الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُدِّرَ تَعَارُضُ دَلِيلَيِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ لَكَانَ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْحَظْرِ أَوْلَى، لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
أَحَدُهَا: تَأَيُّدُهُ بِالْأَصْلِ الْحَاظِرِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ أَحْوَطُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الدَّلِيلَيْنِ إِذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا، وَرُجِعَ إِلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ.
[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إِذَا ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ]
104 -
فَصْلٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ وَالنَّعَامِ وَالْبَطِّ وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ، هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ؟
اخْتُلِفَ فِيهِ فَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ.
وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي " الْإِرْشَادِ " أَنَّهُ لَا يُبَاحُ مَا ذَكَّاهُ الْيَهُودُ مِنَ الْإِبِلِ.
وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِ الْمُذَكِّي، وَلِأَنَّهُ ذَبْحٌ لَا يَعْتَقِدُ الذَّابِحُ حِلَّهُ فَهُوَ كَذَبِيحَةِ الْمُحَرَّمِ، وَلِأَنَّ لِاعْتِقَادِ الذَّابِحِ أَثَرًا فِي حِلِّ الذَّبِيحَةِ وَتَحْرِيمِهَا.
وَلِهَذَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ مَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَبْحُهُ، كَالْمَغْصُوبِ كَانَ حَرَامًا فَالْقَصْدُ يُؤَثِّرُ فِي التَّذْكِيَةِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] ، وَلَمَّا كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِمْ لَمْ تَكُنْ تَذْكِيَتُهُمْ لَهَا ذَكَاةً، كَمَا لَا يَكُونُ ذَبْحُ الْخِنْزِيرِ لَنَا ذَكَاةً.
وَهَذَا الدَّلِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ:
إِحْدَاهَا: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمْ إِذَا ذَبَحُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ لَمْ تُؤَثِّرِ الذَّكَاةُ فِي حِلِّهِ.
فَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا سَبَبُ التَّحْرِيمِ بَاقٍ، وَهُوَ الْعُدْوَانُ قَالَ تَعَالَى:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146] ، وَبَغْيُهُمْ لَمْ يَزُلْ بِمَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ زَادَ الْبَغْيُ مِنْهُمْ، فَالتَّحْرِيمُ تَغَلَّظَ بِتَغَلُّظِ الْبَغْيِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ رَفْعَ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ إِنَّمَا هُوَ رَحْمَةٌ فِي حَقِّ مَنِ اتَّبَعَ الرَّسُولَ، فَإِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أَتْبَاعِهِ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَلَمْ