الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ حُكْمُ بَذْلِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْخَرَاجِ مِنْ عَيْنِ مَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ]
24 -
فَصْلٌ
[حُكْمُ بَذْلِ الْجِزْيَةِ أَوِ الْخَرَاجِ مِنْ عَيْنِ مَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ]
وَإِذَا بَذَلُوا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ أَوِ الْخَرَاجِ أَوِ الدِّيَةِ أَوِ الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عَيْنِ مَا نَعْتَقِدُ نَحْنُ مُحَرَّمًا، وَلَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، جَازَ قَبُولُهُ مِنْهُمْ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ.
قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: هَلْ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اتَّجَرُوا فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ الْعُشْرُ؟ أَنَأْخُذُ مِنْهُ؟ فَأَمْلَى عَلَيَّ: قَالَ عُمَرُ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا لَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا عَلَى الْأَخْذِ.
قُلْتُ: كَيْفَ إِسْنَادُهُ؟ قَالَ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَنَازِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَخُمُورِهِمْ، قَالَ: لَا تَقْتُلُ خَنَازِيرَهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ عَهْدًا، وَأَلَّا تَأْخُذَ مِنْهُمْ خَمْرًا وَلَا خِنْزِيرًا يَكُونُ لَهُمْ بَيْعُهَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قُلْتُ لِأَبِي: فَإِنْ كَانَ مَعَ النَّصْرَانِيِّ خَمْرٌ وَخَنَازِيرُ، كَيْفَ يُصْنَعُ بِهَا؟ فَقَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا [وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَقُومُ عَلَيْهِمْ] وَهُوَ قَوْلٌ شَنِيعٌ وَلَا أَرَاهُ يُعْجِبُنِي.
وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ سَوَاءً.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " بَابُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ " حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْجُعْفِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْخَنَازِيرِ، وَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَا تَفْعَلُوا، وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا.
وَحَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمُرَ: إِنْ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ، فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا مِنْهُمْ، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنَ الثَّمَنِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " يُرِيدُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَخَرَاجِ أَرَضِيهِمْ بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا، فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ بِلَالٌ وَنَهَى عَنْهُ عُمَرُ، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ مِنْ أَثْمَانِهَا إِذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا ; لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَكُونُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ اللَّيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ يَأْمُرُهُمْ بِقَتْلِ الْخَنَازِيرِ، وَيَقْضِي أَثْمَانَهَا لِأَهْلِ الْجِزْيَةِ مِنْ جِزْيَتِهِمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهُوَ لَمْ يَجْعَلْهَا قِصَاصًا مِنَ الْجِزْيَةِ إِلَّا وَهُوَ يَرَاهَا مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِذَا مَرَّ الذِّمِّيُّ بِالْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ أَنْ يَعْشِرَهَا وَلَا يَأْخُذَ ثَمَنَ الْعُشْرِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الذِّمِّيُّ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِبَيْعِهَا أَيْضًا. . . . وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَلَا يُشْبِهُهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى رِقَابِهِمْ وَأَرَضِيهِمْ، وَالْعُشْرُ هَاهُنَا إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُوضَعُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ أَنْفُسِهَا فَلِذَلِكَ ثَمَنُهَا لَا يَطِيبُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ أَفْتَى فِي مِثْلِ هَذَا بِغَيْرِ مَا أَفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
ثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ بَعَثَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ صَدَقَةَ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: بَعَثْتَ إِلَيَّ بِصَدَقَةِ الْخَمْرِ، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَعْمِلُكَ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا قَالَ: فَنَزَعَهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ الضُّبَعِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِتَفْصِيلِ الْأَمْوَالِ الَّتِي قِبَلَكَ مِنْ أَيْنَ دَخَلَتْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَصَنَّفَهُ لَهُ فَكَانَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مِنْ عُشْرِ الْخَمْرِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ: فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ
جَوَابُ كِتَابِهِ: إِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ تَذْكُرُ مِنْ عُشُورِ الْخَمْرِ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَإِنَّ الْخَمْرَ لَا يَعْشِرُهَا مُسْلِمٌ وَلَا يَشْتَرِيهَا وَلَا يَبِيعُهَا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاطْلُبِ الرَّجُلَ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِمَا كَانَ فِيهَا فَطَلَبَ الرَّجُلَ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ الْآلَافِ وَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِنِّي لَمْ أَعْلَمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا عِنْدِي الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الذِّمِّيِّ يَمُرُّ بِالْخَمْرِ عَلَى الْعَاشِرِ، قَالَ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْعُشُورُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِالْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ - عَشَرَ الْخَمْرَ وَلَمْ يَعْشِرِ الْخَنَازِيرَ. سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يُحَدِّثُ بِذَلِكَ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ أَلَّا يَكُونَ عَلَى الْخَمْرِ عُشْرٌ أَيْضًا، انْتَهَى.
وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا تَبَايَعُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَدْ تَعَاقَدُوا عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَهُ مَالًا، فَإِذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ أَخَذْنَا مَا هُوَ حَلَالٌ عِنْدَهُمْ،