المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[النوع الأول المعارضة التي فيها مناقضة] - كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي - جـ ٤

[علاء الدين عبد العزيز البخاري - فخر الإسلام البزدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[أَقْسَامُ الِاسْتِحْسَانِ]

- ‌[بَابُ أَحْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْكَلَامُ فِي شَرْطِهِ وَحُكْمِهِ]

- ‌[شَرْطُ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[حُكْمُ الِاجْتِهَاد]

- ‌(بَابُ فَسَادِ تَخْصِيصِ الْعِلَلِ)

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ)

- ‌[أَقْسَام الْعِلَل]

- ‌[الْعِلَل الْمُؤْثَرَة وَطُرُق دُفَعهَا]

- ‌[دَفْعِ الْعِلَل الْمُؤْثَرَة بِطَرِيقِ فاسد وَطَرِيق صَحِيح]

- ‌(بَابُ الْمُمَانَعَةِ)

- ‌بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

- ‌[النَّوْعُ الْأَوَّلِ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ]

- ‌[النَّوْعُ الثَّانِي الْمُعَارَضَة الْخَالِصَة]

- ‌بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ دَفْعِ الْمُنَاقَضَةِ) :

- ‌بَابُ التَّرْجِيحِ) :

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّل تَفْسِيرِ التَّرْجِيحِ وَمَعْنَاهُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي التَّرْجِيحُ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ بَيَانُ الْمُخَلِّصِ فِي تَعَارُضِ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعِ بَيَانُ الْفَاسِدِ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ آخَرَ]

- ‌(بَابُ وُجُوهِ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ)

- ‌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ

- ‌ الْمُمَانَعَةُ

- ‌ فَسَادُ الْوَضْعِ

- ‌ الْمُنَاقَضَةُ

- ‌ بَابُ وُجُوهِ الِانْتِقَالِ) :

- ‌بَابُ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْأَسْبَابِ وَالْعِلَلِ وَالشُّرُوطِ

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ)

- ‌(بَابُ تَقْسِيمِ الشَّرْطِ)

- ‌بَابُ تَقْسِيمِ الْعَلَامَةِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْعَقْلِ) :

- ‌(بَابُ بَيَانِ الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌[أضرب الْأَهْلِيَّة]

- ‌(بَابُ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ)

- ‌(بَابُ الْأُمُورِ الْمُعْتَرِضَةِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ) :

- ‌بَابُ الْعَوَارِضِ) (الْمُكْتَسَبَةِ) :وَهِيَ نَوْعَانِ

- ‌[النَّوْع الْأَوَّل مِنْ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ]

- ‌جَهْلُ صَاحِبِ الْهَوَى فِي صِفَاتِ اللَّهِ عز وجل وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ أَوْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ

- ‌ الْجَهْلُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يُهَاجِرْ

- ‌[فَصْلٌ السُّكْر قسمان] [

- ‌الْقَسْم الْأَوَّل السُّكْر بِطَرِيقِ مُبَاح]

- ‌[الْقَسْم الثَّانِي السُّكْر بِطَرِيقِ غَيْر مُبَاح]

- ‌[فَصْلُ الْهَزْلِ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَه مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[السَّفَر مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ]

- ‌[الْخَطَأُ مِنْ الْعَوَارِض الْمُكْتَسِبَة]

الفصل: ‌[النوع الأول المعارضة التي فيها مناقضة]

‌بَابُ الْمُعَارَضَةِ)

.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رضي الله عنه وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ بَعْدَ الْمُمَانَعَةِ إلَّا الْمُعَارَضَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ وَمُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ أَمَّا الْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ فَالْقَلْبُ وَهُوَ نَوْعَانِ وَيُقَابِلُهُ الْعَكْسُ وَهُوَ نَوْعَانِ لَكِنْ الْعَكْسُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ

ــ

[كشف الأسرار]

[بَابُ الْمُعَارَضَةِ]

[النَّوْعُ الْأَوَّلِ الْمُعَارَضَةُ الَّتِي فِيهَا مُنَاقَضَةٌ]

قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ الْمُعَارَضَةِ فِيمَا سَبَقَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ هُنَا تَسْلِيمُ الْمُعْتَرِضِ دَلَالَةَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الْوَصْفِ عَلَى مَطْلُوبِهِ، وَإِنْشَاءُ دَلِيلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَطْلُوبِهِ وَقِيلَ هِيَ مُمَانَعَةٌ فِي الْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ إذْ السَّائِلُ يَقُولُ لِلْمُجِيبِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْوَصْفِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى الْحُكْمِ لَكِنْ عِنْدِي مِنْ الدَّلِيلِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِدَلِيلِهِ بِالْإِبْطَالِ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ مِنْ السَّائِلِ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَزَعَمَ بَعْضُ الْجَدَلِيِّينَ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَهِضُ حِينَئِذٍ مُسْتَدِلًّا، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ لَهُ الِاعْتِرَاضُ الْمَحْضُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا فَإِذَا انْتَصَبَ السَّائِلُ لِذَلِكَ كَانَ بَانِيًا مُسْتَدِلًّا لَا هَادِمًا مُعْتَرِضًا. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْمُعَارَضَةَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْعِلَّةِ فَتَكُونُ مَقْبُولَةً كَالْمُمَانَعَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْمُجِيبُ لَا تَتِمُّ حُجَّةً مَا لَمْ تَسْلَمْ عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّ الْمُعَارَضَةَ تُوجِبُ وُقُوفَ الْحُجَّةِ بِدَلِيلِ الْبَيِّنَاتِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا صَارَ حُجَّةً عِنْدَ السَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَكَانَتْ الْمُعَارَضَةُ اعْتِرَاضًا عَلَى الْعِلَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَتَكُونُ مَقْبُولَةً.

وَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْقِيَاسِ قُوَّةُ الظَّنِّ، وَإِذَا تَعَارَضَ الدَّلِيلَانِ يَفُوتُ بِهِ قُوَّةُ الظَّنِّ وَيَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا فَكَانَتْ الْمُعَارَضَةُ بَيَانَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ لَيْسَ بِعِلَّةٍ فَتَكُونُ اعْتِرَاضًا صَحِيحًا. فَإِنْ قِيلَ إنَّ السَّائِلَ، وَإِنْ قَصَدَ الِاعْتِرَاضَ وَلَكِنَّهُ أَتَى بِدَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ صُورَةً فَيَكُونُ مَمْنُوعًا عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُفَارَقَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قُلْنَا صُورَةُ الْأَدِلَّةِ مَا امْتَنَعَتْ عَنْ السَّائِلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَدِلَّةٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَتْ إذَا كَانَ السَّائِلُ مُعْرِضًا عَنْ الِاعْتِرَاضِ آتِيًا بِكَلَامٍ مُبْتَدَأٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُعْتَرِضٌ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَتُسْمَعُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسْمَعُ مِنْهُ اعْتِرَاضٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إفَادَةً فَلَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ اعْتِرَاضٌ يَسْتَقِلُّ بِالْإِفَادَةِ وَبِقَدَحٍ فِي كَلَامِ الْخَصْمِ كَانَ أَوْلَى. ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ هَاهُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّائِلِ بَعْدَ الْمُمَانَعَةِ إلَّا الْمُعَارَضَةُ.

وَذَكَرَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بَعْدَ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْمُمَانَعَةِ أَنَّ التَّأْثِيرَ إذَا ثَبَتَ لِلْوَصْفِ تَجَاوَزَ السَّائِلُ عَنْ الْمُمَانَعَةِ إلَى الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ إنْ أَمْكَنَ ثُمَّ إلَى الْقَلْبِ ثُمَّ إلَى الْعَكْسِ الْكَاسِرِ ثُمَّ إلَى الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَوْضَحُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ إذَا أَمْكَنَ بِتَسْلِيمِ مَا عَلَّلَهُ الْخَصْمُ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ مَعَ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَانَعَةِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمُعَارَضَةِ الَّتِي هِيَ أَسْوَأُ أَحْوَالِ السَّائِلِ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ أَيْ مُعَارَضَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِإِبْطَالِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَمُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ أَيْ مَحْضَةٌ لَا تَتَضَمَّنُ إبْطَالًا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُنَاقَضَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ إذْ الْمُعَارَضَةُ تَسْتَلْزِمُ تَسْلِيمَ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَصِحَّةَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْمُنَاقَضَةُ تَتَضَمَّنُ بُطْلَانَ دَلِيلِهِ، وَفَسَادَ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحُكْمِ، وَقَدْ اخْتَارَ الشَّيْخُ أَيْضًا أَنَّ الْمُنَاقَضَةَ لَا تَرِدُ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَكَيْفَ يُقْبَلُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُعَارَضَةِ بَعْدَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ.

قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ تَسْلِيمُ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا بَلْ هِيَ مُمَانَعَةٌ فِي الْحُكْمِ صُورَةً، وَمُمَانَعَةٌ لِلدَّلِيلِ مَعْنًى بِدَعْوَى عَدَمِ سَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ص: 51

أَمَّا الْقَلْبُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ فِي اللُّغَةِ يَقُومُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرْبٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ مَنْكُوسًا أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ أَعْلَاهُ

ــ

[كشف الأسرار]

الْإِبْطَالُ ثُمَّ هَذِهِ الْمُنَاقَضَةُ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَارَضَةِ فَلَا تَمْنَعُ الْقَبُولَ إذْ الِاعْتِبَارُ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُتَضَمِّنِ دُونَ الْمُتَضَمَّنِ؛ وَلِأَنَّ الدَّلِيلَ بَعْدَ بَيَانِ التَّأْثِيرِ لِمَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا، وَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ مُشَبَّهٌ بِالْأَثَرِ، وَلَيْسَ بِأَثَرٍ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمُنَاقَضَةُ إنَّمَا تَمْتَنِعُ عَلَى مَا هُوَ مُؤَثِّرٌ حَقِيقَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ مَوْلَانَا حُمَيْدٍ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ رحمه الله وَيُقَابِلُهُ الْعَكْسُ أَيْ يُقَابِلُ الْقَلْبَ الْعَكْسُ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ يُذْكَرُ لِإِبْطَالِ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ، وَالْعَكْسُ يُذْكَرُ لِتَصْحِيحِهِ وَلِهَذَا يَذْكُرُهُ الْمُعَلِّلُ دُونَ السَّائِلِ فَكَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ نَوْعَيْهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْعِلَّةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي لَيْسَ بِعَكْسٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَلْبِ عَلَى مَا سَيَأْتِيك بَيَانُهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي التَّحْقِيقِ لَكِنْ الْقَلْبُ لَمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ ذُكِرَ الْعَكْسُ بِمُقَابَلَتِهِ أَيْضًا لَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ.

قَوْلُهُ (أَمَّا الْقَلْبُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ فِي اللُّغَةِ) مَعْنَى الْقَلْبِ فِي اللُّغَةِ تَغْيِيرُ هَيْئَةِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَالْمَعْنَيَانِ الْمَذْكُورَانِ يَرْجِعَانِ إلَيْهِ وَبِالْمَعْنَيَيْنِ اُسْتُعْمِلَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ، وَيَرْجِعُ الْمَعْنَيَانِ فِيهِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَيْضًا، وَهُوَ تَغْيِيرُ التَّعْلِيلِ إلَى هَيْئَةٍ تُخَالِفُ الْهَيْئَةَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ أَيْ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لُغَةً فَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ مَنْكُوسًا أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ بِنَصْبِ اللَّامِ، وَأَسْفَلُهُ بِرَفْعِهَا أَعْلَاهُ كَقَلْبِ الْإِنَاءِ وَمِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّعْلِيلِ جَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَالْعِلَّةِ مَعْلُولًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ يَعْنِي فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ حَيْثُ يَفْتَقِرُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ إلَيْهَا، وَلَا يَفْتَقِرُ وُجُودُهَا إلَى الْحُكْمِ لِسَبْقِهَا عَلَيْهِ ذِهْنًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْعَامَّةِ وَزَمَانًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ.

وَالْحُكْمُ تَابِعٌ يَعْنِي فِي الْوُجُودِ حَيْثُ يَفْتَقِرُ وُجُودُهُ إلَيْهَا فَإِذَا قَلَبْته يَعْنِي التَّعْلِيلَ فَقَدْ جَعَلْته مَنْكُوسًا بِجَعْلِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْ الْفَرْعِ تَابِعًا لَهُ وَجَعْلِ الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ دُونَ الْأَصْلِ أَعْلَى مِنْهُ فَكَانَ هَذَا أَيْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ مُعَارَضَةً أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ أَيْ إبْطَالٌ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَعَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُعَارَضَةِ، وَهِيَ ذِكْرُ دَلِيلٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ لَمْ يُوجَدْ إذْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبَ لَا يَتَعَرَّضُ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ بِتَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ بِنَفْيٍ، وَلَا إثْبَاتٍ وَإِنَّمَا يَدُلُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى فَسَادِ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ فَكَانَ هَذَا إبْطَالًا لَا مُعَارِضَةً لَكِنْ الشَّيْخُ اعْتَبَرَ صُورَةَ الْمُعَارَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَالَبَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ فَقَالَ مَا جَعَلَهُ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً لِمَا صَارَ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ أَيْ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِ الْقَالَبِ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ أَيْ احْتَمَلَ مَا جَعَلَهُ عِلَّةً صَيْرُورَتَهُ حُكْمًا فَسَدَ الْأَصْلُ أَيْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقِيسًا عَلَيْهِ لِلْمُسْتَدِلِّ فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ فَبَقِيَ قِيَاسُهُ بِلَا مَقِيسٍ عَلَيْهِ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ فِيمَا إذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ بِالْحُكْمِ بِأَنْ جَعَلَ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فِيهِ ثُمَّ عَدَّاهُ إلَى الْفَرْعِ.

فَأَمَّا إذَا عُلِّلَ بِالْوَصْفِ الْمَحْضِ أَيْ بِالْمَعْنَى فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَلْبُ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَصِيرُ حُكْمًا بِوَجْهٍ، وَلَا يَصِيرُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عِلَّةً لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْحُكْمِ فَإِذَا

ص: 52

وَمِثَالُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْلُولُ عِلَّةً وَالْعِلَّةُ مَعْلُولًا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ وَالْحُكْمُ تَابِعٌ فَإِذَا قَلَبْته فَقَدْ جَعَلْته مَنْكُوسًا، وَكَانَ هَذَا مُعَارَضَةً فِيهَا مُنَاقَضَةٌ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَهُ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً لِمَا صَارَ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ وَاحْتَمَلَ ذَلِكَ فَسَادَ الْأَصْلِ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا فِيمَا يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِالْحُكْمِ فَأَمَّا بِالْوَصْفِ الْمَحْضِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ مِثَالُهُ قَوْلُهُمْ الْكُفَّارُ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ، وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ الْقِرَاءَةُ تَكَرَّرَتْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَكَانَتْ فَرْضًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَقُلْنَا الْمُسْلِمُونَ إنَّمَا جُلِدَ بِكْرُهُمْ مِائَةً؛ لِأَنَّ ثَيِّبَهُمْ يُرْجَمُ، وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَرْضًا فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ فَرْضًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

ــ

[كشف الأسرار]

عَلَّلْنَا فِي الْجِصِّ مَثَلًا بِأَنَّهُ مَكِيلٌ جِنْسٌ فَيَجْرِي فِيهِ الرِّبَا كَالْحِنْطَةِ لَا يُمْكِنُ قَلْبُهُ بِأَنْ يُقَالَ إنَّمَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ مَكِيلَ جِنْسٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَكِيلَ جِنْسٍ سَابِقٌ عَلَيْهِ مِثَالُهُ أَيْ مِثَالُ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ قَوْلُهُمْ أَيْ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الثَّيِّبُ يُرْجَمُ عِنْدَهُمْ، الْكُفَّارُ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ مِنْهُمْ وَبِقَوْلِهِ مِائَةً أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْبِكْرَ مِنْ الْعَبِيدِ لَمَّا لَمْ يُجْلَدْ مِائَةً لَمْ يُرْجَمْ الثَّيِّبُ مِنْهُمْ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ فِي فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ الْقِرَاءَةُ تَكَرَّرَتْ فَرْضًا فِي الْأُولَيَيْنِ إلَى آخِرِهِ، وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ فَرْضًا عَنْ السُّورَةِ فَإِنَّهَا تَكَرَّرَتْ، وَلَكِنْ غَيْرَ فَرْضٍ فَجَعَلُوا جَلْدَ الْمِائَةِ عِلَّةً لِوُجُوبِ الرَّجْمِ، وَالتَّكَرُّرُ فِي الْأُولَيَيْنِ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الْبَاقِي فَقُلْنَا الْمُسْلِمُونَ إنَّمَا يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ لِأَنَّ ثَيِّبَهُمْ يُرْجَمُ لَا أَنَّهُ يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ فَجَعَلْنَا مَا نَصَبَهُ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ جَلْدُ الْمِائَةِ حُكْمًا، وَمَا جَعَلَهُ حُكْمًا فِيهِ، وَهُوَ رَجْمُ الثَّيِّبِ عِلَّةً فَانْتُقِضَ تَعْلِيلُهُمْ بِهَذَا الْقَلْبِ وَبَطَلَ لِبَقَائِهِ بِلَا أَصْلٍ إذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُمْ: الْكُفَّارُ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ، وَهَذَا لَيْسَ بِشُبْهَةٍ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً إذْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ أَصْلًا.

وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، وَكَانَ هَذَا مُعَارَضَةً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِلْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِهِ فَإِنَّ الْقَالِبَ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْجَلْدِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ الرَّجْمُ لَمْ يَبْقَ الْجَلْدُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ فَعَدِمَ فِي حَقِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَهُوَ الْكَافِرُ الذِّمِّيُّ عِلَّةُ الرَّجْمِ فَيَكُونُ الرَّجْمُ مُنْتَفِيًا لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ فَيَكُونُ مُعَارَضَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَعَمْرِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَانَعَةِ مِنْهُ إلَى الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مَنْعُ نَفْسِ الدَّلِيلِ وَصَلَاحِيَتُهُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالْعَدَمِ، وَهُوَ فَاسِدٌ فَكَيْفَ يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلتَّعْلِيلِ بِالْمَعْنَى الْوُجُودِيِّ.

وَاعْلَمْ بِأَنَّ تَجْوِيزَ الشَّيْخِ رحمه الله الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ بِالْقَلْبِ بَعْدَ مَنْعِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهَا بِالْمُنَاقَضَةِ، وَفَسَادِ الْوَضْعِ، مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بَعْدَمَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهَا بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَا يَحْتَمِلُ الْقَلْبَ كَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْمُنَاقَضَةَ، وَفَسَادَ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ التَّأْثِيرُ لِوُجُوبِ الْجَلْدِ فِي إيجَابِ الرَّجْمِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ لَا يُمْكِنُ قَلْبُهُ بِجَعْلِ الرَّجْمِ عِلَّةً لِلْجَلْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي قَوْلِنَا فِي الْمُدَبَّرِ مَمْلُوكٌ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ لَمَّا ظَهَرَ التَّأْثِيرُ لِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْبَيْعِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يُمْكِنُ قَلْبُهُ بِأَنْ يُقَالَ إنَّمَا تَعَلَّقَ الْعِتْقُ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ.

وَكَذَا لَا يُمْكِنُ لِلْقَالِبِ بَيَانُ التَّأْثِيرِ لِتَعْلِيلِهِ بَعْدَمَا ظَهَرَ تَأْثِيرُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَبِدُونِ بَيَانِ التَّأْثِيرِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَلْبُهُ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُعَارَضَةٌ وَغَيْرُ الْمُؤَثِّرِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْمُؤَثِّرِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِدَ الْقَلْبُ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ كَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالْمُنَاقَضَةِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَلَى الطَّرْدِيَّةِ.

يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ بَعْدَ بَيَانِ نَوْعَيْ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ الْأَوَّلُ إنَّمَا يَجِيءُ فِي كُلِّ طَرْدٍ جَعَلَ الْحُكْمَ عِلَّةً، وَالْقَلْبُ الثَّانِي يَجِيءُ عَلَى كُلِّ طَرْدٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ التَّأْثِيرُ، وَمَا ذُكِرَ فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْمُخَلِّصُ مِنْ الْقَلْبِ بِذَكَرِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي عُلِّلَ دُونَ الْحُكْمِ الَّذِي قَالَهُ خَصْمُهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِالْقَلْبِ بَعْدَ التَّأْثِيرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَنَّهُ كَالْمُنَاقَضَةِ، وَفَسَادِ الْوَضْعِ

ص: 53

وَالْمُخَلِّصُ عَنْ هَذَا أَنْ يُخَرَّجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الِاسْتِدْلَالِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمُخَلِّصُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا نَظِيرَانِ مِثْلُ التَّوْأَمِ وَذَلِكَ قَوْلُنَا مَا يُلْتَزَمُ بِالشُّرُوعِ إذَا صَحَّ كَالْحَجِّ فَقَالُوا الْحَجُّ إنَّمَا يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَقَالُوا إنَّمَا يُوَلَّى عَلَى الْبِكْرِ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا فَقُلْنَا: النَّذْرُ لَمَّا وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ تَسْبِيبًا لَزِمَتْهُ مُرَاعَاتُهُ بِابْتِدَاءِ الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْ النَّذْرِ وَبِالشُّرُوعِ حَصَلَ فِعْلُ الْقُرْبَةِ فَلَأَنْ يَجِبَ مُرَاعَاتُهُ بِالثَّبَاتِ عَلَيْهِ أَوْلَى

ــ

[كشف الأسرار]

مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ.

قَوْلُهُ: (الْمُخَلِّصُ مِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ يَدْفَعُهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَعْدَ وُرُودِهِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ لَا يَرِدَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَلْبُ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْكَلَامَ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ لَا بِطَرِيقِ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ وَذَلِكَ الشَّيْءُ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَوْجُودٌ فَيَجُوزُ رُؤْيَتُهُ، وَأَنْ يُقَالَ يَجُوزُ رُؤْيَتُهُ فَيَكُونُ مَوْجُودًا، وَكَذَا يَكُونُ الدُّخَانُ دَلِيلًا عَلَى النَّارِ وَالنَّارُ دَلِيلًا عَلَى الدُّخَانِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِحُكْمٍ عَلَى حُكْمٍ طَرِيقُ السَّلَفِ فِي الْحَوَادِثِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ.

وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا الْمُخَلِّصُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ نَظِيرَانِ أَيْ مِثْلَانِ مُتَسَاوِيَانِ فَيَدُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّوْأَمَيْنِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا بِثُبُوتِهَا فِي الْآخَرِ وَيَثْبُتُ الرِّقُّ فِي أَيِّهِمَا كَانَ بِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ، وَكَذَا النَّسَبُ يَثْبُتُ فِيهِمَا بِثُبُوتِهِ لِأَحَدِهِمَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مُثْبَتٍ بَلْ هُوَ مُظْهِرٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلًا عَلَى الْآخَرِ فِي عَيْنِ مَا كَانَ هُوَ مَدْلُولُهُ كَمَا بَيَّنَّا فِي التَّوْأَمَيْنِ فَأَمَّا الْعِلَّةُ فَمُثْبِتَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ ثَابِتًا بِشَيْءٍ، وَمُثْبِتًا لَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ سَابِقَةً عَلَى الْحُكْمِ رُتْبَةً، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْبِقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَالتَّوْأَمُ اسْمٌ لِلْوَلَدِ إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ يُقَالُ هُمَا تَوْأَمَانِ، وَقَوْلُهُمْ هُمَا تَوْأَمٌ خَطَأٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَذَلِكَ أَيْ الْمَخْلَصُ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ مَخْرَجَ الِاسْتِدْلَالِ يَتَحَقَّقُ فِيمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُكْمَيْنِ لَا فِيمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ عُلَمَاءَنَا اسْتَدَلُّوا فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي النَّافِلَةِ مُلْزِمٌ كَالنَّذْرِ فَقَالُوا مَا يُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ يُلْتَزَمُ بِالشُّرُوعِ إذَا صَحَّ الشُّرُوعُ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ، كَالْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَقَالُوا فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ عَلَى الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ لِلْوَلِيِّ إنَّهُ - الضَّمِيرُ لِلشَّانِّ - يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَقَلَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ.

فَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى بَيَانِ الْمُخَلِّصِ بِقَوْلِهِ فَقُلْنَا النَّذْرُ لَمَّا وَقَعَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ تَسَبُّبًا يَعْنِي النَّذْرَ سَبَبُ قُرْبَةٍ يُبَاشِرُهُ الْعَبْدُ عَلَى سَبِيلِ التَّقَرُّبِ ثُمَّ لَزِمَتْهُ مُرَاعَاةُ النَّذْرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقُرْبَةِ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِابْتِدَاءِ مُبَاشَرَةِ فِعْلِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْقُرْبَةِ صِيَانَةً لِلسَّبَبِ عَنْ الْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُبَاشَرَةِ مُنْفَصِلٌ عَنْ النَّذْرِ وَبِالشُّرُوعِ حَصَلَ فِعْلُ الْقُرْبَةِ حَقِيقَةً فَلَأَنْ يَجِبَ مُرَاعَاةُ هَذَا الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ قُرْبَةً بِالثَّبَاتِ عَلَيْهِ أَيْ بِإِلْزَامِ الْإِتْمَامِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْبُطْلَانِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَحَقِيقَةُ الْقُرْبَةِ أَوْلَى بِالصِّيَانَةِ مِنْ سَبَبِهَا، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ.

قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله: وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُمْ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّا نَسْتَدِلُّ بِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْصِيلُ عِبَادَةٍ زَائِدَةٍ هِيَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ الْمُضِيُّ فِيهَا لَازِمًا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ الْأَدَاءِ حَرَامٌ، وَإِبْطَالُهَا بَعْدَ الصِّحَّةِ جِنَايَةٌ فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا يُجْعَلُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ تَارَةً وَذَلِكَ عَلَى هَذَا تَارَةً قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ الشُّرُوعُ مَعَ النَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ تَوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا

ص: 54

وَكَذَلِكَ الْوِلَايَةُ شُرِعَتْ لِلْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِيهِ سَوَاءٌ فَأَمَّا الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَلَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي أَنْفُسِهِمَا وَفِي شُرُوطِهِمَا أَيْضًا حَتَّى افْتَرَقَا فِي شَرْطِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَيْسَا بِسَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ تَسْقُطُ بِالِاقْتِدَاءِ عِنْدَنَا وَتَسْقُطُ لِخَوْفِ فَوْتِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَفْعَالِ لَمْ يَصْلُحْ الذِّكْرُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ، وَكَذَلِكَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي لَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ شَطْرَيْ الْقِرَاءَةِ سَقَطَ عَنْهُ، وَهُوَ السُّورَةُ وَيَسْقُطُ أَحَدُ وَصْفَيْهِ، وَهُوَ الْجَهْرُ فَلَمْ يَجْهَرْ بِحَالٍ فَفَسَدَ الِاسْتِدْلَال.

ــ

[كشف الأسرار]

عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا صَارَ سَبَبًا؛ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ بِقَوْلِهِ: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فَكَذَا الشَّارِعُ فِي عِبَادَةٍ عَازِمٌ عَلَى إبْقَائِهِ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِإِبْقَاءِ مَا أَدَّى بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُتَصَوَّرُ إبْقَاءُ مَا أَدَّى إلَّا بِانْضِمَامِ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمُّ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ ثُمَّ إبْطَالُ مَا أَدَّى فَوْقَ تَرْكِ الْأَدَاءِ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا لِلْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ فَلَأَنْ يَلْزَمَ إتْمَامُ مَا أَدَّى وَإِبْقَاؤُهُ عِبَادَةً بَعْدَ الْأَدَاءِ تَحْقِيقًا لِلْوَفَاءِ كَانَ أَحْرَى وَأَوْلَى.

وَكَذَلِكَ الْوِلَايَةُ أَيْ، وَكَمَا أَنَّ النَّذْرَ وَالشُّرُوعَ مُتَسَاوِيَانِ فِي مَعْنَى الْإِيجَابِ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمَالِ وَالْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الثُّبُوتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ شُرِعَتْ أَيْ ثَبَتَتْ وَوَجَبَتْ لِلْعَجْزِ أَيْ لِعَجْزِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَهُوَ الْوَلِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوِلَايَةِ لِحُرٍّ عَلَى حُرٍّ مِثْلِهِ وَثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلشَّخْصِ عَلَى نَفْسِهِ إذْ الْأَصْلُ رَأْيُهُ لَكِنْ إذَا عُدِمَ رَأْيُهُ بِالصِّغَرِ أَوْ الْجُنُونِ أُقِيمَ رَأْيُ الْغَيْرِ مَقَامَ رَأْيِهِ وَانْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى الْغَيْرِ نَظَرًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلِهَذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ مُقَيَّدَةً بِشَرْطِ النَّظَرِ فَالْوِلَايَةُ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْوَلِيِّ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ ظَاهِرًا، وَلَكِنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْوَلِيِّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ مَعْنًى نَظَرًا لَهُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ لِنَفْسِهِ وَالْمَالِيَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنْ رَدِّهَا، وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ إقَامَةِ مَصَالِحِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ يَأْثَمُ.

وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِيهِ أَيْ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَتْ بِهِ الْوِلَايَةُ، وَهُوَ الْعَجْزُ وَالْحَاجَةُ سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوِلَايَتَيْنِ حَالَ وُجُودِ الرَّأْيِ عَلَى السَّوَاءِ فَكَذَا تَسْتَوِيَانِ فِي حَالِ عَدَمِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَلَا يُقَالُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَالِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُبْتَذَلٌ وَالْمَالُ مُبْتَذَلٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ لِصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بَلْ الْمَشْرُوطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي بُنِيَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ وَالْمَالَ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّصَرُّفِ النَّافِعِ الَّتِي بُنِيَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهَا سَوَاءٌ. فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ الْمُسَاوَاةَ فِي الْحَاجَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الْحَالِ لِلتَّثْمِيرِ كَيْ لَا تَأْكُلَهُ النَّفَقَةُ لَكِنْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ النَّفْسِ مُتَأَخِّرَةٌ إلَى مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَثْبُتَ الْوِلَايَةُ عَلَى النَّفْسِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. قُلْنَا: الْحَاجَةُ فِي النَّفْسِ قَدْ تَتَحَقَّقُ فِي الْحَالِ عَلَى تَقْدِيرِ فَوَاتِ الْكُفُؤِ، وَفِي الْمَالِ قَدْ لَا يَقَعُ الْحَاجَةُ بِأَنْ كَانَ كَثِيرًا فَكَانَا سَوَاءً لِاجْتِمَاعِ جِهَةِ الْحَاجَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَنْ لَا مُخَلِّصَ لِلْخَصْمِ عَنْ الْقَلْبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فَقَالَ فَأَمَّا الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ فَلَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ وَالْآخَرُ تَأْدِيبٌ مَحَلُّهُ ظَاهِرُ الْبَدَنِ. وَفِي شُرُوطِهَا فَإِنَّ الثِّيَابَةَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَهِيَ الثِّيَابَةُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ دُونَ مِلْكِ الْيَمِينِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ دُونَ وُجُوبِ الْجَلْدِ، وَإِذَا انْتَفَى التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ وَبِالِابْتِدَاءِ عَلَى النِّهَايَةِ وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَيْسُوا بِسَوَاءٍ، وَلَوْ قِيلَ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ، أَوْ لَيْسَ بِسَوَاءٍ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْأَفْعَالِ لَمْ يَصْلُحْ الذِّكْرُ أَصْلًا يَعْنِي لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ كَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ

ص: 55