الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]
79 -
فَصْلٌ
[رَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ]
وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فَأَمَرَ أَنْ يُقْتَصَرَ بِهِ عَلَى " عَلَيْكُمْ "، وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي إِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا، وَصَحَّ هَذَا وَهَذَا.
فَاسْتَشْكَلَتْ طَائِفَةٌ دُخُولَ هَذِهِ الْوَاوِ هَاهُنَا إِذْ هِيَ لِلتَّقْرِيرِ وَإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ، كَمَّا إِذَا قِيلَ لَكَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا، فَقُلْتَ: وَأَنْتَ فَعَلْتَهُ، أَوْ قَالَ: فُلَانٌ يُصَلِّي الْخَمْسَ، فَتَقُولُ: وَيُزَكِّي مَالَهُ.
قَالُوا: فَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ إِضْرَابٍ، لَا مَوْضِعُ تَقْرِيرٍ وَمُشَارَكَةٍ فَهُوَ مَوْضِعُ: بَلْ عَلَيْكُمْ، لَا مَوْضِعَ وَعَلَيْكُمْ، فَإِذَا حُذِفَ الْوَاوُ كَانَ إِعَادَةً لِمِثْلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ إِشْعَارٍ بِأَنَّكَ عَلِمْتَ مُرَادَهُ، وَإِذَا أَتَيْتَ بِلَفْظَةِ " بَلْ " أَشْعَرْتَهُ أَنَّكَ فَهِمْتَ مُرَادَهُ وَرَدَدْتَهُ عَلَيْهِ قِصَاصًا، وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالْكَرَمِ وَالْفَضْلِ، وَلِهَذَا السِّرِّ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - دَخَلَتِ الْوَاوُ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي دُخُولِهَا إِشْكَالٌ، فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يَنْجُو مِنْهُ أَحَدٌ، وَكَأَنَّ الرَّادَّ يَقُولُ: الَّذِي أَخْبَرْتَ بِوُقُوعِهِ عَلَيْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ فِيهِ سَوَاءٌ، فَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْكَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَغْلِيظِ الرَّاوِي فِي إِثْبَاتِهَا إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: بَلْ إِلَيْكَ سَبِيلٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَرْوِيهِ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ بِالْوَاوِ،
وَابْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِحَذْفِهَا وَهُوَ الصَّوَابُ.
قِيلَ: قَدْ ضَبَطَ الْوَاوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَضَبَطَهَا عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَضَبَطَهَا عَنْهُ مَالِكٌ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ ": كَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ:" وَعَلَيْكُمْ "، انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ بِالْوَاوِ عِنْدَهُمَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ: " وَابْنُ عُيَيْنَةَ رَوَاهُ بِحَذْفِهِمَا "، فَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ أَيْضًا.
وَجَوَابٌ آخَرُ وَلَعَلَّهُ أَحْسَنُ مِنَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي دُخُولِ الْوَاوِ تَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِ تَحِيَّتِهِمْ، بَلْ فِيهِ رَدُّهَا وَتَقْرِيرُهَا لَهُمْ أَيْ: وَنَحْنُ أَيْضًا نَدْعُو لَكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا، فَإِنَّ دُعَاءَهُمْ قَدْ حَصَلَ وَوَقَعَ مِنْهُمْ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِمُ الْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ:" وَعَلَيْكُمْ " كَانَ فِي ذِكْرِ الْوَاوِ سِرٌّ لَطِيفٌ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا
الَّذِي طَلَبْتُمُوهُ لَنَا وَدَعَوْتُمْ بِهِ، هُوَ بِعَيْنِهِ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ لَا تَحِيَّةَ لَكُمْ غَيْرُهُ.
وَالْمَعْنَى: وَنَحْنُ نَقُولُ لَكُمْ مَا قُلْتُمْ بِعَيْنِهِ، كَمَا إِذَا قَالَ رِجْلٌ لِمَنْ يَسُبُّهُ: عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ أَيْ وَأَنَا أَيْضًا قَائِلٌ لَكَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا قَدْ حَصَلَ لِي وَهُوَ حَصَلَ لَكَ مَعِي، فَتَأَمَّلْهُ.
وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقُلْتُ: وَلَكَ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ حَصَلَتْ لِي وَلَكَ، فَإِنَّ هَذَا عِلْمُ غَيْبٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّعْوَةَ قَدِ اشْتَرَكَتْ فِيهَا أَنَا وَأَنْتَ، وَلَوْ قَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقُلْتَ: لَكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ إِثْبَاتُ الْوَاوِ، وَبِهِ جَاءَتْ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ، وَذَكَرَهَا الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.