الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ يُقَامُ مُقَامَ الْعِلَلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْعَلَامَةُ فَمَا يُعْرَفُ الْوُجُودُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُوبٌ وَلَا وُجُودٌ مِثْلُ الْمِيلِ وَالْمَنَارَةِ فَكَانَ دُونَ الشَّرْطِ فَهَذَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَكُلُّ ضَرْبٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُنْقَسِمٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ.
(بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ)
وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الْأَحْكَامِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْبَابِهَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِطَابِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَالسَّبَبُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ وَسَبَبٌ سُمِّيَ بِهِ مَجَازًا وَسَبَبٌ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ وَسَبَبٌ هُوَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ
ــ
[كشف الأسرار]
كَالْعِلَّةِ فِي الْإِنْبَاءِ عَنْ الْحُكْمِ وَالْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْحُكْمُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحُكْمُ وَالرُّكْنُ مَا هُوَ غَيْرُ التَّصَرُّفِ وَلَا يَتِمّ بِهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ وَلَفْظُ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ وَالرُّكْنُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ التَّصَرُّفَاتِ فَلَا وَأَمَّا الشَّرْطُ فَمَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ بِوَجْهٍ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا إلَّا عِنْدَهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ: تَفْسِيرُ الشَّرْطِ بِأَنَّهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَ وُجُوبِهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ بَلْ الْعِلَّةُ تَقِفُ عَلَيْهِ وَعَدَمُ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ بَلْ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ الْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَوُجِدَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ يَقُولُ: إذَا وَجَبَتْ الْعِلَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ امْتَنَعَ وُجُودُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ مَعَ بَقَاءِ الْعِلَّةِ فَأَمَّا عِنْد مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ كَانَ امْتِنَاعُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ لَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ مَا يُوجَدُ الْحُكْمُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ مَا يَقِفُ الْمُؤَثِّرُ عَلَى وُجُودِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى الشَّرْطِ كَانَ حُكْمُهُ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ فَيَصِحُّ هَذَا التَّعْرِيفُ.
وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ مَا يَقِفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ وَهُوَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَمُؤَثَّرِهِ إذْ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَاتِ الْمُؤَثَّرِ وَعَلَى الْمُؤَثَّرِ فِيهِ وَقِيلَ: هُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيُهُ نَفْيَ أَمْرٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُودِهِ وَلَا دَاخِلًا فِيهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ شَرْطُ الْحُكْمِ وَشَرْطُ السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُ السَّبَبِ وَلَيْسَ هُوَ السَّبَبَ وَلَا جُزْأَهُ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ أَوْ السَّبَبِ كَمَا بَيَّنَّا وَقَدْ يُقَامُ الشَّرْطُ مُقَامَ الْعِلَلِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ يَعْنِي فِي بَابِ تَقْسِيمِ الشُّرُوطِ فِي مَسْأَلَةِ حَفْرِ الْبِئْرِ فَإِنَّهُ شَرَطَ التَّلَفَ دُونَ عِلَّتِهِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَيْهِ لِتَعَذُّرِ إضَافَتِهِ إلَى الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا الْعَلَامَةُ فَهِيَ الْأَمَارَةُ فِي اللُّغَةِ كَالْمَيْلِ لِلطَّرِيقِ وَالْمَنَارَةِ لِلْمَسْجِدِ وَفِي الشَّرْعِ هِيَ مَا يُعْرَفُ وُجُودُ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ وُجُودُهُ وَلَا وُجُوبُهُ فَيَكُونُ الْعَلَامَةُ دَلِيلًا عَلَى ظُهُورِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَحَسْبُ مِثْلُ التَّكْبِيرَاتِ فِي الصَّلَاةِ إعْلَامًا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ وَالْأَذَانُ عَلَمُ الصَّلَاةِ وَالتَّلْبِيَةُ شِعَارُ الْحَجِّ.
فَهَذَا أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالِاصْطِلَاحِيَّة بَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ السَّبَبُ وَالْعَلَامَةُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله هَذِهِ ضُرُوبٌ مُتَشَابِهَةٌ فَفِي السَّبَبِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَفِي الْعِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَعْنَى الْعَلَامَةِ وَفِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَالْعَلَامَةُ قَدْ تُشْتَبَهُ بِالشَّرْطِ وَالْعِلَّةِ فَفِيهِمَا مَعْنَى الْعَلَامَةِ لَا يَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ إلَّا بِحَدٍّ تَأَمَّلْ
[بَابُ تَقْسِيمِ السَّبَبِ]
اعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ مَشَايِخِنَا رحمهم الله السَّبَبَ وَالْعِلَّةَ وَالشَّرْطَ وَالْعَلَامَةَ عَلَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنْ حَقَائِقَهَا تَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ كَانْقِسَامِ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَلَكِنَّ تَقْسِيمَهُمْ إيَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ أَوْ الْعِلَّةِ أَوْ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يُوجَدُ فِيهِ جِهَةُ السَّبَبِيَّةِ وَالْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ بِوَجْهٍ فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ التَّقْسِيمُ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ قَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الْأَحْكَامِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْبَابِهَا يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْبَابِ
مُضَافٌ إلَيْهِ وُجُوبٌ وَلَا وُجُودَ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَمَّا السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ فَمَا يَكُونُ
ــ
[كشف الأسرار]
يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ تَقْسِيمِ أَنْوَاعِ السَّبَبِ وَبَيَانِ وُجُوهِ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْسِيمَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ السَّبَبِ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ حَقِيقَةً عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْرِيفِ السَّبَبِ بَلْ هِيَ عِلَلٌ سُمِّيَتْ أَسْبَابًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْأَحْكَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّ وَجْهَ التَّقْسِيمِ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ الشَّيْخُ رحمه الله جَعَلَ السَّبَبَ الْمَجَازِيَّ قِسْمًا وَالسَّبَبَ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ قِسْمًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ غَيْرَ ذَلِكَ الْقِسْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ السَّبَبُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ غَيْرُ السَّبَبِ الْمَجَازِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي آخِرِ الْبَابِ فَكَانَتْ الْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَقْسِيمُهَا عَلَى الْأَرْبَعَةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُ الْأَقْسَامِ قِسْمَيْنِ بِالْجِهَتَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ التَّقْسِيمَ بِاعْتِبَارِ الْجِهَةِ مَهْجُورٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّقَاسِيمَ بِاعْتِبَارِ التَّعَدُّدِ فِي الْخَارِجِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَتَعَدَّدُ فِي الْخَارِجِ بِتَعَدُّدِ الْجِهَاتِ وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ الْجِهَاتُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَانْقَسَمَ بِاعْتِبَارِهَا لَمْ تَنْحَصِرْ الْأَقْسَامُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بَلْ تَزِيدُ عَلَيْهَا بِأَنْ يُجْعَلَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ سَبَبًا قِسْمًا وَبِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْعِلَّةِ قِسْمًا وَأَنْ يُجْعَلَ السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ طَرِيقًا قِسْمًا وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ إضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ قِسْمًا وَهَلُمَّ جَرًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَقْسَامَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ إلَّا ثَلَاثَةٌ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَسَبَبٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ كَقَوْدِ الدَّابَّةِ وَسَبَبٌ مَجَازِيٌّ لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ.
وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ الْقِسْمَ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ مَكَانَهُ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ بِنَفْسِهِ فِي الزَّمَانِ الثَّانِي كَالنِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَوْلُهُ (أَمَّا السَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ فَمَا يَكُونُ) طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ يَدْخُلُ تَحْتَهُ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ وَالشَّرْطُ وَغَيْرُهَا فَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ وُجُوبٌ عَنْ الْعِلَّةِ، وَبِقَوْلِهِ وَلَا وُجُودٌ عَنْ الشَّرْطِ وَعَنْ الْعِلَّةِ أَيْضًا فَإِنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ ثُبُوتًا بِهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ ثُبُوتًا عِنْدَهُ وَبِقَوْلِهِ وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعَانِي الْعِلَلِ أَيْ لَا يُوجَدُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ بِوَجْهٍ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَّةِ وَعَنْ السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا طَرِيقٌ إلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ وُجُودٌ وَلَا وُجُوبٌ وَلَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ كَمَا سَتَعْرِفُ وَقَدْ تَمَّ التَّعْرِيفُ ثُمَّ بَيَّنَ خُلُوَّهُ عَنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ لَا تُضَافُ أَيْ عِلَّةُ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ إلَى آخِرِهِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَهُوَ السَّبَبُ الَّذِي فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَذَلِكَ أَيْ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِثْلُ سَوْقِ الدَّابَّةِ وَقَوْدُهَا هُوَ سَبَبٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِمَا يَتْلَفُ بِهَا أَيْ بِالدَّابَّةِ مِنْ الْمَالِ وَالنَّفْسِ حَالَةَ الْقَوْدِ وَالسَّوْقِ لَا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّهُ أَيْ السَّوْقُ أَوْ الْقَوْدُ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْإِتْلَافِ لَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لِيَكُونَ عِلَّةً لَكِنَّهُ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ أَوْ الْقَوْدَ يَحْمِلُ الدَّابَّةَ عَلَى الذَّهَابِ كُرْهًا فَصَارَ فِعْلُهَا مُضَافًا إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْمَحَلِّ فَأَمَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى جَزَاءِ الْمُبَاشَرَةِ فَلَا حَتَّى لَا يُحْرَمَ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا يَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَالْقِصَاصُ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَلِهَذَا السَّبَبِ حُكْمُ الْعِلَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ لَمَّا حَدَّثَتْ بِالْأُولَى صَارَتْ الْعِلَّةُ الْأَخِيرَةُ حُكْمًا لِلْأُولَى مَعَ حُكْمِهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الثَّانِيَةِ مُضَافٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَى الْأُولَى فَصَارَتْ الْأُولَى بِمَنْزِلَةِ عِلَّةٍ لَهَا حُكْمَانِ وَمِثَالُهُ الرَّمْيُ الْمُصِيبُ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلْمَوْتِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الرَّمْيِ يَنْقَطِعُ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَكِنَّهُ أَوْجَبَ حَرَاكًا فِي السَّهْمِ وَصَلَ بِهِ إلَى الْمَرْمَى وَأَوْجَبَ نَقْضَ بِنْيَتِهِ ثُمَّ انْتِقَاضُ الْبِنْيَةِ أَحْدَثَ آلَامًا قَتَلَتْهُ فَكَانَ الرَّمْيُ سَبَبًا مُوجِبًا وَلَهُ حُكْمُ جَزَاءِ
وَلَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعَانِي الْعِلَلِ لَكِنْ يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ عِلَّةٌ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ فَإِنْ أُضِيفَتْ الْعِلَّةُ إلَيْهِ صَارَ لِلسَّبَبِ حُكْمُ الْعِلَلِ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَذَلِكَ مِثْلُ سَوْقِ الدَّابَّةِ وَقَوْدِهَا هُوَ سَبَبٌ لِمَا يَتْلَفُ بِهَا لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ لَكِنْ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ بِالْقِصَاصِ سَبَبٌ لِقَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ حَدَّ الْعِلَلِ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهِ مَحْضٌ خَالِصٌ فَكَانَ سَبَبًا وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ سَلَّمَ الشَّافِعِيُّ هَذَا لَا أَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ الْمُؤَكَّدَ بِالْعَمْدِ الْكَامِلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ وُجِدَ لِأَنَّ الشَّاهِدَ غَيْرُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَكِنَّا قُلْنَا إنَّ فِعْلَ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِفِعْلِ قَتْلٍ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنَّمَا يَصِيرُ قَتْلًا بِوَاسِطَةٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ الشَّاهِدِ وَهُوَ حُكْمُ الْقَاضِي وَاخْتِيَارُ الْوَلِيِّ قَتْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ
ــ
[كشف الأسرار]
الرَّقَبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَارَ الْمَوْتُ وَسِرَايَةُ الْأَلَمِ وَانْتِقَاضُ الْبِنْيَةِ وَنُفُوذُ السَّهْمِ أَحْكَامًا لِلرَّمْيِ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَكَالسَّوْقِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ بِالْقِصَاصِ سَبَبٌ لِقَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ لَا أَنَّهَا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْعِلَلِ فِيهِ أَيْ فِي فِعْلِ الشَّهَادَةِ أَوْ كَلَامِ الشُّهُودِ لَمْ يُوجَدْ لِتَخَلُّلِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ كَمَا سَنُبَيِّنُ لَكِنَّهُ أَيْ فِعْلَ الشَّهَادَةِ طَرِيقٌ إلَى الْقَتْلِ مَحْضٌ خَالِصٌ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُوضَعْ لِلْقَتْلِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا تَأْثِيرٌ فِي الْقَتْلِ بِوَجْهٍ لِتَوَسُّطِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ فَكَانَ أَيْ فِعْلُ الشَّهَادَةِ سَبَبًا لَا عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ لِلْقَتْلِ.
وَلِهَذَا أَيْ وَلِكَوْنِهِ سَبَبًا لَمْ يَجِبْ بِفِعْلِ الشَّهَادَةِ الْقِصَاصُ عِنْدَ الرُّجُوعِ يَعْنِي إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْوَلِيِّ الْقِصَاصَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشُّهُودِ بِشَهَادَتِهِمْ الْكَاذِبَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الْمُبَاشَرَةُ وَقَدْ سَلَّمَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَيْ سَلَّمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ سَبَبٌ لِلْقَتْلِ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ لَهُ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّبَبَ الْمُؤَكَّدَ بِالْعَمْدِ الْكَامِلِ أَيْ الْقَصْدِ الْكَامِلِ إلَى الْقَتْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا وَجَبَ لِلزَّجْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] وَالسَّبَبُ إذَا قَوِيَ وَأَدَّى إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا أُلْحِقَ بِالْقَتْلِ لِوُقُوعِ الِاحْتِيَاجِ حِينَئِذٍ إلَى الزَّجْرِ فَوَجَبَ الْقَوَدُ بِهِ وَإِذَا ضَعُفَ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى الْهَلَاكِ غَالِبًا اسْتَغْنَى عَنْ الزَّجْرِ فَسَقَطَ الْقَوَدُ وَقَدْ قَوِيَ السَّبَبُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ عَيْنُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ يَعْنِي قَصَدَ بِشَهَادَتِهِ إتْلَافَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ عَنْهُ إلَّا بِالتَّمْكِينِ فَصَارَتْ شَهَادَتُهُ سَبَبًا مُعَيَّنًا لِلْقَتْلِ فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِمَا إتْلَافَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَلَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَلِأَنَّ الشُّهُودَ أَلْجَئُوا الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْقَتْلِ فَإِنَّهُ يَخَافُ الْعُقُوبَةَ إنْ امْتَنَعَ عَنْهُ وَهُوَ هَلَاكٌ حُكْمِيٌّ شَرٌّ مِنْ الْهَلَاكِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمُلْجِئُ كَالْمُبَاشِرِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ يُنْسَبُ إلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّ الشُّهُودَ أَتْلَفُوهُ بِالْقَضَاءِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ إتْلَافٌ حُكْمًا بِأَنْ صَارَ نَفْسُهُ لِغَيْرِهِ حَتَّى قَتَلَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ ضَمِنُوا الدِّيَةَ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ مُخْتَارًا وَلَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ ضَمِنُوا بِمُبَاشَرَتِهِمْ الْإِتْلَافَ حُكْمًا ثُمَّ مَعْنَى قَوْلِهِ الْمُؤَكَّدُ بِالْعَمْدِ الْكَامِلِ مَا ذُكِرَ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ الشُّهُودَ إنْ قَالُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ تَعَمَّدْنَا وَعَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ بِشَهَادَتِنَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ لَا تَقْطَعُ الْمُبَاشَرَةُ حُكْمَهُ فَكَانَ كَالْإِكْرَاهِ وَكَذَا إنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِنَا وَهُمْ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَنْ رَمَى سَهْمًا إلَى إنْسَانٍ فَأَصَابَهُ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يُتْلِفُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِقَوْلِنَا وَهُمْ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلَهُ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ وَعُزِّرُوا وَتَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مُؤَجَّلَةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ.
وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ حَلَفُوا وَتَجِبُ الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً فِي أَمْوَالِهِمْ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ لَكِنَّا نَقُول إنَّ فِعْلَ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِفِعْلِ قَتْلٍ بِنَفْسِهِ بِلَا شُبْهَةٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لِلْقَتْلِ وَيَتَخَلَّفُ الْقَتْلُ عَنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ قَبْلَ الشَّهَادَةِ قَتْلًا بِوَاسِطَةٍ لَيْسَ فِي يَدِ الشَّاهِدِ تَحْصِيلُهُ وَهُوَ أَيْ تِلْكَ الْوَاسِطَةُ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ حُكْمُ الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ الصَّادِرَيْنِ عَنْ اخْتِيَارٍ إذَا لَيْسَ فِي وُسْعِ الشَّاهِدِ إيجَادُ مَا يُظْهِرُهُ الْقَاضِي
وَقُلْنَا نَحْنُ بِأَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُسَبِّبِ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا الْقِسْمُ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ مَعَ كَوْنِهِ سَبَبًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ حَادِثَةٌ بِاخْتِيَارِ الْمُبَاشِرِ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَلِهَذَا لَمْ يَصْلُحْ لِإِيجَابِ مَا هُوَ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ.
وَإِذَا اعْتَرَضَ عَلَى السَّبَبِ عِلَّةٌ لَا يُضَافُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ كَانَ سَبَبًا مَحْضًا مِثْلُ دَلَالَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ عَلَى مَالِ رَجُلٍ لِيَسْرِقَهُ أَوْ لِيَقْطَعَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ أَوْ لِيَقْتُلَهُ وَمِثْلُ دَلَالَةِ الرَّجُلِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِوَصْفِ طَرِيقِهِ فَأَصَابُوهُ بِدَلَالَةِ
ــ
[كشف الأسرار]
بِقَضَائِهِ أَوْ يُوجِبُهُ وَلَا إيجَادَ اخْتِيَارِ الْقَتْلِ مِنْ الْوَلِيِّ فَبَقِيَ فِعْلُهُ تَسْبِيبًا فَلَا يَجِبُ بِهِ مَا يَجِبُ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ بِطَرِيقِ الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ النَّسَبِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَى الْمُسَبِّبِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ مَعَ أَنَّهَا جَزَاءٌ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَعْتَمِدُ الْمُبَاشَرَةَ فَالْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ جَزَاءٌ كَامِلٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِلْجَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَخَافُ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَبِهِ لَا يَصِيرُ مَلْجَأً فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا يُقِيمُ الطَّاعَةَ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِهَا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُكْرَهًا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا الْإِلْجَاءَ فِي حَقِّ الْقَاضِي فَلَا نُسَلِّمُ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْعَفْوِ شَرْعًا فَثَبَتَ أَنَّ فِعْلَهُمْ تَسْبِيبٌ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ حُكْمًا
وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ حُكْمًا فَلَا نُسَلِّمُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْوَلِيُّ هَاهُنَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِشُبْهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَعَلَى الْمُبَاشِرِ حُكْمًا أَوْلَى أَنْ لَا يُلْزَمَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِالْقَتْلِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ لَا بِالشَّهَادَةِ وَحْدَهَا فَإِنَّ الْوَلِيَّ لَوْ لَمْ يَقْتُلْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَتَلَ شُهُودَ الْقِصَاصِ بَعْدَمَا رَجَعُوا.
وَرُوِيَ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ جِيءَ بِآخَرَ فَقَالَا أُوهِمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا فَقَالَ لَا أُصَدِّقُكُمَا عَلَى هَذَا وَأُغَرِّمُكُمَا الدِّيَةَ وَلَوْ عَلِمْت أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا عَلَى الْأَوَّلِ لَقَطَعْت أَيْدِيَكُمَا فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ أَنَّ الْعَمْدَ فِيهِ مُوجِبُ لِلْقِصَاصِ قُلْنَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه غَرِيبٌ جِدًّا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَوْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى السِّيَاسَةِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه خَرَجَ عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَلِمَا بَيْنَ جِهَةِ السَّبَبِيَّةِ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْعِلَّةِ فِيهَا فَقَالَ وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا الْقِسْمُ يَعْنِي شَهَادَةَ الشُّهُودِ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ حَتَّى صَلَحَ مُوجِبًا لِلدِّيَةِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ أُضِيفَتْ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بِهَا فَكَانَ اسْتِيفَاءً مُرَتَّبًا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَتَمْكِينِهِمْ إيَّاهُ مِنْهُ
فَصَارَ أَيْ هَذَا الْقِسْمُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ بِصَيْرُورَةِ الْمُبَاشَرَةِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ التَّلَفِ مُضَافَةً إلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ سَبَبًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ حَادِثَةٌ بِاخْتِيَارِ الْمُبَاشِرِ يَعْنِي بِاخْتِيَارِهِ الصَّحِيحِ. بِخِلَافِ حُدُوثِ مُبَاشَرَةِ الْمُكْرَهِ بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجْعَلُ الْإِكْرَاهَ سَبَبًا حَتَّى لَمْ يَمْتَنِعْ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةَ حَادِثَةٌ بِاخْتِيَارٍ فَاسِدٍ فَأَوْجَبَ نَقْلَ الْفِعْلِ إلَى الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ فَبَقِيَ الْأَوَّلُ أَيْ فِعْلُ الشَّهَادَةِ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ حَتَّى صَلَحَ لِإِيجَابِ مَا هُوَ ضَمَانُ الْمَحَلِّ وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَمْ يَصْلُحْ لِإِيجَابِ مَا هُوَ جَزَاءُ الْمُبَاشَرَةِ مِنْ الْقِصَاصِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْإِرْثِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله الْمُبَاشَرَةُ وُجِدَتْ مِنْهُمْ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْفَرَاغِ عَنْ الْأَدَاءِ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَمَا وَجَبَ بِهِ مُضَافٌ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْزَمُوا الْحَاكِمَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ التَّلَفَ الْوَاقِعَ بِالْحُكْمِ تَلَفٌ حُكْمِيٌّ وَالْإِتْلَافُ الْحَقِيقِيُّ بِمُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ وَهُوَ فِيهِ مُخْتَارٌ غَيْرُ مُلْجَأٍ حُكْمًا فَيَقْتَصِرُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الشُّهُودِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ ضَمَانُ الْقَتْلِ حَقِيقَةً.
قَوْلُهُ (وَإِذَا اُعْتُرِضَ عَلَى السَّبَبِ) أَيْ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي هُوَ طَرِيقٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ عِلَّةٌ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَلَا تُضَافُ تِلْكَ
لَمْ يَكُنْ الدَّالُّ شَرِيكًا لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ وَمِثْلُ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ تَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهَا حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَهَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةٌ وَقَدْ اسْتَوْلَدَهَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الدَّالِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ لِمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ عِلَّةٍ وَكَذَلِكَ قُلْنَا فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا اسْتَوْلَدَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَجْعَلْ قِيمَةَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَاهِبِ لِأَنَّ هِبَتَهُ سَبَبٌ مَحْضٌ لَا يُضَافُ إلَيْهِ مُبَاشَرَةُ الِاسْتِيلَادِ بِوَجْهٍ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُعِيرِ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ لِمَا قُلْنَا
ــ
[كشف الأسرار]
الْعِلَّةُ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ بِوَجْهٍ كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ مَحْضًا أَيْ سَبَبًا حَقِيقِيًّا وَهُوَ بَيَانُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِثْلُ دَلَالَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ لِيَسْرِقَهُ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ الدَّالُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ مَحْضٌ إذْ هِيَ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مَا هُوَ عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي يُبَاشِرُهُ الْمَدْلُولُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَكُنْ الدَّالُّ شَرِيكًا فِي الْمُصَابِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ طَرِيقٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى الدَّلَالَةِ وَهِيَ فِعْلُ الْقَوْمِ الصَّادِرِ عَنْ اخْتِيَارِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِي دَلَالَتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ شِرْكَةٌ فِي الْمُصَابِ إلَّا إذَا ذَهَبَ مَعَهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَى الْحِصْنِ فَحِينَئِذٍ يُشْرِكُهُمْ فِي الْمُصَابِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ إذًا تَسْبِيبٌ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا إذَا سَعَى إنْسَانٌ إلَى سُلْطَانٍ ظَالِمٍ فِي حَقِّ آخَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ حَتَّى غَرَّمَهُ مَالًا كَانَ السَّاعِي ضَامِنًا وَهُوَ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الْحُكْمِ كَمَا فِي دَلَالَةِ السَّارِقِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ لِغَلَبَةِ السُّعَاةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ دُونَ الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذَا سَعَى إنْسَانٌ إلَى السُّلْطَانِ فِي حَقِّ آخَرَ حَتَّى غَرَّمَهُ مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُفْتُونَ أَنَّ السَّاعِيَ يَضْمَنُ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ وَتَغْرِيمِ مَنْ سُعِيَ بِهِ إلَيْهِ يَضْمَنُ السَّاعِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا لَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ نَحْنُ لَا نُفْتِي بِهِ فَإِنَّهُ خِلَافُ أُصُولِ أَصْحَابِنَا رحمهم الله فَإِنَّ السَّعْي سَبَبٌ مَحْضٌ لِهَلَاكِ مَالِ صَاحِبِ الْمَالِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يُغَرِّمُهُ اخْتِيَارًا لَا طَبْعًا وَلَكِنْ لَوْ رَأَى الْقَاضِي تَضْمِينَ السَّاعِي لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ فَنَحْنُ نَكِلُ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَنْزَجِرَ السُّعَاةُ عَنْ السَّعْيِ.
قَوْلُهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الَّذِي دَلَّ السَّارِقُ أَوْ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْحِصْنِ رَجُلٌ قَالَ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الْمُتَزَوِّجِ عَلَى الدَّالِّ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الَّتِي أَدَّاهَا إلَى الْمَالِكِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ مَحْضٍ فَإِنَّ إخْبَارَهُ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَقْصُودِ وَلَكِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ عِلَّةٌ غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ عَقْدُ النِّكَاحِ الَّذِي بَاشَرَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِاخْتِيَارِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا رَجُلٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَيْ بِشَرْطِ أَنَّهَا حُرَّةٌ بِأَنْ قَالَ زَوَّجْتُكُمَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُسْتَوْلِدُ بِضَمَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْمُزَوِّجِ
؛ لِأَنَّهُ صَارَ صَاحِبَ عِلَّةٍ إذْ الِاسْتِيلَادُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّزْوِيجِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ اللَّازِمِ لِهَذَا التَّزْوِيجِ فَيَكُونُ الِاسْتِيلَادُ بِنَاءً عَلَى التَّزْوِيجِ وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ كَالتَّزْوِيجِ فَكَانَ الشَّارِطُ لَهَا صَاحِبَ عِلَّةٍ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا يَلْحَقُك بِسَبَبِ هَذَا الْعَقْدِ أَوْ يُقَالُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ إنَّمَا لَزِمَ بِالِاسْتِيلَادِ وَالِاسْتِيلَادُ حُكْمُ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ فَكَانَ الْمُزَوِّجُ صَاحِبَ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ قُلْنَا أَيْ وَكَمَا قُلْنَا إنَّ الْمُتَزَوِّجَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ قُلْنَا فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ الْجَارِيَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ وَضَمِنَ الْمُسْتَوْلِدُ قِيمَةَ الْوَلَدِ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْوَاهِبِ سَبَبٌ مَحْضٌ لِضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيلَادِ لَا بِالْهِبَةِ
وَالِاسْتِيلَادُ لَيْسَ
بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ كَفِيلًا عَنْهُ بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ إنَّ وَلَدَك حُرٌّ بِحُكْمِ بَيْعِي فَإِنْ ضَمِنَك أَحَدٌ بِحُكْمٍ بَاطِلٍ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ بِالْعُقْرِ لِأَنَّ مَا ضَمِنَهُ فَهُوَ قِيمَةُ مَا سُلِّمَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ غُرْمًا فَلَمْ يَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ.
وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا دَلَالَةُ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ أَنَّهُ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ سَبَبٌ لِأَنَّهُ الدَّلَالَةُ فِي إزَالَةِ أَمْنِ الصَّيْدِ مُبَاشَرَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّيْدَ لَا يَبْقَى آمِنًا عَلَى الْمَدْلُولِ
ــ
[كشف الأسرار]
بِمُضَافٍ إلَيْهِ أَيْ إلَى السَّبَبِ وَهُوَ الْهِبَةُ إذْ الْهِبَةُ لَيْسَتْ بِمَوْضُوعَةٍ لِلِاسْتِيلَادِ بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِإِظْهَارِ الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاسْتِيلَادِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِيلَادِ وَطَلَبِ النَّسْلِ قَالَ عليه السلام «تَنَاكَحُوا تَوَالَدُوا تَكْثُرُوا» الْحَدِيثَ.
وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَاهِبِ لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ يَعْنِي إذَا أَتْلَفَ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ بِاسْتِعْمَالِهِ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ وَضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ قِيمَتَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا عَلَى الْمُعِيرِ لِمَا قُلْنَا إنَّ السَّبَبَ الْمَحْضَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الصَّالِحَةِ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَالْإِعَارَةُ سَبَبٌ مَحْضٌ لَا يُضَافُ الِاسْتِعْمَالُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّلَفِ إلَيْهِ
بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إذَا اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ الَّتِي ضَمِنَهَا لِلْمُسْتَحِقِّ، وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ صَارَ كَفِيلًا عَنْ الْمُشْتَرِي أَيْ لِلْمُشْتَرِي بِمَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَيْ بِسَبَبِ مَا شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى مُسَاوَاةِ الْبَدَلَيْنِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فَلَمَّا كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي سَالِمًا لِلْبَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ سَالِمًا لِلْمُشْتَرِي وَذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ الْبَائِعُ كَفِيلًا بِسَبَبِ تَمَلُّكِهِ لِلْبَدَلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي إنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ لَك فِي الْجَارِيَةِ بِحُكْمِ بَيْعِي وَأَنَّ وَلَدَك مِنْهَا حُرٌّ بِحُكْمِ بَيْعِي فَإِنْ ضَمَّنَك أَحَدٌ بِحُكْمٍ بَاطِلٍ فَأَنَا كَفِيلٌ لَك بِمَا ضَمَّنَك وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فِي عَقْدِ التَّبَرُّعِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي عَقْدِ الضَّمَانِ بِاشْتِرَاطِ الْبَدَلِ إنَّمَا قَالَ بِحُكْمٍ بَاطِلٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي زَعْمِ الْبَائِعِ بَاطِلٌ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ عَلَى الْبَائِعِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَفَالَةِ لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي بِالْعُقْرِ الَّذِي ضَمِنَهُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَهُ مِنْ الْعُقْرِ قِيمَةُ مَا سَلَّمَ لَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَلَمْ يَكُنْ غُرْمًا فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ أَيْ لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرُ كَفَالَةِ الْبَائِعِ بِمَا ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَرَامَةٍ وَالرُّجُوعُ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ لَوْ كَانَ الْغُرْمُ لَاحِقًا هَذَا طَرِيقُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ بِمُبَاشَرَةِ عَقْدِ الزَّمَانِ قَدْ الْتَزَمَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي صِفَةَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ وَلَا عَيْبَ فَوْقَ الِاسْتِحْقَاقِ وَبِمُبَاشَرَةِ عَقْدِ التَّبَرُّعِ لَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ الْعَيْبِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بَدَلًا عَمَّا اسْتَوْفَاهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِيمَا اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ ضَمِنَ لَهُ صِفَةَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ فَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا آجَرَ دَابَّةً فَتَلِفَتْ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَا يَضْمَنُ مِنْ قِيمَتِهَا عَلَى الْعَبْدِ فِي الْحَالِ وَالْعَبْدُ لَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ الْكَفَالَةِ مَا لَمْ يُعْتَقْ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِالضَّمَانِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبُهُ الْعَيْبُ بَعْدَمَا الْتَزَمَ صِفَةَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ بِعَقْدِ الضَّمَانِ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ هُوَ الْأَصَحُّ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الْمَحْضِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ دَلَالَةُ الْمُحْرِمِ عَلَى الصَّيْدِ أَيْ أَنَّهُ فِعْلُ الدَّلَالَةِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ الدَّالِّ وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الدَّلَالَةِ سَبَبًا مَحْضًا؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّلَالَةِ وَبَيْنَ الْمَقْصُودِ فِعْلُ مُخْتَارٍ وَهُوَ الْقَتْلُ مِنْ الْمَدْلُولِ
وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ جَوَابُ السُّؤَالِ يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا سَبَبٌ بَلْ الدَّلَالَةُ فِي إزَالَةٍ أَمْنِ الصَّيْدِ مُبَاشَرَةٌ
إذَا صَحَّتْ بِالدَّلَالَةِ غَيْرَ أَنَّهَا يَعْرِضُ الِانْتِقَاضُ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ بِنَفْسِ الدَّلَالَةِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَّصِلَ بِهَا الْقَتْلُ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْجِرَاحَةِ فَسَيَأْتِي فِيهَا لِمَعْرِفَةِ قَرَارِهَا فَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَالِ النَّاسِ فَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةِ عُدْوَانٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بِالْبُعْدِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَلْ مَا لِعِصْمَةِ وَدَفْعِ الْمَالِكِ عَنْ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ دَلَالَةُ الْمُودَعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةُ خِيَانَةٍ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الْحِفْظِ بِالتَّضْيِيعِ فَصَارَ ضَامِنًا بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ أَنْ يَضْمَنَ بِفِعْلِ الْمَدْلُولِ مُضَافًا إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ وَكَانَ حُكْمُ الْمُحْرِمِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ حُكْمُ الْمُودَعِ وَكَأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى بَقَاءِ الْأَرْضِ مِثْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ.
ــ
[كشف الأسرار]
أَيْ مُبَاشَرَةُ جِنَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ يَزُولُ بِهَا عَنْ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ أَمِنَ بِبُعْدِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَتَوَارِيهِ عَنْ أَعْيُنِهِمْ وَأَنَّهُ قَدْ الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْإِحْرَامِ الْأَمْنَ لِلصَّيْدِ عَنْهُ فَصَارَ الدَّالُّ جَانِيًا بِإِزَالَةِ الْأَمْنِ عَنْهُ بِالدَّلَالَةِ فَيَضْمَنُ
إذَا صَحَّتْ الدَّلَالَةُ أَيْ وُجِدَتْ شَرَائِطُهَا وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْلُولُ عَالِمًا بِمَكَانِ الصَّيْدِ إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ تَمَكُّنٌ مِنْ قِبَلِهِ بِدَلَالَتِهِ فَكَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءً
وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَدْلُولُ فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَذِّبِ وَأَنْ يَتَّصِلَ الْقَتْلُ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ وَأَنْ يَكُونَ الدَّالُّ مُحْرِمًا عِنْدَ الْقَتْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَقْتَ الدَّلَالَةِ وَحَلَّ وَقْتَ الْقَتْلِ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْقَتْلِ فَيُشْتَرَطُ الْإِحْرَامُ عِنْدَ الْقَتْلِ
وَقَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهَا يَعْرِضُ الِانْتِقَالَ أَيْ الدَّلَالَةَ، جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ جِنَايَةً بِنَفْسِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى قَتْلِ الْمَدْلُولِ الصَّيْدَ فَقَالَ غَيْرَ أَنَّهَا يَعْرِضُ الِانْتِقَاضُ وَالْإِبْطَالُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَوَارَى الصَّيْدُ عَنْ الْمَدْلُولِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَعُودَ آمِنًا كَمَا كَانَ وَصَارَ كَمَا إذَا أَخَذَهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ أَوْ رَمَاهُ فَلَمْ يُصِبْهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَكَانَ ذَلِكَ أَيْ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ إلَى الِاسْتِقْرَارِ بِمَنْزِلَةِ الْجِرَاحَةِ فَيَسْتَأْنِي فِيهَا أَيْ يَنْتَظِرُ مَآلَ أَمْرِهَا لِمَعْرِفَةِ قَرَارِهَا فِي حَقِّ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ انْدِمَالَهَا بِالْبُرْءِ مُتَوَهَّمٌ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ وَهُوَ كَالْمُضَارِبِ إذَا أَمَرَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي بَلَدِ كَذَا فَجَاوَزَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِنَفْسِ الْمُجَاوَزَةِ وَلَكِنْ لَا يَتَأَكَّدُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِقَاضِ بِالْمُعَاوَدَةِ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَإِذَا انْصَرَفَ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ فَحِينَئِذٍ يَتَأَكَّدُ الضَّمَانُ كَذَا هَاهُنَا
فَأَمَّا الدَّلَالَةُ عَلَى مَالِ النَّاسِ فَلَيْسَتْ بِنَفْسِهَا بِمُبَاشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بِالْبُعْدِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَأَعْيُنِهِمْ بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ وَالدَّالُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحِفْظَ أَيْضًا فَلَا يَصِيرُ جَانِيًا بِإِزَالَتِهِ الْحِفْظَ بِدَلَالَتِهِ فَبَقِيَتْ دَلَالَتُهُ سَبَبًا مَحْضًا.
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ دَلَالَةُ الْمُودَعِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَيْضًا فَإِنَّ دَلَالَةَ الْمُودَعِ السَّارِقَ عَلَى الْوَدِيعَةِ سَبَبٌ مَحْضٌ كَدَلَالَةِ غَيْرِ الْمُودَعِ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ الْمُخْتَارِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّلَفِ ثُمَّ إنَّهَا تُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الدَّالِّ بِالِاتِّفَاقِ فَقَالَ هُوَ ضَامِنٌ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَالِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْحِفْظِ وَتَضْيِيعِهِ إيَّاهَا فَكَانَ ضَامِنًا بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ التَّسْبِيبِ مُضَافًا إلَيْهِ أَيْ إلَى الدَّالِّ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ أَيْ مُوجِبِ عَقْدِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْإِحْرَامِ مِنْ تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ وَأَمْنِهِ عَنْهُ كَالْمُودَعِ تَرَكَ مَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَكَانَ صَيْدُ الْحَرَمِ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ مِثْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ يَعْنِي لَوْ دَلَّ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَقُتِلَ بِدَلَالَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ الدَّالُّ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ الدَّالُّ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ لِيَسْرِقَهُ؛ لِأَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ رَاجِعًا إلَى بِقَاعِ الْأَرْضِ مِثْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْحَرَمَ مَأْمَنًا آمِنًا لِاسْتِينَاسِ زُوَّارِ الْبَيْتِ وَمُجَاوِرِيهِ لِيَبْقَى مَعْمُورًا إلَى آخِرِ الدَّهْرِ بِمُجَاوَرَتِهِمْ وَزِيَارَتِهِمْ فَإِنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْأَمْنِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الصَّيْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ عِمَارَةِ الْحَرَمِ وَزِينَتِهِ فَأَشْبَهَ تَعَرُّضُ الصَّيْدِ فِيهِ إتْلَافَ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ وَإِتْلَافَ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ وَالْأَمْوَالِ الْمُحْتَرَمَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الضَّمَانَ الْوَاجِبَ فِيهِ ضَمَانُ الْمَحَلِّ كَضَمَانِ الْأَمْوَالِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ الْجَانِي وَالضَّمَانُ الْوَاجِبُ بِالْإِحْرَامِ جَزَاءُ الْفِعْلِ حَتَّى تَعَدَّدَ بِتَعَدُّدِ الْجَانِي مَعَ إيجَادِ الْمَحَلِّ كَالْجَزَاءِ الْوَاجِبِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ عَمْدًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَقِيَتْ دَلَالَتُهُ سَبَبًا مَحْضًا كَدَلَالَةِ غَيْرِ
وَمَنْ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا أَوْ سِلَاحًا آخَرَ لِيُمْسِكَهُ لِلدَّافِعِ فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ لَمْ يَضْمَنْ الدَّافِعُ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ مَحْضٌ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ لَا تُضَافُ إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَإِذَا سَقَطَ عَنْ يَدِ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ فَجَرَحَهُ كَانَ ذَلِكَ الدَّافِعُ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِ الْعَطَبُ هَا هُنَا لِأَنَّ السُّقُوطَ أُضِيفَ إلَى الْإِمْسَاكِ فَصَارَ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ وَشُبِّهَ بِهَا
ــ
[كشف الأسرار]
الْمُودَعِ السَّارِقَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ لِتَخَلُّلِ فِعْلِ مُخْتَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّلَفِ وَهُوَ فِعْلُ الصَّائِدِ وَانْعِدَامُ عَقْدِ الْتِزَامٍ لِتَرْكِ التَّعَرُّضِ مِنْ الْحَلَالِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ دَفَعَ) مِثَالٌ آخَرُ لِلسَّبَبِ الْمَحْضِ فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ أَيْ ضَرَبَ بِذَلِكَ السِّكِّينِ أَوْ السِّلَاحِ نَفْسَهُ فَهَلَكَ مِنْ الْوَجِّ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ أَوْ بِالسِّكِّينِ مِنْ بَابِ مَنَعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْ الدَّفْعَ إلَى الصَّبِيِّ سَبَبٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى التَّلَفِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ عِلَّةٌ وَهِيَ قَتْلُ الصَّبِيِّ نَفْسَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَا تُضَافُ تِلْكَ الْعِلَّةُ إلَى السَّبَبِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِ السِّلَاحِ لَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَأَنَّهُ تَلِفَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ جِهَةِ الدَّافِعِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْ يَدِ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ فَجَرَحَهُ كَانَ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ أُضِيفَ إلَى الدَّافِعِ الْعَطَبُ أَيْ الْهَلَاكُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَمْ يَحْصُلْ بِمُبَاشَرَتِهِ فِعْلَ الْإِهْلَاكِ اخْتِيَارًا بَلْ بِإِمْسَاكِهِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ دَفْعِ الدَّافِعِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي الدَّفْعِ فَيُضَافُ مَا لَزِمَ مِنْ الْإِمْسَاكِ إلَيْهِ فَيَضْمَنُ فَصَارَ أَيْ الدَّفْعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَبَبًا لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عِلَّةَ التَّلَفِ وَهِيَ السُّقُوطُ عَنْ يَدِ الصَّبِيِّ تُضَافُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَدَافِعِ السِّكِّينِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا يَعْنِي صَبِيًّا حُرًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ.
لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ أَيْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ إلَى بَعْضِ الْمَهَالِكِ فَهَلَكَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ أَيْ بِالْحَرِّ فِي مَوْضِعِ الْحَرِّ أَوْ بِالْبَرْدِ فِي مَوْضِعِ الْبَرْدِ أَوْ بِالتَّرَدِّي مِنْ الشَّاهِقِ أَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَسْبَعَةً أَوْ مُحَيَّاةً فَهَلَكَ بِافْتِرَاسِ سَبُعٍ أَوْ لَدْغِ حَيَّةٍ كَانَ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ أَيْ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى الْمَهْلَكَةِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ ضَامِنًا لِلدِّيَةِ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قِيلَ ضَامِنَةً أَوْ ضَامِنِينَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْحَرَّ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْحَرُّ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْلُ إلَى الْمَهْلَكَةِ غَصْبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِمَرَضٍ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ.
فَالْحُرُّ حَقِيقَةً أَوْلَى بِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا لَوْ لَمْ يُعَبِّرْ؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا لَا يُضْمَنَانِ بِالْغَصْبِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَالْمُسَبِّبُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي تَسَبُّبِهِ كَانَ ضَامِنًا لِلدِّيَةِ عَلَى مَا قُلْته كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَحْفُوظٌ بِيَدِ الْوَلِيِّ فَصَارَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ مُمْسِكَةً لِحِفْظِهِ فَإِذَا أَزَالَ يَدَهُ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي فَقَدْ أَزَالَ الْمُمْسِكَةَ الْحَافِظَةَ وَصَارَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ بِلَا مُعَارَضَةٍ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَا يُعَارِضُهُ بِيَدِهِ وَلَا بِلِسَانِهِ إذْ لَا عِبَارَةَ لَهُ فَصَارَ النَّقْلُ إلَى الْمَهْلَكَةِ مُضَافًا إلَى يَدِ الْغَاصِبِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ فَكَانَ تَحْصِيلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ تَعَدِّيًا وَالتَّلَفُ مُضَافٌ إلَى حُصُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ إذْ لَوْ كَانَ بِمَكَانٍ آخَرَ لَمَا أَصَابَهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلتَّلَفِ فَكَانَ تَقْرِيبُهُ إلَى الْمَهْلَكَةِ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَوْلَا تَقْرِيبُهُ إيَّاهُ مِنْ هَذِهِ الْمَهْلَكَةِ لَمَا أَصَابَتْهُ الْآفَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ بِمَرَضٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْهَلَاكِ أَمْرٌ حَدَثَ مِنْ نَفْسِ الصَّبِيِّ وَلَا يُضَافُ إلَى إزَالَةِ الْوَلِيِّ عَنْهُ وَلَا إلَى نَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ بِوَجْهٍ إذْ لَا يُقَالُ لَوْلَا أَخْذُهُ مِنْ يَدِ وَلِيِّهِ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ أَوْ لَوْلَا تَقْرِيبُهُ مِنْ الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ لَمْ يَمُتْ إذْ لَوْ كَانَ فِي يَدِ الْوَلِيِّ وَفِي الْمَكَانِ الْأَوَّلِ لَأَصَابَهُ الْمَوْتُ أَيْضًا إذْ الْمَوْتُ مَحْتُومٌ عَلَى الْعِبَادِ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ سَبَبًا فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُهُ بِلِسَانِهِ فَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ حَكَّمَ فِيهِ قَوْلَ الصَّبِيِّ لَا يَدَهُ.
وَبِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ
وَكَذَلِكَ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ لَهُ إلَى بَعْضِ الْمَهَالِكِ مِثْلُ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ الشَّوَاهِقِ فَعَطِبَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ كَانَ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ ضَامِنًا إذَا قُتِلَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ رَجُلًا لَمْ يَرْجِعْ عَاقِلَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ بِمَرَضٍ لَمْ تَضْمَنْ عَاقِلَةُ غَاصِبِهِ شَيْئًا لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا لَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ عَلَى دَابَّةٍ كَانَ سَبَبًا لِلتَّلَفِ فَإِنْ سَقَطَ مِنْهَا وَهِيَ وَاقِفَةٌ أَوْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا ضَمِنَهُ عَاقِلَةُ الْحَامِلِ إذَا كَانَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ أَوْ لَا
ــ
[كشف الأسرار]
الْوِلَايَةَ عَلَى الْمُكَاتَبِ الصَّغِيرِ وَجُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْكَبِيرِ حُكْمًا حَتَّى لَا يُوَلَّى عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَكْسَابِ وَلَا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُزَوَّجُ وَلَمَّا أُلْحِقَ بِالْكَبِيرِ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ يَدٌ لِلْمُسْتَوْلِي؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي نَفْسِهِ أَقْرَبُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ فَتَبَيَّنَ بِمَا قُلْنَا أَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ وَالْحُرُّ يَضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ مُبَاشَرَةً وَتَسْبِيبًا وَإِذَا قَتَلَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ رَجُلًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَتَّى ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَاقِلَتُهُ بِمَا ضَمِنَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَأَ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَوْ ثَبَتَ لِلْعَاقِلَةِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ كَانَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْحُرُّ لَا يَضْمَنُ بِالْيَدِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَكَمَا لَا تَضْمَنُ عَاقِلَةُ الْغَاصِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تَضْمَنْ إذَا مَاتَ الصَّبِيُّ بِمَرَضٍ لِمَا ذَكَرْنَا دَلِيلُ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يَعْنِي ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ سُقُوطِ السِّكِّينِ أَنَّ الدَّافِعَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ فِيهَا سَبَبٌ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ لِإِضَافَةِ السُّقُوطِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ إلَى بَعْضِ الْمَهَالِكِ وَذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الصَّبِيِّ نَفْسَهُ أَنَّ الدَّافِعَ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِاعْتِرَاضِ عِلَّةٍ تَمْنَعُ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الدَّفْعِ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الصَّبِيِّ رَجُلًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَوْتِ الصَّبِيِّ فِي يَدِهِ بِمَرَضٍ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ وَمِثْلُ مَنْ دَفَعَ سِكِّينًا فِي أَنَّهُ إذَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلُ مُخْتَارٍ انْقَطَعَ الْحُكْمُ عَنْهُ وَبَقِيَ سَبَبًا مَحْضًا وَإِلَّا كَانَ سَبَبًا فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ مَنْ حَمَلَ صَبِيًّا حُرًّا عَلَى دَابَّةٍ وَقَالَ أَمْسِكْهَا لِي وَلَيْسَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ كَانَ هَذَا أَيْ حَمْلُهُ سَبَبًا لِلتَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَيْهِ.
فَإِنْ سَقَطَ الصَّبِيُّ مِنْ الدَّابَّةِ وَهَلَكَ وَهِيَ وَاقِفَةٌ وَقَدْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْحَامِلِ أَيْ دِيَةَ الصَّبِيِّ سَوَاءٌ كَانَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ أَيْ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِ نَفْسِهِ وَضَبْطِهَا وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ سَبَبٌ لِإِتْلَافِهِ حِينَ حَمَلَهُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَوْلَا حَمْلُهُ لَمَا سَقَطَ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبِيلٍ مِنْهُ شَرْعًا وَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا بَعْدُ فَبَقِيَ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَيْهِ وَصَارَ الْحَامِلُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ كَالْمُبَاشِرِ فِي هَذَا الْبَابِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ سَاقَهَا الصَّبِيُّ وَهُوَ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا أَيْ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِ الدَّابَّةِ مِنْ السَّيْرِ وَعَلَى أَنْ يُسَيِّرَهَا عَلَى وَفْقِ إرَادَتِهِ انْقَطَعَ السَّبَبُ أَيْ لَمْ يَبْقَ السَّبَبُ مُعْتَبَرًا بِهَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ مُسْتَمْسِكًا عَلَى الدَّابَّةِ كَانَ مُحْتَارًا فِي تَسْيِيرِ الدَّابَّةِ وَالتَّلَفُ حَدَثَ تَسْيِيرُهَا فَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى السَّبَبِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ فَانْقَطَعَ بِهِ نِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَى السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ ضَمِنَ الْحَامِلُ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ مَوْضُوعٍ عَلَيْهَا فَلَا يُمْكِنُ نِسْبَةُ السَّيْرِ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُ بِهِ نِسْبَةَ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ بَقِيَ مُضَافًا إلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَيْ وَمِثْلُ دَافِعِ السِّكِّينِ أَوْ الْحَامِلِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا رَجُلٌ قَالَ لِصَبِيٍّ اصْعَدْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَانْفُضْ ثَمَرَتَهَا لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَوْ لِنَأْكُلَ نَحْنُ فَفَعَلَ فَعَطِبَ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ فَإِنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّقُوطِ وَالْهَلَاكِ مَا هُوَ عِلَّةٌ وَهُوَ صُعُودُ الصَّبِيِّ الشَّجَرَةَ بِاخْتِيَارِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيَنْقَطِعُ نِسْبَةُ الْحُكْمِ بِهَا عَنْ السَّبَبِ.
فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي قَوْلِهِ لِتَأْكُلَ أَنْتَ وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِ لِنَأْكُلَ نَحْنُ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ نِصْفُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِآكُلَ أَنَا يُوجِبُ كُلَّ الدِّيَةِ.
وَقَوْلُهُ: لِتَأْكُلَ أَنْتَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا فَإِذَا قَالَ لِنَأْكُلَ نَحْنُ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ فَيُوجِبُ سُقُوطَ نِصْفِهِ كَمَا إذَا لَدَغَتْهُ حَيَّةٌ وَجَرَحَهُ إنْسَانٌ يَسْقُطُ نِصْفُ الضَّمَانِ لِاجْتِمَاعِ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ (قُلْنَا) الْأَصْلُ أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ السَّبَبِ وَإِنَّمَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَاهُنَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الْإِضَافَةُ؛ لِأَنَّ صُعُودَ الصَّبِيِّ
لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَإِنْ سَاقَهَا الصَّبِيُّ وَهُوَ بِحَيْثُ يَصْرِفُهَا انْقَطَعَ التَّسْبِيبُ بِهَذِهِ الْمُبَاشَرَةِ الْحَادِثَةِ وَكَذَلِكَ رَجُلٌ قَالَ لِصَبِيٍّ اصْعَدْ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَانْفُضْ ثَمَرَتَهَا لِتَأْكُلَ أَنْتَ أَوْ لِنَأْكُلَ نَحْنُ فَفَعَلَ فَعَطِبَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ صَاحِبُ سَبَبٍ وَلَوْ قَالَ لِآكُلَ أَنَا ضَمِنَ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ لَمَّا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ لَهُ وَمَسَائِلُنَا عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى.
فَأَمَّا الَّذِي يُسَمَّى سَبَبًا مَجَازًا فَمِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَمِثْلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَمِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ سُمِّيَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ سَبَبًا مَجَازًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا وَالْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ وَذَلِكَ قَطُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِلْجَزَاءِ وَلَا لِلْكَفَّارَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَئُولَ إلَيْهِ سُمِّيَ سَبَبًا مَجَازًا
ــ
[كشف الأسرار]
بِاخْتِيَارِهِ لِمَنْفَعَةِ دُرِّ نَفْسِهِ قَدْ وُجِدَ وَهُوَ صَالِحٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ إشْرَاكُ الْأَمْرِ نَفْسِهِ فِي الْمَنْفَعَةِ بِقَوْلِهِ لِنَأْكُلَ نَحْنُ صَالِحًا لِلْإِضَافَةِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ سَبَبٌ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ دُونَ السَّبَبِ فَأَمَّا الْجَرْحُ وَاللَّدْغُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ لِلتَّلَفِ فَإِذَا اجْتَمَعَا وَتَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْأَمْرَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ لَمَّا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ لَهُ يَعْنِي لَمَّا وَقَعَتْ مُبَاشَرَةُ الصَّبِيِّ عِلَّةَ التَّلَفِ وَهِيَ الصُّعُودُ لِلْأَمْرِ بِحُكْمِ الْأَمْرِ صَارَ الْأَمْرُ مُسْتَعْمَلًا لَهُ فِي التَّلَفِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ وَأُضِيفَ فِعْلُ الصَّبِيِّ إلَيْهِ فَصَارَ أَمْرُهُ سَبَبًا فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ بِإِضَافَةِ الْعِلَّةِ إلَيْهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ السَّبَبَ الْمَحْضَ لَا يُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَيُضَافُ إلَى السَّبَبِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي يُسَمَّى سَبَبًا مَجَازًا) أَيْ السَّبَبُ الَّذِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّبَبِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَا الْقِسْمُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَقْسَامِ سِوَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَجَازًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ خَلَا عَنْ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْضَاءِ فِيهِ مَوْجُودٌ مَعَ زِيَادَةِ مَعْنًى وَهُوَ التَّأْثِيرُ وَمِثْلُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ النَّذْرُ قَدْ يُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِشَرْطِ الْإِيرَادِ كَوْنُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَلَيَّ كَذَا وَقَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرَادُ كَوْنُهُ سَبَبًا فِي الْحَالِ إذْ الْغَرَضُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيقِ حُصُولُ الشَّرْطِ فَكَانَ مَقْضِيًّا إلَى وُجُودِ الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ عَدَمُ الشَّرْطِ فَلَا يَكُونُ مُفْضِيًا إلَى وُجُودِ الْمَشْرُوطِ فَيَكُونُ تَسْمِيَتُهُ سَبَبًا مَجَازًا فَأَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ الْمُعَلَّقُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ إلَى أَنَّ الْوَجْهَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَصِلْ إلَى ذِمَّتِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَبَبًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَبَيْعِ الْحُرِّ إلَّا أَنَّهُ يَنْعَقِدُ تَصَرُّفٌ آخَرُ وَهُوَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ لِمَقْصُودٍ وَفِي ذَلِكَ الْمَقْصُودِ قَدْ صَادَفَ التَّصَرُّفَ مَحَلَّهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَكَانَ هَذَا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْمَى فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا عَلَى أَنْ يَصِيرَ قَتْلًا بِالْوُصُولِ إلَيْهِ ثُمَّ السِّرَايَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ فَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّهِ فَلَا يَكُونُ قَتْلًا وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تُرْسٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا كَذَا فِي التَّقْوِيمِ.
وَمِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ يَعْنِي قَبْلَ الْحِنْثِ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَأَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مَجَازًا يَعْنِي سُمِّيَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِلْكَفَّارَةِ وَسُمِّيَ الْمُعَلَّقُ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ لَا أَنَّ الْيَمِينَ أَوْ الْمُعَلَّقَ سَبَبٌ حَقِيقَةً لِمَا بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا إلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَالَ أَدْنَى؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي هُوَ عِلَّةٌ حَقِيقَةً أَوْ السَّبَبَ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ أَوْ طَرِيقٌ إلَيْهِ مَعَ نَوْعِ تَأْثِيرٍ فَاَلَّذِي لَا تَأْثِيرَ فِيهِ يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّبَبِيَّةِ حَقِيقَةً وَالْيَمِينُ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِهِ وَالْبِرُّ قَطُّ لَا يَكُونُ طَرِيقًا لِلْجَزَاءِ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا لِلْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عز وجل؛ لِأَنَّ الْبِرَّ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَبِدُونِ الْحِنْثِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَانِعُ عَنْ الْحُكْمِ سَبَبًا لِثُبُوتِهِ وَطَرِيقًا إلَيْهِ فِي الْحَالِ لَكِنَّهُ أَيْ الْحَلِفَ أَوْ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ أَوْ الْيَمِينُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَئُولَ إلَيْهِ أَيْ يُفْضِيَ إلَى الْحُكْمِ
وَهَذَا عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله جَعَلَهُ سَبَبًا هُوَ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ وَعِنْدَنَا لِهَذَا الْمَجَازِ شُبْهَةُ الْحَقِيقَةِ حُكْمًا خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله وَذَلِكَ تَبَيَّنَ فِي مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ هَلْ يُطْلَقُ التَّعْلِيقُ أَمْ لَا فَعِنْدَنَا يُبْطِلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَصِيرَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ وَإِذَا صَارَ مَضْمُونًا بِهِ صَارَ لِمَا ضَمِنَ بِهِ الْبِرَّ لِلْحَالِ شُبْهَةُ الْوُجُوبِ كَالْمَغْصُوبِ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ فَيَكُونُ لِلْغَصْبِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ شُبْهَةُ إيجَابِ الْقِيمَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ الشُّبْهَةُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ كَالْحَقِيقَةِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْمَحَلِّ فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بَطَلَ
ــ
[كشف الأسرار]
وَهُوَ الْجَزَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ سُمِّيَ سَبَبًا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَتَسْمِيَةِ الْعِنَبِ خَمْرًا فِي قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وَتَسْمِيَةِ الْبَيْضِ صَيْدًا فِي قَوْله تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} [المائدة: 94] فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْبَيْضُ فِي عَامَّةِ الْأَقَاوِيلِ وَتَسْمِيَةُ الْأَحْيَاءِ أَمْوَاتًا فِي قَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] .
قَوْلُهُ (وَهَذَا عِنْدَنَا) أَيْ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ وَالْيَمِينِ لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ فِي الْحَالِ فَضْلًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا مَعْنَى الْعِلَّةِ مَذْهَبُنَا حَتَّى لَمْ يَجُزْ التَّكْفِيرُ بَعْدَ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَجَوَّزْنَا التَّعْلِيقَ بِالْمِلْكِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله جَعَلَهُ أَيْ الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْيَمِينُ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ سَبَبًا هُوَ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ وَالْمُعَلَّقَ هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْجَزَاءَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا فِي الْحَالِ لَا عِلَّةً بِاعْتِبَارِ تَأَخُّرِ الْحُكْمِ وَلَكِنْ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ لَا غَيْرُ وَإِذَا كَانَ سَبَبًا فِي الْحَالِ بِمَعْنَى الْعِلَّةِ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَالْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْعَبْدُ الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِهِ لَيْسَا بِمَحَلَّيْنِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ جِهَةِ هَذَا الْمُتَكَلِّمِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ (وَعِنْدَنَا لِهَذَا الْمَجَازِ) يَعْنِي الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ الَّذِي سَمَّيْنَاهُ مَجَازًا وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ طَالِقٌ شُبْهَةُ الْحَقِيقَةِ أَيْ جِهَةُ كَوْنِهِ عِلَّةً حَقِيقَةً مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ خَالٍ عَنْ شُبْهَةِ الْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ مَجَازٌ مَحْضٌ وَذَلِكَ أَيْ الْخِلَافُ يَتَبَيَّنُ فِي مَسْأَلَةِ التَّنْجِيزِ هَلْ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُلُثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالتَّنْجِيزُ تَفْعِيلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَاجَزَ يُنَاجِزُ أَيْ نَقَدَ يَنْقُدُ وَأَصْلُهُ التَّعْجِيلُ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ فَعِنْدَنَا يُبْطِلُ التَّنْجِيزُ التَّعْلِيقَ حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ شُرِعَتْ لِلْبِرِّ يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِغَيْرِهِ تَحْقِيقُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَلِفِ كَانَ جَائِزَ الْإِقْدَامِ وَالتَّرْكِ فَإِذَا قَصَدَ الْحَالِفُ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَتَحْقِيقَهُ أَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُوَّةِ لِيَتَقَوَّى بِهَا عَلَى تَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَصِيرَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ فَاتَ الْبِرُّ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لَا مَحَالَةَ فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عز وجل لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْيَمِينِ مِنْ الْحَمْلِ وَالْمَنْعِ وَإِذَا صَارَ الْبِرُّ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ يَعْنِي فِي الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى صَارَ لِمَا ضَمِنَ بِهِ الْبِرُّ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا شُبْهَةُ الْوُجُوبِ أَيْ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ يَعْنِي قَبْلَ فَوَاتِ الْبِرِّ كَالْمَغْصُوبِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَغْصُوبِ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ الْغَصْبُ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ شُبْهَةَ إيجَابِ الْقِيمَةِ حَتَّى صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْقِيمَةِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِهَا حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثُبُوتٌ بِوَجْهٍ لَمَا صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كَمَا لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْغَصْبِ.
وَتَحْقِيقُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبِرَّ وَجَبَ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَوْفِ لُزُومِ الْجَزَاءِ لَا لِعَيْنِهِ إذْ لَيْسَ إلَى الْعَبْدِ إيجَابُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ نَصْبُ شَرِيعَةٍ وَهُوَ نَزَعَ إلَى الشِّرْكَةِ وَمَا ثَبَتَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَالْبِرُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاجِبٌ كَانَ ثَابِتًا مَوْجُودًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ لِعَيْنِهِ كَانَ مَعْدُومًا فِي نَفْسِهِ فَثَبَتَ لَهُ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ يَثْبُتُ بِقَدْرِهَا عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ لِلْجَزَاءِ فَثَبَتَ لِسَبَبِهِ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ أَيْضًا لِيَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا عَنْ قَدْرِ سَبَبِهِ
وَعَلَى قَوْلِهِ لَا شُبْهَةَ لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْمِلْكُ لِلْحَالِ اُعْتُبِرَ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ لِيَصِحَّ الْإِيجَابُ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لِلْبَقَاءِ
ــ
[كشف الأسرار]
فَعَرَفْنَا أَنَّ لِهَذَا السَّبَبِ وَهُوَ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ شُبْهَةَ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ وَلَا يُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ ثَبَتَ لِلْبِرِّ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْتُمْ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْجَزَاءِ بِقَدْرِهَا عَرَضِيَّةُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْجَزَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِفَوَاتِ الْبِرِّ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَا بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْبِرِّ فِيهَا أَصْلِيٌّ بِخِلَافِ الْمُنْعَقِدَةِ وَعَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ لِلْبِرِّ لَوْ ثَبَتَتْ إنَّمَا تَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْبِرِّ غَيْرَ وَاجِبٍ لِعَيْنِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ لَا أَنْ تَثْبُتَ لَهُ عَرَضِيَّةُ الْعَدَمِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَثْبُتْ عَرَضِيَّةُ الْوُجُودِ لِلْجَزَاءِ بِهَذِهِ الْعَرَضِيَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرْت مُسَلَّمٌ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ فِي التَّعْلِيقِ قَدْ يَثْبُتُ الْجَزَاءُ عِنْدَ عَدَمِ الْبِرِّ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا يَثْبُتُ عِنْدَ فَوَاتِ الْبِرِّ بَعْدَ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت أَمْسِ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَقَدْ كَانَ فَعَلَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَعَرَضِيَّةُ عَدَمِ الْبِرِّ فِيهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ تُوجِبُ عَرَضِيَّةَ وُجُودِ الْجَزَاءِ بِقَدْرِهَا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَيْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا بَيَّنَّا مِنْ ثُبُوتِ شُبْهَةِ السَّبَبِيَّةِ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَمْ يَبْقَ شُبْهَةُ السَّبَبِ إلَّا فِي مَحَلِّهِ أَيْ مَحَلِّ السَّبَبِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الشُّبْهَةِ وَتَذْكِيرُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَى التَّذْكِيرِ إذْ لَا يُقَالُ شَبَهٌ وَشُبْهَةٌ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ الشَّيْخُ رحمه الله لَا بُدَّ لِشُبْهَةِ السَّبَبِ مِنْ مَحَلٍّ يَبْقَى فِيهِ كَمَا لَا بُدَّ لِحَقِيقَةِ السَّبَبِ مِنْ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الشَّيْءِ لَا تَثْبُتُ فِيمَا لَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ شُبْهَةَ النِّكَاحِ لَا تَثْبُتُ فِي الرِّجَالِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا فِي حَقِّ الْمَحَارِمِ عِنْدَهُمَا وَأَنَّ شُبْهَةَ الْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَا تَثْبُتُ فِيهِمَا فَإِذَا فَاتَ الْمَحَلُّ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ بَطَلَ أَيْ التَّعْلِيقُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَطَلَتْ أَيْ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ أَوْ الْيَمِينَ يَثْبُتُ بِصِفَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُعَلَّقِ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ لَمْ يَبْقَ التَّعْلِيقُ لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَا يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ مَحَلِّ الشَّرْطِ بِأَنْ جَعَلَ الدَّارَ بُسْتَانًا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاءُ الْمِلْكِ لِبَقَاءِ التَّعْلِيقِ كَمَا شَرَطَ الْحِلَّ؛ لِأَنَّ مَحَلِّيَّةَ الطَّلَاقِ تَثْبُتُ بِمَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَمَحَلِّيَّةُ النِّكَاحِ تَفْتَقِرُ إلَى بَقَاءِ الْحِلِّ وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى بَقَاءِ الْمِلْكِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْغَرِيَّةِ وَشَرْطُ الْمِلْكِ فِي الِابْتِدَاءِ لِمَا سَنَذْكُرُ.
قَوْلُهُ (وَعَلَى قَوْلِهِ) أَيْ قَوْلِ زُفَرَ لَا شُبْهَةَ لَهُ أَصْلًا يَعْنِي لَيْسَ لِهَذَا الْمَجَازِ شُبْهَةُ الْحَقِيقَةِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلسَّبَبِ، وَشُبْهَتُهُ مِنْ مَحَلٍّ يَنْعَقِدُ فِيهِ كَالسَّبَبِ الْحِسِّيِّ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ حَائِلٌ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَمَحَلِّهِ فَأَوْجَبَ قَطْعَ السَّبَبِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالتُّرْسِ إذَا حَالَ بَيْنَ الرَّمْيِ وَالْمَرْمِيِّ إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ جِهَةُ السَّبَبِيَّةِ بِوَجْهٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمَحَلِّ وَاحْتِمَالُ صَيْرُورَتِهِ سَبَبًا فِي الزَّمَانِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ اشْتِرَاطَ الْمَحَلِّ فِي الْحَالِ بَلْ يَكْفِيهِ احْتِمَالُ حُدُوثِ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ قَائِمٌ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهَا إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ وَهُوَ فِي الْحَالِ يَمِينٌ وَمَحَلُّهَا ذِمَّةُ الْحَالِفِ فَتَبْقَى بِبَقَائِهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا الْمِلْكُ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا خَلَا الْمُعَلَّقُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ حَقِيقَةً وَشُبْهَةً يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْمِلْكُ وَالْحِلُّ فِي ابْتِدَاءِ التَّعْلِيقِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ فِيهِ سَوَاءٌ لَمَّا شَرَطَ الْمِلْكَ وَالْحِلَّ فِي ابْتِدَاءٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَمْ يَحُلْ عَنْ شُبْهَةِ السَّبَبِيَّةِ فَقَالَ اشْتِرَاطُ الْمِلْكِ
فَكَذَلِكَ الْحِلُّ وَذَلِكَ مِثْلُ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَصِحُّ فِي امْرَأَةٍ حَرُمَتْ بِالثَّلَاثِ عَلَى الْحَالِفِ بِالْمِلْكِ وَإِنْ عَدِمَ الْحِلَّ عِنْدَ الْحَلِفِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ فَصَارَ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْإِيجَابُ الْمُضَافُ فَهُوَ سَبَبٌ لِلْحَالِ وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْعِلَلِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
وَأَمَّا السَّبَبُ الَّذِي لَهُ شُبْهَةُ الْعِلَلِ فَمِثْلُ مَا قُلْنَا فِي الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ــ
[كشف الأسرار]
فِي الِابْتِدَاءِ لَيْسَ لِشُبْهَةِ السَّبَبِيَّةِ وَلَكِنْ اشْتِرَاطُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذَا تَصَرُّفُ يَمِينٍ وَهِيَ وُضِعَتْ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْجَزَاءِ كَمَا بَيَّنَّا فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَتَضَرَّرُ بِهِ عِنْدَ تَرْكِ الْبِرِّ يَتَحَرَّزُ عَنْهُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ التَّرْكِ لَا يُبَالِي بِفَوَاتِ الْبِرِّ فَيُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْيَمِينِ فَشَرَطَ الْمِلْكَ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَكُونَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ الرَّاهِنَةِ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْيَمِينُ بِوُجُودِ الْمِلْكِ لَمْ يُشْتَرَطْ لِلْبَقَاءِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَكَالْمِلْكِ الْحِلُّ يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَقَاءِ.
ثُمَّ اسْتَوْضَحَ مَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ التَّعْلِيقِ أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْحِلِّ لِبَقَاءِ التَّعْلِيقِ مِثْلُ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَإِنَّ تَعْلِيقَ الثَّلَاثِ بِالْمِلْكِ فِي امْرَأَةٍ حَرُمَتْ عَلَى الْحَالِفِ بِالثَّلَاثِ يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَلَأَنْ يَبْقَى بِدُونِ الْحِلِّ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ.
وَالْجَوَابُ يَعْنِي عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ زُفَرُ وَهُوَ مَسْأَلَةُ التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ وَهُوَ النِّكَاحُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقُ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الطَّلَاقِ يُسْتَفَادُ بِالنِّكَاحِ فَكَانَ النِّكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ لَهُ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِحَقِيقَةِ عِلَّتِهِ يُبْطِلُ حَقِيقَةَ الْإِيجَابِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ أَعْتَقْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ بَاطِلًا وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ مُوجِبُ هَذَا التَّطْلِيقِ فَالتَّعْلِيقُ بِشُبْهَةِ الْعِلَّةِ يُبْطِلُ شُبْهَةَ الْإِيجَابِ اعْتِبَارًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ ذَلِكَ أَيْ كَوْنُ هَذَا الشَّرْطِ فِي حُكْمِ الْعِلَلِ مُعَارِضًا لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ أَيْ مَانِعًا لَهَا مِنْ الثُّبُوتِ وَهِيَ شُبْهَةُ وُقُوعِ الْجَزَاءِ وَثُبُوتُ السَّبَبِيَّةِ لِلْمُعَلَّقِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ السَّابِقَةُ عَلَيْهِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الشَّرْطِ وَمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ أَنَّ أَصْلَ التَّعْلِيقِ يُوجِبُ ثُبُوتَ شُبْهَةِ وُقُوعِ الْجَزَاءِ وَكَوْنُ الشَّرْطِ فِي مَعْنَى الْعِلَلِ يَقْتَضِي عَدَمَ ثُبُوتِهَا فَامْتَنَعَ ثُبُوتُهَا بِمُعَارَضَتِهِ وَإِذَا امْتَنَعَ ثُبُوتُهَا بِمُعَارَضَةِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الْعِلَلِ لَمْ يُشْتَرَطْ قِيَامُ مَحَلِّ الْجَزَاءِ بَعْدُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لَهُ بَلْ يَبْقَى التَّعْلِيقُ مُطْلَقًا مُجَرَّدًا عَنْ الشُّبْهَةِ وَمَحَلُّهُ ذِمَّةُ الْخَالِفِ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ مَحْضَةٌ فَتَبْقَى بِبَقَائِهَا.
وَبَاقِي الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ.
قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْإِيجَابُ الْمُضَافُ فَهُوَ سَبَبٌ لِلْحَالِ) إذْ الْمَانِعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِيجَابِ سَبَبًا فِيهَا فِيمَا تَقَدَّمَ بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّعْلِيقِ الَّذِي هُوَ حَائِلٌ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَبَيْنَ مَحَلِّهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ الْمُضَافِ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا إلَّا أَنَّ حُكْمَهُ يَتَأَخَّرُ إلَى الْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْإِضَافَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ إضَافَةَ إيجَابِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُسَافِرِ إلَى عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ لَا يُخْرِجُ شُهُودَ الشَّهْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي حَقِّهِ حَقِيقَةً مِثْلُهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ حَتَّى صَحَّ الْأَدَاءُ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُقِيمِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ غَيْرُ مَانِعَةٍ عَنْ سَبَبِيَّةِ الْإِيجَابِ
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَتَصَدَّقَ بِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ صَحَّ عَنْ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ دَخَلَتْ عَلَى الْحُكْمِ فَأَجَّلَهُ لَا عَلَى نَفْسِ السَّبَبِ فَإِذَا عَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ صَحَّ كَمَا إذَا عَجَّلَ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ أَوْ عَجَّلَ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ
بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَعَجَّلَ قَبْلَ مَجِيئِهِ حَيْثُ لَا يَقَعُ عَنْ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا لِلشَّرْطِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَا يَصِحُّ