الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقياس العروضي للبند:
من ذلك كله، يبدو لي، أن القاعدة العروضية للبند هي أنه شعر حر تتنوع أطوال أشطره ويرتكز إلى دائرة "المجتلب" مستعملًا منها الرمل والهزج معًا. وهذه فيما يلي، خطة عامة للتفعيلات في البند، نثبتها مساعدة لمن يرغب في نظم البند من القراء:
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلْ
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل
مفاعيلن مفاعيلْ
مفاعيلن مفا
عيلن فعولن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتان
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل
مفاعيلن مفاعيل
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل
مفاعيلن فعولن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتان
مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيل
مفاعيلن مفاعيل "إلخ"
من هذه الخطة، يتجلى مدى المهارة والدقة في نسج البند، ويبدو لنا مدة الخطإ الذي يقع فيه أولئك الذين يحسبونه نثرًا لا موسيقى له، ولا جهد فيه. وإننا لنعتقد أن الشاعر الذي اخترع البند أول مرة من دونما نموذج ينهج عليه لا بد أن يكون قد مارس نظم الشعر خير ممارسة بحيث تفتحت له هذه الالتفاتة الرائعة إلى العلاقة بين الرمل والهزج. ولسنا نقصد بهذا علاقة البحور داخل دائرة "المجتلب"، فإن دوائر البحور قد انكشفت منذ الخليل، وإنما نريد مسألة التمهيد من بحر لبحر بقافية معينة لها خصائص موسيقية تجعلها تبعث في الذهن أمواج البحر الثاني. وأكاد أكون على يقين من أن الشاعر الذي بدأ البند لم يكن يصل إلى القوافي الممهدة بحسب نموذج عروضي واعٍ وضعه لنفسه. وإنما كان يكتب باندفاع سليقي متحمس فذلك هو السبيل الحق في كل اكتشاف شعري أصيل. وإنما يأتي العروضيون بعد ذلك، فيجدون النموذج مكتملًا بين أيديهم فلا يزيدون على استخلاص المقياس منه. وذلك ما صنعنا في هذا الفصل.
ولقد أدى التعقيد في خطة الوزن التي يتبعها البند إلى شيء من الصعوبة في نظمه، فكثر الغلط فيه إلى درجة أننا قلما نجد بندًا مطبوعًا يخلو من
الغلط. يغلط الناظم من جهة، ويغلط الناسخ من جهة أخرى، ويغلط الطابع من جهة ثالثة. وأحيانًا ينبري شعراء إلى نشر بند ما فينشرونه مغلوطًا فيه دون أن يشخصوا مواضع الخطإ. وزاد في خلط الشعراء أن كتب العروض لم تدرس البند، مع أنها درست أشكالًا أقل منه قيمة شعرية، فلم يجد الشاعر الذي ينظمه قانونًا عروضًّا يستند إليه. والواقع أن بحثنا هذا أول محاولة لاستقراء مقياس عروضي للبند، فإن كانت ناجحة، كما نرجو لها، أثبتناها فصلًا في العروض العربي.
وكان من نتائج الضباب القاتم الذي أحاط بوزن البند في أذهان الأدباء والناظمين، أن كثيرًا من الذين مارسوا نظمه، لم يعرفوا الأساس فيه، فظنوه شعرًا من بحر الهزج لا يتخطاه، ويكتب على أسطر متتالية كما يكتب النثر. وحزر غير قليل من الشعراء أن الهزج يحول إلى الرمل أحيانًا، غير أنهم لم ينتبهوا إلى ضرورة التمهيد للانتقال، وحسبوا أن ذلك يمكن أن يتم بقفزة من الهزج إلى الرمل وبالعكس، دون أن يفطنوا إلى أن هناك خطة محكمة للوزن يتبعها البند، وبها يصل إلى تلك الموسيقية العذبة التي يمتلكها. ومن هؤلاء الشعراء طائفة لم تلاحظ على الإطلاق أن البند يقوم على أساس "التفعيلة"، وأن ذلك فيه هو الذي يبرر تنوع أطوال الأشطر، وهي الميزة التي اختص بها دون الشعر العربي السابق كله. وكان من هؤلاء ناظمون ينظمون بندًا ذا أشطر متساوية الطول تمام التساوي، تكسبه أشطره الرتيبة إملالًا وثقلًا. هذا نموذج لناظم اسمه الشيخ حسين العشاري1
1 مجلة اليقين. بغداد. الجزء الخامس. السنة الأولى ص144- وفي أعداد المجلة أيضًا بند محمد بن الخلفة الحلي الذي تحدثنا عنه.
فغدا في رمضان الخير كالغيث المريع
فرعينا في شتاء الجدب أزهار الربيع
كم أياد وعطايا رشف الناس لماها
ومزايا وسجايا حسد العرش سماها
فأدام الله ذخره
…
وأعز الله سعده
وأطال الرب عمره
…
وأدام الحق مجده
مدى الأيام والدهر
…
وما در لنا الرزق
وما انهل لنا القطر
…
وما بان سنا الفجر
وما عاد لنا العيد
…
وعنا رحل الصوم
وما أشرقت البيد
…
بنور السادة القوم
هل في هذا شيء من خصائص البند؟ إنما هذا شعر ذو شطرين متساويين تساهل الشاعر في قوافيه، وسمح لنفسه، بلا أي مبرر، أن يقفز من بحر الرمل إلى بحر الهزج في البيت السابع، فكانت القفزة صدمة للأذن الشعرية لأنها لم تجئ مقبولة، ولم يمهد لها شيء.
وخلاصة الموضوع أن على الناظم الذي يتصدى للبند أن يتذكر أن له خاصتين واضحتين لا بد من توافرهما فيه: