيفَا وَهُوَ مَا لَصِقَتْ رِئَتُهُ بِالْجَنْبِ هَلْ يُحَرَّمُ عَلَيْنَا]

- ‌[ذِكْرُ أَحْكَامِ مُعَامَلَة أهل الذمة] [

- ‌فصل الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ من أهل الذمة]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَرِكَتِهِمْ وَمُضَارَبَتِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اسْتِئْجَارِهِمْ وَاسْتِئْجَارِ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ إِجَارَةُ دَارِ الْمُسْلِمِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ الْكُفَّارُ مَمْنُوعُونَ مِنَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَمْلَاكِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ أَوْقَافِهِمْ وَوَقْفِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ لِلْكُفَّارِ]

الفصل: ‌[فصل أخذ الجزية من أهل الكتاب وحل ذبائحهم ومناكحتهم]

وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ كَمَا اكْتَسَبُوهُ بِعُقُودٍ أَوْ مَوَارِيثَ أَوْ أَسْبَابٍ مِنْ هِبَاتٍ وَوَصَايَا - فَغَيْرُهَا لَا يَجُوزُ فِي شَرْعِنَا - وَعَامَلُونَا بِهِ أَوْ قَضَوْنَا إِيَّاهُ مِمَّا لَنَا عَلَيْهِمْ، سَاغَ لَنَا أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يُسَوَّغْ فِي شَرْعِنَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ الَّتِي حَدَّهَا، كَمَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ مِنْ مَهْرٍ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ لَا نُجِيزُهُ نَحْنُ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَهُ نِكَاحًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَرَقُوهُ أَوْ غَصَبُوهُ أَوِ اكْتَسَبُوهُ بِوَجْهٍ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالرِّبَا، فَإِنَّهُ حَرَامُ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ.

وَأَمَّا مَا مَنَعَهُ الْخَلِيفَتَانِ فَهُوَ فَرْضُ الْعُشْرِ عَلَى نَفْسِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ إِذَا اتَّجَرُوا فِيهَا، فَهَذَا غَيْرُ أَخْذِ أَثْمَانِهَا مِنْهُمْ إِذَا كَانَ لَنَا عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جِهَةِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الْجِزْيَةِ وَالدَّيْنِ وَالدِّيَةِ وَغَيْرِهَا - ظَاهِرٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فصل أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحِلُّ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ]

25 -

فَصْلٌ. وَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَحِلُّ ذَبَائِحِهِمْ وَمُنَاكَحَتِهِمْ مُرَتَّبٌ عَلَى أَدْيَانِهِمْ لَا عَلَى أَنْسَابِهِمْ، فَلَا يُكْشَفُ عَنْ آبَائِهِمْ هَلْ دَخَلُوا فِي الدِّينِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ وَلَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَقَرَّهُمْ بِالْجِزْيَةِ وَلَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ، وَأَبَاحَ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ وَأَطْعِمَتَهُمْ وَلَمْ يَشْرُطْ ذَلِكَ فِي حِلِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ تَبْدِيلِهِ وَنَسْخِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنْذُرُ إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَرَادُوا مَنْعَ أَوْلَادِهِمْ مِنَ الْمُقَامِ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَإِلْزَامَهُمْ بِالْإِسْلَامِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:

ص: 188

{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] ، فَأَمْسَكُوا عَنْهُمْ.

وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ دُخُولَهُمْ فِي دِينِ الْيَهُودِيَّةِ كَانَ بَعْدَ تَبْدِيلِهِ، وَبَعْدَ مَجِيءِ الْمَسِيحِ وَلَمْ يَسْأَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا مِمَّنْ أَقَرَّهُ بِالْجِزْيَةِ مَتَى دَخَلَ آبَاؤُهُ فِي الدِّينِ وَلَا مَنْ كَانَ يَأْكُلُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ أَلْبَتَّةَ.

ص: 189

وَكَيْفَ يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهَذَا أَوْ يَكُونُ شَرْطًا فِي حِلِّ الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالْجِزْيَةِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ إِلَّا لِمَنْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا؟ ! وَأَيُّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ آبَائِهِ إِذَا كَانَ هُوَ عَلَى دِينٍ بَاطِلٍ لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ؟ فَسَوَاءٌ كَانَ آبَاؤُهُ كَذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُونُوا.

«وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ يَهُودِ الْيَمَنِ» وَإِنَّمَا دَخَلُوا فِي الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ الْمَسِيحِ فِي زَمَنِ تُبَّعٍ، وَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ، وَلَمْ يَسْأَلُوا أَحَدًا مِنْهُمْ عَنْ مَبْدَأِ دُخُولِهِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَلْ كَانَ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ أَمْ لَا؟

ص: 192

وَقَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجِزْيَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ فَقَالَ فِي " الْمُخْتَصَرِ ": (وَأَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ دَانُوا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، فَلَا تُقْبَلُ مِمَّنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةً بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ عز وجل بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الدِّينِ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا نُبِذَ إِلَيْهِ عَهْدُهُ وَأُخْرِجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِمَالِهِ، وَصَارَ حَرْبًا، وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا) .

ص: 193

قَالَ الْمُزَنِيُّ: قَدْ قَالَ فِي كِتَابِ " النِّكَاحِ ": (إِذَا بَدَّلَتْ بِدِينٍ يَحِلُّ نِكَاحُ أَهْلِهِ فَهُوَ حَلَالٌ) ، وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، فَمَنْ دَانَ مِنْهُمْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ الَّذِي تَبْنِي عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا ثُبُوتُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم نَصًّا أَوِ اسْتِنْبَاطًا، فَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِمَّنْ دَانَ بِدِينٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ دَانُوا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ؟ وَأَيْنَ يُسْتَنْبَطُ ذَلِكَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ أَصْلًا مَنْصُوصًا أَوْ مُسْتَنْبَطًا؟

ص: 194

الثَّانِي: أَنَّ سُكُوتَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَنِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ، وَعَنِ الْإِيمَاءِ إِلَيْهِ وَالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ إِطْلَاقَهُمَا وَعُمُومَهُمَا الْمُطَّرِدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَلَمْ يَرِدْ فِيهِمَا مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مُخَصِّصٌ وَلَا مُقَيِّدٌ، فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ.

الرَّابِعُ: أَنَّ عَمَلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسِيرَتَهُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مُبَيِّنٌ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُمَا، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْنِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَحِلِّ الذَّبَائِحِ وَالنِّكَاحِ إِلَّا عَلَى مُجَرَّدِ دِينِهِمْ لَا عَلَى آبَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَكَمَ - وَلَا أَحْسَنَ مِنْ حُكْمِهِ - أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَهُوَ مِنْهُمْ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، فَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْهُمْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُمْ حُكْمُهُمْ، وَهَذَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مَنْ يَتَوَلَّاهُمْ وَدَخَلَ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بَلْ إِمَّا الْإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ، فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ قَبْلَ الْتِزَامِ الْإِسْلَامِ بِمَنْ دَخَلَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ مَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ فَقَدِ انْتَقَلَ مِنْ دِينِهِ إِلَى دِينٍ خَيْرٍ مِنْهُ وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا بَاطِلَيْنِ.

وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ قَدِ انْتَقَلَ مِنْ دِينِ الْحَقِّ إِلَى الدِّينِ الْبَاطِلِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ

ص: 195

بِصِحَّةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبُطْلَانِ مَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ فَلَا يُقَرُّ.

السَّابِعُ: أَنَّ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَدْ صَارَ بَاطِلًا بِمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِ اخْتَارَهُ بِنَفْسِهِ مِمَّنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ دُخُولُ آبَائِهِ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَنْ دَخَلَ فِيهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ دُخُولُ آبَائِهِ فِيهِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتَارَ دِينًا بَاطِلًا، وَمَا عَلَى الرَّجُلِ مِنْ أَبِيهِ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْهُ؟

الثَّامِنُ: أَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبِيهِ مُنْقَطِعَةٌ بِبُلُوغِهِ، بِحَيْثُ صَارَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَمَا بَالُ تَبَعِيَّةِ الْأَبِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَثَّرَتْ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ قَطَعَ الْإِسْلَامُ تَبَعِيَّتَهُ فِيهِ؟

التَّاسِعُ: أَنَّ ذَلِكَ الدِّينَ قَدْ عُلِمَ بُطْلَانُهُ وَنَسْخُهُ قَطْعًا بِمَجِيءِ الْمَسِيحِ، فَقَدْ أُقِرَّ عَلَى دِينٍ دَخَلَ فِيهِ آبَاؤُهُ بَعْدَ نَسْخِهِ وَتَبْدِيلِهِ.

الْعَاشِرُ: أَنَّ نِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ بَعْثِ الْمَسِيحِ وَتَرَكَ دِينَ الْمَسِيحِ، كَنِسْبَةِ مَنْ دَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ كِلَاهُمَا دَخَلَ فِي دِينٍ بَاطِلٍ مَنْسُوخٍ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنَّ آبَاءَ هَذَا الْكِتَابِيِّ لَوْ أَدْرَكُوا دِينَ الْإِسْلَامِ فَدَخَلُوا فِيهِ، وَأَقَامَ هُوَ عَلَى دِينِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَأَقْرَرْنَاهُ وَلَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُ مَعَ اعْتِرَافِ آبَائِهِ بِبُطْلَانِ دِينِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا أُقِرَّ عَلَى دِينٍ قَدِ اعْتَرَفَ آبَاؤُهُ بِبُطْلَانِهِ فَكَيْفَ لَا يُقَرُّ عَلَى دِينٍ دَخَلَ آبَاؤُهُ فِيهِ وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ؟

الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجِهَادِ كَانَ يُقِرُّ النَّاسَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ بَلْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ

ص: 196

وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَلَا يُفَرِّقُ الْإِسْلَامُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَنْزِلْ تَحْرِيمُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكَافِرِ إِلَّا بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّاسِ

ص: 197

فِي الدَّعْوَةِ مَرَاتِبَ، فَإِنَّهُ أُمِرَ أَوَّلًا أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ رَبِّهِ، ثُمَّ أُمِرَ ثَانِيًا أَنْ يَقُومَ نَذِيرًا فَأُمِرَ بِإِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ وَدَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أُمِرَ بِإِنْذَارِ النَّاسِ وَالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ وَالْهَجْرِ لِمَنْ آذَاهُ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، ثُمَّ أُمِرَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْجِهَادِ الْعَامِّ، ثُمَّ بِضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فَضَرَبَهَا عَلَيْهِمْ وَأَلْحَقَ بِهِمُ الْمَجُوسَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ قَدْ دَخَلُوا كُلُّهُمْ فِي الدِّينِ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُقِرُّ النَّاسَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْأَمْرُ مِنَ اللَّهِ بِمَا يَأْخُذُهُمْ بِهِ وَيَفْعَلُهُ مَعَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْهِجْرَةِ بَادَرَ إِلَى امْتِثَالِهِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ فَقَامَ بِهِ حَقَّ الْقِيَامِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْكُفَّارِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ جَاءَهُ الْأَمْرُ بِصُلْحِ الْكُفَّارِ بِتَوَادُعِهِمْ، ثُمَّ جَاءَهُ الْأَمْرُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَإِقْرَارِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ مَا لَمْ يَنْقُصُوهُ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ يَمْنَعُ مَنْ أَرَادَ التَّهَوُّدَ أَوِ التَّنَصُّرَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، فَلَمَّا عَلَتْ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ وَصَارَ لِلْمُسْلِمِينَ الْغَلَبَةُ وَالْقَهْرُ مَنَعَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمُ التَّهَوُّدَ أَوِ التَّنَصُّرَ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ إِنْ لَمْ يُرَاجِعْ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَمْنَعْ يَهُودِيًّا مِنْ نَصْرَانِيَّةٍ، وَلَا نَصْرَانِيًّا مِنْ يَهُودِيَّةٍ كَمَا مَنَعَ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا.

وَقَدْ عَلِمَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ مَنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنِ ابْنِ

ص: 198

عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: " كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاتًا فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] .

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْمِقْلَاتُ الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تَهَوَّدَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَيْرَ يَهُودِيٍّ فَإِنَّهُ مِثْلُهُمْ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمْنَعْ قَبْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ وَلَا بَعْدَهُ وَثَنِيًّا دَخَلَ فِي دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَلْ وَلَا يَهُودِيًّا تَنَصَّرَ أَوْ نَصْرَانِيًّا تَهَوَّدَ أَوْ مَجُوسِيًّا دَخَلَ فِي التَّهَوُّدِ وَالتَّنَصُّرِ، بَلْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ يُقِرُّونَهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ إِنْ كَانَ دِينًا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ.

الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ أَبٌ لِكَوْنِهِ لَقِيطًا أَوِ انْقَطَعَ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ بِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَهُ فِي دِينِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ دُخُولُ آبَائِهِ فِي الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، لَمْ يَثْبُتْ لِهَذَا حُكْمُ

ص: 199

دِينِهِ وَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ لِعَدْمِ أَبِيهِ حِسًّا وَشَرْعًا، إِذْ تَبَعِيَّتُهُ هُنَا مُنْتَفِيَةٌ وَإِنَّمَا لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ تَبِعَهُ: إِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَفِيمَا إِذَا مَاتَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ كَافِرًا تَبَعًا لَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَتْبَعُهُ عَلَى دِينِهِ كَانَ مُسْلِمًا ; لِأَنَّ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ مَوْجُودٌ وَالْمُغَيَّرَ لَهَا مَفْقُودٌ، فَأَحْمَدُ اعْتَبَرَ فِي بَقَائِهِ عَلَى دِينِهِ وُجُودَ أَبَوَيْهِ لِتَتَحَقَّقَ التَّبَعِيَّةُ، وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَعْتَبِرْ بَقَاءَ الْأَبَوَيْنِ وَلَا وُجُودَهُمَا فِي كَوْنِهِ تَبَعًا لَهُمَا، فَإِذَا كَانَ قَدْ أَقَرَّهُ عَلَى الدِّينِ الْبَاطِلِ حَيْثُ لَا تَتَحَقَّقُ تَبَعِيَّةُ الْأَبَوَيْنِ عُلِمَ أَنَّ إِقْرَارَهُ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ آبَائِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

الرَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ عَلَى مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ خِلَافُ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الدِّينِ بَعْدَهُ.

فَيُقَالُ: إِنْ أُرِيدَ بِمَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ قَبْلَ مَبْعَثِ الْمَسِيحِ، فَلَا تُقْبَلُ مِنْ يَهُودِيٍّ جِزْيَةٌ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ آبَاءَهُ تَوَارَثُوا الْيَهُودِيَّةَ قَبْلَ مَبْعَثِ الْمَسِيحِ فَإِنَّهَا بَطَلَتْ بِمَبْعَثِهِ كَمَا بَطَلَتْ هِيَ وَالنَّصْرَانِيَّةُ وَسَائِرُ الْأَدْيَانِ بِمَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا مَنْسُوخًا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا دَانُوا بِهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُمُ الدَّعْوَةُ وَتَقُومَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ؟ فَإِنَّكَ إِنَّمَا اعْتَبَرْتَ وَقْتَ مَبْعَثِهِ خَاصَّةً.

ص: 200

وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا دَانُوا بِهِ قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمُ انْتَقَضَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّكَ لَمْ تَعْتَبِرْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْتَ نَفْسَ الْمَبْعَثِ.

الثَّانِي: أَنَّ الدِّينَ إِذَا كَانَ بَاطِلًا قَبْلَ الْمَبْعَثِ لَمْ يَكُنْ لِتَمَسُّكِ الْآبَاءِ بِهِ أَثَرٌ فِي إِقْرَارِ الْأَبْنَاءِ.

الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّهُمْ إِذَا دَانُوا بِدِينٍ قَدْ أُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَبْعَثِ مَعَ بُطْلَانِهِ قَطْعًا، فَقَدْ أُقِرُّوا عَلَى دِينٍ مُبَدَّلٍ مَنْسُوخٍ وَأُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ عَلَيْهِ.

السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ قَوْلَهُ: " بِخِلَافِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الدِّينِ بَعْدَهُ " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ صَحِيحًا إِلَى زَمَنِ الْمَبْعَثِ فَأَحْدَثُوا بَعْدَ الْمَبْعَثِ دِينًا آخَرَ غَيْرَهُ، فَكَذَلِكَ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَحْدَثُوا وَبَدَّلُوا قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا بُعِثَ صلى الله عليه وسلم اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ الْإِحْدَاثِ وَالتَّبْدِيلِ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ إِحْدَاثٌ آخَرُ وَتَبْدِيلٌ آخَرُ، فَلَمْ يَكُنْ دِينُهُمْ قَبْلَ الْمَبْعَثِ سَالِمًا مِنَ الْإِحْدَاثِ وَالتَّبْدِيلِ بَلْ كَانَ كُلُّهُ قَدِ انْتَقَضَ إِلَّا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ مِنْهُ.

السَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: " فَإِنْ أَقَامَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا نُبِذَ إِلَيْهِ عَهْدُهُ " فَيُقَالُ: مَتَى سَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ هَذِهِ السِّيرَةَ؟ وَمَتَى قَالَ هُوَ أَوْ أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ لِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ: مَتَى دَخَلَ آبَاؤُكَ فِي الدِّينِ؟ فَإِنْ كَانُوا دَخَلُوا فِيهِ قَبْلَ مَبْعَثِي وَإِلَّا نَبَذْتُ إِلَيْكَ

ص: 201

الْعَهْدَ! وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ بَاطِلٌ قَطْعًا سَوَاءٌ أَدْرَكَ آبَاؤُهُ حَقَّهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكُوهُ، فَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُ مِنَ الْبَاطِلِ.

الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ إِقْرَارَهُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَاطِلِ دِينِهِ بِالْجِزْيَةِ وَالذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ وَكَفِّ شَرِّهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، خَيْرٌ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ بِمَالِهِ إِلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ، فَيَكُونَ قُوَّةً لِلْكُفَّارِ مُحَارِبًا لِلْإِسْلَامِ مُمْتَنِعًا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَجَرَيَانِ أَحْكَامِ الْمِلَّةِ عَلَيْهِ مَعَ إِقَامَتِهِ عَلَى الدِّينِ الْبَاطِلِ.

التَّاسِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: " وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ مِنْ كِتَابِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا " فَيُقَالُ: إِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْكِتَابِيَّةِ دَخَلَ آبَاؤُهَا فِي الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ شَرْطًا فِي حِلِّ نِكَاحِهَا لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْرَفَ أَنَّ آبَاءَهَا كَانُوا كَذَلِكَ - وَهَذَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ - وَخَبَرُهُمْ لَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِذَلِكَ، فَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ امْرَأَةٍ كِتَابِيَّةٍ أَصْلًا وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الْقُرْآنِ!

وَلَا يُقَالُ: مَنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُ أَبَوَيْهَا جَازَ نِكَاحُهَا، فَإِنَّ شَرْطَ الْحِلِّ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحِلِّ، وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم تَزَوَّجُوا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَلْزَمَ الْمُزَنِيُّ الشَّافِعِيَّ بِالنِّكَاحِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " النِّكَاحِ ":" إِذَا بَدَّلَتْ بِدِينٍ يَحِلُّ نِكَاحُ أَهْلِهِ فَهُوَ حَلَالٌ " قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ، ثُمَّ احْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ

ص: 202

تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الِاحْتِجَاجِ.

ثُمَّ قَالَ الْمُزَنِيُّ: فَمَنْ دَانَ مِنْهُمْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ عِنْدِي فِي الْقِيَاسِ.

الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ الشَّرْطِ لَمْ يُبَحْ لَنَا ذَبِيحَةُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَتَى دَخَلَ آبَاؤُهُ فِي الدِّينِ، وَالْجَهْلُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ كَالْعِلْمِ بِانْتِفَائِهِ فِي امْتِنَاعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: " تَنَصَّرَتْ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَيُنْزِلَ عَلَيْهِ الْفُرْقَانَ فَدَانَتْ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَخَذَ عليه الصلاة والسلام الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرِ دُومَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ يُقَالُ مِنْ غَسَّانَ أَوْ كِنْدَةَ، وَمِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَعَامَّتُهُمْ عَرَبٌ، وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَفِيهِمْ عَرَبٌ، فَدَلَّ مَا وَصَفْتُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْأَحْسَابِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَدْيَانِ "، فَقَدْ صَرَّحَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَنْسَابِ فِي الْجِزْيَةِ وَأَخْبَرَ أَنَّهَا عَلَى الْأَدْيَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْآبَاءُ دَانُوا بِالدِّينِ قَبْلَ تَبْدِيلِهِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ، وَكَوْنُ الْآبَاءِ قَدْ دَخَلُوا فِي الدِّينِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، بَعْدَ بُطْلَانِهِ وَتَبْدِيلِهِ، لَا أَثَرَ لَهُ، فَإِنَّهُمْ بَيْنَ الْمَبْعَثِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا فِي دِينٍ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ.

وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ بَعْدَ الْمَبْعَثِ وَإِنْ دَخَلُوا فِي دِينٍ بَاطِلٍ قَدْ دَخَلُوا فِي دِينٍ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ.

ص: 203

فَهَذِهِ الْوُجُوهُ وَنَحْوُهَا وَإِنْ كَانَتْ مُبْطِلَةً لِهَذَا الْأَصْلِ فَإِنَّهَا مِنْ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوَاعِدِهِ، فَمِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ اسْتَفَدْنَاهَا، وَمِنْهُ وَمِنْهُمْ تَعَلَّمْنَاهَا، وَلَمْ نَخْرُجْ فِيهَا عَنْ أُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ.

وَلَيْسَ الْمُعْتَنُونَ بِالْوُجُوهِ وَالطُّرُقِ وَاخْتِلَافِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِعِبَارَاتِهِمْ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنَّا وَلَا أَوْلَى بِهِ، بَلْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ وَأُصُولُهُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا أَصْحَابُهُ، فَمَنْ وَافَقَهُ فِي نَفْسِ أُصُولِهِ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَقَدْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ فِي " نِهَايَتِهِ " بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: " إِنَّ مَنْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ بَعْدَ تَبْدِيلِ الدِّينَيْنِ، وَتَغْيِيرِ الْكِتَابَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم نُظِرَ، فَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدِّينِ غَيْرَ مُبَدِّلٍ، وَحَذَفَ التَّبْدِيلَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ قُبِلَتِ الْجِزْيَةُ مِنْهُ، وَإِنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ الْمُبَدَّلِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ.

وَهَلْ يُقْبَلُ مِنْ أَوْلَادِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ هَلْ تُؤْخَذُ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَدِّينَ؟ قَالَ: " وَهَذَا كَلَامٌ مُخْتَلِطٌ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ، وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ تَمَسَّكَ بِالدِّينِ الْمُبَدَّلِ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَأَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ نَظَرًا إِلَى

ص: 204

تَغْلِيبِ الْحَقْنِ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْكِتَابِ فَلَيْسَ كُلُّهُ مُبْدَلًا، وَغَيْرُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ يَنْتَصِبُ شُبْهَةً فِي جَوَازِ حَقْنِ دَمِهِ بِالْجِزْيَةِ، إِذْ ذَاكَ لَا يَنْحَطُّ عَنِ الشُّبْهَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا الْمَجُوسُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَدَّ بِهَذَا بَلِ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِقَبُولِ الْجِزْيَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، انْتَهَى.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَمَا ذَكَرَهُ مَنْ حَكَى كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِلْمَعْلُومِ الْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَقِيَ عَلَيْهِ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقَطْعُ بِأَخْذِهَا مِمَّنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، إِذْ كَانُوا مُقَرِّينَ عَلَى دِينِهِمْ، فَقَدْ دَخَلَ فِي دِينٍ بَاطِلٍ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

ص: 205