الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّرْجِيحِ) :
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا
ــ
[كشف الأسرار]
الْحُكْمُ الْمَطْلُوبُ مِنْ التَّعْلِيلِ مَعَ وُرُودِ النَّقْضِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفَسَّرِ فَلِهَذَا اخْتَرْنَا هَذِهِ الْعِبَارَةِ، قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رحمه الله وَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الدَّفْعِ تَبَيَّنَ الْفِقْهُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِضَرْبِ مَعْنًى يُنَالُ بِالتَّأَمُّلِ وَالِاسْتِنْبَاطِ فَالدَّفْعُ عَلَى طُرُقِ الْفِقْهِ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِوُجُوهٍ لَا يُنَالُ إلَّا بِضَرْبِ تَأَمُّلٍ فَأَمَّا الدَّفْعُ بِأَلْفَاظٍ ظَاهِرَةٍ فَمِمَّا يَقَعُ بِهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ النُّقُوضِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ فَلَا يَكُونُ فِقْهًا.
قَالَ: وَقَدْ زَادَ مَشَايِخُنَا مِنْ أَصْحَابِ الطَّرْدِ فِي هَذِهِ الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَعَلَّلُوا لِمَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَسْحٌ بِالْمَاءِ فَأَشْبَهَ مَسْحَ الْخُفِّ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِلَفْظٍ ظَاهِرٍ وَعَلَّلُوا لِلدَّمِ السَّائِلِ بِأَنَّهُ نَجَسٌ خَارِجٌ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي نَفْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِ السَّائِلِ بِلَفْظٍ ظَاهِرٍ وَعَلَّلُوا لِإِيجَابِ الْمِلْكِ فِي الْمَغْصُوبِ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ بِأَنَّهُ سَبَبٌ أَوْجَبَ مِلْكَ الْبَدَلِ فَيُوجِبُ مِلْكَ الْمُبْدَلِ الْقَابِلِ لِلْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُدَبَّرِ، وَأَنَّهُ سَمِجٌ سَمَاعًا، وَلَغْوٌ ذِكْرًا لِوُقُوعِ الْغُنْيَةِ عَنْهُ بِمَا دُونَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
قَوْلُهُ: (وَإِذَا قَامَتْ الْمُعَارَضَةُ) وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ بِذَلِكَ فِي بَيَانِ دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا فَقَالَ: وَإِذَا قَامَتْ الْمُعَارَضَةُ أَيْ تَحَقَّقَتْ بِأَنْ لَمْ تَنْدَفِعْ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمَسْلُوكَةِ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ مِنْ الْمُمَانَعَةِ وَالْقَلْبِ وَنَحْوِهِمَا كَانَ السَّبِيلُ فِيهِ أَيْ فِي دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ التَّرْجِيحَ فَإِنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِ الْمُجِيبِ أَنْ يُسَاوِيَهُ السَّائِلُ فِي الدَّرَجَةِ بِإِقَامَةِ دَلِيلٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا اقْتَضَاهُ دَلِيلُ الْمُجِيبِ فَوَجَبَ دَفْعُهُ بِبَيَانِ التَّرْجِيحِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِلْمُجِيبِ التَّرْجِيحُ صَارَ مُنْقَطِعًا وَإِنْ رَجَّحَ الْمُجِيبُ عِلَّتَهُ فَلِلسَّائِلِ أَنْ يُعَارِضَ تَرْجِيحَهُ بِتَرَجُّحِ عِلَّتِهِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَارِضَ عِلَّتَهُ بِعِلَّتِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَرْجِيحُ عِلَّتِهِ لَزِمَهُ مَا ادَّعَاهُ الْمُجِيبُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ، وَإِهْمَالُ الْمَرْجُوحِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ عَلَى مَا سَنُبَيِّنُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ التَّرْجِيحِ]
[الْقِسْمُ الْأَوَّل تَفْسِيرِ التَّرْجِيحِ وَمَعْنَاهُ]
(بَابُ التَّرْجِيحِ) :
اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالتَّرْجِيحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْوَاجِبُ عِنْدَ التَّعَارُضِ التَّوَقُّفُ أَوْ التَّخْيِيرُ دُونَ التَّرْجِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] فَقَدْ أَمَرَ بِالِاعْتِبَارِ، وَالْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ اعْتِبَارٌ.
وَقَوْلُهُ عليه السلام وَنَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَالْحُكْمُ بِالْمَرْجُوحِ حُكْمٌ بِالظَّاهِرِ؛ وَلِأَنَّ الْأَمَارَاتِ الظَّنِّيَّةَ لَا تَزِيدُ عَلَى الْبَيِّنَاتِ، وَالتَّرْجِيحُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَيِّنَاتِ حَتَّى لَمْ تُرَجَّحْ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ فَكَذَا فِي الْأَمَارَاتِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى صِحَّةِ التَّرْجِيحِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ مُتَمَسِّكِينَ فِي ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ عَلَى تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ عَلَى الْبَعْضِ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارَضَةٍ فَإِنَّهُمْ قَدَّمُوا خَبَرَ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ عَلَى خَبَرِ مَنْ رَوَى أَنْ «لَا مَاءَ إلَّا مِنْ الْمَاءِ» ، وَقَدَّمُوا أَيْضًا مَنْ رَوَتْ مِنْ أَزْوَاجِهِ «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا، وَهُوَ صَائِمٌ» عَلَى مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُمْ - «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صِيَامَ لَهُ» .
وَقَوَّى عَلِيٌّ خَبَرَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما فَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَحَلَّفَ غَيْرَهُ وَقَوَّى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه خَبَرَ الْمُغِيرَةِ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ لَمَّا رَوَى مَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ؛ وَلِأَنَّ الْعُقَلَاءَ يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ بِعُقُولِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ، وَالْأَصْلُ تَنْزِيلُ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى