الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبَيْنَهُمْ مُنَاظَرَاتٌ وَرَدٌّ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهُمْ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ - كَمَا أَنَّ الْيَهُودَ قَوْمُ مُوسَى - وَالْحُنَفَاءُ مِنْهُمْ أَتْبَاعُهُ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَالصَّابِئَةُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمَجُوسِ، فَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَخْذِهَا مِنَ الصَّابِئَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْمَجُوسَ مِنْ أَخْبَثِ الْأُمَمِ دِينًا وَمَذْهَبًا وَلَا يَتَمَسَّكُونَ بِكِتَابٍ وَلَا يَنْتَمُونَ إِلَى مِلَّةٍ وَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ أَصْلًا.
وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَسَاءَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ النَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَجُوسِ مِنْ أَجْلِ كِتَابِهِمْ وَكُلُّ مَا عَلَيْهِ الْمَجُوسُ مِنَ الشِّرْكِ، فَشِرْكُ الصَّابِئَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَفَّ مِنْهُ فَلَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْهُ.
وَقَدْ تَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ، وَقَطَعَ بِأَخْذِهَا مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي مَوْضِعٍ كَمَا حَكَيْنَا لَفْظَهُ.
[فَصْلٌ فِي حُكْمِ اسْتِسْلَافِ الْجِزْيَةِ]
35 -
فَصْلٌ
[فِي حُكْمِ اسْتِسْلَافِ الْجِزْيَةِ]
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ؟
قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِرِضَاهُمْ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الزَّكَاةَ إِلَّا بِرِضَا رَبِّ الْمَالِ، بَلِ الْجِزْيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَبِالْمَوْتِ فِي
أَثْنَاءِ السَّنَةِ، وَتَتَدَاخَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهِيَ تَتَعَرَّضُ لِلسُّقُوطِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ بِقِسْطِ مَا مَضَى مِنْهَا؟
قِيلَ: هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ؛ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ أَنْ يَأْخُذَ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِقِسْطِهِ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ فِي آخِرِ السَّنَةِ عِنْدَ اسْتِمْرَارِ الْأَحْوَالِ بِذَلِكَ جَرَتْ سُنَنُ الْمَاضِينَ وَسُنَنُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْجِزْيَةُ مَوْضُوعُهَا عَلَى الْإِمْهَالِ كَالزَّكَاةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوْ سَقَطَ عَنْهُ الْوُجُوبُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمًى أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ إِسْلَامٍ هَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ بِقِسْطِ مَا مَضَى؟
قِيلَ: الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَأَلَّا يُطَالَبَ بِقِسْطِ مَا مَضَى، وَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ لَمْ يَحِلَّ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا، وَلَكِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ حَمْدَانَ حَكَى فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ فَقَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَ فِي الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبَقًا أَوْ أُقْعِدَ أَوْ عَمِيَ - فِيهِ وَجْهَانِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنِ اتَّفَقَ اجْتِمَاعُ دُيُونِ الْآدَمِيِّينَ وَالْجِزْيَةِ فَهَلْ تُقَدَّمُ الْجِزْيَةُ أَوِ الدُّيُونُ؟
قِيلَ: أَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ وَقَالُوا: هَذَا مُسْتَحَقٌّ بِالْجِزْيَةِ، يُحِقُّ حُقُوقَ اللَّهِ كَالزَّكَاةِ وَيُحِقُّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَلَيْسَتْ مِنَ الْقُرَبِ، فَعَلَى هَذَا تَقَعُ الْمُحَاصَّةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنَ الدُّيُونِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهَا مُعَيَّنًا وَلَا تَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْآدَمِيِّ، وَهِيَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ وَصَغَارٌ لِأَهْلِهِ.
وَعَلَى هَذَا فَيَخْرُجُ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي تَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ أَوْ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْ وُقُوعِ الْمُحَاصَّةِ.
وَلِأَصْحَابِ أَحْمَدَ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِثْلُ هَذِهِ.