الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ حَرَّمَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ مِنَ الْمُسْلِمِ فَلَهُمْ قَوْلَانِ فِي مَتْرُوكِهَا مِنَ الْكِتَابِيِّ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُبَاحُ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إِذَا ذَكَرُوا اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِمْ فَهَلْ يُلْحَقُ بِمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ]
103 -
فَصْلٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا ذَكَرُوا اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ عَلَى ذَبِيحَتِهِمْ " كَالزُّهَرَةِ " وَ " الْمَسِيحِ " وَغَيْرِهِمَا، فَهَلْ يُلْحَقُ بِمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، أَوْ يُحَرَّمُ قَطْعًا وَإِنْ أُبِيحَ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ أَصَحُّهُمَا تَحْرِيمُهُ.
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ يَذْبَحُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يُسَمِّ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِمَّا يَذْبَحُونَ لِكَنَائِسِهِمْ يَدَعُونَ التَّسْمِيَةَ فِيهِ عَلَى عَمْدٍ، إِنَّمَا يُذْبَحُ لِلْمَسِيحِ فَقَدْ كَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ، إِلَّا أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَتَأَوَّلُ أَنَّ طَعَامَهُمْ حِلٌّ، وَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ الْكَرَاهِيَةُ لِأَكْلِ مَا ذُبِحَ لِكَنَائِسِهِمْ.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ أَيْضًا: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ وَلَمْ تُسَمِّ، قَالَ: إِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَذْبَحُونَ لِكَنَائِسِهِمْ قَدْ يَدَعُونَ التَّسْمِيَةَ عَلَى عُمَدٍ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: مَا ذُبِحَ " لِلزُّهَرَةِ " فَلَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ، قِيلَ لَهُ: أَحْرَامٌ أَكْلُهُ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ حَرَامٌ، وَلَكِنْ لَا يُعْجِبُنِي.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يُجْتَنَبُ مَا ذُبِحَ لِكَنَائِسِهِمْ وَأَعْيَادِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ فِي " مُحَرَّرِهِ ": وَإِنْ ذَكَرُوا عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مَنُصُوصَتَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدِي تَحْرِيمُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمُ الَّتِي
سَمَّوْا عَلَيْهَا اسْمَ الْمَسِيحِ.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي " أَحْكَامِ الْقُرْآنِ ": وَكَأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خُصُّوا بِإِبَاحَةِ ذَبِيحَتِهِمْ، حَتَّى كَأَنَّهَا قَدْ أُهِلَّ بِهَا لِلَّهِ مَعَ الْكُفْرِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ إِذْ كَانُوا قَدْ أَهَلُّوا بِهَا وَأَشْرَكُوا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلِهَذَا الْوَضْعِ - فِيمَا أَحْسَبُ - اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا ذَبَحَ النَّصَارَى لِأَعْيَادِهِمْ أَوْ ذَبَحُوا بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَكَرِهَهُ قَوْمٌ لِأَنَّهُمْ أَخْلَصُوا الْكُفْرَ عِنْدَ تِلْكَ الذَّبِيحَةِ، فَصَارَتْ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي أُبِيحَ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ.
فَأَمَّا مَنْ بَلَغَنَا عَنْهُ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ فَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ السُّكُونِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَهْلِي فَإِذَا كَتِفُ شَاةٍ مَطْبُوخَةٌ، قُلْتُ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالُوا جِيرَانُنَا مِنَ النَّصَارَى ذَبَحُوا كَبْشًا لِكَنِيسَةِ جِرْجِسَ، قَلَّدُوهُ عِمَامَةً وَتَلَقَّوْا دَمَهُ فِي طَسْتٍ، ثُمَّ طَبَخُوا وَأَهْدَوْا إِلَيْنَا وَإِلَى جِيرَانِنَا، قَالَ: قُلْتُ: ارْفَعُوا هَذَا ثُمَّ هَبَطْتُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَسَأَلْتُهُ، وَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرًا، هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ طَعَامُهُمْ لَنَا حِلٌّ وَطَعَامُنَا لَهُمْ حِلٌّ.
ثَنَا عَلِيُّ [ثَنَا] زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَكَمِ التُّجِيبِيُّ، حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ عُتْبَةَ - أَوْ عُتْبَةُ بْنُ جَرِيرٍ - قَالَ: سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ ذَبَائِحِ النَّصَارَى لِمَوْتَاهُمْ، قَالَ: لَا بَاسَ بِهِ.
ثَنَا عَلِيٌّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ عَنْ مَكْحُولٍ فِيمَا ذَبَحَتِ النَّصَارَى لِأَعْيَادِ كَذَا، قَالَ: كُلْهُ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا يَقُولُونَ وَأَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ.
وَثَنَا عَلِيٌّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ قَالَ: كُلْهَا، وَلَوْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: عَلَى اسْمِ جِرْجِسَ لَأَكَلْتُهَا.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُلْهَا.
وَبِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ: أَنَّ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: كُلْهُ.
ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ فِي النَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ وَيَذْكُرُ اسْمَ الْمَسِيحِ، قَالَ: كُلْهُ، قَدْ أَحَلَّ اللَّهَ ذَبَائِحَهُمْ، وَقَدْ عَلِمَ مَا يَقُولُونَ.
وَذُكِرَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ وَيَقُولُ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَقَالَ: كُلْ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي الذِّمِّيِّ يَذْبَحُ وَيَقُولُ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَقَالَ: إِذَا تَوَارَى عَنْكَ فَكُلْ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ التُّجِيبِيِّ وَقَيْسِ بْنِ رَافِعٍ الْأَشْجَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: حَلَّ لَنَا مَا يُذْبَحُ لِعِيدِ الْكَنَائِسِ، وَمَا أُهْدِي مِنْ خُبْزٍ أَوْ لَحْمٍ، وَإِنَّمَا هُوَ طَعَامُ أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ حَيْوَةُ: فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]، فَقَالَ:
إِنَّمَا ذَلِكَ الْمَجُوسُ وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ وَالْمُشْرِكُونَ.
وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ نَجِيحٍ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقُلْتُ: مِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ الْمَسِيحَ، فَقَالَ: كُلْ وَأَطْعِمْنِي.
قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ: وَأَمَّا مَنْ بَلَغَنَا عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ عَنْ عَلِيٍّ: قَالَ إِذَا سَمِعْتُ النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَلَا تَأْكُلْ وَإِذَا لَمْ
تَسْمَعْ فَكُلْ، فَقَدْ أُحِلَّتْ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثَنَا جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنْ لَنَا أَظْآرًا مِنَ الْعَجَمِ لَا يَزَالُونَ يَكُونُ لَهُمْ عِيدٌ، فَيَهْدُونَ لَنَا فِيهِ أَفَنَأْكُلُ مِنْهُ، فَقَالَتْ: أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا تَأْكُلُوا مِنْهُ، وَلَكِنْ كُلُوا مِنْ أَشْجَارِهِمْ.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا ذُبِحَ لِلْكَنِيسَةِ فَلَا تَأْكُلْهُ.
وَقَالَ حَمَّادٌ: كُلْ مَا لَمْ تَسْمَعْهُمْ أَهَلُّوا بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ، وَكَرِهَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ.
وَقَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَ فِيهِ تَحْرِيمًا.
قَالَ الْمُبِيحُونَ: هَذَا مِنْ طَعَامِهِمْ، وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ لَنَا طَعَامَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَقَدْ عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ غَيْرَ اسْمِهِ.
قَالَ الْمُحَرِّمُونَ: قَدْ صَرَّحَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي ذَبِيحَةِ الْوَثَنِيِّ وَالْكِتَابِيِّ إِذَا أُهِلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِبَاحَةُ ذَبَائِحِهِمْ - وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً - لَكِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِمَا لَمْ يُهِلُّوا بِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُ الْمُقَيَّدِ وَإِلْغَاؤُهُ بَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
قَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، فَأَمَّا مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَعَامٌّ فِي الْكِتَابِيِّ وَغَيْرِهِ، خُصَّ مِنْهُ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ فَبَقِيَتِ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي غَيْرِهِ.
قَالَ الْآخَرُونَ بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، عَامٌّ فِيمَا أَهَلُّوا بِهِ لِلَّهِ وَمَا أَهَلُّوا بِهِ لِغَيْرِهِ، خَصَّ مِنْهُ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، فَبَقِيَ اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا عَدَاهُ، قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى لِوُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ نَصَّ سُبْحَانَهُ عَلَى تَحْرِيمِ مَا لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمُهُ، وَنَهَى عَنْ أَكْلِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِسْقٌ، وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِهِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا وَأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ فِسْقًا.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قَدْ خُصَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَمْ يُخَصَّ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْعُمُومِ الَّذِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهِ أَوْلَى مِنَ الْعُمُومِ الَّذِي قَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: 173] ، فَحَصَرَ التَّحْرِيمَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ، لَا تُبَاحُ بِحَالٍ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ تَحْرِيمًا ثُمَّ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ دُونَ تَحْرِيمِ الدَّمِ، فَإِنَّهُ أَخْبَثُ مِنْهَا، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ أَخْبَثُ مِنْهَا، وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَخْبَثُ الْأَرْبَعَةِ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] ، فَبَدَأَ بِالْأَسْهَلِ تَحْرِيمًا ثُمَّ مَا
هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ إِلَى أَنْ خَتَمَ بِأَغْلَظِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ " الْقَوْلُ عَلَيْهِ بِلَا عِلْمٍ "، فَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ شَرِيعَةٌ بِإِبَاحَتِهِ أَصْلًا، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ.
وَكُلُّ مِلَّةٍ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ صَلَاةٍ وَنُسُكٍ، وَلَمْ يَشْرَعِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولٍ مِنْ رُسُلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَنْسُكَ لِغَيْرِهِ قَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [الأنعام: 162 - 163] .
الْخَامِسُ: أَنَّ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ تَحْرِيمِ الشِّرْكِ، وَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ مِنْ بَابِ تَحْرِيمِ الْخَبَائِثِ وَالْمَعَاصِي.
السَّادِسُ: أَنَّهُ إِذَا خُصَّ مِنْ طَعَامِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ ; فَلَأَنْ يُخَصَّ مِنْهُ مَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِمَّا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
السَّابِعُ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ طَعَامِهِمْ مَا يَسْتَحِلُّونَهُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لَهُمْ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُهُ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ مِنْ طَعَامِهِمُ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَهُ، وَلَا يُبَاحُ لَنَا، وَتَحْرِيمُ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْخِنْزِيرِ، وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ طَعَامَهُمْ مَا أُبِيحَ لَهُمْ لَا مَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِمَّا حَرُمَ عَلَيْهِمْ.
الثَّامِنُ: أَنَّ بَابَ الذَّبَائِحِ عَلَى التَّحْرِيمِ، إِلَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَلَوْ