الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ الْمَهْدِيُّ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]
89 -
فَصْلٌ
[الْمَهْدِيُّ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ]
وَأَمَّا الْمَهْدِيُّ فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي زَمَانِهِ قَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِذَلِكَ وَيَنْصَحَهُ، وَكَانَ لَهُ عَادَةٌ فِي حُضُورِ مَجْلِسِهِ، فَاسْتُدْعِيَ لِلْحُضُورِ عِنْدَ الْمَهْدِيِّ فَامْتَنَعَ فَجَاءَ الْمَهْدِيُّ إِلَى مَنْزِلِهِ وَسَأَلَهُ السَّبَبَ فِي تَأَخُّرِهِ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، وَذَكَرَ اجْتِمَاعَ النَّاسِ إِلَى بَابِهِ مُتَظَلِّمِينَ مِنْ ظُلْمِ الذِّمَّةِ ثُمَّ أَنْشَدَهُ:
بِأَبِي وَأُمِّيَ ضَاعَتِ الْأَحْلَامُ
…
أَمْ ضَاعَتِ الْأَذْهَانُ وَالْأَفْهَامُ؟
مَنْ صَدَّ عَنْ دِينِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
…
أَلَهُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ قِيَامُ؟
إِلَّا تَكُنْ أَسْيَافُهُمْ مَشْهُورَةً
…
فِينَا، فَتِلْكَ سُيُوفُهُمْ أَقْلَامُ
ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ تَحَمَّلْتَ أَمَانَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَدْ عُرِضَتْ
عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا ثُمَّ سَلَّمْتَ الْأَمَانَةَ الَّتِي خَصَّكَ اللَّهُ بِهَا إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا سَمِعْتَ تَفْسِيرَ جَدِّكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] ، أَنَّ الصَّغِيرَةَ التَّبَسُّمُ، وَالْكَبِيرَةَ الْقَهْقَهَةُ فَمَا ظَنُّكَ بِأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانَاتِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ؟ ! وَقَدْ نَصَحْتُكَ، وَهَذِهِ النَّصِيحَةُ حُجَّةٌ عَلَيَّ مَا لَمْ تَصِلْ إِلَيْكَ، فَوَلَّى عِمَارَةَ بْنَ حَمْزَةَ أَعْمَالَ الْأَهْوَازِ وَكُوَرَ دِجْلَةَ وَكُوَرَ فَارِسَ، وَقَلَّدَ حَمَّادًا أَعْمَالَ السَّوَادِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْأَنْبَارِ وَإِلَى جَمِيعِ الْأَعْمَالِ، وَلَا يَتْرُكَ أَحَدًا مِنَ الذِّمَّةِ يَكْتُبُ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُمَّالِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَكْتَبَ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى قُطِعَتْ يَدُهُ، فَقُطِعَتْ يَدُ شَاهُونَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْكُتَّابِ.
وَكَانَ لِلْمَهْدِيِّ عَلَى بَعْضِ ضِيَاعِهِ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ بِالْبَصْرَةِ، فَظَلَمَ النَّاسَ فِي مُعَامَلَتِهِ فَتَظَلَّمَ الْمُتَظَلِّمُونَ إِلَى سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي، فَأَحْضَرَ وُكَلَاءَ النَّصْرَانِيِّ وَاسْتُدْعِيَ بِالْبَيِّنَةِ، فَشَهِدَتْ عَلَى النَّصْرَانِيِّ بِظُلْمِ النَّاسِ وَتَعَدِّي مَنَاهِجِ الْحَقِّ، وَمَضَى النَّصْرَانِيُّ فَأَخَذَ كِتَابَ الْمَهْدِيِّ إِلَى الْقَاضِي سَوَّارٍ بِالتَّثَبُّتِ فِي أَمْرِهِ، فَجَاءَ الْبَصْرَةَ وَمَعَهُ الْكِتَابُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ