الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-3-
التدوير:
البيت المدور، في تعريف العروضيين، هو ذلك الذي "اشترك شطراه في كلمة واحدة بأن يكون بعضها في الشطر الأول وبعضها في الشطر الثاني" ومعنى ذلك أن تمام وزن الشطر يكون بجزء من كلمة نموذج ذلك قول المتنبي من الخفيف:
أنا في أمة تداركها اللـ
…
ـه غريب كصالح في ثمود
فكلمة "الله" قد وقع بعضها في آخر الشطر الأول وبعضها في أول الشطر الثاني.
وللتدوير، في نظرنا، فائدة شعرية وليس مجرد اضطرار يلجأ إليه الشاعر. ذلك أنه يسبغ على البيت غنائية وليونة لأنه يمده ويطيل نغماته كما في هذه الأبيات من شعر أمجد الطرابلسي وهي من البحر الخفيف:
وحدة العرب قد تضوع في الجو
…
شذاها مثل الخميل النضير
وحدة العرب مزقت حجب الليـ
…
ـل وشعت ملء الفضاء المنير1
وكما في أبيات علي محمود طه، من الهزج:
إذا ما طافَ بالشُّرْفَـ
…
ـةِ ضوء القمر المضْنَى
ورفَّ عليكِ مثل الحلْـ
…
ـمِ أو إشراقِه المعنى
وأنتِ على فراشِ الطُّهْـ
…
ـرِ كالزنبقة الوَسْنى
وإنما المحذور في "التدوير" هو أن العروضيين لم يتناولوه تناولًا ذوقيًّا، بل كان كل ما صنعوا أنهم على جواز وقوعه بين الأشطر، دونما إشارة إلى المواضع التي يمتنع فيها لأن الذوق لا يستسيغه. والواقع أن كل شاعر مرهف الحاسة، ممن مارس النظم السليم، ونما سمعه الشعري، لا بد أن يدرك بالفطرة أن هناك قاعدة خفية تتحكم في التدوير بحيث يبدو في مواضع ناشزًا يؤذي السمع. ولسوف نجد، حين ندرس دواوين الشعر العربي الجيد، أن الشعراء كانوا بفطرتهم يتحاشون إيراد التدوير في بعض المواضع، ولو أن كتب العروض لم تشر إلى ذلك على الإطلاق.
وإذن فما هذه المواضع التي ينبغي للشاعر فيها أن يتحاشى التدوير؟ ملاحظتي الشخصية أن التدوير يسوغ في كل شطر تنتهي عروضه بسبب خفيف مثل "فعولن" في بيتي عمر أبو ريشة، من المتقارب:
رويدك لا تجرحي صمتك الر
…
هيب ولا تهتكي مئزره
1 قصيدة "مصرع الصقر" لأمجد الطرابلسي. "مجلة الرسالة". المجلد الأول من السنة السابعة ص1060.
2 قصيدة "القمر العاشق" لعلي محمود طه. ديوان ليالي الملاح التائه. شركة فن الطباعة - القاهرة.
فإني أحس به همهمات الـ
…
وحوش وخشخشة المقبره1
ومثل "فاعلاتن" في البحر الخفيف ونموذجها من شعر سليمان العيسى:
وحدة تلهم الكواكب مسرا
…
ها وتمشي في القفر ظلًّا ظليلا
وحدة تفجر الينابيع في الكو
…
ن فراتًا يسقي العطاش ونيلا2
غير أن التدوير يصبح ثقيلًا ومنفرًا في البحور التي تنتهي عروضها بوتد مثل "فاعلن" و"مستفعلن" و"متفاعلن". وهذا نموذج لتدوير قائم على وتد من شعر محمد الهمشري3 من الكامل:
هي جنة الأشجار والأظلال والـ
…
أعطاء والأنغام والأنداء
وبسبب هذا العسر نجد أن الشعراء قلما يقعون في تدوير البحر "البسيط" أو "الطويل" أو "السريع" أو "الرجز" أو "الكامل". نعم، إن ورود بيت مدور في بحر من هذه البحور في قصيدة طويلة لشاعر متمكن شيء غير مستحيل، وفي وسعنا أن نعثر عليه إذا نحن قلبنا
1 قصيدة "الروضة الجائعة" لعمر أبو ريشة. ديوان مختارات. مطابع دار الكشاف بيروت.
2 قصيدة "في عيد الوحدة" من ديوان قصائد عربية لسليمان العيسى. دار الآداب. بيروت 1959.
3 قصيدة "النارنجة الذابلة" لمحمد الهمشري. كتاب الروائع لشعراء الجيل. محمد فهمي مطبعة الشبكشي بالأزهر - القاهرة.
الدواوين وصبرنا على البحث، غير أن ذلك نادر، وندرته ذات دلالة.
ومن هذا النادر قول المتنبي من الكامل:
الناعِماتُ القاتِلاتُ المُحيِيا
…
تُ المُبدِياتُ مِنَ الدَلالِ غَرائِبا
وله من الطويل:
وَكَم مِن جِبالٍ جُبتُ تَشهَدُ أَنَّني الـ
…
ـجِبالُ وَبَحرٍ شاهِدٍ أَنَّني البَحرُ
والواقع أن التدوير هنا -حتى في شعر المتنبي- قد أساء إلى موسيقية الأبيات. ولو تجنبه الشاعر لكان أحسن.
وملاحظتي الثانية حول التدوير، وقد تكون ملاحظة غريبة، أنه وهو لا يسوغ في البحر الكامل، يسوغ في مجزوء الكامل، لا بل إنه يضيف إليه موسيقية ونبرة لينة عذبة. من ذلك البيت الثاني من قول البهاء زهير1:
ما لي أَراكَ أَضَعتَني
…
وَحَفِظتَ غَيري كُلَّ حِفظِ؟
مُتَهَتِّكًا فَإِذا حَضَر
…
تُ تَظَلَّ في نُسكٍ وَوَعظِ
متفاعلن متفاعلن
…
متفاعلن متفاعلاتن
ومن هذا الشعر في الحديث أبيات علي الجارم في قصيدته المشهورة2:
يَا سَطْرَ مَجْدٍ لِلْعُرُو
…
بَه خُطَّ في لَوْحِ الْوُجُودِ
بَغْدَادُ إِنَّا وَفْدَ مِصْـ
…
ـرَ نَفيضُ بالشوْقِ الأَكِيدِ
1 ديوان أبي الفضل بهاء الدين زهير. إدارة الطباعة المنيرية. القاهرة. "ص114".
2 قصيدة "بغداد".
أَهْلُوك أَهْلُونَا وَأبْـ
…
ـنَاءُ الْعَشِيرةِ وَالْجُدُودِ
حَتَّى يَكَادَ يُحِبُّ نَخـ
…
ـلَكِ نَخْلُ أَهْلِي في رَشِيدِ
متفاعلن متفاعلن
…
متفاعلن متفاعلاتن
ومثل ذلك يمكن أن يقال عن بحر الرجز الذي يصح التدوير في مجزوئه كما في قول نزار قباني:
حدودنا بالياسميـ
…
ـن والندى محصنه
وعندما الصخور تهـ
…
وى والدوالي مدمنه
وإن غضبنا نزرع الـ
…
شمس سيوفًا مؤمنه
بلادنا كانت وكا
…
نت بعد هذي الأزمنه
في أرضهاكتبت هـ
…
ذي الأحرف الملحنه1
ولعل السبب الذوقي الذي يبرر وقوع التدوير في مجزوء الكامل والرجز دون الكامل والرجز نفسهما أن المجزوء قصير بحيث لا يعسر فيه التدوير، ولعل للأمر تفسيرًا آخر يفوتني، والله أعلم.
التدوير في الشعر الحر:
ينبغي لنا أن نقرر، في أول القسم من بحثنا، أن التدوير يمتنع امتناعًا تامًّا في الشعر الحر، فلا يسوغ للشاعر على الإطلاق أن يورد شطرًا مدورًا. وهذا يحسم الموضوع.
وإذن فلماذا نكتب هذا الفصل؟
نفعل ذلك لأن امتناع التدوير في الشعر الحر ليس شيئًا معروفًا لجمهرة
1 قصيدة "بلادي" ديوان طفولة نهد لنزار القباني، "القاهرة 1948".
الشعراء الذين ينظمون هذا الشعر، وإنما نبدأ نحن بتقريره واستنباطًا وقياسًا على العروض العربي وانقيادًا للذوق الفطري. وليس يخفى أن كل قاعدة مقررة إنما بدأت بأن استنبطها إنسان ما، فذلك سائغ ولا مأخذ عليه.
وإنما ينبغي لنا أن نبرر هذا المنع من جهة، وأن نشير إلى ما يقع فيه الناشئون من أخطاء، في هذا الباب، من جهة أخرى.
وأحب أن أقول أولًا أنني لست ممن يمنع الأساليب الجديدة لمجرد أنها لم تسمع من العرب، وذلك لأن تطور الظروف والأحوال في البيئة قد يستدعي تطور القواعد. وإنما اعتمادنا دائمًا على الذوق والمنطق الأدبي والفطرة الشعرية التي نملكها وهي، بلا ريب، شديدة التأثر بأحوال العصر الذي نعيش فيه. وذلك بالإضافة إلى مقاييس العروض العربي والمسموع من شعرنا القديم عبر مئات السنين.
أما أسباب امتناع التدوير في الشعر الحر، في رأيي، فأنا أبسطها فيما يلي:
أولًا- لأن الشعر الحر شعر ذو شطر واحد كما سبق أن أوضحنا. وذلك يتضمن الحقائق التالية:
أ- كان شعر الشطر الواحد لدى العرب، في العصور كلها، قديمًا وحديثًا، شعرًا يستقل فيه الشطر استقلالًا تامًّا فلا يدور آخره. وذلك منطقي وهو يتمشى مع معنى التدوير الذي لا يقع إلا في آخر الشطر الأول ليصله بالشطر الثاني، وذلك في القصائد ذات الشطرين وحسب. وعلى ذلك فإن التدوير ملازم للقصائد التي تنظم بأسلوب الشطرين وحسب.
ب- لأن التدوير يعني أن يبدأ الشطر التالي بنصف كلمة وذلك غير مقبول في شطر مستقل. وإنما ساغ في الشطر الثاني من البيت لأن الوحدة هناك هي البيت الكامل لا شطره. وأما في الشعر
لحر فإن الوحدة هي الشطر، ولذلك ينبغي أن يبدأ دائمًا بكلمة لا بنصف كلمة كما في فقرة جورج غانم التالية من المتقارب:
لأهتف قبل الرحل
ترى يا صغار الرعاة يعود الر
فيق البعيد1
ج- لأن شعر الشطر الواحد ينبغي أن ينتهي كل شطر فيه بقافية "أو على الأقل بفاصلة تشعر بوجود قافية". ومن خصائص التدوير أنه يقضي على القافية لأنه يتعارض معها تمام التعارض. وهذه حقيقة تفوت الشعراء الناشئين. وبسببها يضيعون قوافيهم التي يجهدون لها أحيانًا. والمثال السابق من شعر جورج غانم نموذج لما نقول. فقد انتهى الشطر الثاني بالقافية "يعود" وهي تتجاوب مع قافية الشطر الثالث "البعيد". على أن مجيء التدوير في الشطر الثاني قد جعل تقطيع الشطر كما يلي:
ومعنى ذلك أن القافية "البعيد" أصبحت تقابل كلمة "يعودر"
وبذلك ماتت القافية. وكان على الشاعر أن يضحي بواحد من اثنين: القافية أو التدوير. ولسنا ندري لماذا لم يقل مثلًا:
ترى يا صغار الرعاة يعود
رفيقي البعيد
وإذا كان يريد أن يجعل "يعود" قافية، ويحسب أن الشطر قد انتهى
1 نداء البعيد. "بيروت 1957" ص18.
عندها، فكيف فاته أن بداية الشطر التالي "الرفيق البعيد" كانت حرفًا ساكنًا هو همزة الوصل؟ ومتى كان البيت العربي يبدأ بساكن؟
ثانيًا- يمتنع التدوير في الشعر الحر لأنه شعر حر، أعني أن الشاعر فيه قادر على أن ينطلق من القيود، ومن ثم فإن ذلك يجعله في غير حاجة إلى التدوير. وما التدوير، لو تأملنا، إلا لون من الحرية يلتمسه الشاعر الذي كان مقيدًا بأسلوب الشطرين حيث الشطر الأول ذو طول معين لا ينبغي أن يزيد، فكان الشاعر يطيله بالتدوير ليملك بعض الحرية. ومن ثم فلماذا يريد الشاعر تدوير أشطره في القصيدة الحرة؟
الحقيقة أنه ليس من سبب يبرر ذلك على الإطلاق. فالشعر الحر يبيح للشاعر أن يطيل الشطر وفق حاجته، وبذلك يتخطى الشطر القديم الذي كان يقيد الشاعر. وإذا كان الشاعر قبل يستعمل تدويرًا يطيل به الشطر الأول فإن الشاعر الحر يستطيع أن يطيل شطره دون تدوير، وذلك بأن يرص الشطرين المدور أولهما معًا في شطر واحد؛ لأن ذلك مباح في الشعر الحر، وهو في الواقع مزيته. وفي هذه الحالة يصبح التدوير بلا معنى على الإطلاق. وقد كانت أشطر جورج غانم تشير إلى هذا بوضوح، فقد قال في شطرين:
ترى يا صغار الرعاة يعود الر
فيق البعيد
وهذا شيء لا ضرورة له، ففي وسعه أن يقول في شطر واحد متناسق:
ترى يا صغير الرعاة
…
يعود الرفيق البعيد.
وقد رأينا مما سبق أن القافية "يعود" في الشطر الواحد ليست أقل ضياعًا منها في شطرين، وذلك لأن التقسيم القسري لشطر واحد إلى شطرين لا ينقذ هذين الشطرين من أن يبقيا شطرًا واحدًا في الواقع.
وبعد، فإن كون الشعر الحر يمنح الشاعر حرية إطالة أشطره
وتقصيرها والوقوف حيث يشاء بحسب مقتضى المعنى، ينفي الحاجة إلى التدوير أصلًا. فإذا احتاج الشاعر إلى شطر طويل فإن في وسعه أن يكتبه بلا تدوير. بدلًا من أن يكتب شطرًا ذا ثلاث تفعيلات مدورًا بحيث يفضي إلى شطر آخر ذي ثلاث تفعيلات، فإن في إمكانه أن يجمع الشطرين في شطر واحد ذي ست تفعيلات. أو لم نبح له ذلك في الشعر الحر؟
فما الداعي إلى التدور إذن؟
وقد يعترض علينا شاعر بأن يقول "إني إنما أجعل الأبيات مدورة في أشطر متتالية كثيرة لأن العبارة التي أكتبها تستغرق أشطرًا كثيرة. أو لم تبيحوا لي أن أطيل العبارة التي أكتبها تستغرق أشطرًا كثيرة. أو لم تبيحوا لي أن أطيل العبارة كما أشاء؟ " والواقع أن في هذا السؤال وهمًا واضحًا. ذلك أن التدوير ليس ملازمًا للعبارة الطويلة، فقد تكون العبارة قصيرة ويدوِّر الشاعر البيت مع ذلك، وقد تكون طويلة دون أن يحتاج إلى تدوير البيت. ولماذا تستغرق أية عبارة طويلة عشرة أشطر مدورة؟ لماذا لا تستغرق عشرة أشطر غير مدورة؟ إن التدوير، لو تأملنا، لا يتصل بطول العبارة، وإنما هو محض انشطار الكلمة إلى شطرين كل منهما ينتمي إلى تفعيلة. ومن ثم فإنه قد يقع في كل شطر من قصيدة عبارتها قصيرة، فتبدأ العبارة في منتصف الشطر المدور وتنتهي في النصف الثاني، ثم تبدأ عبارة جديدة في منتصف شطر مدور ثان وتنتهي في الشطر التالي. وكذلك فلا صلة للتدوير بطول العبارة.
ثم إن هناك سؤالًا شديد الأهمية ينبغي للشاعر أن يلقيه على نفسه، السؤال حول الطول الممكن للعبارة في أية قصيدة ذات إيقاع وموسيقى. فلنفرض أننا أبحنا للشاعر أن يطيل شطره "ذا التفعيلة المكررة" إلى ما شاء الله. فهل يستسيغ سمعه أن يورد أكثر من ست تفعيلات أو ثمان في الشطر الواحد؟ الجواب على هذا قد ثبت لي بالتجربة الطويلة وقراءة مئات من قصائد الشعراء. أن ذلك غير سائغ ولا مقبول لأن الغنائية في تفعيلات العشر تفقد حدتها وتأثيرها حين تتراكم تفعيلات متواصلة لا وقفة
عروضية بينها، ذلك فضلًا عن أن تواتر التفعيلات الكثيرة مستحيل لأنه يتعارض مع التنفس عند الإلقاء. لا بل إنه يتعب حتى من يقرؤه قراءة صامتة بما يحدث من رتابة. وسرعان ما نمجه ونرفض أن نقرأه. ولننظم مثالًا من البحر الكامل تتوافر فيه "متفاعلن" بلا وقفة مع غلبة التدوير:
طلعت نجوم الليل تفرش ظلمة الأحراش
أحلامًا طريات ورش العطر خد الليل والدنيا
تلفع كل ما فيها بأستار الظلام المدلهم البارد
لقبري وانتاب المدى خوف من المجهول، يا
قلبي تيقظ واترك الأوهام تجني كل
اقات الأماني. أمسك الجذلان بالأفراح
والرغبات قد نفض النعاس وعاد يملأ مشرق
الدنيا ضياء وابتسامات فدع فتن الصباح
المشرق المسحور ينفذ لا تكن حيران مقطوع
الرؤى
…
أليس هذا نظما سمجًا، ميتًا، لا يحتمل؟ إن قراءته غير ممكنة، وهو لترادفه السريع ممل رتيب يتعب السمع ويضايق الحس الجمالي لدى القارئ. وأبرز ما ينقصه هو الوقفات. ذلك أن السكتة في آخر الشطر والبيت كانت وما زالت عنصرًا "مهمًّا" في القصيدة. إن للسكوت وقعًا شعريًّا يعادل وقع الأشطر نفسها. ومن دون هذا السكوت يموت الشعر كما رأينا.
والظاهر أن كثيرًا من الذين ينظمون الشعر الحر ينسون هذه الحقيقة، ولذلك نراهم يرصون لنا أشطرًا كثيرة مدورة هي في الحقيقة كلها شطر واحد.
وما أحراهم بأن ينتبهوا.
ملاحظة ختامية:
أصبح الشعراء المحدثون اليوم ينظمون قصائد طويلة كل أشطرها مدورة، أو لنقل إنها تتألف من شطر واحد طويل في الحقيقة لما سبق أن قررناه من أن التدوير يمتنع في الشعر الحر. ولسوف يبدو أن ما نظمتُهُ سنة 1962 لكي يكون مثالًا للرداءة قد أصبح بعد عام 1986 قاعدة تحتذى ونموذجًا يطيعه عشرات الشعراء اليافعين. ومثال ذلك قصيدة حسب الشيخ جعفر "السيدة السومرية في صالة الاستراحة" وفيها يقول:
"تخيرني وجهك السومري مطارًا، فما لي سوى أن أرحب أو أن أودع، سيدتي كنت لي نجمة في سماء المخازن تؤنسني كلما انحسر المشترون، اتركيني ألم تقاطيع وجهك في الحائط المتآكل في أور، في صالة الاستراحة، في أوجه العارضات النحيفات، عودي تماثيل في باطن الأرض أو المتاحف بيني وبين الشحوب الذي لمستْهُ يدي برهة".
وأمثال هذا شائعة لدى اليافعين اليوم، ولن أتناوله بالدراسة في هذا الكتاب وإنما مكانه كتاب ثانٍ أشتغل الآن في تأليفه.