الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: الشعر الحر باعتبار أثره
الفصل الأول: الشعر الحر والجمهور
توطئة
…
الباب الثالث: الشعر الحر باعتبار أثره.
الفصل الأول: شعر الحر والجمهور.
توطئة:
لعل تاريخ الشعر العربي لم يعرف هزة أكبر من تلك التي تعرض لها وهو يواجه حركة الشعر الحر التي بدأت تنتشر انتشارها الجارف منذ سنة 1952، مع أن أولياتها تعود إلى سنة 1947، فقد جاء هذا الشعر بتجديد كامل في النظرة إلى وزن الشعر فنقل الأساس فيه من الشطر إلى التفعيلة، ومن نظام الشطرين الاثنين والقافية الموحدة، إلى نظام الشطر الواحد والقافية المتغيرة1. ومع أن الحركة كانت قائمة على أساس راسخ من العروض العربي، ببحوره وأشطره وقوافيه، إلا أن الجمهور العربي قد تكشف عن مقاومة مستمرة صريحة لها، فلم يرض
1 لا مانع من أن يكون الشعر الحر موحد القافية ومن ذلك قصيدة نزار قباني "طوق الياسمين".
أن يتقبل هذا الشعر الجديد، ولا أن يحاول فهمه، وما زالت أغلب الأوساط الأدبية والفكرية تتحدث عنه بازدراء وسخرية. ولقد ألفنا في السنين الماضية أن نرى أنصار الشعر الحر يقابلون تحفظ الجمهور بالثورة وبحملات السباب والتجريح بشكل يوجع ضمير أي مراقب رصين للموقف. ذلك أن الجمهور العربي الذي يرفض هذا الشعر الحر لا يعدو أن يكون أحد اثنين، إما أنه متأخر في ثقافته ووعيه الشعري والأدبي وذوقه عن شعرائه الشباب بحيث لا يستطيع أن يصل إلى فهم حركة جديدة ما زالت تبدو له غامضة، وإما أنه محق في رفضه لهذا الشعر لسبب وجيه ما. وفي الحالتين لا ينبغي لنا أن نتهجم على الجمهور. فإن كان الحق معنا، وكان جمهورنا الذي نكتب له متأخرًا عنا، فإن واجبنا أن نعلمه لا أن نسبه ونهينه ونهاجم مقدساته، وأما إذا كان الجمهور على حق، فماذا علينا أكثر من أن نرى الحق ونقره، ولو كان ضدنا؟ إن الشعر العربي ينبغي أن يكون أعز علينا من أي تجديد غالط وقعنا فيه.
على أن من حسن الحظ أن الظروف أقل قسوة من هذين الطرفين اللذين ذكرناهما، فلا الجمهور العربي متأخر إلى هذا الحد المؤس، ولا الشعر الحر صادم للروح العربية والأذن العربية، وإنما يقوم موقف الجمهور منه على تداخل عوامل عديدة بعضها خارجي وبعضها يتصل بكل حركة مجددة تقابل جمهورًا ذا تراث قديم أصيل، وبعضها يرجع إلى أغلاط يقع فيها الشعراء أنفسهم.
ومهما يكن من أمر فقد حاولت في هذا البحث أن أدرس الأسباب التي جعلت الجمهور العربي يقف من الشعر الحر موقف المقاوم، وقد صح لديَّ، بعد طول التأمل، أن السبب في ذلك يرجع إلى ثلاثة أصناف من العوامل:
1 العوامل التي تتصل بطبيعة الشعر الحر، واختلافها عن طبيعة أسلوب الشطرين الشائع في الشعر العربي.
2 العوامل التي تنشأ من ظروف الشعر العربي في هذه الفترة التي ولد فيها الشعر الحر، وهي عوامل تسببها ملابسات في جونا الأدبي سندرسها.
3 عوامل تنشأ عن إهمال الشعراء الذين ينظمون الشعر الحر، وعدم عنايتهم بتهذيب شعرهم، وقلة معرفتهم بالشعر العربي، وضعف أسماعهم الموسيقية.
وسوف ندرس كل مجموعة من هذه العوامل في فصل خاص.