الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حُكْمُ دُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْحَرَمَ]
وَأَمَّا الْحَرَمُ فَإِنْ كَانَ حَرَمَ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ دُخُولِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَوْ قَدِمَ رَسُولٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي دُخُولِهِ، وَيَخْرُجُ الْوَالِي أَوْ مَنْ يَثِقُ بِهِ إِلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِخِطَّةِ مَكَّةَ بَلْ بِالْحَرَمِ كُلِّهِ.
وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ لِرِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ.
[فَصْلٌ مَذْهَبُ أَحْمَدَ في الْأَمْكِنَةِ الَّتِي يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ دُخُولِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا]
76 -
فَصْلٌ.
فَهَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَعِنْدَهُ يَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُ الْحِجَازِ لِلتِّجَارَةِ ; لِأَنَّ النَّصَارَى كَانُوا يَتَّجِرُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه كَمَا تَقَدَّمَ.
وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ عَنْهُ رِوَايَةً: أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِي امْتِنَاعِ دُخُولِهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا غَلَطٌ عَلَى أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ دُخُولُهُمْ بِالتِّجَارَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَبَعْدَهُ وَتَمْكِينُهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي: أَرْبَعَةٌ وَهِيَ حَدُّ مَا يُتِمُّ الْمُسَافِرُ الصَّلَاةَ.
وَإِذَا مَرِضَ بِالْحِجَازِ جَازَتْ لَهُ الْإِقَامَةُ لِمَشَقَّةِ الِانْتِقَالِ عَلَى الْمَرِيضِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُ مَنْ يُمَرِّضُهُ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ وَكَانَ حَالًّا أُجْبِرَ غَرِيمُهُ عَلَى وَفَائِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَفَاؤُهُ لِمَطْلٍ أَوْ غَيْبَةٍ مُكِّنَ مِنَ الْإِقَامَةِ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، وَفِي إِخْرَاجِهِ ذَهَابُ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لَمْ يُمَكَّنْ مِنَ الْإِقَامَةِ، وَيُوَكِّلُ مَنْ يَسْتَوْفِيهِ ; لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ وَيَتَعَجَّلَ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنُصُوصَتَيْنِ أَشْهَرُهُمَا الْمَنْعُ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ شَيْخِنَا الْجَوَازُ.
وَالْمَنْعُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَالْجَوَازُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي ذَلِكَ حَدِيثًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ وَحَدِيثُهُ لَا يَنْحَطُّ عَنْ رُتْبَةِ الْحَسَنِ.
فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الْإِقَامَةِ لِبَيْعِ بِضَاعَتِهِ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ تَرْكَهَا أَوْ حَمْلَهَا مَعَهُ ضَيَاعَ مَالِهِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ الدُّخُولَ بِالْبَضَائِعِ وَيَضُرُّ بِأَهْلِ الْحِجَازِ وَيَقْطَعُ الْجَلْبَ عَنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
وَالثَّانِي: يُمْنَعُ مِنَ الْإِقَامَةِ ; لِأَنَّ لَهُ مِنْهَا بُدًّا، فَإِنْ أَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مِنَ الْحِجَازِ جَازَ وَيُقِيمُ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةً، وَلَا يَدْخُلُونَ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَقِيلَ: يَكْفِي إِذْنُ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ: هَذَا حُكْمُ غَيْرِ الْحَرَمِ.
قَالَ أَصْحَابُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ تَيْمَاءَ وَفَيْدَ وَنَجْرَانَ وَنَحْوِهِنَّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الْمُصَرِّحُ بِأَنَّ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.
قَالُوا: فَإِنْ دَخَلُوا غَيْرَ الْحَرَمِ لَمْ يَجُزْ إِلَّا بِإِذْنِ مُسْلِمٍ.
وَأَمَّا الْحَرَمُ فَيُمْنَعُونَ دُخُولَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي دُخُولِهِ، فَإِنْ دَخَلَ أَحَدُهُمْ فَمَرِضَ أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ وَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ.
وَهَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ حَرَمِ الْمَدِينَةِ؟ حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ «صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَنْزَلَ وَفْدَ نَصَارَى نَجْرَانَ فِي مَسْجِدِهِ وَحَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَصَلُّوا فِيهِ» وَذَلِكَ عَامَ الْوُفُودِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ، فَلَمْ تَتَنَاوَلِ الْآيَةُ حَرَمَ الْمَدِينَةِ وَلَا مَسْجِدَهَا.