الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى إِضَافَةِ الْوُجُوبِ إِلَى أَوَّلِ السَّنَةِ انْبِسَاطُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، لَا أَنَّهَا تَجِبُ دُفْعَةً وَاحِدَةً بِأَوَّلِ السَّنَةِ، وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ الْأَخْذَ بِالْقِسْطِ إِذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُ وُجُوبِهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.
[فَصْلٌ لَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ]
8 -
فَصْلٌ
وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مَجْنُونٍ.
هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَتْبَاعِهِمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي " الْمُغْنِي ": " لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي هَذَا ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ
مَوْلَى عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، وَلَا يَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ، وَلَا يَقْتُلُوا إِلَّا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي.
[وَكَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ يَضْرِبُوا الْجِزْيَةَ، وَلَا يَضْرِبُوهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلَّا عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي] .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَنْ أَنْبَتَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْأَصْلُ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَاهُ إِنَّمَا جَعَلَهَا عَلَى الذُّكُورِ الْمَذْكُورِينَ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْأَطْفَالِ، وَأَسْقَطَهَا عَمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ وَهُمُ الذُّرِّيَّةُ.
وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ: " «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» " تَقْوِيَةً لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه، أَلَا تَرَاهُ صلى الله عليه وسلم خَصَّ الْحَالِمَ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ؟ إِلَّا أَنَّ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِهِ:" الْحَالِمَ وَالْحَالِمَةَ " فَنَرَى - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْمَحْفُوظَ الْمُثْبَتَ مِنْ ذَلِكَ هُوَ
الْحَدِيثُ الَّذِي لَا ذِكْرَ لِلْحَالِمَةِ فِيهِ، لِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَبِهِ كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ.
فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الْحَالِمَةِ مَحْفُوظًا فَإِنَّ وَجْهَهُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذْ كَانَ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَوِلْدَانُهُمْ يُقْتَلُونَ مَعَ رِجَالِهِمْ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ.
ثُمَّ ذُكِرَ حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ الَّذِي فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَصَابَتْ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ» ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ جَاءَ النَّهْيُ بَعْدَ ذَلِكَ - وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ -.
قُلْتُ: لَمْ يَشْرَعْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ أَلْبَتَّةَ.
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ فِي مَغَازِيهِ قَبْلَ إِرْسَالِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» .
وَفِي لَفْظٍ: " «لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا» " ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.
وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» ".
بَلِ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَقَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَيَوْمَ خَيْبَرَ، كَمَا فِي " الْمُسْنَدِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَ إِلَى ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» .
وَفِي " الْمُعْجَمِ " لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِامْرَأَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَقْتُولَةٍ، فَقَالَ: " مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ " فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " وَلِمَ؟ " قَالَ نَازَعَتْنِي سَيْفِي، فَسَكَتَ» .