الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَقَدَ مَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ مَا دَامُوا عَلَى الْعَهْدِ.
[فَصْلٌ هَلْ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ]
30 -
فَصْلٌ
[هَلْ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ]
وَهَذَا الْحُكْمُ يَخْتَصُّ بِبَنِي تَغْلِبَ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: أَهْلُ الْكِتَابِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاشِيهِمْ صَدَقَةٌ وَلَا فِي أَمْوَالِهِمْ، إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ كَمَا صَنَعَ عُمَرُ رضي الله عنه بِنَصَارَى [بَنِي] تَغْلِبَ حِينَ أَضْعَفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةَ فِي صُلْحِهِ إِيَّاهُمْ.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لِأَبِي: هَلْ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَصِبْيَانِهِمْ وَنَخِيلِهِمْ وَكُرُومِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ [صَدَقَةٌ] ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْءٌ إِلَّا عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ.
وَقَالَ حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَالَّذِي تَكُونُ لَهُ الْغَنَمُ أَوِ الْإِبِلُ هَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ؟ قَالَ: كَيْفَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ؟ ! إِلَّا نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهَا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ فِي أَرْضِهِمْ تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ، أَرَاهُ قَالَ: إِنِ اشْتَرَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هَلْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ فِي إِبِلِهِمْ وَبَقَرِهِمْ وَغَنَمِهِمْ؟ فَأَمْلَى عَلَيَّ لَيْسَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ، إِلَّا بَنِي تَغْلِبَ.
قَالَ: وَعُمَرُ رضي الله عنه لَمَّا أَقَرَّهُمْ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَضْعَفَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ عَرَبٌ، قُلْتُ: وَتَذْهَبُ إِلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَوَاشِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَتُضْعِفُ عَلَيْهِمْ عَلَى مَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: حُكْمُ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ تَنُوخَ وَبَهْرَاءَ، أَوْ تَهَوَّدَ مِنْ كِنَانَةَ وَحِمْيَرَ أَوْ تَمَجَّسَ مِنْ تَمِيمٍ - حُكْمُ بَنِي تَغْلِبَ سَوَاءً.
وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ أَحْمَدَ وَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَقَدْ حَكَيْنَا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه إِنَّمَا هُوَ فِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً وَقَدْ ظَنَّ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ عَرَبًا، فَأَلْحَقُوا بِهِمْ هَذِهِ الْقَبَائِلَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى الْفَرْقِ كَمَا ذَكَرْنَا نُصُوصَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي ": وَلَنَا عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ:" «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» " وَهُمْ عَرَبٌ، وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ وَهُمْ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: " أَوَّلُ مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْلُ نَجْرَانَ وَكَانُوا نَصَارَى ".
وَأَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرِ دُومَةَ وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَحُكْمُ الْجِزْيَةِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي كُلِّ كِتَابِيٍّ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَرَبِيٍّ، إِلَّا مَا خُصَّ بِهِ بَنُو تَغْلِبَ لِمُصَالَحَةِ عُمَرَ رضي الله عنه إِيَّاهُمْ، فَفِي مَنْ عَدَاهُمْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ وَشَوَاهِدِ السُّنَّةِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ صُلْحٌ كَصُلْحِ بَنِي تَغْلِبَ فِيمَا بَلَغَنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ بَنِي تَغْلِبَ
عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قِيَاسَ سَائِرِ الْعَرَبِ عَلَيْهِمْ يُخَالِفُ النُّصُوصَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ النَّصِّ.
الثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي بَنِي تَغْلِبَ الصُّلْحُ، وَلَمْ يُوجَدِ الصُّلْحُ مَعَ غَيْرِهِمْ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ مَعَ تَخَلُّفِ الْعِلَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَنِي تَغْلِبَ كَانُوا ذَوِي قُوَّةٍ وَشَوْكَةٍ، لَحِقُوا بِالرُّومِ وَخِيفَ مِنْهُمُ الضَّرَرُ إِنْ لَمْ يُصَالَحُوا، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا لِغَيْرِهِمْ، فَإِنْ وُجِدَ هَذَا لِغَيْرِهِمْ فَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَخِيفَ الضَّرَرُ بِتَرْكِ مُصَالَحَتِهِمْ، فَرَأَى الْإِمَامُ مُصَالَحَتَهُمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، جَازَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ أَوْ زِيَادَةٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي " الْمُهَذَّبِ " وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.