الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ] [
فصل أَمْوَالُهُمُ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا فِي الْمُقَامِ]
[أَمْوَالُهُمُ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا فِي الْمُقَامِ]
أَمَّا أَمْوَالُهُمُ الَّتِي يَتَّجِرُونَ بِهَا فِي الْمُقَامِ أَوْ يَتَّخِذُونَهَا لِلْقِنْيَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا صَدَقَةٌ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ طُهْرَةٌ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا.
وَأَمَّا زُرُوعُهُمْ وَثِمَارُهُمُ الَّتِي يَسْتَغِلُّونَهَا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرُ الْخَرَاجِ.
وَأَمَّا مَا اسْتَغَلُّوهُ مِنَ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ فَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَذَاهِبَ النَّاسِ فِيهَا وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الْمَذَاهِبِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَمَّا أَرْضُ الْعُشْرِ تَكُونُ لِلذِّمِّيِّ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: إِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ عُشْرٍ تَحَوَّلَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ.
قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِ الْعُشْرُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، - وَلَمْ أَسْمَعْهُ [مِنْهُ]- يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَرَجُلٍ ثَالِثٍ ذَكَرَهُ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ الذِّمِّيِّ بِأَرْضِ الْبَصْرَةِ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا.
قَالَ: وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ: عَلَيْهِ الْعُشْرُ عَلَى حَالِهِ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.
أَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَحَدَّثَنِي عَنْهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا ; لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زَكَاةٌ لِأَمْوَالِهِمْ وَطُهْرَةٌ لَهُمْ، وَلَا صَدَقَةَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي أَرْضِهِمْ وَلَا فِي مَوَاشِيهِمْ إِنَّمَا الْجِزْيَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ
صَغَارًا لَهُمْ وَفِي أَمْوَالِهِمْ إِذَا مَرُّوا بِهَا فِي تِجَارَاتِهِمْ.
وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا عُشْرَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِبَيْعِهَا ; لِأَنَّ فِي إِقْرَارِهِ عَلَيْهَا إِبْطَالًا لِلصَّدَقَةِ.
وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا عُشْرَ عَلَيْهِ وَلَا خَرَاجَ إِلَّا إِذَا اشْتَرَاهَا الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ، وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَهَذَا بِمَنْزِلَتِهِ لَوِ اشْتَرَى مَاشِيَتَهُ أَوَلَسْتَ تَرَى أَنَّ الصَّدَقَةَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ فِيهَا؟ .
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ شَرِيكٍ شَيْءٌ شَبِيهٌ بِهَذَا، أَنَّهُ قَالَ فِي ذِمِّيٍّ اسْتَأْجَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَرْضَ عُشْرٍ، قَالَ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَرْضِهِ ; لِأَنَّ الزَّرْعَ لِغَيْرِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا عُشْرٌ وَلَا خَرَاجٌ ; لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَتْ لَهُ هَذَا مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي " الْجَامِعِ "، بَابُ الذِّمِّيِّ يَشْتَرِي أَرْضَ الْعُشْرِ أَوْ أَرْضَ الْخَرَاجِ أَوْ يَسْتَأْجِرُهَا: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ [أَبِي] هَارُونَ وَمُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ قَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْءٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: يُضَعَّفُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجُ، قُلْتُ لَهُ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ فِيهَا اخْتِلَافٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ وَصَالِحٍ وَاللَّفْظُ لِصَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِيهِ: كَمْ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّا أَخْرَجَتْ أَرَضُوهُمْ؟ فَقَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ إِلَّا فِيمَا تَجِرُوا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ.
أَخْبَرَنِي حَرْبٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الذِّمِّيِّ يَشْتَرِي أَرْضَ الْعُشْرِ؟ قَالَ: لَا أَعْلَمُ عَلَيْهِ شَيْئًا، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ طُهْرَةُ مَالِ الرَّجُلِ، وَهَذَا الْمُشْرِكُ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ فِي هَذَا قَوْلًا حَسَنًا، يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ الذِّمِّيُّ أَنْ يَشْتَرِيَ أَرْضَ الْعُشْرِ.
قَالَ: وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ قَوْلًا عَجَبًا يَقُولُونَ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرَاءِ.
أَخْبَرَنِي عِصْمَةُ بْنُ عِصَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الصَّاغَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: يُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَيْسَ فِي أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، فَأَيُّ طُهْرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ!
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى: وَأَمَّا مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ فَمَرُّوا [يَعْنِي عَلَى الْعَشَّارِ] فَنِصْفُ الْعُشْرِ وَأَمَّا أَرَضُوهُمْ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِمُ الْعُشْرُ، وَمَا أَدْرِي مَا هُوَ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ طُهْرَةٌ.
قَالَ: وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ ضَاعَفَ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْحِجَازِ فَحُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدْعُونَهُمْ يَشْتَرُونَ أَرْضَهُمْ وَيَقُولُونَ: فِي شِرَائِهِمْ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَرْضٍ يُؤَدَّى عَنْهَا
الْخَرَاجُ أَيُؤَدَّى عَنْهَا الْعُشْرُ بَعْدَ الْخَرَاجِ قَالَ نَعَمْ كُلُّ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْعُشْرَ بَعْدَ الْخَرَاجِ؟ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْلِمِ فَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ [عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ] : وَسَأَلَهُ عَنِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يَشْتَرِي أَرْضَ الْمُسْلِمِ، قَالَ: أَرَى عَلَيْهِ زَكَاةً.
قَالَ: وَحَكَوْا عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ مَا كَانَ يَعْرِفُ هَذَا حَتَّى وَلِيَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخُمُسَ، كَأَنَّهُ أَضْعَفَ عَلَيْهِمْ.
وَحَكَوْا عَنْ سُفْيَانَ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ.
وَحَكَى لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يَدَعُونَ ذِمِّيًّا يَشْتَرِي مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، يَقُولُونَ: تَذْهَبُ الزَّكَاةُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفُوا بِهَا فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي مَنَازِلِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا شَيْءٌ.
وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ الْعُشْرِ سَقَطَ عَنْهُ الْعُشْرُ.
قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعُوا مِنْ شِرَائِهَا.
وَقَالَ: أَلَيْسَ يُحْكَى أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إِذَا اشْتَرَوْا مَا حَوْلَنَا ذَهَبَتِ الزَّكَاةُ وَذَهَبَ الْعُشْرُ؟ وَهَذَا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، فَأَمَّا الْخَرَاجُ فَلَا.
وَقَالَ ابْنُ مُشَيْشٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ: الْمُسْلِمُ يُؤَاجِرُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنَ الذِّمِّيِّ، قَالَ: لَا يُؤَاجَرُ الذِّمِّيُّ، وَهَذَا ضَرَرٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ - وَذَكَرَ مَالِكًا - يَقُولُونَ: لَا تَدَعْ ذِمِّيًّا يَزْرَعُ ; لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الْعُشْرَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا تُكْرَى أَرْضُ الْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ.
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ، ثَنَا الْأَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اشْتَرَوْا شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ، قَالَ: فِيهِ الْخُمْسُ.
قَالَ أَحْمَدُ: أَضْعَفَهُ [عَلَيْهِمْ] ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مُسْلِمٍ زَارَعَ ذِمِّيًّا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ رحمه الله أَنْ خُذْ مِنَ الْمُسْلِمِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ فِي نَصِيبِهِ وَخُذْ مِنَ
النَّصْرَانِيِّ مَا عَلَيْهِ.
قَالَ الْخَلَّالُ: وَالَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ صُلْحٍ أَوْ خَرَاجٍ، فَهُمْ عَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ أَوْ جُعِلَ عَلَى أَرْضِهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ شِرَائِهَا ; لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الْعُشْرَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ، وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَيَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ الذِّمِّيُّ يَشْتَرِي أَرْضَ الْعُشْرِ. وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِذَلِكَ وَالِاحْتِجَاجِ لِقَوْلِهِمْ مَالَ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ أَرْضَ الْعُشْرِ يُضَاعَفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ أَلَّا يُمَكَّنُوا أَنْ يَشْتَرُوا، فَإِنِ اشْتَرَوْا ضُوعِفَ عَلَيْهِمْ كَمَا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةُ إِذَا مَرُّوا عَلَى الْعَاشِرِ، وَهِيَ - فِي الْأَصْلِ - لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ لَوْ لَمْ يَمُرُّوا بِهَا عَلَى الْعَاشِرِ وَاتَّجَرُوا فِي مَنَازِلِهِمْ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ، فَلَمَّا مَرُّوا جُعِلَتْ عَلَيْهِمْ وَأُضْعِفَ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِلَّا
فَأَرْضُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يُضَاعَفُ عَلَيْهِمُ الْعُشْرُ ; لِأَنَّ فِي أَرْضِهِمُ الْعُشْرَ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ مَرَّتَيْنِ: هَذَا مَعْنَى مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا اشْتَرَوْهُ أَيْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ مُضَاعَفٌ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَأَنَا أُفَسِّرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَأَوَّلُ يَأْخُذُ مِنْ أَرْضِهِمُ الضِّعْفَ، قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَرْضُ خَرَاجٍ فَكَيْفَ نَأْخُذُ مِنْهُمُ الضِّعْفَ؟ قَالَ: نَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ، قُلْتُ: فَهَذَا إِذَنْ فِي الْحَبِّ إِذَا أَخْرَجَتْ نَنْظُرُ إِلَى قَدْرِ مَا أَخْرَجَتْ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ وَنُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ مَرَّةً أُخْرَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اتَّجَرُوا فِيهَا قُوِّمَتْ ثُمَّ أُخِذَ مِنْهَا زَكَاتُهَا مَرَّتَيْنِ، يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُشَبِّهُ الزَّرْعَ بِهَذَا.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَالَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ غَيْرَ مَرَّةٍ - أَنَّ أَرْضَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّتِي فِي الصُّلْحِ لَيْسَ عَلَيْهَا خَرَاجٌ، إِنَّمَا يُنْظَرُ مَا أَخْرَجَتْ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعُشْرُ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَالَّذِي يَشْتَرِي أَرْضَ الْعُشْرِ مَا عَلَيْهِ؟ قَالَ لِي: النَّاسُ كُلُّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي هَذَا مِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا
وَيُشَبِّهُهُ بِمَالِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ إِذَا كَانَ مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَبِمَا يُثْبِتُهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ أَمْوَالٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا صَدَقَةٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هَذِهِ حُقُوقٌ لِقَوْمٍ وَلَا يَكُونُ شِرَاؤُهُ الْأَرْضَ يَذْهَبُ بِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ.
وَالْحَسَنُ يَقُولُ: مَنِ اشْتَرَاهَا ضُوعِفَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: فَكَيْفَ يُضَعَّفُ عَلَيْهِ، قَالَ: لِأَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخُمْسُ، قُلْتُ: يَذْهَبُ إِلَى أَنْ يُضَعَّفَ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذَ مِنْهُ الْخُمْسُ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: نَعَمْ يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: وَيَدْخُلُ عَلَى الذِّمِّيِّ، قَالَ: لَا نَرَى بِأَنْ يَأْخُذَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مُوسِرًا مِنْهُمْ عَمَدَ إِلَى أَرْضٍ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَاشْتَرَاهَا فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ أَضَرَّ هَذَا بِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَشْتَرِي أَرْضَ الْعُشْرِ يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُشْرُ أَوِ الْخَرَاجُ؟ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يُضَاعَفُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّمَا الْخَرَاجُ عَلَى مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَفِي الْمَالِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ، قُلْتُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالَ: قَوْلُ عُمَرَ وَالْحَسَنِ
يُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ: فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْخَلَّالُ: فَقَدْ بَيَّنَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَاهُنَا مَذْهَبَهُ وَحَسَّنَ مَذْهَبَ مَنْ جَعَلَ عَلَيْهِمُ الضِّعْفَ.
قَالَ الْخَلَّالُ: وَأَقْوَى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِنْ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَاهُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الِاخْتِيَارُ لَهُ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو الْمُزَنِيَّ عَنِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَهْلِ فَارِسَ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ خَوَّلَكُمْ.
قَالَ الْخَلَّالُ: وَأَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ أَبُو يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: ثَنَا سُوَيْدٌ الْكَلْبِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو فِيمَا أُخِذَ عَنْوَةً، قَالَ: زِيدُوا
عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ خَوَلُكُمُ، انْتَهَى.
فَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ كَمَا تَرَاهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ وَاحْتِجَاجِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْكِي مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَعَنْهُ عَلَيْهِمْ عُشْرَانِ وَإِذَا كَانُوا إِذَا اتَّجَرُوا فِي غَيْرِ بِلَادِهِمْ أُخِذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ جَوَازِ التِّجَارَةِ لَهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يُسْقِطُونَ بِهَا حَقًّا لِمُسْلِمٍ، فَإِذَا دَخَلُوا فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، إِذْ لَوْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ لَتَعَطَّلَتْ حُقُوقُ أَرْبَابِ الْعُشْرِ وَمَا عَلَيْهِ مِنَ
الْمُنْقَطِعِينَ مِنَ الْجُنْدِ وَالْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّا لَوْ مَكَّنَّاهُمْ مِنَ الدُّخُولِ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا عُشْرَ عَلَيْهِمْ لَتَهَافَتُوا وَتَهَالَكُوا عَلَيْهَا لِكَثْرَةِ الْمُغَلِّ وَقِلَّةِ الْمَئُونَةِ فَتَذْهَبُ حُقُوقُ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَقِيَاسُ الْأَرْضِ عَلَى الْمَوَاشِي وَالْعُرُوضِ قِيَاسٌ فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْمَوَاشِيَ وَالْعُرُوضَ لَا تُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ بَلْ تَتَنَاقَلُهَا الْأَيْدِي، وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهَا الْمُلَّاكُ وَالْأَرْضُ إِذَا صَارَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَا خَرَاجَ، عَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَأَمْسَكَهَا بِكِلْتَا يَدَيْهِ، وَعَطَّلَ مَصْلَحَتَهَا عَلَى أَهْلِ الْعُشْرِ وَلِهَذَا لَمَّا عَلِمَ أَبُو حَنِيفَةَ فَسَادَ هَذَا قَالَ: إِذَا اشْتَرَى أَرْضَ الْعُشْرِ تَحَوَّلَتْ خَرَاجِيَّةً.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا: أَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ شِرَاءِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَاكْتِرَائِهَا، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ، كَمَا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي مَوَاشِيهِمْ وَعُرُوضِهِمْ وَنُقُودِهِمْ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَمَذْهَبُهُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مَنْعُهُمْ مِنْ شِرَاءِ أَرْضِ الْعُشْرِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَصْرِفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَرْضِهِمْ؟ قِيلَ: مَصْرِفُهُ مَصْرِفُ مَا يُؤْخَذُ مِنَ التَّغْلِبِيِّ، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ فَكَذَا هَذَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ أَوْ أَسْلَمَ؟ فَقَالَ الْأَصْحَابُ: يَسْقُطُ عَنْهُ أَحَدُ الْعُشْرَيْنِ وَيَبْقَى الْآخَرُ وَهُوَ عُشْرُ الزَّكَاةِ، وَلَمْ يُفَصِّلُوا.
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهُ إِنْ بَاعَهَا أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ فَكَذَلِكَ وَإِنْ بَاعَهَا بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَوُجُوبِ الْعُشْرَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ وَصَلَاحِ الثَّمَرِ سَقَطَ عَنْهُ الْعُشْرَانِ.
أَمَّا عُشْرُ الزَّكَاةِ فَلِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَمَّا الْعُشْرُ الْمُضَاعَفُ فَإِنَّمَا وَجَبَ بِسَبَبِ الْكُفْرِ فَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا تَسْقُطُ الْجِزْيَةُ بِإِسْلَامِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوِ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً مِنْ تَغْلِبِيٍّ فَمَا حُكْمُهَا؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ الْأَصْحَابُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نَبْتِهَا كَمَا لَوِ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ.
وَالثَّانِي: عَلَيْهِ فِيهَا عُشْرٌ وَاحِدٌ.
وَالثَّالِثُ: عَلَيْهَا فِيهَا عُشْرَانِ كَمَا كَانَ عَلَى التَّغْلِبِيِّ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَالْأَصَحُّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ لَوِ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا مِنْ مُسْلِمٍ لَا عُشْرَ فِيهَا، مِثْلَ أَنْ كَانَتْ دُورًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَزَرَعَهَا فَهَلْ يَجِبُ فِي زَرْعِهَا شَيْءٌ؟ قِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ شِرَائِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ حَقُّ مُسْلِمٍ مِنَ الْأَرْضِ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوِ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً مِنْ ذِمِّيٍّ فَزَرَعَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَيْرُ الْخَرَاجِ، كَمَا كَانَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَكَمَا لَوْ وَرِثَهَا.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ فِي " رِعَايَتِهِ ": وَإِنِ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ أَرْضًا
خَرَاجِيَّةً أَوْ أَرْضَ تَغْلِبِيٍّ جَازَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نَبْتِهَا وَقِيلَ: بَلْ عُشْرَانِ، وَقِيلَ: بَلْ عُشْرٌ فِي نَبْتِ الْخَرَاجِيَّةِ لَا فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ تَغْلِبِيٍّ.
قُلْتُ: أَمَّا شِرَاؤُهُ أَرْضَ التَّغْلِبِيِّ فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ عُشْرَانِ، كَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى التَّغْلِبِيِّ وَلَا يَسْقُطُ بِشِرَائِهِ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي كَانَ عَلَى أَرْضِ التَّغْلِبِيِّ بَلْ إِذَا ضُوعِفَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ بِشِرَائِهَا مِنْ مُسْلِمٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، فَلَأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَى التَّغْلِبِيِّ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَأَمَّا شِرَاؤُهُ لِلْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ الَّتِي لَا عُشْرَ عَلَيْهَا فَهَذَا لَا يَتَوَجَّهُ فِيهِ نِزَاعٌ، وَلَا نَقْبَلُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَلَاسِيَّمَا إِذَا اشْتَرَاهَا مِنْ ذِمِّيٍّ كَمَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، فَهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إِنَّ عَلَيْهِ فِيهَا عُشْرَيْنِ وَلَا عُشْرًا.
فَإِنْ قِيلَ: يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ قِيلَ: إِنْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً - مَعَ كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً - فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عُشْرِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ دَارًا أَوْ خَانًا جَازَ لَهُ شِرَاؤُهَا وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهَا اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ هَذَا مِنْ سُوءِ التَّفْرِيعِ وَالتَّصَرُّفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي إِجَارَةِ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ؟ قِيلَ: قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ يُرَادُ لِلدَّوَامِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَالْحُكْمُ فِي زَرْعِهِ كَالْحُكْمِ فِي زَرْعِ مَا اشْتَرَاهُ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ هَاهُنَا وَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْعُشْرَيْنِ