الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-2-
الزحاف:
يعرف العروضيون الزحاف بأنه "تغيير يلحق بثواني أسباب الأجزاء في البيت" وهذه أمثلة له تعنينا في الشعر الحر
التفعيلة زحافها اسمها العروضي
متفاعلن مستفعلن الإضمار
مستفعلن مفاعلن الخبن
فاعلن فعلن الخبن
مفاعلتن مفاعيلن العصب
وأكثر ما يعنينا من هذه الأمثلة هنا، الزحاف الذي يمس تفعيلة الرجز فيحيلها من "مستفعلن" إلى "مفاعلن"، وهو مرض شاع شيوعًا فادحًا في الشعر الحر، واستهان به الشعراء، أو لم يحسوا به فتركوه يعيث في شعرهم ويفسد أنغامه. والواقع أن هذا الزحاف مباح في وزن الرجز، وقد ورد في شعر أسلافنا كثيرًا وكان وروده جميلًا مقبولًا لا مأخذ عليه. وإنما أبيح ذلك في وزن الرجز لأنه يدخل تنويعًا وتلوينًا على التفعيلة "مستفعلن".
حيث الانتقال منها إلى زحافها، بين الحين والحين، يدخل على القصائد الرجزية جمالًا وموسيقية. ولم يزل الشاعر العربي الحديث يلجأ إلى هذا التنويع الذي هو صفة عامة في بحر الرجز تدخل في تركيبه، والعروضيون يعترفون بها ويفسحون لها مجالًا في كتبهم وقواعدهم.
غير أن ما لم يكن يفعله الشاعر القديم قط، وإنما ينزلق إليه الشاعر المعاصر، هو أن يكتب أبياتًا كاملة، وأشطرًا، تفعيلاتها كلها مصابة بالزحاف. هذا، مثلًا، نموذج من شعر صلاح عبد الصبور. قال من الرجز1:
وحين يقبل الماء يقفر الطريق والظلام محنة الغريب
وهو كما نلاحظ شطر ذو ست تفعيلات وهذا تقطيعه:
ومنه ندرك أن تفعيلات البيت الست جميعها مصابة بالزحاف دون أن يعبأ الشاعر، ولقد أصبح البيت، بسبب هذا الزحاف الثقيل المتعب، ركيك الإيقاع، ضعيف البناء، منفرًا للسمع. والواقع أنه يجمع ثلاثة من خمسة من عيوب الشعر الحر التي ندرسها في هذا الفصل، وللشاعر مندوحة عن ذلك بما يملك من رهافة شعرية نلمسها في بعض قصائده الأخرى. وكل ما يعوزه الانتباه واستكبار الخطإ.
وأما سائر أصناف الزحاف التي أشرنا إليها في أول هذا الفصل فسوف نتخطاها لأننا لا نراها تحدث إشكالات خاصة بالشعر الحر. ومنها زحاف
1 قصيدة "رحلة في الليل"، ديوان "الناس في بلادي" لصلاح عبد الصبور. بيروت 1957. ويلاحظ أن الشاعر يسيئ استعمال الوتد في تفعيلاته الأولى والثالثة والرابعة والخامسة.
التفعيلة "فاعلن" وهو "فعلن" وقد ألف الشعراء أن يعزلوه في قصائد كاملة، وقلما يستعملون فيها أصل التفعيلة "فاعلن" إلا في النادر. ومن وزن المتدارك الأصلي "فاعلن" في شعرنا المعاصر قول ميخائيل نعيمة:
هللي هللي يا رياح
…
وانسجي حول نومي وشاح1
وبعد فما الزحاف، إذا أردنا أن ننظر إليه نظرة بسيطة، ونخرج عن تعريفات العروضيين؟ إنه علة تعتري البيت وليس أساسًا فيه. أو هو مرض يصيب التفعيلة، واختلال صغير نحبه لأنه لا يرد كثيرًا. تمامًا كما قد نحب خصامًا صغيرًا مع أصدقاء نعزهم، أو زكامًا يداهمنا يومين ثم ينصرف تاركًا لنا إحساسًا أقوى بعذوبة العافية وجمالها. فماذا يحدث لنا لو أن حياتنا استحالت كلها إلى خصومات وزكامات لا تنتهي؟ ألن يكون طعم الحياة إذ ذاك يشبه وقع قصيدة كل تفعيلاتها زحاف؟
ومن المؤسف أن يكون النادر اليوم في قصائد الرجز هو التفعيلة السليمة. إن شعرنا صار من المرض بحيث كدنا ننسى طعم العافية. وقد تفشى الزحاف الذي هو، في نظرنا، مسئول إلى حد كبير عن شناعة الإيقاع، والنثرية، وغيرهما مما يشكو الجمهور وجوده في الشعر الحر. والحق مع الجمهور.
1 ترد هذه التفعيلة في شعري غير قليل. ومنها في شظايا ورماد القصيدتان "الأفعوان" و"تواريخ قديمة جديدة" وفي قرارة الموجة القصائد "أغنية" و"سخرية الرماد" و"يحكى أن حفارين".