الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ عُشْرُ الْأَمْوَالِ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ]
72 -
فَصْلٌ
[عُشْرُ الْأَمْوَالِ لَا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ]
وَإِنْ جَاءَ الْحَرْبِيُّ مُنْتَقِلًا إِلَيْنَا بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا مِنْ تِجَارَةٍ مَعَهُ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ.
[فَصْلٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ سَوَاءٌ أَخَذُوهُ مِنَّا إِذَا دَخَلْنَا إِلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهُ]
73 -
فَصْلٌ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ، سَوَاءٌ أَخَذُوهُ مِنَّا إِذَا دَخَلْنَا إِلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَأْخُذُوهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا إِذَا دَخَلْنَا أَخْذَنَا مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا.
[فَصْلٌ تَفْصِيلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ فيما يؤخذ من الذمي إذا مر ببلاد الإسلام]
74 -
فَصْلٌ.
وَأَمَّا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا، فَنَأْخُذُ مِنْهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ.
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثُ أَبِي مِجْلَزٍ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ: كَيْفَ نَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ إِلَيْهِمْ؟ قَالُوا: الْعُشْرَ، قَالَ: فَكَذَلِكَ خُذُوا مِنْهُمْ.
وَقَالَ زِيَادُ بْنُ حُدَيْرٍ: كُنَّا لَا نَعْشُرُ مُسْلِمًا وَلَا مُعَاهَدًا، قِيلَ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْشُرُونَ؟ قَالَ: كُفَّارُ أَهْلِ الْحَرْبِ، نَأْخُذُ مِنْهُمْ كَمَا يَأْخُذُونَ مِنَّا [وَقَالَ
غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ:] وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
قَالُوا: فَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ لَيْسَ هَذَا الْمَالُ لِي، وَحَلَفَ عَلَيْهِ صُدِّقَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الصَّامِتُ وَالْمَتَاعُ وَالرَّقِيقُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ، فَإِذَا مَرَّ بِالْفَوَاكِهِ وَأَشْبَاهِهَا الَّتِي لَا بَقَاءَ لَهَا فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالُوا: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي السَّنَةِ، وَإِنْ مَرَّ بِهِ مِرَارًا.
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَةَ دِرْهَمٍ، فَإِذَا بَلَغَ مِائَةَ دِرْهَمٍ أُخِذَ مِنْهُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيهِ، وَبِمِقْدَارِ النِّصَابِ وَبِقَدْرِ الْوَاجِبِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ: " وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَهَا وُجُوهٌ:
فَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: إِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَالُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُمْ شَبَّهُوهُ بِالصَّدَقَةِ، ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ سَمَّى مَا يَجِبُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ الَّتِي تُدَارُ لِلتِّجَارَاتِ، إِنَّمَا قَالَ: يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَا، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَذَا، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي أَدْنَى مَبْلَغِ الْمَالِ وَقْتًا.
ثُمَّ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ قَدْ ضَمَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ، فَحَمَلْنَا وَقْتَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الزَّكَاةِ، إِذْ كَانَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَهُوَ الْمِائَتَانِ فَأَخَذْنَا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَا وَأَلْقَيْنَا مَا دُونَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ فَقَالُوا: الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسَ بِزَكَاةٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ إِلَى مَبْلَغِهَا وَإِلَى حَدِّهَا، إِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنْ رُءُوسِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لِأَدَاءِ مَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ وَقْتٌ يُوَقَّتُ، وَعَلَى ذَلِكَ صُولِحُوا؟
قَالُوا: فَكَذَلِكَ مَا مَرُّوا بِهِ مِنَ التِّجَارَاتِ يُؤْخَذُ مِنْ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا.
وَأَمَّا سُفْيَانُ فِي تَوْقِيتِهِ بِالْمِائَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْمُوَظَّفَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ هُوَ الضِّعْفُ مِمَّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ، جَعَلَ فَرْعَ الْمَالِ
عَلَى حَسَبِ أَصْلِهِ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَةِ خَمْسَةً كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْمِائَتَيْنِ عَشَرَةٌ لِيُوَافِقَ الْحُكْمُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَأَسْقَطَ مَا دُونَ الْمِائَةِ كَمَا عُفِيَ لِلْمُسْلِمِينَ عَمَّا دُونَ الْمِائَتَيْنِ، فَصَارَتِ الْمِائَةُ لِلذِّمِّيِّ كَالْمِائَتَيْنِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا رَأْيُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَلَسْتُ أَدْرِي مَا وُقِّتَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: إِذْ مَرَّ أَحَدُكُمْ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَوْلُ سُفْيَانَ هُوَ عِنْدِي أَعْدَلُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَأَشْبَهُهَا بِالَّذِي أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ إِلَى زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ:" مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا، فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ إِنَّمَا هِيَ مَعْدُولَةٌ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي الزَّكَاةِ، وَهِيَ عِنْدَنَا تَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَعَ تَفْسِيرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَا يُوجَدُ فِي هَذَا مُفَسِّرٌ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ.
قَالَ: فَهَذَا مَا جَاءَ فِي تَوْقِيتِ أَدَاءِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْحُقُوقُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الذِّمِّيِّ إِذَا ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَاخْتِيَارُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ إِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنَّ الَّذِي أَخْتَارُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
فَأَقُولُ: إِنْ كَانَ لَهُ شُهُودٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى دَيْنِهِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَالِهِ سَبِيلٌ ; لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لِرَبِّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْجِزْيَةِ ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لِلْمُسْلِمِينَ فِي عُنُقِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يُحْصِي أَهْلَ هَذَا الْحَقِّ، فَيَقْدِرُ عَلَى قَسْمِ مَالِ الذِّمِّيِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَذَا الْغَرِيمِ بِالْحِصَصِ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَقَدْ عَلِمَ حَقَّ هَذَا الْغَرِيمِ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ أَوْلَى بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ دَيْنُ هَذَا الذِّمِّيِّ إِلَّا بِقَوْلِهِ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ قَدْ لَزِمَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ يُرِيدُ إِبْطَالَهُ بِالدَّعْوَى، وَلَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ فِي ذَلِكَ كَمَا يُؤْتَمَنُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى زَكَوَاتِهِمْ فِي الصَّامِتِ إِنَّمَا هَذَا فَيْءٌ وَحُكْمُهُ غَيْرُ حُكْمِ الصَّدَقَةِ.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي مَمَرِّهِ عَلَى الْعَاشِرِ مِرَارًا فِي السَّنَةِ، وَقَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَسُفْيَانَ فِيهِ: إِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ: إِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا - إِذَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مِنْ مِصْرٍ إِلَى آخَرَ سِوَاهُ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا لِلْإِمَامَيْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَدْ كُفِينَا النَّظَرَ فِيهِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ، فَأَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ عَامِلَكَ يَأْخُذُ مِنِّي الْعُشْرَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إِنَّمَا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةٌ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: هُوَ الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ، قَدْ كَتَبْتُ لَكَ فِي حَاجَتِكَ.
حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قَرَأْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ: " أَنْ تَأْخُذَ الْعُشُورَ ثُمَّ تَكْتُبَ بِمَا تَأْخُذُ مِنْهُمُ الْبَرَاءَةَ، فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَلَا مِنْ رِبْحِهِ زَكَاةَ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَأْخُذُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ إِنَّ مَرَّ بِهِ ".
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا هُوَ عَدْلٌ بَيْنَ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَالُ التَّالِي هُوَ الَّذِي مَرَّ بِهِ بِعَيْنِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ تِلْكَ السَّنَةَ وَلَا مِنْ رِبْحِهِ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ ; لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي قَدْ لَزِمَهُ فِيهِ قَدْ قَضَاهُ، فَلَا يُقْضَى حَقٌّ وَاحِدٌ مِنْ مَالٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ مَرَّ بِمَالٍ سِوَاهُ أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ جُدِّدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ مِرَارًا، إِذْ كَانَ قَدْ عَادَ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِمَالٍ سِوَى الْمَالِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْمَالَ الْأَوَّلَ لَا يُجْزِئُ عَنِ
الْآخَرِ وَلَا يَكُونُ فِي هَذَا أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْمُسْلِمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَرَّ بِمَالٍ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ أُخِذَتْ مِنْهُ الصَّدَقَةُ، ثُمَّ إِنْ مَرَّ بِمَالٍ آخَرَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ مِنْ مَالِهِ هَذَا أَيْضًا ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَكُونُ قَاضِيَةً عَنِ الْمَالِ الْآخَرِ؟ فَهَذَا قَدْرُ مَا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ: إِذَا انْصَرَفَ إِلَى بِلَادِهِ ثُمَّ عَادَ بِمَالِهِ ذَلِكَ أَوْ مَالٍ سِوَاهُ، إِنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بَطَلَتْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا عَادَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْتَأْنِفًا لِلْحُكْمِ كَالَّذِي لَمْ يَدْخُلْهَا قَطُّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَدَّعِي مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ أَوْ قَوْلِهِ: إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ: يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِذَا مَرَّ بِجِوَارٍ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِي، قُبِلَ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عُشْرُ قِيمَتِهِنَّ.
قُلْتُ: فَقَدْ حَكَى أَبُو عُبَيْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ يُعْشَرُ كُلَّمَا دَخَلَ إِلَيْنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً، وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ [كُلَّمَا] دَخَلَ إِلَيْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَابْنِهِ صَالِحٍ: أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ.
وَأَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَإِنَّ الْمَالَ الثَّانِيَ لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمُ الْمَالِ الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَنْسَحِبْ حُكْمُهَا عَلَى مَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَلَا يُؤْخَذْ مِنْهُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَهَكَذَا مَالُ الْمَعَاهَدِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.